شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة نبتدئ في درس شهري في صحيح الإمام مسلم- رحمه الله- ولسنا بحاجة إلى الكلام على الكتاب ومؤلفه فالكلام فيه كثير في هذا الصدد أفضنا فيه كثيرًا وشرحنا مقدمة الكتاب فلا حاجة لنا لإعادتها؛ لأنها تأخذ وقتا طويلا، والوقت بالنسبة للمقرر في هذا الدرس قصير بالنسبة لطول الكتاب، ساعة في الشهر، والمقدمة شرحت في ما يقرب من ثلاثين شريطًا ثلاثين ساعة هذا تحتاج إلى أكثر من سنتين على تقديرنا وتقريرنا في الدرس الشهري، على كل حال نُذكِّر في بداية الدرس أن هذا الكتاب من الكتب المعتمدة عند المسلمين وتلقاها علماء الأمة بل عامة الأمة بالقبول وهو ثاني كتب السنة بعد صحيح البخاري:
أول من صنف في الصحيح |
|
محمد وخص بالترجيح |
ومسلم بعدُ وبعض الغرب مع |
|
أبي علي فضلوا ذا لو نفع |
لا شك أن البخاري مقدم من حيث الصحة، وأما بالنسبة للترتيب وسهولة المأخذ والوقوف على الحديث واستنباط الفائدة منه لا شك أن مسلمًا أقرب من هذه الحيثية.
تشاجر قومٌ في البخاري ومسلم |
|
لدي فقالوا أي ذين تقدم |
فقلت لقد فاق البخاري صحة |
|
وفاق في حسن الصياغة أو الصناعة مسلم |
مسلم فيه من الصناعة الحديثية في سياق الأسانيد والمتون ما يَبهر الناظر وإن كان المقدم صحيح البخاري من حيث الصحة ونظافة الأسانيد وانتقاء المتون وجودة الاستنباط من الإمام -رحمه الله تعالى- فيما أودعه من فقه في تراجمه- أعني صحيح البخاري- وأما صحيح مسلم فليس فيه تراجم في الأصل وإنما فيه الحديث السرد، وعامة أهل العلم على تقديم البخاري بأدلة إجمالية وتفصيلية ذكرت في مظانها من كتب علوم الحديث، مسلم- رحمه الله- يسوق الحديث الواحد بأسانيده وبمتونه في موضع واحد، والإمام البخاري كما هو معلوم يفرقه في مواضع من كتابه قد تصل إلى عشرين موضعًا حسب ما يستنبط من الحديث، يتصرف الإمام مسلم في سياق الأسانيد تصرفًا ينبئ عن دقة وفهم وينتقي من ألفاظ الشيوخ ما هو أرجح من غيره، ويُعنى ببيان الفروق بينهم، فيبين صاحب اللفظ ويبين الاختلاف في صيغة الأداء، حدثنا فلان وفلان وقال حدثنا فلان حدثنا وقال فلان أخبرنا حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، بينما الإمام البخاري لا يبين مثل هذا ولا يعتني به؛ لأن التحديث والإخبار عنده بمعنى، وعلى كل حال سؤال يسأله من يريد الحفظ يقول هل أحفظ صحيح مسلم ثم أضيف إليه زوائد البخاري باعتبار أن الإمام مسلما يعتني بألفاظ الشيوخ والإمام البخاري لا يعتني بها؟ وأقول أن هذا لا يدل على أن اللفظ الموجود في صحيح مسلم أقرب إلى اللفظ النبوي مما في صحيح البخاري فالكل يتفقون على جواز الرواية بالمعنى، وكون الإمام مسلم ينص على لفظ شيخه وأن الشيخ الآخر رواه بمعناه لا يعني أن من فوق الشيخ لم يروه بالمعنى، ولا يعني أيضًا بالضرورة أن يكون الشيخ نفسه لم يروه بالمعنى وإنما الإمام مسلم- رحمه الله- يُعنى بألفاظ شيوخه فيما حدثوه به وما وراء ذلك يبقى على ما يراه أهل العلم من جواز الرواية بالمعنى، ويتفق في هذا مع البخاري وغيره ولم يخالف في هذه المسألة إلا نفر يسير كمحمد بن سيرين الذي أوجب الرواية باللفظ، والرواية بالمعنى عند عامة أهل العلم جائزة بشرطها، فإذا قال مسلم حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان نعم هذا لفظ الشيخ لكن هل هو بالضرورة لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- أو رواه الشيخ نفسه أو من فوقه بمعناه؟ الرواية بالمعنى لا تقدح في صحة الحديث ولا ثبوته؛ لأن عامة أهل العلم يجيزون الرواية بالمعنى، وهي موجودة ضرورة وبالفعل في كتب السنة بدليل أن البخاري يخرِّج الحديث في مواضع تجد بين هذه المواضع اختلافا في بعض الألفاظ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاله مرة واحدة في مناسبة واحدة فمن أين نشأت هذه الألفاظ المختلفة؟ هي فرع عن جواز الرواية بالمعنى، وعلى هذا فينبغي أن يُعنى طالب العلم بالبخاري أولاً ويجعله محور بحثه وعنايته، ثم بعد ذلك يضيف إليه زوائد مسلم، ثم بعد ذلك يضيف زوائد أبي داود، ثم الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، وذكرنا في مناسبات كيف يستطيع الطالب بنفسه أن يجمع بين كتب السنة يعني مثل ما صنع ابن الأثير في جامع الأصول، جامع الأصول كتاب جامع للأصول الستة فيه الموطأ بدل ابن ماجه والبقية الخمسة المتفق عليها، لكن الإشكال في جامع الأصول أنه قد يعزو الحديث إلى صحيح البخاري أو إلى مسلم أو إلى غيرهما من الكتب ثم ترجع إلى المصدر الأصل الذي عزي إليه فتجد اختلافا، لا تجده بلفظه بل قد تجد فيه زيادة لا توجد في الأصل، وذلكم لأن ابن الأثير اعتمد على المستخرجات، فإذا قال رواه البخاري لا تضمن أنه بلفظه في صحيح البخاري، وكذلك البيهقي والحميدي وغيرهما يعتمدون على المستخرجات، ولا شك أن هذا مما يضعف قيمة هذه الكتب في عزوها إلى الأصول.
والأصل يعني البيهقي ومن عزا |
|
وليت إذ زاد الحميدي ميّزا |
وكل هذا مخالف ومجانب لطريقة الإمام مسلم في دقته وتحرِّيه، فصحيح مسلم تنبغي العناية به في أسانيده، بعض الأمور التي تشكل على بعض طلاب العلم وفي بعض متونه في السياقات التي قد يخفى أمرها على طالب العلم لكنها عند التأمل تنحل ليست أخطاء ولا أوهام إنما فيها نوع خفاء، طالب العلم إذا تمرّن على هذا الكتاب وأدام النظر فيه وفي شروحه وفيما كتبه أهل العلم حوله انحلت الإشكالات بإذن الله، فمثل ما ذكرنا هذا الكتاب ثاني الكتب بعد صحيح البخاري فعلى طالب العلم أن يُعنى به ويهتم بشأنه، وذكرنا أيضًا أن المقدمة لن نشرحها لأنها سبق شرحها وهي موجودة ومسجلة في أشرطة ومبذولة في التسجيلات ومتداولة بين طلاب العلم.
يقول الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- في المتن: مكتوب كتاب الإيمان، "قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري- رحمه الله تعالى- بعون الله نبتدئ وإياه نستكفي وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله" قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج تأخير هذا عن الترجمة يدل على أن الترجمة ليست من وضعه وإن كان بعضهم يرى أن التراجم الكبار في الكتب من وضع مسلم، وأمَّا التراجم بالأبواب فليست من وضعه وإنما هي من وضع الشراح، ولذلكم كل شارح يترجم بما يلوح له من معاني هذا الباب، فالنووي- رحمه الله تعالى- له تراجم، وعياض له تراجم، والأُبِّي كذلك، والسنوسي، كل شارح من الشراح يترجم حسب ما يلوح له من معاني الأحاديث التي يسوقها الإمام مسلم، فالخلاف في التراجم الكبرى، التراجم الكبرى كتاب الإيمان، كتاب الطهارة، كتاب الصلاة هذه كثير من أهل العلم يقول إنها من وضع الإمام مسلم، لكن الترتيب الذي معنا وهل هذا الترتيب موجود في جميع النسخ أو لا؟
طالب: ..................
ماذا عندك؟
طالب: ..................
ليس فيه قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله؟ عندك باب؟
طالب: نعم كتاب الإيمان باب معرفة...
لا، هذه ليست للإمام مسلم اتفاقًا.
طالب: ..................
إذًا كلاهما ليست من صنيع مسلم على هذا، إذا أُخّر القول قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري بعد الترجمة سواء كانت الترجمة الكبرى أو الصغرى كل هذا يدل على أن التراجم ليست من صنيعه، مع أن كثيرا من أهل العلم يرون أنه ترجمه بالتراجم الكبرى، بل في شرح القاضي عياض إكمال المُعلم ما يشير إلى أنه وُقف على نسخة عتيقة صحيحة فيها تراجم فرعية لكن هذا يخالف ما يكاد أن يقع عليه الاتفاق من أن كتاب مسلم ليس فيه تراجم، وإنما ليس فيه إلا الحديث السرد، ليس فيه تراجم وأما التراجم الصغرى فهذه واضحة لأن كل شارح يترجم لنفسه، ومن طَبع الكتاب في الطبعات الأخيرة أقحموا هذه التراجم في صلب الكتاب ولا شك أن هذا خطأ، أحد معه الطبعة العامرة لصحيح مسلم؟.
طالب: ..................
لا، ليست بهذه ولا إليها.. التركية.
طالب: ..................
لكن أدخل، ما ينفع، ما اعتمد.
طالب: ..................
ما علينا من نص الحديث يُقحم أشياء ويقول اعتمدت ليس بصحيح.
طالب: ..................
هنا في الطبعة العامرة التي هي من أصح الطبعات إن لم تكن أصح في تقديري، الطبعة التركية حتى الترجمة الكبرى كتاب الإيمان في الحاشية ما أُدخلت في صلب الكتاب وإنما بعد المقدمة قال: وقائلها القدر الذي وصفناه والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري- رحمه الله تعالى- بعون الله نبتدئ وإياه نستكفي وما توفيقنا إلا بالله- جل جلاله- وكتاب الإيمان في الحاشية يعني ليس من أصل الكتاب ويقول الطابع: قال وجد في بعض النسخ بعد كتاب الإيمان هذه الزيادة: باب معرفة الإيمان والإسلام والقدَر وعلامة الساعة في بعض النسخ، لكن لا شك أن هذه الترجمة الفرعية مُقحمة ويوجد من طبع الكتاب وزعم تحقيقه وأدخل تراجم النووي في صلب الكتاب ولا شك أن هذا خلاف الأمانة في التحقيق العلمي ونشر كتب أهل العلم هذا تصرف غير مرضي، عرفنا ما في هذه الترجمة "كتاب الإيمان" والترجمة الفرعية "باب بيان الإيمان والإٍسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر وإغلاظ القول في حقه"، هذا الكلام من النووي ولذلك تجدون في الشروح الأخرى تراجم غير هذه، قوله: "قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله بعون الله نبتدئ وإياه نستكفي وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله" هذا الكلام ممن؟ قال أبو الحسين مسلم أحيانا يأتي بالكتب في صلبها قال الإمام العلامة المحقق المسنِد يثنون عليه فيكون هذا ليس من وضعه إنما من وضع من نسخ الكتاب أو من روى الكتاب لكن هذه مجردة عن الألقاب، قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله، لكن رحمه الله؟ ولا يمنع أن يقول رحمه الله وهو موجود اعلم رحمنا الله وإياك قالها أكثر من مرة، "بعون الله نبتدي وإياه نستكفي وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله" هذا الذي يغلب على الظن أنه من كلام الإمام مسلم، الكلام عن الترجمة الكتاب والإيمان على القول بأن هذه التراجم الكبرى من وضع المؤلف فالكتاب مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة وكَتْبًا، والمادّة في جميع تصرفاتها تدل على الجمع، والكلام في الكتاب واشتقاقه ومعناه قد ملَّه طلاب العلم من كثرة ما يعرّف لأنه يدور في جميع الكتب وفي جميع الفنون، يدل على الجمع والمراد به بهذا المصدر اسم المفعول المكتوب الجامع لمسائل الإيمان، قال رحمه الله: "حدثني أبو خيثمة" زهير بن حرب "قال حدثنا وكيع" وهو ابن الجراح الرؤاسي الإمام المعروف الذي شكا إليه الإمام الشافعي سوء الحفظ فإذا كان الإمام الشافعي على منزلته وعلوّ قدمه في الدين والحفظ والعلم والعمل يشكو إلى وكيع فما تكون منزلة وكيع هذا المشكو إليه؟ أنت إذا ذهبت لتشكو حالك على أحد تشكو على من دونك أو على من فوقك؟ على من فوقك، من دونك ما نفع نفسه حتى ينفعك يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي |
|
فأرشدني إلى ترك المعاصي |
وقال اعلم بأن العلم نور |
|
ونور الله لا يؤتاه عاصي |
إلى الله المشتكى نحن لا ندرك مثل هذه المعاني، ولذلك يعاقَب الإنسان على ذنب فيزاول حفظا جديدا فلا يستطيع، يراجع حفظه القديم فيصعب عليه؛ لأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي قال "حدثنا وكيع عن كهمس" هو ابن الحسين التميمي البصري، ولا نحتاج أن نذكر ما يقال في الرواة من تعديل لأن الكتاب مجزوم بصتحه وتلقته الأمة بالقبول فلا مجال للجرح والتعديل فيه، ومن المؤسف جدًا أن يأتي بعض الكتبة مما لا صلة له بالعلم من قريب ولا بعيد أن يتطاول على مثل هذا الكتاب أو على صحيح البخاري فيصحح ويضعِّف ويعدّل ويجرح تبعًا لهواه، لا يقول قائل أن الدارقطني تتبع الصحيحين، الدارقطني إمام ويبحث عن حق ولديه الأهلية، وفي النهاية الحق مع صاحبي الصحيح وهذا معروف بالتتبع والاستقراء، لكن ما يُظن بالإمام الدارقطني أنه يريد هدم السنة بهدم هرمها أو رأس الهرم لا، بينما هؤلاء الكتبة يريدون الطعن في السنة أو تقرير ما يرونه مما تتبعه هممهم وأنظارهم وهواهم، فيأتي إلى حديث في صحيح مسلم وينظر في راوٍ من رواته وينقّب في كتب الرجال فيقول هذا الرجل ضعَّفه ابن معين مثلاً أو قال فيه أبو حاتم مجهول أو ما أشبه ذلك مع أنه لا يعرف اصطلاحات هؤلاء الأئمة، مثل ما قال بعضهم في حديث ابن أم مكتوم وهو في صحيح مسلم، قال فيه فلان قال أبو حاتم مجهول، يا مسكين تعرف ما معنى الجهالة عند أبي حاتم؟! ماذا يعرف؟! هو هل يعرف معنى الجهالة عند أبي حاتم؟! ليضعف الحديث في قول أبي حاتم مجهول؟! إذا كان أبو حاتم قال في صحابي من المهاجرين الأولين مجهول ولا يخفى عليه وضعه هو نفسه قال من المهاجرين الأولين مجهول هل يقصد بذلك تضعيفه؟ أو قلة روايته؟! قال في ألف وخمسمائة وستين راويا قال فيهم مجهول، والجهالة عند أبي حاتم إما قلة الرواية لاسيما إذا أشار في ترجمته إلى أنه لا يعرفه، وفي كثير منهم قال مجهول أي لا أعرفه، وهل يضعَّف الراوي بكون أبي حاتم لا يعرفه وقد عرفه غيره؟! لا، وعلى هذا فالجهالة التي يصف بها العلماء بعض الرواة هل هي تجريح أو عدم علم بالراوي وتبعًا لذلك إذا قلنا أنها تجريح فإذا وجدنا راويا مجهولا قلنا الحديث ضعيف، وإذا قلنا عدم علم بحال الراوي قلنا نتوقف فيه حتى نقف على قول من عدّله أو ضعّفه وعلى هذا يفهم في كلام ابن حجر في النخبة، قال: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحًا أو جهالة فجعل الجهالة قسيما للتجريح ولم يجعلها قسمًا منه، فعلى الإنسان قبل أن يقدم ويهجم على الأحاديث لأنها جناية وأيّ جناية يسعى لإبطال حديث ثابت يشتمل على حكم يحرم منه الأمة، وقد تكون الأمة بأمس الحاجة إليه ثم يضعفه من غير مستند معتبر عند أهل العلم "عن كهمس" هو ابن الحسين التميمي البصري "عن عبدالله بن بُريدة عن يحيى بن يَعمر ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه قال حدثنا أبي قال حدثنا كهمس عن بُريدة عن يحيى بن يعمر" أولاً هذه الحاء يسميها أهل العلم حاء التحويل من إسناد إلى آخر ويستفاد منها اختصار الأسانيد، وهل الإمام مسلم اختصر الإسناد الذي بين أيدينا أو لم يختصره؟ يعني في صحيح البخاري قد تجدون الحاء وهي قليلة عنده جدًا بعد نهاية الإسناد، ح وحدثنا فلان، هذه لا تفيد اختصار الإسناد، إذا كان الإسناد كاملا ثم أتبعه بالإسناد الثاني كاملاً فلا تفيد اختصارا، بينما عند مسلم وأبي داود وغيرهما يستفاد منها اختصار الأسانيد هنا ولذلك اتجه القول عند بعضهم بالنسبة لصحيح البخاري أنها ليست حاء تحويل وإنما هي خاء اختصار لاسم البخاري، بمعنى أن الإسناد رجع إليه من أوّل، وهنا قال: "حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه حدثنا أبي قال حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر" يعني لو أراد الاختصار لقال حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري قال حدثنا أبي قالا حدثنا كهمس فيختصر الإسناد، أما في صنيعه هذا لم يختصر إسنادا، والسبب في ذلكم أن هناك اختلافا في سياق الأسانيد والصيغ، في سياق صيغ التحمل لأنه قال: حدثني أبو خيثمة ثم قال وحدثنا عبيد الله، والفرق بين حدثني وحدثنا معروف أنه إذا سمع الحديث من الشيخ وحده قال حدثني، وإذا سمعه ومعه غيره قال حدثنا، وإذا شك هل كان وحده أو معه غيره؟ طالت المدة بعد سنين نسي هل كان معه غيره هل يقول حدثني لأنه متيقَّن أنه موجود ويشك فيمن عداه أو يقول حدثنا ما الأولى؟ ماذا؟
طالب: ..................
حدثنا؟
طالب: ..................
لماذا؟
طالب: ..................
لا، هو محدَّث على كل حال ويشك هل كان معه غيره أو لا.
طالب: ..................
ميزة ماذا؟
طالب: ..................
أنه مقصود بالتحديث؛ لأن بعضهم يقول حدثني لأنه متيقن ومن معه مشكوك فيه فيقول حدثني، ومنهم من يقول لا، يقول حدثنا لأن حدثنا أقل من حدثني في القوة؛ لأن حدثني تدل على أنه مقصود من قِبل الشيخ بالتحديث وأما حدثنا فهو ألقى الحديث عليه وعلى غيره، والأمر سهل لكن المسلم يعتني بمثل هذه الفروق "ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري" الحاء هذه مثل ما ذكرنا آنفا أنها حاء التحويل من إسناد إلى آخر وعند المغاربة أنها اختصار للفظ الحديث، وإذا قيل الحديث فهي منصوبة الحديثَ، أما إذا ذكرت بعض الحديث ثم قلت الحديث أو ذكرت بعض الآية وقلت الآية هذه منصوبة يعني أكمل الحديثَ، أو اقرأ الآيةَ، وهكذا "وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه" هذه من ميزة الإمام مسلم أنه ينص على صاحب اللفظ وكثيرًا ما يقول واللفظ له، طيّب إذا كان عبيد الله بن معاذ العنبري صاحب اللفظ وهذا حديثه فأبو خيثمة له المعنى المعنى له إذا كان اللفظ للراوي الثاني فالأول له المعنى ولو اتفقا في اللفظ ما احتاجا إلى هذا التنصيص"وهذا حديثه قال حدثنا أبي قال حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر.. عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبدٌ الجهني" كان أوَّلَ، معبدٌ ألا يجوز أن يكون كان أولُ من قال بالقدر بالبصرة معبدًا الجهني «يوشك أن يكون خيرُ مال المسلم غنمًا» والرواية الأخرى «يوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ» الضبط عندكم أولَ؟
طالب: ..................
كيف؟
طالب: ..................
أولَ؟
طالب: ..................
أنا عندي هكذا لكن بالنسبة للجواز يجوز هذا وهذا والإخبار عن شخص أولى من الإخبار عن معنى.. ما المعنى؟
طالب: ..................
كيف؟
طالب: ..................
كان أولُ من قال بالقدر معبدًا خبر كان، وأول مثل ما قالوا في خير «يوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ».
طالب: ..................
هذا خلاف صحيح، أنا أقول لك الإخبار عن الشخص أولى من الإخبار عن المعنى، يعني يبتدأ به أولى وإلا معرفة أول بإضافته إلى من؟ ما فيه إشكال، "كان أوّلَ من قال في القدر" يعني في نفيه؛ لأن القدر الناس فيه على ثلاثة مذاهب: غلاة في النفي، وغلاة في الإثبات، ووسط وهم أهل السنة والجماعة، فالغلاة في النفي الذين أولهم معبد والقدر الذي نفاه معبد يقول أهل العلم إنه انقرض ولا يوجد قائل به، الذين ينفون العلم ينفون علم الله- جل وعلا- بالكائنات قبل وجودها، وأنه لا يعلم الشيء حتى يوجد، وأن الأمر أُنف يعني مستأنف كما سيأتي، القائل بهذا القول لا شك في كفره، نفى العلم كفر، ومراتب القدر كما هو معروف أربع هي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق والتقدير، من نفى العلم كفر، وهؤلاء الغلاة في نفي القدر ينفون علم الله جل وعلا وأولهم معبد، يقابلهم من يغلو في إثبات القدر يغلو في إثباته ويرى أن العباد مجبورون على تصرفاتهم وأن حركة المكلّف كحركة ورق الشجر في مهبّ الريح، والحق لا في هذا ولا هذا وإنما هو في التوسط من إثبات القدر وإثبات المشيئة والإرادة للمكلف التابعة لإرادة الله- جل وعلا- ومشيئته { وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } الإنسان: ٣٠ الجبرية يقولون { وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } الأنفال: ١٧ فعلك ليس إليك وإنما أنت مسيّر ولست بمخيّر، ومن لازم هذا القول أن يكون الله- جل وعلا- قد ظلم العباد إذا أجبرهم ثم عذّبهم، وهذان مذهبان بدعيّان مرفوضان والخير فيما يجمع النصوص، هؤلاء نظروا إلى النصوص من من جهة وأهملوا الجهة الأخرى ومقابلهم بالعكس، ووفّق الله أهل السنة والجماعة فكانوا وسطًا بين القدرية والجبرية، غلاة القدرية معبد ومن يقول بقوله يقول العلماء الذين تكلموا في المذاهب يقولون أنهم انقرضوا ولا يوجد منهم أحد إنما الموجود منهم من ينسب الشر إلى غير الله تعالى ومن يقول إن العبد يخلق فعله وهذا المعروف عن المعتزلة فأثبتوا خالقًا مع الله- جل وعلا- وجاء فيهم حديث ابن عمر المخرّج عند أبي داود وغيره "القدرية مجوس هذه الأمة" "أول من قال في القدر بالبصرة" البصرة مثلثة الباء بالفتح وهو الأكثر الأشهر، يليه الكسر ثم الضم وهي البلد المعروف في العراق الذي اختُطَّ في عهد عمر بن الخطاب سنة ثمان عشرة، الشراح منهم من يقول أنه كان يقال لها تدمر، وبعضهم يقول المؤتفكة، وعلى كل حال البلد ناشئ حادث إنما وجد في عهد عمر وسمي بهذا الاسم، معبد بن خالد الجهني يقولون قتله الحجاج بن يوسف صبرًا، "قال فانطلقت" والقائل يحيى بن يعمر "فانطلقت أنا وحميد" أنا هذا ضمير فصل يؤتى به للعطف على ضمير الرفع المتصل.
وإن على ضمير رفع متصل |
|
عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
أو فاصل ما وبلا فصل يرد |
|
في النظم فاشيًا وضعفه اعتقِد |
لكن الآن هذا على الجادة وعلى القاعدة فصل بالضمير المنفصل "أنا وحميد" ابن عبد الرحمن "حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة موجودون في ذلك الوقت "فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب" "فوفق لنا" يعني اتفق لنا أن وجدناه- رضي الله عنه وأرضاه- ونعم الرجل عبد الله ونعم ما وُفقوا "ووفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي" يعني أحطنا به واحد من يمينه وواحد من شماله، "فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله قال فظننت" من القائل؟
طالب: ................
نعم يحيى: "فظننت أن صاحبي سَيَكِل الكلام إلي" لأنه جاء في بعض الروايات: "لأني كنت أبسط لسانا" يعني أفصح عبارة، "فقلت أبا عبد الرحمن" يعني ما استأذنته لأني واثق أنه سيكل الكلام إلي، وإلا فالأصل أنه أكثر من واحد وقضيتهم واحدة يستأذن أحدهم الآخر من باب الأدب والأصل في هذا أن يتكلم الأكبر كما في قصة القسامة في الصحيحين: فانطلق عبد الرحمن بن سهل يتكلم فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «كبِّر كبِّر» يعني يتكلم الأكبر "فقلت أبا عبد الرحمن" يعني يا أبا عبد الرحمن وهذه كنية ابن عمر "إنه قد ظهر قِبَلنا" يعني في جهتنا في بلدنا في البصرة "ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم" لا شك أن في أهل البدع من هم أهل عبادة وحرص، وقد يكون في بعضهم كالخوارج زيادة في هذا الشأن، "تحقرون صلاتكم عند صلاتهم" فهم يقرؤون القرآن ليس معنى هذا أنه مبتدع ما ما يلتفت إلى شيء من شرائع الدين "يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم" يعني يطلبونه، يتقفرون حتى أنهم يصلون في طلبه إلى القفار، والبراري والأماكن البعيدة، يطلبونه من قريب ومن بعيد، بعض الروايات "يتقفون العلم" ومعناها أيضًا يتتبعونه، وفي شرح القاضي عياض قال: رأيت بعضهم قال فيه يتقعرون العلم وفسرها بأنهم يطلبون قعره، يعني يغوصون فيه وفي دقائقه، وعلم الاعتقاد لاسيما في المسألة التي تضمنها هذا الحديث التقعر فيها والغوص في دقائقها مزلة قدم، والقدر سر الله في خلقه ويحذِّر أهل العلم من التقعر فيه والبحث عن دقائقه لأنه لا يؤمَن على الشخص أن تزل قدمه، "يتقفرون العلم" قال ابن بريدة وذكر- يعني- يحيى بن يَعمر من شأنهم- يعني- ذكر من شأنهم ما تقدم أنهم يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وأنهم يزعمون ألّا قدر وأن الأمر أنف يعني مستأنف، فالله- جل وعلا- لا يعلم بالأشياء قبل وقوعها، ونوع آخر منهم يزعمون أن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات وهذا أيضًا كفر وضلال نسأل الله العافية، الله- جل وعلا- لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون؛ لأن الله- جل وعلا- قال عن أهل النار { وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ } الأنعام: ٢٨ هذا لن يكون لكن الله- جل وعلا- أخبر عن حالهم أنه لو كان يعلم حالهم أنهم يعودون في كفرهم نسأل الله العافية وأن الأمر أُنُف مستأنف كل شيء آني في وقته يعرفه إذا حصل عرفه الله -جل وعلا- نسأل الله العافية- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- قال- يعني ابن عمر- "فإذا لقيت أولئك" يعني القوم الذي هذه صفتهم يتقفرون العلم ويقرؤون القرآن ويزعمون أن الأمر أنف يقول: "إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برئاء مني" عقيدة الولاء والبراء.
وما الدين إلا الحب والبغض والولاء |
|
كذاك البراء من كل غاو وآثم |
"والذي يحلف به عبد الله بن عمر" وهو الله- جل وعلا- "لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه" يعني أنفقه في سُبُل الخير يبتغي بذلك وجه الله "فأنفقه ما قبل الله منه" { وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ } التوبة: ٥٤ فابن عمر حكم عليهم بأي شيء؟ بالكفر- نسأل الله العافية- "ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر" وهذا ظاهر في تكفير ابن عمر لهؤلاء القدرية الغلاة، ثم قال عبد الله بن عمر: "حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصلها (بين) وزيدت عليها (ما) "نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم" يعني في يوم من الأيام "إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد" هذه مبالغة في تعمية خبره، شديد بياض الثياب وهو غير معروف، شديد سواد الشعر شعره نظيف ليس أشعث فيه غبار يخفف من سواده، وثيابه بيضاء شديدة البياض، لا يُرى عليه أثر السفر من أين جاء؟ ومن أين طلع؟ ولا يعرفه منا أحد أمر مستغرب "حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه".
لعلنا نقف على هذا الحد من حديث عمر من أوله وننظر في بعض الأسئلة.
"