شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (137)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى لقاء جديد ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخنا الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لا زلنا في هذه الحلقة أيضًا نستكمل ما بدأناه في حلقتين ماضيتين، حول حديث أبي موسى الأشعري– رضي الله عنه- لعلنا نستكمل في هذه الحلقة ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث، إذا تفضلتم يا شيخ.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، انتهينا من الكلام على قوله: «وزرعوا» ثم قال في الحديث: «وأصاب أي الماء طائفةً أخرى»، وللأصيلي وكريمة: «أصابت»، أي طائفة أخرى، ووقع كذلك صريحًا عند النسائي، والمراد بالطائفة القطعة.

«إنما هي قيعان» «إنما هي قيعان» يقول الكرماني: بكسر القاف قيعان، جمع القاع وهو الأرض المستوية، وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في الحديث.

المقدم: لكن طائفة على النصب؟

أصاب طائفةً، أصاب الماء طائفةً.

المقدم: ما يصح الرفع أبدًا فيها، من قال: بالرفع أو في بعض النسخ تأتي مشكلة بالرفع.

أي إذا قلنا: أصابت، في رواية كريمة والأصيلى: أصابت طائفة.

القيعان بكسر القاف جمع القاع، والأرض المستوية وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في الحديث، وفي التنقيح للزركشي: قيعان جمع قاع، وهو المستوي الواسع في وطأةٍ من الأرض، وأتي به صفة للقلوب التي لا تعي ولا تفهم، لا تعي ولا تفهم، وفي كلام إسحاق الذي ساقه الإمام – رحمه الله تعالى- بعد رواية الحديث، "قاعٌ يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض" أراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع،  جرت عادته –رحمه الله- أنه إذا جاء في الحديث لفظة لها ولو اشتقاق في القرآن.

المقدم: يأتي به.

ما يشاركها في أصل المادة يأتي به ويفسره، "قاعٌ يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض" أراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع، وأنها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها، يعني إذا كانت الأولى، الأرض الأولى: أنبتت، شربت الماء، وأنبتت الكلأ والعشب فانتفع الناس بها، الثانية: أمسكت الماء، الثالثة: قاع مستوية ملساء لا تمسك.

المقدم: ولا تنبت.

ولا تنبت، وبهذا يتم التقسيم، وإنما ذكر الصفصف معه جريًا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث، من الألفاظ الواقعة في القرآن، وقد يستطرد –رحمه الله–.

«لا تمسك ماءً» في محل الرفع؛ لأنه صفة قيعان، «ولا تنبت كلًا» عطفٌ عليه وهو أيضًا صفته، فذلك أي ما ذُكر من الأقسام الثلاثة، فذلك أي ما ذُكر من الأقسام الثلاثة، «مثلُ» بفتح الميم المثلثة، «من فقه» بضم القاف أي صار فقيهًا، وقال ابن التين: رويناها بكسرها والضم أشبه فقه، وقال النووي: روي هنا بالوجهين بالضم والكسر، والضم أشهر، قال العيني: الفقه الفهم، يقال فقِه بكسر القاف، كفرِح يفرح، وأما الفقه الشرعي فقالوا: يقال منه فقُه بضم القاف، وقال ابن دريد: بكسرها، والمراد بها هاهنا هو الثاني، فتضم القاف على المشهور، وعلى قول ابن دريد: تكسر، هذا كلام العيني ومثله للكرماني، والعيني يستفيد كثيرًا من الكرماني.

 في دين الله سبق الحديث عن الفقه في الدين مستوفىً في حديث ابن عباس، ونفعه ما بعث الله تعالى، وفي رواية ابن عساكر «بما بعثني» أي بالذي، «فعلمَ وعلَّمَ ونفعه ما بعثني الله تعالى به»، «فعلمَ وعلَّم»، فمن تعلم العلم الشرعي وعمل به وعلمه الناس، فهذا هو العالم الحق، وهو الرباني الذي يربي الطلاب، يقول ابن بطال: يصلح أن يخرج تحت هذه الترجمة قوله -عليه الصلاة والسلام-: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

 «ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا» أي تكبر ولم يلتفت إليه من غاية تكبره، وهو من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به، ولم يعلمه فهو كالأرض السبخة، التي لا تقبل الماء وتفسده على غيرها، قاله القسطلاني.

 «ولم يقبل هدى الله» قال الكرماني: اكتفى بذكر الهدى عن ذكر العلم؛ لأن نفي قبوله مستلزمٌ لنفي قبول العلم، نفي قبول الهدى..

المقدم: مستلزم.

مستلزمٌ لنفي قبول العلم، انتهى يعني من باب أولى، وفي شرح القسطلاني أشار بقوله: «ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» إلى من لم يدخل في الدين أصلًا، أشار بقوله: «ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» إلى من لم يدخل في الدين أصلًا، بل بلغه فكفر به، وهو كالأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا تنتفع به، وفي شرح ابن بطال قال المهلب: في الحديث ضرب الأمثال في الدين، والعلم، والتعليم، وفيه أنه لا يقبل ما أنزل الله من الهدى والدين إلا من كان قلبه نقيًّا من الإشراك والشك، فالتي قبلت العلم والهدى كالأرض المتعطشة إليه، فهي تنتفع به فتحيا فتنبت، فكذلك هذه القلوب البريئة من الشك والشرك، المتعطشة إلى معالم الهدى والدين، إذا وعت العلم حيت به فعملت به، وأنبتت ما تحيى به أرماق الناس المحتاجين إلى مثل ما كانت القلوب الواعية تحتاج إليه، ومن الناس من قلوبهم متهيئة لقبول العلم، من الناس من قلوبهم متهيئة لقبول العلم، لكنها ليس لها رسوخ، فهي تقبل وتمسك حتى يأتي متعطش فيروي منها، ويرد على منهلٍ يحيا به، هذا مثل من أمسك، وتسقى به أرضٌ نقية فتنبت وتثمر، وهذه حال من ينقل العلم ولا يعرفه ولا يفهمه، يعني النوع الأول مثله مثل من اكتملت لديه الآلة.

المقدم: الذي أنبت الكلأ والعشب.

نعم، فعلم عَلِمَ وعَمِلَ وعلَّم.

المقدم: هذا أفضلها.

هذا أفضلها، علِم اكتملت لديه آلة التعلم والتحصيل، بأن صار مخلصًا في تعلمه، متقيًا لربه فيه، وهذه من أهم وسائل التحصيل، بعد ذلك اكتمل له الفهم والحفظ، الثانية: تشاركها في الحرص على التعلم، لكن ليس لديها من الفهم ما تستطيع به أن ... مثلما قالوا: ومن الناس من قلوبهم متهيئة لقبول العلم، لكن ليس لها رسوخ فهي تقبل وتمسك. تحفظ، لكن ليس هناك فهم يبلور هذا المحفوظ، فهي تقبل وتمسك حتى يأتي متعطشٌ فيروي منها، ويرد على منهلٍ يحيا به، وتسقى به أرضٌ نقية فتنبت وتثمر، وهذه حال من ينقل العلم ولا يعرفه، ولا يفهمه، يعني مجرد نقله حفاظ فقط.

 يعني يروى عنهم العلم، لكن ما لديهم رواية وليس لديهم..

المقدم: دراية.

دراية نعم، ونقول: مثل هذا في النساخ، الوراقين الذين حفظ الله بهم العلم في الكتب، لكن ليست لهم أدنى تصرف في هذه الكتب.

المقدم: شيخ -أحسن الله إليك- يعني هل يصح ما ينسب إلى بعض أهل العلم أنهم يضربون الأمثلة بالصحابة -رضي الله عنهم – في هذا؟ وهل يليق هذا؟

 من أي وجه؟

المقدم: يعني يقولون: الثاني مثل أبي هريرة –رضي الله عنه- حفظ العلم للأمة، لكنه ليس، هل يصح؟

حفظ العلم للأمة، وهو من فقهاء الصحابة، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية من فقه أبي هريرة ما يبهر العقول.

المقدم: رضي الله عنه.

حتى إن عمر – رضي الله عنه- سأله في المطلقة طلاقا رجعيًا، إذا نكحت زوجًا آخر، ترجع بطلقتها أو ترجع من جديد كالبائن؟ فقال أبو هريرة: ترجع بطلقتها، يعني ما زالت محسوبة عليها، والإلغاء إنما يكون كالهدم.

المقدم: كهدم للبينونة الكبرى.

للبينونة الكبرى، وقال عمر: شهد له بالفقه، وقال: لو قلت غير ذلك لكان له موقف آخر -رضي الله عنه-، المقصود أن شيخ الإسلام ذكر أمثلة، تدل على فقه أبي هريرة ودقة استنباطه، إضافةً إلى ما عنده من حفظ، فهو حافظ الأمة على الإطلاق، «ومنها قيعان» يعني قلوبًا تسمع الكلام فلا تحفظه، ولا تفهمه فهي لا تنتفع به ولا تنبت شيئًا كالسباخ المالحة، التي لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، التي لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، يوجد أناس وإن كان المثل لا يطابقه من كل وجه؛ لأن هذا «مثل من لا يرفع بذلك رأسًا» لكن هنا ناس رفعوا بالدين رأسًا، وحرصوا عليه.

وجاء وصفهم؛ لتخلف أدوات التحصيل من الحفظ والفهم، فبعضهم خمسين سنة يطلب العلم، لكن ليست عنده حافظة تسعف ولا فهم يدرك، مثل هذا قيعان، لكن يكفيه أنه مع النية الصالحة، يكفيه أنه يسلك الطريق، وجاء الوعد في حق من سلك الطريق «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، أي ليس بذنبه أن يكون هكذا لا يفهم ولا يحفظ.

المقدم: شيخ- أحسن الله إليك- لماذا ضرب الأمثلة يعني ضرب بثلاث صور، بينما في آخر الحديث صورتان فقط؟

سيأتي هذا.

يقول ابن حجر: قال القرطبي وغيره: ضرب النبي –صلى الله عليه وسلم- لما جاء به من الدين مثلًا بالغيث العام، الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه –عليه الصلاة والسلام- فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل به الغيث.

 فمنهم العالم العامل المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها، مثال مطابق، تمثيل مطابق من كل وجه، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء، فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «نضّر الله امرًا سمع مقالتي فأداها كما سمعها».

ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه، ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض السبخة، أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين؛ لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة؛ لعدم النفع بها، والله أعلم.

يقول ابن حجر: ثم ظهر لي، ثم ظهر لي أن في كل مثلٍ طائفتين، في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه، والثانية، الطائفة الثانية، الأولى منه، الأولى منه قد دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، ومثالها من الأرض السباخ، وأشير إليها بقوله –صلى الله عليه وسلم-: «من لم يرفع بذلك رأسًا».

المقدم: رأسًا.

أي أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع، والثانية: من لم يدخل في الدين أصلًا، في كل مثل طائفتين، الطائفة الأولى.

المقدم: عَلِمَ وعلَّمَ.

عَلِمَ وعلَّمَ.

المقدم: ولها مثلان.

الطائفة، طائفتان، الطائفة الأولى شقان، واحد علِم، وواحد أمسك لغيره ليعلَم، الثانية.

المقدم: للقيعان.

 أيضًا الطائفة الثانية منها صورتان، الأولى من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، هذا ما نفع ولا انتفع، ومثالها من الأرض السباخ، وأشير إليها بقوله –عليه الصلاة والسلام-: «من لم يرفع بذلك رأسًا»، أي أعرض عنه فلم ينتفع ولا نفع.

والثانية منه، والثانية منه يعني من النوع الثاني، من لم يدخل في الدين أصلًا، بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية، التي عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «ولم يقبل هدى الله الذي جئت به»، أراد أن يجعل من لم يرفع بذلك رأسًا أنه دخل في الدين، لكنه أعرض عن تعلم الدين، وأشار إلى الثانية بقوله: «ولم يقبل هدى الله الذي جاء به»، الذي لم يدخل في الدين أصلًا، قال الطيبي: بقي من أقسام الناس قسمان: أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره؛ لأن النوع الأول.

المقدم: نفع وانتفع.

نفع وانتفع، الثاني في الحديث.

المقدم: أمسك.

أمسك لم ينتفع، لكنه نفع، بينهما انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره، والثاني من لم ينتفع به في نفسه

وعلمه غيره عكس هذه، انتفع بالعلم في نفسه، صار لديه شيء من العلم، لكنه كتمه عن غيره، الثاني: عنده شيء من العلم، لكنه لم ينتفع به في نفسه، بمعنى أنه لم يعمل به، لكنه علمه غيره لم يعمل بالعلم، بل علمه غيره، وهذا يختلف الحقيقة إن كان لم يعمل بالفرائض فهذه مشكلة، إن كان لم يعمل بالنوافل وعمل بالفرائض لا شك أن هذا حرمان، لكنه يبقى في دائرة الممدوح.

قال ابن حجر: قلت: والأول داخلٌ في الأول؛ لأن النفع حصل في الجملة، انتفع ولم يعلم؛ انتفع يعني في الجملة، وإن تفاوتت مراتبه وكذلك ما تنبته الأرض، فمنه ما ينتفع الناس به، ومنه ما يصير هشيمًا، وأما الثاني فإن كان عمل الفرائض، وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه، وإن ترك الفرائض أيضًا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم «من لم يرفع بذلك رأسًا».

وفي التنقيح للزركشي يقول: هذا الحديث بديعٌ في التقسيم، يقول في التنقيح للزركشي: هذا الحديثٌ بديع في التقسيم؛ لاستيفائه أحوال الناس، وأنها لا تخرج عن ثلاثة، فشبه من تحمل العلم وتفقه فيه بالأرض الطيبة، أصابها المطر، فنبتت وانتفع بها الناس.

الآن عندنا الأول، فشبه من تحمل العلم وتفقه فيه بالأرض الطيبة، أصابها المطر فنبتت وانتفع بها الناس، فتحمل العلم وتفقه فيه يعني وعلمه غيره، وشبه من حمله ولم يتفقه.. ومن لم يتفقه، حمل العلم ولم يتفقه، الأول يجمع بين الرواية والدراية، الثاني رواية فقط دون دراية، شبه من حمل ولم يتفقه بالأرض الصلبة، التي لا تنبت ولكنها تمسك، فيأخذه الناس وينتفعون به ويستنفعون به، وشبه من لم يحمل ولم يفهم بالقيعان التي لا تنبت ولا تمسك، وهذه أمثلةٌ ضربت، فالأول لمن ينتفع بالعلم وينفع، والثاني لمن ينفع غيره بالعلم ولا ينتفع، والثالث لمن لا ينتفع ولا ينفع، بقي من القسمة شيء؟ ينتفع وينفع، ينفع غيره ولا ينتفع، لا ينتفع ولا ينفع، الآن عكس الأولى، لم ينتفع بالعلم.. ينتفع وينفع عكسه؟

المقدم: لا ينتفع ولا ينفع.

الثالثة: لمن لا ينتفع ولا ينفع، عكس الثانية لمن ينفع غيره بالعلم ولا ينتفع.

المقدم: لا ينفع غيره وينتفع هو.

نعم، إذًا القسمة لابد أن تكون رباعية، عندنا رواية وعندنا دراية، من اهتم بالرواية فقط وغفل عن الدراية هذا في عُرف الفقهاء يسمونهم ماذا؟

الأخ الحاضر:

الوراقين، النساخ.

لا، لا، يعني أهل الحديث الصرف الذين ما عندهم تصرف ولا استنباط، يسمونهم الصيادلة، الصيادلة، بينما من يستنبط يسمونهم الأطباء، تنظير مطابق نوعًا ما، لكن عادة يبقى أن الفقهاء قد يسمون أنفسهم الأطباء، ويسمون أهل الحديث بعمومهم صيادلة، لكن هذا ليس بصحيح، الأطباء هم فقهاء أهل الحديث، هم الأطباء في الحقيقة.

قال الكرماني: قيل: إنما اختار الغيث من بين سائر أسماء المطر؛ ليؤذِن باضطرار الخلق إليه حينئذٍ، اختار اسم الغيث من بين أسماء المطر؛ ليؤذِن باضطرار الخلق إليه حينئذٍ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}[الشورى:28]، ثم قال الكرماني: فإن قلت: في الحديث تشبيهان أو تشبيهٌ واحد، فيه تشبيهان أو تشبيهٌ واحد؟

الأخ الحاضر: تشبيهٌ واحد، تشبيهان.

أو تشبيهات؟ قلت: تشبيهاتٌ متفرقة ومتعددة باعتبار الأجزاء، كتشبيه ما بعثه الله به بالغيث الكثير هذا تشبيه، وتشبيه أنواع الناس بأنواع الأرض، إذًا تشبيهات، فإن قلت: هما من أي قسم من أقسام التشبيه؟ قلت: الأول من تشبيه المعقول بالمحسوس، المعقول الذي هو العلم والهدى بالمحسوس الذي هو الغيث.

والثاني من تشبيه المحسوس بالمحسوس، شخص تأثر، شخصٌ تأثر شُبه بالأرض التي أنبتت، محسوس بمحسوس، قال: ويحتمل أن يكون تشبيهًا واحدًا، ويحتمل أن يكون تشبيهًا واحدًا من باب التمثيل، أي تشبيه صفة العلم الواصل، العلم بكامله، الواصل إلى أنواع الناس بفروعه، العلم بفروعه على القول الأول، كل فرع من هذه الفروع تشبيه.

 العلم كله تشبيهٌ واحد بفروعه بجميع أمثاله وأنواعه، قال: ويحتمل أن يكون تشبيهًا واحدًا من باب التمثيل، أي تشبيه صفة العلم بجميع فروعه، التي وصلت الناس، وتعامل الناس مع هذه الفروع تشبيه واحد، صفة العلم الواصل إلى أنواع الناس من جهة اعتبار النفع وعدمه، بصفة المطر المصيب إلى أنواع الأرض من تلك الجهة، الآن تشبيهٌ واحد، مطر غيث نزل على الأرض، مشبه ومشبه به، ثم بعد ذلك هذه الأرض أقسام، من شبه بهذه الأرض بأنواعها وأقسامها أقسام أيضًا، فهو من هذا الحيثية تشبيهٌ واحد.

فإن قلت: فقوله: فذلك مثل من فقه، هل هو داخلٌ في التشبيه أو تشبيهٌ آخر؟ فإن قلت: فقوله «فذلك مثل من فقه»، هل هو داخلٌ في التشبيه، أو هو تشبيهٌ آخر؟ قلت- القائل الكرماني-: هو تشبيهٌ آخر ذكر كالنتيجة للأول ولبيان المقصود منه.

 والحديث رواه مسلم، فهو متفقٌ عليه.

المقدم: أحسن الله إليك يا شيخ، كلمة "الغيث" في الحديث، ذكر بعض أهل العلم أن الغيث يطلق في الخير وحده، وأما المطر فإنه في الخير، وقد يكون في الشر، هل هذا على إطلاقه؟

لا شك أن الأسماء المتعددة لمسمىً واحد، يقال لها في الجملة من المترادف، المترادف، وأثبت المترادف جمعٌ من أهل العلم، بمعنى الترادف من كل وجه، يعني لا تمتاز أي لفظة عن الأخرى بأي شيء، فالغيث هو المطر، والمطر هو الغيث، ولا فرق، والذي ينفي الترادف، يقول: لابد أن يوجد بين هذه الألفاظ التي ظاهرها الترادف فروق.

 وإن كانت هذه الفروق دقيقةً لا تتضح لجميع الناس، ولا شك أن الغيث، الغيث إذا أخذناه من الأصل من إغاثة ملهوف، أخذناه من إغاثة ملهوف هذا نفع بلا شك، المطر يشمل الغيث الذي ينفع الناس، ويشمل أيضًا ما يضر بهدم البيوت وإغراق الناس، فالذي يغيث لا شك أنه من باب إغاثة الملهوف وهذا نافع، لكن قد يتولى شخص إغاثة ملهوف ويضره ويتضرر به، فليست الأمور على إطلاقها، إنما الغالب في المغيث أنه نافع.

المقدم: شيخ أحسن الله إليك الملاحظ في الحديث، وربما هذا أشرتم إلى شيءٍ منه في ثنايا الكلام، النبي– صلى الله عليه وسلم- ذكر ثلاثة أقسام، ثم عاد وذكر ما يشتمل على هذه الثلاثة الأقسام بذكر القسمين «مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا»، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يا شيخ مثل هذا الأسلوب النبوي، ألا يعني يستحث الناس من خطباء، ودعاة، ووعاظ على استعماله وتمثيل ذلك بالمحسوسات؟

مسألة الأمثال النبوية، الأمثال النبوية لا شك أنها نوع من أنواع تبليغه – عليه الصلاة والسلام-، بل هي من أهم هذه الأنواع، وقد عني بها أهل العلم وصنفوا فيها مصنفات، وهي نظير ما جاء في القرآن من الأمثال.

 الأمثال ينبغي أن يُعنى بها العالم والمتعلم؛ لأنه جاء في الأمثال القرآنية {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43].

المقدم: إلا العالمون.

ونقول مثله في الأمثال النبوية؛ لأنها من كلام من لا ينطق عن الهوى، فعلى الجميع علماء ومتعلمين أن يعنوا بهذه الناحية، وأيضًا أن يكون تعليمهم وتبليغهم للعلم والدين بهذه الطريقة، ينحون هذا المنحى، فيكثرون من ضرب الأمثلة؛ لأنه بالمثال يتضح المقال، بالمثال يتضح المقال؛ ولذا جاءت الأمثلة في القرآن، وجاءت الأمثلة في السنَّة، والعلماء لهم أيضًا كتب في التمثيل والتنظير.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.  

أيها الإخوة والأخوات كنا وإياكم في هذا البرنامج مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، نلقاكم بإذن الله تعالى في حديث آخر من هذا الكتاب، كتاب الجامع التجريد الصريح الذي هو من أحاديث الجامع الصحيح، والمشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي -رحمه الله-، نلقاكم بإذن الله وأنتم على خير، شكرًا للإخوة الحضور معنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.