شرح الموطأ – كتاب الشعر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيستأنف الدرس في موطأ إمام دار الهجرة مالك بن أنس نجم السنن، والخرم في الكتاب في موضعين، يعني ما لم يشرح من الكتاب في موضعين، أما المجلد الأول فقد فرغ منه، الثاني الذي يبدأ بكتاب الجهاد، وينتهي بكتاب الجامع وجد خرم في أوله، وخرم في آخره، والذي في الآخر بدأنا به سابقاً في كتاب الجامع، والأبواب اللاحقة كلها داخلة في الجامع، فلعلنا نكمل ما بدأناه من شرح كتاب الجامع من الموطأ، ثم بعد ذلك نعود إلى أول المجلد الثاني بدءاً من باب الشعر يعني ما يتعلق بالشعر، وأما ما كتب في بعض النسخ كتاب الشعر، فليس بكتاب إنما هو باب من الكتاب الجامع، ويش عندكم يا الإخوان الطبعات الأخرى؟

طالب: كتاب الشعر.

إيه هذا بطبعة فؤاد عبد الباقي جرى على طريقة المفهرسين الذين فهرسوا الكتب التسعة، جرى على طريقتهم، مشى وراءهم.

طالب:......

نعم باب السنة في الشعر، يعني ما في كتاب.

طالب:......

إيه هو باب السنة في الشعر سهل ما هو مشكلة؛ لأنه تحت عنوان الجامع.

طالب: كتاب اللباس.

أما السنة في الشعر هذا ليس فيه كتاب أصلاً، واللباس والشعر كلها داخلة في كتاب الجامع، شف كتاب اللباس، باب ما جاء في الطعام والشراب، دليل على أن الكتاب هذا كله ما له أصل، إنما الكتاب الجامع الذي هو تنضوي تحته جميع هذه الأبواب.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب الشعر:

باب السنة في الشعر:

وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عام حج، وهو على المنبر، وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه، ويقول: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم)).

وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: "سدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك".

قال مالك -رحمه الله-: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس.

وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يكره الإخصاء، ويقول: فيه تمام الخلق.

وحدثني عن مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى)) وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب السنة في الشعر:

يعني شعر البدن، شعر الرأس، شعر اللحية، شعر الشارب، شعر الخوافي في البدن، السنة في ذلك وما يزال منه وما يترك.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع -مولى ابن عمر- عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى".

مالك الأصل أن يروي عن نافع بدون واسطة، لكنه روى هذا الحديث من طريق ابنه أبي بكر، فالسند نازل، والأصل أن يكون مالك عن نافع عن ابن عمر، بدون أبي بكر بن نافع، لكنه لعله لم يدركه من نافع، إنما رواه عنه بواسطة ابنه أبي بكر.

"أمر" الأصل في الأمر الوجوب، ومن سنن الفطرة حف الشوارب، وإعفاء اللحى، هذه من سنن الفطرة، والأمر الأصل فيه الوجوب، أما بقية شعر البدن فإنه منه ما يحلق، ومنه ما ينتف كما جاء في سنن الفطرة.

بالنسبة للشارب فيحفى، وجاء في رواية عند النسائي أنه يحلق، وصححها بعض أهل العلم، وأما الإحفاء فهو التخفيف، وإعفاء اللحى يعني تركها على هيئتها دون أي تعرض لها، جاء إكرامها وإعفاؤها، وجاء النهي عن التشبه بالكفار بالمجوس وغيرهم بحلق اللحى، وكانت هذه العادة لا تعرف عند العرب أبداً، حتى جاء طائفة من المبتدعة يقال لهم: القلندرية في القرن العاشر، فحلقوا لحاهم تشبهاً بالمجوس، نسأل الله العافية، ثم ازداد الأمر لما اختلط المسلمون بالكفار بسبب الاستعمار، صاروا يترخصون ويأخذون بالأقوال الشاذة من التخفيف ثم آل الأمر إلى الحلق، وإذا كثر الإمساس قل الإحساس، والعادة أنه إذا دخل المقص دخل الموس، إذا تساهل الناس في شيء صار مآله إلى الزوال.

ونقل ابن حزم أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب بالإجماع، نقل على ذلك الإجماع إجماع أهل العلم، ومن الفقهاء المتأخرين يحمل مثل هذا الأمر على الكراهة، وهو أمر لا صارف له، يعني إن احتج من احتج بفعل الصحابة بأخذ ما زاد على القبضة فلن يجد من يحتج بفعله فيما زاد على ذلك أبداً، فضلاً عن الحلق، الحلق يعني الصور الموجودة للمسلمين في جميع الأقطار قبل مائة سنة لا يعرف بينهم الحق، لكن تساهل الناس لما خالطوا الكفار وجاءوهم في بلدانهم، وسافروا إليهم، يعني حصلت الرحلة منهم وإليهم، وكثر الاختلاط، وأعجب كثير من الضعاف من ضعاف المسلمين من باب اقتداء المغلوب بالغالب، بهر كثير من المسلمين بحضارة الكفار، فصاروا يعجبون بهم، ومن أعجب بأحد قلده، وقلدوهم في هذا، ولا شك أن هذه من العظائم، التشبه بالكفار من العظائم، وهذه منها، ولو لم يرد الأمر بإعفاء اللحى لكان مجرد التشبه كاف في تحريم حلق اللحية، وهو أيضاً تشبه بالنساء، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال الذين يتشبهون بالنساء والعكس، والمترجلات من النساء، هذا التشبه كافي في التحريم، إضافة إلى أن السنة القولية والفعلية تضافرت على أن اللحية لا يتعرض لها بشيء، وتعرف قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته باضطراب لحيته من خلفه، وجاء في صفته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان كث اللحية، فهذا فعله وهذا أمره، فهل يبقى لمتشبث أو لمستمسك حجة أو شبهة في أن يخفف لحيته أو يحلقها؟ لكنه الهوى -نسأل الله السلامة والعافية-، والضغوط على ما يذكره بعضهم إما من رؤسائهم من ساداتهم إلى أن وصل الأمر إلى أن المرأة تضغط على زوجها فيستجيب، نهاية في السفال، يعني من المقزز أن تجد طالب علم كث اللحية وافر اللحية ثم بعد ذلك تجده فجأة إما أن يخففها تخفيفاً بالغاً أو يحلقها وقد حصل، ثم تجد العلة أن المرأة اشترطت.

على كل حال ما يثار من مسألة التخفيف ولو ثبت عن بعض الصحابة ما ثبت، ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ في نسكه ما زاد على القبضة، وحجته في ذلك أن الله -جل وعلا- جمع في النسك بين الحلق والتقصير، {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] فإذا تم حلق الرأس فماذا عن التقصير؟ ماذا يبقى للتقصير؟ ما بقي إلا اللحية، فهذا فهمه للآية، والواو هذه بمعنى (أو) وليست بمعنى الواو التي تقتضي التشريك بين الأمرين، وفهم من الآية أنه لا بد من الحلق والتقصير في آن واحد، فإذا حلق رأسه لم يبق شيئاً يقصر إلا اللحية، فكان يأخذ ما زاد على القبضة هذا اجتهاده، وهذا موقوف عليه كما هو معروف، لا يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يثبت شيء من المرفوع أنه كان يأخذ من لحيته -عليه الصلاة والسلام-، وإن قال..، تتابع متأخرو الفقهاء على جواز الأخذ عما زاد على القبضة، ثم تسامح الناس ما دام دخل المقص فالوزن وزن الشعر صعب، يقول: زاد هذا نقص هذا، وكثير منهم يقول: نعست عند الحلاق وأخذ شيئاً ما رضيته، وبعضهم..، سبحان الله، يعني يتحايلون على من؟ على الذي يعلم السر وأخفى، ثم بعد ذلك يتسامحون شيئاً فشيئاً، وسمعنا بعض من يعلم الفقه ممن لا علم عنده يزعم أن القبضة بأصبع واحدة، ما زاد على القبضة بالأصبع يجوز أخذه، يعني ما هو بالقبض بالأصابع كلها، لا، يقول: ما له داعي كل هذا، وصار الدين هوى، ويبرر لنفسه، والمسألة مسألة اتباع، المسألة اتباع للأسوة والقدوة، إذا تعارض المرفوع مع غيره لم يلتفت إلى غيره كائناً من كان القائل، وبعضهم ممن يزاول التعليم يقول: إن الأمر محمول على الندب، والأمر معروف كما هو عند عامة أهل العلم الأًصل فيه للوجوب إلا إذا وجد صارف، إذا وجد صارف نعم، كثير من الأوامر صرفت من الوجوب إلى الندب، وبعض الناس مثلما قلنا: يتأول بهذا ليبرر عمله، وعمل أمثاله وأقرانه أنهم تتابعوا على هذا، ورأوا شيوخهم كذلك، وذهب شيخ أزهري ممن يقول بمثل هذا ويترخص، ويأخذ من لحيته شيئاً كثيراً إلى طبيب هندي، كث اللحية الطبيب، على عادة كثير من الهنود والباكستانيين لحاهم -ما شاء الله- وافية ووافرة، وقال له..، عرفه على نفسه، وأنه شيخ يعلم العلم الشرعي، قال يا شيخ: أين اللحية؟ قال: سنة، قال: إيش معنى سنة؟ قال: يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، قال: أنا ما يعرف سنة ما سنة، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ نعم ما في غير هذا، هذا الاقتداء، كون الرسول أسوة هل هو مثلي وإلا مثلك؟ سنة ما سنة؛ لأن السنة في اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني حمل السنة على الاصطلاحية في جميع النصوص ما هو بصحيح، يعني جاء من السنة كذا، وهو من أوجب الواجبات، ومع الأسف أنه يروج لمثل هذا القول على كافة الأصعدة، الآن حملة على اللحية، وعلى إعفاء اللحية، واتهام من يوفر اللحية، الأمر خطير، يعني إذا جاء في أوصاف بعض الفرق مثل أوصاف الخوارج كما سبق لنا في مقدمة ابن ماجه، أنهم يقرؤون القرآن ويصلون وتحقرون صلاتكم..، يعني تنزيله على عموم الناس يعني كل من حمل هذه الأوصاف هل يكون منهم؟ هذه أوصاف شرعية ونبوية، يعني خطب خطيب وتكلم عن فئة مذمومة بلا شك، لكنه قال: من أوصافهم تقصير الثياب، وحمل كتب الحديث، هل هذه مذمة ذي يذم بها الناس؟ هذه فتنة نسأل الله العافية، يعني يرغم الناس على أن يتبرءوا من هذه الأوصاف الشرعية، وحمل هذا الكلام بعض الآباء على أن ضغطوا على أولادهم أن طولوا ثيابهم، وحلقوا لحاهم، وتركوا العلم؛ لأن هذه أوصاف هذه الفئة المذمومة، هذا الكلام خطير، يعني هذا خلط، تبقى الأمور شرعية، وإن اتصف بها من اتصف، يعني تبقى أوصاف محمودة، وأوصاف مذمومة، يعني لما يقول قائل: الآن اليهود يعفون لحاهم فهل نخالفهم بحلق اللحى؟ هذا السؤال مطروق، يعني اليهود كبارهم ورؤسائهم ورهبانهم كلهم حتى النصارى يعفون لحاهم، فهل من المخالفة أن يحلق المسلم لحيته؟ نعم؟ هذا فيه نص على العكس، لكن واحد من باب الإلزام، قال: إذا كان اليهود والنصارى كلهم أجمعوا، كلهم كم عدة اليهود والنصارى؟ النصارى على وجه الأرض يعني يمكن ربع الدنيا أو أكثر، يقول: إذا أجمعوا على إعفاء لحاهم احلق لحيتك خالفهم، مع أن المسألة فيها نص، لكن هذا من باب الإلزام، يعني أنت المسألة مسألة هوى، يكون واحد بالمائة من اليهود أو من النصارى عفوا لحاهم تقول: أخالف اليهود والنصارى؟! إذا كان الأمر المعلل عندنا أمر بإعفاء اللحية، معلل بمخالفة اليهود، مخالفة المجوس، الذي يهمنا من ذلك الأمر، والعلة سواءً وجدت أو ارتفعت ما لنا بها ارتباط، يهمنا الأمر، حتى لو اتفق اليهود والنصارى على إعفاء لحاهم أو تقصير ثيابهم عندنا أوامر شرعية ثابتة.

طالب: يقال: على فهم ابن عمر يعني هو راوي الحديث، والراوي أعلم بمرويه.

أي حديث؟ هذا الذي معنا؟

طالب: هذا أو غيره؟

إيه هذا الأصل، بقاء ابن عمر على هذا، لكن هل حفظ عن ابن عمر أنه يأخذ في غير النسك؟

طالب: لا.

خلاص انتهى الإشكال، يأخذ في النسك لفهم الآية، وبقيت عمره على الحديث.

طالب: لكن يكون فهمه للآية غير فهمه للحديث.

لا، لا، فهمه للآية في النسك.

طالب:......

لا، وإذا اختلف رأي الراوي عن روايته فالعبرة بما روى لا بما رأى.

طالب:......

لا ما يثبت، النبي -عليه الصلاة والسلام- أَمَرَ أمْر ما خالفه ولا نقضه لا بقول ولا بفعل، وأمر بألفاظ متعددة كلها تدل على أن اللحية لا يتعرض لها بشيء طالت أو قصرت، طال بعضها، أو قصر بعضها، بعض الناس يقول: المنظر يا أخي ما هو بشكل هذا، الله -جل وعلا- لا ينظر إلى الصور، إنما ينظر إلى القلوب.

طالب:......

نعم؟

طالب: الموازنة بين طرفي الحديث أمر بإحفاء الشارب...

إي نعم يعني اقتران الأمر صدر لشيئين هل إحفاء الشارب واجب وإلا لا؟ كما أننا نقول: إعفاء اللحية واجب، هل الأمر للوجوب في الطرفين؟ هل هو للوجوب في الطرفين؟ الفقهاء يطلقون الكراهة بالنسبة للشارب، لكن يبقى أن الأصل فيه الوجوب.

طالب:.......

الذي في الحديث الأكثر الإحفاء، جاء الأمر بالحلق عند النسائي، وهو مصحح عند جمع من أهل العلم، مصححة.

قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج، وهو على المنبر، وتناول قصة من شعر" كبة من شعر في يده من شعر "كانت في يد حرسي" ثم تناولها وأراها الناس على المنبر "يقول: يا أهل المدينة" يعني مروراً..، حج ومر على المدينة في طريقه إلى الشام "يا أهل المدينة أين علماؤكم؟" كأنه يعتب على العلماء الذين لا يغيرون، ولا يأمرون ولا ينهون "أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه" لأنه أخذ الكبة من الشعر ووضعها على رأسه، يعني القصد بذلك الزيادة "فقال: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم))" لأنهم اتخذوا القصة، وبعض الوعاظ يتكلم عن قص الشعر، ويستدل بهذا الحديث، وهو استدلال ليس بصحيح، إنما الحديث يدل على منع وصل الشعر، الذي جاء فيه اللعن ((لعن الله الواصلة)) فالحديث يدل على تحريم الوصل؛ لأنه شعر يضاف إلى شعر، وأما كونه ينهى عن القصة، أو تحرم القصة هذا المراد به، يعني القصة المزيدة لا المأخوذة، وأما الأخذ فنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته كن يأخذن من شعورهن، حتى تكون كالوفرة، فالأخذ من الشعر إذا سلم من التشبه بالكفار أو بالفساق أو بالرجال لا بأس به، يعني ثبت عن نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما بالنسبة للزيادة فلا تجوز بحال.

طالب:......

ويش هو؟

طالب:......

أول من يفعله متشبه، هذا ما فيه إشكال، ويش لون فعله؟ يرى الكافرة تفعل كذا ثم تفعله مسلمة متشبهة بالكافرة، لكن قل: إذا شاع بين المسلمين، وصارت المرأة تنظر إلى أختها وعمتها وخالتها وجارتها وفلانة وفلانة من غير نظر أو استحضار لفعل الكفار هذا ينتفي فيه التشبه.

قال: "وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: "سدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك" الرسول -عليه الصلاة والسلام- سدل الشعر، أي أنزل شعره على جبهته موافقة لأهل الكتاب، وكان في أول الأمر -عليه الصلاة والسلام- يحب موافقتهم، رجاء أن يسلموا، يعني من باب التأليف، فلما أيس منهم نهى عن مشابهتهم وفارقهم، بعد ذلك فرق الشعر، جعله فلقتين من اليمين والشمال؛ لأنه أيس من استجابتهم فأمر بمخالفتهم.

"قال مالك: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس" لأنها من المحارم، زوجة الابن وأم الزوجة من المحارم، حلائل أبنائكم وأمهات نسائكم هذه من المحارم، فالشعر وما يخرج غالباً ما يحتاج إلى إخراجه في الخدمة هذا يجوز للمحرم أن ينظر إليه، تحتاج إلى أن تكشف وجهها، تحتاج إلى أن تكشف شعرها للوضوء مثلاً، تكشف ذراعها، تكشف إلى أثناء الساق، فهذا يجوز إبدائه للمحارم المنصوص عليهم في آيتي النور والأحزاب، بما في ذلك النساء، النساء المسلمات نسائهن، وما عدا ذلك وما زاد عليه لا يجوز إبدائه إلا للزوج؛ لأنه دلت النصوص على أنه يختص بما لا يختص به غيره، وأما بقية المحارم يشتركون، اللهم إلا إذا خشي فتنة، فلا تبدي لأخيها مع خشية الفتنة أو لابن زوجها، أو زوج ابنتها أو غيرهم من المحارم إذا خشيت الفتنة، فتخفي كل ما يفتن هذا المخفي، وإذا أمنت الفتنة فما الذي يظهر غالباً وما يحتاج إلى إبرازه في الخدمة، ويراه المحارم في عموم الناس قبل أن تُغير الفطر، نعم تغيرت الفطر، والناس كثير منهم اجتالتهم الشياطين في كثير من أقطار المسلمين مع الأسف، فصاروا يبدون أشياء لا يجوز إبداؤها إلا للزوج، وتوسع النساء في إبداء الزينة للنساء، والأصل أن المرأة مثل المحرم لا يبدى لها إلا ما يبدى للمحرم، حتى كُشف عن العورات، استرسل الناس في ذلك حتى وجدت النقوش للعورات المغلظة، مما يدل على أنها تظهر، وإلا ويش فائدة النقش؟ لا شك أن هذا مخالف لما دلت عليه النصوص الشرعية والقواعد العامة، فالمسلمات أهل حشمة، والتطهير مراد لجميع نساء المؤمنين، ليس بخاص بأمهات المؤمنين، العلة هذه يشترك فيها جميع النساء المكلفات من المسلمات، نعم؟

طالب:......

والله الضمير "نسائهن" يعني المسلمات، والكفار غالباً إلا عند الحاجة ما وجد من يطبها إلا هذه المرأة هذه بقدرها تقدر، نعم؟

طالب:......

مر قول...، لا دليل عليه، الدليل أن المرأة منسوقة على المحارم، فحكمها حكم المحارم.

طالب:......

لا، لا ما استثني من ذلك إلا الزوج الذي دلت النصوص على أنه يختص بما يختص به غيره، نعم؟

طالب: بعض النساء ترضع طفلها أمام النساء يا شيخ من ثديها؟

عاد بالنسبة لهذا بعض الفقهاء ينص على أنه لا مانع؛ لأن الحاجة تدعو إليه، فيخرج عند النساء وعند المحارم، لكن مع ذلك بقدر الإمكان تستر وتخفي ما يفتن، يعني مشكلة أن الأخت قد تبدي مثل هذا لأخيها فيفتتن بها، فإذا خشيت الفتنة يزاد على ما ذكر، نعم؟

طالب: بالنسبة للإحفاء...

الأخذ منه حتى تبين الشفة، يعني على مستوى الشفة.

يقول -رحمه الله-: "حدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء، ويقول: فيه تمام الخلق" لأن إدخال مثل هذا الخبر في مثل هذا الباب في الشعر يعني بجامع أن كلاً منهما يمكن أخذه، وجوده من أصل الخلقة، وأخذه يعني أخذ هذا القدر الزائد من الإنسان وهو سل الخصية أو جبها، المقصود في الحيوان، وأما في الآدمي لا يجوز محرم، ولو كان رقيقاً، في الحيوان يعني أخذه، قد يقول قائل: لماذا لا يقال: إنه مثل جز الشعر بالنسبة له؟ يقول: كان يكره الإخصاء ويقول: فيه تمام الخلق، وأما جز الشعر فإنه لا يتأثر به، فيجوز أخذه، ويستفاد منه، وأما بالنسبة للإخصاء صحيح أنه يطيب اللحم بعده، لكن مع ذلك ابن عمر يقول: يكره ذلك؛ لأن فيه تمام الخلق، وإذا تقرب الإنسان بكبش تام الخلق بما في ذلك ما يؤخذ منه كالإخصاء لا شك أنه أكمل.

قال: "وحدثني عن مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين))".

((أنا وكافل اليتيم)) يعني القائم بأمره ومصالحه المدبر لشئونه، سواءً كان من ماله هو وهذا أفضل، أو من مال اليتيم؛ لأن رعاية مصالح اليتيم وخدمة اليتيم فيها فضل عظيم، ويدخل في هذا الحديث، ولو كان من مال اليتيم أو من مال غيره، لكن كونه من ماله ليخدمه بماله وبدنه هذا أكمل.

يقول: "((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى))" إذا كان دبر أمور هذا اليتيم من ماله واتقى الله -جل وعلا- في ماله، ورعى الأصلح في بدنه ونفسه وماله، بهذا الشرط.

"وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام" طيب ويش دخل هذا الحديث بهذا الباب ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى)) وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام؟

أولاً: من الرأفة باليتيم والرحمة له أن توضع اليد على رأسه، والرأس فيه الشعر، يعني نلتمس مناسبة ولو بعيدة، الأمر الثاني: أن القيام على اليتيم بجميع ما ينوبه حتى في أخذ شعره إن احتاج إلى ذلك، أو تركه إن احتاج إلى ذلك؛ لأن هذا من تمام رعايته، قد يكون في بلد يحتاج إلى إبقاء الرأس، وقد يكون في ظرف أو حال يقتضي حلق الشعر، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بحلق شعر أولاد جعفر، فاليتيم كافله يتقي الله -جل وعلا- حتى في شعره أخذاً وتركاً.

سم.

باب إصلاح الشعر:

حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لي جمة أفأرجلها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، وأكرمها)) فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأكرمها)).

وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان)).

يقول -رحمه الله تعالى-...

يا إخوان ترون الأحاديث كثيرة جداً، ودنا ننتهي من الكتاب، يعني المقرر كثير، ودنا نفرغ من الكتاب، وكثرة الأسئلة والمناقشات تعوق، فنقلل من ذلك، اللي بحاجة، إذا وصل الأمر إلى أن السؤال أو الاقتراح أو شيء ينفع في الشرح، أو تنبيه على شيء غفلنا عنه، أو أخطأنا فيه، هذا ما يخدم الكتاب مطلوب، وما عدا ذلك نتجاوزه.

قال -رحمه الله-:

باب إصلاح الشعر:

إصلاحه بتسريحه ودهنه وترجيله.

قال -رحمه الله-: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لي جمة" الجمة هي الشعر ينزل حتى يصل إلى المنكبين "إن لي جمة، أفأرجلها؟" يعني أسرحها "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، وأكرمها))" يعني ما يكفي أنك مجرد تسرح وترجل وتتركها شعثة بعد الترجيل، الترجيل يحتاج إلى دهن، ويحتاج إلى ملاحظة، ورش بالماء ليزول الغبار، ويزول الشعث "قال: ((نعم، وأكرمها)) قال: فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين" استجابة لقوله: ((وأكرمها)) نعم ربما دهنها في اليوم مرتين، لما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأكرمها)).

المسلم عليه أن يتوسط في أموره كلها، فلا إفراط ولا تفريط، لا يترك نفسه بحيث يستقذر في شكله، في هيئته، في ملبسه، في مسكنه، ولا يبالغ في ذلك بحيث يكون وقته كله لهذه الأمور، أو جهده، أو ماله يصرف في مثل هذه الأمور، بل عليه أن يتوسط في أموره، والفقهاء ينصون على أن الادهان يكون غباً، يعني يوم بعد يوم؛ لأنه لو ادهن في كل يوم هذا يحتاج إلى وقت، والمسلم الحازم الفطن الكيس ينبغي أن ينصرف بكليته إلى ما خلق من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك يلتفت إلى أمر دنياه.

فكان أبو قتادة ربما دهن في اليوم مرتين؛ لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له: ((وأكرمها)) يعني استجابة، {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ} [(24) سورة الأنفال] فهذا من الاستجابة، لكن صرف الوقت الطويل؛ لأن بعض الناس في وقتنا هذا يسرفون في مثل هذه الأمور، تجد أكثر وقته أمام المرآة، هذه شعرة طالعة، وهذه نازلة، وهذا الشماغ مايل، وهذا ما أدري إيش؟ وتجده وهو في طريقه إلى عمله، أو فيما إذا خرج من البيت يقف، وينظر في نفسه تجد هذا موجود بكثرة، يعني عند الشباب، وهو مار بسيارة يقف أمام مرآتها ويوضب أموره ويناظر شماغه، فضلاً عن كونه يجلس في صالونه في بيته الساعة والساعتين هذا ليس من شأن المسلم، وما خلق المسلم من أجل هذا، يعني خلق لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، لكن أيضاً لا تنس نصيبك من الدنيا، بحيث لا تستقذر، ولا تكن أيضاً همك مثل هذا.

قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد" يعني على عادته، أكثر مقامه -عليه الصلاة والسلام- في المسجد "فدخل رجل ثائر الرأس واللحية" شعث، كل شيء منتفش "فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده أن اخرج" إشارة مفهمة للمراد، كأنه يعني إصلاح، كأنه أشار إلى شيء من الشعر، أما مجرد الإخراج لأنه دخل هذا ما يكفي، يعني لو دخل ثائر الرأس، ويطرد من المسجد ما يطرد، إلا لإصلاح حاله، فكأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته "ففعل الرجل" يعني فهم المراد "ثم رجع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس هذا))" يعني بعدما أصلح نفسه "((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟))" يعني يمثل بالشيطان ولو لم يرَ، {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [(65) سورة الصافات] يمثل بها القبيح ولو لم تر، كما أن الجميل المستحسن يمثل بالملك ولو لم ير.

سم.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في صبغ الشعر:

حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ".

قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي.

قال: وترك الصبغ كله واسع -إن شاء الله-، ليس على الناس في ذلك ضيق.

قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصبغ، ولو صبغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود.

 

 

قال -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في صبغ الشعر:

الشعر كما هو معلوم في أول الأمر يخرج أسود، ثم بعد ذلك يتغير إلى البياض شيئاً فشيئاً حتى يكون أبيض خالص.

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى أبا قحافة وشعره كالثغامة شجر شديد البياض نبته شديد البياض كالثغامة، فقال: ((غيروا هذا الشعر، وجنبوه السواد)) فالصبغ جاء فيه هذا الأمر، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شاب فيه شعرات يسيرة، يعني أكثر ما قيل: عشرين شعرة، مثل هذا العدد لا يبين فيه الشيب، فلم يحتج إلى الصبغ، مع هذا الأمر ((غيروا))، والجمهور على أن هذا الأمر للاستحباب ومنهم من قال بوجوبه، لكن المرجح عند أهل العلم أنه مستحب استحباباً متأكداً.

((وجنبوه السواد)) هذه الجملة من جملة المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعضهم: هي مدرجة، ولذا يختلفون في حكم الصبغ بالسواد، فمن قال: إنها من جملة المرفوع حرم الصبغ بالسواد ((جنبوه))، ومن قال: إنها مدرجة تسامح وتساهل، وهذا قول معروف عند الفقهاء، وذكر عن بعض الصحابة أنهم صبغوا بالسواد.

عندنا الأمر بتغيير الشيب، أمر بالتغيير، وهو متردد بين كونه للوجوب، وبين كونه للاستحباب، شخص يعلم العلم الشرعي حالق للحيته، فقال له شيخ من المشايخ: حلق اللحية حرام، الشيخ هذا لا يغير الشيب، لحيته بيضاء، فقال: إن كنت عاصٍ بحلق اللحية، فأنت عاص بترك التغيير، إذاً أنت عاصي وأنا عاصي، ومعصيتك يقول له: أشد من معصيتي، قال: لماذا؟ قال: لأن معصيتك بترك المأمور، ومعصيتي بارتكاب المحظور، والشيخ الذي ينهاه عن..، أو يذكر له بيان تحريم حلق اللحية، يرى رأي شيخ الإسلام أن ترك المأمور أعظم من ارتكاب المحظور، فهل مثل هذا الاستدلال يعني تدفع به النصوص؟ يعني أن الأصل أن الإنسان إذا أمر بمعروف أو نهي عن المنكر الذي دل عليه الدليل ما يدفع بصدر الآمر والناهي، يقول: سمع وطاعة، ثم بعد ذلك يناقش في المسألة الأخرى، يعني بعض الناس إذا أمر بشيء قال للآمر وأنت تفعل كذا، هذا ما هو بصحيح هذا، هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يجوز مثل هذا، هذا رد الحق، أنت اقبل الحق إذا جاءك الحق بدليله عليك أن تقبل، ثم بعد ذلك بدورك وجه، قال: أنا عاصي وأنت عاصي، ومعصيتك أعظم من معصيتي ليش؟ قال: هذا أمر أنت تقرره، أن المعصية بترك المأمور أعظم من المعصية بارتكاب المحظور، وأنت معصيتك بترك مأمور، وهو تغيير الشيب، وأنا معصيتي..، هذه لا شك أنها حجة شيطانية، كل هذا من أجل ألا يمتثل الأمر.

قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما" يعني صبغهما بالحمرة، بالحناء أو بغيره، أو بنحوه، بعض الناس يمتثل مثل الأمر ((غيروا)) لكنه يصبغ اللحية ولا يصبغ الرأس، يقول: الرأس يغطى، واللحية ما تغطى، الأمر الثاني: أن الرأس يحلق باستمرار في النسك وفي غيره، واللحية ما تحلق، فهل يكون من صنع هذا قد امتثل ((غيروا))، وفي حديث أبي قحافة: فإذا رأسه، يعني الأمر نص في الرأس، لا يتم الامتثال إلا بتغيير الرأس واللحية.

قال: "فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة" أم المؤمنين أمه وأم غيره "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ" يعني أبو بكر حضر أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبيه أن يغير فكان يصبغ، وكان عمر يصبغ، كان عمر يصبغ بالحناء الصرف، وأبو بكر يصبغ بالحناء مع الكتم.

"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، كأنه رأى ((جنبوه السواد)) ليس من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي" يعني لاحتمال ثبوت رفع هذه الجملة "وغير ذلك من الصبغ أحب إلي" قال: "وترك الصبغ كله واسع" يعني لو لم نصبغ واسع، الأمر واسع، لو بقيت بيضاء واسع، ليس على الناس فيه ضيق؛ لأنه يرى أن الأمر ليس للوجوب.

"قال: وسمعت مالكاً يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصبغ، ولو صبغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود" لماذا؟ لأنها قالت له: إن أبا بكر كان يصبغ، ولو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصبغ ما قالت: إن أبا بكر كان يصبغ، لقالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصبغ، ولو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صبغ أو..؛ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود، يعني ما احتجت بفعل أبيها، كانت تحتج بالمرفوع.

على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحتج إلى الصبغ، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما يؤمر به من التعوذ:

حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني أروع في منامي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون)).

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رآه، فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى)) فقال جبريل: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، وشر ما يعرج فيها وشر، وشر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.

وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أي شيء؟)) فقال: لدغتني عقرب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)).

وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال: "لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً، فقيل له: وما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وبرأ وذرأ".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما يؤمر به من التعوذ:

التعوذ الالتجاء إلى الله -جل وعلا- أن يكفي المتعوذ شر ما يتعوذ منه، يتعوذ بالله، يعوذ به، يلجأ إليه، ويستجير به من شر ما يقتضي هذا التعوذ.

قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني أروع في منامي" خالد بن الوليد يروع، الذي يروع الأبطال في اليقظة يروع في المنام، هذا ما في شك أنه برهان على نقص البشر، مهما بلغ يعني، الخبر فيه إرسال وانقطاع، لكن ما يمنع أن يكون خالد بن الوليد يروع.

"إني أروع في منامي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل: أعوذ بكلمات الله التامة))" يعني التي لا نقص فيها "((من غضبه وعقابه))" من غضب الله -جل وعلا- وعقابه "((وشر عباده))" يعني ألتجئ إلى الله، وأعتصم به، وأستجير به وبكلماته التامة، وهذا يستدل به على أن القرآن الذي هو كلمات الله منزل منه، ليس بمخلوق، ولو كان مخلوقاً كما تقول المعتزلة والجهمية لما جازت الاستعاذة به.

((أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه)) غضبه من أن أرتكب ما يسبب الغضب، ما يكون سبباً لغضب الله -جل وعلا-، وعقابه المرتب على هذا الفعل، هو يستعيذ بالله أو بكلماته من غضبه الناشئ عن فعل المكلف، فعلى الإنسان أن يستعيذ بلسانه ويترك، يعني يبذل السبب ويترك أو يحرص على انتفاء المانع مع إيجاد السبب.

((من غضبه وعقابه، وشر عباده)) شر عباده سواءً كانوا من الإنس أو من الجن، ومن شر المخلوقات كلها، ((ومن همزات الشياطين)) همزات الشياطين: يعني وساوسهم ونزغاتهم، وإملاءهم للمخلوق بمعصية الله -جل وعلا-، وما يغضبه، ويسبب عقابه.

((ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون)) يستعيذ بالله -جل وعلا- أن يحضره الشياطين، ويحرص على أن يكون الحضور الملائكة، كل ما جاء فيه النص على أن الملائكة لا تصحب كذا، أو لا تدخل بيت فيه كذا، يحرص على بذل الأسباب، وانتفاء الموانع أن الملائكة تدخل بيته، وإذا دخلت فلا سلطان للشياطين، وإذا منعت الملائكة من الدخول بسبب ما يوجد فيه من كلب أو صورة، أو ما أشبه ذلك، فلا محالة يحل محلهم الشياطين.

قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رآه، فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟" يعني خر على وجهه، سقط على وجهه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى)) فقال جبريل: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم" وفيه إثبات صفة الوجه لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وبكلمات الله التامات على ما تقدم "اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر" يعني لا يستطيع أن يتعدى هذه الكلمات لا بر ولا فاجر، لا يستطيع أن يتجاوزهن أحد.

"من شر ما ينزل من السماء، وشر ما يعرج فيها" يعني من الشر المقضي الذي ينزل من الله -جل وعلا- على عباده في الأرض، وشر ما يعرج فيها، بسبب الذنوب والمعاصي "وما ذرأ في الأرض" يعني خلق في الأرض من مخلوقات الأرض "وشر ما يخرج منها" يعني من جوفها، من شر ما ذرأ في الأرض، يعني على وجهها، شر ما يخرج منها، يعني من جوفها "ومن فتن الليل والنهار" نعم الناس يفتنون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نظر إلى المنازل، ونظر إلى مواقع الفتن كمواقع القطر، فالإنسان يستعيذ بالله من الفتن، فتن الليل والنهار، وبعض الناس يفتن يومياً، وبعضهم في الشهر مرة، وبعضهم مرتين، وبعضهم يفتن كل عام مرة، أو مرتين ولا يتوب، وقد تكون بعض هذه الفتن عظيمة فيستعيذ بالله من شر الفتن "ومن طوارق الليل والنهار" طوارق الليل هي الحوادث التي توجد في الليل، وكذلك النهار "إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن"

الذي يطرق بخير هذا لا يستعاذ بالله منه، وإنما يستعاذ ممن يطرق بالشر.

قال: "وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلاً من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أي شيء؟)) فقال: لدغتني عقرب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك))" لا شك أن الأذكار حصن يمنع من وصول الشر إلى قائلها، لا سيما الأذكار التي جاء التنصيص عليها، مثل: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) فهذه لا تمنع من الإصابة، لكنها تمنع من الضرر المرتب على هذه الإصابة، فقد تلدغه عقرب، لكنها لا تضر، ليس فيه نفي عن أن يلدغ، لكنها تنفي الضرر المرتب على هذا اللدغ، ومع ذلك إذا لزم هذه الأذكار مع أن هنا التنصيص على المساء، فهل تقال في الصباح؟ يعني هو أصيب في المساء، فلو قال في المساء ما ضره، ولو كانت إصابته في الضحى مثلاً، وقد قالها في المساء انتهى مفعولها؛ لأن المساء له حد، وأول النهار له حد، فإذا قالها في المساء ينتهي مفعولها بطلوع الصبح؛ لأن المساء انتهى، فما الذي يحفظه منها من الضحى مثلاً؟ أن يقولها في الصباح، يعني التنصيص على المساء، ((أما أنك لو قلت حين أمسيت)) ينفي قولها في الصباح؟

طالب:......

لا، حمل الواقع، واقعة العين، هو لدغ بالليل، ما نمت هذه الليلة، فلا يمنع أن تقال في الصباح، أما التنصيص على المساء فلئن الواقعة حصلت في المساء، ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)).

قال: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال: "لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً" كيف تجعله اليهود حمار؟ من السحر، يعني بالسحر، وهل السحر يصل إلى حد ينقلب فيه الإنسان إلى صورة حمار؟ نعم؟

طالب:......

يعني ينقلب، ينمسخ مرة من إنسان إلى حمار؟ لا، نعم؟

طالب: يخيل للناس.

يعني قد يخيل للناس، لا حقيقته تنقلب، وأيضاً قد ينقلب بأفعاله بتصرفاته بأشياء من ذلك فيما يشبه الحمار.

"فقيل له: وما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات" أعوذ بوجه الله العظيم، يعني استعاذ بعظيم "ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر" هذا موقوف على كعب، وله ما يشهد له مما تقدم "وبأسماء الله الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وبرأ وذرأ"، نعم؟

طالب:......

لا، العقاب منصوص عليه، هو الغضب من لازمه العقاب الذي هو الانتقام، يعني ما يفسر بالانتقام، إنما يفسر الغضب بالانتقام من يفر من إثبات صفة الغضب كما هو معلوم.

طالب:......

الاستعاذة مما يسبب.

طالب:......

كيف؟ الرب -جل وعلا- لا يغضب إلا بسبب، الغضب لا بد له من سبب، يعني على مقتضى كلامك أن الإنسان قد يفعل الأسباب، ويستعيذ من عواقبها، نقول: هو يستعيذ من الأسباب قبل أن يستعيذ من عواقبها، لكن إذا وقع في السبب يستعيذ من العاقبة، نعم؟

طالب:......

هو أصل الكتاب جامع، أصل الترجمة الكبرى كتاب الجامع، يجمع أحاديث لها مناسبة، وأحاديث...، ما يؤمر به من التعوذ، نعم جاء الباب الذي بعده.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في المتحابين في الله:

وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).

وحدثني عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، أو عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).

وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله العبد...)) قال مالك: لا أحسبه إلا أنه قال في البغض مثل ذلك.

وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: "دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله -تبارك وتعالى-: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "القصد والتؤدة، وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في المتحابين في الله:

المحبة والمودة توجد بين الناس، بين الأقارب والأباعد، لكن يختلف الباعث على هذه المحبة، هناك المحبة والمودة الغريزية التي تجعل بين الولد ووالده والعكس، بين الأم وولدها، بين الزوج والزوجة، ولكن العبرة بالمحبة الشرعية التي يترتب عليها تقديم مراد الله -جل وعلا- على مراد النفس وهواها، هنا يكون المحك، يعني كما جاء عن ابن عباس في الصدر الأول كان يقول: ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس من أجل الدنيا، كان يقول: هذا لا يجدي شيء، المودة والمحبة يجب أن تكون في الله، خالصة لوجهه الكريم لتثمر الثمار التي ذكرت في هذه النصوص، أما المحبة من أجل الدنيا، من أجل أي هدف من الأهداف التي عاقبتها الزوال إذا زال السبب هذه لا تجدي شيئاً، كثير من الناس يبدي أنه يحب فلان في الله، لكن لو جاءه، زاره مثلاً ما استقبله الاستقبال المناسب، تغيرت هذه المودة، تغيرت هذه المحبة، لو نقل عنه كلام صحيح أو غير صحيح لا يناسب مقام هذا الشخص انتهت هذه المودة وهذه المحبة، الإنسان قد يظهر أنه يحب فلاناً في الله ثم إذا تحقق في أمره، وراجع نفسه وجد أن هذه المحبة ليست لله، وجد أن هناك سبب آخر يجعله يرغب في الذهاب إلى فلان، ويأنس بفلان، ويرتاح إلى فلان، ثم إذا حصل أدنى خلل بهذا السبب انتهت المحبة، المحبة الشرعية التي جاءت النصوص بترتيب الثواب عليها هي التي لا تزيد مع الصفاء، ولا تنقص مع الجفاء، وأما المحبة المرتبة على أمر تزول بزواله هذه ليست بشرعية، اللهم إلا إذا كان السبب الذي تزول بزواله هو مما يرضي الله -جل وعلا- انتقل منه إلى ما يغضبه ويسخطه، فإنه بدلاً من أن يحب في الله يبغض في الله، والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان كما جاء بذلك الخبر.

قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي؟))" يعني من أجلي، من أجل جلالي وعظمتي "((اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي))" وفيه إثبات الظل لله -جل وعلا-، وجاء أيضاً إثبات ظل العرش، وبعضهم يقول: إن ظل العرش قيد، والأصل أن الظل إنما يكون للعرش لا لله -جل وعلا-، ومع ذلكم ما دام ثبتت به النصوص الصحيحة الصريحة فلا مانع من إثباته على ما يليق بجلال الله وعظمته كسائر ما يتعلق به مما ثبتت به النصوص، ويكون له ظل، وللعرش ظل، وفيه أمر لا يمكن تكييفه، ولا يمكن تصوره، يعني يبقى كما هو، ومعناه واضح ومفهوم، لكن كيفيته الله أعلم بها كسائر الصفات.

قال: "وحدثني عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة" شك، وسواءً كان عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة سيان، كلاهما من الصحابة "أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل))" يخرج بذلك الحاكم الظالم، أو القاضي الجائر، يخرج من هذا، إنما المطلوب العدل، {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] فمن لزم العدل سواءً كان فيما ولي من أمور المسلمين، أو كان عدل في نفسه وأهله وولده، ((المقسطون على منابر من نور)) وهم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا.

((إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله)) يعني ليست له صبوة ((شاب نشأ في عبادة الله)) لا يعرف له مخالفة، وإن لم يكن معصوماً، لكنه على الجادة من بداية عمره.

((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) قلبه متعلق بالمسجد، يعني ما يخرج من المسجد إلا ويحن إلى الرجوع إليه، فتجده في المسجد قبل الصلاة وبعد الصلاة، فإذا خرج لحاجة أو لضرورة أو لمعاش أو ما أشبه ذلك تجد قلبه في المسجد متعلق ((إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه)) يعني جمعتهم المودة، وتفرقا عليه حتى يجتمعا مرة أخرى، ((ورجل ذكر الله خالياً)) يعني ليس عنده أحد، لم يطلع عليه أحد غير الله -جل وعلا-، ((ففاضت عيناه)) يعني بدون رياء ولا سمعة ولا نظر لأحد، ((ورجل دعته ذات حسب وجمال)) يعني امرأة ذات حسب شرف نسب، ومع ذلك هي في نفسها مغرية، كما حصل ليوسف -عليه السلام-، ((فقال: إني أخاف الله)) يعني لم يستجب لها، ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها)) حتى أنه من مبالغته في الإخفاء لا يعلم بعض أطرافه بها ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) وهذه رواية الأكثر، وجاء رواية بالعكس، وحكم عليها أهل العلم أنها مقلوبة: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الأصل أن الإنفاق باليمين، والرواية المقلوبة التي حكم عليها أهل العلم بالقلب هي ثابتة في صحيح مسلم، ومع ذلك يمكن توجيهها أن الإنسان قد يحتاج إلى الإنفاق بالشمال، لا سيما وأن مضمون الحديث إخفاء النفقة، فقد يأتي السائل من جهة الشمال، ويكون عن يمينه من يطلع على الإنفاق، فيعطيه بشماله، فالمعنى صحيح، الأمر الثاني: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة)) يعني ليلة ثالثة، ((وعندي منه دينار، إلا دينار أرصده لدين، إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فالإنفاق عن الشمال لا سيما مع الإكثار أو مع الإخفاء يحتاج إليه.

قال: "وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلاناً فأحبه)) يعني الله -جل وعلا- يبلغ ويخبر جبريل بأنه يحب فلان، ((فيحبه جبريل)) ثم بعد ذلك جبريل ينادي في أهل السماء: "إن الله يحب فلان" ينتشر ذكره في السماء فيحبونه، يحبه أهل السماء، ثم بعد ذلك يوضع له القبول في الأرض، من أهل العلم من وضع له القبول في الأرض، من أهل العلم ومن أهل العمل حتى أنه يحبه من لا يعرفه، ويحبه من لم يصل إليه نفعه، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- وضع له القبول، والعكس بالعكس، إذا أبغض الله العبد نادى جبريل قال: إني أبغض فلان فأبغضه... إلى آخر ما جاء في مسألة المحبة.

فيحرص الإنسان ويسارع إلى فعل ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، ومن أعظم ذلك فعل الفرائض، فعل ما افترض الله عليه، ثم بعد ذلك يتقرب إلى الله بالنوافل، ولا يزال يتقرب إليه حتى يحبه.

قال: "وحدثني عن مالك" نعم؟

طالب:......

إيه مفاعلة إيه.

طالب:......

على كل حال له أجره، الحب في الله أوثق عرى الإيمان، لكن مثل هذا مبني على المفاعلة.

قال: "وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار" لأن المفاعلة تقتضي المخالطة والمخالطة تشتمل أحياناً على ما ينافي المودة والمحبة، فإذا ثبت مع هذه المخالطة التي قد يحصل في أثنائها ما يقتضي شيء مما يخدش النفس، مما يؤثر على المحبة، إذا ثبتا على هذه المحبة فأمرهم أعظم من شخص بعيد عنك ما تسمع عنه إلا كل خير، ولا تسمع عنه شيء يسوؤك.

قال: "وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار" يعني سلمة بن دينار الزاهد المعروف "عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله "أنه قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه" يعني حوله "إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه" يعني توجهوا إليه ليفصل بينهم، وصدروا عن قوله، يرضون بقوله وبحكمه "فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل" معاذ بن جبل توفي وهو شاب، يعني كم عمره لما توفي؟ توفي سنة ثمان عشرة بطاعون عمواس، يعني في الثلاثينات "فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت" يعني بكرت "فوجدته قد سبقني بالتهجير" يعني جاء قبلي إلى المسجد "ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه" هذا الأصل أن السلام يكون مع المواجهة، ولذا يستحب أهل العلم أنك إذا سلمت على حتى المقبور أن السلام يكون من جهة الوجه، بينما الدعاء يستقبل فيه جهة القبلة.

"ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك في الله" يعني يخبر، من أحب شخصاً في الله يخبره، كما جاء في الحديث "فقال: آلله؟" يستحلفه، يتثبت "فقلت: آلله" ثلاثاً، وما دام الأمر كذلك "قال: فأخذ بحبوة ردائي" التي تجمع بين ظهره وساقيه المنصوبتين، الاحتباء معروف أنه نصب الرجلين والجلوس على المقعدة، يأتون بالحبوة رداء يربط على..، يجمع بين الرجلين مع الظهر "فجبذني إليه" جبذني وجذبني بمعنىً واحد "وقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله -تبارك وتعالى-: وجبت محبتي للمتحابين في))" والجزاء من جنس العمل "((والمتجالسين في))" يعني جلسة لله -جل وعلا-، ما تروح لفلان من أجل أن تكسب منه شيئاً، أو تبيع معه وتشتري، إنما لله تزوره، "((والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين فيّ))" يعني كل واحد يبذل النفع لأخيه لله -جل وعلا-.

قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: "القصد" يعني التوسط في الأمور، "والتؤدة" التأني "وحسن السمت" كل هذا يقول: "جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة" وهذا الحديث يقوله ابن عباس، لكنه مما لا يدرك بالرأي، لا يمكن أن يقوله ابن عباس من تلقاء نفسه، وعلى كل حال له ما يشهد له في المرفوع عند الطبراني في الكبير.

هذه الأمور القصد يعني التوسط، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] فالأمة وسط بين الأمم وأهل الحق وسط بين أهل الإفراط والتفريط، والقصد مطلوب، القصد القصد، جاء الإغراء به ((القصد القصد تبلغوا)) التؤدة التأني في الأمور، العجلة من الشيطان، والتأني لا شك أنه محمود في الشرع، والرفق ما دخل شيئاً إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.

فالمطلوب التؤدة، وأيضاً حسن السمت، يكون للمسلم سمته الذي يميزه عن غيره، يكون لطالب العلم أيضاً سمته الذي يميزه عن العامة، يكون لحامل القرآن، لطالب السنة، للعالم أيضاً ما يميزه عن غيره، وكل هذه من الأمور المطلوبة، وأما كونها جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة فتقسيمها الله أعلم به، يعني إذا قيل: إن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وأمكن تخريجها أن مدة النبوة ثلاثة وعشرين سنة، إذا قسمت على ستة أشهر الذي هو نصف السنة مدة الرؤيا للنبي -عليه الصلاة والسلام- خرجت مدة الرؤيا جزء من مدة النبوة بواحد على ستة وأربعين، والله أعلم.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"