شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (210)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرحُ كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقال: «سبحان الله، ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن؟ أيقظوا صواحب الحُجر، فرُب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة». 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فراوية الحديث أم المؤمنين أم سلمة هندُ بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن المغيرة بن مخزوم المخزومية، تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أبي سلمة سنة أربع، وقيل: ثلاث، وعاشت بعد ذلك ستين سنة وماتت سنة اثنتين وستين، قال ابن حجر: وفي شرح الكرماني قال: تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وقعة بدر، روي لها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثمائة وثلاثة وسبعون حديثًا، هاجرت الهجرتين، وماتت سنة تسعٍ وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، وماتت سنة تسعٍ وخمسين وفي كلام ابن حجر أنها ماتت سنة اثنتين وستين، وصلى عليها أبو هريرة، ودُفنت بالبقيع، وإن كان الذي صلى عليها أبو هريرة، فأبو هريرة مات قبل الستين.

المقدم: سنة تسع وخمسين.

مات سنة تسع وخمسين، فكلام الكرماني أوجه، ودُفنت بالبقيع، وكانت آخر أمهات المؤمنين وفاةً -رضي الله تعالى عنها-.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري في قوله: باب "العلم والعظة بالليل" قال ابن حجر: باب العلم أي تعليم العلم، بالليل والعظة، والعظة تقدم أنها الوعظ، وأراد المصنف التنبيه على أن النهي عن الحديث بعد العشاء مخصوصٌ بما لا يكون في الخير؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان..

المقدم:  يكره النوم قبله.

يكره النوم قبلها والحديث بعدها، يقول: وأراد المصنف التنبيه على أن النهي عن الحديث بعد العشاء مخصوصٌ بما لا يكون في الخير، وقال العيني: أي هذا باب في بيان العلم والعظة، وفي بعض النسخ واليقظة، يقول: وهذا أنسب للترجمة، وفي بعض النسخ هذا الباب متأخر عن الباب الذي يليه، يعني عن باب "السمر في العلم"، درج أهل العلم على تعلم وتعليم وتحصيل العلم ومدارسته بالليل، فعملوا بمثل هذا، أن النبي- عليه الصلاة والسلام- استيقظ بالليل ووعظ الناس بالكلام الذي ذكر في هذا الحديث، فدل على أن ما جاء في التحذير أو النهي عن السهر إنما هو في غير طلب العلم وما يعين على رضى الله -جل وعلا- كالصلاة والذكر وغيرهم.

قال العيني: أي هذا باب في بيان العلم والعظة، وفي بعض النسخ: واليقظة، باب العلم واليقظة في الليل يعني بدل العظة ويقول: هذا أنسب للترجمة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ، ولكن العظة أيضًا مأخوذة من قوله: «سبحان الله، ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن» هذه تتضمن الوعظ، وأيضًا الأمر بالإيقاظ..

المقدم: «وكاسية في الدنيا عارية في الآخرة». 

الحديث كله فيه وعظ، ويقول: في بعض النسخ هذا الباب متأخر عن الباب الذي يليه وموضعهما واحد، باب السمر في العلم، ووجه المناسبة بين البابين هذا الباب والباب الذي قبله والذي هو "كتابة العلم"، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول "كتابة العلم" الدالة على الضبط والاجتهاد، وهذا الباب فيه تعليم العلم، وفيه الموعظة بالليل الدال كل منهما على قوة الاجتهاد وشدة التحصيل، يعني كتابة العلم فيها ضبط للعلم، وأيضًا التعليم باب العلم والتعليم والموعظة، كل هذا أيضًا من وسائل تحصيل العلم وضبطه، وقال:- يعني العيني- الباب له ترجمتان، وهما العلم والعظة أو اليقظة بالليل، فمطابقة الحديث للترجمة الأولى يعني للشق الأول من الترجمة الذي هو العلم، في قوله: «ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن» هذا علم، وفي قوله: «فرُب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» مطابقة الشق الأول من العلم «ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن؟» المعرفة بهذا..

المقدم: هي العلم.

علم، ومطابقته للترجمة الثانية العظة في قوله: «أيقظوا صواحب الحُجر» على أن ما ذكره فيما يدل على الشق الأول، يدل أيضًا على الشق الثاني، فلا يكون حينئذٍ المطابقة على سبيل التوزيع، على سبيل القسمة، يعني شق الحديث يدل على الشق الأول من الترجمة، وشقه الثاني يدل على الشق الثاني من الترجمة.

المقدم: ليس لازمًا.

لا يلزم، استيقظ أي تيقظ ومعناه تنبه وانتبه من النوم، يقول العيني: وليست السين فيه للطلب، السين والتاء تأتي غالبًا للطلب استشفى، استرقى يعني طلب الشفاء وطلب الرقية وهكذا، لكن هنا ليست للطلب يعني لم يطلب من أحدٍ أن يوقظه، إنما تنبه هو -عليه الصلاة والسلام-، كما في قوله: «إذا استيقظ أحدكم من منامه» ليست للطلب، ومعناه انتبه من النوم، وهو فعل وفاعله النبي -عليه الصلاة والسلام-. «ذات ليلة» أي في ليلةٍ ولفظ (ذات) مقحم للتأكيد، قال الزمخشري: هو من باب إضافة المسمى إلى اسمه، المسمى (ذات)، واسمه (ليلة) من إضافة المسمى إلى اسمه، فالمسمى ذات، واسمه ليلة مثل ذات يوم، فالمسمى ذات، واسمه يوم، ويأتي في هذا الكلام من كلام العيني، وقال الجوهري: أما قولهم ذات مرة وذات الصباح فهو من ظروف الزمان التي لا تتمكن، تقول: لقيته ذات يوم وذات ليلة، التي لا تتمكن، ما معنى لا تتمكن؟

المقدم: ما تختلف سواء كان ما بعده مؤنثًا أم مذكرًا.

لأنه عندنا اسم متمكن أمكن، واسم متمكن غير أمكن، واسم غير متمكن، الاسم المتمكن الأمكن المعرب المصروف، والاسم المتمكن غير أمكن المعرب غير المصروف، وغير المتمكن...

المقدم: غير معرب وغير مصروف.

نعم، المبني، يقول الجوهري: فهو من ظروف الزمان التي لا تتمكن، تقول: لقيته ذات يوم وذات ليلة، نقله الكرماني والعيني ولم يتعقباه، قال العيني: إنما لم يتصرف ذات يوم وذات ليلة وذو صباح وذو مساء لأمرين:

 أحدهما: إن إضافتها من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم؛ لأن قولك: لقيتك ذات مرة وذات يوم قطعة من الزمان ذات مرة وذات يوم أي صاحبة هذا الاسم، وكذا ذو صباح وذو مساء أي وقت ذو صباح وذو مساء، أي صباح هذا الاسم فحذفت الظروف، وأقيمت الصفات مكانها، فأُعربت بإعرابها، وإضافة المسمى للاسم قليلة؛ لأن تفيد بدون المضاف ما تفيده معه؛ لأن إضافة المسمى إلى اسمه لا يفيد؛ لأنه لا نحتاج إلى إضافة نذكر الاسم مباشرة، فلا نحتاج إلى إضافة، نحتاج إلى إعادة الكلام ولا...

يقول: إنما لم يتصرف ذات يوم وذات ليلة وذو صباح وذو مساء لأمرين، يعني ذات للمؤنث وذو للمذكر، أحدهما إضافتها من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم، يعني كما في كلام الزمخشري سابقًا؛ لأن قولك: لقيتك ذات مرة وذات يوم قطعة من الزمان ذات مرة وذات يوم أي صاحبة هذا الاسم، وكذا ذو صباح وذو مساء أي وقت ذو صباح وذو مساء، أي صباح هذا الاسم، الذي هو مسمى بـ ذو، فحُذفت الظروف، وأقيمت صفاتها مقامها، حُذف الوقت، وأُقيم وصفه الذي هو الصباح والمساء مقامه، فأُعربت بإعرابها، وإعراب الظرف يكون بالفتح، وإضافة المسمى للاسم قليلة؛ لأنها تفيد بدون المضاف ما تفيده معه؛ لأن هذه الإضافة لا تفيد، لا تأتي بشيء جديد.

 الثاني: أن ذات وذو من ذات مرة وأخواتها ليس لهما تمكن في ظروف الزمان؛ لأنهما ليس من أسماء الزمان، والأصل أن ذو بمعنى صاحب، وذات بمعنى صاحبة، جاءني ذو مال، ولقيت ذات مال، هذا الأصل فيهما وإدخالهما على الزمان، صاحب زمان، ما معنى صاحب زمان؟ يعني على خلاف الأصل؛ لأنهما في الأصل ليسا من أسماء الزمان، فإدخالهما على الظروف الزمانية على خلاف الأصل، وزعم السُّهيلي أنَّ ذات مرة وذات يوم لا يتصرفان في لغة خثعم ولا غيرها؛ لأن منهم من يقول إن خثعم عندهم تتصرف، فقال -عليه الصلاة والسلام- عطفٌ على استيقظ: «سبحان الله» سبحان بمعنى التسبيح وهو التنزيه منصوبًا على المصدر والعرب تقول ذلك في مقام التعجب، وسيأتي البخاري –رحمه الله تعالى- ترجم في كتاب "الأدب" باب "التكبير والتسبيح عند التعجب" ترجم على هذا الحديث، وسيأتي..

وقال النُّحات: إنه من ألفاظ التعجب، كذا في شرح الكرماني في عمدة القارئ قوله: سبحان الله، مقول القول (سبحان) علم على التسبيح كعثمان علم للرجل، وانتصابه على المصدرية والتسبيح في اللغة التنزيه والمعنى هنا أُنزّه الله تنزيهًا عما لا يليق به، «ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟» (ما) استفهامية متضمنة أيضًا لمعنى التعجب والتعظيم، قاله ابن حجر: وفي شرح العيني ماذا فيه خمسة أوجه:-

الأول: أن تكون (ما) استفهامًا (وذا) إشارة نحو ماذا الوقوف؟ وأصلها ما هذا الوقوف؟ إذا أتينا باسم الإشارة هنا, وأدخلنا عليه ياء التنبيه.

المقدم: ما هذا أُنزل ما تستقيم.

الثاني: أن تكون (ما) استفهام و(ذا) موصولة بمعنى الذي.

المقدم: ما الذي أُنزل؟

هذا أوجه وأقرب.

الثالث: أن تكون (ماذا) بكاملها كلمة استفهام، يعني ليست مركبة من كلمتين.

المقدم: وهذا الأكثر.

(ماذا) استفهام يعني اسم مركب ومفاده واحد، استفهام فقط فلا يدل على إشارة ولا على كونه موصول، كقولك: لماذا جئت؟ إذا قلت لماذا جئت؟ هل أن يتأتى أن يكون ذا إشارة؟

المقدم: أبدًا، ولا موصول.

ولا موصول، بل الجميع استفهام.

الرابع: أن تكون (ما) نكرة موصوفة بمعنى شيء، شيءٌ ذا أُنزل، وليست استفهامية، متجه أم غير متجه؟

المقدم: هنا غير متجه.

الخامس: أن تكون (ما) زائدة و(ذا) للإشارة، نقدر الكلام بدون ما، "سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن"، وكذلك لا يستقيم، فإما أن يُقال..

المقدم: إنها استفهام مركب.  

استفهام فقط.

المقدم: نعم كاملة.

يعني الكل اسم استفهام على التركيب، أو يُقال: إن ما استفهام وذا موصولة، وهذا يلي الذي قبله، أو يقال أخيرًا على ما قرر له أن ما استفهامية وذا إشارة وإن كان ضعيفًا، وأما الرابع والخامس فضعيفان.

السادس: أن تكون (ما) استفهامًا و(ذا) زائدة، أجاز جماعة منهم ابن مالك، (ما) استفهامًا و(ذا) ذائدة، ونقدر الكلام بدون ذا ..

المقدم: ما أُنزل الليلة.

ما أُنزل، وهو يستفهم عن ما أنزل؟ عن الذي أُنزل، ويستقيم أم ما يستقيم؟ يعني في السياق، دعونا من كونه يجوز في بعض السياقات ويستقيم في بعض السياقات، لكن في سياق الحديث "سبحان الله ما أُنزل الليلة من الفتن".

المقدم: يعني ضعيف.

أما جوازه أجازوه، لكن هل في سياق الحديث يتجه زيادة (ذا)؟ وأظهر الأقوال إما أن تكون مركبة (ماذا أُنزل) على ما تقدم أو تكون (ذا) بمعنى الذي ما الذي أنُزل، أُنزل بضم الهمزة، وللكشميهني: أنزل الله بإظهار الفاعل. قال ابن حجر: المراد بالإنزال إعلام الملائكة بالأمر المقدور، أو أن النبي -صلى الله عليه وسل أوحى إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن، فعُبر عنه بالإنزال، وفي شرح العيني: الإنزال في اللغة إما بمعنى الإيواء كما يُقال: نزل الجيش بالبلد، ونزل الأمير بالقصر، يعني آوى إليه، وإما بمعني تحريك الشيء من علو إلى سُفل كقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}[المؤمنون:18]، وهذان المعنيان لا يتحققان في إنزال الله، فهو مستعمل في معنى مجازي بمعنى أعلم الله الملائكة بأمر مُقدر، وكذلك المعنى في إنزال الله القرآن، فمن قال: إن القرآن معنى قائم بذات الله تعالى، فإنزاله أن يوجِد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويُثبتها في اللوح المحفوظ، ومن قال: القرآن هو الألفاظ فإنزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ؛ لأن الإنزال إنما يكون بعد الوجود.. إلى آخر كلامه، سلّم هذا الكلام أم لا؟

المقدم: لا طبعًا.

لا يُسلم، وعلى كل حال القرآن كلام الله تعالى حقيقة بحرف وصوت ينزل به جبريل -عليه الصلاة والسلام- على نبينا -عليه أفضل الصلاة والسلام- بحسب الوقائع منجمًا، فالله -جل جلاله- مُتصف بصفة الكلام التي عند أهل السنة قديمة النوع متجددة الآحاد، خلافًا لمن ينفيها كالمعتزلة أو يتأولها كالأشعرية والماتريدية وغيرهم.

ونزول القرآن ونزول المطر ونزول الفتن كلها على الحقيقة وليست مجازًا، وكلها دليل على علو الله -جل وعلا- فالله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه بائن من خلقه استواءً يليق بجلاله وعظمته.

«الليلة» بالنصب على الظرفية، وماذا فُتح من الخزائن، قال الداودي: الثاني هو الأول، الاستفهام الثاني هو الأول.

المقدم: يعني الإنزال لا يكون إلا بعد أن يُفتح الشيء.

يقول: ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن؟ يقول: الثاني هو الأول، والشيء قد يُعطف على نفسه تأكيدًا، "فألفى قولها كذبًا ومينًا"، الكذب هو المين  يعطف على نفسه للتأكيد.

المقدم: الخزائن من الفتن.

فالخزائن هي الفتن، والفتن هي الخزائن على مقتضى كلامه؛ لأن ما يُفتح من الخزائن يكون سببًا للفتنة، حتى على هذا التأويل يصح كلمه أم ما يصح؟! لا يصح؛ لأن سبب الشيء ليس هو الشيء نفسه، يقول: لأن ما يُفتح من الخزائن يكون سببًا للفتنة، لو قال: إن ما يفتح من الخزائن هو الفتن بمعنى أن فتحت الخزائن فنزلت منها الفتن..

المقدم: لكان مستقيمًا.

لو كانت الخزائن هي الفتن كان كلامه متجهًا، لكن يقول: لأن ما يفتح من الخزائن يكون سببًا للفتنة، وهل المال والخزائن التي فتحت على الأمة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- هي الفتنة؟! لأن منها ما هو فتنة ومنها ما هو نعمة، وفي الجملة المال فتنة، لكن هذه الفتنة وهذا الابتلاء وهذا الامتحان وهذا الاختبار إما أن يكون خيرًا لمن ابتلى أو لمن اختبر أو يكون شرًّا له، قال ابن حجر: وكأنه فهم أن المراد بالخزائن، خزائن فارس والروم وغيرهما مما فُتح على الصحابة، لكن المغايرة بين الخزائن والفتن أوضح؛ لأنهما غير متلازمين، وكم من نائل من تلك الخزائن سالم من الفتن، يعني كل من نال من تلك الخزائن فُتن؟! لا, إذًا العطف للمغايرة.

المقدم: نعم فيه فتن، وفيه خزائن.

فيه فتن وفيه خزائن قد تكون سببًا للفتن، والمراد بالفتن إذا أُطلقت ما يضر، الفتن التي تضر صاحبها، أما الفتن التي لا تضر صاحبها كفتنة المال والولد وما أشبه ذلك، والفتن التي تُكّفَر هذه تخرج مما جاء في الحديث، ومن إطلاق لفظ الفتنة، في شرح الكرماني يقول: عبر عن الرحمة بالخزائن، «ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن؟» يعني من الرحمات، وكأنه أيضًا من الرحمات التي تنزل في آخر الليل في وقت استيقاظه -عليه الصلاة والسلام-، عبر عن الرحمة بالخزائن؛ لقوله: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}[الإسراء:100]، فالرحمة رحمة الرب في خزائنه -جل وعلا- وعن العذاب بالفتن؛ لأنها أسباب مؤدية إلى العذاب، فكأنه -عليه الصلاة والسلام- تعجب مما أُنزل في تلك الليلة من أسباب العذاب ومن أسباب الرحمة، من أسباب العذاب ومن أسباب الرحمة، ولا شك أن الليل كالنهار ظرف لما يوقع فيه مما يكون سببًا للرحمة ومما يكون سببًا للعذاب، فمن عمل في هذا الظرف سواء كان في الليل أو في النهار ما يقرب إلى الله -جل وعلا- استحق الرحمة، ومن عمل فيه في هذا الظرف ما يبعد عن رحمة الله، بل يوجب سخطه وغضبه فهو من استحق العذاب.

يقول: عبر عن الرحمة بالخزائن وعن العذاب بالفتن؛ لأنها أسباب مؤدية إلى العذاب، كما أن هذه الخزائن التي هي الرحمات مؤدية إلى رضا الله -جل وعلا-، فتعجب النبي -عليه الصلاة والسلام- مما أوحي إليه به أو رآه في منامه أو كُشف له عنه -عليه الصلاة والسلام- مما يؤدي إلى فتنة الإنسان في دينه أو مما يقربه إلى الله- جل وعلا-  صار سببًا للحث على ما يطفأُ به الغضب الناشئ عن الفتن، وما يقرب إلى الله -جل وعلا-، ولذا أردفه بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «أيقظوا صواحب الحُجر» من أجل الصلاة والدعاء والاستغفار، وبهذا تُستدفع النقم، وتجلب النعم.

المقدم: إذًا نستكمل بإذن الله بقية الألفاظ في حلقة قادمة؛ لانتهاء وقت هذه الحلقة.

شكر الله لكم فضيلة الدكتور.

شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات، نستكمل بإذن الله ما تبقى في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.