كتاب العلم (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يسأل يقول: ما تقييمكم لحواشي محمد شكري الأنقروي على صحيح الإمام مسلم في نسخة المطبعة العامرة، والتي اعتنى بها مؤخرًا محمد زهير الناصر، ونشرتها دار المنهاج وطوق النجاة؟

هذه الدار هي التي اعتنت بصحيح البخاري الطبعة السلطانية وصورته ونفع الله به، ثم اعتنت بصحيح مسلم في أصح طبعاته الطبعة العامرة، وهذه الحواشي المشار إليها لمحمد شكري الأنقروي هذه مأخوذة من الشروح، مأخوذة من النووي، مأخوذة من الأبي، مأخوذة من السنوسي، من الشروح، وبعضها ينقل من هذه الشروح على ما فيه من المخالفات، يعني مخالفات عقدية تمشي عليه؛ لأنه ليس من أهل التحقيق في مجال الاعتقاد مثل الشراح على طريقتهم وسننهم، لكنها في الجملة الانتقاء جيد، انتقاؤه للحواشي من هذه الشروح جيد.

طالب: .......

يقال فيها ما فيها أخطاء، لكنها أصح النسخ.

طالب: .......

المقصود أنها معتنى بها، يعني متقنة في الجملة.

طالب: .......

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خيرًا.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتِ المَاءَ، قَاعٌ يَعْلُوهُ المَاءُ، وَالصَّفْصَفُ المُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول الشارح -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (قوله: باب فضل من عَلِم وعَلَّم) جاء في تعريف الرباني أنه من علِم وعمل وعلَّم، يعني جمع بين التعلم أولاً ثم العمل بما علم ثم تعليمه للناس، وهذا أحد ما قيل في تفسير الرباني: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]، وجاء عن ابن عباس أنه من علم الناس بصغار العلم قبل كباره.

يقول الشارح -رحمه الله-: (قوله: باب فضل من علم وعلم، الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالمًا، والثانية بفتحها وتشديدها) لأن من المتعلمين من يوفق للبذل فيدخل في هذا الحديث، ومنهم من يتعلم وينتفع به في نفسه ولا يتعدى نفعه إلى غيره، ومنهم من يتعلم فيكون علمه وبالاً عليه فلا ينتفع به ولا ينفع به غيره، ومنهم من يتعلم ويتعدى نفعه إن قلنا: إنه نفع إلى غيره ولا ينتفع به هو، فالقسمة رباعية، وأصناف هؤلاء المتعلمين أشار إليها في الحديث، وهذا في موضع المدح والذم.

هناك تقسيم من جهة أخرى، وهي أن من آحاد المتعلمين من جمع الله له بين الحفظ والفهم، وهذا هو الذي ينتفع في الغالب إذا اقترن ذلك بنية صالحة، ومنهم من يفهم ولا يحفظ، ومنهم من يحفظ ولا يفهم، فيكون يحفظ العلم كالأرض التي أشير إليها التي تحفظ الماء ولا تنبت عشبًا، لكنها تحفظ لمن يستفيد منها.

يقول الشارح: (قوله: حدثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وكذا شيخه أبو أسامة، وبريد بضم الموحدة، وأبو بردة جده، وهو ابن أبي موسى الأشعري، وقال في السياق: عن أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننًا) ولم يقل عن أبيه، العادة جرت بأنه إذا كان الراوي يروي عن أبيه فيقول: عن أبيه، أو: حدثني أبي، إما أن يقول: عن أبيه فيكون المتحدث الراوي عنه، أو يتحدث هو بنفسه ويقول: حدثني أبي، وأحيانًا يصرح باسمه أو بكنيته من باب التفنن في العبارة لئلا يمل القارئ من كثرة ما يقول: حدثني أبي أو عن أبيه، فيقول: عن أبي موسى، وقد يسميه بعد الناس يعني مثل هذا تجريد، والأصل في التجريد أن يجرد من نفسه شخصًا يتحدث عنه، وهنا يجرد من أبيه شخصًا يتحدث عنه. وفي حديث سعد: عن سعد أنه قال: أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- رهطًا وسعد جالس، ما قال: وأنا جالس، هذا يسمونه تجريدًا، فقد يتعدى ذلك إلى أن يتحدث عن أبيه؛ لأنه بضعة منه فيجرد من أبيه شخصًا فيسميه، وإلا فالأصل أن التسمية بالنسبة للأب غير لائقة ولو بالكنية، التسمية للأب: حدثني فلان، من فلان؟ كأنك لا تربطك به رابطة، وبعض الناس يخاطب أباه بكنيته أو يخاطب عمه بكنيته: يا فلان!

الأصل أن يذكر ما يربطه به، يخاطبه بالسبب الذي يربطه به: يا أبت، يا عماه، إلى آخره، أما أن يقول: يا أبا محمد فيساوي به البعيد من الناس فهذا ليس بلائق. قد يعدل عن الجادة المألوفة الدالة على التقدير والاحترام إلى شيء يخرج عنها نادرًا؛ لتفنن في العبارة أو ما أشبه ذلك، أو من باب الميانة، بعض الناس يطرح الكلفة بينه وبين أبيه يحادثه كأنه يعني من باب إزالة الكلفة لا من باب عدم التقدير والاحترام فيسميه وما أشبه ذلك، فالأمر يتجاوز في ذلك، لكن المسألة ترجع إلى ما في القلب من الاحترام والتوقير بين الابن وأبيه.

قال: (والإسناد كله كوفيون.

قوله: «مثل» بفتح المثلثة والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر) واحد الأمثال يقال له مثل، والمراد به القول السائر، وألفت فيه المصنفات: الأمثال، الأمثال لها كتب، الميداني له مصنف في مجلدين، وغيره صنف في الأمثال. لكن «مثل» هنا والمراد به الحال المطابقة بين الممثل والممثل به، ومنه أمثال القرآن.

طالب: .......

نعم أمثال القرآن ليست من الأمثال السائرة لذلك لا تجدها في كتب الأمثال وإنما هي من هذا الباب، والعناية بالأمثال في غاية الأهمية، لأن الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، حتى إن بعضهم إذا لم يفهم المثل رجع إلى نفسه باللوم، وبعضهم يبكي: أنا لست من أهل العلم؛ لأن الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، والله -جَلَّ وعَلا- يضرب الأمثال للناس: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وفي السنة النبوية أمثال كثيرة وألف فيها مؤلفات في الأمثال النبوية، وأمثال القرآن لابن القيم وغيره من المصنفات.

(قوله: «الهدى» أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، و«العلم» المراد به معرفة الأدلة الشرعية) لأن الحكم بدون دليل ليس بعلم، معرفة الحكم بغير دليله ليس بعلم، ولذا نقل الاتفاق على أن المقلد ليس من أهل العلم، الذي يأخذ قول الغير من غير نظر في دليله.

(قوله: «نقية» كذا عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف، لكن وقع عند الخطابي والحميدي وفي حاشية أصل أبي ذر: ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة بعدها موحدة خفيفة مفتوحة، قال الخطابي: هي مستنقع الماء في الجبال والصخور، قال القاضي عياض: هذا غلط في الرواية وإحالة للمعنى؛ لأن هذا وصف الطائفة الأولى التي تُنبت، وما ذكره يصلح وصفًا للثانية التي تمسك الماء، قال: وما ضبطناه في البخاري من جميع الطرق إلا «نقية» بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء التحتانية، وهي مثل قوله في مسلم: «طائفة طيبة».

 قلت: وهو في جميع ما وقفت عليه من المسانيد والمستخرجات كما هو عند مسلم وفي كتاب الزركشي، وروي: بقعة) كتاب الزركشي شرح مختصر جدًّا أو إن شئت فسمه نكتًا على البخاري. (وروي: بقعة. قلت: هو بمعنى طائفة، لكن ليس ذلك في شيء من روايات الصحيحين)، قال: (ثم قرأت في شرح ابن رجب)، يقول ابن حجر: (ثم قرأت في شرح ابن رجب) وهذا هو الموضع الأول الذي ينقل فيه ابن حجر عن ابن رجب، وهي ثلاثة مواضع نقل فيها ابن حجر عن الحافظ ابن رجب، مما يدل على أنه اطلع عليه خلافًا لمن نفى ذلك، والغريب أنه سماه باسم شرح ابن رجب فتح الباري.

(ثم قرأت في شرح ابن رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال: فلان بقية الناس) كما يقال: فلان بقية السلف، إذا كان ممن يقتدي بهم ويظهر ذلك في سيرته وطريقته وسمته. وفي شرح ابن رجب روايات بعض الألفاظ في الصحيح لا توجد عند اليونيني، مما يدل على أنه اطلع على شيء من النسخ مما لم يطلع عليه اليونيني مع اهتمامه وشدة حرصه.

(ومنه: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ} [هود: 116].

قوله: «قبلت» بفتح القاف وكسر الموحدة من القَبول، كذا في معظم الروايات، ووقع عند الأصيلي: قيلت بالتحتانية المشددة، وهو تصحيف كما سنذكره بعد)، أنت قرأتها: قيلت، وهي موجودة في السلطانية قيلت، فكانت منها نقية قبلت الماء، ثم بعد ذلك، فيه قيلت مرت بنا في آخر الحديث: وكان منها طائفة، قال أبو عبد الله: قال إسحاق: وكان منها طائفة قيلت الماء، رقم إحدى عشر، وهو بالياء التحتانية المشددة للأصيلي.

 قال: ومعنى «قبلت» أمسكت. قيلت نعم أمسكت، «قبلت» الموضع الأول، الموضع الأول ما فيه اختلاف: «قبلت».

(قوله: «الكلأ» بالهمزة بلا مد. قوله: «والعشب» هو من ذِكر الخاص بعد العام؛ لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معًا، والعشب للرطب فقط. قوله: إخاذات) يعني عندك الكلأ والعشب والخلا، «لا يختلى خلاها» يعني العشب.

(قوله: إخاذات، كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع إخاذة، وهي الأرض التي تمسك الماء) يعني مثل الغدير مسلمة. (وفي رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره: «أجادب» بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس، وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء).

 تمسك فيستفيد منها الناس، يعني لا تنبت لكن يستفاد منها: يشربون ويستقون ويتوضئون ويغسلون ما يريدون غسله، فهي مفيدة أحسن من التي تشرب الماء ولا تنبت.

إخاذات، ماذا تنبت؟

طالب: .......

لا، وبالذال وبالخاء وبالذال، شف الحرف الذي بعده ألف لا يمكن أن يضبط، والحرف الذي بعده ياء لا يمكن أن يضبط؛ لأنه لا بد أن يكون ما بعده ألف مفتوحًا.

طالب: .......

أين؟ يعني بكذا .......

طالب: .......

بكسر الهمزة، وبالخاء وليس بالحاء والذال المعجمتين ....... «وكان منها نقية».

طالب: .......

 ماذا فيه؟ ولتكن كان تامة، يوجد منها نقية، تكون تامة، بمعنى وُجد، تامة لا تحتاج إلى خبر، فلو قال اسمها، يقول: فاعل، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280].

(وضبطه المازري بالذال المعجمة) أجاذب، (ووهمه القاضي، ورواها الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب: أحارب بحاء وراء مهملتين، قال الإسماعيلي: لم يضبطه أبو يعلى، وقال الخطابي: ليست هذه الرواية بشيء، قال: وقال بعضهم: أجارد بجيم وراء ثم دال مهملة جمع جرداء، وهي البارزة التي لا تنبت، قال الخطابي: هو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية، وأغرب صاحب المطالع فجعل الجميع روايات، وليس في الصحيحين سوى روايتين فقط، وكذا جزم القاضي).

 لأن الوجوه المحتملة في الكلمة الواحدة قد تكون كثيرة، لكن العبرة بما ثبتت به الرواية، وإذا كان لفظ واحد فلا يتوقع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال جميع هذه الألفاظ وإنما قال واحدًا منها والبقية إما رواية بالمعنى أو تصحيف، وحينئذٍ لا يصحح الجميع، لو علمنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال إلا لفظًا واحدًا فكيف يصحح الجميع فيحكم على أرجحها وأولاها بأنه هو الصحيح الثابت وما عداه يحكم عليه بالشذوذ أو أنه رواية بالمعنى، والرواية بالمعنى عند أهل العلم جائزة بشرطها.

طالب: .......

أين؟ والعبرة في الصحيح ما بعد البخاري، لا تنظر إلى ....... يعني ما قبل البخاري هو الذي في الصحيح، أما كوني أجد في الصحيح لفظًا روي من خمسة أوجه اختلف فيه رواة الصحيح ما تنسب للصحيح.

طالب: .......

نعم، ممن روى الصحيح، أبو ذر له رواية، الكشميهني له رواية تختلف عنها، نقول: إن من رواية الصحيح الثنتين كلها ثبتت في البخاري؟ لا، من تصرف الرواة من بعد.

طالب: .......

بعد البخاري، هذه ما تنسب إلى رواية الصحيح.

(قوله: «فنفع الله بها» أي بالإخاذات، وللأصيلي: به أي بالماء. قوله: «وزرعوا» كذا له بزيادة زاي من الزرع ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم وغيرهما عن أبي كريب، ولمسلم والنسائي وغيرهما عن أبي كريب: ورعوا بغير زاي من الرعي، قال النووي: كلاهما صحيح، ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح؛ لأن رواية «زرعوا» تدل على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم) مباشرة طلب العلم الذي هو الرتع «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» تتم المطابقة بهذا، «إذا مررتم برياض الجنة» حلق العلم «ارتعوا» يعني ارعوا، مثل الدواب التي ترتع في الكلأ والعشب.

طالب: .......

يقول: (ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح؛ لأن رواية «زرعوا» تدل على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم) يعني أنهم اشتغلوا، حرثوا وزرعوا، وأما رعوا: جنوا الفوائد من دون عمل، بدون تعب.

طالب: .......

نعم لكن «زرعوا» بذلوا واشتغلوا، لكن رعوا: زرع غيرهم.

طالب: .......

لكن المطابق لطلب العلم، أنت تعتمد على غيرك في طلب العلم؟ لا، أنت الذي تزرع، وأنت الذي تحصد.

قال: (وإن كانت رواية رعوا مطابقةً لقوله: أنبتت، لكن المراد أنها قابلة للإنبات، وقيل: إنه روي ووعوا بواوين، ولا أصل لذلك، وقال القاضي: قوله ورعوا راجع للأولى؛ لأن الثانية لم يحصل منها نبات، انتهى. ويمكن أن يرجع إلى الثانية أيضًا بمعنى أن الماء الذي استقر بها سُقيت منه أرض أخرى فأنبتت) يعني ما يلزم أن يكون الزرع والكلأ في الأرض نفسها، إلا إذا قلنا: إنه راجع إلى الأرض الأولى، وإذا قلنا: إنه راجع للأرض الثانية التي أمسكت الماء يؤخذ من هذا الماء ويزرع به أرض أخرى، يعني مثل شخص حفظ كتابًا وفهمه وصار يفيد الناس من هذا الكتاب بنفسه، وشخص آخر حفظ الكتاب من غير فهم حفظ وصار نسخة، يستفيد منه من ينقل هذا العلم ويفيد، يصير مثل الكمبيوتر، اطلب منه ما تريد يعطيك إياه، لكن ما يميز، ومما ذكر في المسألة أنه في محكمة في جهة من الجهات قاضٍ عنده عامل في المحكمة موظف يحفظ الزاد حفظًا مثل الفاتحة، لكن ما يفهم، فيطلب منه الشيخ القاضي حكم هذه المسألة يقول في أي باب فقط؟ يعطيه الباب يقرأ عليه يأخذ الذي يريده، فهذا مطابق للتنظير النبوي.

طالب: .......

نعم هذا حفظ الماء، ما أنبت، لكنه حفظ الماء يستفاد منه، ما يقال: إنه زيادة نسخة أو كذا، زيادة نسخة، لكن نسخة متنقلة ونسخة تعينك في أوقات لا نسخ فيه، هو أسرع من تقليب الكتب.

(قوله: «فأصاب» أي الماء، وللأصيلي وكريمة: أصابت أي طائفة أخرى، ووقع كذلك صريحًا عند النسائي، والمراد بالطائفة القطعة) سواء كانت من الجيش كما في حديث صلاة الخوف: وطائفة صلت معه وطائفة صلت تجاه العدو، القطعة منه.

(قوله: «قيعان» بكسر القاف جمع قاع، وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.

قوله: «فقه» بضم القاف أي صار فقيهًا، قال ابن التين: رويناه بكسرها والضم أشبه، قال القرطبي وغيره: ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه) بالغيث العام، طيب لو بغينا ننظِّر العلم بالغيث من كل وجه، فماذا عن الغيث الذي يحصل به بعض الضرر: جاء الغيث، خرج الناس للاستسقاء وأغيثوا، وغرق واحد، وانهدم بيت وهكذا، فماذا عن العلم من هذه، ما وجه الشبه بالعلم من هذه الحيثية؟

طالب: يحصل هذا .......

نعم، يعني فيه من يهلك بالعلم، والجهل خير له، وانظر ترَ الساحة، نسأل الله الثبات.

(قال القرطبي وغيره: ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت) هذا غيث، وهذا غيث، هذا غيث قلوب، وهذا غيث أبدان وما يلتحق بها.

نعم، المقصود أن وجه الشبه يطابق، كيف؟

طالب: .......

أو يطلق على المطر، الغيث المطر.

طالب: .......

 نعم ، إذا قلت: اللهم أغثنا تقصد اسقنا مطرًا.

(فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت. ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المُعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه أداه لغيره) هذا ما فهم، حفظ لكن ما فهم، لكنه أداه لغيره.

 (فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله: «نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فأداها كما سمعها»، ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه، ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره) لا ينتفع هو، ولا ينتفع به غيره، (فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء، أو تفسده على غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين؛ لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها)، يعني منها ما ينفع وهو قسمان أو طائفتان، ومنها ما لا ينفع وهو طائفة واحدة، (والله أعلم).

قال: (ثم ظهر لي أن في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه، والثاني الأُولى منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يُعلمه، ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يرفع بذلك رأسًا» أي أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع، والثانية منه من لم يدخل في الدين أصلاً بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولم يقبل هدى الله الذي جئت به».

وقال الطيبي: بقي من أقسام الناس قسمان؛ أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يُعلمه غيره، والثاني من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره) يعني تمام القسمة التي أشرنا إليها في أول الدرس.

(قلت: والأول داخل في الأول؛ لأن النفع حصل في الجملة، وإن تفاوتت مراتبه، وكذلك ما تُنبته الأرض فمنه ما ينتفع الناس به، ومنه ما يصير هشيمًا، وأما الثاني فإن كان عمل الفرائض، وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه، وإن ترك الفرائض أيضًا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم من لم يرفع بذلك رأسًا، والله أعلم) ومع منازعة في تسمية مثل هذا من أهل العلم، فاسق الذي لا يعمل بعلمه ليس من أهل العلم، هو جاهل في الحقيقة؛ لأن العلم حقيقته ما نفع، أما ما لم ينفع فهذا ليس بعلم.

(قوله: قال إسحاق: وكان منها طائفة قيَّلت، أي بتشديد الياء التحتانية، أي أن إسحاق وهو ابن راهويه حيث روى هذا الحديث عن أبي أسامة خالَف في هذا الحرف، قال الأصيلي: هو تصحيف من إسحاق، وقال غيره: بل هو صواب، ومعناه شربت، والقَيل شرب نصف النهار) يعني وقت القيلولة، (يقال: قيلت الإبل أي شربت في القائلة، وتعقبه القرطبي بأن المقصود لا يختص بشرب القائلة، وأجيب بأن كون هذا أصله لا يمنع استعماله على الإطلاق تجوزًا، وقال ابن دريد: قيل الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه، وتعقبه القرطبي أيضًا بأنه يُفسد التمثيل؛ لأن اجتماع الماء إنما هو مثال الطائفة الثانية والكلام هنا إنما هو في الأولى التي شربت وأنبتت، قلت: والأظهر أنه تصحيف.

 قوله: قاع يعلوه الماء والصفصف) هل ورد في الحديث الصفصف؟ لا، لكن عادة البخاري أنه إذا ورد لفظ في القرآن يفسره، ويأتي بما يتعلق به.

 (والصفصف المستوي من الأرض، هذا ثابت عند المستملي، وأراد به أن «قيعان» المذكورة في الحديث جمع قاع، وأنها الأرض التي يعلوها الماء، ولا يستقر فيها، وإنما ذكر الصفصف معه جريًا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن، وقد يستطرد، ووقع في بعض النسخ: المصطف بدل الصفصف، وهو تصحيف).

قال: (تنبيه: وقع في رواية كريمة، وقال ابن إسحاق: وكان شيخنا العراقي يرجحها) وقال ابن إسحاق بدل من؟ قال إسحاق، (وكان شيخنا العراقي يرجحها، ولم أسمع ذلك منه، وقد وقع في نسخة الصاغاني: وقال إسحاق عن أبي أسامة، وهذا يرجح الأول).

طالب: .......

إذًا لا نحتاج أن نقول نافعًا غير ضار، يعني نقول: أغثنا غيثًا مغيثًا إلى آخره، ولا نقول: نافعًا غير ضار، إذا كان هذا وصفه.

طالب: .......

لا، السبخة قد تشرب الماء ولا تنبت؛ لأنها قد لا تمسكه؛ لأن فيه أنواعًا، السبخات أنواع منها ما يكدره على الناس، تمسكه مع تكديره، ومنها ما تشربه ولا تنبت.

نعم.

طالب: قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ رَفْعِ العِلْمِ وَظُهُورِ الجَهْلِ، وقَالَ رَبِيعَةُ: لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ العِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ.

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا».

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ»".

يقول الشارح -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- (قوله: باب رفع العلم، مقصود الباب الحث على تعلم العلم)؛ لأن العلم لا شك أنه من فروض الكفايات، ومنه ما هو واجب، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجبات التي لا يمكن تصحيحها إلا به فهذا القدر منه واجب، وبقيته من فروض الكفايات، وإذا ثبت كما في هذا الباب رفع العلم في آخر الزمان فهذا من باب القضاء الكوني لا من باب القضاء الشرعي، سمعناه فليس لنا إلا أن نستسلم؛ لأن الأخبار عما يحصل في الزمان ليست هي للتكليف، في آخر الزمان تمشي الظعينة من كذا إلى كذا لا تخاف إلا الله، يجوز أن تفعل هذا؟

 لكنه إخبار عن واقع. يرفع العلم هذا إخبار عن واقع، ويبقى الأمر بطلب العلم، ليس من باب التكليف أن يقال: «يرفع العلم» يعني معناه ما فيه فائدة إذا رفع العلم، لا، اعمل وافعل، وابذل السبب، وافعل ما أمرت به، وانته عما نهيت عنه ولو لم تحصل، قدر الله ومشيئته نافذة، تقول: يرفع العلم لا لا لازم أوجد العلم، لا، أنت ابذل السبب، وافعل ما أمرت به، وأنت مكلف بالإرادة الشرعية لا بالإرادة القدرية الكونية.

(مقصود الباب الحث على تعلم العلم، فإنه لا يُرفع إلا بقبض العلماء كما سيأتي صريحًا، وما دام من يتعلم العلم موجودًا) يحصل الرفع أم ما يحصل؟ لا يحصل، (وما دام من يتعلم العلم موجودًا لا يحصل الرفع، وقد تبين في حديث الباب أن رفعه من علامات الساعة.

قوله: وقال ربيعة، هو ابن أبي عبد الرحمن الفقيه المدني المعروف بربيعة الرأي) وهو شيخ مالك (بإسكان الهمزة، قيل له ذلك؛ لكثرة اشتغاله بالاجتهاد) لكثرة اشتغاله بالاجتهاد، ولعله صار على حساب الرواية كما هو معروف ومشاهد، بعض الناس يهتم بالرواية، وبعض الناس عنايته بالدراية، وكلاهما مطلوب، لكن لا يطغى هذا على هذا، الرواية مطلوبة وهي الأصل، والدراية أيضًا والفهم لما روى مطلوب، لكن إن انشغل بالفهم عن تحفظ ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صار له أثر في ذلك، والأصل في العلم النص، تعظيم النص هو الذي تترتب عليه آثار العلم حقيقة؛ لأن بعض الناس مثل صنيعنا الآن أكثر عنايتنا بالدراية، ولو مزجنا ذلك بدروس تكون في الرواية خصّصنا لها أوقاتًا لحصل شيء من التكامل.

ربيعة يتوسد رداءه في المسجد وينام، والخلائق يزدحمون على تلميذه مالك، ولعل السبب ما ذكرت، فيسأل يقال: هذا واحد من طلابك، كيف يزدحم عليه الناس، وأنت منسند عند زاوية المسجد ما عندك أحد؟ فذكر عنه أنه يقول: درهم من سلطان خير من قنطار علم، يعني أنه مسنود من السلطة، مدعوم من ولي الأمر، والناس لا تُساق بالعصي، ما يمكن، لو أن أمة الثقلين تدعم رجلاً، والله لا يريد دعمه، والمقومات الشرعية الحقيقية ما توجد عنده، ما عنده شيء.

(قيل له ذلك؛ لكثرة اشتغاله بالاجتهاد، ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال؛ لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم) طيب كثير من الطلاب المتخرجين في الكليات الشرعية التي لديهم قابلية لطلب العلم، ولديهم الأهلية للتفقه والتعلم والتعليم، كثير منهم يعملون في أعمال إدارية، ثم لا يلبثون أن يرجوا عوامًّا، وقد يوجد من زملائهم من هو أقل منهم في التحصيل وفي المستوى في الفهم والحفظ يتابعون التعلم والتعليم، فينفع الله بهم نفعًا عظيمًا.

(لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه، أو مراده الحث على نشر العلم في أهله؛ لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم، أو مراده أن يشهر العالم نفسه) والشهرة ليست من الإنسان نفسه، كم من إنسان أراد أن يرتفع فخفضه الله، بل هذا مجرب، إذا حدثته نفسه أن يشتهر حصل منه ما يحصل مما يكون سببًا في ضعته.

(أو مراده أن يشهر العالم نفسه، ويتصدى للأخذ عنه؛ لئلا يضيع علمه) يعني كونه يتسبب لا بقصد الاشتهار، وإنما بقصد الانتفاع أولاً ثم النفع؛ لأن الذي يتصدى لإفادة الناس أول من ينتفع هو، كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: فإذا عُزم لتمامه فأول من يستفيد منه أنا، والمعلم هو أول من يستفيد في التعليم، ثم بعد ذلك ينفع الناس.

ومع الأسف أن نظرة بعض الناس إلى الشهرة من أول الأمر، وإن كانت الشهرة ليست مرادة ومقصودة لذاتها، لكنها مما يعين على الاستمرار عنده على حد زعمه، إذا جلس العالم ودرس، قاضٍ عُين في بلد وما فيه أحد يدرس، جلس وجلس عنده خمسة ستة، وقد ناقشنا كثيرًا منهم، يقول: والله ماذا نفعل؟ نقول: ما عندكم دروس؟ قالوا: ما عندنا والله دروس، وما السبب؟ قال: جلسنا أول ما تعين جلس عشرة، جاء رمضان تعطل الدرس، استأنفنا بعد العيد ما جاء إلا خمسة، ثم انقطع الدرس للحج من يوم حججنا وجئنا ما فيه إلا واحد أو اثنان، يبغي الناس يجيئونه مرة واحدة.

 لا، لا بد من تجاوز مرحلة امتحان، لا بد من اختبار، اختبار ثبات، اختبار صدق، بعد ذلك... الشيخ -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- ابن باز أول ما جلسنا سنة 95 ما يصلون عشرة، إلى 1400 يا الله وصلوا عشرين، من 95 إلى 1400، ثم بعد ذلك يقبل الناس عليه. الشيخ ابن جبرين أنا أدركته وما عنده إلا واحد بالتسعينات، ثم بعد ذلك في آخر عمره بيته يمتلئ فضلاً عن المساجد، وقل مثل هذا في بقية أهل العلم، لكن لا بد من تجاوز مرحلة امتحان، ابتلاء، هل يثبت ويصبر أو لا؟

 ذكروا في ترجمة الشيخ ابن عثيمين، كلكم يعرف منزلة الشيخ، جاء يومًا من الأيام للدرس وإذا ما فيه أحد، وجاء واحد وضع كتابه بالحلقة، ما وجد الشيخ فوضع الكتاب وطلع، الشيخ جاء وشاف هذا الكتاب تقدم إلى الصف وجعل يقرأ القرآن ينتظر هذا الطالب لعله يجيء، جاء الطالب ورأى الشيخ يقرأ فاستحى وطلع وما قام الدرس، لكن ثم ماذا؟ المسألة تحتاج إلى صبر وجلد ونية صالحة خالصة لله -جَلَّ وعَلا-، ثم بعد ذلك يُقبل الناس. لكن مرحلة الاختبار لا بد من تجاوزها.

هذا الذي قال: يوم حججنا ما بقي إلا واحد أو اثنان، قلت له: يا شيخ غيرك يعلم، وهو أكبر مني سنًّا بكثير، غيرك يعلم، لو أن هذا الطالب طلبت منه أن يقرأ عليك بأجرة، وهو كثير، فأنت المستفيد، يحضر لك، أقل الأحوال يحضر لك، يذكرك بالعلم، وهذا السبب الذي جعل عددًا من ذوي الأعمال الإدارية بمن فيهم بعض القضاة مع الأسف أن علمهم ما يزيد، بل إذا قلنا إنه ينقص ما أبعدنا، والله المستعان.

قال: (أو مراده الحث على نشر العلم في أهله؛ لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم، أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه؛ لئلا يضيع علمه) نعم (وقيل: مراده تعظيم العلم وتوقيره فلا يُهين نفسه بأن يجعله عرضًا للدنيا، وهذا معنًى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم. وقد وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأويسي عن مالك عن ربيعة.

قوله: حدثنا عمران بن ميسرة، في بعضها عمران غير مذكور الأب، وقد عرف من الرواية الأخرى أنه ابن ميسرة، وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز، وليس هو شيخ البخاري فيه) هذا شيخ النسائي.

(قوله: عبد الوارث هو ابن سعيد، عن أبي التياح بمثناة مفتوحة فوقانية بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء مهملة كما تقدم. قوله: عن أنس، زاد الأصيلي وأبو ذر: ابن مالك، وللنسائي حدثنا أنس. ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون وكذا الذي بعده.

قوله: «أشراط الساعة» أي علاماتها كما تقدم في الإيمان) جمع شرط كسبب وأسباب، (وتقدم أن منها ما يكون من قبيل المعتاد، ومنها ما يكون خارقًا للعادة. قوله: «أن يرفع العلم» هو في محل نصب لأنه اسم إن) «إن من أشراط الساعة أن يرفع» أن وما دخلت عليه تؤول بمصدر: إن من أشراط الساعة رفع العلم، (وسقطت إن) ماذا عندك يا أبا عبد الله؟ (وسقطت إن) أم أن عندك؟ الهمزة عندك بالكسر؟ هي بالكسر بلا شك؛ لأنه مقول القول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أشراط الساعة»، لكنها عندي في الموضعين بفتح الهمزة.

(وسقطت إن من رواية النسائي، حيث أخرجه عن عمران شيخ البخاري فيه) مع أنه لما قال عمران بن موسى قال: هو غير شيخ البخاري، (وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز، وليس هو شيخ البخاري فيه، فعلى روايته يكون مرفوع المحل، والمراد برفعه موت حملته كما تقدم.

قوله: «ويثبت» هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة) يثبتَ، أن يرفعَ ويثبتَ، (وفي رواية: ويبث بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة أي ينتشر) ينتشر الجهل، (وغفل الكرماني فعزاها للبخاري، وإنما حكاها النووي في الشرح لمسلم، قال الكرماني: وفي رواية: وينبت بالنون بدل المثلثة من النبات، وحكى ابن رجب عن بعضهم: وينث).

طالب: .......

إشكال أن هذا الموضع والذي قبله مما سقط من المطبوع في شرح ابن رجب، شرح ابن رجب من حديث 50 إلى 248 ما وُجد، خرم في الكتاب.

(وحكى ابن رجب عن بعضهم: ويُنَثّ بنون ومثلثة من النث وهو الإشاعة، قلت: وليست هذه في شيء من الصحيحين. قوله: «ويشرب الخمر» هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة على العطف، والمراد كثرة ذلك واشتهاره، وعند المصنف في النكاح من طريق هشام عن قتادة: ويكثر شرب الخمر، فالعلامة مجموع ما ذُكر) يعني إذا اجتمعت هذه الأمور صار من علامات الساعة.

(قوله: «ويظهر الزنى» أي يفشو كما في رواية مسلم).

طالب: .......

لعله رواه في موضعين عن عمران بن موسى غير شيخ البخاري، ورواه في موضع آخر عن شيخ البخاري، فيراجع الأصل.