كتاب الصلاة (06)

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ:

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي حَدِيثِهِ المُلْتَحِفُ المُتَوَشِّحُ: وَهُوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: التَحَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ –رضي الله عنه- أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي- فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ» فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ".

"بَابُ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ" ستر العورة شرطٌ لصحة الصلاة، وإذا حصل الستر للعورة، وهي عند أهل العلم بالنسبة للرجل من السُّرة إلى الرُّكبة مع وجوب ستر أحد المنكبين، الشرط ستر ما بين السُّرة والرُّكبة، وستر المنكب واجب «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِه مِنْهُ شَيْءٌ»، وفي روايةٍ «لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» كما سيأتي.

وإيجاب ستر العاتقين بناءً على الرواية الثانية وهي صريحةٌ في التثنية، ويُحمَل عليها ما جاء من قوله: «لَيْسَ عَلَى عَاتِقِه»، ويُراد بذلك الجنس جنس العاتق، ولكن كثيرًا من أهل العلم قالوا: إن المراد ستر العاتق الواحد.

وإذا أمكن حمل ستر العاتق الواحد بإرادة الجنس على العاتقين -كما هو توجيه جمعٍ من أهل العلم- صار الواجب ستر المنكبين، يعني وجوب بمعنى: أن الصلاة صحيحة، لكن مع الإثم.

وقال بعضهم: إن الأمر بستر العاتق أو العاتقين على سبيل الكمال والاستحباب لا على سبيل الوجوب، وهذ قول من يُطلق أن العورة في الصلاة ما بين السُّرة والرُّكبة، ولا يُشير إلى العاتق بناءً على أن ستر المنكب من باب الكمال والاستحباب لا من باب الوجوب ولا الشرطية كما هو الحال في ستر ما بين السُّرة والرُّكبة الذي هو محل العورة.

"بَابُ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي حَدِيثِهِ المُلْتَحِفُ المُتَوَشِّحُ"، والوشاح ما يُلبس على أعلى البدن ويُخَالف بين طرفيه.

وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا
 

 

أَلَّا إِنَّهُ مِنْ دارة الْكُفْرِ نْجَانِي
 

في قصة الأمة التي اتُهِمت بسرقة الوشاح، والوشاح ما يُتَوشَّح به، وهذا الوارد في البيت ما هو من نوع الثياب، وإنما هو من نوع ما يُتزين به أو يُتقى به.

على كل حال التوشح "قَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي حَدِيثِهِ المُلْتَحِفُ المُتَوَشِّحُ، وَهُوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ" بمعنى: أنه يجعل طرف على العاتق الأيمن أو العكس، ويُخالف بينه وبين الثاني، ثم يُعيد الثاني عليه.

"وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ" والمنكب مُلتقى ما بين العُنق والرقبة هذا المنكب يعني أصل العنق.

"قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ" بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب الشقيقة؛ ولذلك جاء في الحديث اللاحق "ابْنُ أُمِّي" ابن أمها صحيح علي بن أبي طالب ابن أمها أخوها من أمها، وفي رواية أبي ذرٍّ "إن ابن أبي" وهو صحيح؛ لأنه ابن أبيها فهي أخته الشقيقة.

 

"قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ التَحَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ" وسيأتي الحديث بأبسط من هذا في الباب نفسه.

ثم قال: "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ" البخاري يروي الحديث عن عُبيد الله بن موسى، عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة بن الزبير، عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي –عليه الصلاة والسلام- ولد أم المؤمنين أم سلمة من أبي سلمة.

"أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ" السند في ظاهره أو في صورته رُباعي: عبيد الله بن موسى، هشام بن عروة، وأبوه، وعمر بن أبي سلمة.

وهو في حكم الثلاثي؛ لأن في هذا الإسناد اثنين من التابعين من طبقةٍ واحدة، فهو في حُكم الثلاثي، وصورته صورة الرباعي.

"أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ" وفي الرواية الآتية أنه رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- وهذه أصرَح في الاتصال؛ لأن الرواية بـــــــ(أن) مثل العنعنة قد تُقال من غير اتصال، ولكن الأصل فيها الاتصال بشرطي قبول السند المُعنعن الذي هو ثبوت السماع وانتفاء التدليس، فإذا روى الراوي قصةً حضرها فهي محمولةٌ على الاتصال قطعًا كما هنا أنه رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد يقول: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- ويرويها بواسطة؛ ولذا قال بعضهم: إن الرواية بــــ(أن) لا تدل على الاتصال، حتى يُصرِّح بأنه رأى أو سمع كما قالوا: 

وحُكم أن حُكم عن فالجُل سووا
 

يعني: بين عن وأن.

وحُكم أن حُكم عن فالجُل
 

سووا وللقطع نحا البرديجي
 

حتى يبين الوصل في التخريج
 

وابن الصلاح نسب القول بأن ما يُروى بـــ(أن) مُنقطع ليس مثل (عن) للإمام أحمد ويعقوب بن شيبة مثل كلام البرديجي، لماذا؟ لأنه نُقِل عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة حديث محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر، قالا: متصل، عن عمار بن ياسر، قالا: متصل، مَن هما؟ أحمد ويعقوب بن شيبة.

وأن عمار بن ياسرٍ عن عمار بن ياسرٍ أنه مر به النبي –صلى الله عليه وسلم- قالا: متصل، وأن عمار بن ياسرٍ مر به النبي –صلى الله عليه وسلم- قالا: منقطع، قالوا: وسبب التفريق اختلاف الصيغة.

قال الحافظ العراقي:

كذا له ..........................
 

لابن الصلاح.

................. ولم يُصوب صوبه
 

يعني في الرواية الأولى تُروى القصة عن صاحبها الذي هو عمار صاحب القصة، عن عمار بن ياسر صاحب القصة، فإذا رواها التابعي عن صاحبها صارت متصلة.

وإذا روى قصةً لم يشهدها روى قصةً عن صاحبها وهو لم يشهدها ولم يُسندها إليه ما قال: عن عمار أو سمعت عمارًا أو رأيت عمارًا.

طالب: .............

أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مر به عمار أو مر بعمار بن ياسر، فهو حكى قصةً لم يشهدها، فرق بين أن تروي عن شيخٍ من شيوخك أنت أدركته، يعني أنت لو تروي عن شيخ مشهور ومعروف، وتروي عنه قصة قبل أن تقدم إلى البلد سمعتها من الناس، متصلة أم منقطعة؟

منقطعة، ولو كان سِنك يحتمل لقاءه لو كُنت مُدركه بسنين طويلة، لكن أنت في بلد وهو في بلد ما أدركت القصة التي تُذكر عنه تكون منقطعة، لكن لما تسمعها منه تكون متصلة؛ لأنك رويت القصة عن صاحبها.   

طالب: .............

أين؟

طالب: .............

ما هو؟

طالب: .............

سبحان الله! ماذا أقول الآن؟

فالجُل الجمهور سووا بين النوعين.

وللقطع نحا البرديجي
 

حتى يبين الوصل في التخريج
 

هنالك أن ابن الصلاح نسب لأحمد ويعقوب بن شيبة أنها تقتضي الانقطاع، أنها ليست مثل (عن) بسبب قصةٍ تختلف، يختلف حُكمها باختلاف هذه الصيغة.

قال: "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ" الصلاة في الثوب الواحد مع أمن انكشاف العورة، ومع وجود التوشح والعقد عقد طرفي الإزار يُؤمَن معه هذا الانكشاف، وحينئذٍ لا بأس.

في حالهم الأولى على عهده –صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي الاستنكار في قوله: «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟» هو إخبار عن الحال، وأن الحال في ضيق ذات اليد وأنه ليس كل شخص يملك ثوبين، والغالب ثوب واحد؛ ولذا يُصلون به من غير نكير، لكن مع أمن انكشاف العورة. 

طالب: .............

ما هو؟

طالب: .............

بهذه طريقة التوشح، لكن لا يصير ضيقًا بحيث يصير من باب اشتمال الصَّمة.

قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى" وهو القطان.

"قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ" وهو ابن عروة.

"قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ"

ثم قال: "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ" محمد بن أسامة.

"عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي- فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ" وهذا بمعنى ما تقدم.

"مُشْتَمِلًا" كذا بالنصب على الحال، وفي بعض الروايات "مشتملٍ" من باب الجر بالمجاورة "واحدٍ مشتملٍ" كما في قولهم: جُحر ضبٍّ خربٍ.

ثم قال: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ"، وجاء في بعض الروايات مولى علي بن أبي طالب، ومولى عقيل، أما هذا من باب التجوُّز؛ لأنه مولى أختهم حقيقةً، والنسبة تكون لأدنى مباشرة أو لأدنى سبب.

"مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الفَتْحِ" عام فتح مكة.

"فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ" ذهبت إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- من أجل أن تُخبره بأنها أجارت فلانًا وفلانًا، وهددهما علي بن أبي طالب أخوها أنها سيقتلهما.

"فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ" بنته تستره يعني بثوب.

"قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ" السلام عليك يا رسول الله.

"فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ»" يقوله الرسول –عليه الصلاة والسلام- وهو يغتسل.

"فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ»" سلمت عليه قالت –في بعض الروايات- السلام عليك يا رسول الله. اللهم صلِّ على محمد.

قال: «مَن أنتِ» قالت: أم هانئ، قال: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» ولا ذُكِر في روايةٍ من الروايات أنه رد- عليها السلام-، بل اكتفى بقوله: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ»، ولذا ذهب من أهل العلم من ذهب إلى أن الجواب بمرحبًا يكفي عن رد السلام، والمرجَّح أنه لا بُد من رد السلام «حَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» فلا بُد من ردها، ويكون عدم نقل الرد في هذا الحديث وما جاء في معناه اكتفاءً بالنقل الذي قامت به الحجة في نصوصٍ أخرى.

وسلمت عليه فاطمة، وقال: «مرحبًا بابنتي» في نصوصٍ كثيرة في هذا المعنى.

طالب: .............

ما هو بالخلاء يغتسل، مستورًا بثوب هو ما يقضي حاجته. 

"فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ" هذا هو الشاهد، صلى يوم الفتح ثماني ركعات، منهم من يقول: هذه صلاة الضحى، ويقولون: إن أكثرها ثمان، وأقلها ركعتان، بناءً على الحديث، ومنهم من يقول: هذه صلاة الفتح، فإذا حصل الفتح للمسلمين يُسن أن يُصلى ثمان ركعات اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.

"فَلَمَّا انْصَرَفَ" يعني: من صلاته.

"قُلْتُ" تقوله أم هانئ.

"يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي" تعني عليًّا، وزعم بمعنى: قال.

"أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ" وزعم بمعنى: قال هنا؛ لأن عليًّا إذا قال فعل ما يعجز عن هذا، وليس مثل قول القائل:

زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أنْ سيَقتُلُ مَرْبَعًا
 

 

أبْشِرْ بطُولِ سَلامَةٍ يا مَرْبَعُ
 

هذا علي بن أبي طالب لا يعجز عن مثل هذا.

زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أنْ سيَقتُلُ مَرْبَعًا
 

 

أبْشِرْ بطُولِ سَلامَةٍ يا مَرْبَعُ
 

ما عليك الشر.

وأم هانئ لو تظن أن عليًّا مثل مربع ما راحت إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- لكن علي قوله فعل.

"زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا" هل يجوز قاتلُ رجلٍ؟ وما الفرق بينهما من حيث المعنى؟

طالب: .............

قاتل رجلٍ هذا ماضي، قاتلٌ رجلًا هذا للمستقبل، بمعنى: إذا قال القائل: أنا قاتلٌ زيدًا فإنه يُهدد بقتل زيد كما هنا تهديد، وقاتل زيدٍ يُخبر عن الماضي أنه قتله وانتهى منه.

"زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ ابْنَ هُبَيْرَةَ" بدل من رجلًا.

بالغ أمرهِ وبالغٌ أمرهُ في الآية {بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق:3] وعندك في آخر النازعات.

طالب: .............

{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:41].

طالب: .............

لا.

{مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:45] أو منذرٌ من يخشاها، وما الفرق بينهما؟

مثل هذا تمامًا، كثير من المفسرين لا يهمه هذا الأمر، وشرحها بالتفصيل القرطبي في تفسيره وهو فيه خُذ العلوم كلها.

"زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»" المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم ولو كان امرأة كما هنا.

"قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى" يعني: في وقت الضحى في يوم الفتح.

ثم قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟»" يعني: هل لكل واحدٍ منكم ثوبان؟

يعني الواقع يُجيب على هذا السؤال في وقته –عليه الصلاة والسلام- قبل الفتوح وقبل توسع الدنيا جُل الناس ما عندهم إلا ثوب واحد، ويُوجد على مر العثور في بلدان المسلمين من لا يملك إلا ثوبًا واحدًا، وحصل في بلادنا قبل انفتاح الدنيا مثل هذا النوع، وسمعتم القصة التي ذكرتها الشخص الذي ليس لديه إلا ثوبٌ واحد، وليته بقي هذا الثوب، سُرِق.

طالب: .............

الله المستعان، الله يعفو ويسامح.

اقرأ.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: "باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به" لما كانت الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص بحال الضيق أو بحال بيان الجواز.

قوله: "قال الزهري في حديثه" أي: الذي رواه في الالتحاف، والمراد إما حديثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه وهو عند ابن أبي شيبة وغيره أو عن سعيدٍ، عن أبي هريرة وهو عند أحمد وغيره، والذي يظهر أن قوله: "وهو المخالف" إلى آخره من كلام المصنف".

يعني الزُّهري فسَّر الملتحف بالمتوشح، والمؤلف زاد ذلك إيضاحًا وتفسيرًا بقوله: "وَهُوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ".

"قوله: "وقالت أم هانئ" سيأتي حديثها موصولًا في أواخر البا،ب لكن ليس فيه "وخالف بين طرفيه" وهو عند مسلم من وجهٍ آخر عن أبي مُرة عنها، ورواه أحمد من ذلك الوجه بلفظ المعلق.

قوله: "حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا هشامٌ بن عروة" هذا الإسناد له حكم الثلاثيات".

ما عندك ابن عروة عن أبيه؟

طالب: لا ما عندي.

معروف نعم.

"هذا الإسناد له حكم الثلاثيات، وإن لم تكن له صورتها؛ لأن أعلى ما يقع للبخاري ما بينه وبين الصحابي فيه اثنان".

هي أعلى ما عند البخاري الثلاثيات، وعدتها اثنان وعشرون حديثًا يرويها البخاري بواسطةٍ بينه وبين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثلاثة، وغالبها عن المكي بن إبراهيم، عن يزيد بن أبي عُبيد، عن سلمة بن الأكوع سبعة عشر حديثًا منها بهذا الإسناد، وخمسةٌ بأسانيد أُخر.

والمسند فيه أكثر من ثلاثمائة حديث فيه هذا.

طالب: .............

طبقته أعلى، والموطأ أعلى وأعلى اثنين.

طالب: .............

ما رأيت ماذا يفعل الباكستانيون؟

طالب: .............

يلتحفون ويتلفلفون، ينستر، المقصود الستر.

طالب: .............

حكمًا لا حقيقةً صورته صورة الثلاثيات.

طالب: .............

ما على عاتقيه منه شيء؟

طالب: .............

ساترًا السُّرة والرُّكبة؟

طالب: .............

ما عليه شيء العورة مستورة، لكن يأثم، وإن كان جاهلًا يُعفى عنه.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: .............

لا لا، ما هو بواجب من واجبات ذات الصلاة، خارج.

طالب: .............

هو صلى، لكن ما ستر عاتقه، هل هذا من أركان الصلاة أو شروطها أو من واجبتها المشروعة لها، وتختص بها مثل التسبيح والتكبير؟ واجباتٌ معروفة، هذا أمر خارج عن الذات والشرط، فلا يقتضي البطلان إنما هو الإثم.

طالب: .............

يأثم نعم.

طالب: .............

جمهور أهل العلم على أنه مجرد استحباب.

"فإن كان الصحابي يرويه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فحينئذ توجد فيه صورة الثلاثي، وإن كان يرويه عن صحابيٍّ آخر فلا، لكن الحُكم من حيث العلو واحدٌ؛ لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين، وهكذا تقول بالنسبة إلى التابعي إذا لم يقع بينه وبينه إلا واحدٌ، فإن رواه التابعي عن صحابيٍّ فعلى ما تقدم، وإن رواه عن تابعيٍّ آخر فله حُكم العلو لا صورة الثلاثي كهذا الحديث، فإن هشام بن عروة من التابعين لكنه حدَّث هنا عن تابعيٍّ آخر وهو أبوه، فلو رواه عن صحابيٍّ ورواه ذلك الصحابي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لكان ثلاثيًّا، والحاصل أن هذا من العلو النسبي لا المطلق، والله أعلم.

ثم أورد المصنف الحديث المذكور بنزول درجةٍ من رواية يحيى القطان عن هشام وهو ابن عروة المذكور.

وفائدته: ما وقع فيه من التصريح بأن الصحابي شاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ما نقل عنه أولًا بالصورة المحتملة.

وفيه: تعيين المكان، وهو بيت أم سلمة وهي والدة الصحابي المذكور عمر بن أبي سلمة ربيب النبي- صلى الله عليه وسلم-.

وفيه: زيادة كون طرفي الثوب على عاتقي النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن الإسماعيلي قد أخرج الحديث المذكور من طريق عبيد الله بن موسى، وفيه جميع الزيادة، فكأن عبيد الله حدَّث به البخاري مختصرًا.

وفائدة إيراد المصنف الحديث المذكور: ثالثًا: بالنزول أيضًا من رواية أبي أسامة عن هشام تصريح هشامٍ عن أبيه بأن عمر أخبره، ووقع في الروايتين الماضيتين بالعنعنة.

وفيه أيضًا: ذكر الاشتمال، وهو مطابقٌ لما تقدم من التفسير.

قوله: "مشتملًا به" بالنصب للأكثر على الحال، وفي رواية المستملي والحموي بالجر على المجاورة أو الرفع على الحذف.

قال ابن بطال: فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع؛ ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود.

قوله: "عن أبي النضر" هو: المدني "وأبو مُرة" تقدم ذكره في العلم، وعُرِّف هنا بأنه مولى أم هانئ، وهناك بأنه مولى عقيل، وهو مولى أم هانئ حقيقةً، وأما عقيلٌ فلكونه أخاها فنُسِب إلى ولائه مجازًا بأدنى ملابسة؛ أو لكونه كان يكثر ملازمة عقيل كما وقع لمقسم مع ابن عباس، وقد تقدم الكلام على أوائل هذا الحديث في الغُسل في باب التستر، ويأتي الكلام عليه أيضًا في صلاة الضحى.

وموضع الحاجة منه هنا أن أم هانئ وصفت الالتحاف المذكور في هذه الطريق الموصولة بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين في الرواية المعلقة قبل، فطابق التفسير المتقدم في الترجمة.

قوله "زعم ابن أمي" هو: علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وفي رواية الحموي: "ابن أبي" وهو صحيحٌ في المعنى، فإنه شقيقها، "وزعم" هنا بمعنى: ادعى.

وقولها: "قاتلٌ رجلًا" فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعلة".

بالفعل.

طلب: عندنا بالفعلة.

واحد، كله واحد، لكن إطلاق اسم الفاعل على من عزم "قاتلٌ رجلًا" يعني هدد، هدد بقتله، ولو كان قد قتله فعلًا ومضى الفعل لأضاف إنه قاتل رجلٍ.

"قوله: "فلان ابن هبيرة بالنصب" على البدل أو الرفع على الحذف، وعند أحمد والطبراني من طريقٍ أخرى عن أبي مُرة عن أم هانئ: إني أجرت حموين لي.

قال أبو العباس بن سريجٍ وغيره: هما جعدة بن هبيرة، ورجلٌ آخر من بني مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان، فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها.

وقال ابن الجوزي: إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة، كذا قال، وجعدة معدودٌ فيمن له رؤية، ولم تصح له صحبة، وقد ذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلًا حتى يحتاج إلى الأمان؟! ثم لو كان ولد أم هانئ لم يهتم عليٌّ بقتله؛ لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها.

وجوَّز ابن عبد البر أن يكون ابنًا لهبيرة من غيرها مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا لهبيرة ولدًا من غير أم هانئ.

وجزم ابن هشام في (تهذيب السيرة) بأن اللذين أجارتهما أمّ هانئ هما: الحارث بن هشام".

أمُّ.. أمُّ.

"وجزم ابن هشام في (تهذيب السيرة) بأن اللذين أجارتهما أمُّ هانئ هما: الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية المخزوميان".

طالب: .............

من رأى النبي يعني غير مُميز ما تصير له صحبة، لكن مع التمييز ولو كان صغيرًا؛ ولذلك قالوا عن محمد بن أبي بكر الذي وُلِد في حجة الوداع، قالوا: ليس من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان.

"وروى الأزرقي بسندٍ فيه الواقدي في حديث أم هانئٍ هذا أنهما: الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة.

وحكى بعضهم أنهما: الحارث بن هشام، وهبيرة بن أبي وهب، وليس بشيء؛ لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران، فلم يزل بها مشركًا حتى مات كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ.

وقال الكرماني: قال الزبير بن بكار: فلان ابن هبيرة هو الحارث بن هشام. انتهى.

وقد تصرف في كلام الزبير، وإنما وقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان ابن هبيرة الحارث بن هشام، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفًا كأنه كان فيه فلان ابن عم هبيرة، فسقط لفظ عم".

لأنه يبعد أن يُقال: فلان ابن هبيرة هو الحارث بن هشام.

طالب: على ما ذكره ابن إسحاق.

يبعُد.

"أو كان فيه فلانٌ قريب هبيرة، فتغير لفظ قريب بلفظ ابن، وكلٌّ من الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية، وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه؛ لكون الجميع من بني مخزوم، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بأمان المرأة في آخر كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.

قوله: "أن سائلًا سأل" لم أقف على اسمه، لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه (المبسوط) أن السائل ثوبان".

لكن ما مصدره؟ من أين وقف السرخسي وهو ليس من أهل الحديث ولا عناية له بالحديث؟

طالب: ...........

هو متأخر عن عصر الرواية، وإلا فهو قديم.

طالب: ...........

يفرح المؤلف أو المُعلِّم أو كذا إذا وجد للمُبهم بيانًا، ويتعلق بأدنى سبب بحيث لو وجد على كتابٍ تعليقًا بقلم مجهول: فلان هو فلان، ولو كان ما يُعرَف القائل، يذكرونه، ولعله يثبت أو يُوجد ما يشهد له أو شيء من ذلك.

"قوله: «أَوَلِكُلِّكُمْ؟» قال الخطابي: لفظه استخبارٌ، ومعناه: الإخبار عمَّا هم عليه من قِلة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى، كأنه يقول: إذا علمتم أن ستر العورة فرضٌ والصلاة لازمةٌ، وليس لكل أحدٍ منكم ثوبان، فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة؟ أي: مع مراعاة ستر العورة به.

وقال الطحاوي: معناه: لو كانت الصلاة مكروهةٌ في الثوب الواحد لكُرِهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا. انتهى".

وهذا من باب الإلزام إذا كان تعرفون أنه مُشتهر ومستفيض عند كثيرٍ منكم أنه لا يملك إلا ثوبًا واحدًا، فكيف يطلبون الصلاة بثوبين؟! من لازم ذلك أن الصلاة صحيحةٌ بالثوب الواحد.

"وقال الطحاوي: معناه: لو كانت الصلاة مكروهةٌ في الثوب الواحد لكُرِهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا. انتهى.

وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره".

نعم؛ لأن الكراهة تزول بالحاجة، بل قالوا: بأدنى حاجة، فإذا وُجِدت هذه الحاجة كما هو الحال في شأن هذه الأمة في صدرها الأول فإن هذه الكراهة تزول، ولكن هل جاء ما يدل على الكراهة؟

نعم هي مظنة لكشف العورة، ومع الاحتياط لا يكون ذلك.

"وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة.

فائدة: روى ابن حبان هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن بن شهابٍ، لكن قال في الجواب: ليتوشح به، ثم ليُصلِّ فيه، فيحتمل أن يكونا حديثين أو حديثًا واحدًا فرَّقه الرواة وهو الأظهر، وكأن المصنف أشار إلى هذا؛ لذكره التوشح في الترجمة، والله أعلم.

نعم.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ: إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ:

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ».

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ -أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ»".

يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ: إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ" يعني منه، من الثوب يجعل على عاتقيه منه شيئًا، وشيء نكرة تتحقق بأدنى شيء، لو وضع منه مقدار حبل أو سلك يكفي أم ما يكفي؟

طالب: ............

نكرة في سياق الشرط فتعُم، يعني سلك يكفي؟

طالب: ............

لا، لو قلنا: حبل كفى، لكن هل يحصل به المقصود؟

طالب: ............

هو يلزم أن يستر العاتق كله؟ لا، بل يجعل على عاتقه منه شيئًا، وهو نكرة في سياق الشرط تعم فتحصل بأدنى شيء، هذا مقتضى التحليل اللفظي.

طالب: ............

لا، هو متقدمها أمر وشرط، فكونها في سياق الشرط تعم، وكونها في سياق الأمر تُفيد الإطلاق، فإذا اجتمع الإطلاق والعموم في سياقٍ واحد في مثل هذه الحالة فهل نقول: يحصل المطلوب بأدنى شيء؟

وفرق بين شيء مُعتبر وشيء غير مُعتبر، لو استل خيطًا سلك من هذا الثوب وضعه على عاتقه بحيث يقول من رآه: ليس على عاتقه منه شيء، يكفي؟ أظن ما يكفي، أما إذا وُجِد شيء مُعتبر يراه الناس، فمقتضى السياق أنه يكفي.

"حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ" وهو: النبيل الضحاك بن مخلد.

"عَنْ مَالِكٍ" إمام دار الهجرة.

"عَنْ أَبِي الزِّنَادِ" عبد الله بن ذكوان.

"عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ" عبد الرحمن بن هرمز.

"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ»" «لاَ يُصَلِّي» بالياء، هذا يدل على أن (لا) نافية، وليست ناهية، والنفي إذا جاء بمعنى النهي صار أبلغ من النهي الصريح، «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ»، وتقدم هذا.

ثم قال: "حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ" وهو: الفضل بن دُكين.

"قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ" ابن عبد الرحمن، شيبان بن عبد الرحمن، ويُقال له: النحوي.

"عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ" لا يُستطاع العلم براحة الجسم، قاله يحيى بن أبي كثير- رحمة الله عليه-.

"عَنْ عِكْرِمَةَ" مولى ابن عباس.

"قَالَ: سَمِعْتُهُ" يعني: مولاه.

"أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ" مَن القائل: كنت سمعته؟

طالب: ............

مَن سأل؟

طالب: ............

"قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ»" ليستمسك بعضه ببعض، وتتم الفائدة من هذه المخالفة.

اقرأ.

طالب: ............

هو في العموم يقولون: إن العُرف يُخصص، والعادة تُخصص، فتخصيص العموم أمره واسع عندهم؛ ولذا في المطلق يقولون: إن العُرف يُقيَّد به، وما أُطلِق في نصوص الشرع ولم يرد فيه تقييد مرده إلى العُرف.

على كل حال مثل ما ذكرنا في مسألة (شيء) ما أتوقع أن أحدًا يقول: إن السلك يكفي الذي لا يُرى بحيث يقول أكثر من يراه: ما عليه شيء.

طالب: ............

لا.

طالب: ............

نعم، لكن سبب النهي ما هو؟ هل هذا من هيئتها؟ هل هو من ذاتها؟ هل هو من شروطها أو أركانها لا تصح إلا به؟ هذا الأمر من الخارج، لو صلى في خاتم ذهب أو صلى في عمامة حرير بخلاف ما لو صلى في سُترة حرير؛ لأنه يعود حينئذٍ إلى الشرط.

طالب: ............

هم يُفرِّقون بين ما إذا كان الملبوس في الشروط المؤثرة مثل ستر العورة ما بين السُّرة والرُّكبة هذا يُبطل الصلاة؛ لأنه عاد إلى شرط العبادة، عاد النهي إلى شرط العبادة، أما إذا عاد إلى أمرٍ خارج صلى بعمامة حرير ماذا تقول له: صلاتك باطلة؟ إلا على مذهب الظاهرية الذين يُلازمون بين النهي والبطلان.

كمِّل كمِّل.

طالب: ............

على كل حال هو ليس من الشروط المنصوص عليها، وإنما يجب.

"قوله: "بابٌ إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه" أي: بعضه في روايةٍ "عاتقه" بالإفراد، والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق، وهو مُذكَّرٌ وحُكي تأنيثه.

قوله: «لاَ يُصَلِّي» قال ابن الأثير: كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء ووجهه أن (لا) نافية، وهو خبرٌ بمعنى النهي.

قلت: ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق الشافعي عن مالكٍ بلفظ: "لا يُصلِّ" بغير ياء".

يُصلِّ بدون ياء.

طالب: شددت أنا.

"ومن طريق عبد الوهاب بن عطاءٍ عن مالكٍ بلفظ: "لا يصلين" بزيادة نون التأكيد، ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قوله: «لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ» زاد مسلمٌ".

«شَيْءٌ».

طالب: لكن عندنا يا شيخ الآن بالشرح جعله مثنى بينما في رواية الأصل مفرد.

لكن ما عندك «شَيْءٌ»؟

طالب: «شَيْءٌ» موجود.

ما قلته.

قوله: «لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ» زاد مسلمٌ من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد: «منه شَيْءٌ»، والمراد ألا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، بل يتوشح بهما على عاتقيه؛ ليحصل الستر لجزءٍ من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة؛ أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة".

يعني من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

"قوله: "حدثنا شيبان" هو: ابن عبد الرحمن.

قوله: "سمعته" أي: قال يحيى: سمعت عكرمة، ثم تردد هل سمعه ابتداءً أو جواب سؤالٍ منه؟ هذا ظاهر هذه الرواية، وأخرجه الإسماعيلي عن مكي بن عبدان، عن حمدان السلمي، عن أبي نعيم بلفظ "سمعته أو كتب به إلي" فحصل التردد بين السماع والكتابة.

قال الإسماعيلي: ولا أعلم أحدًا ذكر فيه سماع يحيى من عكرمة، يعني بالجزم، قال: وقد رويناه من طريق حسين بن محمد عن شيبان بالتردد في السماع أو الكتابة أيضًا".

والكتابة طريق مُعتبر من طُرق التحمل وهي موجودة في الصِّحاح كالبخاري وغيره، وفيه الكتابة بين البخاري وشيخه، وبين شيخه ومن فوقه، وبين الصحابي والتابعي، فهي طريقٌ مُعتبر إذا كتب إليه. 

"قلت: قد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هارون عن شيبان نحو رواية البخاري، قال: "سمعته أو كنت سألته" فسمعته أخرجه أبو نعيم في المستخرج.

قوله: "أشهد" ذكره تأكيدًا لحفظه واستحضاره".

في الغالب أن من لازم السؤال السماع؛ لأنه يُجيبه، فيسمع الجواب، لكن هذا من احتياطهم وشدة تحريهم.

طالب: ............

حتى لو كان كتابة.

"قوله: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ» زاد الكشميهني «واحد»، ودلالته على الترجمة من جهة أن المخالفة بين الطرفين لا تتيسر إلا بجعل شيءٍ من الثوب على العاتق، كذا قال الكرماني، وأولى من ذلك أن في بعض طرق هذا الحديث التصريح بالمراد، فأشار إليه المصنف كعادته، فعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه «فليخالف بين طرفيه على عاتقيه».

وكذا للإسماعيلي وأبي نعيمٍ من طريق حسين عن شيبان، وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنهي في الذي قبله على التنزيه.

وعن أحمد: لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه، جعله من الشرائط، وعنه تصح ويأثم جعله واجبًا مستقلًا.

وقال الكرماني: ظاهر النهي يقتضي التحريم، لكن الإجماع منعقدٌ على جواز تركه".

على أن الأمر للاستحباب لا على الوجوب.

"قال: وغفل عما ذكره بعد قليلٍ عن النووي من حكاية ما نقلناه عن أحمد، وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن عليٍّ عدم الجواز.

وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضًا، وقد تقدم ذلك قبل ببابٍ.

وعقد الطحاوي له بابًا في شرح المعاني، ونقل المنع عن ابن عمر، ثم عن طاوسٍ والنخعي، ونقله غيره عن ابن وهبٍ وابن جريرٍ، وجمع الطحاوي بين أحاديث الباب بأن الأصل أن يصلي مشتملًا فإن ضاق اتزر.

ونقل الشيخ/ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي، واختياره، لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه.

واستدل الخطابي على عدم الوجوب بأنه -صلى الله عليه وسلم- صلى في ثوب واحدٍ كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، قال: ومعلومٌ أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسعٍ لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه.

وفيما قاله نظرٌ لا يخفى".

من أين له الجزم أن الثوب لا يتسع لهذا؟

"والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعًا فيجب، وبين ما إذا كان ضيقًا فلا يجب وضع شيءٍ منه على العاتق، وهو اختيار ابن المنذر، وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه ببابٍ إذا كان الثوب ضيقًا".

اللهم صلِّ على محمد.