شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (071)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا عند حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في باب حسن إسلام المرء. كنا في الحلقة الماضية وقد أشرتم -أحسن الله إليكم- إلى كلام الإمام القرطبي -رحمه الله- في تفسير قول الله -تبارك وتعالى-: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [سورة البقرة 217]. أسلفتم الحديث حول هذه الآية وذكرتم الأقوال التي ساقها القرطبي في حبوط العمل المراد في قوله: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [سورة البقرة 217]. نود أن ننطلق من هذه الجزئية -بإذن الله- لاستكمال ما تبقى في هذا الحديث -أحسن الله إليكم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد مضى الكلام، أو مضى النقل عن القرطبي في تفسيره حول قوله -جل وعلا-: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ} [سورة البقرة 217] وهل الموت على الكفر قيد معتبَر لحبوط العمل أو أنه يحبط بمجرد الردة ولو أسلم ثانيًا. وذكر القرطبي الخلاف بين أهل العلم، ذكر عن الإمام الشافعي أن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله، ولا حجه الذي فرغ منه، بل إن مات على الردة فحينئذٍ تحبط أعماله، وهذا ما يفيده مفهوم الآية: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} مفهومه أن الذي يرجع يراجع الدين ولم يمت على كفره فإنه حينئذٍ لا يحبط عمله.

وقال مالك: تحبط أعماله بنفس الردة ولم يعتبر القيد في الآية، ويظهر الخلاف، كما يقول القرطبي، في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم، فقال مالك: يلزمه الحج؛ لأن الأول قد حبط بالردة ولو لم يمت وهو كافر، وقال الشافعي: لا إعادة عليه؛ لأن عمله باقٍ، لماذا؟ لأنه لم يمت وهو كافر، وهو قيد معتبَر عنده.

يقول القرطبي: واستظهر علماؤنا، يعني المالكية، بقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر 65] وليس في هذا قيد. قالوا: وهو خطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم- والمراد أمته؛ لأنه –عليه السلام- يستحيل منه الردة شرعًا. وقال أصحاب الشافعي: بل هو خطاب للنبي –عليه الصلاة والسلام- على سبيل التغليظ على الأمة وبيان أن النبي –عليه الصلاة والسلام- على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله، فكيف أنتم؟! لكنه لا يشرك لفضل مرتبته كما قال -جل وعلا-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [سورة الأحزاب 30] وذلك لشرف منزلتهن، وإلا فلا يُتصوَّر إتيانٌ منهن صيانةً لزوجهن المكرَّم المعظَّم. ثم ذكر عن ابن العربي: وقال علماؤنا..، يقول ابن العربي: إنما ذكر الله الموافاة، ما معنى الموافاة؟ {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}، شرطًا هاهنا لأنه علَّق عليها الخلود في النار جزاءً، فمن وافى على الكفر خلَّده الله في النار بهذه الآية، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين وحكمين متغايرين، يعني لم يقيِّد الآية المطلقة بالقيد.

المقدم: يعني كأن كل آية عنده لها حكم؟

لها حكم، أشركت... {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [سورة البقرة 217] هذا يخلَّد في النار {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر 65] يحبط ولو لم يوافِ على الكفر. يقول: فهما آيتان مفيدتان لمعنيين وحكمين متغايرين، لكن القاعدة في الإطلاق والتقييد، هنا يُحمَل المطلق على المقيد أو ما يُحمَل؟ هل هذه من صور حمل المطلق على المقيد أو لا؟ هل يشتركان في الحكم والسبب؟

المقدم: والله الظاهر هذا.

الحكم واحد، حبوط العمل موجود في الآيتين، هذا هو الحكم، والسبب الردة، واحد، فاتفقا في الحكم والسبب وحينئذ يُحمَل المطلق على المقيد. لكن أحيانًا بعض أهل العلم لهم ملحظ، يتركون فيه بعض القواعد، فهنا من باب التغليظ في حكم المرتد يقال له مثل هذا وهو ملحظ المالكية. فعلى سبيل المثال: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها» جاء الحديث مقيدًا «فيما يبدوا للناس»، لكن المعروف من عادة السلف وقاعدتهم وخوفهم من سوء العاقبة، لا يقولون بالتقييد في هذا الموضوع، لا يقولون بالتقييد في هذا الموضع، لماذا؟ ليكون الإنسان على حذر باستمرار من سوء العاقبة ليأمن الأمن التام، هذا ملحظ، فالمالكية يقول وعلماؤنا، يقول: وقال علماؤنا: إنما ذكر الله الموافاة شرطًا هاهنا لأنه علق عليها الخلود في النار جزاءً، فمن وافى على الكفر خلَّده الله في النار بهذه الآية، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين وحكمين متغايرين، وما خوطب به -عليه السلام- فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه، وما ورد في أزواجه {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [سورة الأحزاب 30] فإنما قيل ذلك فيهن ليبيِّن أنه لو تُصوِّر لكان هتكين أحدهما لحرمة الدين، والثاني لحرمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والكل هَتْكٌ، وينزَّل ذلك منزلة من عصى في الشهر الحرام، أو في البلد الحرام، أو في المسجد الحرام، يضاعَف عليه العذاب بعدد ما هتك من الحرمات، والله أعلم.

لكن إعمال القواعد يقتضي ترجيح مذهب الشافعي، والآية صريحة، بل مفهوم الآية صريح في الدلالة لمذهب الشافعي -رحمه الله تعالى-.

بعد هذا يقول في الحديث: «وكان بعد ذلك القصاص».

يقول الكرماني: وكان بعد ذلك: أي بعد حُسْن الإسلام القصاص، وهو مقابلة الشيء بالشيء، أي كل شيء يعمله يوضَع في مقابلة شيء، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وهو مرفوع، يعني القصاص على أنه اسم (كان) ويحتمل أن تكون ناقصة، وأن تكون تامة، فإن قلت: لِمَ قال: كان والسياق يقتضي لفظ المضارع، ويكون بعد ذلك القصاص، ويكون لأنه مستقبَل، أجاب: قلت: لتحقق وقوعه كأنه واقع، نحو: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [سورة الأعراف 44] {أَتَى أَمْرُ اللّهِ} [سورة النحل 1] هذا لتحقق الوقوع عُبِّر بالماضي عن المستقبَل، وقوله: «الحسنة» مبتدأ «وبعشر» الخبر، والجملة استئنافية، قال تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [سورة الأنعام 160] «إلى سبعمائة ضعف»، متعلِّق بمقدر أي منتهيًا «إلى سبعمائة ضعف» يعني التضعيف منتهيًا إلى سبعمائة، فهو منصوب على الحال، قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} [سورة البقرة 261].

هنا إشكال أورده الكرماني، مفاده أنه في الحديث ينتهي التضعيف إلى سبعمائة، وفي الآية قال بعد التضعيف إلى سبعمائة {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} [سورة البقرة 261] يقول الكرماني: فإن قلت: بيَّن في الحديث الانتهاء إلى سبعمائة، وقوله: {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} يدل على أنه قد يكون الانتهاء إلى أكثر، قلت: المراد أن الله تعالى يضاعف تلك المضاعَفة، وهو أن يجعلها سبعمائة، وهو ظاهر، وإن قلنا: إن معناه أنه يضاعِف السبعمائة بأن يزيد عليها أيضًا فذلك في مشيئة الله، وأما المتحقق فهو سبعمائة فقط. ما معنى كلامه؟ المراد أن الله تعالى يضاعِف تلك المضاعَفة، وهو أن يجعلها سبعمائة.

المقدم: هذا كلام الكرماني؟

هذا كلام الكرماني.

المقدم: هو يرى أن المضاعفة المقصودة في الآية التي هي تقف إلى حد السبعمائة، {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} أي إلى حد السبعمائة وله أن يزيد كرمًا منه.

نعم، وذلك في المشيئة، أما المحقَّق السبعمائة {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} [سورة البقرة 261] هذا تحت المشيئة.

يقول ابن حجر: وحكى الماوردي أن بعض العلماء أخذ بظاهر هذه الغاية، فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة، ورد عليه بقوله تعالى: {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} [سورة البقرة 261] والآية محتملة للأمرين، فذكر ما ذكره الكرماني، يضاعف لمن يشاء إلى حد السبعمائة، والاحتمال الثاني: أن السبعمائة حد أدنى محقَّق، وما عدا ذلك تحت المشيئة.

ثم قال: والمصرح بالرد عليه حديث ابن عباس المخرج عند المصنف في الرقاق، ولفظه: «كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة».

جاء في المسند والزهد للإمام أحمد وعند ابن أبي الدنيا أيضًا وابن جرير أن الله -سبحانه وتعالى- يضاعِف لمن يشاء إلى ألفي ألف ضعف، مليوني ضعف، إلى مليوني ضعف، لكن الحديث ضعيف، وفضل الله لا يحد، إذا عرفنا ما يُعطاه أدنى أهل الجنة منزلة، وآخر من يدخل الجنة عرفنا أن الله -سبحانه وتعالى- كريم جواد.

قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: دل حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة المذكوران على أن مضاعفة الحسنات للمسلم بحسب حسن إسلامه، ننتبه لهذا، لا يعتمد الإنسان على مثل هذه النصوص، ويؤدي الأعمال مع السهو والغفلة، ومع ارتكاب ما يخالف هذه الأعمال.

يقول ابن رجب -رحمه الله-: دل حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة المذكوران على أن مضاعفة الحسنات للمسلم بحسب حسن إسلامه، ولذا جاء في الحديث: «فحسن إسلامه» هذا قيد.

وخرَّج ابن أبي حاتم من رواية عطية العوفي عن ابن عمر قال: نزلت: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [سورة الأنعام 160] في الأعراب، يعني الذين يؤدون العبادات بأدنى قدر مجزئ، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أكثر، ثم تلا قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [سورة النساء 40].

ويشهد لهذا المعنى ما ذكره الله -عز وجل- في حق أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} [سورة الأحزاب 30] إلى قوله {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [سورة الأحزاب 31-32] كل هذه قيود معتبرة {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} كل هذه قيود معتبرة لماذا؟

المقدم: لحسن الإسلام.

لإتيان الأجر مرتين {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [سورة الأحزاب 31] هذه المضاعفات مقيَّدة بهذه القيود، فدل على أن من عظمت منزلته ودرجته عند الله فإن عمله يضاعَف له أجره، وقد تأوَّل بعض السلف من بني هاشم دخول آل النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المعنى لدخول أزواجه؛ فلذلك من حَسُن إسلامه بتحقيق إيمانه وعمله الصالح فإنه يضاعَف له أجر عمله بحسب حُسْن إسلامه وتحقيق إيمانه وتقواه، والله أعلم.

ثم يقول: ويشهد لذلك: أن الله ضاعَف لهذه الأمة لكونها خير أمة أخرجت للناس، ضاعَف لها أجرها مرتين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [سورة الحديد 28].

وفي الحديث الصحيح: «إن أهل التوراة عملوا إلى نصف النهار على قيراط قيراط، وعمل أهل الإنجيل إلى العصر على قيراط قيراط، وعملتم أنتم من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجرًا؟ قال الله: وهل ظلمتكم من أجوركم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء».

وأما من أحسن عمله وأتقنه وعمله على الحضور والمراقبة فلا ريب أنه يتضاعف بذلك أجره وثوابه في هذا العمل بخصوصه على من عمل ذلك العمل بعينه على وجه السهو والغفلة؛ ولذا روي في حديث عمار المرفوع: «إن الرجل ينصرف من صلاته وما كُتِب له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها» حتى بلغ العُشْر، هذا الحديث مخرج في السنن في سنن أبي داود والمسند، وعند البيهقي، فيه اختلاف كبير على كل حال، ولذا قال المؤلف: ولهذا روي في حديث عمار، صدَّره بصيغة التمريض.

فليس ثواب من كُتِب له عشر عمله كثواب من كتب له نصفه، ولا ثواب من كتب له نصف عمله كثواب من كتب له عمله كله، والله أعلم.

وعلى كل حال المضاعفة للحسنات وإفراد السيئات لا يهلك بعد ذلك إلا هالك، ولذا يقول بعض السلف: خاب وخسر من غلبت آحاده عشراته.

«إلى سبعمائة ضعف» يقول الجوهري: ضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، ضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، كذا يقول الجوهري.

ويقول الراغب في المفردات: الضعف من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر، كالنصف والزوج، وهو تَرَكُّب قدرين متساويين، ويختص بالعدد، فإذا قيل: أضعفْتُ الشيء وضعَّفته وضاعفْت ضممت إليه مثله فصاعدًا، إذا قلت: أضعفت الشيء، إذا قيل: ضعِّف الغطاء، أضعف الغطاء مثلاً ماذا يصير؟

المقدم: خفِّفه.

لا.

المقدم: أضعفه أو ضعِّفه؟

أضعفه وضعِّفه وضاعفه، يقول: فإذا قيل: أضعفت الشيء وضعَّفته وضاعفته ضممت إليه مثله فصاعدًا، يعني بدل ما عليك بطانية واحدة تصير اثنتين.

المقدم: يقال: أضعفه كذا؟

أضعفه، تقول: أضعفْتُ الشيء هذا كلام الراغب، أضعفت الشيء وضعَّفته وضاعفته ضممت إليه مثله فصاعدًا.

وقال بعضهم: ضاعفت أبلغ من ضعَّفت، مع أن المعروف أن التشديد للتكثير، ولهذا قرأ أكثرهم: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [سورة الأحزاب 30] {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [سورة النساء 40] وقال: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [سورة الأنعام 160] والمضاعفة على قضية هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها... ما معنى على قضية هذا القول؟ يعني على مقتضاه، والمضاعفة على قضية هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها، وقيل: ضعَفته بالتخفيف ضعفًا فهو مضعوف، فالضعف مصدر، والضعف أيضًا اسم كالشيء والشيء فضعْف الشيء هو الذي يثَنِّيه، ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله، نحو أن يقال: ضعف العشرة وضعف المائة، ضعف العشرة كم؟

سائل: ......

نعم، عشرون، وضعف المائة فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف، وإذا قيل: أعطه ضعفي واحد، يقول: وإذا قيل: أعطه ضعفي واحد فإن ذلك اقتضى الواحد ومثليه، وذلك ثلاثة؛ لأن معناه الواحد، واللذان يزاوجانه وذلك ثلاثة، هذا إذا كان الضعف مضافًا، أما إذا لم يكن مضافًا فقلت: الضعفين، فإن ذلك يجري مجرى الزوجين، في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر، فيقتضي ذلك اثنين؛ لأن كل واحد منهما يضاعف الآخر، فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضعفان إلى واحد فيثلِّثهما، نحو ضعفي الواحد.

وقوله: {فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ} [سورة سبأ 37] وقوله: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [سورة آل عمران 130] فقد قيل: أتى باللفظين على التأكيد، وقيل بالمضاعفة من الضَّعْف لا من الضِّعْف، والمعنى: ما يعدِّونه ضِعْفًا فهو ضَعْف، أي نَقْص كقوله: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} [سورة الروم 39] أنت تظنه مضاعفة، تعتقد أنه مضاعفة، وهو في الحقيقة ضَعْف وإضعاف للمال، والمعنى: ما يعدُّونه ضِعْفًا فهو ضَعْف، أي: نقْص كقوله: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} [سورة الروم 39] وكقوله: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [سورة البقرة 276] لكن هذا قريب أو بعيد؟

المقدم: بعيد.

فيه بُعْد.

يقول الكرماني: فإن قلت: فلِمَ أوجب الفقيه فيما إذا أُوصِيَ أو أَوصَى بضِعْف نصيب ابنه، فإن قلت: لِمَ أوجب الفقيه فيما إذا أَوصَى، يعني الشخص، بضِعْف نصيب ابنه مثلَي نصيبه، وبضِعْفَي نصيبه ثلاثة أمثاله، يعني مقتضى كلام الراغب أنه إذا أوصى بضِعْف نصيب زيد يُعطَى ثلاثة أضعاف، نصيبه وضعفيه.

المقدم: مثل ضِعْفَي الواحد قبل قليل.

وبضِعْفَي نصيبه ثلاثة أمثاله، قلت: المعتبَر في الوصايا -يقول الكرماني-: المعتبر في الوصايا والأقارير العُرْف العامِّي، لا الموضوع اللغوي، وقد يجاب أيضًا، لكن هل باستمرار تُجرَى الوصايا والأقارير على عُرْف العامَّة؟ إذا كان الموصي عامِّيًّا أجريناه على عرف العامَّة، لكن إذا كان الموصي عالمًا يعي ما يقول ويَفهم.

المقدم: ما تجرى على العامَّة.

كلامه ليس على إطلاقه.

المقدم: صحيح.

يقول: المعتبَر في الوصايا والأقارير العرف العامِّي لا الموضوع اللغوي، وقد يجاب أيضًا بأنه اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر أو أكثر، فإذا قيل: ضِعْف العشرة لَزِم أن يجعلها عشرين بلا خلاف؛ لأنه أول مراتب تضعيفها، ولو قال له: عندي ضِعْف درهم لزمه درهمان ضرورة الشرط المذكور، كما إذا قيل: هو أخو زيد، اقتضى أن يكون زيد أخاه، وإذا لزم المزاوجة دخل في الإقرار، وعلى هذا له ضعفا درهم يتنزَّل على ثلاثة دراهم، وليس ذلك بناءً على ما يُتَوَهَّم أن ضعف الشيء موضوعه مثلاه، وضعفيه موضوعه ثلاثة أمثاله، بل ذلك لأن موضوعه المثل بالشرط المذكور، ومن البيِّن، يقول: ومن البيِّن فيه أنهم ألزموا في ضِعْفَي الشيء ثلاثة أمثاله، ولو كان موضوع الضعف المثلين لكان الضعفان كم؟ أربعة أمثال.

المقدم: أحسن الله إليك.

لعلنا أيضًا نرجئ ما تبقى -بإذن الله- من الحديث حول هذا الموضوع في حلقة قادمة لانتهاء وقت هذه الحلقة.

مستمعيَّ الكرام، سوف نستكمل -بإذن الله تعالى- ما تبقى في حلقة قادمة. حتى وقت تلك الحلقة نستودعكم الله، نلقاكم -بإذن الله تعالى- على خير. شكرًا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.