كتاب العلم (28)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ الحَيَاءِ فِي العِلْمِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «لاَ يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ»، وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنها-: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ».

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها-، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا رَأَتِ المَاءَ»، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟!».

 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟»، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِيَ النَّخْلَةُ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ الحَيَاءِ فِي العِلْمِ"، ويشمل الحياء من المتعلم أو من العالم؛ لأنه قد يحمله يحمل كلًّا منهما الخجل وليس الحياء الشرعي، الخجل يحمل العالم ألا ينطق ببعض الأشياء التي ينبغي أن تلقى وتطرح، يستحيي من ذلك، وطالب العلم أحيانًا، وهذا كثير في طلاب العلم قد يحمله الخجل على ألا يسأل الشيخ بحضرة الطلاب فيخشى أن يُضحك عليه أو يقول كلمة لم يعتدها الناس فيكتمها، وهو بحاجة إليها في مسألة علمية.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ" ابن جبر التابعي الجليل: "«لاَ يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ»"، يعني المستحيي الذي هو الخجِل، وإلا فالحياء خير كله كما جاء في الحديث الصحيح: «الحياء خير كله»، فالخجل الذي يمنع من الاستفصال فيما ينبغي الاستفصال فيه أو السؤال عما ينبغي السؤال عنه، الخجل الذي منع من ذلك لا شك أنه يصد عن العلم، وكذلك المستكبر، وهذا يوجد بين الطلبة من يتصف بهذا الخلق الذميم؛ لأنه يحتاج إلى هذه المسألة فيقول: لا أسأل عنها؛ لأنه يظنها مسألة سهلة، أو لئلا يُظن أنها مسألة سهلة، فكيف يسأل عنها، ألم تخف عليك وأنت بحاجة إلى هذا الحكم؟ فتركك للاستفهام والسؤال خشية أن تلام أو يُظن بك أن تكون أقل مما يتصوره غيرك، هذا سببه؟

طالب: الكبر.

نعم الكبر، والباعث عليه أو الأصل فيه عدم معرفة الإنسان قدر نفسه. أما لو عرف الإنسان قدر نفسه يرتاح من كثير من الأمور، يظن أن له موقعًا وله مركزًا وله شيئًا خلاف الواقع الذي هو فيه، فيظن أنه يسقط من أعين الناس إذا سأل مثل هذا السؤال فتأخذه الأنفة والكبر فلا يسأل، مثل هذا لا يتعلم، بل يُحرم من العلم، وقال الله -جَلَّ وعَلا-: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [الأعراف: 146]، فالذي عنده كبر وأنفة يُصرف عن العلم، وبالذات ما يتعلق بكتاب الله من حفظه وفهمه وتعلمه وتعليمه، كل هذا يُصرف عنه.

وبعض المترجمين لشيخ الإسلام لما رأى فيه من القوة والجرأة والشجاعة العلمية والرد على المخالف كائنًا من كان، كأنه لمزه يعني عنده شيء من الكبر والعظمة أو شيء من هذا، ليس بالقول الصريح، لكن يُفهم منه. فمفتي حضرموت عبيد الله بن عبد الرحمن السقاف قال: وقفت على من لمز شيخ الإسلام بهذا، وهذا بعيد جدًّا؛ لأن القرآن على طرف لسانه وعلى أسلة بنانه، ولو كان عنده شيء من هذا لصرف عن القرآن، والله المستعان.

"وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ»"، فيسألن عن جميع ما يُحتاج إليه، يسألن عما يُحتاج إليه.

قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ"، وهو محمد بن الخازن الضرير، "قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ" يعني ابن عروة، "عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ" ربيبة النبي- عليه الصلاة والسلام-، "قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أم سليم بنت ملحان؟ أم أنس أم خالته؟ نعم، "فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟" مسألة خاصة، وإذا كان الحياء في مثل هذا له وجه فهذه من أولى ما يستحيا منه؛ لأن السامع -حاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد يسرح ذهنه بمسارح، ويتوقع أشياء من هذا السؤال أو من ورائه أو في فحواه.

"هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا رَأَتِ المَاءَ»"، نعم الحكم منوط برؤية الماء في الاحتلام، والرؤية أعم من أن تكون بصرية، كل ما يفيد العلم يعتبر رؤية، لو مسَّه بيده أو أحس به في مواضعه بما لا شك فيه، لو قلنا: إن الرؤية بصرية قلنا: الأعمى ما عليه غسل وقلنا: في الليل والظلام لا يراه الإنسان ما فيه غسل، لكن الرؤية أعم من أن تكون بصرية، تكون بصرية وتكون علمية.

"فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ" أم المؤمنين، "تَعْنِي وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟" أم سلمة ما تتصور أن المرأة تحتلم، "قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟!»"، أي أن ابنها إذا احتلمت كما إذا جُومعت يخرج منها الماء الذي إن سبق ماء الرجل آنث، وإن سبقه ماء الرجل أذكر، والشبه يكون بهذا السبب، فتجد الولد أحيانًا يشبه أخواله وأحيانًا يشبه أعمامه بحسب الغالب من الماءين.

والآن يدور على ألسنة الأطباء وغيرهم ممن يسمع كلامهم أن الشبه يمكن أن يُتحكم فيه، ويسمونه الجينات، يمكن أن يُتحكم فيه، كل هذا يقولونه.

طالب: .......

نعم، قالوا: الجينات يمكن أن نتحكم فيها، فماذا تريد من الولد؟ أبيض أم أسمر أم طويل أم قصير لا يشبه أمه أو يشبه خاله، زعموا ذلك، وكذلك الذكورة والأنوثة، في كلام طويل واستدراج لا يليق بمسلم، تدرج وتدرج لا يليق بمسلم أمام التسليم لقضاء الله وقدره واختصاص الله -جَلَّ وعَلا- في علم هذا الأمر: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34].

طالب: .......

هذا الحديث نعم، علا أيضًا «إذا علا ماء الرجل» نفس الشيء.

طالب: .......

الله أعلم، هذه أمور تفصيلية ودقيقة، وعلى المسلم أن يُسلم لقضاء الله وقدره، ولا يدخل في هذه الأمور التي قد توصله إلى مصادمة النصوص، يبقى الإنسان على فطرته. والآن يُطالب ببنوك للنطف، وهي موجودة في الغرب في أمريكا وأوروبا وغيرها، بنوك، بحيث تأتي المرأة تقول: أريد نطفة رجل جميل، أو نطفة رجل شجاع، أو نطفة رجل ذكي أو كذا وكذا.

طالب: .......

صح، ابتلاء، قد يكون شيئًا ابتلاء.

طالب: .......

لا، وقد يقع طبق ما يقولون ابتلاء من الله -جَلَّ وعَلا-، اختبار لإيمان هذا الرجل وتسليمه. الآن يطالب في بلاد المسلمين أن توجد مثل هذه البنوك بحجة أن بعض الناس قد يحتاج، يكون عنده قدرة على الإنجاب، وقبل أن يتزوج يتعرض لحادث، أو يتعرض لمرض علاجه يقضي على الإنجاب فيؤخذ ويوضع في البنك، وإذا تزوج يؤخذ منه ويوضع في مرأته، ولا يُحرم من الذرية.

هذا فيه مطالبة عندنا، والله المستعان. كأن الإيمان بقضاء الله وقدره، وما في الغيب لا يعلمه إلا الله. كم من شخص حرص على الولد فصار مصدر شقائه، تمنى أنه هو لم يوجد فضلاً عن الولد، والله المستعان.

طالب: .......

نعم، لكن ما هو بالسبق الذي نعرفه نحن، ما يدرى، السبق إلى المستقر، ما ندري نحن عايشين.

طالب: .......

ممكن ....... شيء على الحقيقة مقدم عليه، اليقظة مقدمة على الرؤية.

طالب: .......

ما يجوز بعد مماته، خلاص بانت منه، ما صارت زوجة .......

طالب: .......

بعد الوفاة مثل الرجل الأجنبي، الخلاف فيما إذا كان في حياتهما، فيه خلاف قوي كبير.

طالب: .......

نعم، هو الأصل التحريم، وصدرت فتوى من هيئة كبار العلماء سنة 1416 بالإجماع بتحريم تخزين النطف، تجميد النطف .......  

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (قوله: باب الحياء، أي حكم الحياء، وقد تقدم أن الحياء من الإيمان، وهو الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود، وأما ما يقع سببًا لترك أمر شرعي فهو مذموم، وليس هو بحياء شرعي وإنما هو ضعف ومهانة، وهو المراد بقول مجاهد: «لا يتعلم العلم مستحيي» وهو بإسكان الحاء، و«لا» في كلامه نافية لا ناهية، ولهذا كانت ميم «يتعلم») «لا يتعلمُ» (مضمومةً، وكأنه أراد تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما يؤثِّر كلٌّ منهما من النقص في التعليم. وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن المديني عن ابن عيينة عن منصور عنه، وهو إسناد صحيح على شرط المصنف).

 على كل حال هو معلق بصيغة الجزم وهو صحيح.

 (قوله: وقالت عائشة، هذا التعليق وصله مسلم من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة في حديث أوله: أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن غسل المحيض.

قوله: هشام هو ابن عروة بن الزبير، وفي الإسناد من اللطائف رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها، وفيه رواية الابن عن أبيه، والبنت عن أمها، وزينب هي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ربيبة النبي -صلى الله عليه وسلم- نُسبت إلى أمها تشريفًا؛ لكونها زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-).

 كما جاء في حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر وهو حامل أمامة بنت زينب، ما قال: بنت أبي الربيع أبي العاص بن الربيع، ما قال هذا، بل نسبها إلى أمها لشرف النسبة إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهنا نُسبت إلى أمها؛ لأنها زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-.

(قوله: جاءت أم سليم هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك. قوله: «إن الله لا يستحيي من الحق» أي لا يأمر بالحياء في الحق) نفي لهذه الصفة عن الله -جَلَّ وعَلا- في هذا الموضع: «من الحق»، وأما صفة الحياء فهي ثابتة: «إن الله يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما سفرًا».

(وقدمت أم سليم هذا الكلام بسطًا لعذرها في ذِكر ما تستحيي النساء من ذِكره بحضرة الرجال، ولهذا قالت لها عائشة كما ثبت في صحيح مسلم: فضحتِ النساء) هو على كل حال الصفة منفية، والصفة المنفية ما يؤخذ منها صفة مثبتة.

طالب: .......

ماذا يقول؟

طالب: يقول ليس في هذا تفسير للاستحياء مضافًا إلى الله -عزَّ وجلَّ-.

نعم منفي.

طالب: ولا تفسير لنفي الاستحياء، فليس فيه تعرض لإثبات الاستحياء أو نفيه عن الله -عزَّ وجلَّ- .......

لا لا، الصفة إذا جاءت بصيغة النفي يؤولها ....... له ذلك، تأويلاً صحيح، ولا يكون النفي للصفة؛ لأن هذه الصفة بالأصل منفية في النص، لكن لو جاءت بصيغة الإثبات ثم تأولها هذا محل الحيد عن إثبات الصفة. ويستحيي بياءين كما هي لغة قريش، ولغة تميم بياء واحدة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً} [البقرة: 26]، وذكرنا في دروس مضت: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحيِ فاصنع ما شئت»، المتن متن الحديث يعني بلغة قريش: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] بإثبات الياء، والياء الثانية هي المحذوفة: «إذا لم تستحيِ» بياء واحدة؛ لأن الثانية حُذفت من أجل جازم. والترجمة عند البخاري على لغة تميم بدون ياء: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

(قوله: «إذا هي احتلمت» أي رأت في منامها أنها تجامَع. قوله: «إذا رأت الماء» يدل على تحقق وقوع ذلك، وجعلُ رؤية الماء شرطًا للغسل يدل على أنها إذا لم تر الماء لا غسل عليها.

قوله: فغطَّت أم سلمة في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضًا، ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين. قوله: تعني وجهها هو بالمثناة من فوق، والقائل عروة، وفاعل تعني زينب، والضمير يعود على أم سلمة) فغطت أم سلمة. يقول: قوله: تعني وجهها، القائل: تعني وجهها، عروة. وفاعل تعني: زينب. تعني زينبُ وجه أم سلمة، والضمير يعود على أم سلمة. (قوله: وتحتلم بحذف همزة الاستفهام، وللكشميهني: أوَتحتلم بإثباتها، قيل: فيه دليل على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعض، ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك، لكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله، ولهذا أنكر عليها)، لكن هي قالت: أو تحتلم المرأة؟ ما قالت: أو تنزل المرأة، قال: أو تحتلم؟ (أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله) إنما أنكرت الاحتلام؛ لأنه استفهام إنكاري.

طالب: .......

أيهن التي تنكر أم سلمة أم أم سليم؟

طالب: .......

لا، (ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك) الكلام على أم سلمة.

طالب: .......

لا، إنكارها بالاستفهام الإنكاري: أو تحتلم، أعم من أن يكون إنزال. إنكار أم سلمة، أو تحتلم المرأة؟ استفهام إنكاري، فهي أنكرت الاحتلام من الأصل، ولذلك قال في أول الأمر: (فيه دليل على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعض، ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك).

طالب: .......

 أين؟

طالب: .......  

لا، إذا أُنكر الاحتلام من أصله تبعه الإنزال ما فيه إشكال، لكن إذا أنكرت الإنزال فقط تثبت الاحتلام، قد يكون احتلامًا بدون إنزال، فإذا أنكرت الاحتلام من باب أولى الإنزال.

(قوله: «تربت يمينك» أي افتقرت وصارت على التراب) يعني لصقت بالتراب، (وهي من الألفاظ التي تطلق عند الزجر ولا يراد بها ظاهرها) لا يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها تفتقر، (قوله: «فبم» بموحدة مكسورة، وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الطهارة، إن شاء الله تعالى)، وما الاستفهامية إذا اقترن بها حرف الجر حُذفت ألفها، وثبتت على قلة، وفي الصحيح أمثلة لذلك.

قوله: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ" هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك، "قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا»" السعف سعف النخل ما يسقط، "«وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟»، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ" يعني من منجع ومبعد ومن قريب، لكن ابن عمر على المحز وأصاب المطلوب، لكنه استحيا أن يتكلم بحضرة الأكابر، وسيأتي من في المجلس بمن فيهم أبوه.

 "فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ"، هذا الشاهد، "فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِيَ النَّخْلَةُ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا"؛ لأن الأب يفرح لابنه أحيانًا أكثر مما يفرح لنفسه.

(قوله: حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر هذا في أوائل كتاب العلم، وأورده هنا لقول ابن عمر: فاستحييت، ولتأسف عمر على كونه لم يقل ذلك؛ لتظهر فضيلته، فاستلزم حياء ابن عمر تفويت ذلك، وكان يمكنه إذا استحى إجلالاً لمن هو أكبر منه أن يذكر ذلك لغيره سرًّا؛ ليخبر به عنه) يمكن لو أن واحدًا جالسًا بجنبه من غير الأكابر يخبره (فجمع بين المصلحتين، ولهذا عقبه المصنف بباب من استحى فأمر غيره بالسؤال).

نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ارجع إلى الموضع ذكر ابن حجر أشياء كثيرة، يعني كثرة منافعها، وقالوا: إنها إذا قطع رأسها ماتت مثل ما إذا  قطع رأس الإنسان إلى آخره، كثير جدًّا.

طالب: "بَابُ مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ.

 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «فِيهِ الوُضُوءُ»".

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ"، لا شك أن هناك أشياء يستحيي منها الناس جبلة طبيعة لا سيما من بعض الناس، ولذا جاء في بعض طرق الحديث: لمنزلة ابنته مني. أي الأمور الخاصة التي يختص بها الزوج مع زوجته، يعني لا تتحدث فيها مع أبيها أو أمها أو إخوانها، لا شك أنه قد يحصل فيه شيء من الحياء.

قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ" محمد ابن الحنفية ابن علي بن أبي طالب، لكن أمه من بني حنيفة نُسب إليها؛ ليتميز عن غيره من أولاد علي. "عن عليٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً" يعني كثير المذي، وكل فحل يمذي، والضعف في هذا الباب على الضعف في الجملة. "كنت رجلاً مذاء فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «فِيهِ الوُضُوءُ»".

(وأورد فيه حديث علي بن أبي طالب قال: كنت رجلاً مذاءً، وهو بتثقيل الذال المعجمة والمد، أي كثير المذْي، وهو بإسكان المعجمة الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبة، وسيأتي الكلام عليه في الطهارة أيضًا، واستدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع) يعني إذا كان الواسطة ثقة فلزوم خبره معروف يجب قبول خبره، (وهو خطأ، ففي النسائي أن السؤال وقع وعليٌّ حاضر) وفي بعض الروايات أنه سأل أيضًا لما جاء به المقداد، لما سأله وأراد أن يتأكد بنفسه فسأل، وكأنه علم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه هو المقصود، فلذلك سأل.

نعم.

طالب: "بَابُ ذِكْرِ العِلْمِ وَالفُتْيَا فِي المَسْجِدِ.

حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلاً قَامَ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ»، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ ذِكْرِ العِلْمِ وَالفُتْيَا فِي المَسْجِدِ"، وهذا كثير في الأحاديث: يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسجد فيجيب، ويُستفتى فيفتي، ويحدثهم في المسجد. ومن أدلة ذلك ما ذكره في هذا الحديث، قال: "حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلاً قَامَ فِي المَسْجِدِ"، هذا الشاهد، "قَامَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟" يعني ننوي الدخول في النسك، والمراد بذلك المواقيت.

 "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ»" يسمى بأبيار علي، "«وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الجُحْفَةِ»" يسمى مهعة، "«وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ»" قرن المنازل، "وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»"، ابن عمر يشك في هذه، ويذكر أنه لم يفقهها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن حفظها غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

يقول الشارح -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (قوله: باب ذكر العلم أي إلقاء العلم، والفتيا في المسجد، وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من توقف فيه؛ لما يقع في المُباحثة من رفع الأصوات فنبه على الجواز)، نعم قد يرتفع الصوت من بعض الناس إما من بعض من لديه سوء أدب من الطلاب، أو أحيانًا الشيخ يشتد لما سمع من بعض الأمور التي لا يرتضيها، فيرفع صوته في المسجد.

(قوله: أن رجلاً قام في المسجد، لم أقف على اسم هذا الرجل، والمراد بالمسجد مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم-، ويستفاد منه أن السؤال عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة، و«قرن» بإسكان الراء، وغلط من فتحها) في الصحاح للجوهري فيه أنه بفتح الراء، وأن أويسًا القرَني منسوب إليه، وهذا خطأ، بل هو بإسكان الراء: قرْن المنازل، وأويس من قرَن قبيلة، وليست ببلد، وقرَن أشار إليها ابن مالك بقوله: علم ويعين اسمه يسمى مطلقًا ....... علمه كجعفر وخرنقًا، كقرَن وعدن ولاحق وهيلة وشدقم وواشق.

طالب: .......

 ماذا؟

طالب: .......

نعم.

(وقول ابن عمر: ويزعمون إلى آخره يفسَّر بمن روى الحديث تامًّا كابن عباس وغيره، وفيه دليل على إطلاق الزعم على القول المحقق؛ لأن ابن عمر سمع ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنه لم يفهمه لقوله: لم أفقه هذه أي الجملة الأخيرة، فصار يرويها عن غيره، وهو دال على شدة تحريه وورعه، وسيأتي الكلام على فوائده في الحج، إن شاء الله تعالى).

نعم.

"بَابُ مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ.

 حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لاَ يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلاَ العِمَامَةَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ البُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ»".

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ"، السائل سأل عما يلبسه المحرم، فأجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأكثر من ذلك، قال: ما يلبسه المحرم؟ قال: إزار ورداء، انتهى الإشكال، إزار ورداء فقط، هذا الجواب المطابق، لكنه عدل عن الجواب المطابق من باب ما يُسمى بأسلوب الحكيم؛ لأن السائل وغير السائل يحتاجون ما لا يلبسه المحرم؛ لأن ما لا يلبسه المحرم يمكن حصره بالأنواع والأصناف المذكورة ثم بعد ذلك يلبس ما شاء إذا لم يقع في هذه الأمور التي نهي عنها، فقال: "«لاَ يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلاَ العِمَامَةَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ البُرْنُسَ»" القميص معروف وهو الذي يفصل على قدر البدن، "«ولا العمامة»" ما يغطي الرأس، "«ولا السراويل، ولا البرنس»" كذلك يغطي الرأس ملتصق بالثوب والعمامة منفصلة عنه، "«وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ»" نبت طيب الرائحة، و"«الزَّعْفَرَانُ»" معروف. "«فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ»" الأصل أنه ما يلبس خفين، لكن إذا لم يجد؟ "«فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ»"، فإذا كانا تحت الكعبين صارا نعلين، إذا لم يغطيا الكعبين فحكمهما حكم النعال.

وجاء في خطبته بعرفة من غير قيد بالقطع: «من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين»، هذا بالمدينة قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-. وفي خطبته بعرفة قال: «فليلبس الخفين» ولم يذكر القطع، وقد حضره من الجموع الغفيرة من لم يسمع هذا القيد، ولذا اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يقطع أو لا يقطع؟ ولولا ذلك لكانت الجادة أن يقطع حملاً للمطلق على المقيد، لكن ما دام حضر جموع غفيرة لم يسمعوا هذا القيد، فالمتجه عند جمع من أهل العلم أنه نسخ؛ لأن هذا محل بيان، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة. والذي يقول: يقطعهما، يقول: حصل البيان، ولا يلزم أن يحصل هذا البيان في كل مناسبة وفي كل موقف.

(قوله: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله، قال ابن المنير: موقع هذه الترجمة التنبيه على أن مطابقة الجواب للسؤال غير لازم) لكن المطابقة غير لازمة فيما زاد على السؤال بحيث لا ينقص عنه، لا ينقص عن السؤال، قد يحيد المسؤول عن السؤال أصلاً، ولا يجيب السائل، بل يصرف الجواب لما هو أهم منه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189]، هم ما يسألون ما هي بمواقيت أو ما هي بمواقيت، إنما يسألون عن مادتها مم؟ فما لهم مصلحة بمعرفة مادتها، لكن الفائدة المرتبة عليها الفائدة العملية أنها مواقيت للناس، فأجيب بما يحتاجون إليه.

(بل إذا كان السبب خاصًّا والجواب عامًّا جاز، وحمل الحكم على عموم اللفظ لا على خصوص السبب لأنه جواب وزيادة فائدة، ويؤخذ منه أيضًا أن المفتي إذا سئل عن واقعة واحتمل عنده أن يكون السائل يتذرع بجوابه إلى أن يُعديه إلى غير محل السؤال تعيَّن عليه أن يفصل الجواب) يعني إذا كان بحيث لا يفهم السائل إذا حيد به عن مراده لمصلحة راجحة إذا كان لا يفهم، أو يوقع الجواب غير موقعه.

 (تعين عليه أن يفصل الجواب، ولهذا قال: «فإن لم يجد نعلين» فكأنه سأل عن حالة الاختيار فأجابه عنها وزاده حالة الاضطرار وليست أجنبيةً عن السؤال؛ لأن حالة السفر تقتضي ذلك) الإنسان في بلده وفي سعته يقال له: إذا ما وجدت عن نعلين فابحث عن نعلين حتى تجد، لكن في السفر ما يتيسر، (وأما ما وقع في كلام كثير من الأصوليين أن الجواب يجب أن يكون مطابقًا للسؤال فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة، بل المراد أن الجواب يكون مفيدًا للحكم المسئول عنه؛ قاله ابن دقيق العيد، وفي الحديث أيضًا العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبًا للإيجاز) ما يلبسه المحرم لا ينحصر؛ لأن ما يلبسه المحرم إزار ورداء، لكن ما صفة هذا الإزار وهذا الرداء؟ ومن أي مادة يصنع؟ ووصفه؟ ولونه؟ وكذا؟ فأجاب، (وفي الحديث أيضًا العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبًا للإيجاز؛ لأن السائل سأل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس إذ الأصل الإباحة، ولو عدّد له ما يلبس لطال به، بل كان لا يؤمَن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه، فيظن اختصاصه بالمحرم)، يعني لا يلبسه غير المحرم.

 (وأيضًا فالمقصود ما يحرم لبسه لا ما يحل له لبسه؛ لأنه لا يجب له لباس مخصوص، بل عليه أن يجتنب شيئًا مخصوصًا.

قوله: وابنُ أبي ذئب هو بالضم عطفًا على قوله: آدم) قوله: وابنُ أبي ذئب، حدثنا آدمُ قال: حدثنا ابنُ أبي ذئب، على قول آدم، نعم: حدثنا آدم، وقال: حدثنا ابن أبي ذئب، (وابنُ أبي ذئب هو بالضم عطفًا على قوله آدم: حدثنا ابنُ أبي ذئب).

طالب: .......

أين هو معك؟

طالب: .......

يقول: حدثنا آدم، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

طالب: .......

إذًا محذوفة هذه، ما فيها، ما ذكر.

طالب: .......

 أين؟

طالب: .......

لا هذه لا بد منها.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

ماذا عندك أنت؟ فيه وابن أبي ذئب؟

طالب: .......

لا، خلاص، المفترض أنه يصير موجود ًا ، يعني: وابن أبي ذئب عن الزهري.

طالب: .......

لا، قوله: وابن أبي ذئب، الشرح على رواية أبي ذر فلا بد أن تثبت في المتن. طيب النسخة التي فيها رواية أبي ذر؟

طالب: .......

لا، هي مذكورة، وابن أبي ذئب، مقتضى الشرح: قوله وابن أبي ذئب، مقتضى الشرح أنها مذكورة.

طالب: .......

لحظة.

 (قوله: وابن أبي ذئب هو بالضم عطفًا على قول آدم: حدثنا ابن أبي ذئب، والمراد أن آدم سمعه من ابن أبي ذئب بإسنادين، وفي رواية غير أبي ذر) ابن حجر يعتمد رواية أبي ذر وشرح عليها.

 (وعن الزهري بالعطف على نافع، ولم يُعِد ذَكر ابن أبي ذئب).

طالب: .......

لا المذكور بالنسخة ....... التي بطبعة بولاق مذكور: وابن أبي ذئب.

طالب: .......

هذا الذي ننبه عليه باستمرار، وهذا خطأ، يعني أصل الكتاب ما فيه متن، ابن حجر نبَّه في المقدمة أنه جرد الكتاب من المتن، أول الكتاب في المقدمة.

 يقول هنا في أول صفحة من الكتاب: وكنت عزمت على أن أسوق حديث الباب بلفظه قبل شرحه، ثم رأيت ذلك مما يطول به الكتاب جدًّا، فسلكت الآن فيه طريقًا وسطى أرجو نفعها. الذين طبعوا الكتاب قالوا: ونحن قد حققنا ذلك في هذه الطبعة، فسقنا حديث الباب بلفظه قبل شرحه؛ ليكون ذلك أعون على فهم الشرح والإلمام بمراميه وأشرنا... إلى آخره. المفترض أنهم يوم حققوا رغبة الشارح جاءوا بالرواية التي اعتمدها الشارح؛ حتى ما يقال: الشارح شرح شيئًا ما هو موجود في المتن، شرح شيئًا لا يوجد في المتن، أو يوجد في المتن شيء ما شرحه الشارع؛ لأن الرواية المثبتة ملفقة ما هي برواية أبي ذر.

 مثل تفسير القرطبي، الأصل ما فيه آيات، فالطابع أدخل آيات، والقرطبي معتمد قراءة نافع، وأدخلوا قراءة عاصم، وتجده يتكلم على قراءة ما هي موجودة في النص المدخل.

(وفي رواية غير أبي ذر: وعن الزهري بالعطف على نافع، ولم يُعِد ذَكر ابن أبي ذئب. قوله: أن رجلاً لم أقف على اسمه، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الحج أيضًا، إن شاء الله تعالى).

انتهى كتاب العلم، ولذا قال الشارح -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-:

(خاتمة: اشتمل كتاب العلم من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وحديثين، منها في المتابعات بصيغة التعليق وغيرها ثمانية عشر، والتعاليق التي لم يوصلها في مكان آخر أربعة، وهي كتب لأمير السرية، ورحل جابر إلى عبد الله بن أنيس، وقصة ضمام في رجوعه إلى قومه، وحديث «إنما العلم بالتعلم»، وباقي ذلك وهو ثمانون حديثًا كلها موصولة، فالمكرر منها ستة عشر حديثًا، وبغير تكرير أربعة وستون حديثًا.

 وقد وافقه مسلم على تخريجها إلا ستة عشر حديثًا، وهي الأربعة المعلقة المذكورة، وحديث أبي هريرة «إذا وسد الأمر إلى غير أهله»، وحديث ابن عباس «اللهم علمه الكتاب»، وحديثه في الذبح قبل الرمي، وحديث عقبة بن الحارث في شهادة المرضعة، وحديث أنس في إعادة الكلمة ثلاثًا، وحديث أبي هريرة «أسعد الناس بالشفاعة»، وحديث الزبير «من كذب عليَّ»، وحديث سلمة «من تقول علي»، وحديث علي في الصحيفة، وحديث أبي هريرة في كونه أكثر الصحابة حديثًا، وحديث أم سلمة «ماذا أُنزل الليلة من الفتن»، وحديث أبي هريرة «حفظت وعاءين».

 والمراد بموافقة مسلم موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابيه، وإن وقعت بعض المخالفة في بعض السياقات.

وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم اثنان وعشرون أثرًا، أربعة منها موصولة والبقيه معلقه.

 قال ابن رشيد: ختم البخاري كتاب العلم بباب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه، إشارةً منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب؛ عملاً بالنصيحة، واعتمادًا على النية الصحيحة، إشارةً منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب؛ عملاً بالنصيحة، واعتمادًا على النية الصحيحة).

 (إشارةً منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب) يعني جواب من سأله التأليف والتصنيف بلغ الغاية، وهذا واقع الكتاب.

 (بلغ الغاية في الجواب عملاً بالنصيحة، واعتمادًا على النية الصحيحة.

 وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، إلى أنه ربما صنع ذلك، فأتبع الطيب بالطيب بأبرع سياق، وأبدع اتساق، رحمه الله تعالى).

"