التعليق على الموافقات (1429) - 07
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تكملة للمسألة الخامسة، يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: "فصل: ويظهر من هنا أيضًا أن البناء على المقاصد الأصلية يُصيِّر تصرفات المكلف كلها عبادات، كانت من قبيل العبادات أو العادات".
يعني ما لا حظ فيه للمكلف، إذا عمله المكلف ولا حظ له فيه يكون عبادة؛ لأنه لم يلاحظ حظ نفسه فيه.
طالب: "لأن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم، فهو إنما يعمل من حيث طُلب منه العمل".
يعني: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، يعني طلب منكم عمارتها، فأنت تغدو وتروح في هذه الدنيا؛ لتحقيق هذا الاستعمال، لتحقيق هذا الطلب، فأنت مأجور على كل حال.
طالب: "ويترك إذا طُلب منه الترك، فهو أبدًا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح".
أنت مطالب بعمارة الدنيا إيجادًا وسلبًا، فكل ما يساهم في عمارتها أنت مطالب به، وكل ما كان بضد ذلك فأنت مطالب بتركه.
طالب: "فهو أبدًا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب. أما باليد، فظاهر في وجوه الإعانات. وأما باللسان، فبالوعظ والتذكير بالله أن يكونوا فيما هم عليه مطيعين لا عاصين، وتعليم ما يحتاجون إليه في ذلك من إصلاح المقاصد والأعمال، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالدعاء بالإحسان لمحسنهم والتجاوز عن مسيئهم.
وبالقلب لا يضمر لهم شرًّا، بل يعتقد لهم الخير، ويعرفهم بأحسن الأوصاف التي اتصفوا بها ولو بمجرد الإسلام، ويعظمهم ويحتقر نفسه بالنسبة إليهم".
يعرفهم بأحسن الأوصاف، إما بأبي فلان أو بفلان بأحب الأسماء إليه، وأقل الأحوال إذا كان لا يعرف اسمه يقول: هذا مسلم، ولا ينبذه بلقب يكرهه وما أشبه ذلك؛ هذا أقل ما يؤدى للمسلم.
طالب: .......
مأجور عليه ما لم يكن فيه مخالفة، إذا استحضرت هذه النية أنك تحقق هذا الطلب؛ لأن السين والتاء للطلب، طلب عمارتها، تحقق هذا الطلب ولم يكن في عملك مخالفة؛ لأن ما فيه مخالفة ضد الاستعمار، ضد عمارة الدنيا.
طالب: .......
على كل حال إن استحضروا النية ففضل الله واسع.
طالب: "ويعظمهم، ويحتقر نفسه بالنسبة إليهم".
"يحتقر نفسه بالنسبة إليهم"، تواضعًا.
طالب: "إلى غير ذلك من الأمور القلبية المتعلقة بالعباد".
بخلاف من يغمط الناس، ويحتقرهم، ويزدريهم، ويترفع عليهم؛ هذا على ضد مقاصد الشرع، نعم.
طالب: "بل لا يقتصر في هذا على جنس الإنسان، ولكن تدخل عليه الشفقة على الحيوانات كلها، حتى لا يعاملها إلا بالتي هي أحسن، كما دل عليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: «في كل ذي كبد رطبة أجر»".
يعني حقوق الحيوان مرعية في شريعة الإسلام فيما عدا ما أُمر بقتله في الحل والحرم، البقية حقوقها مرعية، على ألا تكون على حساب الإنسان، كما يطالب به الآن من قِبل المنظمات الدولية يطالبون بحقوق الحيوان، ولو كانت على حساب حقوق الإنسان، ومع ذلك يميزون بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والحيوان، فهم يطالبون بحقوق الحيوان في وقت ينتهكون فيها حقوق الإنسان. هذه دعاوى مجردة لا حظ لها من النظر، وفي قوانين بعض الدول الغربية مؤخرًا ساووا بعض الحيوان بالإنسان، مثل القرود في أسبانيا صدر قانون تساوى بالإنسان، نسأل الله السلامة والعافية. لكنه إخوانهم.
طالب: "وحديث تعذيب المرأة «في هرة ربطتها»، وحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل مسلم، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، الحديث، إلى أشباه ذلك. فالعامل بالمقاصد الأصلية عامل في هذه الأمور في نفسه امتثالاً لأمر ربه، واقتداءً بنبيه -عليه الصلاة والسلام-، فكيف لا تكون تصاريف مَن هذه سبيله عبادةً كلها؟ بخلاف من كان عاملاً على حظه، فإنه إنما يلتفت إلى حظه أو ما كان طريقًا إلى حظه، وهذا ليس بعبادة على الإطلاق".
لا شك، إذا كان يعمل وفي نيته أنه يحقق أهدافه الخاصة، ولو تظاهر، ولو أظهر للناس خلاف ذلك فإنه ليس بالعبادة، غاية ما يقال: إن عمله مباح، بخلاف الأول الذي يستحضر عمارة ما أُمر بعمارته وتقديم ما أُمر بتقديمه لغيره، فمثل هذا في عبادة.
طالب: "بل هو عامل في مباح إن لم يخلُ بحق الله أو بحق غيره فيه، والمباح لا يُتعبد إلى الله به، وإن فرضناه قام على حظه من حيث أمره الشارع، فهو عبادة بالنسبة إليه خاصة، وإن فرضته كذلك فهو خارج عن داعية حظه بتلك النسبة.
فصل: ومن ذلك أن البناء على المقاصد الأصلية ينقل الأعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب؛ إذ المقاصد الأصلية دائرة على حكم الوجوب، من حيث كانت حفظًا للأمور الضرورية في الدين المراعاةِ باتفاق".
يعني لو نظرنا إلى خباز مثلاً، خباز هو في الأصل مخير بين أن يكون مخيرًا بين أن يكون مزارعًا أو صانعًا أو خبازًا وما أشبه ذلك، ومن هذه الحيثية يعمل في مباح؛ لوجود التخيير. لكن باعتباره يساهم في إنقاذ خلق ممن يستفيد من هذا الخبز؛ لأن الخبز ضروري من الضروريات، من هذه الحيثية دخل عمله في حيز الوجوب، لا لمعنى أنه يأثم بتركه بمفرده، لكن لو تركته الأمة بكاملها، تركت الزراعة، وتركت الصناعة، وتركت ما يُحتاج إليه، أثم الجميع؛ لأن هذه من فروض الكفايات. فهذا معنى قوله: "ينقل الأعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب".
يعني أن الإنسان مخير أن يكون مزارعًا أو يكون صانعًا أو يكون عاملًا أي عمل مما ينتفع به المسلمون، هو مخير، ومن هذه الحيثية يكون اختياره في دائرة الإباحة، ما لم يستحضر أن هذا العمل الدنيوي أفضل، على حسب ما يقرره أهل العلم في تفضيل الزراعة على غيرها أو تفضيل الصناعة أو تفضيل غيرها من الأعمال المتعدية، المقصود أنها في الأصل مباحات ثم صارت في حيز الواجبات؛ لأنها تحقق الضروريات، تحقيق الضروريات أمر لا بد منه، لا بالنظر إلى كل شخص بعينه، وإنما بالنظر إلى المجموع.
طالب: شيخ، لما يقول: "المقاصد الأساسية دائرة على حكم الوجوب"، أما قلنا: إن المقاصد الأصلية قد تشمل الواجب، وقد تشمل يعني المستحب؟
لكنها مقصد لا حظ للإنسان فيها.
طالب: .......
له نظر إلى حكم الوجوب باعتبار العموم، وأنه لو تُرك حفظ هذه الضرورة من الضروريات أثم الناس كلهم؛ لأنه محافظ عليها من الواجبات الكفائية.
طالب: .......
....... أنه إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقيين.
طالب: كل عمل دنيوي أو......؟
ما يحتاج إليه، يعني ما يحتاج إليه المسلمون.
طالب: .......
لا، الناس يعيشون بعد ......... الناس يعيشون بدون، ما هو مثل الضروريات.
طالب: يعني ما يتوقف عليه حياة الناس؟
لا أبد، ولا حياة الناس ولا حاجة.
طالب: أقصد الضابط.......
المقصود أنه ما يتعلق بالضروريات، وما تمس إليه الحاجة، يعني ما يعاني الناس منه مشقة شديدة.
طالب: "وإذا كانت كذلك صارت الأعمال الخارجة عن الحظ دائرةً على الأمور العامة، وقد تقدم أن غير الواجب بالجزء يصير واجبًا بالكل".
"غير الواجب بالجزء" بالنسبة للأفراد يكون "واجبًا" بالمجموع، وهذا هو معنى فرض الكفاية. نعم.
طالب: "وهذا عامل بالكل فيما هو مندوب بالجزء أو مباح يختل النظام باختلاله، فقد صار عاملاً بالوجوب".
نعم. أصله مباح لوجود التخيير، كثير من الناس أثناء التخطيط لمشاريع يقومون بها يخطط ثم يعدل عنه، يأثم أم ما يأثم؟
طالب: ما يأثم.
ما يأثم، إلا إذا تعين الأمر عليه فإنه لا يجوز له أن يعدل عنه، أما قبل، لكن إذا دخل صار مساهمًا في تحقيق هذا الواجب الكفائي باعتبار العموم.
طالب: "فأما البناء على المقاصد التابعة، فهو بناء على الحظ الجزئي، والجزئي لا يستلزم الوجوب، فالبناء على المقاصد التابعة لا يستلزم الوجوب، فقد يكون العمل مباحًا، فإما بالجزء وإما بالكل والجزء معًا، وأما مباحًا بالجزء مكروهًا أو ممنوعًا بالكل، وبيان هذه الجملة في كتاب الأحكام".
"مباح بالجزء مكروه أو ممنوع بالنسبة للكل"، يعني خباز أراد أن يفتح محل يخبز فيه، لكن بجواره خباز آخر يتضرر، هو مباح بالجزء، لكن بالكل قد يكون مكروهًا لوجود الضرر، وإذا وُجد الضرر في بضاعة أخرى أو في عمل آخر، فإنه قد يصل لدرجة التحريم؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار.
طالب: "فصل: ومن ذلك أن المقصد الأول إذا تحراه المكلف يتضمن القصد إلى كل ما قصده الشارع في العمل من حصول مصلحة أو درء مفسدة، فإن العامل به إنما قصده تلبية أمر الشارع، إما بعد فهم ما قصد، أو لمجرد امتثال الأمر، وعلى كل تقدير، فهو قاصد ما قصده الشارع".
هذا إذا استحضر ذلك، إذا قصد تلبية أمر الشارع صارت أموره كلها خير كلها عبادات، والأمور بمقاصدها.
طالب: .......
لا، ما فيه اعتراض على الرزق، ولو قُدر أن الحي بحاجة إلى عشرة خبازين، بحاجة إلى عشرة، ثم جاء عشرون خباز، بعض الخبازين يتضرر، ثم بعد ذلك ينسحب من السوق بعد أن خسر على هذا المحل آلات ومعدات، واستأجر وفعل وترك وأثث، هذا متضرر أم غير متضرر؟
طالب: .......
نعم، متضرر.
طالب: ولكن هل للأول أن يمنعه......
شخصيًّا لا يمنع، لكن ولي الأمر له أن يمنع ما يضر بالناس.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.......
نعم.
طالب: ........
بالنسبة للأكل والشرب إذا وصل الإنسان إلى حد يكون عليه خطر إذا ترك يجب عليه أن يأكل ويجب عليه أن يشرب إذا خشي الموت من العطش، لكن شيخ الإسلام بالنسبة للطب يقول: لا أعلم سالفًا أوجب العلاج، يعني: لا أعلم أحدًا من السلف قال: إن العلاج واجب. ومن هذه الحيثية يختلف، والخلاف بين أهل العلم في أفضل الأعمال يعني أمور الكسب، منهم من يقول: الزراعة، وجاء الحث عليها، ونفعها متعدٍّ، ومنهم من يقول: الصناعة؛ لأنها مهنة بعض الأنبياء، ومنهم من يقول: الرعي، ومنهم من يقول غير ذلك من الأعمال المتعدية؛ لوجود أدلة تخصها، وإن لم تتعرض للصناعات والمهن الأخرى. ولكن الذي رجحه ابن القيم: أن أفضل المكاسب الغنائم: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي»، فهي كسب النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.......
أوجب العلاج نعم.
طالب: هل يدخل في هذا.........
ما يضر، إذا رفض الأمر إليه ما يأثم.
طالب: ........
لا ما يأثم. نعم. إن كان في تمام عقله ورفض، يقول له: العملية ضرورية وإلا تموت؟ قال: أموت، ما ...
طالب: "وإذا ثبت أن قصد الشارع أعم المقاصد وأولها وأولاها، وأنه نور صِرف لا يشوبه غرض ولا حظ، كان المتلقي له على هذا الوجه آخذًا له زكيًّا وافيًا كاملاً، غير مشوب ولا قاصر عن مراد الشارع، فهو حر أن يترتب الثواب فيه للمكلف على تلك النسبة.
وأما القصد التابع، فلا يترتب عليه ذلك كله؛ لأن أخذ الأمر والنهي بالحظ أو أخذ العمل بالحظ قد قصره قصد الحظ عن إطلاقه وخص عمومه، فلا ينهض نهوض الأول. شاهده قاعدة: «الأعمال بالنيات»، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر»".
وقلنا ذلك باختلاف المقاصد، يقتني الخيل ثلاثة أشخاص، وقد يكونون إخوة من أم وأب، أحدهم يؤجر عليها، وأحدهم يأثم باقتنائها، وأحدهم لا هذا ولا هذا.
طالب: "«فأما الذي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك المرج أو الروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها ذلك»".
يعني حبلها الذي رُبطت به، وهو حبل طويل، تستطيع أن ترعى وهي مربوطة، فلو قطعت هذا الحبل.
"«فاستنت شرفًا»"، يعني جرت جرية أو جريتين، كان له أجرها وأجر ما خلفته من أرواث وآثار.
طالب: "«فاستنت شرفًا أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه لم يرد أن يسقي به، كان ذلك له حسنات»".
وأجره على نيته العامة لا على الأمور التفصيلية، الآن يؤجر إذا شربت من الماء وهو لا يريدها أن تشرب، يعني ما نوى أن تشرب لتتقوى فتنفع في الجهاد أكثر، ما نوى هذا، لكنها إنما ربطها في الأصل للجهاد، فأُجر على النية العامة أجور هذه الأجور الجزئية.
طالب: "فهي له أجر في هذا الوجه من الحديث لصاحب القصد الأول".
يعني مثال ذلك: لو أن شخصًا اشترى مصحفًا ووضعه في المسجد، هذه النية العامة أن يقرأ فيه الناس ممن يأتي إلى المسجد قبل الصلاة أو بعد الصلاة، هذه النية العامة يؤجر عليها. لكن كونه قرأ فيه في اليوم الواحد اثنان أو ثلاثة أو خمسة، هو ما استحضر هذه النية بحيث يتفاوت أجره: اليوم يُكتب له كذا حسنة؛ لأنه لم يقرأ فيه إلا واحد، وغدًا يُكتب له أكثر. هو ما استحضر الزيادة والنقص هذه، إنما وضعه ليُقرأ فيه، فيؤجر على هذه النية العامة، وكل من قرأ فيه فله أجره، وإن لم يقصد هذا الشخص بعينه أو هذا القارئ بذاته.
طالب: "فهي له أجر في هذا الوجه من الحديث لصاحب القصد الأول؛ لأنه قصد بارتباطها سبيل الله، وهذا عام غير خاص، فكان أجره في تصرفاته عامًّا أيضًا غير خاص، ثم قال- عليه الصلاة والسلام-: «ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا ولم يَنس حق الله»".
"«رجل ربطها تغنيًا»"، يعني يستغني بها عن غيره ويتعفف بها عن سؤال الناس، "«ولم ينس حق الله»" فيها بالنسبة إلى الإحسان إليها، أو في زكاتها إن كانت للتجارة أو غير ذلك.
طالب: "«ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر»، فهذا في صاحب الحظ المحمود لما قصد وجهًا خاصًّا وهو حظه، كان حكمها مقصورًا على ما قصد، وهو الستر، وهو صاحب القصد التابع، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: «ورجل ربطها فخرًا ورياءً ونواءً لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر»، فهذا في الحظ المذموم المستمد من أصل متابعة الهوى، ولا كلام فيه هنا".
والثالث متفاوت على حسب ما اقتناها من أجله، إن كان اقتناها ليُغير بها على أموال الناس هذا له حكم، وإن كان اقتناها ليغير بها على أعراضهم له حكم، وإن كان اقتناها ليغير بها على أديانهم بحيث يصدهم عن دينهم هذا أيضًا له حكم.
المقصود أن مثل هذا يتفاوت تفاوتًا كبيرًا.
طالب: "ويجري مجرى العمل بالقصد الأول الاقتداء بأفعال رسول الله ، أو بالصحابة أو التابعين؛ لأن ما قصدوا يشمله قصد المقتدي في الاقتداء، وشاهده الإحالة في النية على نية المقتدى به، كما في قول بعض الصحابة في إحرامه: بما أحرم به رسول الله ، فكان حجه في الحكم كذلك يكون في غيره من الأعمال".
نعم. علي -رضي الله عنه- لما جاء من اليمن قال: لبيك بإهلال كإهلال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأبو موسى كذلك قال مثل ما قال علي. فوقع حج علي مطابقًا لحج النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ساق الهدي، وأما أبو موسى فأُمر بالتحلل لعمرة؛ لأنه لم يسق الهدي. فهذا بالاقتداء مع أنه أحال في عبادة شرعية تجب لها النية ولم يخصص ما أراد من باب الإحالة على من يُقتدى به. لكن لو أن شخصًا قال: أهللت -وهو من طلاب العلم- أهللت بما أهلت به أمي مثلاً، وأمه عامية لا يُقتدى بها. ينفعه مثل هذا أم لا؟ يختلف باختلاف المقاصد، إن كان قصده ليقع عمله مطابقًا لعمل أمه بحيث لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه، ويكون مرافقًا لها في المواقع والمشاعر، هذا قصد شرعي، شرعي أم ليس بشرعي؟
طالب: شرعي.
نعم، يعني لو أن أمه أهلت بما يلزم فيه من العمل أكثر أو أقل، لحصل في ذلك عليها حرج، فهو يريد أن يرفع الحرج بهذا الإهلال، وهي ليست ممن يُقتدى بها، لكنه لحظ أمرًا آخر، وهو أمر شرعي، وهو الرفق بأمه، هل نقول إن هذا صحيح أو غير صحيح؟ هو لحظ أمر شرعي، ووجد الإطلاق بغض النظر عن كونه بإهلال النبي -عليه الصلاة والسلام-. ولذا نقول: لو أنه قال: أهللت بإهلال كإهلال فلان وفلان لم يحج هذه السنة، يصح أم ما يصح؟
طالب: ما ينعقد.
ما ينعقد؟ يعني لو دخل مكة قلنا: أحرم قبل الميقات، ويلزمه ما يلزمه؟
طالب: ما أهل.
ماذا؟
طالب: ما ينعقد،........
أو نقول: بحسب ظنه؟ هو على حسب ظنه، أو نقول: ينعقد وينصرف إلى أكمل الأنساك؟
طالب: إن كان يظن.......
يظنه، أجل علمه، هو تاركه بالرياض مثل ما أهل ما أهل، عنده خبر أنه ما أهل.
طالب: .......
نعم؟
طالب: .......
العامة فرضهم التقليد، لا يستطيعون أن يصلوا إلى الأحكام بأنفسهم، ولا يستطيعون الاستدلال لكل مسألة.
طالب: يعني الانعقاد يؤخذ ممكن يؤخذ من حديث شبرمة يا شيخ الذي لبى عن شبرمة، أم ذاك كان عند....
هذا غيَّر في المكان، أُمر أن يغير فغير.
طالب: في المكان.
نعم.
طالب: "فصل: ومن ذلك أن العمل على المقاصد الأصلية يُصيِّر الطاعة أعظم، وإذا خولفت كانت معصيتها أعظم. أما الأول: فلأن العامل على وفقها عامل على الإصلاح العام لجميع الخلق، والدفع عنهم على الإطلاق؛ لأنه إما قاصد لجميع ذلك بالفعل، وإما قاصر نفسه على امتثال الأمر الذي يدخل قصده كل ما قصده الشارع بذلك الأمر، وإذا فعل ذلك جوزي على كل نفس أحياها، وعلى كل مصلحة عامة قصدها، ولا شك في عظم هذا العمل، ولذلك كان من أحيا النفس فكأنما أحيا الناس جميعًا، وكان العالِم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء، بخلاف ما إذا لم يعمل على وفقه، فإنما يبلغ ثوابه مبلغ قصده؛ لأن الأعمال بالنيات، فمتى كان قصده أعم، كان أجره أعظم، ومتى لم يَعُمَّ قصده، لم يكن أجره إلا على وزان ذلك، وهو ظاهر".
«وإنما لكل امرئ ما نوى»، والأمور بمقاصدها، بقدر ما تقصد من الخير يكون لك الأجر؛ ولذا فالمسألة العظمى وهي أن الإنسان يعمل بطاعة الله ستين أو سبعين أو ثمانين سنة أو خمسين أو أكثر أو أقل، ثم يجازى على ذلك الثواب العظيم الأبدي الدائم. يعني قد يقول قائل: لماذا الذي عاش ستين لا يُنعم ستين فقط، لماذا لا يُنعم ستين فقط بقدر ما عمل؟ ومن عاش ثمانين يُنعم ثمانين، وهكذا؟ نقول: نيته الاستمرار في الطاعة حتى يوقف {حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، ولو عُمِّر ألف سنة ففي نيته أن يتعبد لله -جل وعلا- هذه المدة أو أكثر، استصحب هذه النية فجوزي بالنعيم المقيم. وفي مقابله الكافر الذي عمل بالمعصية ستين سنة، سبعين سنة ثمانين سنة، أنه يجازى بالعذاب الأبدي السرمدي، لماذا لا يجازى بقدر ما عصى؟ هو في نيته أن يستمر على هذا الشرك وهذه المخالفات فجوزي بذلك.
طالب: بعض المسلمين.......
لا لا لا، هذا في شرط القبول، هذا في أصل شرط القبول قبول العمل، شرط القبول لا بد فيه من أن يكون خالصًا لله -جل وعلا-، وصوابًا على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإن اجتمع الشرطان تم القبول.
طالب: .......
لا أنا ما أقصد..
طالب: "وأما الثاني: فإن العامل على مخالفتها عامل على الإفساد العام، وهو مضاد للعامل على الإصلاح العام، وقد مر أن قصد الإصلاح العام يعظم به الأجر، فالعامل على ضده يعظم به وزره، ولذلك كان على ابن آدم أو ابن آدم الأول كفل من وزر كل من قتل النفس المحترمة؛ لأنه أول من سن القتل، وكان من قتل النفس فكأنما قتل الناس جميعًا، و«من سن سنةً سيئةً، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها»".
ولهذا وعلى هذا فليحذر طالب العلم أن يكون قدوة سيئة للناس، وليحرص على أن يكون قدوة صالحة للناس ليكتب له أجور من يقتدي به، إضافة إلى أجره، فلا يكون قدوة سيئة للناس بحيث تُكتب عليه الأوزار والآثام وهو لا يشعر، يكون داعية بقوله وفعله، ولا يكون صادًّا بقوله أو بفعله.
طالب: بعض الناس.......
هذا.
طالب: ......
لا لا لا، هذا ما تاب، هذا مفرط؛ لأنه مأمور بالتوبة الآن، تجب التوبة فورًا..
طالب: ......
ماذا؟
طالب: ......
نعم، يحتسب، لماذا لا يحتسب؟
طالب: "فصل: ومن هنا تظهر قاعدة أخرى، وهي أن أصول الطاعات وجوامعها إذا تُتبعت وُجدت راجعةً إلى اعتبار المقاصد الأصلية، وكبائر الذنوب إذا اعتُبرت ووُجدت في مخالفتها، ويتبين لك ذلك بالنظر في الكبائر المنصوص عليها وما أُلحق بها قياسًا، فإنك تجده مطردًا إن شاء الله".
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
طالب: .........
نعم، لو قلت لأمر به: «تداووا»، لكنه أمر إباحة، ما هو بأمر وجوب ولا استحباب.
طالب: ........
كما يتعاطى المباحات، كما يتعاطى المباحات -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: ........
أمر إباحة، أمر إباحة.
طالب: شيخ هذا........
على كل حال إذا كان على ظنه أنه سعي جائز، ورأى الناس يسعون وقلد من تبرأ الذمة بتقليده ما عليه شيء.