شرح العقيدة الطحاوية (18)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤال هذا يسأل يقول شخص يتوضأ ثم ينام قريبًا من نصف ساعة ثم يقوم يصلي الظهر وعندما أكلمه يقول بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يتوضأ ويصلي ركعتي الفجر ثم ينام ثم يقوم ليصلي.

أولاً هل هذا الشخص يرى أن النوم ناقض أو لا؟ لا شك أن هذه المدة استغراق في النوم، نصف الساعة  استغراق والنبي -عليه الصلاة والسلام- يضطجع ضجعة خفيفة كما هو معلوم وهو -عليه الصلاة والسلام- يختلف عن غيره لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه فالقياس مع الفارق فهو فاسد الاعتبار.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، قال الطحاوي رحمه الله تعالى: وسيّد المرسلين.

قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى:

قال -صلى الله عليه وسلم- «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأوّل من يشق عنه القبر وأول شافعٍ وأول مشفّع» رواه مسلم.

....

وفي أول حديث الشفاعة «أنا سيد الناس يوم القيامة» وروى مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قال -صلى الله عليه وسلم- «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» فإن قيل يُشكل على هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون من يفيق فأجد موسى باطشًا بساق العرش فلا أدري هل أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله» خرّجاه في الصحيحين فكيف يجمع بين هذا وبين قوله «أنا سيد ولد آدم ولا فخر».

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فنبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق إجماعًا والنصوص القطعية دالة على ذلك ومنها ما ذكره المؤلف أورد الشارح رحمه الله تعالى حديث «لا تفضلوني على موسى» وسيأتي النهي عن التفضيل على يونس وحديث «لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشًا بساق العرش» يعني آخذًا بقوة «فلا أدري هل أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله» يعني لم يصعق وفي رواية «أو جوزي أو أم جوزي بصعقة الطور» يعني فلم يصعق بهذه الصعقة، ولا شك أن في هذا منقبة وفضيلة لموسى عليه السلام هل هذا مما يقتضي تفضيله على محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ لا، لماذا؟ لأن التفضيل بخصلة لا يقتضي التفضيل من جميع الوجوه، أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام قبل محمد وغيره من الأنبياء فهل يعني هذا أن إبراهيم أفضل من محمد -عليهما الصلاة والسلام-؟ لا، التفضيل بخصيصة أو بصفة من مجموع صفات لا يقتضي التفضيل المطلق، طيّب أبو ذر أصدق الناس لهجة هل يعني هذا أنه أفضل من العشرة المبشرين بالجنة؟ لا، وغير ذلك من الخصال، جاء في بعض الخصال خصلة مثلاً يمتاز بها عمر على أبي بكر فيكون بذلك أفضل من أبي بكر؟ لا، النظر إلى المجموع ولا يعني أن المفضّل إجمالاً أفضل في كل خصلة من الخصال من جميع المفَضَّل عليهم، حينما يقال زيد أفضل من عمرو تجد زيدا أفضل في أبواب كثيرة وفي مسائل كثيرة لكن لا يمنع أن يكون عمرو أفضل منه في بعض المسائل، وفي أبواب الدين يعني حينما تقول فلان أعلم من فلان ثم حصل نقاش بينه وبين غيره ممن فضل عليه في مسألة ففاقه فيها المفضل، لا يعني أنه تنقلب الموازين لا، فالتفضيل في خصلة لا يعني التفضيل المطلق.

طالب: .............

لا، هو ذكر شيئا واضح «فأكون أول من يفيق» دل على أنه يصعق -عليه الصلاة والسلام- مع من يصعق «فإذا موسى فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش أو بساق العرش فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله» {إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ}[الزمر:68]  والرواية الأخرى «أم جوزي بصعقة الطور» لا يعني هذا أنه أفضل من محمد في جميع الخصال أو في جل الخصال، محمد -عليه الصلاة والسلام- أفضل منه في جميع الخصال إلا في خصلة أو قل ثانية أو ثالثة مما لم نطلع عليه، لكن الإجمال محمد -عليه الصلاة والسلام- أفضل بلا إشكال، وقل مثل هذا فيما بين محمد -عليه الصلاة والسلام- وإبراهيم الذي يكسى قبله.

فالجواب أن هذا كان له سبب فإنه كان قد قال يهودي لا والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه مسلم وقال أتقول هذا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذمومًا بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذمومًا فإن الله حرّم الفخر وقد قال تعالى{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[الإسراء:55] وقال تعالى..

وهذا الكلام يستقيم لو انتهى الحديث «لا تفضلوني على موسى» أما التعليل فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من...» «لا تفضلوني على موسى» يعني هذا من باب هضم النفس، ويمكن أن يقال إذا كان التفضيل على وجه الحمية والعصبية كما يحصل بين الأتباع لمتبوعيهم هذا حاصل يحصل من الأتباع من إساءة الأدب للفضلاء بسبب رفع متبوعيهم على حد قولهم أو على حد زعمهم، تجد حنفيا مع شافعي يقال هذا، يقول إمامنا أعلم، وهذا يقول إمامنا أفضل، وهذا يقول.. ثم يضطر الحنفي أن يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو حنيفة سراج أمتي، أو يقول أبو حنيفة أفضل، والشافعي لا يفقه لا يفهم لا كذا، أو يقول للحنفي يكون في أمتي أو في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، هذه الحمية والعصبية هذا الذي لا يجوز، يحرم التفضيل بهذه الكيفية ولو كان المفضل أفضل من جهات أخرى، إذا كان من باب الحمية والعصبية يُسد، يعني ما الذي حمل حمنة رضي الله عنها وأرضاها وهي من الصحابة على أن تقع في قصة الإفك إلا حمية لأختها زينب بنت جحش؟! أختها وهي صاحبة الشأن ما تكلمت في الموضوع لكن الغالب أن الأتباع هم الذين يقعون في هذه الأمور، أما الكبار فهم أرفع من أن يتكلموا في مثل هذه الأمور، هل تكلم الشافعي في أبي حنيفة أو في مالك أو في.. ما يمكن لأن القصد في مثل هذا الكلام الحمية والعصبية لخفض أناس ورفع آخرين هذا لا يجوز بحال، لا يجوز أن تقول الإمام أحمد أعلم بعلل الحديث من علي بن المديني؛ لأن علي بن المديني لا يفهم شيئًا لأنك حنبلي مثلاً، هذه حمية وعصبية لا تجوز، وإن كان الواقع يشهد لأصل المسألة لكن لا يجوز بهذه الطريقة إذا كان على وجه الحمية والعصبية كما سيأتي فيما يتعلق بيونس بن متى عليه السلام.

وقال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}[البقرة:253]  فعُلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر أو على وجه الانتقاص بالمفضول وعلى هذا يُحمل أيضًا قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تفضلوا بين الأنبياء» إن كان ثابتًا فإن..

وهو في الصحيحين فالتشكيك بمثل هذا الأسلوب غير سائغ لأنه في الصحيحين.

فإن هذا قد روي في نفس حديث موسى وهو في البخاري وغيره لكن بعض الناس يقول إن فيه علّة بخلاف حديث موسى فإنه صحيح لا علة فيه باتفاقهم وقد.

«لا تفضلوا بين الأنبياء» والله جل وعلا يقول:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[البقرة:253] فالمنهي عنه التفضيل المصحوب بالانتقاص من المفضل عليه وإلا التفضيل ثابت بالقرآن، بعضهم يمنع التفضيل بين سور القرآن، يقول: لا يجوز كله كلام الله مع أنه جاء أعظم سورة في كتاب الله الفاتحة، وجاء فضل سورة الإخلاص، وجاء الفضل في بعض السور دون بعض، لكن إذا جال في خاطر المفضِّل أن السور المفضَّل عليها يعتريها شيء من النقص أو عدم الكمال أو شيء من هذا هذا لا يجوز بحال؛ لأنه كله كلام الله لكن إذا نظرنا إلى موضوعها فسورة الإخلاص موضوعها شيء ويتعلق بالله- جل وعلا- والسورة التي قبلها تتعلق بأبي لهب وكلها كلام الله- جل وعلا- كله صادر من الله- جل وعلا- فباعتبار الموضوعات تتفاضل وباعتبار أنها كلها كلام الله- جل وعلا- لا يفضَّل بينها.

وقد أجاب بعضهم بجواب آخر وهو أن قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تفضلوني على موسى» وقوله «لا تفضلوا بين الأنبياء» نهي عن التفضيل الخاص أي لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه بخلاف قوله أنا سيّد ولد آدم ولا فخر فإنه تفضيل عام فلا يمنع منه وهذا كما لو قيل فلان أفضل أهل البلد لا يصعب على أفرادهم بخلاف ما لو قيل لأحدهم فلان أفضل منك ثم إني رأيت..

نعم الكلام في الجماعة أخف منه في الكلام في الأفراد، أخف منه باعتبار هذا الفرد بعينه، الكلام في الجماعة وأنت واحد منهم لا شك أنك وأنت من مجموع الناس لو يقال كلام في أهل بلد عام، كلام إجمالي في أهل بلد كما يقال مثلاً عن البلدان المعروفة المتداول بين الناس، يوجد كلام في بعض البلدان وفي بعض القبائل، كلام إجمالي هذا أخف مما لو قيل فلان من هذه القبيلة فيه كذا، هذا من حيث وقْعه على الأشخاص أما من حيث أثره في العموم فلا شك أن قذف بلد أعظم من قذف شخص.

ثم إني رأيت الطحاوي رحمه الله قد أجاب بهذا الجواب في شرح معاني الآثار، وأما ما يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «لا تفضلوني على يونس» وأن بعض الشيوخ قال لا يُفسر لهم هذا الحديث حتى يعطى مالا جزيلاً.

طُلب منه أن يفسر هذا الحديث «لا تفضلوني على يونس» قيل له فسر هذا الحديث والسائل والمسئول كلاهما يعرف ما جاء في آية البقرة {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[البقرة:253]  وهو يعرف قوله -عليه الصلاة والسلام- «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وما جاء في يونس عليه السلام، قال ما أفسره إلا بجعل «لا تفضلوني على يونس» ثم ذهب إلى شيء بعيد جدًا جدًا عن المقصود وعن المراد، قال يونس وهو في بطن الحوت في قعر البحر ليس محمد أفضل منه، ثم عرج به إلى السماء السابعة بل إلى ما فوق ذلك، يقول لا فرق بيننا لا تفضلوني على هذا بهذا الأمر أنا في أعلى طبقات الجو وهو في قاع البحر يريد بذلك أن ينفي صفة العلو، والله المستعان.

فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقربه من الله ليلة المعراج وعدّوا هذا تفسيرًا عظيمًا.

لأنه تفسير بأمر خفي، وأما الأمور الظاهرة هذا الذي يمكن أن يمشي على عوامّ الناس وغوغائهم، وأما ما يستطيع أن يفسر بأمر ظاهر مع ما ثبت له -عليه الصلاة والسلام- وما ثبت ليونس عليه السلام لا بد أن يأتي بشيء يمشيه على غوغاء الناس ومع ذلك يخدم عقيدته بهذا الكلام.

وهذا يدل على جهلهم بكلام الله وبكلام رسوله لفظًا ومعنى فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب.. لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها وإنما اللفظ الذي في الصحيح لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى وفي رواية من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب وهذا اللفظ يدل على العموم أي لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى ليس فيه نهي المسلمين أن يفضلوا محمدًا على يونس..

يستصحب ما تقدم إذا كان التفضيل من أجل التنقص ومن أجل العصبية والحمية فيمنع.

وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم أي فاعلٌ ما يلام عليه وقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين}[الأنبياء:87]  فقد يقع في نفس بعض الناس أنه أكمل من يونس فلا يحتاج إلى هذا المقام إذ لا يفعل ما يلام عليه ومن ظن هذا فقد كذب بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين كما قال أول الأنبياء وآخرهم فأولهم آدم قد قال {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الأعراف:23] وآخرهم وأفضلهم وخاتِمهم وسيدهم محمد -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الصحيح حديث الاستفتاح من رواية علي بن أبي طالب وغيره بعد قوله «وجهت وجهي» إلى آخره «اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا لا يغفر الذنوب إلا أنت» إلى آخر الحديث.

وكل هذا من باب الاعتراف والانكسار بين يدي الله جل وعلا من هؤلاء المعصومين فكيف بمن دونهم، أبو بكر رضي الله عنه لما قال طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- دعاءً يدعو به في آخر صلاته فقال «قل رب إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا فاغفر لي..» إلى آخره ومع ذلك في كتب الرافضة القدح في أبي بكر بسبب هذا الدعاء هو اعترف على نفسه أنه ظلم نفسه والذي يظلم نفسه لا يمتنع أن يظلم الناس، فظلم وفعل وترك وأكل الإرث إرث النبي -عليه الصلاة والسلام- واغتصب الخلافة، لقوله رب إني ظلمت نفسي، أجل كل الأنبياء ظلمة أجل! الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول «ظلمت نفسي واعترفت بذنبي» عمر رضي الله عنه لما قال وددت أني كنت كبشًا سمنني أهلي فذبحوني وأكلوني، يقول ابن المطهر في منهاج الكرامة يسمونه ابن المنجس يقول أي فرق بين هذا وبين قول الكافر{يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ:40]  يعني مثل هذه السياقات ومثل هذه الظروف التي تحتف بهذه النصوص ما تراعى؟! أنبياء أفضل الأنبياء سادات الخلق يقولون هذا الكلام يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- «ظلمت نفسي» ظلم الناس إما أن يقولوا بهذا وإلا كلامهم باطل من أصله وهو الصحيح- نسأل الله العافية- مما يحسن ذكره في سياق هذا الكلام ما جاء في الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «نحن أحق بالشك من إبراهيم » يعني حينما قال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى}[البقرة:260] «نحن أحق بالشك من إبراهيم» هل هذا إثبات للشك لمحمد -عليه الصلاة والسلام-؟ أولاً إبراهيم لم يشك ولدفع أي خيال يطرؤ على بال أحد أن إبراهيم شك قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «نحن أحق بالشك من إبراهيم» إبراهيم لم يشك لكن من باب رفع ما يتوهم ويتوقع أن إبراهيم طلب إحياء الموتى ليرفع الشك الذي وقع في نفسه {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى}[البقرة:260] ولا شك أنه ليس الخبر كالمعاينة، الخبر اليقين الذي لا تردد فيه ولا يعتريه النقيض بأي وجه من الوجوه، ليس الخبر كالمعاينة من باب إلزام الناس بما رأى، يعني حينما يقول يقول: إن الله جل وعلا يحيي الموتى وهذا بطريق قطعي بلا شك ولا ريب، حينما يقول لقومه أنا رأيت من أجل إقناع الناس هل هذا يترتب عليه أنه شك؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يرفع أدنى احتمال لهذا التوقع قال «نحن أحق بالشك من إبراهيم ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» يقوله -عليه الصلاة والسلام- من الداعي؟ الذي ناداه رسول الملك الذي قال أمره بالخروج لأن السجن لا شك أنه إساءة في الجملة وإن كان قد يترتب عليه مصالح لكنه في الجملة مثل لقاء العدو لا يتمناه الإنسان لكن إذا حصل له يستغله فإذا لقيتموهم فاصبروا «ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» هل يعني هذا أن يوسف أفضل منه -عليه الصلاة والسلام- يوسف عليه السلام اتُّهم فلا يريد أن يخرج إلا ببراءة مثل الشمس، الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما قال هذا الكلام ما اتُّهم، وليس في هذا تفضيل ليوسف على النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يرفع شأن يوسف لأنه اتهم بهذه التهمة وبرأه الله منها، ويوسف أراد أن تزداد هذه البراءة بحيث لا يتردد أحد ولا يشك مخلوق فيما اتهم به «ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» الركن الشديد هو الله- جل وعلا- وإن كان قصده {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد}[هود:80]  يعني من قومه وعشيرته والله المستعان.

وكذا قال موسى عليه السلام {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}[القصص:16]  وأيضًا فيونس -صلى الله عليه وسلم- لما قيل فيه {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم:48]  فنهي نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه به وأُمر بالتشبه بأولي العزم حيث قيل له {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف:35] فقد يقول من يقول أنا خير منه وليس للأفضل أن يفخر على من دونه فكيف إذا لم يكن أفضل فإن الله لا يحب كل مختال فخور وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «أوحي إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» فالله تعالى نهى أن يُفخر على عموم المؤمنين فكيف على نبي كريم فلهذا قال «لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفخر على يونس.

ولو كان نبيًّا من الأنبياء لا ينبغي أن يقول إنه خير من يونس، وهنا مسألة يجب أن يتنبه لها  حتى إذا رأيت أنك أفضل من فلان من كل وجه ومن كل باب من أبواب الخير والعلم والفضل والدين إذا رأيت نفسك أنك خير منه فراجع نفسك {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:6-7] يعني رأى نفسه بهذه المنزلة أما كونه يكون غنيًّا يملك المليارات هذا ما فيه إشكال، لكن الإشكال في أن يرى نفسه أنه استغنى، وقل مثل هذا في العلم وهو أشد، وفي أبواب العبادة وأنواعها إذا زعم أنه أفضل من فلان أو أعلم من فلان في علم كذا من العلوم الموروثة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو في أبواب العبادات إذا رأى أنه قال أنا أصلي في اليوم كذا وكذا وفلان ما يصلي إلا نصف هذا المقدار أو دونه هذا يفتش عن قلبه وعن نفسه هذا فيه خلل، لكن لما يعمل وعمله يزداد كل يوم عن الذي قبله ونفسه تخضع وتنكسر يعرف أنه على الجادّة والله المستعان.

وقوله «من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب» فإنه لو قدر أنه كان أفضل فهذا الكلام يصير أنقص فيكون كاذبًا.

لعلها فبهذا الكلام يكون أنقص.

طالب: .............

لا، بهذا الكلام يصير أنقص أو ناقصًا فيكون كاذبًا ما هو هذا الكلام يكون أنقص، لعل القائل يكون بهذا الكلام أنقص، أنا عندي.. كل النسخ فهذا الكلام؟ والله أنا ما أدري لكن أقول أكتب عليه لعل المراد فبهذا الكلام إلا إذا كان جميع النسخ والمراد النقص يضاف إلى القائل ليس إلى الكلام.

فإنه لو قُدِّر أنه كان أفضل فبهذا الكلام يصير أنقص فيكون كاذبًا وهذا لا يقوله نبي كريم بل هو تقدير مطلق أي من قال هذا فهو كاذب وإن كان لا يقوله نبي كما قال تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك وإن كان -صلى الله عليه وسلم- معصومًا من الشرك لكن الوعد والوعيد لبيان مقادير الأعمال وإنما أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه سيد ولد آدم لأنا لا يمكننا أن نعلم ذلك إلا بخبره إذ لا نبي بعده يخبرنا بعظيم قدره عند الله كما أخبرنا هو بفضائل الأنبياء قبله صلى الله عليهم وسلم أجمعين ولهذا ولهذا أتبعه بقوله ولا فخر كما جاء في رواية.

إيه لم يقل أنا سيد ولد آدم من أجل أن يفتخر على الناس ويتكبر عليهم لا، إنما يخبر عن واقع حكم شرعي ينقله عن الله جل وعلا كغيره مما ينقله؛ لأنه لا ينطق عن الهوى وباعتبار هذا الكلام يتعلق به علق عليه -عليه الصلاة والسلام- بقوله «ولا فخر» يعني أبلغكم بمنزلتي عند الله لكن لا أفتخر بذلك على أحد في موقف من مواقف العز والانتصار أخرج من مكة إلى المدينة، أُخرج منها فرجع فاتحًا ماذا فعل يوم فتح مكة؟ تكبر على الناس؟! رأسه مطأطئ يعني يكاد يمس رحله -عليه الصلاة والسلام- من التواضع لله جل وعلا.

وهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر إن مقام الذي أسري به إلى ربه وهو مقرب معظم مكرم كمقام الذي ألقي في بطن الحوت وهو مليم وأين المعظَّم المقرَّب من الممتحن المؤدَّب فهذا في غاية التقريب وهذا في غاية التأديب.

ومثل هذا الكلام لا ينبغي أن يقال ابتداءًا وإنما يقال ردًّا على الذي طلب المال لشرح ما يتعلق بيونس عليه السلام «لا تفضلوني على يونس» طلب منهم مبلغا من المال ليفسر لهم فقال الكلام الباطل الذي بطلانه ظاهر فيُرد على الكلام ولا يُقصَد به النيل من يونس بن متى، إنما يقال من باب الرد على هذا المبتدع، أما ابتداء لو لم يقل ذاك ما قال هذا الكلام ما يصح لأنه يشم منه رائحة التعصب والحمية لكن المقصود به القائل الذي فسر الحديث لهم بالتفسير الباطل.

فانظر إلى هذا الاستدلال بهذا المعنى المحرَّف للفظ لم يقله الرسول وهل يقاوِم هذا الدليل على نفي علوِّ الله تعالى على خلقه.. وهل يقاوم هذا..

يعني لو استدل مستدل على نفي العلو بما قاله هذا الرجل هل يمكن أن يخطر على بال أحد أن الحديث سيق لنفي العلو؟ لا يمكن وإذا كانت الدلالات دلالة أصلية ودلالة تبعية أظن هذه لا ترقى أن تكون ولا تبعية لأن هذا فهم باطل من هذا المبتدع.

وهل يقاوم هذا الدليل على نفي علو الله تعالى على خلقه الأدلة الصحيحة الصريحة القطعية على علوِّ الله تعالى على خلقه التي تزيد على ألف دليل كما يأتي الإشارة إليها عند قول الشيخ رحمه الله محيط بكل شيء وفوقه إن شاء الله تعالى.

قوله: وحبيب رب العالمين.

ثبت له -صلى الله عليه وسلم- أعلى مراتب المحبة وهي الخلة كما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً» وقال «ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرحمن» والحديثان في الصحيح وهما يبطلان قول من قال الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد فإبراهيم خليل الله ومحمد حبيبه وفي الصحيح أيضًا «إني أبرأ إلى كل خليل من خلته» والمحبة قد ثبتت لغيره قال تعالى {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}[آل عمران:134]  وقال {فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين}[آل عمران:76]  وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين}[البقرة:222]  فبطل قول من خصّ الخلة بإبراهيم والمحبة بمحمد بل الخلة خاصة بهما والمحبة عامة وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي الذي فيه «إن إبراهيم خليل الله ألا وأنا حبيب الله ولا فخر» لم يثبت، والمحبة مراتب.

المقصود أن الخلة ثابتة لمحمد -عليه الصلاة والسلام- بالنصوص الصحيحة التي ساق المؤلف بعضها كما هي ثابتة لإبراهيم عليه السلام بالكتاب والسنة.

والمحبة مراتب أولها العلاقة وهي تعلق القلب بالمحبوب والثاني الإرادة وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له الثالث الصبابة..

المرتبة الثالثة.

أحسن الله إليك.

الثالثة الصبابة وهي انصباب القلب إليه بحيث لا يملكه صاحبه كانصباب الماء في الحدور الرابعة الغرام وهي الحب..

الصبابة منزلة عند أهل العشق وأهل الغرام وأهل الغزل منزلة رفيعة عندهم ومرتبة عندهم في باطلهم الذي يزعمونه حتى قال قائلهم:

ولو أن ما بي من جوى وصبابة

 

على جمل لم يدخل النار كافر

وش لون؟!

ولو أن ما بي من جوى وصبابة

 

على جمل لم يدخل النار كافر

طالب: .............

معناه إذا كانت على هذا الجمل فإنه سوف ينحل ويدق بحيث يدخل في سم الخياط الذي علق عليه عدم دخول الكفار الجنة {وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}[الأعراف:40] شوف المبالغة بيت ينسب لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها تقول:

صُبت علي مصائب لو مثلها

 

صبت على الأيام عُدْنَ ليالي

هذا إن صح عنها إن ثبت والا..

الرابعة الغرام وهي الحب اللازم للقلب ومنه الغريم لملازمته ومنه {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:65].

يعني ملازمًا لأهلها كملازمة الغريم لغريمه.

الخامسة المودة والوُد وهي صفو المحبة وخالصها ولُبّها قال تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم:96] السابعة الشغف وهي وصول المحبة إلى شغاف القلب السابعة..

طالب: .............

السادسة؟

أي نعم صحيح.

السابعة.

السابعة العشق وهو الحب المفرط الذي يُخاف على صاحبه منه ولكنه لا يُوصف به الرب تعالى ولا العبد في محبة ربه وإن كان قد أطلقه بعضهم.

هذا كثير في كلام الصوفية.

واختُلف في سبب المنع فقيل عدم التوقيف.

يعني لم يرد به نص.

وقيل غير ذلك ولعل امتناع إطلاقه أن العشق محبة مع شهوة الثامنة التتيم وهو بمعنى التعبد التاسعة التعبد العاشرة الخلة وهي المحبة التي تخللت روح المحب..

التعبد الذي هو في الأصل غاية الحب مع غاية الذل والتعظيم.

وعبادة الرحمن غاية حبه

 

مع ذل عابده ...............

هذه المنازل والمراتب من أراد أن يتوسع في معرفتها يرجع إلى كتاب لابن القيم اسمه روضة المحبين ونزهة المشتاقين.

وقيل في ترتيبها غير ذلك وهذا الترتيب تقريب حسن يعرف حسنه بالتأمل في معانيه واعلم أن وصف الله تعالى بالمحبة والخلة هو كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته كسائر صفاته تعالى وإنما يوصف الله تعالى من هذه الأنواع بالإرادة والود والمحبة والخلة حسبما ورد النص وقد اختُلف في تحديد المحبة على أقوال نحو ثلاثين قولاً ولا تحد المحبة بحد أوضح منها فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً وجفاءً وهو الأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تحديد كالماء والهواء والتراب والجوع والشبع ونحو ذلك.

الأمور الواضحة تعريفها وتحديدها لا شك أنه يزيدها خفاء ولذا تجدون أهل العلم من المتقدمين من سلف هذه الأمة وأئمتها لا يعنون بالحدود ولا التعاريف لأنهم يتعاملون بألفاظ معروفة، تعريف الصلاة يحتاج إلى تعريف الصلاة؟ تجد في الأم للشافعي أو المدونة تعريف الصلاة أو تعريف الزكاة أو تعريف أي عبادة من العبادات أو معاملة من المعاملات لكن ارجع إلى تعريف ابن عرفة للإجارة تشوف التعقيد كيف يصير يعني لو وُضع جائزة لأبرع شخص في تعقيد الكلام ما أخذها إلا ابن عرفة في تعريف الإجارة، مثل هذه الأمور الواضحة لا تحتاج إلى تعريف،وعرف الماء بعد الجهد بالماء ماذا يقول؟! هناك صحيح أن هناك أعاجم ما يفهمون الكلام العربي يوضح لهم بما يعرفونه بلغتهم أما العربي الذي يفهم ماهو الماء  ما الهواء ما الشبع ما الجوع هذا يحتاج إلى أن يعرف؟ هذا إشكال كبير ولاسيما أن التعاريف لها محترزات تُدخل وتُخرِج، والمعرِّف قد يغفل عن إدخال شيء أو إخراج شيء فيقع في حرج مع من يقرأ كلامه إما أن يلتزم به أو يخالفه.

قوله: وكل دعوة نبوة بعده فغيٌّ وهوى.

لما ثبت أنه...

قف على هذا يكفي.

 

أحسن الله إليك.

"