شرح العقيدة الواسطية (26)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, الشيخ –رحمه الله- ذكر في مقدمة الفصل: أهمية السنة ومنزلة السنة من القرآن، وأنها تثبت بها جميع أبواب الدين، تثبت بها الأحكام والفضائل والعقائد وغير ذلك, متواترها وآحادها, تثبت بذلك العقائد والأحكام والفضائل والتفسير والمغازي, تثبت بها القراءة, وغير ذلك مما يحتاجه المسلم, فهي مصدر, كالقرآن من حيث إن الكلم من عند الله، وأن السنة وحي {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} من هذه الحيثية فهي مثل القرآن، لكن العلماء يجعلون المنزلة والمرتبة دون باعتبار الثبوت القرآن ثبوته قطعي، والسنة ليست مثله في قطعية الثبوت إلا ما تواتر منها؛ ولذلك يجعلون المصادر يرتبونها: القرآن ثم السنة، وإلا فالأصل إذا صح الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلزوم العمل به كلزومه بالقرآن, وعرفنا ما في هذه المقدمة من كلام ووجهنا بعض كلام الشيخ -رحمه الله تعالى-، ثم ذكرنا الأمثلة على ذلك من السنة مما يثبت به الصفات، يقول: ومن ذلك مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة», «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة, حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» والحديث في الصحيحين هنا في البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وقال الله -عز وجل-: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} أي: ما ينامون، {وبالأسحار هم يستغفرون}, قال -رحمه الله-: حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبدالله الأَغَرّ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل..»، في كتاب التوحيد في آخر الصحيح، قال: «يتنزل», يعني رواية هذا الباب ينزل، وفي الرواية في آخر البخاري: (يتنزل) «ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له», يقول الحافظ في شرحه: أورد المصنف حديث أبي هريرة في النزول من طريق الأغر أبي عبدالله وأبي سلمة، جميعًا عن أبي هريرة، وقد اختلف فيه على الزهري فرواه عنه مالك وحفاظ أصحابه كما هنا؛ لأن الذي في الباب من طريق مالك -رحمه الله-، واقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين أبي سلمة وأبي عبدالله الأغر، ولا مانع أن يجمع أكثر من راوٍ، ويقتصر على واحد منهم، أحيانًا يجمعون وأحيانًا يقتصر على واحد منهم؛ لأنه تقوم به الحجة، وقد يروي البخاري عن اثنين كلاهما ثقة في موضع واحد, يقرنهما, وأحيانًا يفرقهما فيروي في موضع عن واحد وفي الموضع الثاني عن آخر, وقد يروي عن ثقة ويقرن معه من هو دونه في الثقة، وقد يروي عن ثقة ويكني عن غير الثقة, فيقول: حدثني فلان وآخر، وقد يروي عن ثقة وغير ثقة, فيحذف غير الثقة ويقتصر على الثقة, وهذه الطريقة متبعة عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وقال بعض أصحاب مالك عنه عن سعيد بن المسيب، ورواه أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري، فقال الأعرج بدل الأغر فصحفه, وقيل عن الزهري عن عطاء بن يزيد بدل أبي سلمة، قال الدارقطني: وهو وهم، والأغر المذكور لقلب, واسمه سلمان ويكنى أبا عبدالله وهو مدني, ولهم راوٍ آخر يقال له: الأغر أيضًا، لكنه اسمه الأغر وكنيته أبو مسلم وهو كوفي, يقول: وقد جاء هذا الحديث من طريقه أيضًا، أخرجه مسلم من رواية أبي إسحاق السبيعي عنه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعًا مرفوعًا، وغلط من جعلهما واحدا، ورواه عن أبي هريرة أيضًا سعيد بن مرجانة وأبو صالح عند مسلم وسعيد بن المَقْبُري وعطاء مولى أم حَبِيْبَة ومولى أم صَبِيَّة أو صُبَيِّة مولى أم صُبَيَّة بالمهملة مصغرًا، وأبو جعفر المدني ونافع وجبير بن مطعم كلهم عند النسائي، هذه شواهد, وفي الباب عن علي وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص وعمرو بن عَبَسَة عند أحمد، وعن جبير بن مُطْعِم ورِفاعة الجُهَنِي عند النسائي، وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأبي الخطاب غير المنسوب عند الطبراني, وعن عقبة بن عامر وجابر وجد عبدالحميد بن سلمة والدارقطني في كتاب السنن, وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة.
فالحافظ -رحمه الله- حينما ذكر هذه الشواهد لهذا الخبر ليبين الخبر متواتر, يعني من حيث الثبوت نحلف بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال هذا الكلام, فثبوته قطعي لا إشكال فيه ولا مراء, قوله: عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة، في رواية عبدالرزاق عن معمر عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة، أن أبا هريرة أخبرهما, قوله شوف المخالفات الآن التي بتجي في كلام الحافظ؛ لأن كلام الحافظ أورد كلام المخالفين من الطوائف كلهم ممن يتأول الحديث، وممن ينفي ثبوت الحديث، وممن ينكر العلو، صفة العلو لله -جلَّ وعلا-، وممن ينكر النزول يعني جئت بكلام الحافظ؛ لأنه يمثل الطرف الآخر ممن ينكر ثبوت الحديث ذكرهم الحافظ، الحافظ -رحمه الله- لا يتردد في أن الحديث ثابت، وأنه مقطوع بثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأوردوا طرقه، وسيأتي كلام ابن العربي وغيره في هذا الحديث، ثم بعد ذلك أولاً الصفة التي هي صفة النزول عند أهل السنة ثابتة لله -جلَّ وعلا- ثبوتًا قطعيًا بهذا الحديث وغيره، هذا من حيث الثبوت، أما الكيفية فالله أعلم بها, ينزل ربنا -جلَّ وعلا- إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ويقول ما يقول، هذا لا إشكال فيه نزولاً يليق بجلاله وعظمته، ولا نستطيع أن ندقق في الكيفية ولا غيرها؛ لأن هذا أمر غيبي لا يدرك إلا بنص ولا نص؛ ولذا لما قال ابن بطوطة حينما دخل دمشق: إنه رأى شخصًا كثير العلم قليل العقل يخطب على منبر جامع بني أمية في دمشق, ثم أورد حديث النزول فقال: ينزل كنزولي هذا, ثم نزل من درجة المنبر، هذا كلام ابن بطوطة, أهل العلم كذبوه في هذا، وأن شيخ الإسلام لا يمكن أن يقع منه مثل هذا, والأمر الثاني مما يدل على أنه كذب قطعًا أن الشيخ في الوقت الذي دخل فيه ابن بطوطة دمشق كان في السجن, فدل على أن هذه فرية, قوله: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، استدل به من أثبت الجهة؛ لأن النزول إنما يكون من جهة العلو، فهو في جهة العلو -جلَّ وعلا- يقول: استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو، وهذا هو المؤكد المحرر المحقق عند سلف هذه الأمة، وأحاديث العلو وإثبات صفة العلو لله -جلَّ وعلا- الأدلة الدالة عليها لا تكاد تحصر، وابن القيم -رحمه الله- في نونيته ذكر كثيرًا منها قال وقال هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز -تعالى الله عن ذلك- أنكر ذلك الجمهور من الجمهور؟ الشيخ ابن باز -رحمه الله- علق على ذلك فقال: مراده بالجمهور جمهور أهل الكلام, وأما أهل السنة وهم الصحابة -رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان- فإنهم يثبتون لله الجهة وهي جهة العلو، ويؤمنون بأنه –سبحانه- فوق عرشه فوق العرش بلا تمثيل ولا تكييف، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر, فتنبه واحذر, والله أعلم.
نعم لا مانع من إثبات الجهة التي هي جهة العلو, العلو ثابت لله -جلَّ وعلا- بجميع أنواعه, علو الذات, وعلو القدر, وعلو القهر, أنواع العلو كلها ثابتة لله -جلَّ وعلا-, يقول ابن حجر: أنكر ذلك الجمهور، وعرفنا أن مراده بالجمهور جمهور المتكلمين؛ لأن القول وإن كانت العبارة موهمة، لكن عامة أهل العلم من سلف هذه الأمة كلهم يقولون بأنه في العلو؛ لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز- تعالى الله عن ذلك- وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة -تعالى الله عن قولهم-، لكن هؤلاء المثبتة إن أثبتوا أن نزوله -جلَّ وعلا- كنزول المخلوق فكلامه صحيح، هؤلاء هم المشبهة، وإن كان نزوله يليق بجلاله وعظمته من غير مشابهة للمخلوقات فهذا كلام أهل السنة، فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى عن قولهم, ومنهم طرف ثاني من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة, يعني الإنكار مكابرة مادام الخبر ثبت وصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنكاره لا شك أنه معاندة ومكابرة ومحادة لله ورسوله, والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً وإما عنادًا، يعني الأدلة التي تدل على العلو من الكتاب لا يستطيعون إنكارها لكنهم أولوها، أما ما جاء في السنة فمن السهل جدًّا أن يقول المبتدعة: هذا خبر آحاد، وخبر الواحد لا تثبت به العقائد وينتهي والله المستعان.
يقول: والعجب أنهم أوَّلوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً وإما عنادًا, ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنًا به على طريق الإجمال، منزها الله –تعالى- عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم, ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب, ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف, ولا شك أن التأويل الذي لم يدل عليه دليل تحريف للمعنى وإن لم يكن تحريفًا للفظ, يقول: ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنًا به على طريق الإجمال منزهًا لله –تعالى- عن الكيفية والتشبيه وجمهور السلف ونقله البيهقي عمن ذكر عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم, ومنهم من أوله على وجه يليق، مستعمل في كلام العرب, ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبًا مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيدا مهجورا، فأول في بعض وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد، ومنهم من فصّل بين ما يكون تأويله قريبًا مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيدا مهجورًا؛ لأن بعض التآويل, يعني {كلم اللهُ موسى تكليمًا كلم موسى تكليمًا}, فالتكليم مصدر كلَّم، والمصدر ينفي المجاز -عند أهل العلم- لكن تأويل التكليم -عند بعضهم- قالوا: كلمه يعني جرحه، «ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله», يعني يجرح في سبيل الله، فكلمه: جرحه، قالوا بأظافير الحكمة، لكن هل مثل هذا سائغ أو قريب؟ أبدًا. وبين ما يكون بعيدًا مهجورًا، فأوَّل في بعض وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد.
قال البيهقي -رحمه الله-: وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه يعني لا بد من دليل عن المعصوم؛ لأن هذه أمور غيبية لا تدرك بالرأي ولا تُستنبط من خلال السياق ولا يدل عليها ما قبلها ولا ما بعدها, هذه أمور توقيفية من الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، وواجبه حينئذٍ التفويض أسلم، وإيش معنى التفويض؟ التفويض أن تُثبت الكلمة «ينزل ربنا» وتقرؤها وتتعامل معها كتعاملك مع اللفظ الأعجمي، تقر باللفظ أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالله -جلَّ وعلا- ولا تفهم أكثر من ذلك، هذا تفويض, يعني تقرأ الخبر لكن لا تعرف معناه فضلاً عن كيفيته، فالفرق بين التفويض وبين التسليم الذي هو مذهب أهل السنة أن مذهب أهل السنة يقرون بمعرفة المعنى، المعنى له دلالة لغوية وله دلالة شرعية، له حقيقة لغوية وله حقيقة شرعية، كما أن له حقيقة عُرفية، فنفهم المعنى لكن الكيفية التي حجبت عنا هذا الفرق بيننا وبين المفوضة، نعترف بأن له معنى وندرك المعنى أيضًا استوى، علا، صعد، استقر، لكن المفوضة يقولون: استوى بس لا زيادة ولا نقصان، كأنك تنطق بكلام أعجمي ما تفهم معناه، فهذا الفرق بين مذهب أهل السنة وبين المفوضة؛ ولذلك قال من الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذٍ التفويض أسلم. لا، مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب سلف هذه الأمة وخيارها أسلم وأعلم وأحكم، يقول: وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد -إن شاء الله تعالى-.
وقال ابن العربي: حُكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث وعن السلف إمرارها وعن قوم تأويلها وبه أقول، فابن العربي هذا مؤول، ابن العربي المالكي، أبو بكر صاحب أحكام القرآن، وصاحب العارضة، والعارضة محشوة بالتآويل، قال ابن العربي: حُكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث وعن السلف إمرارها وعن قوم تأويلها، هذه الأقوال، رد الأحاديث إثبات الأحاديث مع إمرارها كما جاءت، وعن قوم تأويلها وبه أقول، علق الشيخ -رحمه الله- ابن باز على هذا الكلام قال: هذا خطأ ظاهر مصادم لصريح النصوص الواردة في إثبات النزول، وهكذا ما قاله البيضاوي بعده باطل، والصواب ما قاله السلف الصالح من الإيمان بالنزول وإمرار النصوص كما وردت من إثبات النزول لله -سبحانه وتعالى- على الذي يليق به من غير تكييف ولا تمثيل كسائر الصفات، وهذا هو الطريق الأسلم والأقوم والأعلم والأحكم، فتمسك به وعض عليه بالنواجذ، واحذر ما خالف تفز بالسلامة والله أعلم، الذي يجعل الشيخ يؤكد على أسلم وأعلم وأقوم وأحكم أنهم قالوا مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم، كيف تكون الحكمة مع عدم السلامة؟ يعني إذا كان مذهب السلف هو الأسلم فمذهب الخلف فيه سلامة أو ما فيه؟ فيه سلامة في الجملة، لكن فيه خطر؛ لأنه ليس بأسلم من مذهب السلف، مذهب السلف أسلم منه، فدل على أن فيه شيء مما يخالف السلامة، فكيف يكون معتمد القول الذي هو غير الأسلم، يعني عندنا طريق أقوم وطريق آخر، الذي يسلك الطريق الأقوم أليس هو الأعلم؟ أليس هو الأحكم؟ والذي يسلك الطريق الآخر غير الأقوم، كيف يوصف بالعلم؟ كيف يوصف بالحكمة؟ وقل مثل هذا فيمن يعتقد مذهب أهل السنة والجماعة وهو الأسلم بإقرار المخالف، المخالف يقول طريقة السلف أسلم، فمادام أسلم فالذي يخالف هذا الأسلم، هل يمكن أن يوصف بالحكمة أو بالعلم؟ لا، إذًا هذا تناقض، والمقرر أن طريق السلف أسلم وفي الوقت نفسه هم أعلم وأحكم، وهذا الذي يجعل أهل العلم يؤكدون مثل هذا.
فأما قوله: «ينزل» فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، هذا كلام ابن حجر، فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، قد يقولون: ينزل أمره، ينزل حكمه، ينزل فضله، إلى غير ذلك مما يضاف إلى الله -جلَّ وعلا- من الأفعال لا إلى الذات، لا أنه بذاته -سبحانه وتعالى- ينزل، بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه، هذا كلامه وهذا اختياره، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ لا، ليس بصحيح، لأن هذه الأفعال نزولها لا يختص بالثلث الآخر من الليل معناه أنه لا ينزل الله -جلَّ وعلا- أمرًا إلا في الثلث الأخير، واضح أو ما هو واضح؟ بل أمره وحكمه نازل في كل وقت، فدل على أن النزول لا لأمره ولا لحكمه؛ وإنما هو لذاته -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني، يعني كما ينزل جبريل ينزل الأمر ينزل الوحي، وهو معنى من المعاني لا حقيقة لا جسم له، في الآخرة المعاني تُجسد، تكون أعيان وتوزن الحسنات، توزن، كيف توزن الحسنات؟ القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، إذًا قد يقولون: إن هذه المعاني الله -جلَّ وعلا- قادر على أن يجعلها في حكم المحسوسات فتنزل كما ينزل جبريل مثلاً، أقول: لكن نزول هذه الأمور لا يختص بهذا الوقت ولو صارت في حكم المحسوسات، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل، فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة، فهي عربية صحيحة انتهى.
والحاصل أنه تأوله بوجهين إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحو ذلك، وقد حكى أبو بكر بن فُوْرَك أن بعض المشايخ -وأبو بكر بن فُوْرَك هذا من كبار الأشاعرة- وقد حكى أبو بكر بن فُوْرَك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنْزِل مَلَكا، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ: «إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داع فيستجاب له..» الحديث.
وفي حديث عثمان بن أبي العاص: « ينادي مناد: هل من داع يستجاب له.. » الحديث. قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال ولا يعكر عليه ما في رواية رِفاعة الجُهَنِي: «ينزل الله إلى السماء الدنيا»، فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري. يقول: لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور: «ينادي منادٍ هل من داعٍ يستجاب له» فالذي ينادي على كلامهم هو الله -جلَّ وعلا- أو غيره؟
طالب: ...........
الملك نعم، قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال ولا يعكر عليه ما في رواية رِفاعة الجُهَنِي «ينزل اللهُ إلى السماء الدنيا، فيقول: لا يُسأل أو لا يَسأل عن عبادي غيري»؛ لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور ليش ما فيه؟ إلا فيه ما يدفع. وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه –سبحانه- منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى آخر أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى هذا صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة، يعني هم يقسِّمون الصفات والأسماء التي تشتق منها الصفات إلى: جلال، وجمال، وكمال.
هناك صفات الجلال، وصفات الجمال، وصفات الكمال، وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه –سبحانه- منزه عن الجسمية والتحيّز الجسمية ما ثبت ولا التحيز ما يدل على ثبوتها ولا على نفيها, وعرفنا في دروس مضت أنها إذا كانت من لازم الخبر الصحيح وإثباتها لا يترتب عليه نقص بوجه من الوجوه فلا مانع من التزامها, ولما ثبت بالقواطع أنه –سبحانه- منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه, فالمراد نور رحمته، ينزل نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرحمة والرأفة، قوله: حين يبقي ثلث الليل الآخر، برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث وليس صفة لليل إنما هو صفة للثلث، وعرفنا أن الوصف أو التابع عمومًا المتعقب لمتضايفين، فإما أن يعود إلى المضاف أو يعود إلى المضاف إليه، والتعيين للقرائن يعني ذكرنا من الأمثلة، {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، وأيضًا تابع للثاني {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} من كتب في الأسماء الحسنى قسموها إلى هذا؛ لأن منها صفات جلال يعني العزيز الجبار المتكبر... إلى آخره، صفة جمال يعني صفات رحمة وصفات كمال، المقصود أنهم قسموها إلى هذه الأقسام.
طالب: .............
ما يلزم أنه يظهر منه مثل هذا، لكن مدلولاتها قد يكون فيها شيء من هذا يعني ما وجدته صريحًا في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وغيره، لكن ما يلزم عليه شيء، يعني لا شك أن الجلال شيء والجمال أيضًا والرحمة والرأفة شيء آخر؛ لأنه يناسب المقام، يعني إذا كان المقام مقام رحمة جيء من الأسماء والصفات ما يناسب هذه الرحمة، وإذا كان مقام غضب وانتقام فلا شك أن الأسماء المناسبة لها غير الأسماء المناسبة لمقام الرحمة.
قوله: «حين يبقي ثلث الليل الآخر» برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث ولم تختلف الرواية عن الزهري في تعيين الوقت -يعني ثلث الليل- واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره قال الترمذي: ورواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك, ويقوي ذلك أن الروايات المخالفة اختلف فيها على رواتها، وسلك بعضهم طريق الجمع، وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء. أولها هذه, ثانيها إذا مضى الثلث الأول, وثالثها الثلث الأول أو النصف, رابعها النصف, خامسها النصف أو الثلث الأخير, سادسها الإطلاق, فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة، وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه، وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم إلى آخر كلامه. يعني الروايات جاءت بالثلث وهذا أكثر، الثلث الأخير، وجاءت بالثلث مطلقًا من غير تقييد بكونه أول ولا ثاني ولا أخير، وجاء حين يبقى شطر الليل، شيخ الإسلام له رأي في هذه الروايات، وكلامه في غاية الجودة، يقول: حين يبقى ثلث الليل حسب الليل من غروب الشمس، وإذا قيل شطر الليل يحسب الليل من صلاة العشاء، وحينئذٍ يكون شطر الليل وثلث الليل واحد. ظاهر أو ما هو ظاهر؟ يعني كلام في غاية الجودة للتوفيق بين هذه الروايات.
طالب: .............
إيه وإيش المانع إذا اعتبرناه من صلاة العشاء بعد مضي الشطر الأول من صلاة العشاء، يعني من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر قسمناه نصفين، يبقى النصف الثاني يوافق الثلث الأخير إذا حسبنا الليل من غروب الشمس ما فيه إشكال. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف أو في الثلث الثاني يعني ينزل في الثلث الأول، لكن لا يقول من يدعوني من يسألني إلا حينما يبقى الثلث الأخير، وقيل: يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار، ويحمل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أُعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به، ثم أُعلم به في وقت آخر فأخبر به، فنقل الصحابة ذلك عنه، والله أعلم.
دليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن النزول في الثلث الأخير ثم زيد في المدة فأخبره الله -جلَّ وعلا- أنه ينزل حينما يمضي شطر الليل، زيادة في المدة التي يكون فيها هذا الفضل من الله -جلَّ وعلا- فأخبر به، ثم أُخبر بعد ذلك أنه ينزل بعد مضي ثلث الليل فأخبر أن هذا الفضل امتد إلى ثلثي الليل هذا كلامه.
قوله: «من يدعوني» لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة المذكورة وهي الدعاء والسؤال والاستغفار، والفرق بين الثلاثة أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك إما ديني وإما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول. وفي السؤال الثاني يقول -رحمه الله-: الفرق بين الثلاثة التي هي إيش؟ الدعاء والسؤال والاستغفار، والفرق بين الثلاثة أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك إما ديني وإما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول دفع المضار، وفي السؤال إشارة إلى الثاني الذي هو جلب المسار، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث الذي هو إيش؟ الآن شوف الترتيب في الحديث يقول: «من يدعوني فأستجيبَ له» هذا إيش؟ هذا الأول ترتيب الحديث من يدعوني هذا الأول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له، إذا قلنا: الترتيب على ما جاء في الحديث، يعني مراد الحافظ ابن حجر الترتيب على ما جاء في الحديث؛ يكون في الاستغفار إشارة إلى الأول الذي هو دفع المضار، وفي السؤال إشارة إلى الثاني جلب المسار، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث، كأنه يمشي على ترتيبه هو لا على ترتيب الحديث.
وقال الكرماني: يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه نحو يا الله –هذا دعاء-، لكن ماذا تطلب بهذا الدعاء؟ والسؤال الطلب وأن يقال: المقصود واحد وإن اختلف اللفظ انتهى.
وزاد سعيد عن أبي هريرة: «هل من تائب فأتوب عليه؟» وزاد أبو جعفر عنه: «من ذا الذي يسترزقني فأرزقه، من ذا الذي يستكشف الضر فأكشف عنه». وزاد عطاء مولى أم صُبَيَّة عنه «ألا سقيم يَسْتَشْفِي فيُشْفَى» ومعانيها داخلة فيما تقدم، وزاد سعيد بن مرجانة عنه: «من يقرض غير عديم ولا ظلوم» وفيه تحريض على عمل الطاعه، وإشارة إلى جزيل الثواب عليها، وزاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث: «حتى الفجر»، وهذا يدل على أن هذه النفحات الإلهية التي على المسلم أن يتعرض لها تستمر حتى الفجر، لكن يرد على هذا كله أن أفضل القيام قيام داود؛ ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه، الذي يبدأ من النصف ثم ينام سدسه، وهذه النفحات تستمر إلى طلوع الفجر، وهذه النومة التي في سدس الليل هي وقت الاستغار؛ لأنه وقت السحر فيه تعارض مع قيام داود أو ما فيه؟ هو نام السدس الذي هو وقت اللزوم، هذا الذي هو وقت الاستغفار بالأسحار وامتداد من يسألني إلى الفجر.
طالب: .............
الآن الرواية تقول: «حتى الفجر»، خلوكم معنا يا إخوان، المسألة يعني يحتاجها كل إنسان، النفحات الإلهية في هذا الوقت الذي هو وقت النزول تستمر حتى الفجر، وإذا عملنا وطبقنا قيام داود الذي هو أفضل القيام بالنص الصحيح الصريح، قلنا: إذا بقي سدس الليل نم، مع أن هذه النفحات موجودة وهو أيضًا وقت الاستغفار، يعني ينتهي الإنسان من صلاته ثم يتجه إلى المسألة والاستغفار وما أشبه ذلك؛ لأنه وقت السحر، يعني تفضيل الشيء على غيره، هل يقتضي التفضيل المطلق، أنه أفضل من كل وجه، لو قال واحد: أنا بنام من صلاة العشاء إلى أن يبقى سدس الليل، وسأقوم وقت اللزوم، الآن ما زلت أنا في وقت النزول الإلهي، وسأتعرض لنفحات الله، وأستغفر بالأسحار، بدلاً من أن أنام هذا الوقت وأقوم قبله، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- نص على أن هذا أفضل القيام.
طالب: ............
أخذ نصف الثلث لكنه فرط في السدس الأخير، أدركتم ماذا أريد؟ الذي أريده مدرك أو لا؟ فيه تفويت أمور عظيمة جدًا مع أنه أفضل القيام، يعني لو أراد شخص يقول: أنا بأجمع بين الأمرين، النوم هذا إنما شُرع وفُضل على غيره رفقًا بي، أنا لا غنى بي عن بركة الله -جلَّ وعلا-، أنا بأقوم مثلما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- شطر الليل، أنام نصف الليل، ثم أقوم النصف الثاني الثلث أصلي والسدس، بدلاً من أن أنام أستمر في الذكر والدعاء والاستغفار..، يعني هل السدس الذي هو محل النوم من أسباب التفضيل لقيام داود؟ يا إخوان ننتبه لهذه الأمور؛ لأن كل إنسان بحاجتها، أنت الآن ما تقوم الليل، لكن فيما بعد إذا تيسر أمرك وزدت في الرغبة في الخير وكذا، لا بد أن تهتم لهذه الأمور، متى يبدأ الاستغفار؟ متى تبدأ الأسحار؟ هو معروف عند أهل العلم لا سيما العباد منهم أن شفقتهم على آخر الليل الذي هو بصدد الانقضاء أحرص منه على ما قبله، لكن الاستغفار بالأسحار ما بعد جاء وقت السحر، يا أخي وقت السحر سوف يأتي وأنت نائم على حديث أفضل القيام قيام داود، يبي يجي وأنت نائم في السدس الأخير كون فيه تفويت لفضل من أنفس الأوقات أظهر من الشمس هذا.
طالب: .................
لكن ما طبقنا حديث قيام داود الذي هو أفضل القيام، يعني نوم هذا السدس من أجل أن يتقوى به على الصلاة وما بعد الصلاة، لكن لو قال: أنا أتقوى بالعبادة ما أتقوى بالنوم، هل نقول: إن هذا من التنطع والزيادة على ما شرع؟ وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال مادام أفضل القيام قيام داود، وفيه هذا السدس الذي فيه النوم، مثلما يقال في صيامه، لو قال: أنا والله سأصوم يوم وأفطر يوم، لكن صادفت الأيام أيام الفطر يوم الاثنين أو الخميس سأصومهن أو بيض زيادة على صيام داود يلام أو ما يلام؟ لأن هناك أدلة أخرى تدل على مشروعية صيام هذه الأيام، ونقول: هنا أدلة أخرى تدل على مشروعية التعرض في هذا الوقت الذي هو للنوم، فإذا كان النوم لا يفوت عليه مصلحة، يعني ترك النوم لا يفوت عليه مصلحة أعظم من اهتمامه بصلاة الصبح والتهيؤ لها والجلوس بعدها إلى انتشار الشمس، لا شك أنه تعرض لنفحات الله، ووقت الاستغفار الذي هو السحر.
طالب: ............
أظنك ما فهمت وإيش أنا أبي بالضبط، المحك اللي أنا أريده تحوم حوله ولكن ما..، يعني مثلما قالوا في ناشئة الليل، ناشئة الليل القيام بعد نوم؛ ولذلك بعض الناس يسهل عليه أن يسهر الليل كله، لكن يصعب أن ينام ساعتين ثلاث من أول الليل ثم يريد أن يقوم، ما هو ظاهر هذا؟ بعض الناس يمكن يواصل أسهل عليه من أن ينام ثم يستيقظ، وهو لا شك أن النومة قبل صلاة الصبح يعني تعين الإنسان على وظائف أول النهار، فلا شك أن هذا ينبغي أن يكون محل عناية من طالب العلم، فإن طبق قيام داود ثبت له الفضل وهو أفضل من غيره لا شك بالنص، لكن إن تعرض لنفحات الله من غير اعتقاد أن ما فعله أكمل من التوجيه النبوي؛ لأن الإنسان قد يقوم ويفعل العبادة وجاء الشرع بما دونها يعني أقل منها في الوقت، ثم بعد ذلك قد يعتقد أن ما فعله أفضل مما فعله، أو مما فضله النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا الأمر فيه سعة إن لم يعتقد ذلك؛ ولذلك السلف -رضوان الله عليهم- تجد منهم من يقوم أول الليل، ومنهم من يقوم في وسط الليل، ومنهم من يقوم في آخر الليل، وكلٌّ على خير -إن شاء الله تعالى-، لكن كون النزول الإلهي، وهذا الطلب من الله -جلَّ وعلا-: «من يسألني ...، من يدعوني...، من يستغفرني...» يستمر إلى الفجر، ونحن نقول له -بناء على عمل داود الذي هو أفضل القيام-: نم قبل الفجر بسدس الليل، يعني لو افترضنا الليل يصفي منه ست ساعات، يعني من صلاة العشاء إلى أذان الفجر ست ساعات، يعني في الصيف أو قل ثمان ساعات، صفينا الوقت ثمان ساعات أو تسع ساعات في الشتاء، نبيك تنام أربع ساعات ونصف من بعد صلاة العشاء، ثم تقوم ثلاث، ثم تنام ساعة ونصف، هذا مقتضى وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- لقيام داود، وهذا أفضل القيام، ما أحد يشك في هذا، لكن يبقى أن السدس الذي جاء فيه النوم وصفًا لقيام داود أن فيه نفحات العرض مستمر من الله -جلَّ وعلا-، النزول مستمر، الاستغفار بالأسحار موجود في هذا الوقت اللي أنت نايم فيه.
طالب: .................
أو نقول: إن المطلوب في مجموع ما جاء في قيام الليل أن تعمل وتقوم وتدعو وتستغفر لتلتئم الأحاديث، يعني ليس المقصود التحديد بدقة بين هذه الأمور، وإلا جاء فيها التعارض الذي أشرنا إليه، وعلى كل حال، من قام في أول الليل أو في أثنائه أو في آخره، هو على خير عظيم -إن شاء الله تعالى-.
ونكمل -إن شاء الله- في الدرس القادم، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
أما بالنسبة لعلم الرجال، فالممارسة إنما تكون بالنظر في الأسانيد والحكم عليها من خلال كتب الرجال، فإما أن تقرأ في كتب الرجال وتجعل لك كتابًا يكون محورًا كالتقريب مثلاً، ثم تراجع عليه ما هو أوسع منه، وتقارن بين أحكام الأئمة وحكم الحافظ في التقريب ما تنتهي من التقريب إلا ولديك حصيلة طيبة من الرجال، أو تكثر من النظر في الشروح -شروح كتب السنة- وهم يترجمون للرواة، لا سيما منهم من يكرر هذه التراجم في كل موضع كالقسطلاني مثلاً، ما تنتهي من شرح القسطلاني إلا وأنت عرفت رجال البخاري.
أما كلمة أصل فما فرطنا في القرآن من شيء الله -جلَّ وعلا- يقول: (ما فرطنا في الكتب من شيء) الأنعام: ٣٨ الكتاب شامل لكل شيء، هذا من حيث الأصل ومن حيث العموم, ويندرج تحت هذا الأصل فروع يعسر أخذها تفصيلاً من القرآن فالسنة كفيلة بذلك, وهي المبينة, وهي المفسرة وهي الموضحة, وفي السنة أحكام مستقلة لا توجد في القرآن إلا من حيث العموم.
القرآن كلام الله، والقرآن كتاب، {ذلك الكتاب}، {كتاب أنزلناه إليك مبارك}، المقصود أنه كتاب وإذا صحت تسميته كتابًا بالنص، فهو مضاف إلى الله -جلَّ وعلا- وهو كلامه وهو كتابه، فصلنا في درس مضى وقلنا: إن الكلام كلام الباري والصوت صوت القاري، والورق والجلد والمداد كلها من عمل المخلوقين، كلها مخلوقة، {والله خلقكم وما تعملون}، لكن التوسع في مثل هذه الأمور يكرهها سلف هذه الأمة؛ إنما يقتصرون على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، فلا داعي إلى التفاصيل الزائدة، اللهم إلا إذا بحثت المسألة من وجهها وتوسع فيها في درس أو في مجلس علمي لا مانع, أما النظر باستمرار بهذه الطريقة والتفصيل لا داعي له, يعني لو حصل امتحان -نسأل الله السلامة- لو حصل ابتلاء وامتحان في القرآن كما حصل في عهد الإمام أحمد -رحمه الله- وأراد الإنسان أن يوري وبيده مصحف، قال: هذا مخلوق ويريد بذلك الجلد والورق وما أشبه ذلك, لا شك أن التورية فهي مندوحة عن الكذب وقول الباطل، ومن صبر على العزيمة فهو لا شك أنه أفضل.
أنا ما رأيتها إلى الآن، وهي لن تخرج عن تحقيقاته للكتب الأخرى كالطبري مثلاً والدر المنثور يعزو إلى المصادر، لكن دراستهم لأسانيد الأخبار والحكم عليها لا شك أن فيها قصور، لكنه يعزو ويصحح في الجملة أفضل من غيرها.
يعني إذا كانت الكتابة تشق على بعض الناس فلا مانع أن يكون الاختصار بواسطة التقويس على المراد من الكتاب الأصلي.
جاء الوعيد بالنسبة لمن حفظ القرآن ثم نسيه فعلى الإنسان أن يُعنى بالمراجعة والحفظ يتفلت، والقرآن على سبيل الخصوص أشد تفلتًا في رواية: «تفصيًا من الإبل في عقلها» هذا ابتلاء للحافظ أنه إذا هجر نسي، فلا بد من المراجعة، وأن يجعل الإنسان له حزبًا يوميًّا لا يخل به ويجتمع له المراجعة والتلاوة والتدبر أيضًا في آن واحد، وأنا أكرر على الإخوان أن جلوس طالب العلم على سبيل الخصوص من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، هذا الوقت يكفيه للقرآن حفظ ومراجعة وتلاوة وتدبر ومراجعة لما يشكل في بعض التفاسير الموثوقة، يعني إذا أنفق للقرآن ساعة ساعة ونصف من أول النهار إلى أن تنتشر الشمس، أقول: هذا يكفيه وإن كانت المراجعة بالليل أفضل لا سيما آخر الليل، لكن كثير من الإخوان وهذا شيء مشاهد لا شك أن التفريط يفوت على الإنسان مصالح كثيرة، والمخالفات التي قل أن يسلم منها لا شك أن الإنسان يقيد عن قيام الليل بسببها، والله المستعان، فإذا تيسر له أن يقوم من الليل ويقرأ حزبه ويتدبر ويحفظ ويراجع هذا أفضل بلا شك، لكن إذا لم يتيسر ذلك فالوقت الذي يلي هذا هو بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، وبقية الوقت يكون للعلوم الأخرى.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أُرْتِج عليه لما يقرأ في سورة المؤمنين أخذته سعلة فلم يستطع متابعة القراءة ركع، وإذا جزم بأنه ترك آية وتذكر هذه الآية ولم يذكرها وليس وراءه من يفتح عليه يركع، لا سيما إذا كانت قراءته السابقة لهذه الآية كافية.
وهذا أيضًا سؤاله قريب يقول: مسألة فقهية أشكلت علي وهي إذا سها المصلي في صلاة الفرض وعلم وهو في الصلاة ثم نسي سجود السهود، وقام للسنة بعد الصلاة، وهو في أثناء الصلاة -يعني صلاة السنة- تذكر، فكيف العمل؟ وإذا لم يعلم بالسهو إلا بعد الصلاة وهو يصلي السنة، فما العمل؟
الآن يقول إذا سها المصلي في صلاة الفرض وعلم وهو في الصلاة ثم نسي سجود السهود وقام للسنة بعد الصلاة، وهو في أثناء الصلاة تذكر، ففيم العمل؟ المقصود السنة؛ لأنه انتهى من الفريضة بسهوه الذي لم يسجد له، ثم شرع في النافلة، وإذا لم يعلم بالسهو إلا بعد الصلاة وهو يصلي السنة فما العمل.. إلى آخره. هذا السؤال السهو منه الواجب ومنه المستحب؛ أما المستحب لا أثر لتركه، وأما الواجب وهو الناشئ عن ترك ما تبطل الصلاة بعمده إذا ترك ما تبطل الصلاة بعمده كالواجب يكون السجود حينئذٍ واجبًا، لكن إذا سلّم نسيه وسلّم وفارق مكانه، أو انشغل بصلاة أخرى بعد أن كبّر لها وشرع في قراءتها، ومضى على ذلك وقت وطال الفصل، فإنه حينئذٍ يسقط يتركه لا يعود إليه إذا طال الفصل.
الساحات التي خارج السور -سور الحرم- هذه ليست من المسجد فلا يصح الاقتداء فيها مع وجود أماكن داخل المسجد، وأيضًا لا يصح الاعتكاف فيها، الساحات التي لا يشملها السور، وأيضًا المسعى على القول المرجح الآن أنه ليس من المسجد ولم يدخل في المسجد بعد، لكن لو زيد في المسجد بحيث دخل المسعى فيه ودخلت هذه الساحات يختلف الحكم، لكن الآن مازال المسعى خارج المسجد.