التعليق على الموافقات (1434) - 01

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

 يقول الشاطبي -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثامنة: "فصل: فكل ما كان من المعاني العربية التي ينبني فهم القرآن".

"لا"، "لا".

طالب: "لا ينبني فهم القرآن إلا عليها؛ فهو داخل تحت الظاهر. فالمسائل البيانية والمنازع البلاغية لا مَعْدَلَ بها".

"لا مَعْدِل".

طالب: "لا مَعْدِلَ عن ظاهر القرآن، فإذا فُهم الفرق بين (ضيق) في قوله تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125]، وبين (ضائق) في قوله: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12]. والفرق بين النداء بـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]، أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [التحريم: 7]، وبين النداء بـ{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21]، أو بـ{يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26]. والفرق بين ترك العطف في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6]، والعطف في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]، وكلاهما قد تقدم عليه وصف المؤمنين. والفرق بين تركه أيضًا في قوله: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 154]، وبين الآية الأخرى: {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 186]".

هذا يبين لنا أهمية معرفة العربية بجميع فروعها الاثني عشر لمريد فهم القرآن؛ لأنه نزل بلغة العرب. هناك دقائق ولطائف في فنون العربية لا يهتدي إليها، حتى في كتاب الله -جل وعلا-، إلا من عرف هذه العلوم مجتمعة، وطالب القرآن يحتاج إليها كلها؛ لأنه قد يترتب على الخلاف في حرف بيان واختلاف كبير في المعنى.

طالب: "والفرق بين الرفع في قوله: {قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69]، والنصب فيما قبله من قوله: {قَالُوا سَلَامًا} [هود: 69]".

قالوا: سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة، سلام إبراهيم: {قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69]، قالوا قبل ذلك: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69]، فما الذي دعاه يرفع وهم ينصبون؟ ولماذا قيل: سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا لا، من اللفظ، {قَالُوا سَلَامًا} [هود: 69] منصوب، {قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69].

طالب: {سَلَامًا} مفعول مطلق أصله الفعل.

أصله الفعل، تكون جملة فعلية، معنى الجملة فعلية، والمرفوع؟

طالب: اسمية.

اسم، فالجملة اسمية، ولا شك أن الجملة الاسمية، نعم الفعلية تدل على تجدد الحدوث، لكن الاسمية تدل على الدوام، فهو أبلغ من هذه الحيثية.

طالب: "والفرق بين الإتيان بالفعل في التذكر من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف: 201]، وبين الإتيان باسم الفاعل في الإبصار من قوله: {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]. أو فُهم الفرق بين (إذا) و(إن) في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: 131]، وبين {جَاءَتْهُمُ} و{تُصِبْهُمْ} بالماضي مع {إِذَا}، والمستقبل مع {إِنْ}".

الفرق بين (إذا) أنها للجزم من حيث المعنى، أما من حيث الإعراب لا تجزم. والعكس في (إن)، تجزم من حيث الإعراب، ولا جزم فيها من حيث المعنى. مثل هذا يتنبه له طالب العلم،

 أنا إن شككتموني وجدتموني

 أنا إن شككت وجدتموني جازمًا       وإذا جزمت فإنني لم أجزم

طالب: "وكذلك قوله: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، مع إتيانه بقوله: {فَرِحُوا} بعد (إِذَا) و{يَقْنَطُونَ} بعد (إِنْ). وأشباه ذلك من الأمور المعتبرة عند متأخري أهل البيان، فإذا حصل فُهِمَ ذلك كله على ترتيبه في اللسان".

"حصل فَهْمُ ذلك".

طالب: "فإذا حصل فَهْمُ ذلك كله على ترتبيه في اللسان العربي، فقد حصل فَهم ظاهر القرآن".

لكن يبقى أن طالب العلم الذي يريد مثل هذه المباحث من مباحث البيان والمعاني والبديع أيضًا المعروفة بفنون البلاغة، هل يقرأ في كتب المتقدمين، أو يقرأ في كتب المتأخرين؟ يعني مثل ما قيل في الحديث، ومثل ما قيل في الفقه، قيل قبل ذلك كله في البلاغة. يعني الثورة على طرائق المتأخرين، سواء كانت في التفقه أو في إثبات النصوص، هل هذه طريقة المتقدمين وهذه طريقة المتأخرين، قيل قبل ذلك كله في علوم البلاغة، كانت الدراسة تدور حول المفتاح، مفتاح العلوم للسكاكي وتلخيصه للقزويني وشروح التلخيص والحواشي وغيرها. وجاء من يثور على هذه الكتب ويقول: إن هذه زادت الفن تعقيدًا، ولم تعطِ مَلكة بلاغية، فلا بد أن نقرأ في كتب المتقدمين، نقرأ في كتب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز والمثل الثائر، كتب المتقدمين النثرية التي ليس فيها قواعد وضوابط وأمثلة، أنت أكثر من القراءة في كتبهم تحاكيهم. لكن طالب مبتدئ يقال له مثل هذا الكلام؟

 يعني نظير ما قلنا في علوم الحديث ونظير ما قلنا في التفقه ونظير، يُمرن على قواعد مضبوطة ومحررة ومتقنة بأمثلتها، وتشرح هذه الأمثلة، وتربط بالقاعدة، ومثلها القواعد الفقهية، ومثل قواعد أي فن من الفنون. ثم بعد ذلك إذا ضبط هذه القواعد التي اعتمدها المتأخرون يديم النظر في كلام المتقدمين، أما أن يبدأ في كلام المتقدمين في كلام عائم ما يضبط له خطامًا ولا ذمامًا، ولا عنده قاعدة، ولا يدري وماذا يقرأ في الأصل؟ تقول له: اقرأ في كتب المتقدمين؟! يعني طالبًا في المرحلة المتوسطة أو الثانوية وتقول له: اقرأ أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، ما يفهم شيئًا، يقرأ وينتهي ما يدري ما المقصود. لكن لو قرأ هذه القواعد الموجودة في التلخيص وشروحه وحواشيه، مثَّل عليها بأمثلة من الكتاب والسنة، وربط ذلك بالنصوص، ثم أدام النظر في كتب أهل البلاغة والمتقدمين منهم؛ فحينئذ يتعلم ويتمرن.

طالب: "ومن هنا حصل إعجاز القرآن عند القائلين بأن إعجازه بالفصاحة، فقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] الآية، وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود: 13]، وهو لائق أن يكون الإعجاز بالفصاحة لا بغيرها؛ إذ لم يؤتوا على هذا التقدير إلا من باب ما يستطيعون مثله في الجملة، ولأنهم دُعوا وتُحدُّوا وقلوبهم لاهية عن معناه الباطن الذي هو مراد الله من إنزاله، فإذا عرفوا عجزهم عنه، عرفوا صدق الآتي به وحصل الإذعان، وهو باب التوفيق والفهم لمراد الله تعالى.

وكل ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطَب بوصف العبودية، والإقرار لله بالربوبية؛ فذلك هو الباطن المراد والمقصود الذي أُنزل القرآن لأجله. ويتبين ذلك بالشواهد المذكورة آنفًا.

 ومن ذلك أنه لما نزل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]، قال أبو الدحداح: إن الله كريم استقرض منا ما أعطانا، هذا معنى الحديث، وقالت اليهود: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181]، ففهْمُ أبي الدحداح هو الفقه، وهو الباطن".

مع أن قصة أبي الدحداح متكلم فيها عند أهل العلم ومضعفة.

طالب: "ففِهْمُ أبي الدحداح هو الفقه، وهو الباطن المراد، وفي رواية قال أبو الدحداح: يستقرضنا وهو غني؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-".

"فَهْم" بفتح الفاء، فَعْلٌ قياس المصدر المؤدى من ذي ثلاثة كرَدَّ رَدَّ، "فَهْم".

طالب: "ففَهْمُ أبي الدحداح هو الفقه، وهو الباطن المراد، وفي رواية قال أبو الدحداح: يستقرضنا وهو غني؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: «نعم؛ ليدخلكم الجنة». وفي الحديث قصة، وفَهم اليهود لم يزد على مجرد القول العربي الظاهر، ثم حُمل استقراض الرب الغني".

{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ} [التغابن: 17]، لو يتعامل مع اللفظ الظاهر من الذي يحتاج قرض؟

طالب: المضطر.

المحتاج والفقير هو الذي يحتاج من يقرضه، فقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران: 181]، تعاملوا مع اللفظ مع أنهم عندهم خبث في النية وقبح في الطوية، وإلا فهم يعرفون الله -جل وعلا- من خلال ما أنزله إليهم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44]، لكن الضلال لا نهاية له ولا حد له.

طالب: "ثم حُمل استقراض الرب الغني على استقراض العبد الفقير، عافانا الله من ذلك. ومن ذلك أن العبادات المأمور بها؛ بل المأمورات والمنهيات كلها إنما طُلب بها العبد شكرًا لما أنعم الله به عليه، ألا ترى قوله: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، وفي الأخرى: {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9]".

الله -جل وعلا- غني عن عبادة المطيع، ولا يضره ولا يضيره معصية العاصي: «ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا»، وبالمقابل: «لو كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا»، «إنما هي أعمالكم أحصيها لكم وأوفيها لكم»، كما في الحديث القدسي.

طالب: "والشكر ضد الكفر، فالإيمان وفروعه هو الشكر، فإذا دخل المكلف تحت أعباء التكليف بهذا القصد، فهو الذي فهم المراد من الخطاب، وحصَّل باطنه على التمام، وإن هو فَهَمَ من ذلك".

"فَهِمَ".

طالب: "فَهِمَ من ذلك مقتضى عصمة ماله ودمه فقط، فهذا خارج عن المقصود، وواقف مع ظاهر الخطاب".

إذا قصد بالاستجابة الظاهرة عصمة دمه وماله فقال: هذا منافق، استجاب في الظاهر؛ ليُعصم دمه وماله. وأما إن استجاب باطنه وظاهرًا، فهم المقصود وآمن به؛ فهذا هو المؤمن. ومن رده بالكلية ظاهرًا وباطنًا؛ فهذا هو الكافر.

طالب: "فإن الله قال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]، ثم قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]. فالمنافق إنما فهم مجرد ظاهر الأمر من أن الدخول فيما دخل فيه المسلمون موجب لتخلية سبيلهم، فعملوا على الإحراز من عوادي الدنيا، وتركوا المقصود من ذلك، وهو الذي بينه القرآن من التعبد لله والوقوف على قدم الخدمة، فإذا كانت الصلاة تُشعر بإلزام الشكر بالخضوع لله والتعظيم لأمره، فمن دخلها عريًّا من ذلك كيف يُعد ممن فهم باطن القرآن؟ وكذلك إذا كان له مالٌ حالَ عليه الحول".

وقل مثل هذا في الفروع، يعني من دخل إلى المسجد، وصلى مع الناس، وأدى الأركان والواجبات في صورتها الظاهرة، وخلا قلبه مما يُطلب منه من خشية وإخبات وحضور قلب وتدبر لما يسمع وتدبر لما يقرأ؛ مثل هذا من هذا النوع، لا يستفيد كثيرًا، وإن كان لا يؤمر بالإعادة، لكن انتفاعه بصلاته قليل، وقد لا يخرج منها بشيء، قد يخرج بالعشر، بحسب ما يحضر من قلبه من خشية. فالمعول والمرد إلى القلب. {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

طالب: "وكذلك إذا كان له مال حال عليه الحول، فوجب عليه شكر النعمة ببذل اليسير من الكثير، عودًا عليه بالمزيد، فوهبه عند رأس الحول فرارًا من أدائها لا قصد له إلا ذلك، كيف يكون شاكرًا للنعمة؟ وكذلك من يُضار الزوجة لتنفكَّ له من المهر على غير طيب النفس، لا يُعد عاملاً بقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، حتى يجري على معنى قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. وتجري هاهنا مسائل الحيل أمثلة لهذا المعنى، ولأن من فهم باطن ما خُوطب به لم يحتلْ على أحكام الله حتى ينال منها بالتبديل والتغيير، ومن وقف مع مجرد الظاهر غير ملتفِت إلى المعنى المقصود، اقتحم هذه المتاهات البعيدة".

وهذا كثير، لا سيما في العقود، تجده يكتفي بأن تكون صورة العقد صحيحة، والباطن فيه احتيال على محرم، ومن احتال ليستحلها للحرام، هذه حيل اليهود كما صنعوا يوم السبت، تحايلوا على أن جعلوا الحرام في الظاهر حلالاً، والذي يتحايل لترك الحرام هذه الحيل الشرعية المطلوبة.

طالب: "وكذلك تجري مسائل المبتدعة أمثلةً أيضًا، وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كما قال الخوارج لعلي: إنه حكَّم الخلق في دين الله، والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، وقالوا: إنه محا نفسه من إمارة المؤمنين، فهو إذًا أمير الكافرين. وقالوا لابن عباس: لا تناظروه، فإنه ممن قال الله فيهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]".

نعم. قالوا: إن عليًّا "حكَّم الخلق" بكتاب الله، والله -جل وعلا- يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، و"محا نفسه من إمارة المؤمنين"، "إذًا هو أمير الكافرين"، ما فيه طرف ثالث. والمسألة الثالثة، ما هي؟

طالب: لم يأخذ الغنائم.

ماذا؟

طالب: لم يغتنم؟

ماذا؟

طالب: لم يغنم؟

لا. هي الغنائم؟

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

طالب: السبي.

نعم، لم يَسْبِ، لم يَسْبِ، لم يَسْبِ. طيب، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، حينما يؤتى بحكم الله ويطبقه مخلوق، صار الحكم للمخلوق أو للخالق؟

طالب: للخالق.

للخالق، واستدل عليه ابن عباس في التحكيم في صيد الحرم أو المحرم، أن يُحكِّم عدلين في أرنب بدرهم ولا يُحكَّم عدول ثقات علماء في إراقة دماء المسلمين؟! والحكم كله لله؛ لأن حكم الله لا يقوم بنفسه، لا بد أن يقوم بالرجال. أما كونه "محا نفسه من إمارة المؤمنين"، للمصلحة، هو ما تنازل عن حقيقة الإمارة لكن الاسم، كما تنازل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية: «من محمد عبد الله ورسوله»، قالوا: ما نعرف أنك رسول الله، اكتب: من محمد بن عبد الله، لو نعرف أنك... قال: «اكتب»، هل تنازل عن الرسالة؟

طالب: لا.

لا، نعم.

طالب: "وقالوا لابن عباس: لا تناظروه، فإنه ممن قال الله فيهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]".

نعم. عنده قوة حجاج وجدال، لماذا؟ لأنه عنده نصوص يعتمد عليها ويحتكم إليها ويفهمها، وعنده سرعة في الجواب والرد، هم قالوا: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، نزَّلوا على ابن عباس هذه الآية، نسأل الله العافية.

طالب: "وكما زعم أهل التشبيه في صفة الباري حين أخذوا بظاهر قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14]، {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71]، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67]، وحكَّموا مقتضاه بالقياس على المخلوقين، فأسرفوا ما شاءوا".

نعم. قالوا: إذا أثبتنا عينًا وبصرًا ويدًا للخالق، فهذه صفات المخلوقين، فيلزم من ذلك نفيه؛ لئلا نشبه الخالق بالمخلوق. لكنه هو الذي أثبتها لنفسه -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، فللمخلوق ما يناسبه وللخالق ما يخصه -سبحانه وتعالى-، وإذا قيل: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر»، هل يلزم من ذلك المطابقة التامة؟

طالب: لا.

ما يلزم. وهذا في المخلوقات، فكيف بين الخالق والمخلوق؟ وإذا كان للمخلوق، للإنسان يد، وللجمل يد، وللبعوضة يد، وللفيل يد، هل اليد هذه متشابهة؟ يعني هل يلزم من إثبات يد المخلوق أن نشبهه بيد الفيل؟ لا، لكل مخلوق ما يخصه، وإذا كان هذا في المخلوقات وهي تشترك في القاسم المشترك وهو الخلق، وأنها كلها مخلوقة مُحدَثة موجودة بعد أن كانت معدومة، فكيف بالنسبة بما بين الخالق والمخلوق؟

طالب: "فلو نظر الخوارج أن الله تعالى قد حكَّم الخَلق في دينه في قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، وقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]؛ لعلموا أن قوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] غير منافٍ لما فعله عليٌّ، وأنه من جملة حكم الله، فإن تحكيم الرجال يرجع به الحكم لله وحده، فكذلك ما كان مثله مما فعله علي".

نعم. قد يقال إن حكم الرجال في أحكام القبائل والأعراف القبلية التي لا ترجع ولا تأوي إلى شرع، لا تعود إلى شرع، رؤساء قبائل وعشائر جهال عوام يُحتكم إليهم، لا شك أن حكمهم حُكم بغير ما أنزل الله.

طالب: "ولو نظروا إلى محو الاسم من أمر لا يقتضي إثباته لضده، لَمَا قالوا: إنه أمير الكافرين، وهكذا المشبهة لو حقَّقت معنى قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] في الآيات المذكورة لفهموا بواطنها، وأن الرب منزه عن سمات المخلوقين".

بهذه المناسبة، وقفت على كتاب تلخيص الاستغاثة لشيخ الإسلام الرد على البكري، وهو مكتوب فيه: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني -رحمه الله-، وجاء صاحب النسخة، وهو من غلاة المبتدعة مسح (الإسلام) وكتب: الكفار.

طالب: أعوذ بالله!

يعني بدل (شيخ الإسلام): شيخ الكفار، ومسح (رحمه) وكاتب: لعنه.

طالب: أعوذ بالله!

من باب أنه إذا رُفع لفظ وُضع غيره، مثل ما رَفع علي أمير المؤمنين ووضع الخوارج مكانه: أمير الكافرين، ولكل قوم وارث.

طالب: "وعلى الجملة، فكل من زاغ ومال عن الصراط المستقيم، فبمقدار ما فاته من باطن القرآن فهمًا وعلمًا، وكل من أصاب الحق، وصادف الصواب، فعلى مقدار ما حصل له من فهم باطنه".

بركة، يكفي.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.