شرح العقيدة الواسطية (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

مسألة الذات التي تتطرقنا إليها في الدرس الماضي، وقلنا: إن الشيخ في بداية الكتاب قال: (ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه) عرفنا أن الوصف والنعت متقاربان؛ فإذا قلنا: إنه يُثبت لله الصفات تثبت له النعوت وهي بمعناها.

(نفسه) النفس جاء منصوصًا عليها بالكتاب {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116] {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِير}[آل عمران:28]هذا لفظ ثابت بالكتاب والسنة وقلنا: إنه هل يمكن استبدال لفظ النفس بالذات كما استبدلنا الوصف بالنعت؟ وقلنا: إن هذا اللفظ أعني الذات مطروق عند أهل العلم، ومن ذلكم شيخ الإسلام في مواضع كثيرة يقول: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، ويقول أيضًا عن ذاته تعالى يتحدثون عنها كثيرًا، وجاء فيها ما جاء من النصوص، لكن الإشكال في كتب العربية، في المفردات للراغب يقول: استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء، الأصل أن ذات مؤنث ذو، كما يقال: زيد ذو مال، يقال: هند ذات مال، يعني صاحبة مال هذا الأصل، يقول: استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرًا كان أو عرضًا.

نقول: ينتبه طالب العلم في مراجعة الكتب سواء كانت كتب العربية أو كتب الغريب -غريب القرآن أو غريب الحديث- التي يقصد منها بيان معاني القرآن وبيان معاني السنة، ينتبه لما تأثر من هذه الكتب بالاصطلاحات الحادثة، وأنتم تسمعون كلام الراغب هنا جوهرًا كان أو عرضًا، والجوهر والعرض اصطلاح كلامي لا أثارة عليه لا من كتاب ولا من سنة بل هو محدث، قال: واستعملوها مفردة ومضافة إلى المضمر، مفردة كما تقول: ذاتي وذات زيد وذاته وذاتهما إلى آخره مضافة إلى المضمر بالألف واللام، الذات وأجروها مجرى النفس خاصة فقالوا: ذاته ونفسه وخاصته، وليس ذلك من كلام العرب، يعني التعبير بالذات عن النفس ليس من كلام العرب هذا كلام مَن؟ كلام الراغب وفي المصباح نقلاً عن ابن بَرْهَان من النحاة يقول: قول المتكلمين ذات الله جهل؛ لأن أسماءه لا تلحقها تاء التأنيث فلا يقال: علّامة وإن كان أعلم العالمين؛ لأن التاء هذه تاء تأنيث زيدت للمبالغة، قال: وقولهم الصفات الذاتية خطأ أيضًا، فإن النسبة إلى ذات ذووي؛ لأن النسبة ترد الاسم إلى أصله هذا كلامهم، وما قاله ابن برهان يقول صاحب المصباح: وما قاله ابن برهان فيما إذا كانت بمعنى الصاحبة، أما الأصل أن ذات للمؤنث مثل ذو للمذكر ذو صاحب وذات صاحبة، هند ذات مال، يعني صاحبة مال، يقول: ما قاله ابن برهان فيما إذا كانت بمعنى الصاحبة إذا كانت بمعنى الصاحبة فالتاء لا شك أنها تاء تأنيث والوصف مسلَّم، والكلام فيما إذا قطعت عن هذا المعنى، يعني نقلت عن هذا المعنى فيما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت في غيره بمعنى الاسمية، مثل عليم بذات الصدور والمعنى عليم بنفس الصدور أي: ببواطنها وخفياتها، وقد صار استعمالها بمعنى نفس الشيء عرفًا مشهورًا حتى قال الناس: ذاتٌ متميزة وذات محدثة، ونسبوا إليها على لفظها من غير تغيير، فنقول: هذا كلام ذاتي أو صفة ذاتية فقالوا: عيب ذاتي بمعنى جبلي وخِلْقي، قال صاحب المصباح بعد أن نقل كلام ابن برهان المتقدم قال: الكلمة عربية ولا التفات إلى ما أنكر كونها من العربية، الكلمة عربية ولا التفات إلى ما أنكر كونها من العربية، فإنها في القرآن وهو أفصح الكلام العربي، هذا كلام صاحب المصباح، إذا كان ثبوتها بالقرآن عليم بذات الصدور هل المقصود به صاحبة الصدور كما نقول بذوات الخدور صواحب الخدور بذاتها يعني بنفسها، وما يجول فيها من الأمور الخفية، هذه ثبتت في القرآن وثبتت أيضًا في السنة؛ روى البخاري من حديث أبي هريرة قال: «لم يكذب إبراهيم -عليه السلام- إلا ثلاث كَذَبات؛ ثنتين منهن في ذات الله» -وهنا لم يصرح برفعه عن أبي هريرة- قال: «لم يكذب إبراهيم -عليه السلام- إلا ثلاث كذبات؛ ثنتين منهن في ذات الله» ولم يصرح برفعه، هل نقول: هذا له حكم المرفوع؛ لأنه لا يمكن أن يقال بالرأي؟

طالب: ..........

الآن استنباط الكذبات الثلاث وما جاء في السنة ممكن أو غير ممكن؟ فتحديد هذه الثلاث يمكن أن يقال بالرأي بالاستنباط والاستخراج من كلام الله ومن كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لكن إضافة الذات إلى الله -جلّ وعلا- من قِبل الصحابي لا يمكن أن يقوله إلا عن توقيف صرح برفعه في صحيح مسلم من طريق أيوب عن محمد عن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لم يكذب إبراهيم النبي -عليه السلام- قط إلا ثلاث كذبات؛ ثنتين في ذات الله..» إلى آخره، قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم، هذه وواحدة في شأن سارة ثنتين في ذات الله تعالى، الآن لما ثبت رفعه في صحيح مسلم وفي سنن أبي داود والنسائي وعند أحمد وغيرهم وهو في البخاري لم يرفع، هل يتأثر الخبر بعدم رفعه في البخاري؟ هل نقول: إن البخاري -رحمه الله- يعلّ رواية الرفع برواية الوقف؟

طالب: ..........

ما هو كذا -الله يهديك-، أنا أقول: البخاري أخرجها موقوفة ومسلم خرجها مرفوعة، ما فيه شك أن هناك أنواع من مثل هذا التعارض فيه إعلال، فيه شيء من الإعلال، لكن هل البخاري حين خرجها موقوفة من كلام أبي هريرة، هل معنى هذا أنه يعلها؟ هو خرّج الحديث مرفوعًا من طرق متعددة، لكن ليس فيها اللفظة التي نريدها، يعني: أصل الحديث موجود في الصحيح مرفوع، لكن هذه اللفظة التي نريدها أوردها البخاري موقوفة على أبي هريرة، وعلى كل حال سواء كانت مرفوعة كما صرح بذلك مسلم أو موقوفة كما في الصحيح في صحيح البخاري فهي كلمة تضاف إلى الله -جلّ وعلا- لا يظن بالصحابي أن يقولها من تلقاء نفسه، فلها حكم الرفع، فعلى كل حال ثبوتها لا إشكال فيه، ثبوت نسبة الذات وإضافة الذات إلى الله -جلّ وعلا- في هذا الحديث لا إشكال فيه، وهناك أحاديث أيضًا وروايات لهذه الأحاديث وفيه واحد من الإخوان جاء ببحث قال: مسألة إثبات لفظة ذات الله من السنة وآثار الصحابة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: لم يكذب إبراهيم -عليه السلام- إلا ثلاث كَذَبات؛ ثنتين منهن في ذات الله -عز وجل- هذا نسبه إلى البخاري: لم يكذب إبراهيم النبي -عليه السلام- قط إلا ثلاث كذبات؛ ثنتين منهن في ذات الله، في صحيح مسلم، وهذان أشرنا إليهما أن إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاث؛ ثنتين في ذات الله في السنن الكبرى للنسائي، وهو موقوف على عبدالله بن عمرو «المهاجر من هجر ما نهى الله، والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله»، يقول في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في الثامن عشر مائتين وثمانين: وحكمه عند الكاتب صحيح «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله، والكيّس من دان نفسه» قال ثابت: ونسبه إلى الفتاوى، وأيضًا «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله» أيضًا أضافه إلى الفتاوى في موضع آخر، وهناك أيضًا قوله: «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله» ثابت في كتاب تزكية النفس لشيخ الإسلام عن عبدالله بن عباس، قال: فكِّروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، قال: إسناده حسن، أن حسان بن ثابت أنشد النبي -صلى الله عليه وسلم-:

شهدت بإذن الله أن محمدا 

 

رسول الذي فوق السموات من علُ .

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما   .

 

له عمل من ربه متقبلُ       .

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهمُ    .

 

يقوم بذات الله فيهم ويعدلُ   .

يقول: إسناده صحيح ثابت العرش للذهبي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وأنا أشهد أن حسان بن ثابت أنشد إلى آخره، العلو للذهبي، لكنه مرسل أن حسان بن ثابت أنشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الأبيات السابقة، إسناده صحيح مختصر الصواعق لابن القيم عن أبي الدرداء «لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله»، رجاله ثقات إلا أنه منقطع كما في فتح الباري لابن حجر، ذكر في المطالب العالية لابن حجر ضعيف: «إذا جمع الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد: أين أهل الفضل.. إلى أن قال.. ثم ينادي مناد: أين المتحابون في الله أو قال في ذات الله عز وجل..؟».

«أفضل المؤمنين إسلامًا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله» إسناده صحيح، رجاله ثقات، السلسلة الصحيحة للألباني، «أيها الناس لا تشكوا عليًّا فوالله إنه لأحسن في ذات الله أو في سبيل الله، أو من أن يشكى» ورجاله ثقات السلسلة الصحيحة للألباني «أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل» السلسلة الصحيحة للألباني، ثم قال: واتباع الهوى في غير ذات الله السلسلة الضعيفة للألباني، ثم ذكر أحاديث ضعيفة وموضوعة لا داعي لذكرها، ثم بعد ذلك قال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الثالث صفحة أربع وثلاثين وثلاثمائة أو قريب من ذلك قول بعض التابعين في صفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حيث قال: «إن كان الله في صدري لعظيمًا، وإن كنت بذات الله لعليما»، أراد بذلك أحكام الله، فإن لفظ الذات في لغتهم لم يكن كلفظ الذات في اصطلاح المتأخرين، بل يراد به ما يضاف إلى الله كما قال خُبيب -رضي الله عنه- وذلك في ذات الإله، ومن ذلك حديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات  {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}[الأنفال:1] {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}[الحديد:6]ونحو ذلك، فإن ذات تأنيث ذو، وهو يستعمل مضافا يتوصل به إلى الوصف بالأجناس، فإن كان الموصوف مذكرًا قيل: ذو كذا، وإن كان مؤنثًا قيل: ذات كذا، كما يقال: ذات أسوار، وكما جاء في الخبر: ذات أنواط، فإن قيل: أصيب فلان في ذات الله، فالمعنى في جهته ووجهته أي فيما أمر به وأحبه ولأجله، ثم الصفات إن كانت مضافة للنفس يقال في النفس أيضًا: إنها ذات علم وقدرة وكلام، ونحو ذلك، فيه كلام طويل منقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم قال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: أما لفظ الذات فإنها في اللغة تأنيث ذو، وهذا اللفظ يستعمل مضافًا إلى أسماء الأجناس يتوصلون به إلى وصف ذلك، فيقال: شخص ذو علم وذو مال إلى آخره، فلما وجدوا الله قال في القرآن: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116] {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِير}[آل عمران:28] {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام:54] وصفوها فقالوا: نفسٌ ذات علم وقدرة ورحمة ومشيئة، ونحو ذلك، ثم حذفوا الموصوف وعرَّفوا الصفة فقالوا: الذات وهي كلمة مولدة، -هذا كلام شيخ الإسلام- ليست قديمة، وقد وجدت في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، لكن بمعنى آخر مثل قول خبيب الذي في صحيح البخاري وذلك في ذات الإله، وفي الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات؛ كلهن في ذات الله» وعن أبي ذر: "كلنا أحمق في ذات الله"، وفي قول بعضهم: أصبنا في ذات الله، والمعنى في جهة الله وناحيته أي: لأجل الله ولابتغاء وجهه، وليس المراد بذلك النفس، يعني حتى ما جاء في حق إبراهيم ثلاث كلهن في ذات الله أو ثنتين منهن في ذات الله، ليس المراد بذلك النفس ونحوه في القرآن {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}[الأنفال:1] {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}[الملك:13] أي: الخصلة والجهة التي هي صاحبة بينكم وعليم بالخواطر ونحوها، تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله، فإن كان هذا اللفظ أو نظيره ثابتًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فقد وجد في كلامه إطلاق اسم الذات على النفس كما يطلقه المتأخرون، وإذا تقرر هذا الأصل يبقى .. إلى آخر- كلامه ما له علاقة بالموضوع-.

الخلاصة: يعني كلام ابن برهان حينما قال: إنه لا يعرف في العربية وإطلاقه على الله جهل يعني نسبة الذات إلى الله جهل؛ لأنها لا توجد في العربية مرادهم بها المعنى الأصلي للذات؛ لأن الذات مؤنث ذو، وذو من الأسماء الخمسة بمعنى صاحب، إذًا ذات صاحبة فلا يجوز إطلاقه على الله -جلّ وعلا- بهذا الاعتبار؛ ولذا يقول: وهي كلمة مولدة، هذا كلام شيخ الإسلام وليست قديمة، وقد وجدت في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة ولكن بمعنى آخر، وجدت في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني في الحديث الذي أوردناه حديث أبي هريرة: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله»  وعن أبي ذر.. إلى آخره، ثم أورد عن الصحابة ما أورد.

على كل حال إضافة الذات إلى الله -جلّ وعلا- ثابتة، لكن هل إيرادها فيما ثبت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعن صحابته الكرام هل يقصدون بها ما يقصده شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في قوله الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات؟ يعني: هل يقصد شيخ الإسلام أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، الذات الجهة؟ في جهة الله وناحيته هل يقصد هذا؟ أو يقصد بها ما يرادف النفس الثابتة بالقرآن؟ نعم ما يرادف النفس؛ ولذا يقول: فإن كان هذا اللفظ أو نظيره ثابتًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فقد وجد في كلامهم إطلاق اسم الذات على النفس كما يطلقه المتأخرون، يعني في حديث: «تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله» يعني هذا الحديث هو النص فيما نريد، يقول: وقد روي في حديث مرفوع وغير مرفوع: «تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله»، تصديره من قبل شيخ الإسلام بصيغة التمريض يدل على أنه لا يجزم بثبوته؛ ولذا قال بعد ذلك: فإن كان هذا اللفظ أو نظيره ثابتا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فقد وجد في كلامهم إطلاق اسم الذات، إطلاق بعض الأمور اللازمة كالموجود مثلاً، وأيضًا الشيء «لا شيء أغيَر من الله» وفي رواية: «لا أحد أغير من الله»، المقصود أن مثل هذه الأمور يُتحرى فيها وهذا شيخ الإسلام كأنه يتردد في إثبات الذات لله -جلّ وعلا- مع أنها واردة في كلامه كثيرًا، وعلى كل حال تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله لا إشكال، وأيضًا الحديث الثابت عن أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما: «ثنتين منها في ذات الله..» فالذات إضافتها إلى الله -جلّ وعلا- لا إشكال فيها، لكن هل إضافتها يراد بها ما يراد في النفس كما هو في إطلاق كثير من المتأخرين حتى شيخ الإسلام منهم، شيخ الإسلام على أنه كررها وأوردها، وأوردها من العلماء جمع غفير، لكن هل يقطع بثبوتها أو لا يقطع؟

هذه المسألة لا شك أنها ثبتت في حديث أبي هريرة، لكن هل المراد بها ما نحن فيه في ذات الله يعني في نفس الله، المراد بالذات النفس هنا؟ أو أنه المراد بها كما يقول شيخ الإسلام الجهة والوجهة والناحية، ولأجل الله ولابتغاء وجهه؟ ليس المراد بذلك النفس، ليس المراد بذلك النفس، يبقى المعول على قوله: ولا تفكروا في ذات الله، هذا هو النص في كون المراد بالذات بالنفس -أحد عنده شيء؟- يعني لما يقول مثلاً الذات ثابتة مثلاً في لفظ صحيح في البخاري، ثم يأتي من اللغويين من ينكر استعار أصحاب المعاني فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرًا كان أو عرضًا واستعملوها مفردة ومضافة إلى آخره وأجراه مجرى النفس -هذا كلام الراغب- ابن بَرْهان يقول: قول المتكلمين ذات الله جهل؛ لأن أسماءه لا تلحقها تاء التأنيث إلى آخره، وقولهم: الصفات الذاتية خطأ أيضًا فإن النسبة إلى الذات.. إلى آخره، يعني هؤلاء نظروا إلى الذات من زاوية وهي أنها مؤنث ذو بمعنى صاحبة، وهي بهذا الاعتبار لا يمكن إطلاقها على الله -جلّ وعلا-، يمكن أن نقول: نفسه -جلّ وعلا- يعني الثابتة بالقرآن والسنة، نفسه -جلّ وعلا- ذات أوصاف ثابتة بالكتاب والسنة، الآن عليه إشكال في هذا الكلام، يعني بالمعنى الأصلي للذات اللغوي المعروف المتداول الذي لا ينكره أحد، لكن هل لنا أن نقول: ذاته بمعنى نفسه كلام في الصفات فرع عن كلامه في الذات؟ هذا الذي يحتاج إلى تحرير، وأهل العلم يتداولونه من غير نكير، وشيخ الإسلام -رحمه الله- من أحرص الناس على السنة، وجاء في كلام حسان بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-: (وذلك في ذات الله) جاء في كلامه من شعره في حضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وأيضًا جاء في كلام خبيب: (وذلك في ذات الإله) وإن كان المعنى الذي يراد به في مثل هذا قد لا ينطبق من كل وجه على ما يريده العلماء من إطلاق الذات والصفات الذاتية.. إلى آخره، فيه أشياء أنا حصرتها في تفسير شخص من المبتدعة الرازي أثبتوها لله -جلّ وعلا- مع أنهم يثبتون مثل هذه الأشياء التي فيها ما فيها، في إثباتها يعني شيء من التردد؛ لأنها ليس فيها نصوص صريحة وينفون ما في النصوص الصريحة فأثبتوا الموجود والشخص والشيء وغيرها كثير.

طالب: ..........

يعني الخلاصة أقول مادام ثبتت نسبة الذات إلى الله -جلّ وعلا- وذلك في ذات الإله "ثنتين منها في ذات الله" فأنا أرى أن الأمر فيه سعة من هذه الحيثية؛ لأنها ثبتت إضافتها إلى الله في الجملة؛ لأن بعض الإخوان يستنكر كيف يقول اللغويون: إن هذه لفظة محدثة مولدة، الذين قالوا إنها مولدة نظروا إلى ما جاء فيها من النصوص وتطبيقها على المراد، ووجدنا في كلام شيخ الإسلام ما يؤيد كلام أهل اللغة؛ لأن لما تسمع مثل هذا الكلام في كلام أهل اللغة على طول تبي تطلع القلم وتعلق: وهِمَ -رحمه الله-، وهذا ثابت في صحيح البخاري.. إلى آخره، ما يمكن أن نهجم على مثل هذا ونعلق عليه، صح أو لا؟ لكننا لم نصوب صوبة يعني ما لاحظنا الملحظ الذي لاحظه يعني ثقتنا بشيخ الإسلام لما قال مثل هذا الكلام قلنا: ابن بَرهان معه شيء من الحق، أما صاحب المصباح في الأخير قال: والكلمة عربية، والالتفات إلى من أنكر كونها من العربية فإنها في القرآن وهو أفصح الكلام العربي، هم ما ينكرون إلى أن هذه الذال والألف والتاء موجودة في الكتاب والسنة الصحيحة بس المعنى الذي يطبق عليه هذا اللفظ هو الذي ينازع فيه.

وعلى كل حال مادام أثبتها من تبرأ الذمة بتقليده، وهو من الغيرة على عقيدة هذه الأمة مما تلقى من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه من المكان الأرفع والمحل الأسنى، فمثله لا سيما وقد جاء ما يؤيده من النص وإن كانت المطابقة تحتاج يعني النص ما جاء في قصة إبراهيم عليه السلام، هل نقول: إنها نص أو ظاهر؟ يعني ظاهر على المراد؛ لأن عندنا نص وظاهر ومؤول النص لا يحتمل، كما يقال: كم هذه؟ إذا أشرنا بالأصابع الثلاثة فيقال: ثلاثة، هل يحتمل أنها أربعة أو يمكن أن تؤول باثنين؟ ما يمكن، هذه ثلاثة، هذا نص، لكن هناك من النصوص ما دلالته ظاهرة وليست بنص لوجود احتمال آخر مرجوح، والاحتمال المرجوح هو المؤول، ولا يمكن أن يصار إلى المؤول إلا مع قرينة تصرف عن إرادة المعنى الراجح، نريد دليلا على إرادة النفس؟ دليل شرعي على إرادة النفس؟ الآن لو شلنا في حديث إبراهيم شلنا الذات وجعلنا مكانه النفس، هل نقول: إن ثنتين منها في نفس الله؟ ما يستقيم هذا. وهذا هو الملحظ الدقيق الذي ينبغي أن يراعى في مثل هذه الأمور، بالإمكان تمرر هذه الأشياء وتسعين بالمائة من الناس ما هو منتبه، لكن هذه الملاحظ الدقيقة ينتبه لها شيخ الإسلام -رحمه الله-؛ ولذلك أورد حديث: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله»، يقول: فإن ثبت الخبر أثبتنا الذات لله -جلّ وعلا-.

طيب كلامه -رحمه الله- الذي يقوله ويكرره هو وغيره الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، هل معنى هذا أنه يثبت من خلال هذا الكلام ذات لله -جلّ وعلا-؟ أو أنه يخبر عن ذات الله -جلّ وعلا- التي هي نفسه؟ فإذا قلنا: إنها خبر عن الله -جلّ وعلا- فدائرة الخبر أوسع، ويأتي شيء من هذا إن شاء الله تعالى تفصيلاً.

فعلى كل حال شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى ممن تبرأ الذمة بتقليده يقول: ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه، جاء سؤال: إذا كان تعريف الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، فهل يشمل هذا التعريف الأركان الستة أو أنه خاص بالإيمان بالله -جلّ وعلا-؟

طالب: ...........

فيه سؤال ورد هنا يقول: قلنا في تعريف الإيمان بالله: إنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح والأركان، وهذا التعريف معلوم وواضح في الإيمان بالله، ولكن كيف يكون الإيمان ببقية الأركان الستة من خلال هذا التعريف؟ نرجو التوضيح. نتصور أن البقية أركان، فهل من لازم كون الحد جامعًا مانعًا أن يتناول جميع الأركان، يعني إذا عرفنا الصلاة، هل من لازم تعريف الصلاة الجامع المانع أن يتناول السجود مثلاً وهو ركن أو السلام أو التشهد الأخير؟

طالب: ............

لكن أنت تعرف تأتي بتعريف للصلاة ليكون جامعًا لكل مفردات المعرف وكل أجزائه، ومانعًا من دخول أي شيء غير أجزاء المحرف، دعونا من الصلاة وغيرها، الآن الإيمان التعريف قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، هل يمكن أن يفهم منه أن يدخل في هذا الحد الإيمان بالبعث؛ لأنه يحتاج إلى أن يلفظ به؟ هل من لازم الإيمان بالبعث أن يتلفظ به الإنسان؟ الاعتقاد لا بد منه العمل بما يتطلبه هذا البعث لا بد منه، لكن لو قال: أنا ما أتلفظ أن البعث واجب، ما يلزم هذا الأخرس ناطق بالقوة عند أهل العلم، ما هو بالفعل ناطق بالقوة، يعني منه إشارات وعلامات مفهمة كفى.

طالب: ...............

لا بد أن يقول: نعم.

طالب: ...............

هل نقول: إن هذا التعريف للإيمان بالله والأركان من لوازمه ولا يصح إلا بها، أو أن الحد لا بد أن يشمل جميع أجزاء المحدود بحيث يكون لكل جزء من أجزائه لفظ يدل عليه من الحد، أو يكفي التعريف الإجمالي الذي يشمل الأجزاء المحدودة ولو لم ينص عليه، مثلما يقولون في الصلاة: أقوال وأعمال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، ولا يلزم أن ننص أن فيها ركوع وفيها سجود وفيها إلى آخره؛ لأن هذا محله التفصيل، والحد من شرطه أن يكون مختصرًا وإلا لو كان مبسوطًا تذكر فيه جميع الأشياء لأغنى عما بعده من تفصيل من ذكره الشروط وذكر الأركان، فهذا التعريف الإجمالي تدخل فيه الأركان الستة كلها، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا ثالث ولا مصدر ثالث لهذه الأمور الغيبية غير ما جاءنا عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- من غير تحريف ولا تعطيل، قلنا: التحريف -بالأسبوع الماضي-  تحريف الكلام: إمالته عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، لكن التحريف الذي ارتكبه المبتدعة لا يدل عليه اللفظ أصلاً أو يدل عليه دلالة بعيدة؛ لأن اللفظ الذي يحتمل أكثر من معنى فيه أكثر من احتمال، احتمال راجح وهو الظاهر، واحتمال مرجوح وهو المؤول، فهم يسلكون الاحتمال المرجوح، والأصل أنه لا يعول على الاحتمال المرجوح إلا إذا وجدت قرينة تمنع من إرادة الاحتمال الراجح، فتحريف الكلام إمالته عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ إلا مع احتمال مرجوح، يعني جاءت اليد ويراد بها النعمة «هل لك عليهم من يد تربها»، هل لك عليهم من نعمة، لكن، بل يداه مبسوطتان، هل يمكن أن يلجأ إلى تأويل اليد بالنعمة في مثل هذا النص؟ لماذا؟

لأن التثنية تمنع من إرادة النعمة هل يقال: نعمتاه نشيل يداه ونقول: بل نعمتاه مبسوطتان، يمكن تجي هذه؟ لا يمكن؛ لأنه يوجد أولاً الاحتمال الراجح هو الأصل ولا يجوز العدول عنه إلى الاحتمال المرجوح إلا لقرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي، الأمر الثاني أن التثنية تمنع من إرادة الاحتمال المرجوح ويكون في اللفظ مثل..، نعم ماذا قالوا؟

طالب: ...........

لا هذا معنوي ما هو لفظي.

طالب: ..............

لكن هل هذا لفظي أو معنوي؟

طالب: ..............

لا، معنوي هذا، هل يستطيعون أن ينطقون، الرحمن على العرش استولى، هم يقولون كذا؟ أو يحرفون المعنى من استوى إلى استولى؟ إذًا هو تحريف معنوي، التحريف اللفظي مثل {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164]، يقولون: كلم اللهَ موسى تكليمًا، لكن هل يستطيعون أن يتصرفوا في قول الله -جلّ وعلا-: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:143] يمكن؟ لا يمكن، وهذه بالنسبة لهم طامة لا يستطيعون أن يحرفوها كما حرفوا الآية الأولى، وحرفوا معنى التكليم كلّم الكلْم يأتي بمعنى الجرح الشهيد يأتي وكَلْمُه يدمي يعني جرحه قالوا: جَرَّحَه، {كَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164] جرحه، قالوا بأظافير الحكمة، إيش الكلام هذا؟ يعني إغراب شديد، وما الداعي إليه؟ يعني: فروا من شيء ووقعوا فيما هو أسوأ منه، هم تصوروا أن مثل هذه الأمور تقتضي مشابهة الخالق بالمخلوق، ففروا إلى أن عطلوا الله -جلّ وعلا- من صفاته وما أثبته لنفسه، هناك تحريف معنوي مثلما حرفوا معنى استوى إلى استولى، وهذا سيأتي كله إن شاء الله تعالى بالتفصيل في الآيات السبع، من غير تحريف ولا تعطيل، التعطيل الترك والإهمال {بئر معطلة} يعني متروكة مهملة، والمراد به هنا نفي الصفات الإلهية وإنكار قيامها بالله -جلّ وعلا-، هذا التعطيل، فالمعطلة الجهمية نفوا الصفات الإلهية وإضافتها إلى الله -جلّ وعلا- وقد أثبتها الله -جلّ وعلا- لنفسه في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهناك تعطيل كلي مثل تعطيل الجهمية حيث نفوا الأسماء والصفات، وتعطيل المعتزلة الذين نفوا الصفات وإن أثبتوا الأسماء، وتعطيل جزئي كتعطيل الأشاعرة الذين نفوا بعض الصفات وأثبتوا بعضًا.

الثالث: ومن غير تكييف ولا تمثيل، التكييف: اعتقاد أن صفاته تعالى على كيفية كذا أو يسأل عنها بكيف؛ لأن عندنا لفظ له معنى وله كيفية، {الرحمن على العرش استوى} عندنا هذه الآية التي جاءت في مواضع من كتاب الله -جلّ وعلا- استوى إذا قال المبتدع: استولى، دخل في التحريف ومن ورائه التعطيل؛ لأنه عطل المعنى الحقيقي ولو أثبت غيره مما لا يريده الله -جلّ وعلا- فهو معطِّل، ومع ذلك فهو محرّف حرف أو عطل، ثم حرّف، لكي يمشي تعطيله لا بد أن يجيب عمّا ثبت عن الله -جلّ وعلا-، يعني لو جاء شخص قال: الرحمن على العرش استوى، كلمة استوى لا بد أن نحذفها هذه لا تليق بالله -جلّ وعلا- ولا بد أن نحذفها، هذا يكفي أن نقول: مبتدع؟ كافر هذا؛ لأن هذه محادة مصادمة إنكار لما ثبت بالضرورة من دين الإسلام، فهذا كفر لكن التأويل ابتداع لكن أهل العلم كفروا الجهمية؛ لأن تأويلهم كلا تأويل، يعني ليس بسائغ، تأويل ليس بسائغ، فوجوده مثل عدمه، الذي يقول: نحذف هذه الكلمة، لأنها لا تليق بالله -جلّ وعلا- قلنا: هذا كافر، لكن الذي يقول: استوى نفسرها بمعنى وجد له ما يدل عليه ويتشبثون بأدنى شبهة نفسر استوى استولى؛ لئلا نثبت الاستواء المطلوب هي مراحل أشدها أن تنفى الكلمة بالكلية من غير تأويل، الثاني أن تؤول بتأويل غير سائغ مثل استولى وينقلون في هذا البيت

 قد استوى بشر على العراق     ..................

 الثالث: أن يثبت اللفظ ولا يؤول، لكن نقول: لا نعرف له معنى، لا نعرف له معنى، الرحمن على العرش استوى هذا متشابه لا نعرف له معنى، هذا يسمى عند أهل العلم تفويض، الاحتمال الرابع وهو أنه يقر كما جاء ويمر كما جاء، مع اعتقاد أن له معنى يليق بالله -جلّ وعلا-، لكن هناك ما بعده من طلب الكيفية أو تصور الكيفية، والتعبير عن كيفيته أو السؤال عنه بكيف هذا هو التكييف؛ فاعتقاد أن صفاته تعالى على كيفية كذا لو قال مثلاً: كيف استوى؟ ثم يجيبه مجيب بأنه استوى كما يستوي كذ،ا فهم كيفوا والتكييف يصاحبه تشبيه، أو يسأل عنها بكيف؛ ولذا جاء في جواب الإمام مالك وأم سلمة وغيرهما: الاستواء معلوم، يعني معلوم المعنى ما هو طلاسم أو كأنه من لغة أخرى، الاستواء معلوم والكيف مجهول، فمن دخل في التكييف خرج عن دائرة اعتقاد أهل السنة والجماعة، فهي مراحل أربع؛ من ينكر اللفظ بالكلية هذا يكفر، الذي يؤوله تأويل غير سائغ هذا من طوائف المبتدعة وبدعة مغلظة عند أهل العلم، والذي يثبت اللفظ ولا يحرفه ولكنه لا يعتقد له معنى، بل هو من المتشابه ويعد نفسه في هذا من الراسخين الذين يقولون آمنا به ولا نعرف له معنى، وقد أخطأ في هذا، بل له معنى أثبته سلف هذه الأمة، لكن الكيف هو الذي يجهل، وهذا الفرق بين إثبات أهل السنة وبين إثبات أهل التفويض.

يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، الرابع التمثيل وهو اعتقاد أن صفات الباري -جلّ وعلا- مثل صفات المخلوقين، فالممثل والمشبه إذا قيل له: ما معنى الاستواء؟ قال: مثلما يستوي الملك على السرير، على الكرسي، أو يستوي كذا على كذا، أو على ظهر الدابة، فيمثل صفات الخالق بصفات المخلوقين. النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قرأ قول الله -جلّ وعلا- {وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:134] وضع أصبعه اليمنى على أذنه واليسرى على عينه، هل في هذا شيء من التمثيل؟

طالب: .............

ليس المراد به أن له سمع مثل هذا السمع، أو بصر مثل هذا البصر، إثبات أن الله -جلّ وعلا- متصف بهذه الصفات اتصافًا حقيقيا كاتصاف المخلوق بهذه الصفات، لكن الصفة تختلف عن الصفة، الاتصاف مثل الاتصاف حقيقي لكن الوصف يختلف عن الوصف كما في تشبيه رؤية الباري برؤية القمر ليلة البدر، فهي تشبيه رؤية برؤية لا تشبيه مرئي بمرئي، فمن هذه الحيثية لا نقول: إن هذا الخبر يتضمن تشبيه ولا تمثيل ولا بيان لكيفية الصفة؛ وإنما هو إثبات أن هذه الصفات حقيقية كما أن المخلوق له صفات حقيقية، هل يمكن يختلف أحد في أن سمع المخلوق حقيقي أو أن بصر المخلوق حقيقي؟ لا يمكن أن يختلف، دعونا ممن سلكت بهم الأوهام إلى مسالك خرجت بهم مع كونهم من الأذكياء إلى ما يشبه تصرفات المجانين، يعني مقتضى البصر الإبصار لكن الإبصار -إبصار الممكن لا إبصار المستحيل- فعند الأشعرية عندهم أن الأسباب لا تأثير لها، فكون الإنسان متصف بالبصر فهو مبصر عنده لا به، كيف؟ مبصر عند البصر لا بالبصر، ولذلك يجوزون أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، الشخص الأعمى وهو بالصين في أقصى المشرق أن يرى البقة -صغار البعوض- وهي بالأندلس، لماذا؟ لأن البصر سبب للرؤية والإبصار يحصل عنده لا به، كما أن الري يحصل عند الشرب لا به، وهذا متى وصلوا إلى أن يقولوا مثل هذا الكلام؟ بعد أن ضلوا في أول الطريق لزمت عليهم اللوازم وألزموا بها، ثم التزموها من باب المحافظة على الأصول التي اعتمدوها، فوصل بهم الأمر إلى هذا الحد؛ ولذلك يحرص الإنسان كل الحرص على التمسك بالسنة؛ لأنه إذا زل يترتب على هذا الزلل لوازم يناقش بها، وقد تأخذه العزة بالإثم فيصر على هذا اللازم، ثم يلزم عليه لازم آخر، وعند المناظرة والمناقشة يصرّ عليه فيتمسك بلازمه، وإلا من يتصور أن شخص يسجد لله يقول: سبحان ربي الأسفل -نسأل السلامة والعافية- وهل هذه أول كلمة قالها، ليست أول كلمة قالها، لكن وصل به الأمر إلى هذا الحد؛ لأنه قال كلام ضل فيه عن السنة وخُذل باعتبار بعده عن تحكيم الوحيين، ثم ألزم بهذه اللوازم فالتزمها، ما له مفر إلا أن يلتزم أو يرجع، ابن بطوطة في رحلته المملوءة بالخرافة يقول: دخل مسجد الجامع الأموي بدمشق، فوجد شخصًا يخطب ووصفه بكثرة العلم مع نقص في العقل، ويعني بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يخطب على منبر دمشق وقال: إن الله ينزل كنزولي هذا، فنزل من المنبر.

أولا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في اليوم الذي دخل فيه ابن بطوطة دمشق، والذي حصل فيه الحديث، شيخ الإسلام مسجون، ألا يمكن أن يقول قائل: إن هذا الكلام لو ثبت عن شيخ الإسلام أنه يكون من باب إثبات الحقيقة للنزول كإثبات حقيقة السمع والبصر بالإشارة إليهما من المخلوق، يمكن أن يقال هذا أو ما يمكن؟ يعني النزول حقيقي ليسي بمجازي كنزولي هذا حقيقة، مع أنه لا يمكن إثباته لشيخ الإسلام، شيخ الإسلام منه بريء، لكن على سبيل التنزل ألا يمكن أن يقال هذا أو يقتصر على ما ورد في مثل هذا الباب؟ نعم، الاقتصار على ما ورد هو الأصل فلا ينزل أحد ويقول: إن الله ينزل مثل نزولي؛ لأنه إذا قبل من المصدر الشرعي من النبي -عليه الصلاة والسلام- وحُمل على وجه يتسق مع ما جاء عن الله -جلّ وعلا- فغيره -عليه الصلاة والسلام- لا يدرك ما وراء هذه الألفاظ؛ لأنها أمور غيبية، المقصود أن مثل هذا يقتصر فيه على ما ورد.

طيب اشتراك الكلمة الواحدة الثابتة لله -جلّ وعلا- مع بعض خلقه، أو مع خلقه الوجه مثلاً، يعني كون الله -جلّ وعلا- موصوف بأن له وجه {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرحمن:27] موصوف أن له وجه، هل من لوازم وصف المخلوق بأن له وجه أن يكون وجه الخالق مثل وجه المخلوق، ليس من لازم ذلك، بدليل أن المخلوقات لها وجوه ولا يلزم من إثبات الوجه لبعضها أن يكون مشابها لما أثبت من مخلوق آخر؛ فمثلاً الإنسان له وجه، الحمار له وجه، الكلب له وجه، القرد له وجه، وهذه كلها مخلوقة، لو قيل بتقاربها -إلى حد ما- ما هو بعيد، بينما لا نسبة ولا تقارب بين الخالق والمخلوق، فإذا أثبتنا للإنسان وجهًا، وللحمار وجهًا، وللكلب وجهًا، وللقرد وجهًا، هل نقول: إن من مقتضى ذلك المشابهة بين هذه الوجوه فإذا أثبتنا أن بينها فروقًا وهي أمور محسوسة وكلها مخلوقة تشترك في أنها محدثات مخلوقة لله -جلّ وعلا- مع هذا التباين في وجوهها، فالتباين بين وجه الخالق والمخلوق لا شك أنه أوسع وأبعد ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله –سبحانه- ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، بل يؤمنون يعتقدون اعتقادًا جازمًا لا تردد فيه بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء كما قال في سورة الشورى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11]  هذا نفي وإثبات، النفي الإجمالي {ليس كمثله شيء} فلا شيء يشبهه -جلّ وعلا- والكاف الداخلة على المثل المنفي بليس لتأكيد نفي المثلية؛ لأن بعضهم يستشكل دخول الكاف على (مثل) يتشكل لماذا؟ لأن (مثل) كافية والكاف بمفردها كافية فلماذا يجمع بينهما؟ وإذا نفينا مثل المثل هل معنى هذا أننا نثبت المثل؟ ما الذي اضطر بعض العلماء أن يقول: الكاف صلة زائدة؟ لأننا إذا نفينا مثل المثل معناه أننا أثبتنا مثل، ونفينا مثيل لهذا المثل، هذا الذي جعل بعض العلماء يقول: الكاف صلة، ويتورع أن يقول: زائدة، يعني من حيث المعنى، وإن كانت زائدة للتوكيد.

طالب: ...............

هنا نبي نقرر أولا الإشكال الوارد الذي جعل بعض العلماء يقرر أنها زائدة، هم يقولون: إذا قلت مثل مثل ليس مثل مثل، فأنت أولا أثبت المثل، ثم نفيت أن يكون لمثل المثل مثيلاً؛ فنفي مثل المثل إثبات للمثل، هم توهموا هذا، لكن أهل التحقيق يرون أن هذا مبالغة في النفي، في نفي المثل، مبالغة في نفي المثل، كيف؟ لو افترض له مثيلاً فلا مثيل له، فكيف وهو لا مثيل له كما يقال: مثلك لا يبخل، هل معنى هذا أنك تبخل؟ إذا قيل: مثلك لا يبخل، فهل معنى هذا أنه إثبات للبخل للطرف الأول ونفي لمثله وهو الطرف الثاني نفي للبخل عنه؟ إذا قيل: مثل زيد لا يبخل، طيب من الذي مثل زيد؟ عمرو الذي مثل زيد، عمرو إذًا الذي مثل عمرو، الثالث مثلك لا يبخل، إذا قلنا: مثلك لا يبخل، الذي مثل زيد قلنا: عمرو، وعمرو قلنا: إنه لا يبخل؛ فماذا أثبتنا لزيد، هل أثبتنا له البخل أو نفينا عنه بسبب المماثلة بينهما الحكم الذي حكمنا به عن مثله، الحكم الذي حكمنا به على مثله أنه لا يبخل، فإذا أثبتنا على نظيره أنه لا يبخل ووجه المماثلة هي المتحدث عنها وهو البخل، فإذا كان مثله لا يبخل، إذًا هو لا يبخل؛ لأن وجه الشبه بينهما الجود والكرم. عندما نتحدث عن شخص نمدحه بالجود فنقول: مثله لا يبخل، لماذا عدلنا إلى المثل عنه؟ لأن مثل هذا الكلام لا يقبل بالنسبة لهذا الشخص، يعني طار ذكره وصيته في الآفاق، إذا قلنا مثلاً: حاتم لا يبخل، يحتاج إلى أن نقول هذا الكلام، أو نقول: مثل حاتم لا يبخل، والمفترض في أن مثل حاتم دونه في هذا الوصف؛ لأن حاتم ضرب أروع الأمثلة في هذا الباب، فمثله دونه في هذا الوصف، فإذا كان مثله الذي هو دونه في هذا الوصف لا يمكن أن يتصف بالبخل إذًا المقيس عليه وهو أدخل في وجه الشبه من باب أولى، فمن هذه الحيثية يتقرر أن إدخال الكاف للمبالغة في نفي المثيل وهو السميع البصير إثبات لصفتي السمع والبصر على ما يليق بجلال الله وعظمته على ما ذكره شيخ الإسلام من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وسيأتي الكلام عن صفتي السمع والبصر، ويأتي أيضًا الكلام على النفي المجمل والإثبات المفصل في الدرس القادم -إن شاء الله تعالى-.

 هذا سؤال يقول: ما الفرق بين التمثيل والتشبيه، ولم يذكر ابن تيمية التشبيه؟

هذا يجاب عنه في مطلع الدرس اللاحق إن شاء الله تعالى.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"