الشمائل النبوية (29)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية والتي نقرأ في حلقات هذا البرنامج من خلال كتاب شمائل النبي للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي مع بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير فأهلاًومرحبًا بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

في باب ما جاء في بكاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رحمه الله حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عُبَيْدة عن عبد الله بن مسعود.

عن عَبِيْدة عن عَبِيْدة.

السلماني معروف.

عن عبد الله بن مسعود قال قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ عليّ» فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال «أني أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت سورة النساء حتى بلغت وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا } النساء: ٤١ قال فرأيت عيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تهملان.

نعم حديث أنس .

حديث أنس قال رحمه الله: حدثنا إسحاق بن منصور قال أخبرنا أبو عامر قال حدثنا فليح وهو بن سليمان عن هلال بن علي عن أنس بن مالك قال شهدنا ابنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله جالسٌ على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال «أفيكم رجل لم يقارف الليلة؟» قال أبو طلحة أنا قال «انزل» فنزل في قبرها.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث ابن مسعود طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقرأ عليه فقرأ عليه سورة النساء حتى بلغ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا } النساء: ٤١ الحديث مخرج في صحيح البخاري في كتاب التفسير باب فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ } النساء: ٤١ وكتاب فضائل القرآن باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره وباب قول المقرئ للقارئ حسبك، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها في باب فضل استماع  القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبر، فالحديث متفق عليه. يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره قال علماؤنا: بكاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان لعظيم ما  تضمنته هذه الآية من هول المطّلع وشدة الأمر إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به -عليه الصلاة والسلام- يوم القيامة شهيدًا والإشارة بقولهعَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ} النساء: ٤١ على كفار قريش وغيرهم من الكفار، وإنما خص كفار قريش بالذكر لأن وظيفة العذاب أشد عليهم منها على  غيرهم لعنادهم عند رؤية المعجزات وما أظهره الله على يديه من خوارق العادات، والمعنى: فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا أو معذبين او منعمين وهذا استفهام معناه التوبيخ، وقيل الإشارة إلى جميع أمته. ومعنى تهملان في الحديث: تفيضان وتذرفان الدمع ثم ذكر رحمه الله تعالى "حديث أنس بن مالك قال شهدنا ابنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان" الحديث خرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز في باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» إذا كان النوح من سنته. والبنت المذكورة المتوفاة هي أم كلثوم بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- زوج عثمان ووهم من قال إنها رقية، فإن رقية ماتت والنبي -عليه الصلاة والسلام- ببدر لم يشهدها وبكاؤه -عليه الصلاة والسلام- بكاء رحمة كما في حديث أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه إن ابنًا لي قبض فائتنا الحديث طويل إلى أن قال فيه فرفع الصبي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونفسه تتقعقع، قال حسبته أنه قال كأنه شان ففاضت عينه فقال سعد يا رسول الله ما هذا؟! قال «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» قال ابن القيم رحمه الله تعالى وأما بكاؤه -صلى الله عليه وسلم- فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه -عليه الصلاة والسلام- بقهقهة ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهمل ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفًا على أمته وشفقة عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحبًا للخوف والخشية، ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» وبكى -عليه الصلاة والسلام- لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة  النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى: فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا } النساء: ٤١ وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وجعل ينفخ ويقول «رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك» وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته -عليه الصلاة والسلام- بكى لما كسفت الشمس فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما كسفت الشمس خرج فزعًا بخلاف ما عليه الناس اليوم الكسوف لا أثر له في قلوبهم ولا في تصرفاتهم ولا يحرك عندهم ساكنًا بل هو أمر طبيعي حسبما يدعون كطلوع الشمس من مشرقها وكغروبها من مغربها وسبب ذلك ما ينشر وما يذاع ويعلن من إخبار الناس بالكسوف قبل وقوعه، نعم جمع غفير من أهل العلم يرون أنه يدرك بالحساب والواقع يشهد بذلك وإن قال بعضهم إنه من ادعاء علم الغيب لكنه يُدرك على قول جمع من أهل العلم، لكن إخبار الناس به قبل وقوعه لا شك أنه يقلل من الأثر والحكمة منه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق خرج يجر رداءه فزعًا وبكى بكاءًا طويلاً في صلاته، والله المستعان جعل يبكي في صلاته وجعل يقول «رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك» وبكى النبي -عليه الصلاة والسلام- في مواضع منها ما ذكره الإمام الترمذي رحمه الله تعالى على قبر إحدى بناته وكان يبكي أحيانًا في صلاة الليل ويسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، وسلف الأمة كلهم على هذا، فتأثير القرآن أمر عجيب أثّر في الرسول -عليه الصلاة والسلام- وفي صحابته الكرام وفي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا من خيار الأمة، وبعض الناس يستبعد أن يكون هذا البكاء الذي يصدر من بعض الناس من قلب، هلا شققت عن قلبه؟! يقول بعض الناس يبكي ويظهر للناس أنه متأثر يا أخي هذا أمر قلبي لا شك أن القرآن مؤثر وبعض الناس يتأثر بالقرآن فالتأثر بالقرآن أمر قلبي وأمره إلى الله عز وجل، وأما كون بعض الناس يحكم على من يسمع لكونه ما شم لمثل هذا التأثر رائحة ويقيس الناس عليه ثم بعد ذلك يسخر ممن يبكي!!

 نعم رفع الصوت بالبكاء كما يفعله كثير من الناس  قد يخرج ذلك عن حيّز المشروع.

 يقول ابن القيم البكاء أنواع أحدهما: بكاء الرحمة والرقة، والثاني: بكاء الخوف والخشية، والثالث: بكاء المحبة والشوق، والرابع: بكاء الفرح والسرور، والخامس: بكاء الجزع من ورود مؤلم وعدم احتماله، والسادس: بكاء الحزن، والفرق بينه وبين بكاء الخوف أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب، وبكاء الخوف يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان، ودمعة الحزن حارة والقلب حزين؛ ولهذا يقال لما يفرح به هو قرة عين، وأقر الله به عينه، ولما يحزن هو سخينة العين، وأسخن الله عينه به، والسابع: بكاء الخور والضعف، والثامن: بكاء النفاق وهو أن تدمع العين والقلب قاسٍ فيظهر صاحبه الخشوع وهو من أقسى الناس قلبًا، نسأل الله السلامة والعافية، والتاسع: البكاء المستعار والمستأجر عليه كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال عمر بن الخطاب تبيع عورتها وتبكي شجو غيرها، والعاشر: بكاء الموافقة وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون ولكن رآهم يبكون فيبكي، ولا شك أن بعض الناس يتأثر مما يرى بالبكاء فيبكي ولو لم يعرف السبب، وما كان من ذلك دمعًا بلا صوت فهو بكى مقصور، وما كان معه صوت فهو بكاء ممدود؛ على بناء الأصوات وما كان منه مستدعى متكلفًا فهو التباكي، وهو نوعان: محمود ومذموم، فالمحمود أن يستجلب رقة القلب لخشية الله لا للرياء والسمعة، والمذموم أن يجتلب لأجل الخلق، وقد قال عمر رضي الله عنه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر أخبرني ما يبكيك يا رسول الله فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ولم ينكر عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال بعض السلف ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا والحديث يروى مرفوعا لكنه ضعيف.

 

الله المستعان أحسن الله  إليكم ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل إنه جواد كريم أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة شكرًا لطيب متابعتكم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

"