شرح الموطأ - كتاب الصيام (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله-:

كتاب الصيام: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)).

وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)).

وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان، فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعشي، فلم يفطر عثمان، حتى أمسى، وغابت الشمس، قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: "في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم، لا ينبغي له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان" قال: "ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، ومن رأى هلال شوال نهارًا فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي.

قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان، فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام:

البسملة هذه يثبتها كثير من رواة الموطأ، وهي موجودة في غيره من كتب السنة، بجميع كتب صحيح البخاري عند جُلّ الرواة تثبت البسملة أحيانًا قبل الترجمة، قبل كتاب الصيام، وأحيانًا بعدها، وأحيانًا يقول: كتاب كذا بسم الله الرحمن الرحيم باب كذا، وأحيانًا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام مثلًا، ولكل منهما وجه، أما البداءة بها فعلًا قبل الكتاب فهذا هو الأصل، هذا هو الأصل من أن التسمية قبل الكلام، ومن جعل التسمية بعد الترجمة قال: إن الترجمة كتاب الصيام مثلًا بمنزلة اسم السورة في القرآن، واسم السورة مقدم على البسملة، وعلى كل حال هذه أمور غير مؤثرة، يعني تذكر مقدمة أو مؤخرة، هذا غير مؤثر، وكتاب الصيام، الكتاب مضى التعريف به في مواضع متعددة؛ لأن كتاب الصيام الكتاب الثامن عشر من كتب  الموطأ، وهو ماشي على ترتيب حديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)) هو ماش على هذا الترتيب، كما هو مخرج في صحيح مسلم، بتقديم الصيام على الحج، قال رجل لابن عمر كما في الصحيح: "الحج وصوم رمضان" قال: "لا صيام رمضان والحج"، أنكر على هذا المستدرك، مع أنه مخرج عن ابن عمر في الصحيحين بتقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى البخاري ترتيب كتابه، وقدم المناسك على الصيام، والجمهور على تقديم الصيام على الحج، وهناك ترتيب غريب في سنن أبي داود، غريب جدًّا بدأ بالطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الرابع: اللقطة، والخامس: المناسك، السادس: النكاح، السابع: الطلاق، الثامن: الصيام، لا اعتمد رواية ابن عمر لا هذه ولا هذه، وعلى كل حال يوجد في بعض روايات سنن أبي داود تقديم بعض الكتب على بعض، لكن الآن المتداول على هذا الترتيب.

حقيقة الذي يهمنا تقديم الصيام على الحج أو الحج على الصيام البخاري بنى ترتيب كتابه على الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر بتقديم الحج على الصوم.

ولا شك أن جاء في شأن الحج من تعظيم أمره ما لا يوجد نظيره في الصيام مثلًا في قوله -جل وعلا-: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} بعد ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[(97) سورة آل عمران] ترك الحج أمره عظيم، وشأنه خطير؛ ولذا كتب عمر -رضي الله عنه- كتبًا إلى عماله: أن انظروا من كان ذا جده فلم يحج فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، فشأن الحج عظيم؛ ولهذا قدمه الإمام البخاري على الصوم معتمدًا على الرواية التي خرجها من حديث ابن عمر.

أما مسلم وغيره من الأئمة قدموا الصيام على الحج، وهذا عليه عمل الجمهور، عليه عمل الأكثر، والمسألة مسألة اجتهاد، وكل منهم اعتمد على رواية في الصحيح، لكن ماذا عن إنكار ابن عمر على من استدرك عليه، لما روى الحديث في صحيح مسلم بتقديم الصيام على الحج، قال رجل: "الحج وصوم رمضان؟" قال: "صوم رمضان والحج"، كيف يرد ابن عمر -رضي الله عنهما- على هذه الرجل مع أنه ثابت عنه بتقديم الحج على الصوم؟ ولو قيل: بأن رواية تقديم الحج على الصيام أرجح من رواية تقديم الصيام على الحج ما بعد، لماذا؟ لأنها في الصحيحين، أما تقديم الصيام على الحج فهي من مفردات مسلم.

على كل حال رد ابن عمر على هذا الذي استدرك عليه، العلماء بينوا السبب، لماذا رد؟ فممن تكلم في هذه المسألة النووي، وقال: "الذي يظهر أن ابن عمر يروي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، وهذه الجمل معطوفة بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فسواء قدم الصوم أو قدم الحج هو رواه مرة كذا ومرة كذا، عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما رواه على الوجه الثاني واستدرك عليه من استدرك أراد أن يؤدبه، فقال له: لا ، لا تنكر ما لا علم لك به، وهذا قد يحتاج إليه المعلم بتربية من يجرؤ على الرد من الطلاب، لا سيما في مقابل الكبار من الشيوخ؛ لأن تجد من بعض طلاب العلم من السهل عليه جدًّا أن يسمع الشيخ يتكلم في مسألة -ولو كان من الكبار- فيقول: لا يا شيخ، لا يا شيخ، فلان يقول: كذا، هذا أدب؟ أحيانًا يأتي يسأل يستفتي هذا الشيخ، فإذا أجابه قال: لا يا شيخ، الشيخ فلان يقول: كذا، هل هذا من الأدب؟ مثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه، مثل هذا لا يرد ما لا علم له به، وإن كان ما ذكره له وجه يصح، لكن هذا في باب التربية، تربية الطلاب على الأسلوب المناسب للتعامل مع الكبار، فطالب العلم عليه أن يسلك الأسلوب المقبول، سواءً كان مع زملائه وأقرانه فضلًا عن شيوخه وعلمائه، هذا الاحتمال الذي أبداه النووي.

الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن سبب الإنكار أن هذا هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بتقديم الصيام على الحج، طيب الرواية التي في الصحيحين من حديث ابن عمر بتقديم الصيام على الحج، ماذا يقول عنها ابن حجر؟ يقول: "رواه الراوي بالمعنى" الراوي روى هذه بالمعنى، من أجوبة النووي وهذا يلحق بكلامه السابق، النووي يقول: "يحتمل أن ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، فلما رواه في هذا المجلس على تقديم الصوم على الحج، واستدرك عليه المستدرك نسي ابن عمر الوجه الثاني، وقال له: لا" نسي؛ ولذا يقول ابن حجر: "إسقاط النسيان والوهم بالتابعي الذي هو حنظلة الذي يروي عن ابن عمر أولى من إسقاط الوهم والنسيان بالصحابي" بدليل أن البخاري خرج الحديث أيضًا بتقديم الحج على الزكاة، هل يستطيع أن يقول النووي -رحمه الله-: أن ابن عمر رواه على ثلاثة أوجه؟ لا، هذا فيه بعد، وعلى كل حال ما ذكره النووي له وجه، لا سيما وأن الرواية بتقديم الحج على الصوم من المتفق عليه، وكون الخبر مخرج في الصحيحين من وجوه الترجيح على ما تفرد به أحدهما، وعلى كل حال الخطب سهل، يعني إذا قدمنا الصيام أو قدمنا الحج الأمر سهل ولكل وجه.

والصيام أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ركن بالاتفاق من جحد وجوبه كفر اتفاقًا، ومن اعترف بوجوبه وتركه من غير جحد لوجوبه جماهير أهل العلم على أنه لا يكفر، وفي رواية عن الإمام أحمد نصرها جمع من المالكية أن تارك أحد الأركان يكفر بما في ذلك الأركان العملية الصلاة والصيام والزكاة والحج، يكفر، لأنه ما معنى كون الشيء ركنًا؟ إن هدم ركنًا خلاص هدم البناء، نعم ينهدم البناء، لكن عامة أهل العلم على أنه لا يكفر، أما لم يأت بالشهادتين فهذا لم يدخل في الدين أصلًا، وتارك الصلاة حكمه معروف، كفره جمع من أهل العلم، وهذا الذي تدل عليه النصوص، ونقل اتفاق الصحابة عليه، أما بقية الأركان فعامة أهل العلم على عدم كفر من ترك واحد منها.

الصيام وجوبه بالكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[(183) سورة البقرة] في الآية إشارة إلى أعظم حِكَم الصيام، وهو أنه يورث التقوى، والمراد بالصيام المورث للتقوى: الصيام الذي يؤدى على الوجه المشروع، وهو الصيام المكفر، في الحديث: ((رمضان إلى رمضان)) هذا المراد به هذا الصيام الذي يؤتى به على الوجه المشروع، الذي لا يخالطه مخالفة ((من لم يدع قول الزور، والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) يعني شخص يصوم بالنهار، وينام عن الصلوات، هذا ما الفائدة من صيامه؟ أو يقوم ليؤدي الصلوات في وقت، ثم يرجع ويتفرغ بالليل لأذية المسلمين، مثل هذا أورثه التقوى؟ هذا ما ترتبت آثاره عليه، لكن في الجملة صحيح ومسقط للطلب، لا يؤمر بقضائه ولا إعادته، يبقى أننا نظر مع الصحة والإجزاء الآثار الشرعية المرتبة على العبادة، نأتي بصيام يورث لنا التقوى، ونأتي بصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر، ولا يمكن أن نأتي بعمل تترتب عليه آثاره إلا إذا جئنا به على الوجه المشروع.

الصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة، وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة رمضانات، فيه فوائد متعلقة بالدين، وتربية للنفس، وتزكية لها، فيه أيضًا: مظهر من مظاهر عدل الله -جل وعلا- بين عباده ليتذكره الخلق فيعدلوا بين من ولاهم الله أمره، فوجه العدل في الصيام أنه يجب على الغني والفقير، يجب على الأمير والحقير، على الملوك وعلى السوقة، ما أحد يعفى من الصيام، وهو قادر عليه، فهذا من عدل الله -جل وعلا-.

فيه أيضًا فوائد صحية: خلو المعدة من الأطعمة المتراكمة والدهون والشحوم، لا شك أنه مفيد صحيًّا؛ ولذا ينصح كثير من المرضى بأنواع من المرض بالحمية، وهذا نوع منها، فإذا صام الإنسان تخلص من كثير من الفضلات، والمراد بذلك مثل ما ذكرنا، الصيام الذي تترتب عليه آثاره، قد لا تترتب الآثار ولا الصحية الدنيوية، على بعض أنواع الصيام، الشخص إذا ملأ بطنه في السحور من أنواع الأطعمة، ثم نام إلى الظهر هذا كم يحرق من طعامه ما نسبته كم؟ ما يحرق شيئًا، ثم بعد ذلك الظهر يمكن ينام بعد، أو يواصل، كما في صيام كثير من أهل التفريط والغفلة، مثل هذا لا تترتب عليه آثار لا الدينية ولا الدنيوية، صيام كما يعبر الناس بأسلوبهم اليوم أجوف، والله المستعان.

يقول: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).

نعم هذه الوسيلة الشرعية لإثبات دخول الشرع وخروجه، الأمر بالصيام معلق برؤية الهلال، والأمر بالفطر كذلك ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) والخطاب يتجه إلى الأمة جميعها أو مجموعها؟ يقال: يتجه إلى المجموع أو للجميع؟ ما الفرق بينهما؟

طالب:.........

لكن الآن يتجه الخطاب إلى الأمة بمجموعها أو بجميعها؟ يتجه إلى الجميع أو يتجه إلى مجموع الأمة، إذا قلنا: يتجه إلى الجميع، هو يتجه إلى المجموع، لو قلنا: يتجه إلى الجميع، لقلنا: لا يصوم أحد حتى يرى الهلال، في شخص بعينه، وإذا قلنا: الخطاب متجه إلى المجموع، قلنا: تصوم الأمة بمجموعها إذا ثبت رؤيته من قبل من يثبت الهلال برؤيته على الخلاف بين أهل العلم هل يثبت بواحد أو باثنين؟ على ما سيأتي، فهو خطاب لمجموع الأمة، وهل هو خطاب لمجموعها الشامل بمعنى أنه يلزم الأمة من مشرقها إلى مغربها، إذا رآه من يثبت دخول الشهر برؤيته، أو أنه بالنسبة لمن تشمله هذه الرؤية؟ وهي مسألة اختلاف المطالع أو اتفاق المطالع، يعني هل المطالع متفقة أو مختلفة؟ يعني الآن عرفنا أنه لا يمكن أن يتجه إلى كل فرد من جميع الأمة، لكن هل يتجه إلى مجموع الأمة بجميع أقطارها وأقاليمها، أو أن أهل كل قطر يمكن أن يتجه لهم الخطاب على حده، باعتبار أن الهلال قد يخرج في بلد، ويطلع ويرى، ولا يرى في بلد آخر، وهل معنى عدم رؤيته في البلد الآخر أو الإقليم الآخر أنه لم يطلع فعلًا أو لم ير وإن كان طالعًا؟ لأنه رؤي في بلد آخر، هذه المسألة الآن هي مسألة اتفاق المطالع أو اختلاف المطالع، فإذا رؤي في الشام هل يلزم أهل هذه البلاد الصيام؟ أو لا يلزم؟ أو إذا رؤي في المشرق هل يلزم أهل المغرب أو العكس؟

طالب:........

على الخلاف المعروف المشهور، يعني الأكثر على أنه إذا رؤي الهلال في بلد من بلدان المسلمين لزم الناس كلهم الصوم.   

طالب:........

هذا الكلام الذي قلناه، المسألة مشقة، العميان يتجه إليهم؟ ضعيف البصير يتجه إليه؟

طالب:........

لا، هو متجه لمجموع الأمة، هو متجه إلى مجموع الأمة، يستحيل أن يتجه إلى الجميع، يستحيل استحالة عقلية وشرعية أن يتجه إلى الجميع.

طالب:........

بلا شك، معروف.

أقول: مسألة الاتحاد والاختلاف في المطالع مثل هذا النص لا شك أنه يحتمل ما دام ليس متجه إلى الجميع، بل إلى من يثبت الحكم بشهادته، فالمأمورون بصيام رمضان إذا رؤي من قبل من يثبت الشهر بشهادته، فالمسألة التي أشرنا إليها مسألة المطالع واختلافها، فيها مثل هذا الحديث الشامل الذي يتناول الأمة بكاملها، وفيها حديث ابن عباس في صحيح مسلم لما جاء كريب من الشام، وقد صام الناس في الشام قبل أهل المدينة بيوم، فقال كريب لمعاوية: الناس صاموا فأكملنا الثلاثين فلنفطر، فقال ابن عباس: "لا، لا نفطر حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-" فهل معنى هذا أن ابن عباس يرى أن مطلع الشام غير مطلع المدينة؟ هذا هو الظاهر من النص، أن ابن عباس يرى أن مطلع الشام غير مطلع المدينة، هذا هو المتبادر من النص، وبه يستدل أهل العلم على اختلاف المطالع، حتى رأى بعضهم أنه نص في المسألة، وهو مقدم على هذه العمومات، لكن الذي يقول باتحاد المطالع ماذا يقول؟ يقول: إن ابن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذًا من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) يعني ما فيه نص خاص مرفوع يدل على اتحاد المطالع، إلا كلام ابن عباس، وكلام ابن عباس يحتمل أنه سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر خاص يدل على اختلاف المطالع، والاحتمال الثاني: أنه استند إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فعلى هذا تتحد النصوص.

ولذا يتسامح كثير من أهل العلم ويرون أنه لا مانع من أن يفتى ويلزم الناس بالصيام على اتحاد المطالع، على أنه يلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب والعكس؛ لأن النصوص محتملة، يعني عندنا في مسألة اختلاف المطالع حديث ابن عباس، وهو في صحيح مسلم، ويقول: هكذا أمرنا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-، بعضهم يرى أن هذا الحديث نص في اختلاف المطالع، وأن أهل الشام لهم رؤيتهم، وأهل المدينة لهم رؤيتهم، وهكذا أمرنا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-، فيرى هذا نص في اختلاف المطالع، ومنهم من يقول: أن ابن عباس وإن كان يفهم من كلامه هو القول باختلاف المطالع، لكن قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استنادًا إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) الذي يستدل به غيره على اتحاد المطالع ((صوموا لرؤيته)) ويكون حينئذ هذا اجتهاد منه.

طالب:.......

لا هو لما أنكر على كريب رؤية معاوية والناس، وأن هذه تخصهم، وأننا لن نفطر مع معاوية ولا مع الناس، لنا رؤية خاصة، يعني تصرف ابن عباس واضح في أنه يدل على اختلاف المطالع..

طالب:.......

لماذا؟ لأن معاوية لا بد أن يفطر هذا اليوم؛ لأنه ما أكمل ثلاثين يومًا، ابن عباس يقول: ما نفطر.

طالب:.......

لا، هو الاحتمال أن ابن عباس سمع نصًّا خاصًّا يدل على اختلاف المطالع، احتمال؛ لأنه لم يفطر برؤية معاوية، من أجل رؤية معاوية؛ لأنه على ضوء رؤية معاوية يكون أهل المدينة كملوا ثلاثين يومًا، ما افطروا، فتصرفه هذا قطعًا يدل على اختلاف المطالع، لكن قوله: "هكذا أمرنا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-" هل سمع نصًّا خاصًّا من النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على اختلاف المطالع؟ نقول: هذا هو المظنون به، وهو الظاهر، لكن من أهل العلم من يرى لكي تتحد النصوص أنه استند لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ونحن ما رأيناه.

على كل حال من الشيوخ الذين ما هم من المقلدة، من أهل الأثر والنظر أيضًا من يرى أن المسألة فيها سعة، أن الإمام إذا رأى إلزام الناس كلهم برؤية شخص واحد سواءً كان في المشرق أو في المغرب فإن له ذلك، وعموم هذه النصوص تشمله، والأمة بتاريخها السابق ما وجد عندها مشكلة على مر العصور بين الأقاليم والأقطار الإسلامية، لا على القول بالاتحاد، ولا على القول بالاختلاف، لكن إشكالنا الآن في هذه الحدود السياسية، يعني مع هذه الحدود السياسية هي التي أوجدت إشكالات، فمثلًا أقصى هذه البلاد مثلًا التي تبعد عن موطن الرؤية ألف كيلو مثلًا، وتقرب من البلد الثاني الذي يختلف معه في المطلع من الشام مثلًا بعشرات كيلوات مثلًا، يقول: يصومون تبع الشام، تبوك مثلًا وعرعر، والجهات الشمالية يصومون تبع الشام أو تبع نجد، أو تبع نجران.

طالب:........

الحدود السياسية أوجدت إشكالات، والذي يجعل الأمة تتفاوت في مثل هذا حقيقةً بعض البلدان لا نتكلم عن بلد بعينه، وسائلهم لإثبات دخول الأشهر قد لا يقتنع بها الآخرون، يعني أدخلوا وسائل حديثة، وبعضهم اعتمد على حساب، وبعضهم تنكب عن الوسائل الشرعية، فكيف مثلًا يلزم الناس برؤيتهم؟ حتى على القول باتحاد المطالع؟

طالب:.........

رؤي الهلال في صعدة –مثلًا- أهل الطوال يصومون مع صعدة وإلا مع الرياض؟

طالب:.........

نعم، هناك بعض البلدان متحدة، لكن يبقى أن عموم المسألة مشكلة في الحدود؛ لأنه أحيانًا تقرب من البلد الثاني الذي يختلف معه في المطلع.

وعلى كل حال إذا صام الناس على رؤية شرعية مبنية على رؤية ثقة أو ثقات، وأمرهم الإمام، وألزمهم به، واجتمعت كلمتهم على ذلك، فهم على خير قطعًا، ولا نشك في هذا، ولنا وسائلنا الشرعية المعتبرة، ولا زلنا -والحمد لله- بخير، ويترقب الهلال، ويؤمر بترقبه، سواءً حصل فعلًا وجد، أو لم ير وقد وجد، يعني عندنا وسائلنا التي كلفنا بها شرعًا، يعني سلكنا الوسائل الشرعية، فنتائجنا -بإذن الله- شرعية.

أفترض أن الناس تراؤا الهلال، ما رأوا الهلال، وهو بالفعل موجود طالع الهلال، لكن بوسائلهم الله -جل وعلا- لا يكلف نفسًا إلا ما آتاها، ما رأوا الهلال، ثم بعد ذلك ليلة تسعة وعشرين رؤي الهلال، نحن أخطأنا؟ ما أخطأنا، سلكنا الوسائل الشرعية التي أمرنا بها شرعًا، كوننا أصبنا أو أخطأنا أبدًا لا إشكال في هذا، وليس في هذا أدنى إشكال، ولله الحمد.

يعني أفترض مثلاً ما، قوله في الحديث الصحيح: ((إنما أنا بشر)) وهو مؤيد بالوحي ((إنما أحكم على نحو ما أسمع)) يحكم بوسائل شرعية، أخطأت هذه الوسائل الشرعية، النتيجة صحيحة، من حيث الحكم صحيحة، لكن يبقى أنه لو عرف المحكوم له أن وسيلته التي أثبت بها الحق ليست شرعية، عرف ما يخفى على القاضي مثلًا، جاء بشهادة زور، ووثق الشهود عند القاضي، ليس له أكثر من هذا، النتيجة صارت غير صحيحة؛ لأن الوسيلة غير صحيحة، لكن يبقى أن الحكم صحيح؛ لأن الوسائل شرعية، فيتناوله الوعيد ((فإنما أحكم له بقطعة من نار، فليأخذها أو ليدعها)) يبقى أن القاضي لا إشكال عنده، ولا إثم عليه إلا إذا فرط، ويبقى أن الثاني -المحكوم عليه- عليه أن يرضى ويسلم، وأن المحكوم له بشهادة غير صحيحة، يتقي الله، عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وخوطب بنصوص خاصة، ويبقى أن الوسائل صحيحة، والنتائج تخرج صحيحة ظاهرًا، أما الباطن هو الذي يتولاه الله -جل وعلا-، فنحن مأمورون بما ركب فينا.

والمراد بالرؤية رؤية العين المجردة، لسنا بمطالبين أن نوجد مراصد ولا درابيل ولا غيرها، لكن لو وجدت هذه الأمور، ورؤي من خلالها ما نقول: أن هذه ما هي برؤية، هي رؤية، رؤية عين لكنها عين بواسطة، لا يمكن أن توجد هذه المراصد والهلال ما هو موجود، إنما هي زيادة احتياط، وإلا فالأصل أننا لا نكلف غير العين المجردة، كوننا نحتاط ونزداد من الاحتياط في هذا الباب وندعو المراصد والدرابيل هذا لا بأس به، لكن مع عدمها لا يترتب حكم العدم، فالمسألة مفترضة مع عدم هذه الوسائل.

طالب:.........

لا، حتى الرؤية بالآلة، بالجهاز، ما المانع؛ لكنها لو عدم ما نقول: إن هناك رؤية ندور معها حيثما دارت، وجدت ما وجدت، ما علينا منها، يعني مثل الآن بإمكانك مع الابتعاد تقرأ في الكتاب تتعب قليلًا، شيئًا لا تراه لست مكلفًا بقراءته؛........ ولا يجب عليك أن تشتري نظارة، لكن إذا اشتريت وقرأت تريد الخير تؤجر على هذا إن شاء الله.

طالب:.........

هذا الأصل، والآن لو كانت الأمة يحكمها حاكم واحد، ويلزم الناس جميعًا له ذلك، لكن باعتبار وجود هذه الحدود، وهذه الدول المختلفة في وسائلها وفي طرائقها، وأيضًا الناس يتفاوتون؛ العدل في البلاد الفلاني ليس بعدل في هذه البلاد، والعدل في هذه البلاد قد لا يروى في تلك البلاد؛ لأن العدالة مبناها على ملازمة التقوى والمروءة، المروءة تختلف من بلد إلى بلد، أنا لا أقبله في البلد الفلاني؛ لأنه لم يلاحظ المروءة عندي أنا مثلًا، دعنا من مسألة العدالة، العدالة شيء متفق عليه، لكن يبقى أن هناك أمور ما تخفى على الناس، أمور في وسائلها، ما تحتاج إلى مزيد بسطها.

طالب:........

ما أحد يلزمك، ما فيه أحد يلزم، لا سلطان له عليك كيف يلزمك؟

طالب:.........

لكن افترض أنت في بلد ما، والبلد الثاني الذين رأوا الهلال بوسائلهم التي تختلف عن وسائلك.

طالب:........

أنا أقول: إن وجود الحدود، هذه الحدود التي فصلت بين بلاد المسلمين أوجدت مشكلة في هذه المسألة وفي كثير من المسائل، أنت افترض هذه البلدة في آخر هذا البلد، وقريبة من البلد الآخر، صام البلد الآخر تصوم هذه تبعهم أو ما تصوم، الذي ما بينها وبينهم إلا عشرة كيلو أو تصوم تبع بلد بينهم ألفان كيلو؟

طالب:........

يعني أنا قلت لك: إن الحدود أوجدت مشكلة، وعلى كل حال إذا صام أهل بلد تبعًا لولي أمرهم الشرعي وألزمهم بذلك، وقد التزم بذلك بناءً على رؤية من يثبت دخول الشهر برؤيته انتهى الإشكال.

طالب:.......

ما يمكن، وفيه ولي أمر يلزمهم إلزامًا، المسألة مفترضة في بلد مسلم، في ولي أمر مسلم، يعني ممكن أن تقول مثل هذا في الأقليات، في الجاليات في بلاد الكفر.

طالب:........

يختلف معهم المطلع أو ما يختلف؟ إذا اختلف لا تصوم إلا مع بلدك.

طالب:.......

((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه)) فالصيام والإفطار مرتبط بالرؤية ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) غم عليكم يعني ليلة الثلاثين من شعبان فيه غيم أو غبار أو قتر، ولم يتمكن من تصدى للرؤية من الرؤية، لوجود ما يحول دون رؤيته، يصوم الناس أو ما يصومون؟ ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) الراوي ابن عمر يفسر قوله عليه الصلاة والسلام: ((فاقدروا له)) أي ضيقوا عليه، ضيقوا على ماذا؟ على شعبان وإلا على رمضان؟ على شعبان، يعني اجعلوه تسعة وعشرين وصوموا، وهو راوي الحديث، وهو المعتمد عند الحنابلة أن مثل هذا اليوم يصام، "فإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه" وفي رواية أخرى في المذهب: "يجوز صومه" والرواية الثالثة وهي الصحيحة أنه هو يوم الشك، الذي من صامه فقد عصى أبا القاسم.

هذا التفسير ((فاقدروا له)) يعني ضيقوا عليه، هذا قول، ومنهم من قال: تفسر هذه الرواية بما جاء بدلها في الصحيح ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) وفي رواية: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) نص، وإذا أُضيف إلى هذا النص قول عمار: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"، فلا يجوز صيام يوم الشك.

هناك تأويل ثالث ذهب إليه بعضهم وهو قول مهجور، قالوا: معناه: فاقدروا له بحساب المنازل، قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية، ويروى عن مطرف بن عبد الله من سادات التابعين معروف، وابن قتيبة قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس ممن يعول عليه في مثل هذا، يبقى ابن سريج من الشافعية، ويكون قولاً له.

على كل حال هذا قول مهجور، التعويل على الحساب قول مهجور، بل نقل بعضهم الإجماع، شيخ الإسلام حكى الإجماع على عدم التعويل على الحساب، وأنه لا قيمة له، بل الصوم والفطر معلق بالرؤيا بالنصوص الصحيحة الصريحة القطعية ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) ولا دعوى لنا بحساب ولا غيره، بعضهم يلبس ويقول: إننا نعتمد الحساب في أوقات الصلوات، وهي أهم ولا نعتمد الحساب في الصوم، يقول: التقويم الآن نعتمده وهو حساب، بينما الصيام ما نعتمده وهو دون الصلاة؟ هذه شبهة يوردها بعضهم، لكن في الأمور المطردة، الأمور المنضبطة في الحساب يعتمد عليها، الأسبوع سبعة أيام وما المانع من أن نقول: اليوم السبت، وغدًا الأحد؟ اليوم والليلة أربعة وعشرون ساعة، وكل ساعة ستون دقيقة منضبطة، وثبت بالاطراد والحساب، حساب دخول الأوقات مبني على رصد للشمس، الشمس منازلها لا تختلف، بينما منازل القمر تختلف لماذا؟ لأنه شهر تسعة وعشرون، وشهر ثلاثون، يعني لو كانت الأشهر كلها ثلاثين، أو كلها تسعة وعشرين قلنا: لا مانع من الحساب؛ لأنه ما يختلف، لن تختلف الرؤية عن الحساب؛ لأن هذه أمور مطردة أما شهر تسعة وعشرون، وشهر ثلاثون، وشهر تسعة وعشرون وهكذا، لا بد من التفاوت بين الحساب وبين ظهور الهلال وعدم ظهوره، بخلاف ما يقسم إليه اليوم والليلة، وبخلاف ما يقسم عليه الأسبوع؛ لأن هذا مطرد.

يقول: وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهر تسع وعشرون)) هذا بناءً على الغالب، الغالب أن الأشهر تسعة وعشرون يومًا ((الشهر تسعة وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) في البخاري: ((فأكملوا العدة ثلاثين)) وستأتي.

وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) هذه نصوص بأنه إذا لم يتمكن من رؤية الهلال لما يحول دون رؤيته أن شعبان يكمل ثلاثين، افترض أن الناس كملوا شعبان ثلاثين، ثم ليلة تسعة وعشرين من رمضان رؤي الهلال، تبين أن يوم الشك -يوم الغيم- من رمضان، لكن يأثمون الناس لماذا لم يصوموا ونقص شهرهم؟ لا ما يأثموا، وسائلهم شرعية، وداروا حيثما وجهوا، ولا إشكال.

هذا الحديث منقطع؛ لأن فيه واسطة بين ثور بن زيد الديلي وعبد الله بن عباس يرويه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فالراوي عن ابن عباس عكرمة، يرويه أيضًا روح ابن عبادة عن مالك، يعني بهذا الإسناد عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس، فالواسطة بين ثور بن زيد الديلي وعبد الله بن عباس هو عكرمة.

زعم بعضهم أن مالكًا أسقط عكرمة عمدًا، لما فيه من الكلام، سعيد بن المسيب وغيره تكلموا في عكرمة، وقال بعضهم: إنه يرى رأي الخوارج، وإن لم يثبت عنه، لكن الكلام في عكرمة معروف عند أهل العلم، والإمام مالك -رحمه الله- من أشد الناس احتياطًا في هذا الباب، فزعم بعضهم أن مالكًا أسقط عكرمة عمدًا للكلام المذكور فيه، ولا يصح ذلك، لماذا؟ لأن مالك خرج لعكرمة باسمه بالتنصيص، يعني لو رأينا في كتاب المناسك هنا يقول: باب من أصاب أهله قبل أن يفيض: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس، يعني صرح باسمه، والبخاري احتج بعكرمة، الإمام البخاري احتج بعكرمة، فحذفه على طريقة الإمام مالك في مسألة القطع والبلاغات والمراسيل، هذه الإمام مالك -رحمه الله- لا يرى فيها إشكالاً، وكثير مر بنا من مثل هذا، تجده مرسل عن مالك وموصول في الصحيحين، فعلى كل حال مالك روى عن عكرمة وخرج له وصرح باسمه، فلا وجه لمن قال: إن الإمام مالك أسقطه عمدًا.

وفي البخاري احتجاجًا عكرمة   

 

مع ابن مرزوق وغير ترجمة

فمثل هؤلاء يخرج لهم في الصحيح، وخرج لهم الإمام مالك.

طالب:.........

لا، ما يمكن.

طالب:.......

.......... إذا شهد من يثبت الحكم بشهادته أنه ولد الهلال، ولو قال الحساب: إنه ما ولد، ما علينا منهم؛ لأنه عندنا وسائل شرعية نبني عليها سواءً طابقت الواقع أو لم تتطابق، عندنا وسائلنا الشرعية.

طالب:.......

الرائي قد يتوهم، لكن ما عندك إلا أن تحكم بالوسائل التي أمرت بها، يعني كونها طابقت الواقع أو لم تتطابق فهذا ليس لديك، إذا جاءك من ترضى دينه، وهو ثقة عدل في نفسه، ما المانع؟

طالب:.......

من الذي قال: ما ولد؟ الحاسب، لا تلتفت إلى حسابه يا أخي، عندنا وسائل شرعية، نثبت من خلالها الدخول والخروج، وليس لنا أدنى التفات إلى غير وسائلنا الشرعية، الآن تفترض شهد اثنين، وهم كلهم عدول ثقات وجاءوا بمزكين، وانتهى الإشكال في قضية ما، وعندك أنت قرائن، وعندك مثلًا أدلة جنائية، وعندك وسائل جاءتنا من غيرنا، مثلًا كلاب أثبتت أن هذا عنده كذا، وشهد الشهود الثقات أنه ما عنده كذا، نقول: إن هذه وسائل ما تختلف، الكلاب مجربة وممرنة، لا، يا أخي.

طالب:........

وما هو الذي ينقضه؟ حساب، وما يدريك أنه ما ولد، عندك نص أنه ما ولد، أو قال الحساب: إنه ما ولد، يا أخي أنت أحلت على الحُسّاب أم أحلت على الشاهد شرعًا؟ أحلت على ماذا؟

طالب:........

لا، نطعن في الشاهد، نطعن به في دينه، عندنا وسائل الإثبات، إثبات العدالة، ونفي العدالة شرعية عندنا، وكل أمورنا مبنية على هذا، كون الشهادة خالفت الواقع ما خالفت، عندنا وسائل شرعية.

طالب:........

كيف؟

طالب:.......

رأى شهره، والحمد لله ثقة عدل، وتحمل المسئولية، الله يقويه.

طالب:........

لأنه مظنة للرد يا أخي، لا لأن الأصل الرد، مظنة للرد، عمره مائة وثلاث سنين، ردوا شهادته لماذا ما يردونه؟ يا أخي ما يرى الحائط كيف بالهلال؟ ليس طعنًا به، كل شيء موجود ما هو بشيء حدث.

طالب:........

لا، عندنا ((نحن أمة أمية، لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا)) هذه وسائلنا الشرعية، لماذا نتعداها؟

طالب:........

والله يا أخي الأمية لو بقيت كان خيرًا كبير من تعلم العلوم التي يدرسها كثير من المسلمين، وما تغيرت الفطر إلا بسبب دخول كثير من العلوم على المسلمين، الأمية ما هي بصيغة ذم مطلقًا، يعني العيش خلف أذناب البقر كما يقول الإمام الذهبي خير من كثير من العلوم التي ترى، نبينا أشرف الخلق أمي، أشرف مخلوق على الإطلاق بدون استثناء أمي..

طالب:..........

لو قلنا: باتحاد المطالع الآن مشكلة، الآن باعتبار اختلاف البلدان في كثير من الأمور بلدان المسلمين لا يحكمها حاكم واحد يستطيع أن يلزم الأمة من شرقها إلى غربها، يعني إلزامه بحدود ولايته، وما عدا ذلك لا يستطيع أن يلزم، فيبقى أنه إذا ثبت عنده دخول الهلال يستطيع أن يلزم من تحت ولايته.

طالب:........

رؤي الهلال في هذه البلاد، وفي مصر ما رؤي الهلال هل لمصري أن يقول: أنا أتبع الحرمين ولا أتبع بلدي؟ الصوم متى؟ والفطر متى؟ والحج متى؟ دع الاتحاد واجتماع الكلمة رحمة، وهدف ومقصد من مقاصد الشرع، يأتي في كلام مالك شيء يدل على هذا رحمه الله، يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمن عثمان بن عفان بعشي، يعني بعد الزوال، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس، يعني هلال ماذا؟ هلال الدخول وإلا هلال الخروج؟ هلال الخروج، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس، يعني إذا رؤي الهلال بعد الزوال فهو لليلة القادمة عند الجميع، لكن إذا رؤي قبل الزوال فالأكثر على أنه لليلة القادمة أيضًا، يعني إذا رؤي بعد طلوع الشمس انتهت الليلة الماضية بأحكامها، الكلام على الليلة القادمة.

يقول الثوري وأبو يوسف: "هو لليلة الماضية إذا رؤي قبل الزوال".

قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: في الذي يرى هلال رمضان وحده، رأى هلال رمضان متأكد ما عنده أدنى شك، لكن ردت شهادته، رأى هلال رمضان وحده فرأى الناس الهلال رآه شخص ذهب ليدلي بشهادته ما قبل، ردت شهادته، وهو ما عنده شك أن رمضان دخل، يصوم أو يفطر؟ هل يصوم باعتبار أنه ((صوموا لرؤيته)) وقد رآه؟ {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة] وقد شهد، أو نقول: مادام ردت شهادته والناس ما صاموا، والصوم يوم يصوم الناس؟ يقول الإمام مالك: يصوم وجوبًا، ولا ينبغي -أي لا يجوز- له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان، ما فيه مبرر للصيام، يعني هو رأى الهلال قامت عليه، خلاص دخل الشهر، إن أفطره صار مفطرًا في يوم من رمضان من غير عذر، وهذا قول الأكثر، للأدلة السابقة ((صوموا لرؤيته))((لا تصوموا حتى تروه)) الغاية وجدت إذًا يوجد المغيا؛ لأنه يصدق عليه أنه رأى، فاتجه الخطاب إليه بالصيام، وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق: لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان، يعني حتى يقبل شهادته الإمام، ويحكم بأنه من رمضان، ويلزم الناس بالصيام لماذا؟ لأنه إذا ردت شهادته، ولم يقم به غيره لماذا لا يتهم نفسه أنه لم ير الهلال فعلًا؟ هذه وجهة نظر من يقول: إنه لا يصوم، والصوم مع الناس.

قال: ومن رأى هلال شوال وحده، الآن إذا رأى هلال رمضان وحده يصوم، إذا رأى هلال شوال وحده يقول: فإنه لا يفطر لماذا؟

طالب:........

يقول: لا يفطر، لماذا؟ حفظًا لعرضه، أو لا يتهم، أو نقول: إن المسألة مسألة حكم شرعي، والدخول يثبت بشهادة واحد، والخروج لا بد من اثنين، كيف؟

طالب:........

على كل حال سيأتي هذا كله.

يقول: فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا، يعني من أهل الفسق، ويقول: أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال؛ لئلا يكون ذريعة إلى غيره، والغالب أن الذي ترد شهادته، لكن المسألة في خروج الشهر، في رؤية هلال شوال، ثقة من ثقات الناس رأى الهلال، وقال: رأيته، وقالوا: والله من معك ثاني، ما جاء أحد، ترد شهادته، وتصوم الناس، إذًا لا بد أن تصوم لئلا تتهم، وتفتح باب لغيرك، بحيث كل من أراد أن يفطر في آخر الشهر يقول: والله أنا رأيت الهلال.

ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، فمنع سدًّا للذريعة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وغيرهما، وقال الشافعي: يفطر وإن خالف، وإن خاف التهمة لم يفطر.

مالك ألزمه بالصيام لئلا يتهم، طيب، إذا ارتفعت منزلته عن التهمة، يشهد بعدالته وتحريه وحرصه الجميع، وممن يصوم يومًا ويفطر يومًا، مثل هذا يتهم بأن يفرط في يوم من رمضان، ارتفعت حاله عن التهمة، ما عاد سيتهمه يفطر وإلا ما يفطر؟ على كلام الإمام الشافعي يفطر، لكن على كلام غيره لا يفطر، يفطر مع الناس.

طالب:........

الإمام الشافعي يقول: إذا خاف التهمة يفطر اعتقادًا، يعني يعتقد أنه مفطر، لكن لا يأكل لئلا يتهم.

ومن رأى هلال شوال نهارًا في الضحى، قبل الزوال، ومن رأى هلال شوال نهارًا فلا يفطر، ويتم صوم يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي اتفاقًا فيما بعد الزوال، وعند الأكثر فيما قبل الزوال، على ما تقدم.

قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت -يعني ثقة- أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون في ذلك اليوم".

سمعت مالكًا يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر  -يعني يوم العيد- وهم يظنون أنه من رمضان"، ما رؤي الهلال ليلة العيد، "وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت -يعني ثقة- أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر" الآن هذا الثبت يشهد بدخول الشهر أو بخروجه؟

طالب:.......

لا ما يقبل بخروجه، هو يشهد بدخوله، وانبنى على قبول شهادته بدخوله خروجه، لكن لو شهد بالخروج مباشرة ما قبل، يقول: أنا أشهد أن رمضان دخل ليلة الخميس، ونحن ما صمنا يوم الخميس، يعني لو جاءنا في وقتها وشهد نقبل شهادته، جاء وتأخر، هذا رأى الهلال يوم الأربعاء ليلة الخميس، والمسافة بينه وبين البلد الذي فيه الإمام شهر، الإمام ما تتصور مسألة بدون هذه الوسائل التي بلحظة يبلغ الآفاق الخبر، قد يقول قائل: لماذا ينتظر إلى ليلة العيد؟ نقول: ما وصل إلى المكان الذي فيه الإمام إلا بعد شهر، تعب، يمشي شهرًا كاملاً متصورة يعني قبل هذه الأزمان، فجاء يشهد بدخول الشهر، وعلى ضوء قبول شهادته بدخول الشهر أخرجنا نحن ما خرج بشهادته، إنما نحن أخرجنا الشهر؛ لأنه الشهر ما يمكن أن يكون واحدًا وثلاثين، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه لو جاء يشهد أن الشهر طلع ما قبلنا شهادته وحده، لكن هو يشهد في ظرف تقبل فيه شهادة الواحد.

طالب:........

افترض شخصًا جاء من نجران إلى مكة بدون وسيلة..

طالب:........

أين؟ وكلام ابن عباس هل هو مبني على نص خاص أو على ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))؟ نأتي إلى المسألة السابقة.

طالب:........

لكن نفترض أننا على الترجيح السابق، الآن ما يمكن أن يمشي الشخص شهرًا؟ هذا الشخص ما عنده وسيلة وبطيء في المشي ثقيل بنصف المسافة التي يقطعها من الشام....... الشام، أخذ شهرًا يمشي.

طالب:........

ما فيه مرة قطعت ثلاثمائة كيلو بسبعة أشهر، فالناس يتفاوتون في السرعة بعض الناس، يقطع في اليوم ما لا يقطعه غيره في أسبوع، وبعض الناس يحتاج إلى مدة، أنت افترض هذا الشخص بطيء، ومع اتحاد المطلع، دعنا من اختلاف المطالع، ما وصل إلا ليلة العيد، وقال: أنا رأيت الهلال ليلة الخميس، وأنتم ما صمتم إلا يوم الجمعة، ماذا يقول مالك؟

وسمعت مالكًا يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم" هو رآه يوم الخميس، ونحن ما صمنا إلا يوم الجمعة، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم؛ لأنه يوم العيد قطعًا، ما يمكن يصير الشهر واحدًا وثلاثين، لا بد أن يكون هذا يوم العيد، نحن ما قبلنا شهادته في خروج الشهر، إنما قبلنا شهادته في دخوله، وبناءً على هذا الدخول الذي قبلناه، وسيلة شرعية ما فيه إشكال، بناء على هذه أخرجنا الشهر؛ لأنه لا يمكن أن يكون واحدًا وثلاثين، لكن هل نقضي ذلك اليوم أو ما نقضيه؟

هل نقول: والله ما رأيناه وخلاص، والرسول يقول: ((صوموا لرؤيته)) وما رأيناه؟

طالب:........

لا، المطلع متفق مع هذا الشخص الذي جاء.

طالب:........

نعم، لماذا؟

طالب:.........

نعم؛ لكنهم فرطوا في يوم داخل من الشهر.

طالب:.........

جاءنا من يشهد بأن يوم الخميس من رمضان، والأصل أن شهادته مقبولة، نصوم وإلا ما نصوم؟ نقضي هذا اليوم وإلا ما نقضيه؟ يقول: فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس"، لأنه بزوال الشمس ينتهي وقت صلاة العيد، وهل تقضى من الغد وإلا ما تقضى؟ يعني يصلون العيد من الغد أو لا يصلون؟ المالكية: لا تقضى، عند المالكية لا تقضى لئلا تشبه بالفرائض، وعند الحنابلة: تقضى، يصلون من الغد في وقتها، وعند أبي حنيفة والشافعي قولان كالمذهبين.

على كل حال المسألة التي ذكرناها هل نقضي صيام ذلك اليوم الذي ثبت أنه من رمضان بشهادة الثبت الثقة أنه من رمضان؟ يعني لو جاءنا ليلة ثلاثين مثلًا ونحن ما صمنا إلا ثمان وعشرين، وجاء ليلة واحد وثلاثين وقد صمنا تسعة وعشرين، فرطنا في اليوم الأول، يعني لو جاءنا ليلة تسعة وعشرين وما صمنا إلا ثمان وعشرين قضينا قطعًا، لكن لو جاءنا ليلة واحد وثلاثين ونحن مفرطون من اليوم الأول على ضوء شهادته فالذي يظهر القضاء، ما دام قبلنا شهادته نرتب عليها الأثر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"