التعليق على الموافقات (1426) - 01
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد.
قال المؤلف –رحمه الله-: "النوع الخامس في العزائم والرُّخص:
المسألة الثالثة: إن الرخصة إضافيةٌ لا أصلية بمعنى أن كل أحدٍ في الأخذ بها فقيه نفسه ما لم يحد فيها حد شرعي فيوقف عنده، وبيان ذلك من أوجه".
الرخصة ما دامت تخفيفًا وتسهيلًا من الله –جلَّ وعلا- سببه في الأصل المشقة، لكن أحيانًا يكون ارتكاب العزيمة بالنسبة إلى المكلَّف أخف عليه وأيسر، فيكون الأمر حينئذٍ متروكًا إليه، وكل إنسانٍ فقيه نفسه إلا إذا وُجِد نص يمنع من ارتكاب العزيمة، وأما فيما عدا ذلك..
معنى الرُّخصة أنها ترخيص من الله –جل وعلا- وتسهيلٌ على المكلف إذا كان يشق عليه ارتكاب العزيمة، وجاء الشرع بالرُّخصة «إن الله يُحب أن تُؤتى رخصه»، ولكن يبقى أن الإنسان هو فقيه نفسه، إذا كانت العزيمة أرفق به يرتكب العزيمة، وهو الأصل، إذا كانت الرخصة أرفق به يرتكب الرخصة، مثل الصيام في السفر، بعض الناس يشق عليه القضاء مشقة شديدة، يعني يسهل عليه أن يصوم مع الناس، لكن القضاء يشق عليه، فإذا كان مسافرًا، يقول: أنا مستعد أن أصوم وأنا مسافر، لكن ما أصوم إذا انتهى الناس من الصيام، نقول: افعل الأرفق بك.
الجمع بين الصلاتين يفعل المسلم الأرفق به، المسح أحيانًا يكون عليه خُف، ويرى أنه الآن يُريد أن يتخفف من هذا الخف الذي تعب منه خلال عشرين ساعة أو خمسة عشر ساعة، بعض الناس يتضايق من الأخفاف، فنقول: افعل الأرفق بك، فالمسح رخصة، وإن رجعت إلى العزيمة ما لم يكن رجوعك إلى العزيمة رغبةً عن هذه الرخصة أو شكًّا في مشروعيتها فلك أن تفعل الأرفق بك.
ولذا يقول المؤلف: "إن كل أحد فقيه نفسه" في هذا الباب.
طالب:........
بلا شك يفعلها تعبدًا؛ لأنها شرع من عند الله، «إن الله يُحب أن تُؤتى رُخصه»، يأتي بها يتعبد.
"أحدها: إن سبب الرخصة المشقة، والمشاق تختلف بالقوة والضعف وبحسب الأحوال، وبحسب قوة العزائم وضعفها، وبحسب الأزمان، وبحسب الأعمال؛ فليس سفر الإنسان راكبًا مسيرة يومٍ وليلة في رفقةٍ مأمونةٍ، وأرضٍ مأمونة، وعلى بطءٍ، وفي زمن الشتاء، وقِصر الأيام؛ كالسفر على الضد من ذلك في الفطر والقصر، وكذلك الصبر على شدائد السفر ومشقاته يختلف، فرُب رجلٍ جلدٍ ضري على قطع المهامه حتى صار له ذلك عادةً لا يحرج بها، ولا يتألم بسببها، يقوى على عباداته، وعلى أدائها على كمالها وفي أوقاتها، ورب رجلٍ بخلاف ذلك".
إن الأوقات تتفاوت، ففي زمن الصيف قد لا يشق عليه توقيت الصلوات، ولا إسباغ الوضوء، بينما يشق عليه الصيام، وفي الشتاء العكس، قد لا يشق عليه الصيام، بينما يشق عليه توقيت الصلوات؛ من أجل الوضوء في شدة البرد، فيفعل الأرفق به، وهذا مراد المؤلف – رحمه الله-.
"وكذلك في الصبر على الجوع والعطش، ويختلف أيضًا باختلاف الجُبن والشجاعة، وغير ذلك من الأمور التي لا يُقدر على ضبطها، وكذلك المريض بالنسبة إلى الصوم والصلاة والجهاد وغيرها، وإذا كان كذلك؛ فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابطٌ مخصوص".
طيب علاقة الصبر على الجوع والعطش بالجبن والشجاعة؟ الصبر على الجوع والعطش قد يكون في سفر جهاد، الجهاد يحتاج إلى صبر على الجوع وصبر على العطش؛ إذ لا يتسنى له ما كان يُزاوله في حال الرخاء، والجبان يحتاج من الماء أكثر مما يحتاجه الشجاع، وقد يحتاج من الأكل ما لا يحتاجه الشجاع، فحينئذٍ يختلف الحال من شخصٍ إلى آخر، والنبي –عليه الصلاة والسلام- في هذه الأحوال أفطر في السفر؛ للتقوي على الجهاد، ومعه من الصحابة من صام ومعه من أفطر، ولا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا، وترده إلى أصل المسألة، وهو أن المكلَّف يفعل الأرفق به في الرُّخص كلها.
"وإذا كان كذلك؛ فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابطٌ مخصوصٌ، ولا حد محدودٌ يطرد في جميع الناس؛ ولذلك أقام الشرع في جملةٍ منها السبب مقام العلة، فاعتبر السفر؛ لأنه أقرب مظان وجود المشقة، وترك كل مُكلَّفٍ على ما يجد، أي: إن كان قصرٌ أو فطرٌ ففي السفر، وترك كثيرٍ منها موكولاً إلى الاجتهاد كالمرض، وكثيرٌ من الناس يقوى في مرضه على ما يقوى عليه الآخر".
على ما لا...
"وكثيرٌ من الناس يقوى في مرضه على ما لا يقوى عليه الآخر".
والسبب في مثل هذا تفاوت الناس في القوة على مشقة العبادة سببه أمران:
القوة المعنوية من زيادةٍ في التدين تجعل الإنسان يقدر ويقوى على أكثر مما يقدر عليه نظيره الذي هو أقل في هذا الباب، وقُل مثل هذا في القوة البدنية، بعض الناس يقوى على ما لا يقوى عليه غيره.
"وكثيرٌ من الناس يقوى في مرضه على ما لا يقوى عليه الآخر، فتكون الرخصة مشروعةً بالنسبة إلى أحد الرجلين دون الآخر، وهذا لا مرية فيه، فإذًا ليست أسباب الرخص بداخلةٍ تحت قانونٍ أصلي، ولا ضابطٍ مأخوذٍ باليد، بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مُخاطبٍ في نفسه، فمن كان من المضطرين معتادًا للصبر على الجوع، ولا تختل حاله بسببه، كما كانت العرب، وكما ذُكر عن الأولياء، فليست إباحة الميتة له على وزان ما كان بخلاف ذلك، هذا وجه".
من كان بخلاف ذلك.
"فليست إباحة الميتة له على وزان من كان بخلاف ذلك، هذا وجه".
ولا شك أن الناس يختلفون في هذا الباب اختلافًا بينًا واضحًا، فمنهم من لا يصبر عن الأكل ولا ساعة واحدة، ومنهم من يصبر لأيام، لكن أيام محتملة يبقى معها الجسد غالبًا، أما ما يدعيه من يدعي الولاية، وأنه يمكث الأربعين يومًا ما أكل، فمثل هذه لا حقيقة لها.
ذكر الحافظ الذهبي –رحمه الله- في (السِّير) أن منهم من يجوع الأربعين يومًا، وقد يزيد على ذلك، وتتجلى له أمور، وتتكشف له أشياء ما كانت تلوح له بغير هذا الجوع، لكن المُحقق أن ما يلوح له ضربٌ من الهوس؛ لأن الجوع يُسبب مثل هذا، من الهوس، وأيضًا تخييل ما لم يقع كأنه واقع.
فالجوع يؤدي إلى مثل هذا على أنه يُنازع في كون جسد الإنسان حتى بالتمرين والرياضة يصل إلى هذا الحد بدون أكل هذا يُنازع فيه، لكن مع ذلك هو ليس بشرعي، وقُل في الذي يسمونه الإضراب عن الطعام لأي سببٍ من الأسباب هو ليس بشرعي، ولو لم يكن وسيلة للحصول على الحق إلا به فهو ليس بشرعي، وإن كان الاقتداء بأم سعد الذي أجبرته على الردة وآلت على نفسها ألا تأكل حتى يرتد كانت هذه هي القدوة مشكلة، ولا يُوجد في تاريخ الإسلام شيءٌ من هذا الإضراب.
بعضهم يقول: إذا كان فيه توصل إلى الحق، ولا يوجد وسيلة إلا هذا، لكنه يبقى أنه ليس بشرعي، وإذا أضر ببدنه حرم عليه، إذا وصل إلى حد يضر ببدنه فيحرم عليه، بل يجب عليه أن يأكل، ولو لم يجد إلا ما فيه شبهة ولو لم يجد إلا الميتة يجب عليه أن يأكل إبقاءً لجسده.
طالب:........
ولو كانت.
طالب:........
ولو كان. ما يأتي به شرع أبدًا، الذي أباح الميتة للمضطر ما يأتي بمثل هذا أبدًا.
"والثاني: أنه قد يكون للعامل المكلف حاملٌ على العمل حتى يخف عليه ما يثقل على غيره من الناس، وحسبك من ذلك أخبار المحبين الذين صابروا الشدائد، وحملوا أعباء المشقات من تلقاء أنفسهم، من إتلاف مُهجهم إلى ما دون ذلك، وطالت عليهم الآماد، وهم على أول أعمالهم، حرصًا عليها واغتنامًا لها، طمعًا في رضى المحبوبين، واعترفوا بأن تلك الشدائد والمشاق سهلةٌ عليهم، بل لذةٌ لهم ونعيم".
نعم هي مشاق في أول الطريق، لكن إذا رُوِّض الإنسان عليها وتمرن عليها صارت نعيمًا، كما يفعله سلف هذه الأمة من صيام الهواجر، وقيام الليالي الشاتية يتعبون في أول الأمر، ثم يتلذذون، ويُوجد هذا أيضًا عند من له صلة بالله –جلَّ وعلا-، ولذة مناجاة قد يستغني بذلك عن الطعام، وكلٌّ له نصيبه وإرثه من النبوة بقدر علمه واقتدائه وعمله له إرثه كلما قرب إلى تحقيق ما أُمر به ونُهي عنه على الوجه المطلوب سار له إرثه مما خُص به النبي –عليه الصلاة والسلام-، فإذا تلذذ بمناجاة الله استغنى بذلك عن كثير من الطعام، وسلف الأمة يذكرون أشياء منهم من يمكث المدة الطويلة أكله يسير جدًّا، ومنهم من تمضي عليه الليالي وهو ما وضع جنبه على الفراش، لكن دين الله وسط بين الغالي والجافي، والنبي –عليه الصلاة والسلام- قرر أنه ينام ويُصلي، ويصوم ويُفطر، ويأكل، ويتزوج النساء، كل هذه من سُنن المرسلين، والقدوة النبي –عليه الصلاة والسلام- بعض أهل العلم ارتكب العزيمة وشد على نفسه في بداية الطلب؛ لتحصيل العلم، ثم بعد ذلك صار له عادة وديدنًا.
"وذلك بالنسبة إلى غيرهم عذابٌ شديدٌ وألمٌ أليم؛ فهذا من أوضح الأدلة على أن المشاق تختلف بالنِّسب والإضافات، وذلك يقضي بأن الحكم المبني عليها يختلف بالنِّسب والإضافات".
لا شك أنه حتى من ينتسب إلى الدين والفضل والعلم تتفاوت هذه الأمور في حقهم، بعض الناس وبعض الجلساء -وهم من خيار الناس- أثقل عليهم من الجبال؛ لأنهم ما تعودوا الجلوس مع الناس الجادين الذين يحملون أنفسهم على العزائم من عبادة إلى طاعة، ومن ذكر إلى شكر، ومن تلاوة إلى صلاة، ما تعودوا، فمجالسة هؤلاء حتى بالنسبة لمن كانت مظاهرهم أيضًا تُوحي بأنهم من أهل الخير هذه أثقل من الجبال، يُوجد من طلب العلم مدة، لكنه بعد أن حصل على الشهادات تساهل وتقاصر في الطلب، وتقاعس عنه، صار العلم عليه ثقيلًا، حضور الدروس أثقل، وسماع العلم كأنه مطارق عليه، فمثل هذا ينبغي أن يُروض الإنسان نفسه عليه على مواصلة العبادة ومواصلة الطلب؛ لأنه لا ينتهي إلى حد {ﮄ ﮅ ﮆ}[الحِجر:99].
"والثالث: ما يدل على هذا من الشرع؛ كالذي جاء في وصال الصيام، وقطع الأزمان في العبادات؛ فإن الشارع أمر بالرفق؛ رحمة بالعباد، ثم فعله من بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- علمًا بأن سبب النهي وهو الحرج والمشقة مفقودٌ في حقهم؛ ولذلك أخبروا عن أنفسهم أنهم مع وصالهم الصيام لا يصدهم ذلك عن حوائجهم، ولا يقطهم عن سلوك طريقهم، فلا حرج في حقهم، وإنما الحرج في حق من يلحقه الحرج حتى يصده عن ضروراته وحاجاته، وهذا معنى كون سبب الرخصة إضافيًّا".
من يصده بعض العبادات التي جاء الشرع بالحث عليها لا يصدها هذه العبادات غير الواجبة عما هو أهم منها تصير مفضولة بالنسبة له، لو افترض أن شخصًا عُلقت به أمور العامة، وقيامه بما عُلق به وما أُنيط به يتضرر بصيامه النوافل، أو حتى في قيام الليل أو تلاوة القرآن، إذا كان يتأثر عمله وما أُنيط به بهذه الأمور المستحبات مثل هذه تكون مفضولة بالنسبة له؛ ولذا جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- الحث على الصيام «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا». وبيَّن –عليه الصلاة والسلام- أن أفضل الصيام صيام داود، وما عُرف عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصوم صيام داود؛ لأنه يعوقه عن كثير من المصالح العامة، وكل من في حكمه يقوم مقامه، وبيَّن أن أفضل العمل العمل في أيام العشر، والصيام من أفضل الأعمال.
وثبت في الصحيح أنه ما كان يصوم العشر من هذا الباب؛ لأنه لو صام العشر احتجب عن الناس، وقَل ارتباطه بعموم الناس. الأمة مرتبطة به، ففي هذا تأتي المفاضلة بين العبادات.
والمقرر عند أهل العلم أن ما يتعدى نفعه أفضل من النفع القاصر؛ ولذا نجد من شيخونا الكبار من لا تراه صائمًا كثيرًا، بينما يوجد من دونهم من يُحافظ على صيام النوافل أكثر منهم، ليس هذا زهدًا في العبادة وفي التعبد من قِبل الكبار، لا؛ ذلك لأنه أُنيط بهم أمور لا تقوم إلا بهم، فلو اشتغلوا بما دونها انقطعوا عنها -والله المستعان- مع أنه يوجد -ولله الحمد- من يُوفَّق لجميع الأعمال.
طالب:........
أين قرأت؟
طالب:........
«من صام يومًا في سبيل الله» المراد بسبيل الله: الجهاد، هكذا فهمه الإمام البخاري -رحمه الله-، وأدخل الحديث في كتاب الجهاد، قال: باب ما جاء في الصيام في سبيل الله أو الصوم في الجهاد، هذا فهم البخاري، لكن الكثير من أهل العلم يحملونه على عمومه، وأن الصيام في سبيل الله ابتغاء وجه الله –جلَّ وعلا-.
فضل الله واسع.
"ويلزم منه أن تكون الرخصة كذلك، لكن هذا الوجه استدلالٌ بجنس المشقة على نوعٍ من أنواعها".
وهو يقرر أن من بعد النبي –عليه الصلاة والسلام- من واصل مع ثبوت النهي عن الوصال، ووُجِد من يواصل من خيار هذه الأمة حتى من الصحابة ومن التابعين؛ لأنهم فهموا أن النهي من أجل رفع الحرج والمشقة عنهم، وإذا كان لا حرج فيه ولا مشقة ارتفع النهي؛ لأن العلة مرتفعة.
قُل مثل هذا في النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث، وُجِد كثير في سلف الأمة من يقرأ القرآن في يوم، هل معنى هذا أنه مُخالف في النهي؟ لا، هم فهموا أن النهي من أجل الرفق بهم، وإذا كان هذا هو أرفق بهم، بعض الناس ديدنه قراءة القرآن ولا يتلذذ ولا يتنعم إلا بمثل هذا، فالعلة مرتفعة؛ ولذلك لا يُقال: إن عثمان مثلاً –رضي الله عنه وأرضاه- الذي يختم في ليلة وغيره مأثور عن سلف هذه الأمة، لا نقول: إن مثل هذا يدخل في حديث «لا يعقل من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» فهم فهموا أن العلة رفع المشقة عنهم؛ ولذا لمَّا قاول النبي– عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمرو، قال له: اقرأ القرآن في شهر هذا أمر، وقول عبد الله بن عمرو أنه يُطيق أكثر من ذلك، هل معناه أنه رد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ اقرأ القرآن في الشهر مرتين في الشهر ثلاث، قال: إني أُطيق أكثر من ذلك، ثم قال: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» هل معنى هذا أن من قرأ القرآن في ثلاث يأثم؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «ولا تزد»؟
ليس هذا فهم سلف هذه الأمة؛ ولذا زاد، لكنهم فهموا أن هذا من باب الرأفة بهم؛ لئلا يشقوا على أنفسهم، ففهموا هذا الفهم، ورأوا أن هذه العلة مرتفعة، والأمر والحكم يدور مع علته، ويُوجد من زمن الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا من يقرأ القرآن في يوم، ولا يعوقه عن شيء من مصالحه، نعم قد يكون على حساب شيءٍ من الترتيل والتدبر والانتفاع التام بالقرآن هو موجود، لكن أجر الحروف أثبت، إن شاء الله تعالى.
طالب:........
يعني من قرأ القرآن في خمس يأثم أم ماذا يصير عليه؟
طالب:........
«ولا تزد» إن تجاوزنا «ولا تزد» «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» نعم.
الأمر الثاني: أن كونه لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث هذا محمولٌ على حال عموم الناس الذين لهم ارتباطاتهم وأعمالهم، لكن لو افترض أن شخصًا متقاعدًا مثلاً، وليس عنده عمل ولا شيء، ولا يرتبط بأمور دنيا، وراتبه يأتيه كل شهر ويكفيه، ومتقاعد ليس لديه عمل، يقرأ بعد صلاة الصبح خمسة أجزاء، وبعد صلاة الظهر خمسة أجزاء، وبعض صلاة العصر خمسة أجزاء، هذا ديدنه، فيختم القرآن في يومين، هل الحل أن أقول له: لا تقرأ الظهر، اكتفِ بقراءة الفجر والعصر؛ حتى تقرأ القرآن في ثلاثة أيام، تمتثل ما جاء في الخبر؟ هل هذا حل؟ قراءته ما تغير عليها شيء، ولو افترض أنه قرأ بعد المغرب خمسة، وبعد العشاء خمسة وانتهى ختم القرآن، ماذا يصير؟
هل من الحل إن نقول له: اترك القراءة في وقت من الأوقات؛ لأنه لا يفقه؛ لأنه قرأ القرآن في أقل من ثلاث، وهو يقول: أبدًا أنا خمسة، أقرأ بالترتيل والتدبر وأنا مرتاح، فالحديث محمولٌ على من كان حاله يتطلب عملًا غير القرآن مما يشق عليه الجمع بينه وبينه.
وبعض أهل العلم كالحافظ ابن رجب يحمله على من كان ديدنه ذلك، أما استغلال المواسم في الإكثار من قراءة القرآن فمتواتر عن سلف هذه الأمة أنهم يقرؤون القرآن لا سيما في رمضان في يوم هذا معروف عندهم.
دعونا ممن يقرأ القرآن أربع ختمات بالنهار، وأربع ختمات بالليل، هذا نقله الحافظ ابن كثير والنووي وغيرهم عن ابن الكاتب وأثبتوه، لكن ما القراءة هذه؟!! اطلعت في بعض الشروح القسطلاني عن البخاري يقول: حدَّثني فلان الشيخ الثقة أن فلانًا قرأ القرآن في أسبوع، أنا ظننت أسبوعًا سبعة أيام إذا به سبعة أشواط، وقيل: في شوط يعني طواف، هذا كله لا قيمة يعني هذا تلاعب.
أما قراءة القرآن بالقدر المعروف عن الإنسان هذا يختلف من شخصٍ إلى آخر المسألة مسألة مران، وكل الأمور تحتاج إلى مران -مسألة تمرين- بعض الناس لا يستطيع أن يقرأ في الساعة أكثر من جزأين؛ لأنه ما تعود، لكن يوجد من يقرأ خمسة وهو مرتاح، نعم قد لا تكون القراءة التي على الوجه المأمور بها من تدبر وترتيل، والانتفاع الكامل بالقرآن ما يمكن أن يكون بمثل هذه الطريقة، لكن يبقى أن أجر الحروف المرتب على مجرد القراءة يثبت بمثل هذا، والله المستعان.
والانتفاع الكامل بالقرآن إنما يكون إذا قُرئ القرآن على الوجه المأمور به كما قال شيخ الإسلام يُورث القلب من العلم واليقين والطمأنينة ما لا يُوجد عند غيره، وهذا الشيء مُجرب، والله المستعان.
"لكن هذا الوجه استدلالٌ بجنس المشقة على نوعٍ من أنواعها وهو غير منتهضٍ إلا أن يجعله منضمًا إلى ما قبله".
إلا أن يُجعل منضمًا إلى ما قبله، أو يجعله، فالسياق يدل على هذا ما فيه إشكال.
"فالاستدلال بالمجموع صحيحٌ، حسبما هو مذكورٌ في فصل العموم في كتاب الأدلة.
فإن قيل: الحرج المعتبر في مشروعية الرخصة إما أن يكون مؤثرًا في المكلف بحيث لا يقدر بسببه على التفرغ لعادةٍ ولا لعبادة، أو لا يمكن له ذلك على حسب ما أُمر به، أو يكون غير مؤثر، بل يكون مغلوب صبره ومهزوم عزمه، فإن كان الأول، فظاهرٌ أنه محل الرخصة، إلا أنه يُطلب فيه الأخذ بالرخصة وجوبًا أو ندبًا على حسب تمام القاطع عن العمل أو عدم تمامه، وإذا كانت مأمورًا بها؛ فلا تكون رخصةً كما تقدم، بل عزيمة، وإن كان الثاني، فلا حرج في العمل ولا مشقة، إلا ما في الأعمال المعتادة".
وقد تكون الرخصة مأمورًا بها، تقدم أن من أحكام الوضع ما ينتابه الأمران: فهو حكمٌ وضعي باعتبار، وحكمٌ تكليفي باعتبارٍ آخر، باعتباره مأمورًا به، وحكمٌ تكليفي من هذه الحيثية، الشروط مثلاً الأصل فيها أنها أحكام وضعية، لكن من الشروط ما هو مأمورٌ به، وحينئذٍ ينتابه الأمران: الشرط الوضعي والتكليفي.
من الشروط مثلاً تحصيل النِّصاب في الزكاة هذا حكم وضعي، هل يُقال: إنه مأمورٌ به، مأمورٌ بتحصيل النِّصاب؟ ليس بمأمورٍ به، لكن من الشروط ستر العورة في الصلاة نعم هذا حكم وضعي، لكن باعتباره مأمورًا به، ولا تصح الصلاة إلا به، وقُل مثل هذا في الطهارة والشروط التي جاءت الأوامر بها ينتابها الأمران: الحكم الوضعي والتكليفي.
فمن الأحكام الوضعية ما هو مأمورٌ به، ومنه ما هو مجرد علامة شرط، علامة على إباحة الفعل أو تركه، فزوال الشمس بالنسبة لوقت صلاة الظهر شرط لابد أن تزول الشمس، لكن هل هذا مأمور به؟ لا، ليس مأمورًا به، وليس من فعل المكلَّف، وإن كان مشترطًا لصحة الصلاة إلا أن المكلَّف مُطالب بألا يُصلي قبل هذا الوقت.
"وذلك ينفي كونه حرجًا ينتهض علةً للرخصة، وإذا انتفى محل الرخصة في القسمين ولا ثالث لهما؛ ارتفعت الرخصة من أصلها، والاتفاق على وجودها معلوم، هذا خُلف، فما انبنى عليه مثله.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن هذا السؤال منقلبٌ على وجهٍ آخر؛ لأنه يقتضي أن تكون الرخص كلها مأمورًا بها وجوبًا أو ندبًا، إذ ما من رخصةٍ تُفرض إلا وهذا البحث جارٍ فيها، فإن كان مشترك الإلزام؛ لم ينتهض دليلاً، ولم يعتبر في الإلزامات.
والثاني: أنه إن سُلِّم؛ فلا يلزم السؤال لأمرين:
أحدهما: أن انحصار الرخص في القسمين لا دليل عليه؛ لإمكان قسمٍ ثالثٍ بينهما، وهو أن لا يكون الحرج مؤثرًا في العمل، ولا يكون المكلف رخي البال عنده".
عنه.
طالب: عنه؟
نعم.
"وكل أحدٍ يجد من نفسه في المرض أو السفر حرجًا في الصوم، مع أنه لا يقطعه عن سفره، ولا يُخل به في مرضه، ولا يؤديه إلى الإخلال بالعمل".
وكثيرٌ من الناس راحته في السفر أكثر من راحة كثيرٍ من الناس في الحضر، يعني إذا كانت آلات السفر وأسبابه مُريحة، المكان الذي يذهب إليه مريح، والوسيلة التي يستعملها مريحة، ولا تجلب له أدنى مشقة، وبعض الناس المشقة الشديدة حاصلة وهو في بلده، لكن هذه المشقة غير منظور إليها مع القدرة على أداء العبادة؛ ولذا حينما طالب من طالب بأن العمال لهم أن يُفطروا في رمضان وهم غير مسافرين، هل هذا الطلب له حظ من النظر؟ هذا ليس له حظ من النظر؛ لأن الوصف المؤثر في الصيام هو السفر ولم يُوجد.
نعم السفر مظنة للمشقة، لكن صارت العلة هي السفر، فوجود المشقة من غير الوصف المؤثر لا تكفي، اللهم إلا إذا بلغت به المشقة بحيث لا يتمكن معها من الصيام، فحينئذٍ له أن يُفطر ويكون معذورًا مضطرًا إلى الفطر، لكن إذا كان سبب الفطر هو العمل فعليه أن يترك هذا العمل؛ لأن هذا ركن من أركان الإسلام لا يُقابل به غيره، يعني شخص موظف لا يستطيع أن يصوم وهو يعمل يأخذ إجازة يلزمه؛ لأن هذا ركن من أركان الإسلام، وكونه يُفطر في الحضر وهو صحيح مُعافى من غير مرض ولا سفر فهذا لا يسوغ له أن يُفطر مهما بلغت من مشقته إذا كان يستطيع الصيام.
"وكذلك سائر ما يعرض من الرخص، جارٍ فيه هذا التقسيم.
والثالث هو محل الإباحة؛ إذ لا جاذب يجذبه لأحد الطرفين.
والآخر: أن طلب الشرع للتخفيف حيث طلبه ليس من جهة كونه رخصة، بل من جهة كون العزيمة لا يُقدر عليها، أو كونها تؤدي إلى الإخلال بأمرٍ من أمور الدين أو الدنيا، فالطلب من حيث النهي عن الإخلال لا من حيث العمل بنفس الرخصة؛ ولذلك نهي عن الصلاة بحضرة الطعام، ومع مدافعة الأخبثين، ونحو ذلك، فالرخصة باقيةٌ على أصل الإباحة من حيث هي رخصة، فليست بمرتفعةً من الشرع بإطلاق، وقد مر بيان جهتي الطلب والإباحة، والله أعلم.
المسألة الرابعة:
الإباحة المنسوبة إلى الرخصة، هل هي من قبيل الإباحة بمعنى رفع الحرج، أم من قبيل الإباحة بمعنى التخيير بين الفعل والترك؟"
كالجمع بين الصلاتين في السفر هل المراد بكونه رخصة، هل من هو من قبيل الإباحة بمعنى أنك تفعل ولا حرج أو هو من قبيل التخيير بين الفعل والترك؟ هو يقول: "هل هي من قبيل الإباحة بمعنى رفع الحرج، أم من قبيل الإباحة بمعنى التخيير بين الفعل والترك؟" نقول: الذي يظهر من نصوص الرخص أنها بمعنى رفع الحرج لا بمعنى آخر، ما معنى هذا؟ مقتضاه أن العمل بالعزيمة أفضل، لكن هل يطرد مثل هذا؟ إذا قلنا بمثل هذا في الجمع، فهل نقول بمثل هذا في القصر؟ العزيمة الصلاة أربع ركعات وقصر الصلاة ركعتين رخصة، لكن أيهما أفضل مع وجود الوصف المؤثر؟ يقولون: القصر أفضل، لاسيما وقد أوجبه بعض أهل العلم كالحنفية.
أما بالنسبة للترخص بالجمع بين الصلاتين في السف،ر فعامة أهل العلم على أن أداء كل صلاة في وقتها أفضل لاسيما ممن لا يشق عليه ذلك كالنازل بمكان ولم يجِد به السَّير، وقد أوجب بعضهم ألزم بعضهم الذي لم يجِد به السَّير أن يُصلي كل صلاةٍ في وقتها، لكن مادام وُجِد الوصف المؤثر، والنبي –عليه الصلاة والسلام- أقام بتبوك، وجمع بين الصلاتين، وقصر الصلاة، فدل على جواز ذلك، وأن المكلَّف يفعل الأرفق به من هذا وهذا.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
لو تجعلهم واحدًا.
طالب:........
الفرق بين مجرد رفع الحرج فيبقى الأصل هو الأصل، يعني الأصل أن تُصلي كل صلاةٍ في وقتها، لكن إن جمعت ارتفع عنك الحرج، وإذا قلنا بالتخيير فهما سواء.
طالب:........
أين؟
طالب:........
لا، هو تقسيمه واضح من جهة أنه لا يستوي المراد على القول الأول والثاني، إذا قلنا: المراد مجرد رفع الحرج يبقى أن العزيمة هي الأصل، لكن إن عدلت إلى الرخصة فلا حرج، وإذا قلنا: بمعنى التخيير أنهما سواء، يعني لو قلنا بالاحتمال الأول، قلنا: إن صلاة الظهر في وقتها، وصلاة العصر في وقتها أفضل، لكن إن فعلت جمعت فالحرج مرفوع، صليت الظهر ركعتين، صليت العصر ركعتين، الأفضل أن تُصلي أربعًا وأربعًا، لكن إن صليت ركعتين وركعتين هذا أفضل، يعني مرفوع الحرج، بينما على القول الثاني لا هما سيان سواءً فعلت هذا أو ذاك، فبينهما فرق.
طالب:........
"أم من قبيل الإباحة بمعنى التخيير بين الفعل والترك" يعني: على حدٍّ سواء صليت أربعًا أو اثنتين جمعت أو فرَّقت ما فيه فرق، بينما على الاحتمال الأول لا، تُصلي كل صلاة في وقتها أفضل، وتُصلي أربعًا أربعًا أفضل، لكن إن فعلت الرخصة فلا حرج عليك.
طالب:........
فيه أحد رخص له.
طالب:........
فيه نص رخص له؟
طالب:........
لكن «هل تسمع النداء؟» عمومه قال: نعم، قال: «أجب، لا أجد لك رخصة».
طالب:........
لكنه يسمع النداء ما الذي يعفيه من حديث ابن أم مكتوم؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم، لكن ما الذي يُعفيه من حديث ابن أم مكتوم؟
طالب:........
إلا إذا كان يحرس معه أولاده أو معه شيء يُخشى عليه أو شيء من هذا القبيل، فهذا يُبيحون له ترك الجماعة، أما إذا تيسر له، يسمع النداء وسواءٌ صلى في المحطة أو على خط، أو لحاله، وما يتأثر حصَّل الجماعة، وجمع من أهل العلم رأوا أن المسافر ليس عليه جُمعة ولا جماعة.
طالب:........
أفضل أفضل، لاسيما عند من يُقرر الخروج من الخلاف، ويستحب الخروج من الخلاف.
طالب:........
نعم.
طالب:........
مادام أنهم يسمعون النداء حيث يُنادى بها هذا الأصل في المسجد.
"فالذي يظهر من نصوص الرُّخص أنها بمعنى رفع الحرج، لا بالمعنى الآخر، وذلك ظاهرٌ في قوله تعالى: { ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ } [البقرة:173]، وقوله في الآية الأخرى: { ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ} [المائدة:3] فلم يُذكر في ذلك أن له الفعل والترك، وإنما ذُكر أن التناول في حال الاضطرار يرفع الإثم.
وكذلك قوله: { ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ } [البقرة:184] ولم يقل: فله الفطر، ولا فليفطر، ولا يجوز له".
عندنا بياض "ولا يجوز له".
"ولم يقل: فله الفطر، ولا فليفطر، ولا يجوز له، بل ذكر نفس العذر، وأشار إلى أنه إن أفطر؛ فعدةٌ من أيامٍ أُخر".
طيب.
"وكذلك قوله: { ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ } [النساء:101] على القول بأن المراد القصر من عدد الركعات، ولم يقل: فلكم أن تقصروا، أو: فإن شئتم فاقصروا.
وقال تعالى في المُكره: { ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ} [النحل:106] الآية إلى قوله: { ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ} [النحل:106] ؛ فالتقدير أن من أُكره، فلا غضب عليه، ولا عذاب يلحقه إن تكلم بكلمة الكفر وقلبه مطمئنٌ بالإيمان، ولم يقل: فله أن ينطق أو إن شاء فلينطق.
وفي الحديث: أكذب امرأتي؟ قال له: «لا خير في الكذب»، قال له: أفأعدها وأقول لها؟ قال: «لا جناح عليك» ولم يقل له: نعم، ولا افعل إن شئت".
إخراج الحديث.
طالب:........
هذا الحديث، بهذا اللفظ.
"أخرجه الحميدي في مسنده، قال: حدَّثني صفوان بن سُليم عن عطاء بن يسار قال: جاء رجلٌ إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هل علي جناحٌ أن أكذب أهلي، قال: «لا، فلا يجب الله الكذب»".
يُحب..يُحب.
"«لا، فلا يُحب الله الكذب» قال: يا رسول الله أستصلحها وأستطيب نفسها: قال: «لا جناح عليك»، وهكذا وقع فيه عن عطاء بن يسار مرسلاً، وهو قد أورده تحت أحاديث أم كلثوم بنت عُقبة بن أبي معيط –رضي الله عنها- فلا أدري أسقط اسمها من السند أم الناسخ؟ أما الرواية عند الحميدي هكذا مرسلة".
يعني على أنه مرسل.
"يقول قلت: أخرجه ابن عبد البر في (التمهيد) من رواية صفوان بن سليم عن عطاء مرسلاً، وهو في الموطأ عن صفوان بن سليم مُعضلاً من غير ذكر عطاء، قاله الزبيدي في شرح الإحياء، إلا أن الحديث صحيحٌ، وله شواهد عديدة انظرها في السلسة الصحيحة".
على كل حال جاء الترخيص بالكذب، وهو الإخبار بخلاف الواقع في مواضع الإصلاح يجمعها الإصلاح، وأهل العلم توسعوا في ارتكاب مثل هذا، فأجازوا في المناظرات، وأجازوا في المقامات، وأجازوا المبالغات، كلها خلاف الواقع، بل بعض المبالغات جاءت بها النصوص «أما أبو الجهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه» هل يُتصور أن شخصًا يحمل العصا أربعًا وعشرين ساعة في حِله وفي ترحاله، وفي نومه وفي استيقاظه، وفي جميع أحواله، وهو يأكل، وهو يقضي حاجته يحمله، أما هذه فمُبالغة، وهي وإن كانت خلاف الواقع إلا أنها جاءت بها لغة العرب، وجاءت بها النصوص الشرعية، المناظرات كثيرًا ما يعقد أهل العلم مناظرات بين طرفين بين سُني وقدري، هذه فعلها ابن القيم كثيرًا في (شفاء العليل) يعقد مناظرات بين سُني وجهمي.
طالب:........
سهل هذا يقولون لك: الآن يعقدون بين من ينطق وهو لم ينطق في المناظرات، وقد يعقدون مناظرات بين من لا يعقل، فيقولون: مناظرات بين العلوم مثلاً المفاضلة بين العلوم، فقال: علم التفسير، وقال: علم الحديث، قال: علم كذا، وقال: علم كذا، وهذه لا شك أنه ما قيلت، لا قائل ولا مقول، وإنما هو من باب إفادة القارئ بهذه الطريقة.
وأيضًا المقامات كلها من هذا النوع حدَّث الحارث بن همام، قال: ولا حارث ولا محدِّث ولا مُحدَّث؛ ولذلك تمنى صاحب المقامات أنه خرج منها لا له ولا عليه.
وتوسع المعاصرون في مثل هذا، فجاءوا بأفعال ما كفاهم من أقوال، وأوردوا التمثيلات وغيرها من هذا النوع كلها خلاف الواقع، وهي داخلة في مُسمى الكذب؛ لأنها تُخالف الواقع، فهل يُتَجاوز عنها نظرًا للمصالح المرتبة عليها، بناءً على أن الكذب جاء التجاوز عنه في بعض النصوص من أجل المصلحة والإصلاح؟ فالمسألة -لا شك- أن الورع ترك مثل هذه الأمور كلها والاكتفاء بالطريقة المأثورة والجادة المعروفة عند أهل العلم، سواءً كانت في التعليم، وفي الدعوة، وفي كل ما يتطلبه المسلم في حياته، وإن فعل شيئًا من ذلك بهدف الإصلاح بين الخصوم أو استصلاح الزوجة وما أشبه ذلك، فجاء ما يدل عليه، وأهل العلم كتبوا المقامات، واستفادوا، وأفادوا منها فوائد عظيمة، ويبقى أنها خلاف الأصل.
"والدليل على أن التخيير غير مرادٍ في هذه الأمور؛ أن الجمهور أو الجميع يقولون: من لم يتكلم بكلمة الكفر مع الإكراه مأجورٌ وفي أعلى الدرجات".
يعني: ارتكاب العزيمة؛ لأن بعض الناس يصده عن كلمة الحق الخوف على نفسه، ولا شك أنه معذور في مثل هذا، إذا خاف على نفسه في إنكار المنكر مثلاً، إذا خاف على نفسه، وفرق بين أن يخاف على نفسه أو يُوقع غيره في حرج، إذا كان الضرر خاصًّا به فهنا عزيمة ورخصة له أن يترخص، وإن ارتكب العزيمة فهو أفضل، لكن إذا كان الضرر المرتب على فعله يتعدى إلى غيره فليس له أن يفعل، أما إذا كان الضرر خاصًّا به فإن ارتكب العزيمة فهو أفضل له، وإن ترخص برخصةٍ له أيضًا، فالأمر فيه سعة إن شاء الله تعالى.
طالب:........
نعم.
طالب:........
كيف ترخصون؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
فيقتل المسلمين من أجلهم.
طالب:........
هو العلماء ينصون على أنه لو أن الكفار تترسوا بنسائهم وصبيانهم ومن جاء النهي عن قتلهم، ووصل الضرر إلى المسلمين، وامتنع وصول الضرر إليهم، فيُبادلون ولو كانت في الواجهة نساء وصبيان منعوا من قتلهم؛ دفعًا للضرر الحاصل منهم على المسلمين.
"والتخيير ينافي ترجيح أحد الطرفين على الآخر؛ فكذلك غيره من المواضع المذكورة وسواها.
وأما الإباحة التي بمعنى التخيير، ففي قوله تعالى: { ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ} [البقرة:223] يريد: كيف شئتم: مُقبلةً، ومدبرةً، وعلى جنب، فهذا تخييرٌ واضح، وكذلك قوله: { ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ} [البقرة:35] وما أشبه ذلك، وقد تقدم في قسم خطاب التكليف فرق ما بين المُباحين.
فإن قيل: ما الذي ينبني على الفرق بينهما؟ قيل: ينبني عليه فوائد كثيرة، ولكن التعارض في مسألتنا أنَّا إن قلنا".
العارض.
طالب: "ولكن العارض"؟
نعم، ولكن العارض.
"ولكن العارض في مسألتنا أنَّا إن قلنا: الرخصة مخيرٌ فيها حقيقةً لزم أن تكون مع مقتضى العزيمة من الواجب المخير، وليس كذلك إذا قلنا: إنها مباحةٌ بمعنى رفع الحرج عن فاعلها، إذ رفع الحرج لا يستلزم التخيير، ألا ترى أنه موجودٌ مع الواجب؟ وإذا كان كذلك؛ تبينا أن العزيمة على أصلها من الوجوب المعين المقصود شرعًا، فإذا عُمل بها؛ لم يكن بين المعذور وبين غيره في العمل بها فرق، لكن العذر رفع التأثيم عن المنتقل عنها إن اختار لنفسه الانتقال، وسيأتي لهذا بسطٌ إن شاء الله تعالى".
اللهم صلِّ على محمد.
طالب:........
لا، الأصل أن الإباحة اسم مستوي الطرفين، استواء الطرفين، لكن هل الرخصة هي من باب مجرد رفع الحرج أو هي من باب الإباحة؟ كلامه في الرخصة.
طالب:........
موعدنا الاثنين إن شاء الله.