التعليق على الموافقات (1431) - 13

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد....

فيقول المؤلف –رحمه الله- في كتابه الموافقات:

"المسألة الثالثة: وذلك أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخًا، وعلى تخصيص العموم بدليلٍ متصلٍ أو منفصلٍ نسخًا، وعلى بيان المُبهم والمُجمل نسخًا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليلٍ شرعيٍّ متأخر نسخًا؛ لأن جميع ذلك مشتركٌ في معنىً واحد، وهو أن النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مرادٍ في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخرًا؛ فالأول غير معمول به، والثاني هو المعمول به".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في آخر المسألة السابقة أشار إلى الارتباط بين المسألتين، وذكر الرابط قال: "فإذا اجتمعت هذه الأمور، ونظرت إلى الأدلة من الكتاب والسُّنَّة لم يتخلص في يدك من منسوخها إلا ما هو نادر، على أن هاهنا معنىً يجب التنبه له؛ ليُفهم اصطلاح القوم في النسخ وهي: المسألة الثالثة". 

وقرر في المسألة السابقة أن النسخ في النصوص قليل، وهو في النصوص المكية أقل منه في النصوص المدنية على ما قرره في السابق، وأن النصوص المكية أشبه ما تكون بالقواعد، والنسخ فيها نادر، بل قد لا يكون فيها نسخ بقدر ما يكون في الأمثلة التي تندرج تحت هذه القواعد، والتفريعات إنما جاءت في التشريع المدني، وكثر فيها النسخ على نُدرة النسخ بمُجمله.

قد يقول قائل: إن هناك نُقولًا كثيرة جدًّا عن السلف في أن هذ ناسخ، وذاك منسوخ، أراد أن يُبين لك أن اصطلاح السلف في هذا الباب أوسع من اصطلاح المتأخرين، والنسخ في اصطلاح المتأخرين هو الرفع الكلي للحكم، بينما الاصطلاح عند سلف هذه الأمة وأئمتها من الصحابة ومن بعدهم يتوسعون في مُسماه فيُطلقونه على النسخ الجزئي أيضًا.

وكما أن النسخ عند المتأخرين والرفع للحكم بالكلية السلف يُطلقون النسخ على الرفع الجزئي من تقييد المطلق وتخصيص العام، وبيان المجمل وما أشبه هذه الاصطلاحات التي أشار إليها المؤلف قال: "ولذلك أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النَّسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في اصطلاح الأصوليين".

مثل ما ذكرنا أنه في اصطلاح الأصوليين خاص بالرفع الكلي للحكم، بينما هو في اصطلاح المتقدمين يُطلقونه على الرفع الكلي، لكنهم يُعممونه بحيث يشمل الرفع الجزئي من التخصيص، والتقييد، والبيان وما أشبه ذلك.  

"وهذا المعنى جارٍ في تقييد المطلق، فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده، فلا إعمال له في إطلاقه، بل المُعمل هو المقيد، فكأن المطلق لم يُفد مع مقيده شيئًا، فصار مثل الناسخ والمنسوخ".

نعم إذا جاء في الكفارة عتق رقبة مطلقة، هل يستطيع المكلَّف أن يمتثل هذا الأمر من غير بيانٍ لوصف هذه الرقبة؟ أو يُقال له: اعمل بالإطلاق، فاعتق أي رقبة تُجزئك حتى يرد المقيد، إذا جاء المقيد فالمطلق لا يُعمل به بجميع صوره، بمعنى أنه لا يُعمل بجميع الأوصاف التي يتناولها الإطلاق، إنما يُعمل ببعض هذه الأوصاف وما بيَّنه النص المُقيِّد، وقُل مثل هذا في الخاص مع العام. 

"وكذلك العام مع الخاص، إذ كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ، فلمَّا جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار، فأشبه الناسخ والمنسوخ، إلا أن اللفظ العام لم يُهمل مدلوله جُملة، وإنما أُهمل منه ما دل عليه الخاص، وبقي السائر على الحكم الأول، والمُبيَّن مع المُبهم كالمقيد مع المطلق، فلمَّا كان كذلك، استهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني؛ لرجوعها إلى شيءٍ واحد".

وهو الرفع وإن لم يكن كليًّا، وإنما هو رفعٌ جزئي لبعض ما يتناوله اللفظ العام والخاص والمطلق في بابه.

"ولا بُد من أمثلةٍ تُبين المراد: فقد روي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18] إنه ناسخٌ لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشورى:20].

وعلى هذا التحقيق تقييدٌ لمطلق، إذ كان قوله: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشورى:20] مطلقًا، ومعناه مقيدٌ بالمشيئة، وهو قوله في الآيةالأخرى: {لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18] وإلا فهو إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ".

يعني هذا مُقيد بإرادة الله ومشيئته، لكن هل يُمكن أن نُعمِل مثل هذا الكلام في قوله –جلًّ وعلا- بالنسبة للسعداء والأشقياء، السعداء من أهل الجنة خالدين فيها إلا ما شاء ربك، وأهل النار خالدين فيها إلا ما شاء ربك، يعني تقييده بالمشيئة، هل يُمكن أن نُعمل المشيئة في آيتي هود مثل ما أعملناها هنا؟

طالب: لا.

لا يُمكن؛ لأن النصوص دلت على أن ذكر المشيئة هناك يختلف عن ذكر المشيئة هنا.

"وقال في قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون} إلى قوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُون} [الشعراء:224-226]: هو منسوخٌ بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء:227] الآية".

الاستثناء من المخصصات، وهذا من الخاص بعد العام، ويندرج في إطلاق المتقدمين اسم النسخ عليه.

قال مكي: وقد ذُكِر عن ابن عباس في أشياء كثيرة في القرآن فيها حرف الاستثناء، أنه قال: منسوخ".

مكي بن أبي طالب القيسي له كُتب تتعلق بالقرآن منها: (الإيضاح للناسخ والمنسوخ لناسخ القرآن ومنسوخه) وهو مطبوع قديمًا بالهند، ثم طبعته جامعة الإمام مُحققًا، وهو من المتقدمين.

"قال: وهو مجازٌ لا حقيقة؛ لأن المستثنى مرتبطٌ بالمستثنى منه، بيَّنه حرف الاستثناء أنه في بعض الأعيان الذين عمهم اللفظ الأول، والناسخ منفصلٌ من المنسوخ رافعٌ لحكمه، وهو بغير حرف".

يقصد الناسخ الاصطلاحي، النسخ الاصطلاحي لا بُدأان يكون الناسخ متراخيًا عن المنسوخ، وهنا متصلٌ به وهو الاستثناء، فهذا فرق، لكنه جارٍ على اصطلاح المتأخرين، أما المتقدمون فيُدخلون التخصيص في النسخ.

"هذا ما قال، ومعنى ذلك أنه تخصيصٌ للعموم قبله، ولكنه أُطلق عليه لفظ النسخ، إذ لم يعتبر فيه الاصطلاح الخاص".

مثل ما قلنا: إنه يشمله لفظ النسخ؛ لأنه يجمعه مع النسخ الرفع، فالنسخ فيه رفع، والتخصيص فيه رفع، والتقييد فيه رفع، لكن النسخ رفع كلي، والتخصيص والتقييد رفع جزئي.

"وقال في قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27]: إنه منسوخ بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَة} [النور:29]".

{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا} [النور:27] نكرة في سياق النهي، فتشمل جميع البيوت، سواءً كانت مسكونة أو غير مسكونة.

جاء النسخ جاء أو شاء التخصيص بكونها غير مسكونة، فالبيوت غير المسكونة استُثنيت من عموم ما ورد في الآية الأولى النكرة في سياق النهي، أُخرج منها البيوت المسكونة. 

"وليس من الناسخ والمنسوخ في شيء غير أن قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النور:29] يُثبت أن البيوت في الآية الأخرى إنما يُراد بها المسكونة".

لأن النهي يُثبت الجُناح، يُثبت الحرج، ونفي الحرج يرفع حكم النهي.

وقال في قوله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة:41]: إنه منسوخ بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة} [التوبة:122] والآيتان في معنيين، ولكنه نبَّه على أن الحكم بعد غزوة تبوك أن لا يجب النفير على الجميع".

في الآية الأولى المراد بالنفير {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة:41] للجهاد، والآية الثانية لطلب العلم.

في معنيين، فهل يُقال: إن هذه الآية لها ارتباط في رفع الجزئي للحكم الأول؟

طالب: لا.

{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة:41] يشمل الجميع، والثاني {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة فَلَوْلاَ نَفَرَ} [التوبة:122] إلى آخره، هذا في طلب العلم؛ ليتفقهوا في الدِّين، والأولى في الجهاد، فلا ارتباط لهذه الآية بتلك إلا أن طلب العلم نوعٌ من الجهاد.

 مطلوبٌ من كل من يصلح للامتثال، امتثال طلب العلم والنُّفرة فيه أن ينفر، لكن ليس على سبيل العموم؛ لأنه من فروض الكفايات.

الجهاد أيضًا {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة:41] هل يُمكن أن هذا الأمر يتجه للجميع بحيث يُترَك البلد المنفور منه خلوًا لقمة سائغة لمن أراده، أو يُترك فيه من يُدافع عنه؟ والتخصيص حينئذٍ يكون بالآية الأخرى أو بمخصصٍ آخر من المخصصات؟

طالب: آخر.

مخصص آخر.

      

"وقال في قوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} [الأنفال:1]: منسوخ بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه} [الأنفال:41] الآية، وإنما ذلك بيانٌ لمبهم في قوله: {لِلَّهِ وَالرَّسُول} [الأنفال:1]".

مقتضى {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} [الأنفال:1] أن جميع الأنفال لله والرسول، الآية الثانية: الذي لله: فأن لله خُمسه وليس جميعه.

"وقال في قوله: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْء} [الأنعام:69]: إنه منسوخ بقوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا} [النساء:140] الآية، وآية الأنعام خبر من الأخبار، والأخبار لا تَنسخ ولا تُنسخ".

وإن قال ابن عباس أو غير ابن عباس من المتقدمين: إن هذا نسخ، على المعنى الذي بيَّناه سابقًا.

"وقال في قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء:8] الآية: إنه منسوخٌ بآية المواريث".

{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين} [النساء:8] يعني من غير الوارثين، وأما الوارثون فنُسخ حكمهم بآيات المواريث.

"وقال مثله الضَّحاك، والسُّدي، وعكرمة. وقال الحسن: منسوخٌ بالزكاة.

وقال ابن المسيب: نسخه الميراث والوصية.

والجمع بين الآيتين ممكن؛ لاحتمال حمل الآية على النَّدب، والمراد بأولي القربى من لا يرث، بدليل قوله: {وَإِذَا حَضَرَ} [النساء:8] فقيَّد كما ترى الرزق بالحضور، فدل أن المراد غير الوارثين".

لأن الوارث يأخذ نصيبه حضر أو لم يحضر، الوارث نصيبه مفروض حضر أو لم يحضر، نعم.

"وبيَّن الحسن أن المراد الندب أيضًا بدليل آية الوصية والميراث، فهو من بيان المُجمل والمُبهم.

وقال هو وابن مسعود في قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:284]: إنه منسوخٌ بقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] مع أن الأخبار لا تُنسخ، وإنما المراد -والله أعلم-:  ما انطوت عليه النفوس من الأمور الكسبية التي هي في وسع الإنسان، وبيَّن ذلك قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] بدليل أن ابن عباس فسَّر الآية بكتمان الشهادة، إذ تقدم قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة:283] ثم قال: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284] الآية؛ فحصل أن ذلك من باب تخصيص العموم، أو بيان المُجمل".

يعني مثل ما قلنا في درسٍ سبق: { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء:15] جاء في حديث عُبادة «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، اَلْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّاني جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» من أهل العلم من يقول: إن هذا ناسخ للآية، حكم الآية الحبس في البيوت، وحديث عُبادة بيَّن الحكم النهائي، وهو الجلد مع النفي أو الجلد مع الرجم، نُسخ الحبس في البيوت، وبهذا يقول من يرى نسخ القطعي بالظني أو المتواتر بالآحاد، والذي لا يراه يقول: إن هذا من باب البيان لا من باب النَّسخ، حكم الآية موقوت بوقت مجدد جاء بيانه في الحديث.

ومثل ما قلنا سابقًا: في بعض الأحكام التي تُترك أحكام مُحكمة في الشريعة مات النبي –عليه الصلاة والسلام- وهي مُحكمة ولم ينزل فيها ناسخ إلا أنها مؤقتة بوقت إلى نزول المسيح من رفض الجزية، وقتل الخنزير، وكسر الصليب وما أشبه ذلك، ولا يقبل إقرار أي دين غير دين الإسلام، لا يقبل من اليهودي أن يبقى ولا بجزية، ولا يقبل من نصراني أن يبقى على نصرانيته ولو دفع الجزية.

فهل نقول: إن مثل هذا نسخ؟ هو بيان؛ لأن الحكم الأول مؤقت بوقت.

وقال في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]: إنه منسوخٌ بقوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور:60] الآية، وليس بنسخ، إنما هو تخصيصٌ لِما تقدم من العموم.

وعن أبي الدرداء، وعبادة بن الصامت في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] أنه ناسخٌ لقوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] فإن كان المراد أن طعام أهل الكتاب حلالٌ وإن لم يُذكر اسم الله عليه، فهو تخصيصٌ للعموم، وإن كان المراد أن طعامهم حلالٌ بشرط التسمية، فهو أيضًا من باب التخصيص، لكن آية الأنعام هي آية العموم المخصوص في الوجه الأول، وفي الثاني بالعكس".

لكن أيهما نزل أولاً المائدة أم الأنعام؟ الأنعام قطعًا؛ لأن المائدة نزلت من آخر ما نزل، فهل يُخص العام مطلقًا ولو كان نزول الخاص متقدمًا أو العام متقدمًا؟ إذا نزل العام متقدمًا، ونزل الخاص بعده فهذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان نزول الخاص متقدمًا على العام، وعرفنا أن التخصيص رفع جزئي، فلا يُمكن أن يُقال: إن الناسخ نزل قبل المنسوخ، فإذا أجرينا حكم النسخ، وأن المتأخر هو الذي ينسخ المتقدم ولا عكس، قلنا: إن الخاص هو الذي يتأخر عن العام، وقُل مثل هذا في التقييد، وبهذا قال جمعٌ من أهل العلم، وإن كان من أهل العلم من لا يرى مثل هذا؛ لأنه ليس برفعٍ حكمي يتطلب أن يُعرف التاريخ من المتقدم والمتأخر، هو نوعٌ من الجمع والتوفيق بين النصوص.

طالب: لو كان المتأخر هو العام، وجزمنا بأن المتأخر هو العام؟

نعم هذا الكلام مثل ما قلنا.

طالب: هل إذا كان رفعًا جزئيًّا هو الخاص أصلًا جزئي، فكأن رفع الخاص كله ماشٍ؟

هذا الذي قلناه، قلنا: إذا كانت المعاملة للتخصيص والتقييد مثل معاملة الناسخ مع المنسوخ، قلنا: إن المتقدم لا ينسخ المتأخر مثل النسخ.

طيب عندنا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] إلى آخر الآية، هذه الآية من آخر ما نزل، هل نقول: إنها ناسخة لأحكام القصاص مما يُعارضها من النصوص؛ لأن بعضهم يقول: باعتبار أنها آخر ما نزل هي المُحكمة، وما قبلها يكون منسوخًا، لكن نزول السورة أو الآية متأخرًا كسورة المائدة، هل يعني أنها متأخرة أن الآية أو الحكم متأخر في الوجود؟

طالب: ما يلزم.

لأن الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة:45] في ماذا؟ في التوراة، فهل نقول: إن هذا متأخر باعتبار تأخر النزول، أو متقدم باعتبار تقدم تقرير الحكم؟ ماذا نقول؟ أيهما الناسخ من المنسوخ؟ مثل ما عندنا في الآيتين، من المتفق عليه أن سورة المائدة متأخرة عن جميع السُّور التي فيها إشارة للقصاص كالبقرة مثلاً، والمتأخر ينسخ المتقدم، لكن هل ننظر في هذه المسألة ونظائرها إلى وقت النزول أو إلى وقت تقرير الحكم؛ لأن الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة:45] في التوراة، فالحكم متقدم، والنزول متأخر، فهل نقول: إننا نُعمل قواعدنا على أدلتنا بحسب شرعنا ونزوله علينا أو نقول: ننظر إلى الواقع؟

طالب:........

خبرٌ عن حكمٍ قديم {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة:45] يعني في التوراة، فالحكم متقدم، وما يُعارضه ولو كان مكيًّا متأخرًا، ولو كانت المائدة من آخر ما نزل، أو نقول: إننا نتعامل ما نصوص على مقتضى شريعتنا ونزوله علينا بغض النظر عن شرائع من قبلنا.

طالب:........

نعم.

طالب:........

الآن تفترض أننا نحتاج إلى جمع بين هذه الآية ومثل هذه الأحكام قبل نزول المائدة، ماذا عن الحكم قبل نزول المائدة؟

طالب: الحكم موجود.

الحكم موجود بالأدلة الأخرى، نزلت المائدة، فهل ترتفع هذه الأحكام المخالفة المعارضة، ونقول: إنها نُسخت بآية المائدة ونبقى على ما كنا عليه، ونقول: هذا شرع من قبلنا ولا لنا دخل به؛ لأنه كتبه عليهم؟

طالب:........

يكون المعوَّل على شرعنا لا على شرع من قبلنا عند التعارض، وعلى هذا هذه الآية التي تُذكر كثيرًا في هذا المجال، ورُتِب عليها أحكام، هو معمولٌ بها في شرعنا، لكن حينما تُخالف الآيات الأخرى نقول: إن هذا شرع من قبلنا، فنعمل بجزءٍ منها، ونترك الجزء؟ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45] من أين أخذنا الحكم، القصاص في العين، والسِّن، والأذن؟ من هذه الآية، هذا ما فيه تعارض مع شرعنا، فهو شرعٌ لنا، لكن إذا وجِد تعارض {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] حُر بعبد، نفس بنفس، نعمل بهذا أم ما نعمل؟

طالب:........

لماذا؟ لأن شرعنا جاء بخلافه.

"وقال عطاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال:16]: إنه منسوخٌ بقوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:65] إلى آخر الآيتين، وإنما هو تخصيصٌ، وبيان لقوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ} [الأنفال:16]  فكأنه على معنى: ومن يولهم وكانوا مثلي عدد المؤمنين، فلا تعارض ولا نسخ بالإطلاق الأخير.

وقال في قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]: إنه منسوخٌ بالنهي عن نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها، وهذا من باب تخصيص العموم.

وقال وهب بن منبه في قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى:5]: نسختها الآية التي في غافر: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7].

وهذا معناه: أن آية غافر مُبينة لآية الشورى، إذ هو خبرٌ محض، والأخبار لا نسخ فيها.

وقال ابن النحاس: هذا لا يقع فيه ناسخٌ ولا منسوخ؛ لأنه خبرٌ من الله".

هذه الأمثلة والأمثلة التي بعدها كلها يُقرر فيها المؤلف أن الاصطلاح في النسخ عند المتقدمين يختلف معناه مما اعتمده المتأخرون، وهذا كثير في المصطلحات، هذا كثير في المصطلحات في أكثر العلوم، بل في جميع العلوم تجد اصطلاح المتأخرين جرى على شيء، والمتقدمون على خلافه، فهل نقول: إن مثل هذا المتأخرون عالة على المتقدمين، وما جاء من قواعد المتأخرين مُخالف لقواعد المتقدمين يجب نقضه، أو نقول: يُفهم من الاصطلاح الأول، والاصطلاح الثاني ونتعامل مع النصوص على حسب هذه الاصطلاحات، ونُنزِل كلام كل شخصٍ على اصطلاحه.

يعني الإمام أحمد له اصطلاح في بعض القضايا الحديثية، والإمام يحيى بن معين له اصطلاح يختلف عن اصطلاح الإمام أحمد، وعلي بن المديني كذلك، وللمتأخرين اصطلاحات متقررة كما في هذا الباب.

استقر اصطلاحهم في القضايا الاصطلاحية قد يُخالفون فيها اصطلاح المتقدمين، هل نقول: إن اصطلاح المتأخرين مردود؟ لو قلنا بهذا لنقضنا العلوم التي استقر عليها الاصطلاح في جميع العلوم، قلنا: تُلغى كل الاصطلاحات في علوم القرآن، وفي أصول الفقه، وفي علوم الحديث وغيرها، العبرة بالمتقدمين.

طيب العبرة بالمتقدمين هذا يرى نسخًا وذاك ما يرى نسخًا، كيف تتعامل مع النصوص؟ هذا يرى علة، وهذا ما يرى علة في الحديث، وهذا يُطلق هذا اللفظ على كذا، وهذا يُطلق اللفظ على كذا.

قواعد المتأخرين منضبطة، لكنها ليست دساتير لا يُحاد عنها، يُمكن أن تُجرى قواعد المتأخرين، ويُنظر في كلام المتقدمين، ويُوفَّق بين هذا وهذا.

الكراهة في كلام المتقدمين، هل هي الكراهة في كلام المتأخرين؟

الوجوب عند المتقدمين هل هو الوجوب عند المتأخرين؟ يختلف هذا وهذا.

عظائم الأمور التي ذُكِرت في آيات الإسراء، ثم ختمها الرَّب –جلَّ وعلا- بقوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] هل نستطيع أن نقول: هذه لا إثم في ارتكباها؛ لأن المكروه لا إثم فيه، أو نُلغي اصطلاح المتأخرين ونقول: المكروه يأثم فاعله؟

على كل حال طالب العلم عليه أن يستوعب هذه الأمور، ويتعامل مع النصوص على هذا الأساس، ويُنزِّل كلام كل عالمٍ على اصطلاحه.

يعني لو تنظر في أقوال الأئمة في الرجال قال يحيى بن معين: فيه نظر، قال الإمام البخاري: فيه نظر، هل هذا الاصطلاح مثل الاصطلاح؟ بينهما بون شاسع هي عند يحيى بن معين تجريحٌ خفيف، وعند الإمام البخاري من أسوء ألفاظ التجريح، فأنت إذا عرفت هذه الاصطلاحات عرفت كيف تتعامل مع أقوال الأئمة، ولو جرت الاصطلاحات من غير اختلاف صار نسبة العلماء في الأمة كبيرةٌ جدًّا، صار العلم سهلًا، تضبط هذه الألفاظ وتنتهي، وتُجري على القواعد وخلاص ما فيها إشكال.

ونظير ذلك اصطلاحات المذاهب، المذاهب أيضًا تختلف اصطلاحاتها من مذهبٍ إلى آخر، فلا تُقرر اصطلاحات الحنابلة على كُتب الحنفية أو العكس، فتُعامل كل مذهب على اصطلاحه وعلى قواعده المقررة عند أهله، وإلا لو طبقت هذا على غيره، وطبقت ذاك على الثاني ما أدركت شيئًا يضيع عمرك من غير فائدة، ولا سلكت الطريق الذي يسلكه أهل العلم، ولا تصل إلى نتيجة.

"وقال ابن النحاس: هذا لا يقع فيه ناسخٌ ولا منسوخ؛ لأنه خبرٌ من الله، ولكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية على نُسخة تلك الآية، لا فرق بينهما، يعني: أنهما بمعنىً واحد، وإحداهما تُبين الأخرى.

قال: وكذا يجب أن يُتأوَّل للعلماء، ولا يُتأوَّل عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لِما قالوه وجه".

نعم هل يُمكن أن يأتي شخص إلى مثل كلام ابن عباس في الآيات السابقة، ويقول: أخطأ ابن عباس؛ لأن الآية مُفادها خبر، والخبر لا ينسخ ولا يُنسخ، أو يقول: أخطأ؛ لأن هذا ليس من باب النسخ، وإنما هو من باب التخصيص؟ اعرف الاصطلاح، وتعامل مع أقوال الأئمة على ضوء هذا الاصطلاح مثل ما تتعامل مع أقوالهم في مسائل الفروع، تقول: أنا والله ودي أحفظ متنًا، هذا المتن مثل: (زاد المستقنع) فيه بضع وثلاثون مسألة خالفت المذهب، هل أبدأ بهذه المسائل وأشطبها بالقلم، وأضع جُملًا موافقة للمذهب مُخالفة لِما في الكتاب؟

أو تأتي إلى كتاب (بلوغ المرام) مثلاً، وتقول: هذا حديث ضعيف، وأنا وجدت حديثًا صحيحًا بمسح هذا الحديث وأضع مكانه الحديث الصحيح أو لفظة أوردها الحافظ ابن حجر فيها كلام مثل ما أورد من الإثم لو يعلم المار ما عليه من الإثم أوردها في (البلوغ)، وهو قد انتقد صاحب العمدة في إيرادها، هل نقول: مادام انتقدها ابن حجر نمسحها وانتهى الإشكال؟ احفظ الكتاب بفصه، بحروفه، واعرف هذه المخالفات، أما أن تتصرف في كلام أهل العلم وتقول: أخطأ وكذا وبغير ما يصلح هذا، ما يمكن، ولا تستطيع أن تقول: أخطأ ابن عباس أو ابن مسعود قال: نسخ، وهو في الحقيقة ليس بنسخ، تُجري عليهم قواعد المتأخرين، هذا الكلام ما هو بصحيح.

فأنت احفظ الشيء كما هو، اللهم إلا أن يكون خطأً في آية، فالقرآن محفوظ، ونجزم بأن من ألَّف، ومن نسخ، ومن طبع أخطأ في هذه الآية، فيجب تصحيحها، أما في غير كلام الله –جلَّ وعلا- تحفظه كما هو، وتعرف الصواب من الخطأ.

تحفظ عمدة الفقه مثلاً، وفيها مسائل مرجوحة، احفظ الراجح والمرجوح، اجعل في ذهنك وعلى بالك هذه المسائل المرجوحة، تقول: قال صاحب العمدة كذا، والصواب كذا، أما أن تسطو على كتب الأئمة، وأقوال الأئمة، وتُعدِّل وتُصحح، قد يمر عليك وقت ثم يتبين لك أن ما صححته هو الصواب، وكثيرًا ما يمر بنا في التحقيقات في الكتب من كبار يذكرون الفروق، ثم يقول: في نسختي كذا وكذا، والصواب ما أثبته، لكن إذا أعدت النظر فيه مرارًا وجدت أن الصواب ما كان في الحاشية، وليس ما أثبته.

وقد يُقرر هذا المُحقق نفسه، يتبين فيما بعد؛ ولذلك الهجوم على كلام الأئمة، وكلام أهل العلم وكلام المؤلفين، والتصحيح لكتبهم هذا جريمة في باب التحقيق، بعضهم يجرؤ ويُعدِّل، بعضهم يجرؤ ويمسح ويُلغي، بعضهم ينقل من كتاب ثانٍ يقول: هذا الكلام هو الصواب، وبعضهم يُكمل كتابًا من كتاب، لو تُرِك المجال لهؤلاء صار العبث، وقد فعل هذا بعض من يُعاني التحقيق صار عبثًا في كلام أهل العلم.

على كل حال التطاول على كلام أهل العلم، والجرأة عليهم لا شك أنه أفسد وأدخل في الباب من ليس من أهل التحقيق يزعمون أنهم محققون، فيُذكر الكلام كما هو.

ولعلماء الحديث كلام في تصحيح الرواية إذا كان الخطأ لا يحتمل الصواب، وإذا كان يحتمل الصواب فله حكم، وإذا كان لا يحتمل الصواب فالمسألة خلافية، بعضهم يقول: ترويه على الخطأ، ترويه كما رويته عن شيخك، وتقرأه كما هو في كتاب شيخك، ثم بعد ذلك تقول: لعل الصواب كذا.

لأنه قد يبين لك في يوم من الأيام ما يُضحكك على نفسك، هذا موجود، يعني من المحققين من الكبار في فنٍ من الفنون حقق (إعلام الموقعين) فوجد مسألة التورُّق عنوانًا في (إعلام الموقعين) وعلق عليها – وهو من الذين يُشار إليهم بالبنان في التحقيق- لكن ليس هذا فنه، قال: كذا في جميع الأصول، ولا أعرف لها معنى، فلعلها تصحيفٌ من النُّساخ، هذا كلامه.

جاء الذي بعده وحقق الكتاب، ومن ملاحظاته على التحقيق الأول هذه المسألة، فقال: المحقق فلان، قال: مسألة التورق لا أعرف لها معنى، فلعلها تحريفٌ من النُّساخ، وبعد بحثٍ طويل في كلام ابن القيم وشيخه ابن تيمية عرفت أنها مسألةٌ ربويةٌ مُحرَّمة، يعني ما ذكر ولا صورتها ولا شيئًا مع أن ابن القيم يُحرمها أم يُبيحها؟ يُبيحها، وشيخ الإسلام يُحرِّمها، وابن القيم راجع شيخه مرارًا؛ من أجل أن يرجع فلم يرجع، يعني قاده طول البحث إلى هذا الكلام، هذان من أهل التحقيق بالفعل، لكن ما هو بهذا فنهم.

دعونا مما ذكر أو مر في الكتاب آية، حديث قدسي وعلق عليه أنه لم يجد هذه الآية في المصحف الشريف، أو أمور يعني يُخطئ في عنوان الكتاب، العنوان يُكتب خطأً؟! هذا تحقيق ذاك؟! جزء القراءة خلف الصلاة للبخاري، خلف الإمام يقول: خلف الصلاة، يعني مثل هذا يُسمى تحقيقًا؟

ومن المضحك في باب التحقيق أنهم طبعوا كتابًا في مجلدين قالوا: تحقيق وتعليق فلان، أنظر في المجلدين ولا كلمة في الحاشية، تحقيق وتعليق والله ما وجدت شيئًا، قلت: أنظر في الخطأ والصواب لعلهم اعتذروا، لعلهم كذا، وإذا بهم ذكروا صفحة الغلاف في باب الخطأ تحقيق وتعليق الصواب تحقيق وشرح، يعني مثل هذه الأمور استغفال، استغفال للناس هذه، تجعل طالب العلم يتحرى في اقتناء الكتب؛ لأن مثل هذا تحريف.

وبعض الكتب كَتب ضبط وتحقيق، وجاء واحد من طلاب العلم الذي لهم دراية وعناية، ونظر في الكتاب فإذا به بالفعل كتب بدلها مسخ وتحريف بدل ضبط وتحقيق؛ لأنه ما يعرف أن يقرأ الأصل فيُصور الكلمة كما هي، يُصورها بخطه.

المقصود أن هذا الكلام يطول، ومثل ما قلنا: التطاول على كلام أهل العلم، ومحاسبتهم على ضوء قواعد المتأخرين وهم من المتقدمين هذا لا شك أنه يوقع في خطأٍ كبير.

قال: والدليل على ما قلناه ما حدثناه أحمد بن محمد، ثم أسند عن قتادة في قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى:5] قال: للمؤمنين منهم.

وعن عراك بن مالك، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب أن قوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34] الآية".

لأن الله –جلَّ وعلا- قال في سورة غافر: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7] وعلى هذا هم لا يستغفرون لجميع من في الأرض كما في آية الشورى.

"منسوخٌ بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] وإنما هو بيانٌ لما يسمى كنزًا، وأن المال إذا أُديت زكاته لا يسمى كنزًا".

ولو دُفِن تحت الأرض، والمال الذي لا تؤدى زكاته كنزٌ ولو كان على ظهر الأرض.

"وبقي ما لم يزكَّ داخلاً تحت التسمية، فليس من النسخ في شيء.

وقال قتادة في قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102]: إنه منسوخٌ بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقاله الربيع بن أنس، والسُّدي وابن زيد، وهذا من الطراز المذكور؛ لأن الآيتين مدنيتان، ولم تنزلا إلا بعد تقرير أن الدِّين لا حرج فيه، وأن التكليف بما لا يستطاع مرفوع، فصار معنى قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102]: فيما استطعتم وهو معنى قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فإنما أرادوا بالنسخ أن إطلاق سورة آل عمران مُقيدٌ بسورة التغابن".

خلاص قف على هذا

اللهم صلِّ على محمد.

يقول: سمعت بالأمس على إحدى القنوات شيعيًّا يُباهل أحد أهل السُّنَّة، فقال الشيعي: اللهم اطرده -يعني نفسه- من رحمتك إن لم يكن أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعائشة في النار -عليه من الله ما يستحق- قال السُّني: اللهم اطردني من رحمتك إن لم يكونوا في الجنة.

نحن نقطع ونجزم بأنهم من أهل الجنة، ولا عندنا في ذلك، ونحلف عليه، نحلف عليه؛ لأنها جاءت به النصوص القطعية من الكتاب والسُّنَّة قطعية الدلالة من السُّنَّة، وقطعية الثبوت من الكتاب.

وعلى كل حال لا يتردد مسلم سُني يتدين بدين الله المبني على الكتاب والسُّنَّة أن يقول مثل هذا الكلام، لكن مسألة الدعاء على النفس بمثل هذا فيه ما فيه، إلا أنه من باب المباهلة؛ لئلا يُظن الانقطاع مادام ذكره المبتدع، فإذا توقف السُّني ظُنَّ أنه انقطع، وأن أهل السُّنَّة عندهم فيه شكٍّ من هذا، فهو مُلجأ لمثل هذ الكلام، ويُرجى من الله –جلَّ وعلا- أن يُكافئه على مثل هذا. 

طالب:........

هم قالوا: لا يعيش أكثر من سنة، ذكره المفسرون في سورة آل عمران أنه لا يعيش أكثر من سنة، وذكروا فيه آثارًا، ذكروا فيه آثارًا من باب الاستقراء.