شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (220)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله نبينا محمدًا وعلي آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

 حياكم الله، وبارك فيكم وفى الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث ابن عباس في تراجم الحديث وأطرافه في آخرها، جزاك الله خيرًا، نستكمل للأخوة.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،،

 فقد مضى من الأطراف ثمانية، وأما التاسع: ففي كتاب الأذان أيضًا يقول –رحمه الله-:  باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم، باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم، قال –رحمه الله-: حدثنا علي بن عبد الله قال: أخبرنا سفيان عن عمرو، قال: أخبرني كريب عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: «بت عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي – صلى الله عليه وسلم- فلما كان في بعض الليل قام فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا يخففه عمرو ويقلله جدًّا، ثم قام يصلي، فقمت فتوضأت نحوًا مما توضأ"»، والباب...

المقدم: باب وضوء الصبيان.

باب وضوء الصبيان يقول الزين بن المنير في الفتح: لم ينص على حكمه، ما قال باب وجوب، ولا باب استحباب ولا باب إباحة يقول: لم ينص يعني "البخاري" على حكمه؛ لأنه لو عبر بالندب، لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء؛ لأن المندوب لا تبطل الصلاة بتركه؛ لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء، ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حد الواجب، فأتى بعبارة سالمة من ذلك.

 وفي الحديث يقول: «فقمت فتوضأت نحوًا مما توضأ» فهو توضأ مع النبي –عليه الصلاة والسلام– وصلى معه، وتقريره –عليه الصلاة والسلام- له على ذلك بأن حوله وجعله على يمينه، فهو توضأ وحضر الجماعة، ثم ذكر أحاديث أخرى تدل على باقي الترجمة، لكن هذا هو الذي يهمنا منها.

والموضع العاشر: في كتاب الوتر، في باب ما جاء في الوتر، باب ما جاء في الوتر قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن مخرمة بن سليمان عن كريب أن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أخبره أنه بات عند ميمونة –رضي الله تعالى عنه- وهى خالته، فذكر القصة، وفيها: «ثم صلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم أوتر» على ما جاء في الوتر فالشاهد في قوله: ثم أوتر، ثم أوتر، وهل الوتر من أول الصلاة الركعتين ثم الركعتين؛ لأنه صلى ركعتين كم؟ ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين،  ستًّا يعني اثنا عشر ركعة، ثم أوتر، نعم إن كان أوتر بواحدة يكون أوتر بإحدى عشر، وإن أوتر بثلاث يكون أوتر بثلاثة عشر، وجاء ما يدل على هذا وما يدل على هذا.

المقدم: ولكن هو صلى ستة يا شيخ.

كيف ستة؟

المقدم: يعني إن أوتر بواحدة صار ثلاثة عشر، وإن أوتر بثلاثة صار خمسة عشر.

نعم، وجاء ما يدل على الوتر بإحدى عشر كما في حديث عائشة، ست ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، فيكون المجموع اثني عشر، فإن أوتر بواحدة  فثلاث عشرة.

المقدم: ثلاث عشرة.

إن لم نقل إن الركعتين الأوليين راتبة العشاء كما قال بعضهم، فيكون متفقًا مع حديث عائشة، وإلا فالوتر بثلاث عشرة محفوظ.

المقدم: نعم.

وثابت في الصحيح، وجاء ما يدل على أن الوتر بخمس عشرة، فدل على أن الوتر لا حد له، وأن صلاة الليل لا حد لها، وأما ما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-  بأنه ما زاد فهذا بناءً على الغالب وإلا فقد ثبت أنه زاد، فيشهد لهذا العموم «صلاة الليل مثنى مثنى»، أقول هذا الخبر يدل على أن صلاة الليل لا حد لها؛ لأنه قال: «فإذا خشي أحدكم صلاة الصبح فليصل ركعتين توتر له ما قد صلى»، المناسبة ظاهرة في قوله: ثم أوتر، وظاهر الحديث أنه فصل بين كل ركعتين؛ لأنه يقول: صلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين إلى آخره، ظاهر الحديث أنه فصل بين كل ركعتين، ووقع التصحيح بذلك برواية طلحة بن نافع حيث قال فيها: «يسلم من كل ركعتين»، «يسلم من كل ركعتين» وفي هذه الرواية التصريح بذكر ركعتين ست مرات، ثم قال ثم أوتر، ومقتضاه أنه صلى ثلاثة عشرة، صرح بذلك في الدعوات، يعني في كتاب الدعوات صرح بذلك: فتتامت، ولمسلم: فتكاملت ثلاث عشرة، فتكاملت ثلاث عشرة، والاحتمال قائم أن هذه الثلاث عشرة منها...

المقدم: راتبة العشاء.

ركعتا.. راتبة العشاء؛ لأن ابن عباس تبعه من أول الليل، والموضع الحادي عشر في كتاب العمل في الصلاة، في كتاب العمل في الصلاة، في باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة، كتاب العمل في الصلاة، في باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة، قال –رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس أنه أخبره عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما-: «أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين – رضي الله عنها- وهى خالته فيه فوضع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها»، والمناسبة كما قال ابن حجر في قوله: «وأخذ بأذني اليمنى يفتلها» هو شاهد الترجمة؛ لأنه أخذ بأذنه أولًا لإدارته من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن؛ وذلك من مصلحة الصلاة، و"البخاري" يقول: إذا كان من أمر الصلاة.

المقدم:...

 لأنه أخذ بأذنه أولًا لإدارته من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن؛ وذلك من مصلحة الصلاة، ثم أخذ بها أيضًا لتأنيسه؛ لأنه بعد أيضًا أخذ بأذنه ليفتلها –عليه الصلاة والسلام- وهذا للتأنيس، قال ابن بطال: استنبط البخاري منه أنه لما جاز للمصلي أن يستعين بيده في صلاته فيما يخص بغيره، كانت استعانته في أمر نفسه؛ ليتقوى بذلك على صلاته، وينشط لها إذا احتاج إليه أولى، إذا كانت استعانته بيده فيما يختص بغيره فلأن يستعين بها...

المقدم لنفسه أولى.

فيما يخص نفسه من باب أولى.

والموضع الثاني عشر: في كتاب التفسير، في باب قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:164]  الآية، قال -رحمه الله-: حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: «بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة، وهذا الشاهد من ترجمة الباب، فتحدث السمر في العلم، فتحدث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الأخر قام فنظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190].

ثم قام فتوضأ و"استن"، -استن يعني استاك- فصلى إحدى عشرة ركعة» الحديث والمناسبة ظاهرة لاشتمال الحديث على الآية المترجم بها، قام فنظر إلى السماء فقال: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190] الآن الكتاب كتاب التفسير، والترجمة بالآية مجردة، والحديث مشتمل على الآية، فما دخل ذكر هذه الآية، وذكر هذه القصة بكتاب التفسير؟ الأصل أن التفسير...

المقدم: معاني.

معانيها، من الفسر والإيضاح والكشف، وهنا في كتاب التفسير ذكر الآية مجردة من غير تفسير، ثم ذكر الحديث وهو مشتمل على هذه الآية.

المقدم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران:191]، من ذكر الله إقامة الصلاة.

الكلام على أي شيء، على أن الآية مجردة في الترجمة، وفي الخبر ما فيه بيان لمعانيها، والأصل في التفسير أنه بيان معانٍ.

المقدم: الفعل ما يكون بيان معانٍ؟

بيان، لما قام ونظر إلى السماء وتلا الآيات هذا بيان؛ لأن هذه الآيات تدل على هذا.. الآيـ.. من هذه الآيات العظمى المذكورة، قام فنظر إلى السماء فهذا تطبيق عملي، تفسير عملي للآية.

والموضع الثالث عشر، الثالث عشر، في كتاب التفسير في باب {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:191], يعني في الموضع السابق ترجم...

المقدم: بالآية.

بالآية الأولى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ } [البقرة:164] إلى آخره ثم بعد ذلك في الباب الذي يليه باب {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:191] الآية قال –رحمه الله-: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: «بت عند خالتي ميمونة فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وفيه: ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من "آل عمران"» حتى ختم الحديث، يعني ختم السورة، والمناسبة ظاهرة، حيث ذكرت الآية المترجم بها في الحديث، يعني الآية المترجم بها باب {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا} [آل عمران:191] ذكرت في الحديث، ويقال فيها ما قيل في سابقتها.

والموضع الرابع عشر: في كتاب التفسير أيضًا في باب {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192] قال –رحمه الله-: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا معن بن عيسى عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى عن ابن عباس أن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قال: «أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم- وهى خالته ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة "آل عمران» الحديث، وهذا كسابقيه، حيث اشتمل الخبر على الآية المترجم بها، ويقال فيه ما قيل سابقًا أن هذا ذكر هذه الآية في هذا الموضع مع رفعه –عليه الصلاة والسلام- رأسه ونظره إلى السماء، كل هذا من التفسير العملي، وأن مما يتعلق بهذه الآيات أنها تقال في هذا الموضع، على هذه الهيئة وهذه الصفة، وهذا تفسير عملي كما تقدم.

والموضع الخامس عشر: في كتاب التفسير أيضًا في باب {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ } [آل عمران:193] قال –رحمه الله-: حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن العباس أن ابن عباس – رضي الله عنهما- «أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم- وهى خالته ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران»  الحديث والمناسبة كسوابقه، يعني المناسبة اشتمال الخبر على الآية المترجم بها.

والموضع السادس عشر: في كتاب اللباس، قد يقول قائل الآن مواضع متتابعة، يعني أرقام الأحاديث.

المقدم: تسعة وستين، سبعين، واحد وسبعين، اثنين وسبعين.

نعم, تسعة وستين، وسبعين، وواحد وسبعين، واثنين وسبعين تراجم بآيات متقاربة، ولماذا ما ترجم بالآيات كاملة في ترجمة واحدة وذكر الخبر؟ الإمام البخاري عنده...

المقدم: دقيق.

 دقائق لو لم يكن في ذلك إلا ما اشتمل عليه كل خبر من خصائص الإسناد، كل خبر يختلف عن الثاني في إسناده، وهذا هدف عند الإمام البخاري، وأيضًا المتون مختلفة في بعضها ما لا يوجد في البعض، ولذلك قررنا سابقًا أن الإمام "البخاري" -رحمه الله- لا يمكن أن يكرر حديثًا في موضعين بإسناده ومتنه إلا في نحو عشرين موضعًا، يعني في نحو عشرين موضع كرر، أشار إليها ابن حجر، وفسرها القسطلاني في "مقدمة الإرشاد الساري" فهذه لطائف ودقائق قد لا يحس بها غير صاحب الاختصاص الذي له عناية وشغف بالبخاري.

والموضع السادس عشر: في كتاب اللباس باب الذوائب، في كتاب اللباس باب الذوائب، قال –رحمه الله-: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا الفضل بن عنبسة قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر ح  وحدثنا قتيبة قال: حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس –رضي الله عنهما – قال: «بت ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي، وفيه قال: فأخذ بذؤابتي فجعلني عن يمينه» ثم قال بعد ذلك في الباب نفسه حدثنا عمرو بن محمد قال: حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر بهذا، وقال: بذؤابتي أو برأسي, والذؤابة ما يتدلى من شعر الرأس، المناسبة ظاهرة، ففي الحديث تقريره –عليه الصلاة والسلام- على اتخاذ الذؤابة يعني ما أنكر على ابن عباس اتخاذ الذؤابة، والموضوع في كتاب اللباس باب الذوائب، ويدخل في اللباس بعض ما يتصل به، أو يتصل بما يتخذه الإنسان من شعر ونحوه، فيدخل في اللباس؛ لأنه من الزينة، واللباس زينة، ولذا بعضهم يعطف فيقول: باب اللباس والزينة، هنا الأسانيد ثلاثة أورد البخاري –رحمه الله تعالى- الحديث بثلاثة أسانيد، وتطبيقًا لما قررناه من أن البخاري لا يكرر شيء إلا لفائدة، ننظر في الأسانيد الثلاثة يقول: الإسناد الأول حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا الفضل قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر، وصل إلى هشيم بواسطة اثنين، علي بن عبد الله والفضل، ثم قال: أخبرنا هشيم، ثم قال أخبرنا أبو بشر ح.

 وهذه حاء التحويل التي مرت بنا مرارًا، وحدثنا قتيبة قال: حدثنا هشيم بواسطة واحد، بينه وبين هشيم في الإسناد الأول في الطريق الأول اثنين، وفي الطريق الثاني واحد، وهذا علو، وهذا علو، لكنه جاء بصيغة العنعنة، وهو شيء معروف بالتدليس، معروف بالتدليس، عن أبي بشر، ولذلك أردفه بالإسناد الثالث، فالإسناد الأول قال: أخبرنا هشيم وقال: أخبرنا أبو بشر، وفي الإسناد الثاني فيه علو وصل إلى هشيم بواسطة واحد، لكن هشيمًا هنا أورد بالعنعنة.. رواه بالعنعنة.

المقدم: بالعنعنة.

في الإسناد الثالث ليرفع هذا الإشكال، قال: حدثنا عمرو بن محمد قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر في تصريح، فانتفت تهمة التدليس، فانتفت تهمة التدليس.

المقدم: والترتيب مرادف هنا أن يأتي بالسند الأول ثم الثاني والثالث، المفترض في النظرة العادية أن يقال ائتي بالثاني على أنه الأول. 

لأنه عالٍ.

المقدم: نعم.

ثم يقويه بالثالث و.. ثم..

المقدم: أكيد له ملحظ.

وكأن الأصل عنده الإسناد الأول، ومسألة العلو وإن كانت مرغوبة عند المحدثين، لكنها لا تساوي نظافة الأسانيد، لكن هل البخاري يصنع في كل موضع مثل هذا إذا أورد عن هشيم، أو غيره من المدلسين يصنع مثل هذا يبين؟ هو يبين في كثير من الأحوال، لكن لا يلزم من هذا أنه...

المقدم: في نفس الموضع.

في كل موضع، في كل موضع بعينه قد يبين في الطريق الثاني في الطرف الثاني، فهو يحرص على هذا، ولو لم يبين، فعنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال عند أهل العلم.

المقدم: وهي قلة يا شيخ؟

أين؟

المقدم: في الصحيحين؟

عندك من المدلسون يتفاوتون منهم من يحتمل الأئمة التدليس، احتمل الأئمة تدليسهم، ومنهم من تدليسه نادر بالنسبة لكثرة ما روى، ولا يلتفت إليه لإمامته مثلًا، فلا يظن به أنه يغش الأمة، فالطبقة الأولى، والثانية من طبقات المدلسين احتمل الأئمة تدليسهم، لكن في الشأن الطبقة الثالثة وما بعدها لابد من التصريح، ومع ذلك نقول إذا لم يصرح في الصحيحين أو في أحدهما فلا نتكلف الاعتبار؛ لأن الشيخين كفانا هذه المهمة.

المقدم: لكن أتى بعدهما –رحمهما الله- من استدرك على الصحيحين.

من استدرك مثل الدارقطني وغيره، استدركوا وإن يكن، لكن الغالب أن الصواب مع الشيخين، والأمة تلقت الكتابين بالقبول، والإمامان البخاري ومسلم لهما شفوف ودقة في النظر، ولا يمكن أن يخرجا من أحاديث المدلسين ما دلسوه؛ لأنهم ينتقون من أحاديث الراوي، ينتقون من أحاديث الراوي.

المقدم: طيب هذه المستدركات يا شيخ لماذا لا نقول إنها تقوي الحقيقة أنها تنفع الصحيحين؟

يعني مثلًا استدرك الدارقطني تنفع وهي قوادح.

المقدم: هي قوادح يا شيخ ما يمكن اعتبارها زيادة.

لا هي زيادة لو كان دافع عن الصحيحين بالإتيان بالطرق التي لم تذكر في الصحيحين، لكن كصنيع الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وغيرهم مما انتقد، مثل هذا لاشك أنه..، لكن الصواب مع الشيخين، والأمة تلقت الصحيحين بالقبول، والأمة تلقت الصحيحين بالقبول، وإذا كان البخاري مع قربه من الرواة..؛ لأن مسألة معرفة الرواة ودراسة الأسانيد، لا يكفي فيها الاعتماد على الكتب، قد لا يتكشف كل شيء من خلال الكتب، إنما المعاصرة معاصرة الرواة وقرب العهد بهم ومعاصرة من روى عنهم، يعني كل ما قرب العهد بهؤلاء الرواة تكشف من أمورهم وأحوالهم ما لا يتكشف للمتأخر، فكوننا نحسن الظن بالصحيحين وغير الصحيحين لاشك أنه من هذه الحيثية، علمًا بأن تلقي الأمة للصحيحين بالقبول كافٍ في رد كل شبهة؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، قال بعضهم كالجويني وغيره: إنه حتى إذا حلف أحد بالطلاق أن جميع ما في البخاري صحيح ما حنث.

والموضع السابع عشر في كتاب الأدب في باب رفع البصر إلى السماء وقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17]، في كتاب الأدب في باب رفع البصر إلى السماء وقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] إيش المطابقة بين الآية وبين الترجمة؟

المقدم: مر بنا في مواضع المراد أنه يذكر الآية ويريد ما بعدها لشحذ همم الطلبة والمتلقين.

صحيح هذا مر بنا أكثر من مره وأن البخاري قد لا يترجم بالصريح، يعني لا يذكر الشيء الصريح الذي يدل على الترجمة صراحة، وإنما يريد أن يشحذ همة القارئ والسامع إلى البحث عن الترجمة والمطابقة في الآية التي تليها {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] علمًا بأننا قررنا سابقًا أن الناظر من المخاطبين إذا أراد أن ينظر إلى الإبل وأعجب ما في الإبل مثلًا: الرأس يحتاج أن يرفع رأسه لرؤية هذا الرأس ثم من ورائه ينظر إلى السماء، ومر بنا أيضًا أن الإبل من أسماء.

المقدم: السحب.

السحاب، في كلام تقدم ذكره لا نعيده.

قال –رحمه الله-: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني شريك عن كريب المولى عن ابن العباس – رضي الله عنهما – قال: «بت في بيت ميمونة والنبي – صلى الله عليه وسلم- عندها فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد ينظر إلى السماء فقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]»، والمناسبة في قوله: قعد ينظر إلى السماء، مطابقة لقوله: باب رفع البصر إلى السماء، والمناسبة ظاهرة.

المقدم: نعم.

والموضع الثامن عشر: في كتاب الدعوات باب الدعاء، إذا انتبه من الليل، قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن سلمه عن كريب عن ابن عباس –رضي الله عنهما– قال: «بت عند ميمونة» فذكر الحديث، وفيه وكان يقول في دعائه «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا» إلى آخر الحديث، فالمناسبة ظاهرة في كتاب الدعوات؛ لأنه فيه دعاء اللهم اجعل في قلبي.. إضافة إلى قراءة الآيات العشرة من "آل عمران" وفيها أدعية، الآيات العشرة فيها أدعية، فالمناسبة ظاهرة.

والموضع التاسع عشر: في كتاب التوحيد، في باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض، وغيرهما من الخلائق، تخليق السماوات والأرض، وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب –تبارك وتعالى-، وهو فعل الرب –تبارك وتعالى- وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وهو الخالق المكون، غير مخلوق وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه، فهو مفعول مخلوق مكون، قال –رحمه الله-: حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس قال: «بت ببيت خالتي ميمونة ليلة، والنبي –صلى الله عليه وسلم- عندها؛ لأنظر كيف صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بالليل فتحدث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة.... وفيه: قعد ينظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:190]» إلى قوله: {أولي الألباب}، الحديث"، والمطابقة بين الآية والترجمة ظاهرة، الترجمة باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق.

المقدم: والباب.

والآية {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:190] باب ما جاء من تخليق السموات والأرض، فالترجمة المطابقة ظاهرة.

 والحديث أخرجه مسلم، فهو متفق عليه. والحديث مثال لما قررناه سابقًا في كيفية دراسة الحديث، والتفقه في الحديث؛ لأن الحديث أخرجه البخاري في تسعة عشر موضعًا، وأنت في هذا الموضع ترجع إلى هذه المواضع، وتنظر إلى ما بينها من اختلاف في أسانيدها ومتونها، إضافة إلى ما جاء في مسلم والسنن، تخرج بفائدة عظيمة وتصور تام عن الحديث وعن القصة، فإنه إذا خفي عليك في موضع انكشف لك في موضع آخر، وهنا تنتهي من دراسة تسعة عشر رقمًا من صحيح البخاري في دراسة حديث واحد، فلا شك أنه يجمع عليك الذهن.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم, أيها الإخوة والأخوات نصل بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب متابعتكم، نلتقيكم بإذن الله في حلقة قادمة, والسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.