شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (251)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامج شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أنس في حديث معاذ رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، توقفنا في الحلقة الماضية عند قوله: «إلا حرمه الله على النار».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقد ذكرنا في آخر الحلقة السابقة الإشكال الناشئ عن قوله: «إلا حرمه الله على النار» مع القطع والجزم بأن بعض عصاة الموحدين...

المقدم: يعذبون.

يدخلون النار، وهم في الأصل تحت المشيئة، منهم من يعذب، ومنهم من يغفر الله له، ذكرنا بعض الأجوبة فيما تقدم، ولا مانع من إعادة الإشكال من أوله باختصار يقول: ظاهر الخبر يقتضي، يقول ابن حجر: ظاهر الخبر يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار؛ لما فيه من التعميم والتأكيد، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنَّة والجماعة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون، ثم يخرجون من النار بالشفاعة، فعلم أن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة قال: ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به، وقد أجاب العلماء عن الإشكال بأجوبة، بأجوبة أخرى، يعني الجواب الأول ظاهره غير مراد، ظاهره غير مراد، فكأنه مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة، يعني يشهد الشهادتين صدقًا، ويعمل الأعمال الصالحة {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3]، وأجاب العلماء عن الإشكال بأجوبة أخرى منها أن المطلق هنا مقيد من قالها تائبًا ثم مات على ذلك؛ لأن التوبة تهدم ما كان قبلها، ومثله من أسلم وشهد الشهادتين صدقًا...

المقدم: ثم مات.

من قلبه ثم مات، ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض، وهذا منسوب لجمع من التابعين كما تقدم، قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض؛ وكذلك ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد الحسن، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة، وقال العيني: في هذا النظر نظر، وابن حجر قال: وفيه نظر.

المقدم: قال: في هذا النظر نظر.

يعني قال: وفي التنظير نظر قال: في هذا النظر نظر؛ لأنه يحتمل أن يكون ما رواه أبو هريرة وأبو موسى عن أنس كلاهما روياهُ عنه قبل نزول أكثر الفرائض، ووقع روايته من بعد نزول أكثر الفرائض انتهى، يعني يكون مما رواه أبو هريرة وأبو موسى بواسطة.

المقدم: صحابي عن صحابي.

بواسطة أنس قبل نزول الفرائض، يعني لما أسلم أنس سمعه من أنس، قال ابن حجر في الانتقاض: قال ابن حجر في الانتقاض: كذا رأيت بخط من قرأ على هذا المعترض، كذا رأيت بخط من قرأ على هذا المعترض وصحح له نسخته، وهو تركيب قلِق، وكأنه أراد احتمال أن يكون أبو هريرة وأبو موسى تحملا ذلك ممن تحمله قبل نزول أكثر الفرائض، فإن كان مراده، فإن كان مراده هذا فهو مردود؛ لأن سياق مسلم صريح في أن أبا هريرة تحمله من النبي –صلى الله عليه وسلم– بغير واسطة، سياق مسلم صريح في أن أبا هريرة تحمله من النبي –صلى الله عليه وسلم– بغير واسطة، فطاح الاحتمال، وبقي النظر على حاله، وهو يقتضي وهي ذلك الجواب، يعني ضعف ذلك الجواب وقوة غيره، وهذا هو المدعى، أن لو قدر أن مثل هذا الخبر تلقاه أبو هريرة بعد نزول أكثر الفرائض ممن سمعه قبل نزول الفرائض يحسن أن يتلقى بهذا الإطلاق؟

المقدم: أبدًا.

لابد أن يبين نعم.

من الأجوبة أنه خرج مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة، ويجتنب المعصية، ومنها أن المراد بتحريمه تحريم خلوده، منها أن المراد من الأجوبة أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها، لا أصل الدخول، ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين، ومنها أن المراد بتحريمه على النار أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته يعني النار تأكله بكامله؛ لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت بحديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله تعالى، يعني عندنا كون النار لا تأكل مواضع السجود دليل على أن ممن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصلي يدخل النار؛ لارتكابه بعض المحرمات، أو ترك بعض الواجبات.

 في شرح ابن بطال معنى قوله: «حرمه الله على النار» أي حرمه الله على الخلود في النار؛ لثبوت قوله: «أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان»، ولإجماعهم أنه لا يسقط عنه مظالم العباد، هذا تأويل أهل السنَّة، والحديث عندهم على الخصوص، وهو خلاف مذهب الخوارج الذين يقولون بتخليد المؤمنين بذنوبهم في النار، وهو خلاف مذهب الخوارج الذين يقولون بتخليد المؤمنين بذنوبهم في النار، وذكر ابن بطال عن الطبري قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حماد بن سلمة عن الحسن بن عميرة، قال: قيل للحسن من قال: «لا إله إلا الله دخل الجنة» من قال: «لا إله إلا الله دخل الجنة» قال: «من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفريضتها دخل الجنة»، من أدى حقها يعني قول لا إله إلا الله مجردًا دون معرفة معناها والعمل بمقتضاها، يكفي؟

المقدم: أبدًا.

لابد أن يؤدي حقها، ولذلك «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله».

المقدم: ويقيموا الصلاة.

«إلا بحقها»، وجاء أيضًا «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» فدل على أنه وإن قال: لا إله إلا الله يحل دمه ويدخل النار إذا لم يؤد حقها.

 يقول البخاري -رحمه الله-: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله غفر له، هذا كلام الإمام البخاري هذا عند الموت، أو قبله إذا تاب وندم قال: لا إله إلا الله غفر له، وقول الإمام البخاري: إذا تاب، يعني إذا تحلل من مظالم العباد، وتاب من ذنوبه التي بينه وبين الله تعالى.

 «قيل: يا رسول الله»، أو...

المقدم: قال: يا رسول الله.

 «قال يا رسول الله»، «قال: يا رسول الله أفلا» بهمزة الاستفهام وفاء العطف، بهمزة الاستفهام وفاء العطف المحذوف معطوفها، والتقدير: أقول كذلك يا رسول الله فلا، أقلت يا رسول الله فلا؟ ....

«قال يا رسول الله أفلا» بهمزة الاستفهام وفاء العطف المحذوف معطوفها والتقدير أقلت كذلك فلا، قاله القسطلاني، وقال الكرماني: فإن قلت الهمزة تقتضي الصدارة، والفاء تقتضي عدم الصدارة، فما وجه جمعهما؟ قلت: المعطوف عليه مقدر بعد الهمزة نحو: أقلت ذلك فلا أخبر؟ أخبر به الناس «فيستبشرون»، كذا لأبي ذر، فيستبشرون بالنون عندك؟

المقدم: لا.

«فيستبشرون» كذا لأبي ذر أي؛ فهم يستبشرون وللباقين بحذف النون فيستبشروا.

المقدم: فيستبشروا

وهو أوجه، لوقوع الفاء بعد النفي، أو الاستفهام، أو العرض وهي تنصب في كل ذلك، قاله ابن حجر؛ لأن الفعل ينصب بأن المضمرة بعد الفاء، فاء السببية إذا وقعت في معرض النفي، أو الاستفهام، أو العرض، وقال الكرماني: البشارة هي إيصال خير إلى أحد يظهر أثر السرور منه على بشرته، البشارة هي إيصال خير إلى أحد يظهر أثر السرور منه على بشرته.

 قال -صلى الله عليه وسلم -: «إذًا» أي إن أخبرتهم «يتكلوا» بتشديد المثناة الفوقية أي يعتمد على الشهادة المجردة وللكشميهني: ينكل بنون ساكنة وضم الكاف من النكول، وهو الامتناع أي يمتنع عن العمل اعتمادًا على مجرد التلفظ بالشهادتين، كذا في القسطلاني، يتكلوا، أو ينكلوا، إن قلنا يتكلوا بتشديد المثناة الفوقية يعتمد على الشهادة المجردة، وإن قلنا: ينكل كما في رواية الكشميهني بالنون الساكنة، وضم الكاف من النكول وهو الامتناع، أي يمتنع عن العمل اعتمادًا على مجرد التلفظ بالشهادتين، كذا في القسطلاني،

يقول ابن حجر: روى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في هذه القصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لمعاذ في التبشير، أذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر -رضي الله عنه- فقال: لا تعجل، معاذ أذن له في التبشير فأراد أن يبشر، فلقيه عمر -رضي الله عنه- فقال: لا تعجل، ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيًا، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليه قال: «فرده».

وهذا معدود من موافقات عمر -رضي الله عنه-، هذا معدود من موافقات عمر -رضي الله عنه-، ومن فضائله ومن مناقبه، وإن عده بعض الطوائف المبتدعة مثلبًا، يعدونه اعتراضًا على حكم الله وحكم رسوله، لكن هل أنكر عليه أو أقره؟ أقره، يعني اكتسب الأمر الشرعية بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام، وموافقات عمر كثيرة يعني في الحجاب وفي الصلاة خلف المقام، وفي مواطن كثيرة.

 قال ابن حجر: واستدل به بعض متكلمي الأشاعرة، واستدل به بعض متكلمي الأشاعرة، بـ يتكلوا على أن للعبد اختيارًا كما سبق في علم الله، استدل به بعض متكلمي الأشاعرة، استدلوا بقوله يتكلوا على أن للعبد اختيارًا كما سبق في علم الله، علق الشيخ ابن باز-رحمه الله- على هذه بقوله، هذا الذي عده الشارح لبعض متكلمي الأشاعرة هو قول أهل السنَّة، يعني أن العبد ليس بمجبر، ليس مثل الورق على الشجر في مهب الريح، وليس كالميت بين يدي الغاسل، كما يقوله الجبرية، هذا الذي عده الشارح لبعض متكلمي الأشاعرة وقول أهل السنَّة، وهو أن للعبد اختيارًا وفعلًا ومشيئة، لكن ذلك إنما يقع بعد مشيئة الله تعالى، كما قال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28]، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29]، فتنبه. وأخبر بها أي بهذه المقالة المتضمنة للبشارة العظمى معاذ عند موته، عند موته، موت من؟

المقدم: معاذ.

نعم، أقرب مذكور، أخبر بها معاذ عند موته، يعني موت معاذ، وأغرب الكرماني فقال: يحتمل أن يرجع الضمير إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند موت النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: وأغرب الكرماني فقال يحتمل، هذا من؟ ابن حجر، وأغرب الكرماني فقال: يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال ابن حجر: ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري- رضي الله عنهما- قال: أخبرني من شهد معاذًا حين حضرته الوفاة، هل يمكن أن يقال حين حضرت النبي– صلى الله عليه وسلم- الوفاة؟

المقدم: لا.

من شهد معاذًا حين حضرته الوفاة يقول: «سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا» فذكره ذكر الحديث، تعقبه العيني بقوله الحديث المذكور لا يرد ما قاله الكرماني، الحديث المذكور لا يرد ما قاله الكرماني، ولا ينافيه؛ لأنه يحتمل أن يكون أخبر به الناس عند موت النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: ثم أعاد.

والآخرين عند موت نفسه، يعني أخبر أناسًا بهذا، وأخبر آخرين عند موت نفسه، ولا منافاة بينهما، لكن قال ابن حجر في الانتقاض: قلت: الرواية التي بعدها صريحة في النهي، صريحة في النهي، الرواية التي في الصحيح بعد هذه صريحة في النهي.

المقدم: ألا يخبر؟

نعم ماذا قال؟

قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا»، قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا». قلت: الرواية التي بعدها صريحة في النهي، ثم قال العيني: قلت لا، صراحة في الأول، وأما الثاني فلفظه «ألا أبشر الناس؟ قال: لا، إني أخاف أن يتكلوا»، فقوله: «لا» في جواب المعرض في جواب، في جواب معرض النفي في الانتقاض وقال: نعم فقوله: لا في جواب العرض، ألا أخبر الناس؟ نفي، يعني لا تخبرهم، هذا كلام من؟

المقدم: هذا العيني.

ثم قال العيني: قلت: لا، صراحة في الأول، الأول حديث الباب ما فيه صراحة؛ لأن فيه قال: «أفلا أخبر الناس فيستبشروا؟ قال: إذًا يتكلوا» ما فيه صراحة في النهي، وإنما الصراحة في الثاني «لا، إني أخاف أن يتكلوا»، ثم قال العيني: قلت: لا صراحة في الأول، وأما الثاني فلفظه فقال: «ألا أبشر الناس فقال: لا، إني أخاف أن يتكلوا» فقوله: لا، في جواب المعرض نفي، أو في جواب العرض؟ في جواب العرض، نعم في جواب العرض نفي، وقد قال هذا المعترض في آخر كلامه على هذا الحديث قوله قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا» كلمة لا للنهي، وليست داخلة على أخاف، بل استأنف قوله أخاف، هي ليست داخلة على أخاف.

المقدم: لكنها دالة.

لا أخاف هل المنفي الخوف؟

المقدم: لا، المنفي عدم الإخبار، لا تخبرهم.

نعم يعني لا تخبرهم إني أخاف، هذه علة عدم الإخبار، على كل حال النهي واضح، ولا داعي لما قاله في قول العيني فقوله: لا في جواب العرض نفي، يعني وليست نهيًا، واضح أنها نهي.

 تأثمًا، قال الكرماني: أي تجنبًا من الإثم، يقال: تأثم فلان إذا فعل فعلًا خرج به عن الإثم، أي تجنبًا من الإثم، يقال: تأثم فلان إذا فعل فعلًا خرج به من الإثم، والإثم الذي يخرج به، والإثم الذي يخرج به كتمان ما أمره الله بتبليغه، والإثم الذي يخرج به كتمان ما أمرالله بتبليغه، حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187]، وقال العيني: قال الجوهري: تأثم أي تحرج عنه وكفّ، قلت: هذا من باب تفعّل، وله معانٍ، وله معانٍ منها: التجنب.

قال العيني: قال الجوهري: تأثم أي تحرج عنه وكفّ، قلت: هذا من باب تفعل، وله معانٍ منها التجنب، يعني ليدل على أن الفاعل جانب أصل الفعل، نحو تأثم وتحرج، أي جانب الإثم والحرج، وقال ابن حجر: تأثمًا بفتح الهمزة، وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الإثم، وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله: يتحنث. والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم، ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم، وإلا لما كان يخبر به أصلاً، أو عرف أن النهي مقيد بالإتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد، والأول أوجه؛ لكونه أخر ذلك إلى وقت موته، يعني قد يقول قائل: نهاه النبي عن أن يخبر فأخبر، فيكون حينئذٍ خالف النهي، ارتكب محظورًا، ما الذي دعاه إلى ذلك؟ إما أن يكون فهم أن النهي للتنزيه ليس للتحريم، وإذا عورض هذا التنزيه بما هو أقوى منه من وجوب البيان، وتحريم الكتمان يقدم الأقوى بلا شك.

المقدم: أو يفهم منه يا شيخ ما حصل، هو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أذن له، ثم رده عمر بسبب التريث يعني تريث قليلاً حتى يتمكن الناس.

يتمكن الإيمان من قلوبهم، هذا قول.

 لكن على كل حال إذا فهم أنه للتنزيه، وعورض بما هو أقوى منه وخشي التأثم لقوة المعارض يخبر به؛ لأن المسألة في كثير من المسائل الشرعية، التي يكون بها أكثر من دليل لابد من الترجيح، ومعاذ رجح أن إثم الكتمان أعظم من إثم الإخبار، أو يقال: إن العلة منصوصة خشية إني أخاف أن يتكلوا، فأخبر أناسًا لا يمكن أن يتكلوا، يعني مثل هذا الخبر لو يوجد أناس عندهم شدة وعزيمة وقوة في الأخذ بالنصوص، ما يضرهم مثل هذا الخبر، فلا مانع من إخبارهم، لكن لو وجد أناس منفلتين فيهم ضعف، وفيهم تراخٍ عن قبول الواجبات، وتساهل في ارتكاب المحظورات، يقال لهم مثل هذا الكلام؟

المقدم: وهذا حصل الآن يا شيخ.

كيف؟

المقدم: الذين يستدلون بهذا الحديث في التساهل وتضييع الفرائض كثير كثير.

نعم، لكن مع ذلك معاذ تردد بين أمرين يخبر امتثالًا للتبليغ، للأمر بالتبليغ والبيان، أو لا يخبر خشية أن يتكلوا؟ هو في مجتمع الذين حضروه عند الموت أناس أخذوا من الدين بقوة وعزم.

المقدم: فلا يخشى منهم.

 ولا يخشى منهم، فأخبر بذلك عند موته تأثمًا، أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد، والأول أوجه؛ لأنه أخر ذلك إلى وقت موته؛ يعني لو لاحظ هذا الملحظ لأخبر به من أول الأمر، يعرف أن أبا بكر لن يتأثر عند سماع هذا الخبر، يخبر به أبا بكر مثلًا، أو يخبر به من هو في منزلة من لا يتأثر بمثل هذا الخبر قبل موته، قال القاضي عياض: لعل معاذًا لم يفهم النهي، لعل معاذًا لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم، لم يفهم النهي، ما فهم النهي.

المقدم: يقوله القاضي عياض.

لكن السياق يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يرغب في تبشيرهم، وإلا فليس بنهي، يقول: لعل معاذًا لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم يعني السياق، قلت: -القائل ابن حجر- أي الرواية الآتية صريحة في النهي، فالأولى ما تقدم، فالأولى ما تقدم، وتعقبه العيني بقوله: لا نسلم أن النهى صريح في الحديث الآتي، وإنما فهم النهي من الحديثين كليهما، بدلالة النص، وهي فحوى الخطاب.

 الآن ابن حجر يقول: الرواية الآتية صريحة في النهي «لا، إني أخاف أن يتكلوا» فالأولى ما تقدم، يعني أنه فهم من هذا النهي للتنزيه، أو أخبر أناسًا لا يخشي عليهم من الاتكال، جيد؟

المقدم: نعم.

تعقبه العيني بقوله: لا نسلم أن النهي صريح، أن النهي صريح، صريح في الحديث الآتي، وإنما فهم النهي من الحديثين كليهما بدلالة النص، وهي فحوى الخطاب، وقال صاحب المبتكرات، من هو؟

المقدم: البوصيري.

 نعم. صاحب المبتكرات يقول بعد مراجعة ابن حجر، يعني مراجعة فتح الباري، وجد أنه قرر جميع ما قاله العيني، ورجح الوجه الأول، واعترض على قول عياض كما ذكر، والعيني اعترض على ابن حجر من حيث الاستدلال بالحديث الذي بعده، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة»، قال: ألا أبشر الناس؟ قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا»، فمحل النزاع بينهما، فمحل النزاع بينه، وبين العيني وبين ابن حجر، هل يستقل فهم النهي من الحديث الثاني، أو لا يفهم النهي إلا من الحديثين كليهما؟ يعني هل الحديث الثاني يفهم منه النهي بمفرده؟ أو لا بد منهما.

المقدم: أو لا بد منهما.

لا بد منهما قال «لا، إني أخاف أن يتكلوا» لا إيش؟ النهي عن إيش؟

المقدم: لا تخبر.

لا تبشر، أو لا تخبر يفهم من الحديث الثاني يستقل بالنهي، أو لا بد من ضمينة تفهم من الحديث الأول، هذا محل الإشكال، فمحل النزاع بينهما هل يستقل فهم النهي من الحديث الثاني، أو لا يفهم النهي إلا من الحديثين كليهما؟ فينحل السؤال على أحد الشقين أنه لو لم يرد الحديث الأول، وإنما ورد الثاني فقط، أن لا فيه تفيد النهي، ولا أظنه ملتزمًا لأحد ففي كتب اللغة والنحو والأصول أن لا جواب مناقض لنعم وبلى، أن لا جواب مناقض لنعم وبلى، وفي المغني والقاموس وغيرهما، وتحذف الجمل بعدها كثيرًا، يعني كما هنا أي لا تبشر الناس إني أخاف وفي كتب الأصول أن النهي طلب الكف عن الفعل وصيغته لا، إلى آخره.

المقدم: أحسن الله إليك، في مسائل في هذا الحديث سنأتي عليها يا شيخ،

نعم، بقي.

المقدم: بقي مسائل.

المقدم، إذًا لعلنا نرجئها إن شاء الله إلى حلقة أخرى، نعد الإخوة والأخوات باستكمال ما تبقي من مسائل في هذا الحديث.

شكرًا لكم فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات على طيب المتابعة.

 لقاؤنا بكم في بإذن الله في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.