شرح الموطأ - كتاب القرآن (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نعم.

شرح: باب: الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء:

أحسن الله إليك:

باب: الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء:

حدثني يحيى عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كان في قوم وهم يقرءون القرآن، فذهب لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال له عمر: من أفتاك بهذا؟ أمسيلمة؟

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء" هناك قراءة القرآن المراد بها نظرًا من المصحف لا يجوز إلا على طهارة، ولا يمس القرآن إلا طاهر، ولا يمسه إلا المطهرون، انتهينا من هذا، لكن قراءة القرآن على غير وضوء الذي يسمع الرخصة أن هذا الباب فرع من الباب السابق، هذا الباب لأن العلماء إذا ترجموا بالمنع ثم الرخصة، فهذا ما في الباب الثاني فرع عن الذي قبله، فإما أن يكون رفعًا له بالكلية فيكون من باب النسخ أو رفع جزئي للحكم السابق فيكون من باب التقييد أو التخصيص، لكن ما في الباب السابق محمول على حال، وما في الباب اللاحق محمول على حال أخرى، فالذي في الباب السابق ما يقتضي مس المصحف، والذي في الباب اللاحق قراءة القرآن عن ظهر قلب.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني" أبو تميمة اسمه كيسان "عن محمد بن سيرين" البصري الإمام الكبير القدر العابد، "أن عمر بن الخطاب كان في قوم" عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب متصل وإلا منقطع؟ منقطع، وهل مرد الانقطاع الصيغة، يعني لو قال: عن عمر بن الخطاب يصير متصلاً وإلا منقطعًا؟

طالب:.......

لا، ما أدرك، نعم، يصير منقطعًا، وليس مرد ذلك اختلاف الصيغة، هو يحكي قصة لم يشهدها، محمد بن سيرين يحكي قصة لم يشهدها "أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهم يقرءون القرآن، فذهب -رضي الله عنه- لحاجته" ذهب لحاجته أحدث "ثم رجع وهو يقرأ القرآن" رجع وهو يقرأ القرآن، "فقال له رجل" يقال: هو أبو مريم الحنفي إياس بن صبيح من قوم مسيلمة؛ ولذلك قال له: من أفتاك بهذا؟ أفتاك مسيلمة؟ "فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال له عمر: "من أفتاك بهذا؟ أمسيلمة؟" يعني مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، وهذا استفهام إنكاري، استفهام إنكاري، فقراءة القرآن للمحدث عن ظهر قلب جائزة.

في حديث ابن عباس في الصحيح في قصة نومه -عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة التهجد معه -صلى الله عليه وسلم-، القصة المشهورة يقول: "فاستيقظ –يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر آيات من آخر سورة آل عمران، ثم قام إلى شن فتوضأ، دل على أنه قرأ قبل أن يتوضأ، فقراءة القرآن عن ظهر قلب لا بأس بها، وقال علي -رضي الله عنه-: "كان -صلى الله عليه وسلم- لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة" ولا خلاف في ذلك معروف عند أحد من أهل العلم إلا من شذ، فقراءة القرآن تجوز ولو على غير طهارة إذا كان الحدث أصغر.

"ثم رجع وهو يقرأ القرآن" يقول الباجي: "قراءة القرآن في الطريق" يعني شخص يقرأ القرآن وهو يمشي، فيها شيء وإلا ما فيها شيء؟ "قراءة القرآن في الطريق قال مالك في العتبية: "أما الشيء اليسير لمن يتعلم القرآن فلا بأس به" يعني مفهومه أن الكثير نعم يمنع لماذا؟ هذا على طريقة مالك في تعظيمه للقرآن وتعظيمه للسنة، إذا كان ما يحدث وهو يمشي فكيف يقرأ وهو يمشي؟ يقول: "أما الشيء اليسير لمن يتعلم القرآن فلا بأس به، وأما الرجل الذي يطوف بالكعبة يقرأ القرآن في الطريق فليس من شأن الناس"، يقرأ القرآن في الطواف هذا رأيه -رحمه الله-، وإلا فالطواف محل الذكر، والقرآن من أفضل الأذكار، وقد مدح الله -جل وعلا- {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] ما لم يظهر من ذلك امتهان للقرآن، يعني في موضع لا ينبغي القراءة، أو على ظرف أو حال لا تنبغي فيه قراءة القرآن لا بأس، أما مجرد المشي، مجرد القيام، مجرد القعود، مجرد الاضطجاع كلها ظروف للذِّكر، وقد مدح الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} وعمر -رضي الله عنه- رجع وهو يقرأ القرآن، وقد أمرنا بالاقتداء به -رضي الله عنه وأرضاه-، الباجي يقول: "قد يبيح مس المصحف بغير طهارة ضرورة التعلم" ضرورة التعلم، يعني طالب يتعلم يردد القرآن ليل نهار لو كلف بالوضوء في كل وقت أو يستمر على طهارة طول وقته لصار فيه حرج ومشقة، "قد يبيح مس المصحف بغير طهارة ضرورة التعلم"، نقول: إذا كان الذي يتحفظ القرآن ويتعلم القرآن صبي غير مكلف هذا قد يتسامح في أمره، لكن المكلف سواءً كان عالمًا أو متعلمًا لا يجوز له أن يمس القرآن إلا بطهارة، وهل يبيح ذلك ضرورة التعليم؟ وهل يبيح ذلك ضرورة التعليم؟ يقول: "روى ابن القاسم عن مالك إباحته، وكرهه ابن حبيب، يقول: "ووجه رواية ابن القاسم أن المعلم يحتاج من تكرر مسه ما تلحقه المشقة باستدامة الطهارة"، يعني كالمتعلم،"ووجه قول ابن حبيب أنه غير محتاج لتكرار مسه" هذا معلم، يعني المفترض فيه أنه حافظ، "غير محتاج لتكرار مسه للحفظ وإنما ذلك لمعنى.. يقول: الصناعة والكسب، يعني المعلم إذا كان يأخذ أجرًا على هذا التعليم لا يضيره أن يكلف بالطهارة، وكأن من يعلم الناس بغير مقابل لا يكلف غير ذلك من مشقة الطهارة، لكن يبقى أن المسألة حكم شرعي ثابت معلق بمس المصحف، لا يختلف من معلم ولا متعلم، جاءتنا النصوص الصريحة في أنه لا يمسه إلا طاهر، و{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] المقصود أنها لا تختلف من حال إلى حال اللهم إلا إذا كان حال الإنسان يختلف من مكلف إلى غير مكلف، هذا غير المكلف لو كلف بالوضوء في كل لحظة يمكن يترك التعلم، فيعان بمثل هذا، لا سيما وأنه يشفع له سِنّه.

طالب:.......

أنا قلت لك: إن الراجح عندي أن الحائض لا تقرأ القرآن، والذي أمرها ورغبها في قراءة القرآن هو الذي منعها، والذي منعها من الصلاة وهي أعظم يمنعها من قراءة القرآن، أما فتوى شيوخنا معروفة، ولا نقول: هذا لعوام الناس، نحن نخاطب طلبة علم.

طالب:......

نعم، لكن هذا الفهم من ابن دقيق ترى في غاية الدقة، ما فائدة قول عائشة: أنه يقرأ القرآن وهو متكئ إلى حجرها؟ نعم، "وأنا حائض" وما فائدة هذا الكلام؟ لا، له حظ قوي من النظر، أيضًا هو قول الجمهور ترى، جماهير أهل العلم على هذا، ما هو بقول شاذ يعتمد، لا، وعلى رأي الإمام مالك ولا بحائل، ولا بعِلاقة ولا بكيس ولا شيء من هذا، هو من غير حائل من غير غلاف هو مصحف، هو مصحف وهو القرآن، لكن إذا كان بكيس وإلا بعلاقية وإلا بظرف آخر لا بأس -إن شاء الله-، نعم.

شرح: باب: ما جاء في تحزيب القرآن:

أحسن الله إليك:

باب: ما جاء في تحزيب القرآن:

حدثني يحيى عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "من فاته حزبه من الليل فقرأه حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر فإنه لم يفته أو كأنه أدركه".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمد رجلًا فقال: أخبرني بالذي سمعت من أبيك؟ فقال الرجل: أخبرني أبي أنه أتى زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ فقال زيد: حسن، ولأن أقرأه في نصف أو عشر أحب إلي وسلني لم ذاك؟ قال: فإني أسألك، قال زيد: "لكي أتدبره، وأقف عليه".

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في تحزيب القرآن" تحزيب القرآن: تقسيمه إلى أحزاب وأجزاء. والحزب: القدر المحدد، الورد الذي يعتاده الشخص من قراءة أو صلاة أو غيرهما، وجرت عادة السلف إلى تحزيب القرآن وتقسيمه إلى سبعة أحزاب اعتمادًا على حديث عبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن بسبع ولا تزد)) ثلاث في يوم، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاثة عشرة، ثم حزب المفصل، سبعة، هذه طريقة لمن أراد أن يقرأ القرآن في سبع.

وأخونا السائل هذا يقول: أنا أحفظ القرآن وأختمه في الأسبوع مرة، وأنا مشغول بطلب العلم فأستغل ما بين المحاضرات في الجامعة والوقوف عند الإشارات فأجعل القرآن هذه الأوقات الضيقة استغلالًا للوقت، فهل هذا فيه عدم اهتمام بالقرآن؟

لا، هذا فيه اهتمام بالقرآن.

ثلاث: البقرة وآل عمران والنساء، الخمس: المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، السبع: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل، ثم التسع: الإسراء، الكهف، مريم، طه، الأنبياء، الحج، المؤمنون، النور، الفرقان، ثم بعد ذلك الإحدى عشرة: تبدأ من الشعراء وتنتهي بـ(يس)، الثلاثة عشرة: من (يس) أو الصافات على خلاف بينهم إلى الحجرات أو قبل هذا، يعني حزب المفصل الخلاف فيه هل يبدأ من (ق) كما هو قول الأكثر؟ أو من الحجرات؟ لكن الأكثر على أنه من (ق).

هذا التحزيب متقارب، يعني ما يمكن قسمة القرآن بدقة يعني مثل ما يفعل الحجاج يقسم القرآن أرباع في اليوم الثاني يقف على الطاء من {وَلْيَتَلَطَّفْ} [(19) سورة الكهف] ممكن؟ نعم، يقف على نصف كلمة من نصف آية؟ لا، لا، ما..، هذا تقسيم معتمد عند أهل العلم، والذي يعتاده في كل يوم يكرره يقرأ القرآن في سبع وهو مرتاح، يقرأ القرآن في سبع وهو مرتاح، فإذا جلس بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس بالراحة يقرأ الحزب، يقرأ الحزب بالراحة، وهذا فيه خير عظيم، ((اقرأ القرآن في سبع)) وفي أسبوع واحد سبعة أيام من عمرك الضائع تكسب أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، لا يفرط في هذا إلا محروم، لا يفرط في هذا إلا مخذول.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن داود بن الحصين –المدني- عن الأعرج عن عبد الرحمن بن عبد القاري" نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة "أن عمر بن الخطاب قال: من فاته حزبه من الليل فقرأه حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر" يكفي؟ نعم، يكفي من حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر؟ "فإنه لم يفته" يكفيه؟ يقرأ خمسة، يقول: "حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر".

طالب:......

نعم ما يخالف، لكن هل يكفي بين الأذان والإقامة يقرأ حزبه؟ على كل حال اسمعوا ما قاله أهل العلم، يقول الباجي: "نُرى أنه سهو من داود بن الحصين، -سهو، غفلة- صوابه الذي جاء في صحيح مسلم عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله: "فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر"، يكفي وإلا ما يكفي؟ يكفي من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، يكفي، وأعرف شخصًا اعتمد على سارية من ارتفاع الشمس إلى الزوال فختم القرآن، بست ساعات، قد يقول قائل: هذه هذ وإلا ترتيل؟ يأتينا -إن شاء الله- الفرق بين الهذ والترتيل، وأيهما أفضل؟

طالب:.......

ما هو؟ لكن يخذل، مثل هذا الذي لا يقرأ القرآن يقول: ماذا يقرءون هؤلاء؟ هؤلاء يلعبون، "أهذًا كهذِّ الشعر" وهو لا قارئ لا هذا ولا ذاك، مثل الذي يرى الناس يذهبون إلى مكة في الأوقات الفاضلة ويقول: هؤلاء ينفقون الأموال الطائلة لو أنفقوها فيما هو أنفع، في جهاد، في صلة رحم، على فقراء، على مساكين، على طلاب علم، وهو لا هو منفق لا على مساكين ولا معتمر، هذا مجرد مخذل، نعم، كثير من هذا يسلك هذا الأسلوب يخذل، نعم.

طالب:.......

بلا شك، نعم، لكن الحكم على شخص بعينه ما هو بـ....

يقول: "وحدثني عن مالك" أولًا: قراءة القرآن أيهما أفضل أن يقرأ عن ظهر قلب وإلا من المصحف؟ نعم؟

طالب:.......

نعم، الأفضل مختلف فيه، مقتضى ترجمة الإمام البخاري القراءة عن ظهر قلب تفضيلها، والذي صرح به كثيرون من العلماء أن القراءة من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهي عبادة، قاله ابن كثير في فضائل القرآن، وهذا قول معروف عند الإمام أحمد وغيره، حتى كثير من السلف في رمضان يلزمون المصاحف وهم حفظة، هذا يذكرنا بواحد عارض له مصحف مخطوط يقول: هذا مصحف النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم، على كل حال إذا كان لزوم المصحف يعوق عن الحفظ وعن مراجعة حفظه هذه مسألة، لكن إذا كان ضابطًا لحفظه، متقنًا لحفظه، وينظر في المصحف لا سيما في الأوقات الفاضلة هذا عند أكثر أهل العلم أفضل.

لا هو الغالب أن التدبر يكون في المصحف، يعني إذا اجتمع النظر، إذا تواطأ النظر –البصر- مع السمع، على كل حال الناس يختلفون، يعني أحد إذا قرأ في المصحف ضمن أنه ما هو بمخطئ، نعم، وسرح، وإذا قرأ من حفظه احتاط للقراءة؛ لأنه يظن يخطئ، لكن بعض الناس لا سيما الذين حفظهم متقن يسرح وهو يقرأ حفظه، بينما إذا قرأ في المصحف أمامه حروف لا بد من النظر فيها، لا بد من التأني عندها.

النظر إلى الوالد والمصحف والكعبة حديث ضعيف.

يقول: "كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمد –يعني ابن يحيى بن حبان- رجلًا فقال: أخبرني بالذي سمعت من أبيك؟ فقال الرجل: أخبرني أبي أنه أتى زيد بن ثابت -بن الضحاك الأنصاري- فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ فقال زيد: حسن"، زيد: حسن، فقال زيد: حسن، يعني لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمرو بذلك، ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) وجاء: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) يقول: "ولأن أقرأه في نصف" يعني نصف شهر "أو عشر" نعم، "أحب إلي"، قال ابن عبد البر: "كذا رواه يحيى، وأظنه وهمًا" ورواه ابن وهب وابن بكير وابن القاسم نعم: "لأن أقرأه في عشرين أو نصف شهر أحب إلي" وكذا رواه شعبة.

هذه مسألة -وهي مهمة جدًّا- مسألة المفاضلة بين الإسراع في القراءة مع كثرة الحروف والهذ، وقلة القراءة مع التدبر والترتيل أيهما أفضل؟ المسألة غير مفترضة في شخص يريد أن يقرأ جزءًا من القرآن أو جزأين أو خمسة أجزاء يسأل: هل الأفضل الترتيل أو الإسراع؟ لا، الترتيل أفضل إجماعًا، الترتيل أفضل إجماعًا في هذه الصورة، لكن المسألة مفترضة في شخص يريد أن يقرأ ساعة، هل يقرأ في هذه الساعة جزأين أو يقرأ خمسة؟ أيهما أفضل؟ يعني جزأين مع التدبر والترتيل وإلا خمسة مع الهذ؟ لا شك أن الوجه المأمور به هو الترتيل والتدبر، هذا الوجه المأمور به، لكن الوجه الثاني للهذ تحصيل أجر الحروف، كل حرف له عشر حسنات، فالذي يقرأ خمسة أجزاء يضمن نصف مليون حسنة، والذي يقرأ جزأين مائتين ألف، لكن هذا كما قال ابن القيم: "هذا كمن أهدى درة ثمينة، نعم، قيمتها عالية جدًّا -الذي قرأ الجزأين-، والذي قرأ الخمسة أهدى عشر درر، لكن قيمتها أقل" نعم، الجمهور على أن التدبر مع قلة القراءة أفضل من الهذ مع كثرة القراءة.

وقال أصحاب الشافعي: كثرة القراءة أفضل، ومأثور عن جمع من السلف على رأسهم عثمان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد أنهم قرءوا هذًّا، قرءوا القرآن في ركعة، هل يتصور قراءة القرآن في ركعة مع الترتيل؟ لا يمكن، لكن ابن القيم يقول: "الصواب في المسألة أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع، وثواب كثرة القراءة من حيث العدد أكثر"، من حيث العدد أكثر، زاد المعاد الجزء الأول صفحة ثلاثمائة وتسعة وثلاثين.

يقول الباجي: "تكلم الناس في الترتيل والهذّ فذهب الجمهور إلى تفضيل الترتيل، قال الله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [(4) سورة المزمل] وكانت قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالترتيل، وكان يمد -عليه الصلاة والسلام-، وهو المروي عن أكثر الصحابة، وسئل مالك عن الهذ في القرآن فقال: "من الناس من إذا هذّ كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ"، "من الناس من إذا هذ كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن يهذ -ما يعرف يسرع- والناس في ذلك على ما يخف عليهم، وذلك واسع"، وذلك واسع.

وقال الباجي: "ومعنى ذلك عندي أنه يستحب لكل إنسان، يستحب لكل إنسان ملازمة ما يوافق طبعه ويخف عليه فربما تكلف ما يخالف الطبع نعم، ويشق عليه ويقطعه ذلك عن القراءة والإكثار منها، وليس هذا مما يخالف ما قدمناه من تفضيل الترتيل لمن تساوى في حاله الأمران" إذا تساوى عنده الأمران فالترتيل أفضل، لكن إذا رتل شق عليه مشقة عظيمة؛ لأن بعض الناس لا سيما إذا تعود الهذ لا يمكن يرتل؛ ولذا الذي يوصى به طلاب العلم والإخوان أن يجبلوا أنفسهم على الترتيل والتدبر، نعم قراءة الهذ هذه تحصل أجر الحروف، نعم، تحصل أجر الحروف لكن يبقى أن الوجه المأمور به المورث للعلم والعمل والإيمان والطمأنينة واليقين هو الترتيل والتدبر، وجاء الأمر بالتدبر في أربعة مواضع: في النساء، في المؤمنون، في ص، في محمد، أربعة مواضع، وجاء الأمر بالترتيل، فهذا هو الوجه المأمور به.

وشيخ الإسلام يقول -رحمه الله تعالى- في الفتاوى في الجزء السابع صفحة مائتين وثلاثة وثمانين يقول: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب الإيمان العظيم، وتزيده يقينًا وطمأنينة وشفاءً، قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [(82) سورة الإسراء]"

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:

فتدبر القرآن إن رمت الهدى

 

فالعلم تحت تدبر القرآنِ

الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- في وصيته بكتاب الله في منظومة الميمية التي ينبغي على طلاب العلم أن يعنوا بها.

وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتاب

 

الله لا سيما في حندس الظلمِ

ثم أخذ يذكر ما لا نطيل بذكره مما تميز به هذا الكتاب العظيم، ابن القيم يقول: "أهل القرآن هم العالمون به -العالمون به- العاملون بما فيه وإن لم يحفظوه -وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب- وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم"، هذا الموضوع يحتاج إلى بسط، يحتاج إلى وقفة طويلة، ويحتاج إلى مزيد من العناية؛ لأنه يلاحظ على كثير من طلاب العلم هجر القرآن، هجر القرآن، كثير من الإخوان نعم، قد تجده حافظًا حرص في أول عمره على حفظ القرآن ثم ضمن الحفظ وترك القرآن، يكفي هذا؟ لا يكفي، وتجد بعض الإخوان -مع الأسف الشديد- عوام المسلمين أفضل منه بالنسبة لكتاب الله، بعض الناس لا يفتح المصحف إلا إذا قُدر أنه حضر قبل الإقامة بدقائق بدل ما يضيع الوقت يقرأ القرآن، فالقرآن كأنه عنده فضلة على الفرغة، وبعض الناس من رمضان إلى رمضان، لكن الإنسان إذا التزم وردًا معينًا لا يفرط فيه سفرًا ولا حضرًا، وقد عرفنا من الناس وهو مسافر في طريقه من بلد إلى بلد إذا جاء وقت الورد وقف على جنب، يقرأ حزبه إذا انتهى واصل سفره، الدنيا ملحوق عليها يا أخي ما.......... يفوت، المسألة أنفاس معدودة...... توقف مثلما انتهت، وخير ما تصرف فيه الأعمار كتاب الله -جل وعلا-.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

كتاب عظيم لا تنقضي عجائبه، فيه حلول لجميع المشاكل، فيه عصمة من الفتن، والناس أحوج ما يكونون في هذه الظروف إلى الرجوع إلى كتاب الله -جل وعلا-، على كل حال بعض الناس مثلما ذكرنا يشق عليه جدًّا أن يرتل وتعود الهذّ، هذا يهذ ما في بأس، لكن على ألا يهمل التدبر، لا أقول: مع الهذ؛ لأن هذا ما يصل إليه إلا بعد مراحل، لأنا عرفنا أناس يقرءون القرآن في يوم ويبكون من قراءته، هؤلاء تجاوزوا مراحل، هذا الشخص الذي في البداية ويقول: الترتيل صعب عليه..؛ لأن بعض الناس إذا عرف النتيجة والمحصلة التي قرأها في هذا اليوم خمسة أجزاء، ستة، عشرة، نشط، لكن إذا رتل وتدبر في النهاية جزءًا هذًّا يكسل، نقول: هذا لا بأس هذّ، واحصل أجر الحروف ويكون لك ختمة تدبر، ولو كانت في السنة مرة، اقرأ في هذا اليوم ورقة واحدة بالتدبر، وامش على طريقك.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ترجم لشخص يقرأ القرآن في ثلاث، ديدنه عمره كله، وله ختمة تدبر أمضى فيها عشرين سنة، وبقي عليه أقل من جزء من القرآن، توفي ولما يكملها، فلا هذا ولا ذاك، يعني المسألة تحصيل الحروف والنشاط لقراءة القرآن يحصل بالهذ بلا شك، لا سيما من تعود عليه، والتدبر يجعل له وقتًا ولو يقرأ في كل يوم ورقة واحدة بالترتيل والتدبر والتفكر والاستنباط، ويتفهم كلام الله، ويراجع على هذه الورقة ما يعينه على فهم كتاب الله -جل وعلا-، نعم في حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) حمله أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، وأما من استغل الأوقات الفاضلة، والأماكن الفاضلة في أوقات المضاعفات مثل هذا لا يتناوله مثل هذا الحديث، على أن الناس يتفاوتون في هذا، يعني إذا وجه هذا الكلام لعموم المسلمين لا يفقهون إذا قرءوا، لكن شخص متفرغ لقراءة القرآن، يقول: أنا عندي استعداد أجلس بعد صلاة الصبح وأقرأ خمسة أجزاء، وأجلس بعد صلاة الظهر واقرأ خمسة، وأجلس بعد صلاة العصر وأقرأ خمسة من غير مشقة بحيث يختم في يومين، نقول: لا يا أخي أنت خالفت الحديث لا تقرأ الظهر، اترك القراءة من أجل أن تختم في ثلاثة أيام، هذا حل؟ هل هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الحديث؟ نعم، نعم يحل المسألة لو قيل له: اقرأ القرآن، اقرأ بدل خمسة بعد صلاة الصبح ثلاثة، لكن على الوجه المأمور به، بعد صلاة الظهر بدل خمسة اقرأ ثلاثة، أما أن يقال له: اترك القراءة في وقت من هذه الأوقات لتقرأ القرآن في ثلاث ما هو بهذا المراد قطعًا، ليس هذا هو المراد قطعًا، نعم.

أما الذي يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به ويكون ديدنه قراءة ترتيل وتدبر ولو قلت قراءته هذا أفضل، هذا أفضل واختيار أكثر أهل العلم، لكن بعض الناس ما يستطيع يقرأ بالترتيل، الذي تعود على الهذ ما يستطيع يقرأ بالترتيل، لا بأس يقرأه في شهر، ما المانع؟ يقرأ على الوجه المأمور به كل يوم جزءًا أنفع له بكثير، أنفع لقلبه؛ لأن هذه الطريقة هي المحصلة للإيمان واليقين كما قال شيخ الإسلام، وهذا الذي أنزل القرآن من أجله، لكن من فضل الله -جل وعلا- أنه رتب الأجر على مجرد النطق بالحروف، إذا فاته طريقة أدرك طرائق -إن شاء الله تعالى-، وهو على خير على كل حال، نعم.

سم.

شرح: باب: ما جاء في القرآن:

أحسن الله إليك:

باب: ما جاء في القرآن:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يقول: "سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أرسله)) ثم قال: ((اقرأ يا هشام)) فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هكذا أنزلت)) ثم قال لي: ((اقرأ)) فقرأتها فقال: ((هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)).

وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)).

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الحارث بن هشام سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحيانًا يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول)) قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا".

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "أنزلت عبس وتولى في عبد الله بن أم مكتوم، جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول: يا محمد استدنيني، وعند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من عظماء المشركين، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول: ((يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا؟)) فيقول: لا، والدماء ما أرى بما تقول بأسًا، فأنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى".

وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسير معه ليلًا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه فقال عمر: "ثكلتك أمك عمر، نزرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري حتى إذا كنت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يصرخ بي قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه، فقال: ((لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)) ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [(1) سورة الفتح])).

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، تنظر في النصل فلا ترى شيئًا، وتنظر في القدح فلا ترى شيئًا، وتنظر في الريش فلا ترى شيئًا، وتتمارى في الفوق)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في القرآن:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري" نسبة إلى القارة على ما تقدم بطن من خزيمة بن مدركة "أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام الأسدي" صحابي ابن صحابي، معروف بغيرته وأمره ونهيه، من خيار الصحابة، مات قبل أبيه، "يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأنيها" يعني سمعها عمر -رضي الله عنه- من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وهذا الذي جرأه على أن يفعل ما فعل؛ لأنه لو سمعها بواسطة لاحتمل أن يكون التغيير بسبب الواسطة، لكنه حفظها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فحكم بالوهم على ما سمع من خلال ما حفظه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه" فكدت أن أعجل عليه، عند البخاري: "فكدت أساوره في الصلاة" يعني وهو يصلي فصبرت حتى سلم، وهنا يقول: "فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف"، يعني من صلاته، "يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها" سورة الفرقان كذا للجميع، ووقع في نسخة من نسخ كتاب الخطيب في المبهمات: سورة الأحزاب، والصواب الفرقان، حتى عند الخطيب النسخ الصحيحة الموثقة موافقة لرواية الجميع، "فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه" أي جمعت عليه ثيابه عند لبته؛ لئلا ينفلت مني، لببه بردائه هكذا، "فجئت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما انتبهوا لما قلت: هكذا، نعم جمع عليه ثيابه هنا عند لبته هكذا؛ لئلا يفلت، وهذا مستعمل، مازال مستعملًا، بيده، جمع ثيابه عند لبته هكذا، ومازال مستعملاً إلى الآن، من أراد أن يمسك إنسانًا بقوة ولئلا ينفلت منه يفعل فيه هكذا، "فلببته بردائه" يعني جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا ينفلت مني "فجئت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها" عمر -رضي الله عنه- معروف بقوته في الحق، وغيرته عليه؛ ولذا ما عوتب على ذلك، ما زاد النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن قال له: ((أرسله)) يعني: أطلقه، فالذي يحمله الغيرة على الحق لا شك أنه معذور، لكن ما يفتح المجال لسائر الناس أن يجرئوا على غيرهم بدعوى الغيرة، لكن من عُرف بها يعذر كعمر -رضي الله عنه-، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أرسله))" يعني: أطلقه، دعه، "ثم قال: ((اقرأ يا هشام)) فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ" فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هكذا أنزلت))"، ((هكذا أنزلت))، "ثم قال لي: ((اقرأ)) فقرأتها فقال: ((هكذا أنزلت))"، لا شك أن القراءة التي يسمعها الشخص لأول مرة يستنكرها، لا سيما في القرآن، الشخص الذي حفظ حديث النعمان: ((الحلال بيّن والحرام بيّن)) في صغره من الأربعين على رواية واحدة وضبطها وأتقنها تأتيه الروايات الأخرى: ((المشتبهات))، ((المتشابهات))، ((المشبهات))، ((المشابهات)) يستنكر، نعم، فكيف بالقرآن؟ إذا سمع القراءة على غير ما اعتاد، لا سيما إذا كان ممن لا يستوعب مثل هذا الخلاف؛ ولذا عوام المسلمين لا ينبغي أن يقرأ عليهم القرآن بالقراءات؛ لأنه يشككهم، يشككهم، إذا كان هذا هو عمر -رضي الله عنه- مع ما عرف عنه من رسوخ قدمه في الإسلام حصل له ما حصل، فكيف بغيره؟ ولذا الذي يقرأ بالقراءات وهو إمام، الصلاة صحيحة، لكن يبقى أن عوام المسلمين تشكيكهم فيه خطر عظيم عليهم، لا سيما أن هذا يعرضهم للشك في كتابهم الأصل، الذي لا يجوز الشك فيه ولا الامتراء؛ ولذا أجمع الصحابة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- على حرف واحد، غيرة على القرآن، أن يحصل فيه الامتراء والشك، وهذه القراءة التي أجمعوا عليها هي التي استقر عليها الأمر في العرضة الأخيرة؛ لئلا يقول قائل: إنهم تصرفوا وألغوا شيئًا كان موجودًا في عهده -عليه الصلاة والسلام-، الأحرف السبعة سيأتي الكلام فيها، والحاجة إليها في أول الأمر داعية؛ لأن القرآن نزل على ناس لغاتهم ولهجاتهم متباينة، وأسنانهم أيضًا مختلفة منهم من يذل لسانه بالكلمة من أول وهلة، ومنهم من يصعب عليه إلا بلغته ولهجته، لما ذلت ألسنتهم استقر الأمر على العرضة الأخيرة، وأجمع الصحابة على كتابته هكذا، على خلاف في المراد بالأحرف السبعة، ستأتي الإشارة إليه.

"ثم قال لي: ((اقرأ)) فقرأتها، فقال: ((هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف))" جمع حرف كفلس وأفلس، ((فاقرءوا ما تيسر منه)) أي المنزل بالسبعة، المنزل بالسبعة، أي حرف من الأحرف السبعة تجوز –تصح- القراءة به قبل الإجماع على كتابته على حرف واحد، قبل إجماع الصحابة على كتابته على حرف واحد.

سبعة أحرف: يعني سبعة أوجه، يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة تقرأ منه على سبعة أوجه، يعني هذه الأوجه والأحرف السبعة موجودة في القرآن كله، لكن لا يعني هذا أن كل كلمة من القرآن تقرأ على الأوجه السبعة، والأحرف السبعة، ولو كان الأمر كذلك لجازت روايته بالمعنى، لكنه متعبد بلفظه، المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد ما تسوغ قراءته به إلى سبعة أوجه في الكلمة الواحدة، لا في كل كلمة، قاله ابن حجر.

يعني بعض الكلمات يمكن أن يوجد فيها الأحرف السبعة، لكن هل معنى هذا أن كل كلمة تقرأ بالأوجه السبعة؟ نعم؟ ليس هذا المعنى، وإلا لو قلنا: إن هذا هو المراد لقلنا: نأتي للقرآن كله من أوله إلى آخره وكل كلمة نأتي بالكلمة وما يرادفها في لغة العرب، وتكون هذه..، وليس المراد كذلك، إنما القرآن بمجموعه فيه سبعة أوجه.

قال ابن حجر أيضًا: "فإن قيل: فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه، فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت، لا تثبت الزيادة على السبع، وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء، وإلا الصورة والحروف واحدة، كما في المد والإمالة ونحوهما، ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد، بعض أهل العلم يقول: إنه ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد، وإنما المراد بذلك التسهيل والتيسير على الناس، ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد، كما أن السبعين يطلق على إرادة الكثرة في العشرات، والسبعمائة على إرادة الكثيرة في المئين، ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا جنح عياض وتبعه قوم.

المراد بالأحرف السبعة: اختلف فيه على أقوال كثيرة أوصلها ابن حبان إلى خمسة وثلاثين قولًا، وأوصلها غيره إلى الأربعين.

ما وقع لعمر مع هشام بن حكيم بن حزام وقع نظيره لأبيّ بن كعب مع ابن مسعود في سورة النحل، ولعمرو بن العاص مع رجل في آية من سورة الفرقان عند الإمام أحمد، وقصص أخرى، لا بد أن يقع مثل هذا، نعم ولو لم ينقل لا بد أن يقع مثل هذا كثير في أول الأمر، يسمع الإنسان شخصًا يقرأ القرآن على غير ما أقرأه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما دام أصل هذا الاختلاف الذي سببه التيسير على المسلمين، مادام أصله موجودًا فأفراده -الذي يغلب على الظن- أنها تكثر، يعني هل يتصور أنه لا يوجد خلاف إلا بين عمر وهشام بن حكيم، وأما البقية كلهم على حرف واحد؟ لا يتصور هذا.

على كل حال الأحرف هذه اختلف فيها اختلافًا كبيرًا، يقول أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي: "هذا من المشكل الذي لا يدرى معناه؛ لأن الحرف يأتي لمعان، لحرف الهجاء، حرف المبنى، الذي هو ألف باء إلى آخره، وللكلمة التي هي حرف المعنى، نعم، يطلق الحرف ويراد به الكلمة، ويطلق على الجهة حرف، المقصود أن هذا الكلام سبعة أحرف، هذا الخلاف الطويل العريض التي بلغت فيه الأقوال إلى أربعين قولًا لا شك أن سببه إشكال، لكن هل هذا الإشكال في معنى الحديث بعد أن أجمع الصحابة على حرف واحد له أثر؟ نعم، ليقول قائل: هذا أعظم كتاب عند المسلمين فيه إشكال، نعم بعد أن اتفق الصحابة على حرف واحد الذي هو في العرضة الأخيرة وتركوا ما سواه، والأمة بمجموعها معصومة من أن تقع فيما هو في الحقيقة خطأ، هذا الإجماع يدل على أن ما عدا هذا الحرف الذي كتبه عثمان في المصاحف على أنه منسوخ، إنما كانت الحاجة داعية إليه؛ لأن من المسلمين من هو كبير السن لا يذل لسانه بسهولة، والأمر فيه سعة، تعال، هلم، أقبل، نعم، لكن بعد أن اتفق الصحابة، بعد أن اتفق الصحابة على حرف واحد الإشكال المتصور لا حقيقة له، وهل يتصور أن يجمع الصحابة -خير القرون- على تصرف لا يكون عندهم له أصل شرعي؟ لا يمكن؛ لأن الإجماع لا بد له من مستند، فدل هذا الإجماع على أن الاقتصار على حرف واحد إنما له أصل في الشرع، وإلا لا يمكن أن يتصرف الصحابة ويجمعوا على أمر سائغ شرعًا، دلت الأدلة المتظاهرة عليه، حديث: الأحرف السبعة صحيح بلا إشكال، والقصة صحيحة في الصحيحين وغيرهما، نعم، أقول: الإشكال الموجود في إنزال القرآن على سبعة أحرف، واختلافهم الطويل العريض في المراد بالحرف نعم لا شك أنه إشكال، يعني لو كان الأمر باقيًا إلى الآن ماذا يتصور في القرآن الذي هو أعظم كتاب؟ يخشى أن يختلف المسلمون عليه كما اختلف من قبلهم، وإجماع الصحابة المستند إلى أصل شرعي؛ لأنه لا يوجد إجماع إلا له مستند، المستند إلى أصل شرعي ولو لم نطلع عليه، إجماعهم لا شك أنه من أعظم ما حفظ الله به القرآن، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] ومثل هذا الكلام يثار الآن، من بعض الطوائف المغرضة التي تريد أن تشكك الناس في دينها، يثار مثل هذا الكلام، كان القرآن على سبعة أحرف ألغى عثمان ستة وبقي حرف واحد، نعم، نقول: الصحابة أجمعوا على ذلك، والإجماع لا بد له من مستند شرعي، ولو لم نطلع عليه، وهذا الإجماع المستند إلى أصل شرعي من أعظم مظاهر حفظ القرآن للأمة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] وحفظه ظاهر، وأوردنا قصة يحيى بن أكثم مع اليهودي الذي دعاه يحيى إلى الإسلام فلم يسلم إلا بعد سنة، أسلم بعد سنة أوردناها في مناسبات منها في هذا الدرس، نعم، أسلم بعد سنة، لماذا؟ يقول: إنه خلال هذه السنة نسخ مجموعة من نسخ التوراة وحرف فيها وزاد ونقص كل نسخة تختلف عن الثانية، فباعها على اليهود في سوقهم فمشت، تخطفوها، ونسخ مثلها من الإنجيل وزاد ونقص، وقدم وأخر، ومشت، نفقت في سوق النصارى، ثم نسخ نسخًا من القرآن، يقول: بتغيير يسير جدًّا، لا يكاد ينتبه له، فكل من عرضت عليه المصحف رماه في وجهي، نعم، فعرفت أن هذا الدين صحيح، لا يمكن أن يتطرق إليه ولا إلى كتابه خلل ولا نقص، فالقرآن مصون من الزيادة والنقصان.

طالب:.......

نعم؛ لأن صورة الكلمة تحتمل هذه القراءة، صورة الكلمة التي كتبها عثمان نعم، أقول: كلهم يختلفون في أداء هذه الكلمة، الكلمة واحدة، لكن هم يختلفون في أدائها، صورة: المجلس والمجالس ماذا بينهما من فرق؟ تفسحوا في المجالس، وتفسحوا في المجلس؟ من حيث الصورة ما فيه فرق، نعم، ما فيه فرق من حيث الصورة، وهكذا القراءات المعروفة المتواترة كلها على هذا، القراءات المتواترة كلها مما يحتمله الحرف الواحد؛ لأنها غير منقطوطة ولا مشكولة.

طالب:........

يعني نقول: الحروف السبعة مستمرة؟ تدري ماذا يؤدي إليه مثل هذا الكلام؟ يؤدي إلى أن الصحابة ما حلوا الإشكال، الذي يخشى عليه في وقتهم هو المخشي عليه الآن، الذي خشوه في وقتهم؛ لأنه لما تفرق الناس في الأمصار، ووقع بينهم خلاف شديد، نعم في وقت أبي بكر وفي وقت عمر، وفي وقت عثمان بينهم في القرآن كلام عظيم، حتى يكاد بعضهم يشك، فيكون أبو بكر -رضي الله عنه- ومن بعده عثمان ما حلوا الإشكال، إذا قلنا: إن القراءات باقية، تصورت كلامي؟ كلامي متصور؟ على كل حال هذه القراءات السبع المتواترة نعم، هي موجودة، هي متلقاة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بلا شك، لا يشك أحد في هذا، لكن لا شك أن عثمان اقتصر على حرف واحد من هذه الأحرف السبعة لعدم الحاجة إليها، ولما تؤدي إليه من إشكال، إشكال كبير؛ لأن الصحابة شكا بعضهم إلى أبي بكر ثم إلى عمر، ثم إلى عثمان، فاتفقوا على هذا، وبهذا خدموا القرآن، ولو قلنا: إن الأحرف السبعة المنصوص عليها باقية، ما صار عثمان فعل شيئًا، الصحابة إجماعهم على هذا ما فعلوا شيئًا، ما حل الإشكال الموجود في عصرهم، إذا قلنا: ما زالت باقية، إنما عملهم واتفاقهم وإجماعهم حل الإشكال القائم في وقتهم، وسلمنا من تبعاته، نعم.

طالب:......

لا، عثمان كتب المصحف على العرضة الأخيرة، التي عارض بها جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، واكتفى بها عما عداها، وحصل إجماع الصحابة الذين هم خير القرون، وأغير الناس على دين الله، وهذا الإجماع عرفنا أنه لا يمكن أن يوجد إجماع بدون مستند شرعي، نعم.

طالب:.......

لا، الناس لما ذلت ألسنتهم للقرآن صاروا ما يسمعون إلا حرفًا واحدًا، لكن لما نزل القرآن وفي الصحابة من هو في سبعين سنة، ثمانين سنة ما يستطيع إلا على لهجته التي تلقاها في قبليته، لكن الآن وهو من الصغر يسمع هذا القرآن، ليس بحاجة إلى أحرف أخرى، نحن نسمع ما قاله بعض العلماء في هذا، نعم.

طالب:.......

كلها على مصحف عثمان، كلها يحتملها مصحف عثمان، أعني المتواترة، قد يوجد قراءات صحيحة هي في الحقيقة إلى التفسير أقرب من كونها قرآنًا، "صيام ثلاثة أيام متتابعات" قد يقول قائل: هذا ما يحتمل مصحف عثمان، نعم، وهي صحيحة إلى ابن مسعود، نقول: هذه تفسيرية، القراءات ما تختلف، أنت لو صورت قراءة ورش مع قراءة عاصم ما فيه فرق في الصورة، لكن أداء هذه الكلمة، الكتابة: المجلس والمجالس ما بينهم فرق في الكتابة، نعم؟ نعم.

طالب:.......

هذه الأقوال اختلف فيها، منها: أن المراد بسبع لغات، وعليه أبو عبيدة وثعلب والزهري وآخرون، وصححه ابن عطية والبيهقي، وتعقب: بأن لغات العرب أكثر من سبع، وأجيب بأن المراد أفصحها.

والثاني: أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة، بأن يؤدى اللفظ الواحد أو الكلمة الوحدة بألفاظ مختلفة مثل ما قالوا: تعال، هلم، أقبل، عجّل، أسرع، نعم، وبهذا قال سفيان بن عيينة وجمع من أهل العلم منهم ابن وهب وخلائق لا يحصون، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء.

والإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي وهو أن كل واحد يغير الكلمة من مرادفها من لغته، بل ذلك مقصور على السماع منه -صلى الله عليه وسلم-، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عرف أن هذا يتكلم بهذه الكلمة في لغته، لغة قبيلته أقرأه القرآن عليها، وعرف أن هذا يتكلم بهذه الكلمة في لغته أقرأه عليها وهكذا، كما يشير إلى ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام- في قول كل منهما من عمر -رضي الله عنه- وهشام: "أقرأني الرسول -عليه الصلاة والسلام- على هذه القراءة" وأقرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- على قراءاتهم التي فيها شيء من الاختلاف.

ثم أجمع الصحابة في زمن عثمان -رضي الله عنه- على ما يوجد الآن في المصحف المصون الموجود بين الدفتين، الموافق للعرضة الأخيرة، وقراءة السبعة على هذا هي قراءة واحدة، على حرف واحد، يعني مما يحتمله الصورة.

يعني لو قلنا: إن عثمان -رضي الله عنه- ما حذف شيئًا من الأحرف السبع هل يكون انحل الإشكال الموجود في عصرهم الذي خشوا منه أن تختلف الأمة في القرآن؟ صنيع عثمان لا شك أنه حل الإشكال، فكيف يحل إشكال مع إبقاء الأمر على ما كان؟ يمكن أن نحل إشكال مع إبقاء الأمر على ما كان؟ لا يمكن ينحل إشكال، لكن يبقى أنه حصل إجماع، والإجماع عند أهل العلم حجة قطعية يرى بعضهم تقديمه على الكتاب والسنة، قطعية؛ لأنه لا يحتمل نسخ ولا تأويل، الأمر الثاني: أن الإجماع لا بد له من مستند، لا يمكن أن يجمع أهل العلم على أمر لا مستند له، يعني إذا كان الأمر لا مستند له ما صار شرعيًّا، صار عاديًّا، إجماع على أمر عادي، والمسألة شرعية إذًا لا بد لها من مستند شرعي، وإجماع الصحابة حجة عند الجميع، ما يختلف أحد في إجماع الصحابة، يعني لو إجماع من بعدهم محل خلاف بين أهل العلم، لكن يبقى أن إجماع الصحابة حجة عند الجميع.

قد يقول قائل: إن المعوذتين لا توجدا في مصحف ابن مسعود وكذا، نقول: نعم، هذا صح أن المعوذتين لا توجدان في مصحف ابن مسعود، يعني بعد هذا الإجماع ماذا نقول؟ نقول: هل الإنسان بحاجة إلى أن يكتب كل شيء مع حفظه وضبطه له؟ نعم لو افترضنا شخصًا يحفظ القرآن كله بمثابة حفظ الفاتحة أو سورة الإخلاص، هل يلزم أن يكون عنده مصحف؟ ما يلزم أن يكون عنده مصحف أصلًا، أقول: المسلم الذي اطمأن قلبه للإسلام، وارتاح له، وعمل به لا يساوره أدنى شك ولا هاجس، نعم في أن القرآن محفوظ، أما من في قلبه شيء أو أراد أن يشكك المسلمين، فسوف يجد، حتى الآيات الآن المحفوظة بين الدفتين تحتمل وجوه، فالمغرض لا بد أن يجد، وهذا من عظمة هذا الدين، ولكي تعظم الأجور على حسب ما يقر في القلب من إيمان، وتعظم الأوزار على حسب ما يحصل من الشخص من مخالفات وتشكيك على حسب عظم دعواه، فالذي يتعرض لهذا القرآن، دستور الأمة الذي لا يمتري شخص وقر الإيمان في قلبه أنه محفوظ سالم من الزيادة والنقصان، لا شك أن هذا دليل على أن قلبه منشرح للدين ومطمئن قلبه بالإيمان، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد، كل إنسان يجده في قلبه، نعم، لكن الشخص الذي في قلبه دخل أو غر شكك به ممكن؛ لأن القرآن نفسه نص على أن هناك أمور متشابهات، فالذي يتتبع المتشابه لا حيلة فيه، الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه، مثل هؤلاء لا حيلة فيهم؛ لأن المتشابه موجود، وأما من وقر الإيمان في قلبه وثبت في قلبه، وخالطت بشاشته قلبه هذا لن يتشكك؛ لأن القرآن بعظمته وبإعجازه، المسلم صحيح الإيمان كل يوم يزداد يقين في أن هذا القرآن مصون من الزيادة والنقصان، ما عندنا أدنى شك في هذا.

كوننا نبتلى بفئام من الناس مبتدعة مغرضة تريد صرف الناس عن دينهم، وتريد انحرافهم، ويلقون الشبه على عوام المسلمين فإلى الله المشتكى، لا بد من التصدي لهؤلاء، لكن إلى الله المشتكى، قد يوجد من تلصق شبهة في قلبه لا يمكن اجتثاثها، والله المستعان، لكن وظيفة أهل العلم أن يبادروا بمثل هذه الأمور لتغرس في قلوب عوام المسلمين قبل أن تغزى من قبل الأعداء، فإذا حصل هذا الأمر من قبل الأعداء لا بد من التصدي له، وهذا من أعظم الواجبات، ومن أعظم الفرائض؛ لأننا إذا لم نذب عن كتاب الله -جل وعلا- ماذا يبقى عندنا؟ تطاول الناس على السنة، والسنة وجد فيها الوضع من الصدر الأول، وجد من يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن القرآن سالم، وأيضًا وجود الوضع والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- من باب الابتلاء والامتحان، من باب الابتلاء، وهو باب من أبواب الجهاد الذب عن السنة لتعظم الأجور، أجور من يذب، وتعظم أوزار من يكذب، والتكاليف كلها على هذه الكيفية.

على كل حال الأقوال التي في هذه المسألة والمراد بالأحرف السبعة استوفاها الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري في الجزء التاسع من صفحة ستة وعشرين إلى ثمان وثلاثين، أطال في تقرير المسألة، واستوعب الأقوال، وناقش الأقوال -رحمه الله-، فكيفية أداء هذه الحروف متلقاة بلا شك، متواتر قطعي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، القراءات السبع كلها متواترة، مقطوع بثبوتها.

يقول: ما الفرق بين القراءات والروايات والأحرف؟

الفرق بين القراءات، القراءات السبع الموجودة الآن نعم المتواترة، الآن المتواتر كم يبلغ من القراءات؟ عشر؟ نعم، الثلاث ما هي متواترة تكملة العشر؟ كلها مما يحتملها صورة ما أقره عثمان واتفق عليه مع الصحابة، كلها؛ ولذلك لا تجدون من القراء -حتى في كتب القراءات- ما تجدون لفظًا زائدًا لا يوجد في المصحف، يوجد؟ ولا حرف واحد، لكن مجلس ومجالس، الصورة واحدة في الكتابة، نعم، الصورة واحدة، لكن ما تجدون في القراءات السبع المتواترة: "متتابعات" توجد؟ ما توجد، هي صح ثبتت عن ابن مسعود، لكن هل ثبتت على أساس أنها قرآن أو على أنها تفسير للقرآن؟ هذا الذي يظهر أنها تفسير، هذا الكلام، هذا معروف.

طالب:......

يا أخي لو قلنا: إن القراءات السبع الباقية إلى الآن هي الأحرف السبعة قلنا: الصحابة ما فعلوا شيئًا، ما حلوا الإشكال، لو قلنا: إن القراءات السبعة موجودة الآن قلنا: الصحابة ما حلوا الإشكال عندهم، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ نعم.

الكلام في هذه المسألة كثير، والذي يريد التشكيك يجد، لكن من انشرح صدره بالإسلام، واطمأن قلبه بالقرآن لن يساوره أدنى شك أن القرآن محفوظ، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله -جل علا-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] يعني لو قلنا هذا قلنا: كذبنا هذه الآية، لو قلنا غير هذا كذبنا الآية، لو قلنا: إن الصحابة تصرفوا من غير مستند شرعي قلنا: كذبنا هذه الآية، هذا وعد الذي لا يخلف الميعاد، لكن الحرف الذي رسمه عثمان يحتمل القراءات السبع، مثلما نظرنا مجلس ومجالس ما فيه فرق في الكتابة، حتى الآن في المصحف، تبينوا تثبتوا ما فيه فرق إلا أن هناك نقطًا، وفي إبراهيم أيضًا في ثلاثة مواضع لا توجد فيها نقط، إبراهيم الياء، في بعض المواضع لا هي أربعة مواضع؟ نعم؟

طالب:.......

نعم، مواضع، أربعة مواضع ما تزيد ما فيها ياء، بدون ياء، نعم، والباقي فيها ياء.

المقصود أن القرآن -ولله الحمد- والمنة لا يساورنا أدنى شك في أنه محفوظ، قصة يحيى بن أكثم مع اليهودي، لما أسلم وقال ليحيى ما قال، حج يحيى بن أكثم في تلك السنة، فالتقى بسفيان بن عيينة، سفيان بن عيينة، وذكر له القصة، فقال: هذا منصوص عليه في القرآن، قال في كتبهم: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} [(44) سورة المائدة] وُكّل الحفظ إليهم فلم يحفظوا، وفي كتابنا قال: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} هذه رواها البيهقي في الدلائل، دلائل النبوة.

يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما مثل صاحب القرآن))" (إنما) للحصر، لكنه حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك، هذا الحصر ((إنما صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة)) هل يقول: يرد على هذا الحصر أن صاحب القرآن كمثل الأترجة، هل يرد على هذا الحصر قوله: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب)) هذا الحصر حقيقي بلا شك، لكنه في باب الحفظ والنسيان، في باب الحفظ والنسيان، والمداومة على التلاوة وتركها، في هذا الباب حصر فيه حقيقي، إنما صاحب القرآن أي مع من صحبه وهو القرآن، والمراد الذي ألفه، صاحب القرآن: هو الذي ألفه، والمؤالفة: هي المصاحبة، ((كمثل صاحب الإبل المعقلة)) يعني: مع إبله المعقلة، وهي المشدودة بالعقال وهو الحبل الذي يشد في ركبته، في ركبة البعير، شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى من شراده، ربط البعير الذي يخشى من شراده شبه به من يتعهد القرآن، يتعهد القرآن، يتعهد حفظه، فما زال التعهد موجودًا فإن الحفظ موجود، كما أنه ما زال العقال موجودًا فإن البعير موجود، نعم، ((إن عاهد عليها)) أي جدد العهد بها، ((أمسكها –أي استمر إمساكها- وإن أطلقها -بأن حل عقالها- ذهبت وانفلتت منه)) وكذلك القرآن، وهذا التشبيه في غاية الدقة، هذا التشبيه في غاية الدقة، والحديث مخرج في الصحيحين، وهذا يجعل طالب العلم المعتني بكتاب الله -جل وعلا- يهتم لهذا الأمر، فلا ينام عن القرآن، ولا يغفل عن القرآن؛ لأنه أشد تفلتًا من الإبل في عقلها، والمسألة مسألة دين، تجب المحافظة عليه، وجاء الوعيد في حق من حفظ شيئًا من القرآن ثم نسيه، ويخشى عليه أن يقال له: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طـه]؛ ولذا جاء في الصحيحين النهي عن قول: "نسيت آية كذا وكذا، نسيت آية كذا وكذا"، ولكن يقول: "نسِّيت أو أنسيت" لئلا يدخل في الآية لئلا يدخل في الآية: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} المقصود أن على صاحب القرآن أن يحرص عليه، حصل على هذا الخير العظيم، خير عظيم لا تقوم له الدنيا بحذافيرها، فالتفريط فيه حرمان وخسران وبوار، فعلى من حفظ القرآن أن يتعهده ويكثر من النظر فيه، وأن يراجع حفظه لئلا ينساه.

يقول بعد ذلك: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الحارث بن هشام المخزومي" أخو أبي جهل شقيق، أسلم يوم فتح، وكان من فضلاء الصحابة، استشهد في فتوح الشام، "سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الحارث بن هشام سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" سأل، أن الحارث سأل، يعني هل هذا متصل أو منقطع؟ نعم، يعني هل عائشة حضرت السؤال؟ يقول ابن حجر: "هكذا رواه أكثر الرواة عن هشام بن عروة فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك، وعلى هذا اعتمد أصحاب الأطراف، فأخرجوه في مسند عائشة -رضي الله عنها-، ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك، فيكون الخبر من مراسيل الصحابة، وهو محكوم بوصله عند الجمهور، وفي المسند ما يدل على ذلك عن عائشة عن الحارث، عن عائشة عن الحارث، وكونها تقول: إن الحارث، وفي رواية المسند: "عن الحارث" هذه رواية الصحيحين: "أن الحارث"، ورواية المسند: "عن الحارث" نستحضر في هذا ما قاله ابن الصلاح من أن السند المؤنن ليس حكمه حكم السند المعنعن، وعزا ذلك إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة؛ لأنه فهم من كلامهما في قصة النظير هذه، أنه لما سيقت أن فلان، أن عمارًا مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: منقطعة، في الرواية الأخرى: عن عمار أنه مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام- متصلة، فقال: إن مرد ذلك لاختلاف الصيغة، فإذا اختلفت الصيغة فلا تحمل (أن) على الاتصال كـ(عن)، وليس المراد، ليس حقيقة الحال كما زعم، ولذا قال الحافظ العراقي:

...................................

 

كذا له ولم يصوب صوبه

جج

إنما مرد ذلك أنه في قوله: إن فلانًا يحكي قصة لم يشهدها، كما هنا أن الحارث بن هشام سأل مع أن الاحتمال وارد أنها حضرت السؤال، نعم، وفي قوله: (عن) يحكي القصة عن صاحبها فتكون متصلة.

"كيف يأتيك الوحي؟" يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة الوحي نفسه، أو صفة حامل الوحي الذي هو الملك، أو ما هو أعم من ذلك، الإتيان حقيقة إنما يسند إلى حامله، هو الذي يأتي حقيقة، والمحمول حقيقة يؤتى به، وعلى كل حال من يؤتى به فقد أتى، من يؤتى به فقد أتى؛ ولذا من يحج به، هل يقال: حج وإلا ما حج؟ نعم، والذي يضحى عنه يقال: ضحى وإلا ما ضحى؟ ضحى وهكذا، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحيانًا))" جمع حين، ويطلق على قليل الوقت وكثيره، ((أحيانًا يأتيني)) يعني الوحي ((في مثل صلصلة الجرس)) في مثل صلصلة الجرس، الصلصلة: أصلها صوت وقوع الحديد على الحديد، صوت وقوع الحديد على الحديد، ثم أطلق على كل صوت له طنين متدارك لا يدرك من أول وهلة، مثل صلصلة الجرس، الوحي محمود والجرس جاء ذمه، الوحي محمود والجرس جاء ذمه، وتشبيه المحمود بالمذموم ممكن وإلا غير ممكن؟ نعم، نعم مع انفكاك الجهة ممكن، فالجرس له أكثر من وجه باعتبار تدارك الصوت وتتابعه؛ لأن الصوت فيه تدارك وقوة، وفيه أيضًا جهة إطراب، فهو ممدوح من هذه الحيثية لا من جهة الإطراب، مذموم من جهة الإطراب، وتشبيه الوحي به من الجهة التي يحمد فيها، نعم، التشبيه قد يكون من وجه دون وجه، تشبيه رؤية الباري برؤية القمر ليلة البدر هل معنى هذا أن المرئي مثل المرئي، أو التشبيه يقع من وجه دون وجه؟ التشبيه يقع من وجه دون وجه، مثل ذلك البروك، النهي عن بروك مثل بروك البعير، ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) نعم من وجه دون وجه، لا ينزل على الأرض بقوة مثل ما يبرك البعير، لكن ليضع يديه قبل ركبتيه مجرد وضع، فهو تشبيه، المنهي عنه التشبيه من وجه دون وجه، يعني من حيث القوة، النزول على الأرض بقوة بحيث يشبه البعير هذا منهي عنه، أما كونه يقدم يديه على ركبتيه هذا مأمور به من غير بروك، ((وهو أشده علي)) يفهم منه أن الوحي كله شديد، الوحي كله شديد، ((فيفصم)) أي يتجلى ((عني، وقد وعيت ما قال)) أي القول الذي جاء به، ((وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا)) التمثل مشتق من المثل، أي يتصور، والملك (أل) هذه للعهد، والملك المعهود وهو جبريل الذي يأتي بالوحي، ولسنا بحاجة إلى أن نقول: أين القدر الزائد؛ لأن جبريل عظيم الخلق له ستمائة جناح يسد الأفق فأين ذهب هذا الزائد؟ تكلموا فيه كلامًا طويلًا، لكن القدرة الإلهية تجعل الجسم الكبير صغيرًا والعكس، ولسنا بحاجة إلى أن نقول: هل انعدم بالكلية أو اختفى بحسب النظر أو ما أشبه ذلك، لسنا بحاجة إلى مثل هذا.

((يتمثل)) قد يستدل به من يقول بجواز التمثيل، لكن ليس فيه دليل على جوازه؛ لأن هذا التمثل بأمر الله -جل وعلا-، هذا التمثل بأمر الله -جل وعلا-، وأما التمثيل فهو: خروج بصورة تخالف الواقع، والذي يخالف الواقع سواءً كان قولًا أو فعلًا يدخل في حيز الكذب، مسألة كونه يترتب عليه مصلحة أعظم منه أو غير ذلك من الأمور التي تحتف به، ويقرر بعضهم جوازه، المقصود أنه ينبغي أن يترك؛ لأنه أقل أحواله بأنه خلاف الواقع، وبعضهم يقول: المبالغات خلاف الواقع، المقامات خلاف الواقع، وغير ذلك، المقصود في مسائل كثيرة، المناظرات بعضها خلاف الواقع، لكن على حسب ما يترتب على ذلك من مصلحة تكون المفسدة فيها مغمورة قد يتجه ذلك وإلا فلا، وعلى كل حال أقل ما فيه مخالفة الواقع، ولسنا بحاجة إليه، ففي ديننا -ولله الحمد- من الوسائل التي نعلم بها طلاب العلم، وندعو بها من نريد دعوته ما يغنينا عن مثل هذه الأمور المحدثة.

((يتمثل لي الملك رجلًا)) منصوب بالمصدرية، أي مثل رجل، أو التمييز، أو الحال، والتقدير على هيئة رجل، ((فيكلمني فأعي ما يقول)) يعني إذا كان رجلاً، ند لنِد، الأمر سهل، لكن إذا اختلف الجنس هذا من بني آدم وهذا ملك ما فيه شك، لا شك أن هذا المفاهمة تصعب؛ ولذا قال: ((وهو أشده علي)) لكن إذا جاء على هيئة رجل وحصل الأنس به لا شك أن الفهم عنه يكون أقرب، وجاء في وصف هذا النوع وإنه لا..، أخف الوحي هناك أشده علي، وهذا أخف الوحي.

"قالت عائشة" قالت عائشة مسند وإلا معلق؟ نعم، يعني بالإسناد السابق، قالت عائشة بالإسناد السابق: "ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد" إلى آخره، هل نقول: إن مالك يرويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: "ولقد رأيته" إذًا لماذا يفصل؟ ليتميز كلامها التي رأته بعينها عما نقلته عن الحارث، نعم، إذًا هو مسوق بالإسناد السابق وإن كان بغير حرف عطف كما يستعمله البخاري وغيره كثيرًا، يقول ابن حجر: "وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف" وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف، ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد، في اليوم الشديد البرد، دلالة على كثرة معاناته -عليه الصلاة والسلام- من التعب والكرب عند نزول الوحي، ولا شك أن المنزل عليه قول ثقيل، "في اليوم الشديد البرد" من يعرب؟ الإعراب؟ في اليوم جار ومجرور، الشديد؟ صفة، البرد؟ الشديد مضاف والبرد مضاف إليه؟ جارك، جارك جارك، جارك انغزه.....، ارفع رأسك، أنت أنت، تقول أنت: مضاف ومضاف إليه، نبغي الشديد البرد؟ قضينا من الشديد صفة لليوم، والبرد؟ نعم؟

طالب:......

إضافة لفظية، وذي الإضافة اسمها لفظية، "ووصل (أل) بذا المضاف مغتفر" يعني في الإضافة اللفظية، "إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر" المقيم الصلاة، إضافة لفظية بلا شك، وهذه يجوز أن يقترن المضاف بـ(أل) إذا اقترن المضاف إليه بها، أو اقترن ما يضاف إليه المضاف.

ووصل (أل) بذا المضاف مغتفر
أو بالذي له أضيف الثاني

 

إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر
كزيد الضارب رأس الجاني

"فيفصم عنه -عليه الصلاة والسلام- وإن جبينه ليتفصد" مأخوذ من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم، وهنا يسيل العرق فيتفصد عرقًا، عرقًا تمييز، نعم.

ثم قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "أنزلت عبس وتولى"، عبس: قطب وجهه، وتولى: أعرض، نزلت هذه الآية "في عبد الله بن أم مكتوم -القرشي العامري- جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة فجعل يقول: يا محمد" بمكة لأن سورة عبس مكية، والأسلوب أيضًا يدل على أنه بمكة، "يا محمد" وهذا قبل النهي عن ندائه -عليه الصلاة والسلام- باسمه؛ لأن النهي عن ندائه باسمه إنما نزل بالمدينة، "يا محمد استدنيني" وفي رواية: "استدنني" بدون ياء، أي أشر لي إلى موضع قريب منك أجلس فيه، يعني: اجعلني أدن منك، استدنني: يعني اجعلني أدن منك، نعم، "وعند النبي -عليه الصلاة والسلام- رجل من عظماء المشركين" عظماء: جمع عظيم المشركين يقال: هو أبي بن خلف أو عتبة بن ربيعة أو أمية بن خلف أو أبو جهل، المقصود أنه من عظماء المشركين، والمشرك يجوز أن يقال له: عظيم، إما على حسب دعواه أو دعوى قومه له؛ ولذا جاء في حديث هرقل: "من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم"، "فجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرض عنه" ثقة بما في قلبه من إيمان، "ويقبل على الآخر" رجاء إسلامه، التأليف يستعمله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأحيانًا يعطي الرجل ويترك من هو خير منه، ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه)) مالك عن فلان وإني لأراه مؤمنًا؟ قال: ((أو مسلم؟)) نعم، يكل بعض الناس إلى ما في قلوبهم من إيمان فلا يعطيهم، ويعطي بعض الناس تأليفًا لهم، وصنع مثل هذا -عليه الصلاة والسلام- ترك ابن أم مكتوم اعتمادًا على ما في قلبه من إسلام، أقبل إلى الآخر رجاء إسلامه، ويقول: ((يا أبا فلان)) استئلافًا يكنيه، يكني هذا الكافر، المشرك؛ استئلافًا له، ((هل ترى بما أقول بأسًا؟)) ((هل ترى بما أقول بأسًا؟)) المقصود أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- جاءه العتاب، جاءه العتاب، عوتب في هذه القصة، وما عوتب في العطاء، ما عوتب في العطاء، وعوتب في هذه القصة، لماذا؟ {أَن جَاءهُ الْأَعْمَى} [(2) سورة عبس] لا شك أن هذا الوصف وهو العمى وصف مؤثر في المسألة، بمعنى أن هذا الأعمى ما يعرف تقاسيم الوجه، نعم، يعني لو كان مبصرًا وأعرض عنه بعد أن بش في وجهه ووكله إلى ما..؟ هذا ما يدري عن شيء، أعمى؛ ولذلك ما عوتب في العطاء، عوتب لما أعرض عن هذا الأعمى، {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [(1 - 3) سورة عبس] أقبل على المشرك وقال: ((يا أبا فلان)) استئلافًا له، ((هل ترى بما أقول بأسًا؟)) "فيقول: "لا والدُّماء" أو الدِّماء، ضبطت بضم الدال وكسرها، الدُّماء: المراد بها الأصنام، جمع دمية التي يعبدونها من دون الله، أقسم بها، أو الدِّماء المراد بها الهدايا التي يذبحونها لأصنامهم، "ما أرى بما تقول بأسًا، فأنزلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [(1) سورة عبس] أعرض أن جاءه الأعمى".

زاد أبو يعلى عن أنس: "فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك يكرم ابن أم مكتوم، ويبسط له رداءه ويرحب به ((مرحبًا بالذي عاتبني فيه ربي))" المقصود أن هذه القصة هي سبب نزول عبس وتولى، ولم يختلف الرواة عن مالك في إرسالها، مرسلة، أخرجه الترمذي من رواية سعيد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت، فهو موصول عند الترمذي.

ما مناسبة هذا الحديث؟

مناسبة الحديث يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرض القرآن على المشركين؟ نزول السورة، نعم.

طالب:.......

الترجمة تشمل هذا وغيره، المقصود أن سبب نزول هذه السورة هو هذا، تعرف أن التأليف في أول الأمر، التأليف في بداياته والكتاب من أوائل المصنفات الحديثية في التأليف عمومًا في أول الأمر لا يأتي على الوضع المتناسب من كل وجه، وهذا شأن عمل البشر، يبدأ صغيرًا ثم يكبر، يبدأ غير مرتب ثم يتقن ترتيبه، يعني عظمة هذا القرآن من جهة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عوتب؟ على كل حال مثلما ذكرنا أنه لا يلزم أن يكون الترتيب دقيق مائة بالمائة لا سيما في أوائل المصنفات.

أنا أقول: لعل الوصف كونه أعمى له أثر؛ لأن المبصر يرى تقاسيم الوجوه ويعذر، نعم، لكن الأعمى ما يدري من عنده، نعم، في العلم يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا قاسم والله معطي)) نعم، على كل حال أنا أقول: إن الوصف بكونه أعمى له أثر كبير، يعني لو كان مبصرًا يعذر تصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- في كونه وكل هذا إلى ما في قلبه من إيمان، واستألف غيره، التأليف باب، المؤلفة قلوبهم يعطون من الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام، فهو باب مشروع في الدين، لكن يبقى أن هذا الأعمى الذي لا يعرف تقاسيم الوجوه، ولا يعرف ما يحتف بالمسألة من ظروف ينبغي أن يراعى؛ ولذا نزل العتاب فيه، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"