كتاب بدء الوحي (031)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من البارحة والناس يحسون بشدة البرد، لكن هي دروس وعِبر هل نعتبر؟ هل نتعظ؟ هل نستعد؟ هل نتذكر؟ في هذا البرد الشديد، برد زمهرير جهنم، أو نتذكر ما يعيشه إخواننا من المسلمين في العراء، مع الجوع والخوف، على الإنسان أن يعتبر ويتعظ، ويستفيد من هذه الدروس؛ لأن الحياة كلها دروس، وإذا لم تفد الإنسان فيما يقربه إلى الله –جل وعلا- فزيادة الليالي والأيام لا قيمة لها، يعني ما قيمة شخص عاش مائة سنة لم يستفد من أيامه ولياليه ولم يستفد من هذه الظروف، من هذه الخزائن؟ التي عليه أن يودعها ما يقربه إلى الله تعالى، فكم من شخص عاش سنين يسيرة جدًّا، فاق من طال عمره بكثير، أكثر منه بكثير، لكن هذا استفاد واستغل الوقت، وهذا لم يستفد، فعلينا أن نعتبر ونتعظ وندَّكر، ونستعد لما أمامنا.

 إذا كان مثل هذا البرد ويوجد ما هو أشد منه، ليس هذا هو الغاية في البرد، فشدة البرد بسبب النفس الذي أُذن لها به لما اشتكت النار إلى الله –جل وعلا- أذن لها بنفسين، نفس في الصيف ونفس في الشتاء، نفس في الصيف ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدون من شدة الحر هو من نفس جهنم، وجاء الأمر بإبراده بالصلاة، «إذا اشتد الحر فأبردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم»، وقل مثل هذا في شدة البرد من النفس الثاني، وليس هذا هو الغاية في البرد حتى ما يحصل في الدنيا، هذا أمره يسير عندما يحصل عند كثير من البلدان في الداخل والخارج، يعني في الجهات الشمالية من الجزيرة من المملكة برده أشد، وهناك من البلدان والمناطق ما هو أخفّ، وكل هذا لحكَم ومصالح يذَكَّر بها الإنسان، فإن تذكرن فهو السعيد، وإن غفل ونسب إلى ذلك، ونسب ذلك إلى الظواهر الطبيعية كان كمن ينسب المطر إلى النجوم، والآن يطنطن على أنها ظواهر طبيعية لا بد منها، ويبحثون الحرارة في سنة 2050، ويبحثون لها عن حلول، ويجمعون لذلك الأموال، ويعقدون الاجتماعات؛ لأنهم يجزمون أن الحرارة ستتضاعف أضعافًا بحيث لا يطيقها البشر سنة 2050، وما يدريهم؟!

قالوا: إن بعض الفلكيين أو كثير من الفلكيين قالوا: إن البرد الشديد يبدأ من يوم الأحد قبل الماضي، ومن يوم الأحد قبل الماضي بدأ الدفء الذي تخفف الناس كلُّهم من ملابسهم، وبعضُهم استعمل وسائل التَّبريد، شغلوا المكيفات، ما رأينا البرد إلا من البارح، هم أخبروا حصوله، يعني قبل، بناءً على أنه وجد مقدمات في البلاد الشَّمالية، وأمر عادي عندهم أنه يمشي ويسري إلى جهة الجنوب ويصل إلينا، ثم يصل إلى من بعدنا.

على كل حال على الإنسان أن يعتبر، إذا كان الاتعاظ بالقرآن، الذي هو كلام الله لا يحصل لكلِّ أحد، والتَّذكر والتذكير به لا يحصل لكل قارئ تلَّاء للقرآن، فكيف بالصَّادّ؟ والله –جل وعلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:22]، العبرة هنا، وغلا القراء الكل يقرأ، هذا إذا كان كلام الله فكيف بغيره؟! فعلى الإنسان أن يهتم، وأن يحتاط لنفسه، فإذا كنا نتقلب في نِعَم ومسَّنا البرد من البارحة، وتألمنا له كثيرًا وبعض الناس لم يترك أولاده يذهبون إلى المدرسة، اليوم؛ لأنه برد، فكيف بمن يعيشون أشهر؟! وإذا كان عندنا من الوسائل ما ندفع به الضرر الناتج عن البرد، فكيف بغيرنا الذين لا حيلة لهم؟ ولا واقي لهم من الله– جل وعلا-.

قد يقول قائل: إن أجسامهم تعودت على البرد، لكن مع ذلك هم في ضرٍّ شديد من جراء الثُّلوج والعراء وعدم وجود الوسائل التي تخفف عنهم هذا البرد، وهذا يبعثنا على الشَّفقة عليهم، ومد يد المساعدة والعون لهم، فهم بين برد شديد وخوف ونقص في الأموال والثمرات، وحصار، لا يدخل إليهم شيء إلا بإذن عدوهم، غربة، غربة مستحكم، إذا كان العدو هو الذي يتحكم في المسلمين، هذه هي الغربة، وإذا كان ابن القيم –رحمه الله- في القرن الثامن: وأي اغتراب فوق غربتنا التي أضحت العدو فينا يتحكم. مع أن الدولة الإسلامية في وقته لا صلة ولا ارتباط بالكفار لا من قريب ولا من بعيد، فيها ضعف صحيح لمن ليس لها صلة، بينما الكفار تنفذوا، وحاصروا المسلمين، وضيقوا عليهم، واجتمعت كلمتهم ضد المسلمين، المستضعفين، والآن أعلِن عن قبول التبرعات لأهالي غزَّة فلا يبخل الإنسان على نفسه، لكن عليه أن يضع ما تجود به نفسه بيد ثقة يضمن وصوله، وهناك هيئات ومؤسسات مزكَّاة من قِبل أهل العلم وهي تقبل هذه التبرعات.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: " فجاءه الملك «فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد»" حتى بلغ مني الجهد، حتى بلغ مني الجهد: روِي بالفتح والنصب، وروي بالضم والرفع، بالفتح والنصب، ما الفرق بين الفتح والنصب؟ والفرق بين الضم والرفع؟ الفتح والضم: علامة بناء أم علامة إعراب؟ الفتح علامة بناء، والنصب علامة إعراب، والضم علامة بناء، والرفع علامة إعراب.

هل يجتمع الإعراب والبناء في موضع واحد من كلمة واحدة؟ الإعراب هو: التغيير في أواخر الكلمات، والبناء: أعم من أن يكون في الأواخر وفي الأوائل والأواسط، هنا يقول: بالفتح، الذي هو علامة بناء بحيث يلزمها –يلزم الكلمة- الفتح، ولا تتأثر فيه بالعوامل، والنصب في آخر الكلمة وتتأثر بالعوامل، «حتى بلغ منِّي الجهدَ»، الفتح: للجيم أم للدال؟ للجيم، والنصب للدال، أي بلغ الغطُّ مني غاية وُسْعِي، وروي بالضم والرفع: «الجَهدُ»، أي بلغ مني الجهد مبلغه، هناك بلغ الغط، وهنا بلغ الجهدُ مبلغه، وفي المحكم: الجَهدُ، والجُهدُ: الطاقة، يعني: هما بمعنى، وقيل: الجَهد: المشقة، والجُهد: الطاقة.

ما الفائدة من هذا الغط؟ وهذه المشقة التي حصلت له –عليه الصلاة والسلام- يقول الكرماني: والحكمة في الغط، شغله عن الالتفات ومبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقول له، وكرره ثلاثًا مبالغة في التثبت. وتقدَّم قول شريح: أنه انتزع من هذا الحديث أن المعلم لا يضر بالطالب أكثر من ثلاث، قالوا: وفيه أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلِم، الإحضار بمجامع قلبه.
أنتم تعرفون الفرق بين المعلمين من المعلمين من يلزم وتيرة واحدة، وطريقة واحدة، بحيث ينام أكثر الطلاب، تجد صوتًا واحدًا والنغمة واحدة، والهيئة واحدة، مثل هذا يُعين النفس على الصدود، وبعضهم تتغير نغمتُه، وتتغير طريقة عرضه بحيث يشدُّ الطلاب.

وفيه أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط لتنبه المتعلم والإحضار بمجامع قلبه، كثيرًا ما يُلقي النبي– عليه الصلاة والسلام- ما يريد إلقاءه على طريقة السؤال، ويعرف أنهم لا يعرفون الجواب، وأحيانًا يسأل عن شيء ما عرف لدى الخاص والعام، «أي يوم هذا؟» يخفى اليوم؟ «أي شهر هذا؟» ما يخفى، لكن من أجل ماذا؟ أن ينتبه السامع لما يُلقى إليه، في التوضيح لابن الملقن، وقيل: أراد أن يوقفه على أن القراءة ليست بقوته، ولو، من بلغ منه الغط مبلغه، ومع ذلك لم يقرأ، فالقراءة ليست من قدرته، لا شك أن التعلُّم سبب للقراءة، التعلم سبب، فيمكن أن يُقال على مذهب من يرى عدم تأثير الأسباب: إنه احتمال أن يقرأ وهو ما تعلَّم، لكن هذا قولٌ باطل، بلا شك، الأسباب مؤثِّرة، ولكن ليس تأثيرها على جهة الاستقلال كما تقول المعتزلة، إنما هي مؤثرة بجعل الله الأثر فيها، فلا قول الأشعرية الذين يُلغون تأثير الأسباب، ولا قول المعتزلة الذين يرون استقلال الأسباب بالتأثير، وإلا فيمكن أن يقرأ من هو ليس بقارئ عند الأشعرية؛ لأن القراءة وتعلم القراءة سبب، والسبب لا أثر له، يعني مثل ما ذكرنا من الأمثلة مرارًا، هم يقولون مثالًا يعني يستغربه حتى المجانين، يقولون: ورد بالحرف يعني موجود في كتبهم بالإلزام، يصرحون به، يعني بالحرف يقولون: يجوز لأعمى الصين أن يرى بقَّةَ الأندلس.
الطالب:.............
يعني صغار البعوض بالأندلس في أقصى المغرب يجوز أن يراها الأعمى وهو في أقصى المشرق بالصين، طيب لماذا ما قرأ النبي –عليه الصلاة والسلام- إذا كان هذا القول له حظ من النظر أو له وجه؟

 وقيل: -كما يقول ابن الملقن-: أراد أن يوقفه على أن القراءة ليست من قدرته ولو أُكرِه، وكلما أمره بالقراءة فلم يفعل شدَّد عليه، فلما لم يكن عنده ما يقرأ كان ذلك، تنبيهًا له على أن القراء ليست من قدرته، ولا من طاقته ووسعه فكان الغط تنبيهًا له كقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]، هذا السؤال موسى يعرف أن الذي بيمينه عصا، لكن ما الفائدة من هذا السؤال؟ لئلا يستغرب، الآن وجدت مقدمة {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17].
الطالب: ليستعد.

لأن السؤال عند أهل العلم منه ما يطلب فائدة الخبر، ومنه ما يطلب منه لازم الفائدة، لازم الفائدة، فهنا {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]، قال: لئلَّا يلحق ريب عند انقلابها حيَّة، هناك توطئة، سئل عنها، ولا يمكن أن يسأل هذا السؤال إلا لشيء يترتب عليه، قال: لئلا يلحقه ريب عند انقلابها حية فكذلك أراد جبريل أن يعلمه أنما ألقي إليه ليس في قدرته؛ إذ قد عجز بعد الثلاث وهي حد للإعذار، يعني: يمكن إذا زيد على الثلاث إلى سبع يقرأ؟ خلاص، لا يمكن أن يقرأ.

يقول التربشتي - دورانه قليل في الكتب، لكن له شرح على المصابيح وجود يعني، لكنه لم يطبع بعد في حد علمي، هو محقق في رسائل، لكنه لم يطبع- يقول: لا أرى من يقرأ بنصب الدال إلا قد وهِم، لا أرى الذي يروي بنصب الدال إلا قد وهم فيه، أو جوزه بطريق الاحتمال؛ فإنه إذا نصب الدال عاد المعنى إلى أنه غطه إلى أنه استفرغ قوَّته بضغطته جهد جهده بحيث لم يبق فيه مزيد، وهذا قول غير سديد، لكن الآن الجَهد بالنسبة للنبي –عليه الصلاة والسلام- أو بالنسبة للملك؟ الآن الجهد جهد النبي –عليه الصلاة والسلام- باعتباره فردًا من أفراد البشر أو جهد الملَك باعتباره من الملائكة؟ كأن التربشتي يرى أنه جهد الملك، قال: "وهذا قول غير سديد، فإن البنية البشرية لا تستدعي استنفاد القوة الملكية، لا سيما في مبدأ الأمر". حتى في نهايته، يعني قوة الملك الذي هو جبريل الذي رفع القُرى كاملة بطرف جناحه يقف أمامها البشر كلهم؟ لا يمكن، "لا سيما في مبدأ الأمر". ولا في نهايته أيضًا، البشر لا يقفون أمام ملك من الملائكة.

وقد دلَّت القصة على أنه اشمأز من ذلك، وتداخله الرعب، تداخله الرعب، رجع بها يرجف فؤاده –عليه الصلاة والسلام- لماذا؟ لأنه أمر غير مألوف، لا لأن الملك استنفد جميع قوته في ضغطه! فهذا.. وهم الموهم.

 وقال الطيبي: "لاشك أن جبريل في حالة الضغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى بها عند سدرة المنتهى وعندما رآه مستويًا على الكرسي" يعني له: ستمائة جناح تسد الأفق، قال: "لاشك أن جبريل في حالة الضغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى بها عند سدرة المنتهى وعندما رآه مستويًا على الكرسي، فيكون استفراغ جهده لا بحسب صورته التي تجلى له بها، وغطه، وإذا صحت الرواية: اضمحل الاستبعاد"، وهذا أيضًا مبني على أن الجهد جهد الملك.
قال: «ثم أرسلني»، أي: أطلقني، في قصة عمر –رضي الله عنه- لما سمع القارئ يقرأ على غير ما أقرأه النبي –عليه  الصلاة والسلام- فأخذه بمجامع ثوبه، قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «أرسله» يعني: أطلقه.

الطالب:.....................
كأنهم توهموا أن الجهد جهد الملك، بلغ جهد الملك، ولا شك أن جهد الملك لا تقوم البشر كلهم له.
قال ابن حجر: "ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة" «فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني» ما فيه حتى بلغ مني الجهد، "ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة، وهو ثابت عند المؤلف في التفسير". وهو ثابت عند المؤلف في التفسير، فيكون هنا تركه من باب الاختصار.

 فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، قال الطيبي –الطيبي هذا شارح للمشكاة شرحه مطبوع، وهو من شيوخ المؤلف، وهو الذي أشار إليه بتأليف المشكاة، لما ألفه شرحه الشيخ، وذكرنا مرار ما ذكر في ترجمته من صبره على العلم والتعليم، الطيبي هذا، يجلس يفسر بعد صلاة الصبح إلى أذان الظهر، ثم يصلي الظهر، ويجلس للبخاري إلى أذان العصر، وبعد العصر يشرح في كتاب آخر، فقبض –رحمه الله- وهو ينتظر صلاة الظهر في يوم من الأيام بعد درس التفسير، ذكروا هذا في ترجمته، والواحد منا إذا حضر درسًا أو ألقى درسًا نصف ساعة والجهد منه لا يبلغ النصف من هذه الساعة، رأى أنه أتى بما لم يسبق إليه، وما لا تستطيعه الأوائل، والنووي يحضر في اليوم اثني عشر درسًا، وطالب العلم منَّا اليوم حر، ويوم برد، ويوم ربيع، ويوم لبس الخريف ويوم كذا ويوم كذا، وتنتهي الأيام وتنصرم الليالي بدون علم، والإشكال: ليته يعترف أنه ما عنده علم، لو يعترف أنه ما عنده علم لكانت المسألة أسهل، لكن هذا واقع كثير من طلاب العلم، ويزعم أنه أُوتي مجامع العلم كله. والله المستعان.

قال الطيبي: "هذا أمرٌ بإيجاد القراءة مطلقًا، ولا يختص بمقروءٍ دون مقروء" يعني: اقرأ أي شيء، تحفظ شيء اقرأه أيًّا كان؛ لأنه يقول: " هذا أمرٌ بإيجاد القراءة مطلقًا، ولا يختص بمقروءٍ دون مقروء، فقوله "باسم ربك" أي: قل باسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة"، ويستدل بهذه الآية من هذه السورة على الأمر بقراءة البسملة، والطرف الثاني يستدل بهذه السورة على أن البسملة ليست مأمورًا بها، ما وجه الاستدلال من هذا القول ووجه الاستدلال من قول من قال بضد ذلك؟

الطالب:..................
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} طيب ما قال: باسم الله الرحمن الرحيم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الذي هو محل البسملة، الحين محل البسملة بعد اقرأ أم قبل اقرأ؟

الطالب: قبل.

ظاهر الأمور، الآن يستدلون على مشروعية البسملة في أوائل الرسائل، بقوله –جل وعلا- في سورة النمل: {نَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، وأنه يفتتح بها الخطابات، الآن الخطاب افتتح: باسم الله الرحمن الرحيم أم إنه من سليمان؟

الطالب:................
يعني هل يقال: من فلان ابن فلان ابن فلان إلى فلان، باسم الله الرحمن الرحيم، ثم يُذكر المطلوب أو البسملة أولًا ثم من فلان إلى فلان؟

الطالب:..............
لكن من خلال الآية، مثل ما عندنا، نظير ما عندنا.

الطالب:...................
الأول: قيل إنه من سليمان، من سليمان بن داود نبي الله إلى ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، إلى آخره. هذا مقتضى ظاهر سياق الآية. {إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، أو يقال: إنه مفتتح بالبسملة، وهي تخبر عن هذا الخطاب، هذا الخطاب من سليمان. نعم.

وهذا الخطاب مفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم.

الطالب:..............
نعم في حديث هرقل الآتي، انظر: قال: أن هرقل إليه في ركب من قريش إلى آخره، في آخر الكتاب، فقال: فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: «باسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم».

فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم»، فدل على أن البسملة تذكر قبل اسم الكاتب والمكتوب إليه. قبل اسم الكاتب والمكتوب إليه، وأن قولَها إنه مسلمين، هي تخبر عن هذا الخطاب الوارد، هذا الخطاب من سليمان، وهذا مكتوب في الخطاب الخبر أم ليس بمكتوب؟ إنه من سليمان، مكتوب في الخطاب؟

الطالب:................
إذا قالت: هذا الخطاب من سليمان.

الطالب:............
أين؟
الطالب:...............
لا لا، نتبع سياق الآية، قالت: {نَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، إنه من سليمان هذا مكتوب في الخطاب أم لا؟ أم تخبر إخبارًا، وأن هذا الخطاب مبدوء ببسم الله الرحمن الرحيم؟

الطالب:..............
نعم لكن الآن مقتضى الخطابات الدارجة الآن يعني يُكتب على الظرف شيء غير ما يكتب في المظروف، المظروف ممكن يفتتح ببسم الله، خلاف ظرفه قد لا يكتب فيه باسم الله، من فلان إلى فلان.

 المقصود: نعود إلى من استدل بالسورة على الأمر بالتسمية أو بالبسملة، ومن استدل بالسورة على عدم الأمر بها.

الآن التنظير مع {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، مطابق أم غير مطابق؟ غير مطابق؛ لأن اقرأ؛ لأن كلمة اقرأ ما فيها احتمال أن تكون لفظ بها ولم تكتب مثل احتمال {إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، ما فيها احتمال، إنما هي من المقطوع به المجزوم به بأنها أول السورة.

الطالب:...............
أين؟
الطالب:....................
عند من يقول إنها آية من كل سورة، يقول: آية، ما المعنى؟

الطالب: .............

الخلاف بين أهل العلم معروف هل هي آية أو ليس بها، أما في سورة النمل فبإجماع وسورة التوبة إجماع أيضًا، وما عداه فيه خلاف.

الطالب:.................
نعم، لكن هل كتب باسم الله قبل أو بعد؟

الطالب:...........
هو من سليمان مقطوع به، وكتب من سليمان نبي الله إلى فلانة، لكن هل كتب: باسم الله الرحمن الرحيم، قبل أو بعد ذلك؟ هذا الذي نقوله.

الطالب:...................
دعنا من القراءة، أمر القراءة مفروغ منه، لكن البسملة.

الطالب:............
للاهتمام بالقراء يعد الأمر بها.

الطالب:............
شف الآن،
ماذا يقول الطيبي: يقول: باسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة، وهذا يشمل ما إذا كانت القراءة من أوائل السور أو من أوساطها.
لأنه يقول في ابتداء كل قراءة، وهذا قول عند بعض أهل العلم معتبر، ومنهم من يقول: إن البسملة لا تكون إلا إذا كانت القراءة من أول السورة، أما إذا كانت من أثنائها فالاستعاذة، هذا الشيء معروف الخلاف فيه عند أهل العلم، والخلاف في البسملة هل هي آية أو ليست آية معروف أيضًا، مثل ما قلنا: إنهم يجمعون على أنها ليست آية من براءة، وأنها جزء من آية في النمل، والخلاف فيما عدا ذلك، يعني: سورة الفاتحة قيل بأنها آية منها، وهو المعتمد عند الشافعية. والمالكية لا يرونها آية مطلقًا، وشيخ الإسلام ابن تيمية وقبله الجصاص من الحنفية يرون أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، آية واحدة نزلت للفصل بين السور.

قد يقول قائل: إن نزول اقرأ قبل نزول البسملة للفصل بين السور؛ لأن ما فيه سورة يُفصل بينها وبينها، والسورة هي، فإذا كانت للفصل بين السور ما فيه سورة يمكن أن يفصل بينها وبينها ببسملة، ومن غرائب المسائل أن يكون مستدل الفريقين شيئًا واحدًا، يكون مستدل الفريقين شيئًا واحدًا! فالذي يثبت أنها آية يستدل بالإجماع، والذي ينفي أنها آية يستدل بالخلاف، كيف؟ يقول: بإجماع الصحابة كتبت البسملة في أول كل سورة، فدل على أنها آية، والذي يقول: إنها ليست آية يستدل بالخلاف؛ لأن القرآن لا يجوز الخلاف فيه، كله مقطوع به ومجزوم به، وإذا وجد الخلاف لم يحصل القطع ولا الجزم، وهنا يستدلون بهذه السورة على الابتداء بالبسملة، وعلى عدم الابتداء بالبسملة، بعضهم لمَّا رأى ضعف الأحاديث الواردة بالأمر بالبسملة، «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» لما رأى ضعف هذا الحديث بجميع طرقه وألفاظه رأى أن البسملة غير مشروعة أصلاً؛ لأن الأحكام لا تثبت بالأحاديث الضعيفة. هل له وجه هذا الكلام؟ يعني لو لم يثبت هذا الخبر مع أن لفظ الحمد حسَّنه ابن الصلاح والنووي وغيرهم. وحكم جمع من أهل العلم على الحديث بجميع ألفاظه وطرقه بأنه ضعيف.

طيب، أنت رأيت هذا الخبر ضعيفًا، أوليس في الباب إلا هذا الخبر؟ مع الأسف رأيت كتابًا هو في العقيدة لبعض المعاصرين يقول: كانت الكتب التقليدية تفتتح بالبسملة. لماذا؟ لأنه رأى الشيخ الألباني حكم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بأنه ضعيف، والشيخ الألباني يشدد في مسألة الاحتجاج بالضعيف، وله سلف، والقول معتبر عند أهل العلم، لكن ليس في الباب إلا هذا الحديث؟ وهذه الألفاظ.. يعني ما وردت تسمية في مناسبات كثيرة مجموعها يحصل به القطع؟ نعم لا نقول: تواتر لفظي، بل تواتر معنوي. في مسائل كثيرة: فالقراءة ببسم الله، والأكل ببسم الله، والركوب ببسم الله، وغير ذلك، القرآن يفتتح ببسم الله، أجمع الصحابة على كتابة بسم الله في أول كل سورة، ومع ذلك يقول قائل هذا الكلام! لكن لو أن شخصًا افتتح الخطبة ببسم الله –خطبة الجمعة- لما أجاب المؤذن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه. إلى آخره، يعني هو ما نقل عن النبي –عليه الصلاة والسلام- في هذا الموضع، يعني: ولا مرة واحدة تثبت بها المشروعية، إنما الخطب تفتتح بالحمد لله.
الطالب:.....
دخل في المشروع على طول، دخل في المشروع الذي يريد أن يقرر وهو على .. وباشر بعدها، تنقص الكتب التقليدية؛ لأنهم يفتتحونها بأحاديث ضعيفة، يفتتحونها بالبسملة والحمد؛ لأن الحديث ضعيف، يعني ما في الباب غير هذا! يعني مثل شخص سمع شخصًا يقول: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي وعلى والدي، التفت إليه فإذا به شاب، فقال: أنت وصلت للأربعين؟ كيف تقول هذا وأنت ما وصلت للأربعين؟ خلل، خلل في التصور، هذا خلل في التصور، تطلب من ربك أن يلهمك الشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وأنت ما وصلت للأربعين؟ يعني لو قبضت قبل الأربعين ما يلزمك شكر؟ والله المستعان.

وقوله: {الذي خلق، خلق الإنسان}: يعني: كررت خلق مرتين، قالوا: وصف مناسب مشعر بعلية الحكم بالأمر بالقراءة، والإطلاق في قوله: "خلق" أولاً توطئة لقوله: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2]. قال السهيلي: لما قال ثلاثًا «ما أنا بقارئ»، قيل له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي: لا تقرأ بقوتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك وإعانته فهو يعلمك كما خلقك، هو يعلمك كما خلقك، وكما نزع علق الدم ومغمز الشيطان في الصغر، وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية.

وفي قوله: {خَلَقَ الْإِنسَانَ} إشارة إلى أن الإنسان أشرف المخلوقات، ثم الامتنان بقوله: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5]، يدل على أن العلم أجلُّ النِّعم، وخلق الإنسان: تخصيص الإنسان يدل على أنه أشرف المخلوقات، ثم التنويه بذكر العلم يدل على أن العلم أعظم النعم، وأجل النعم التي يمتن بها الله –جل وعلا- على الإنسان، لكن ما العلم؟ العلم الذي يستحق أن يُسمى علمًا هو الذي يورث الخشية لله –جل وعلا- {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

وإنما العلم الذي لا يورث خشية، ولا يردع عن ارتكاب محظور، ولا يحث على فعل مأمور هذا ليس بعلم، هذا جهل، يعني مثل ما ذكرنا في مناسبات كثيرة أن الذي يعصي -يعصي الله– جل وعلا- جاهل، وإن كان عنده ما يسمى علمًا، عنده أحكام كثيرة بأدلتها، يحفظ من الأحكام الشيء الكثير، ويستدل لها من الكتاب والسنة، لكنه يعصي، هذا جاهل، {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء:17]، هل المراد بالجهالة عدم معرفة الحكم؟ لا، يعرف الحكم ثم يعصي هذا جاهل، فالذي يحمله الفساق مما يمكن أن يسمى بعلم، هذا في الحقيقة ليس بعلم، وهذا العلم الذي ينص على شرفه في نصوص الكتاب والسنة.
يقول: في قوله –جل وعلا-
: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، {خَلَقَ الْإِنسَانَ} [العلق:2]، فالإنسان مخلوق، وقراءته من عمله وعمله مخلوق.

مع أن أهل العلم يكرهون الخوض في مثل هذا؛ لأنه قد يكون المقروء من كلام الله، والمقصود هنا الذي يبتدأ بالبسملة كلام الله، مسألة خلق أفعال العباد هذه أمر مسألة مقررة في النصوص وعليها أهل العلم، وأن خالق العبد وخالق عمل العبد، والمعتزلة يقولون: أنه يخلق فعله، فأثبتوا خلقًا مع الله –جل وعلا- هذه القراءة التي هي عمل العبد في الأصل تندرج تحت قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، وأما المقروء فهو منزل إذا كان كلام الله فهو منزل، هذا مُجمع عليه متفق عليه بين أئمة الإسلام.

قول: القراءة أو اللفظ بالقرآن مخلوق. هذا يمنعه أهل العلم وشددوا فيه؛ لئلا يتطرق الأمر إلى الاحتمال الثاني، لفظه بمعنى ملفوظ، فهم حسموا المادة، وعلى كل حال القصد من هذا الكلام، ليس ما يقصده من يمنع أو يجز هذا اللفظ في أصل المسألة ويقول: الإنسان مخلوق وقراءته مخلوقة فالله –جل وعلا- يقول: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، التسمية قبل خلق الإنسان وقبل خلق عمله، فهي متقدمة عليه وجودًا فلتتقدم عليه ذكرًا، هذا مقصودك؟
لكنه استنباط بعيد.

{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:3]، زائد في الكرم على كل كريم، وفي هذا دليل على أن ما نزل من القرآن هذه السورة، أو الخمس آيات منها، حديث عائشة صريح في أنها أول ما نزل، يعني هل يمكن أن يحصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يؤمر بالقراءة ولا يقرأ، وقد نزل عليه قبلها شيء؟ يمكن؟ مستحيل، أن يؤمر بالقراءة ثلاثًا، ولا يقرأ وعنده شيء نزل عليه قبل ذلك، فدل على أنها أول ما نزل، هذا هو المعتمد عند جماهير أهل العلم.
وفي الصحيحين عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة أيَّ القرآن نزل قبل؟ أو أي القرآن نزل قبل؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1]، فقلت: أو {اقْرَأْ} قال: سألت جابر –جابر بن عبد الله- قلت: أي القرآن أنزل قبل؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، فقلتُ: أو {اقْرَأْ}؟، فقال جابر: أحدثك ما حدثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال:
«جاورت بحراء شهرًا، فما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرنت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي فرأيت شيئًا فأتيت خديجة، فقلت: دثروني دثروني، وصبوا علي ماءً بارادًا، فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا، قال: فنزلت {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]»
يقول النووي في شرح مسلم، قوله: إن أول ما أنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، ضعيف بل باطل. يعني كونه باطل، يعني والقائل به صحابي فيه شيء من الجفاء، مع كونه مرجوح
ًا والراجح غيره، والصواب غيره، والمتعين غيره، هذا شيء، ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما نزل على الاطلاق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، كما صرَّح النبي في حديث عائشة –رضي الله عنها، وأما {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فالصحيح أن نزولها بعد فترة الوحي كما صُرِّح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في مواضع منها والدلالة صريحة فيه في مواضع منها قوله: وهو يحدث عن فترة الوحي- يعني: حديث جابر وهو يحدث عن فترة الوحي، فدل على أن هناك وحيًا سابق قبل هذه الفترة. إلى أن قال: فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» يعني في قصة نزول "اقرأ" «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» ثم قال: فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، ومنها قوله: «ثم تتابع الوحي» يعني بعد فترته. فالصواب أن أول ما نزل {اقْرَأْ}، وأن أول ما نزل بعد فترة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر، والله أعلم.

هذا كلام الإمام النووي.

وقال ابن حجر في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر: تدل على أن المراد بالأولية في قوله: أول ما نزل سورة المدثر. أولية مخصوصة. مخصوصة يعني ما هي بأولية مطلقة، أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مخصوصة بالأمر بالإنذار، لا أن المراد أنها أولية مطلقة، فكأن من قال: أول ما نزل {اقْرَأْ} أراد أولية مطلقة، ومن قال: إنها المدثر أراد بقيد التصريح بالإرسال. قال الكرماني: استخرج جابر "أول ما نزل يا أيها المدثر" باجتهاد وليس هو من روايته، والصحيح ما وقع في حديث عائشة. يقول ابن حجر: في أول سورة نزلت قول آخر نقل عن عطاء الخراساني قال: المزمل، نزلت قبل المدثر. وعطاء ضعيف، يعني ضعف عطاء، هل يؤثر في القول؟ لا، هو يقول: أول سورة المزمل.

طالب:.........
لا لا على أنه قوله، يعني إذا نسب لشخص ولو كان ضعيفًا ولو كان مبتدعًا.
الطالب:.....
نعم، قول ينظر إليه من ناحية، الأولى ثبوته عن هذا الشخص قد يكون ثابت
ًا عن الشخص، صحيحًا إلى هذا الشخص، الأمر الثاني: أن هذا الشخص هل أهل أن يُحمل عنه أو لا يتحمل عنه العلم. هذه مسألة ثانية. قال: وعطاء ضعيف وروايته معضلة. يعني لذا سمعنا كلامًا للزمخشري في تفسيره يقول: لا يقبل؛ لأن الزمخشري ضعيف؛ لأنه معتزلي، كلام صحيح إلى من قاله، يبقى النظر في الكلام نفسه في القائل وفي قوله، وروايته معضلة. نعم إذا كان يرويها لا سيما وأن هذا الباب أول ما نزل وآخر ما نزل يحتاجح إلى توقيف.
وروايته معضلة؛ لأنه لم يثبت لقاؤه لصحابي معين، إذا كانت معضلة يكون سقط منه اثنان.

وظاهر الأحاديث الصحيحية تأخر "المزمل" لأن فيها ذكر قيام الليل، وغير ذلك مما تراخى عن ابتداء نزول الوحي بخلاف "المدثر" فإن فيها{قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، وعن مجاهد: أول سورة نزلت "نون والقلم" لعل هذا القول التبس على صاحبه نزول سورة "القلم".

الطالب:..............
نعم، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} يعني وجود القلم في السورتين حصل اللبس، وعن مجاهد: أول سورة نزلت "نون والقلم" وأول سورة نزلت بعد الهجرة "ويل للمطفين". في "البرهان في علوم القرآن" للزركشي في معرفة أول ما نزل، معرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل، فأما أوله يقول: فأما أوله ففي صحيح البخاري في حديث بدء الوحي ما يقتضي أن أول ما نزل عليه –عليه الصلاة والسلام-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ثم "المدثر"، وأخرجه الحاكم بالمستدرك من حديث عائشة –رضي الله عنها- صريحًا وقال: صحيح الإسناد، ولفظ مسلم: أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، ووقع في صحيح البخاري إلى قوله: {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:3]، وفي الأول زيادة، وهي من الثقة مقبولة.
وقد جاء ما يعارض هذا، ففي صحيح مسلم عن جابر: أن أول ما نزل من القرآن "سورة المدثر"، وجمع بعضهم بينهما بأن جابرًا سمع النبي –عليه الصلاة والسلام- يذكر قصة بدء الوحي، فسمع آخرها ولم يسمع أولها، فتوهم أنها أول ما نزلت وليس كذلك.
يعني: قد يصحّ القول إلى الصحابي، يصح القول إلى الصحابي، ويكون هذا القول وهم من ذلك الصحابي، ويخرَّج هذا القول على أنه وهم يخرَّج في الصحيحين، ولن يقدح في صحة الخبر عن ذلك الصحابي، الخبر لذلك الصحابي صحيح؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا يخرج البخاري قصة زواج النبي –عليه الصلاة والسلام- بميمونة، وأنه تزوجها وهو حلال، ويخرجه من طريق ابن عباس، وأنه تزوجها وهو محرِم  فيه تناقض، نقول: كلها ثابتة، كلها صحيحة إلى من رويت عنه، لكن ابن عباس –رضي الله عنهما- وهِم في قوله: أنه تزوجها وهو محرم، وهنا يخرَّج في الصحيح قصة بدء الوحي من حديث عائشة، والحديث صريح في أن أول ما نزل سورة "اقرأ" ويخرج في الصحيح أيضا: كلام جابر من رأيه ومن قوله، وقد وهِمَ فيه، ما المانع أن يهِم؟! ليس بمعصوم.

الطالب:......................

هذه في الرواية، أما في الرأي لا، في الرواية غير الرأي، هذا فهمه. 

الطالب:.........................
هم يقولون ما يتعلق بالنزول له حكم المسند، ولم يصرِّح؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- طرف فيه، نسمع بعد الكلام عشان يتضح.

جمع بعضهم بينهما بأن جابرًا سمع النبي –عليه الصلاة والسلام- يذكر قصة بدء الوحي، فسمع آخرها ولم يسمع أولها، فتوهم أنها أول ما نزلت وليس كذلك. صار يتكلم من تلقاء نفسه، وفهم من هذه القصة أن أول  ما نزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، نعم هي أول ما نزل بعد سورة "اقرأ" وفترة الوحي، لما ثبت في الصحيحين –أيضًا- عن جابر –رضي الله عنه- فذكر ما تقدم، في كلام النووي، ثم قال الزركشي في "البرهان": وقيل: أول ما نزل سورة الفاتحة، روي ذلك من طريق أبي إسحاق عن ابن ميسرة قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا سموع صوتًا انطلق هاربًا، وذكر نزول الملك عليه وقوله: قل الحمد لله رب العالمين، إلى آخرها، وقال القاضي أبو بكر: في "الانتصار": أبو بكر من؟ الباقلاني، وقال القاضي أبو بكر في "الانتصار" وهذا الخبر منقطع وأثبت الأقاويل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} يليه في القوَّة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، باعتبار أنهما مخرجان في الصحيحين، وطريق الجمع بين الأقاويل أن أول ما نزل من الآيات {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وأول ما نزل من أوامر التبليغ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وأول ما نزل من السور سورة الفاتحة، يعني سورة كاملة، وقيل: أول ما نزل للرسالة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وللنبوة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، فإن العلماء قالوا: قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} دال على نبوة محمد– صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف خاص، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1-2] دليل على رسالته– صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملَك بتكليفٍ عام. وقال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في "الأصل الثالث" من الأصول الثلاثة بمعرفة النبي –صلى الله عليه وسلم- قال –رحمه الله-: نُبئ باقرأ، وأُرسل بالمدثر، وذكر القاضي في "الانتصار" رواية، ثم نزل بعد سورة "اقرأ" ثلاث آيات من أول "نوح" وثلاث آيات من أول "المدثر". وعن مجاهد، قال: أول سورة أنزلت "اقرأ" ثم "نوح". لكن هذه الأقوال كلها لا تستند إلى دليل.

فالمرجح والمعتمد عند أهل العلم: أن أول ما نزل أولية مطلقة سورة "مطلقة" وأولية نسبية مقيدة بما بعد فترة الوحي {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"