عمدة الأحكام – كتاب الأطعمة (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:

كتاب: الأطعمة

عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه-: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المصنف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: الأطعمة

الكتاب سبق التعريف به مراراً، وأنه مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، وهو كما يقول أهل العلم: من المصادر السيالة التي تحدث شيئاً فشيئاً، يعني لا تحدث دفعة واحدة، يقول: قمت قياماً، دفعة واحدة، القيام مرة واحدة، لكن كتبت كتاباً، مصدر سيال يحدث شيئاً فشيئاً؛ لأنه يحدث يكتمل من مجموع الكلمات والحروف فلا يكون دفعة واحدة، يعني لا يمكن تضغط زر ويطلع لك كتاب، لا، ولا يمكن تجري القلم بلحظة يطلع لك كتاب، إنما يحدث شيئاً فشيئاً، تجتمع الحروف وتكون كلمات، والكلمات تكون أسطر، ثم الأسطر أوراق ومجلدات، شيئاً فشيئاً، والأصل في هذه المادة -والموضوع تكلمنا فيه مراراً لكن قد يكون في الحاضرين من لم يسمع الكلام السابق- والأصل في المادة الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ويقال لجماعة الخيل: كتيبة، ومنه قول الحريري في مقاماته:

وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً

 

ولا قرؤوا ما خط في الكتبِ

وكاتبين الواو هذه؟ هاه؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الواو هذه وش تكون؟

طالب:.......

واو رب، نعم ولذلك جر كاتبين، وكاتبين مجرور برب المحذوفة بعد الواو، المراد بهم؟ إيش؟

طالب:.......

ما المراد بكاتبين الذي لم يكتبوا حرفاً، ولا قرؤوا ما خط  في الكتب؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الخرز؟ ما هو بالخرازين؟

طالب:.......

نعم الخرازين، والخراز الذي يجمع بين صفائح الجلود، ويصنعها قرب وأحذية، وخذاف وما أشبه ذلك؛ لأنهم يكتبونها يجمعونها بسيور، هذا الأصل في الكتاب والمراد به هنا المكتوب، إطلاق المصدر ويراد به المفعول كما تقول في الحمل وتريد المحمول، المكتوب الجامع لمسائل الأطعمة، والأطعمة: جمع طعام، والأصل في الطعام ما يطعم، ويصل إلى الجوف عن طريق الفم؛ لأن الطعم إنما يتبين من خلال الفم، هذا الأصل فيه، ولذا يشمل الشراب والطعام، لكن هم قابلوا الشراب بالطعام فدل على أن الطعام ما يؤكل دون ما يشرب، وإن كان الأصل في الشراب أنه يتناوله لأنه يطعم، العسل طعام وإلا شراب؟ {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ} [(69) سورة النحل] لكن هو يطعم أو ما يطعم؟ يطعم؛ لأن له طعم حلو، فهو داخل في عموم ما يطعم، لكنهم قابلوا -وجاءت النصوص بذلك- الشراب بالطعام، فدل على أن الطعام له حقيقة، والشراب له حقيقة، وإن دخل في العموم، ولذا يترجمون في كتاب الأطعمة وكتاب الأشربة، والأطعمة من أهم ما يعنى به المسلم، على المسلم أن يعنى بهذا الجانب عناية فائقة، لماذا؟ لأن ينبت جسده على شيء سحت خالص أو مشكوك فيه، وطيب الطعام من أعظم أسباب إجابة الدعوة ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) وجاء في الحديث الصحيح ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب يكرر، ذكر من أسباب قبول الدعاء كونه مسافر، وكونه على هيئة رثة منكسر بين يدي الله -جل وعلا-، ويمد يديه إلى السماء إلى الله -جل وعلا-، ورفع اليدين من أسباب إجابة الدعوة؛ لأن الله -جل وعلا- يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً، ومن أسباب إجابة الدعوة يا رب يا رب، الدعاء بهذا الاسم الكريم، وتكراره مظنة للإجابة، كما في آخر سورة آل عمران، حتى قال أهل العلم: إن من كررها خمس مرات يوشك أن يستجاب له، في آخر سورة آل عمران كم كررت؟ خمس مرات، وفي النتيجة {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} [(195) سورة آل عمران] لكن هناك مانع من إجابة الدعوة، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له، استبعاد، كيف يستجاب له وهو يتقلب في الحرام؟ ولذا على المسلم أن يعنى بطعامه، وأن ينظر في مصدره ومورده، وأن لا يدخل في جوفه إلا الطعام الحلال، لا بد من هذا، فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، ولذا صدر المؤلف -رحمه الله تعالى- كتاب الأطعمة بهذا الحديث العظيم، حديث النعمان بن بشير في الشبهات، وهو أصل أصيل من أصول الدين، من الأحاديث التي يدور عليها الدين، حتى قال أهل العلم: إنه رابع أربعة أحاديث.

عمدة الدين عندنا كلمات
اتق الشبهات................

 

أربع من قول خير البرية
...................................

هذا الحديث.

اتق الشبهات وازهد ودع ما

 

ليس يعنيك واعملن بنية

هذه الأربعة الأحاديث يدور عليها الدين، حديث "النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -وأشار النعمان بأصبعيه إلى أذنيه-" لماذا؟ ليؤكد السماع، أنه يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلاماً متأكداً منه، كلاماً محققاً صدر منه -عليه الصلاة والسلام- من دون واسطة، سمعه بأذنيه من غير واسطة.

"يقول: ((إن الحلال بين والحرام بين))" أولاً: ما الأصل في الأطعمة الحل أو الحرمة؟ نعم؟ الإباحة أو الحظر؟ نعم التحريم، على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، والخلاف لن ينهى أو بمثل هذا الدرس، المسألة خلافية بين أهل العلم وكل على أصله، منهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، وهذه مسألة داخلة في المسألة الكبرى وهي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، متى يظهر لنا مثل هذا الخلاف؟ إذا كنت في البر مثلاً، تتنزه في مكان مُربع، فأعجبك نبات، أعجبك رائحته، أعجبك طعمه، تأخذ من هذا النبات تأكل وإلا ما تأكل؟ نعم؟

بناء كل على أصله، الذي يقول: الأصل الحل حتى يرد ما يمنع يأكل ما عنده مشكلة، والذي يقول: إن الأصل المنع حتى يرد ما يبيح يأكل، طيب رأيت دويبة وأعجبتك، تكون مثلاً الصقنقور -إن كان تعرفون الصقنقور- دويبة تشبه الوزغ إلا أنها ملساء، وفي الرمل غالباً توجد، نعم أعجبتك أو ذكرت لك علاج للظهر مثلاً، يسمونها العطارين علاج للظهر، تأكل وإلا ما تأكل؟ ليس فيها دليل يخصها لا إباحة ولا منع، تقول: الأصل الإباحة وتأكل حتى يرد ما يمنع أو تقول: الأصل المنع حتى يرد ما يبح؟ تأكل صقنقور وإلا ما تأكل؟ يؤكل وإلا ما يؤكل؟ كل على أصله، الذي يقول: الأصل الإباحة يأكل، والذي يقول: الأصل المنع..، وبعض الناس يسمع الكلام "قال بعض أهل العلم: الحلال ما أحله الله، وقال آخرون: الحرام ما حرمه الله" في فرق بين العبارتين؟ في فرق بين الجملتين؟ نعم؟ في فرق كبير، إذا قيل: الحلال ما أحله الله فلا بد أن تتوقف في كل شيء تراه حتى تعرف دليله، وإذا قلت: الحرام ما حرمه الله تأكل كل شيء حتى يرد ما يمنع، ثم بعد ذلك يأتي الورع الذي هو مضمون هذا الحديث ((إن الحلال بين)) الذي جاءت به النصوص بين، الذي جاءت النصوص بحله بين، كبهيمة الأنعام مثلاً، الإبل والبقر والغنم ((إن الحلال بين، والحرام بين)) {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة].. إلى آخره، هذه أمور لا يختلف فيها أحد، لكن يختلفون فيما بين هذين، يقول: ((وبينهما أمور مشتبهات)) يعني هل تلحق بالحلال أو تلحق بالحرام؟ الصقنقور هذا هل نلحقه بالضب أو نلحقه بالوزغ؟ بينهما أمور مشتبهات، يعني مترددة بين هذا وهذا، وهنا على المسلم أن يقف، لكن ما هي بمثل تناول الحرام البين، يعني من أكل صقنقور ما هو بمثل من أكل وزغ، نعم، وليس مثل من أكل الضب على ما سيأتي؛ لأنها أمور مشتبهة بين هذا وهذا لم يرد فيها دليل بالخصوص، ولذا يقول بعضهم: إن المشتبهات هذه الأمور المختلف فيها بين أهل العلم، ومنهم من يقول: المكروهات؛ لأن المكروه برزخ بين المباح والحرام، برزخ، هذا مشتبه، فيه وجه شبه من الممنوع، وفيه وجه شبه من المباح، وجه شبه المكروه بالممنوع، والحد المكروه عند أهل العلم ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله، فكونه يثاب تاركه مثل المحرم، وكونه لا يعاقب فاعله مثل المباح، ففيه وجه شبه من الاثنين فهو برزخ بينهما، وهو محل هذا الحديث، يعني ما تتعارض فيه الأدلة مشتبه، ما يختلف فيه أهل العلم من غير ترجيح مشتبه، المكروه مشتبه؛ لأنه واقع بين الحلال والحرام ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) يخفى الأمر على كثير من الناس، لكن من الناس من يعلم، كيف يعلم؟ يعني ترجح لفلان أن هذا حلال مما اختلف فيه، فبان له أنه من قسم الحلال عرف، وترجح لآخرين أنه حرام فاستبان له الأمر، ما صار في تردد الآن، إذا تم الترجيح انتهى التردد ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) فدل على أن بعض الناس يعلم حقيقة هذه الأشياء ((لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات)) يعني الأمور المشتبه، الأمور الملتبسة ((استبرأ لدينه وعرضه)) يعني طلب البراءة التامة لدينه؛ لأن السين والتاء للطلب، طلب البراءة للدين فلا يخدش دينه بأكل ما لا يجوز أكله؛ لأن هذا احتمال أنه لا يجوز أكله، واستبرأ أيضاً لعرضه؛ لئلا لا يقع الناس في عرضه؛ هذا في الأمور المشتبه؛ لأن من أكل الصقنقور هذا -المشكلة كثير من الإخوان ما هم متصورين الصقنقور إيش هو؟- معروف وإلا ما هو معروف؟ إيه الذي يأكل الصقنقور وهو ليس فيه نص، احتمال أنه يشبه الوزغ من وجوه ويشبه الضب، هذا الذي يأكل ما هو مثل الذي يأكل الوزغ، لكن ما يؤمَن أن يقال في المجالس: رأينا فلان يأكل الوزغ، يقول أحد جالس في المجلس: لا يا أخي هذا ما هو بوزغ هذا صقنقور يقول: وش الفرق بينهم؟ فالناس يبي يقعون فيه، يتكلمون فيه، يبي يتكلمون في هذا الرجل الذي أكل من هذا المشتبه ((فمن اتقى الشبهات)) جعل بينه وبينها وقاية في الابتعاد عنها وتركها ((استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) السلف -رحمهم الله- يتركون كما نقل عنهم واستفاض تسعة أعشار الحلال خشية أن يوقعهم في الحرام، كيف الحلال يوقع في الحرام؟ نعم الاسترسال في المباحات، وتعويد النفس عليها قد تكون في مكان يصعب عليك الحصول عليها، وتجد مسلك فيه كلام يعني مكروه، ما تملك نفسك، تبي تجرؤ على هذا المكروه، تقول: مكروه لا عقاب فيه، وإن كان تركه أفضل، ثم بعد ذلك إذا جرؤت على المكروه تدرجت النفس واستشرفت بحيث تكون في مكان لا تصل إلى هذا الذي عودت نفسك عليه إلا من طريق الحرام، ثم تأتي تعلل للنفس تقول: الله غفور رحيم، الحمد لله ما أشركنا ولا كفرنا، ونصلي ونصوم، ونسمي ولا عندنا مشكلة، يعني المسألة قد يظن بعض الناس أن هذا تعنت وأن هذا تشتيت ما هو بصحيح، يعني الإنسان يجد هذا من نفسه، لما استرسلنا وتوسعنا في المباحات جرنا هذا إلى ارتكاب..، المكروهات هذه أمر مفروغ منه يعني ما أحد يتردد فيها إلا القليل النادر، لكن المحرمات، وهذا تجده في كافة القطاعات، الذي يشتغل في المعاملة مع الناس أول الأمر أول ما يفتح المحل تجده يتحرز، ثم بعد ذلك مع الوقت يتوسع في الأمر، ثم يأتي التأويل المكروه لا عقاب فيه، سهل، ثم بعد ذلك يتجاوزه إلى ما بعده، يعني على سبيل المثال المقاول يأخذ من فلان ومن فلان أعمال ينفذها أو يشرف عليها وما أشبه ذلك، تجده في أول الأمر من الإخوان اللي ما عندهم حل وسط في أول الأمر كل شخص حسابه في دفتر ما هو في صفحة؛ لئلا يلتبس، أخذ من زيد من الناس عمارة يشرف عليها، وأخذ من فلان عمارة ينفذها، وأخذ من فلان استراحة، كل واحد بدفتر، تمضي الأمور شهر شهرين، يجد مشقة الدراهم تدخل الحساب، وحساب هذا يجتمع مع حساب هذا، ثم ينقص على هذا شيء يقترض له من فلان، هذا فلان توه، الآن ما بعد صبينا، ما إحنا محتاجين دراهم الآن، نبي نأخذ لفلان الذي الآن البمب واقف على السطح، فتجده يقترض من هذا لهذا، يعني إلى هذا الحد، شيء ما هو بكبير ترى، نعم، ويقترض من هذا ويعطي هذا، ثم بعد ذلك يبدأ هو يحتاج، اليوم والله أهله عندهم مناسبة، والله نظر الجيب ما في شيء، حسابه ما في شيء، هات من حساب الإخوان، والمسألة.....، إحنا نبي نأكل لهم شيء؟ ما إحنا بآكلين شيء، نبي نرجع عليهم، وحسابهم مضبوط، وكل شيء شيكات، والأكعب موجودة، والأوضاع ما فيها شيء، ثم يسترسل مع ذلك إلى أن يصل به الحد إلى أن يأكل أموال الناس، وهذا شيء مجرب ومشاهد، لماذا؟ لأن التساهل في هذه الأمور يجر إلى ما وراءه، قد يقول قائل: نترك الطعام........، لا، لا تترك، لكن لا تفتح على نفسك باب التأويل، كن على حذر شديد، وعامل نفسك بالأشد، وعساك تنجو؛ لأن هذه حقوق العباد.

((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) كالراعي يرعى حول الحمى، يعني الذي يمتهن الصيد مثلاً على حدود الحرم مثلاً يقول: أنا لا أصيد في الحرم، الصيد في الحرم حرام، نعم وش يبي يسوي؟ على الحدود، وهو يصيد أول الأمر يبي يصير ظهره إلى الحرم، علشان ما يصيد إلى الجهة الثانية، ثم بعد ذلك يعتدل يصير الحرم عن يمينه أو عن يساره ويجرب على شوي شوي، ثم طارت هذه ووقعت، قال: هذا احتمال ما هو بالحرم، شيء يسير، نعم، ثم المرة الثانية يدخل الصيد في الحرم، يقول: أنا برع، أنا ما أنا بداخل الحرم، والصيد ما هو مكلف، المكلف أنا وأنا خارج الحرم، ترى الشيطان يأتي بهذه الطريقة، يسهل الأمور بهذه الطريقة، المقصود أن من وقع في الشبهات وقع في الحرام ولا بد؛ لأن النفس لا بد لها من حاجز قوي دونها ودون الحرام، فليكن بينك وبين الحرام برزخ، بحيث لو اضطررت تكون في حدود هذا البرزخ ثم تعود إذا انتهت الضرورة.

((وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- مقرراً الحكم الشرعي، ومنظراً له بما تعارفوا عليه، كل ملك له حمى، الملك له إبل، له غنم، له خيول، له..، فيحدد مساحة من الأرض مثلاً كيلو بكيلو، يشبك، كيلو بكيلو هذه للملك، وفيها نعم الملك من إبل وبقر وغنم وخيول ترعى في هذا، الذي يرعى حول هذه الحدود، أولاً: لن يملك أبله من أن تدخل من غير قصد، وقد لا يملك نفسه، يصير المحدد للملك هذا الحمى مربع، والذي بجواره ممحل، الربيع فيه أقل، ثم يقول له: الملك هذا الوقت نايم،........ ما يمديهم، وش النتيجة؟ النتيجة أنه لو اطلع عليها أحد تعرض للعقوبة، وهؤلاء البشر عاد من يفلت، عقوبات ما هي بالعقوبات السهلة بعد؛ لأن كثير منهم ظلمة، هذا افترضنا أن الملك نايم وأنت دخلت الإبل، وطلعتها ما دري، لكن إذا وقعت في الحرام يمكن تقول: الله يغفل {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم] لا تخفى عليه خافية، يعني إذا كنت تبي تلبس على الملك، وتبي تجي في وقت غفلته، طيب رجاله، عنده حرس وعنده..، لكن هناك من لا يغفل ولا ينام ولا تخفى عليه خافية، فهي بمجرد ما تقع تسجل عليك، وليست مثل عقوبة الدنيا، عقوبة الدنيا قد يضربك الملك، ويمكن بعد تموت من الضرب أو تشل أو يجيك أمر عظيم، لكن أين هذا من عقوبة الآخرة؟ عقوبة الدنيا لا شيء بالنسبة لعقوبة الآخرة، فعلى الإنسان أن يحتاط ويستبرئ لدينه وعرضه.

((ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)) المحارم لا تجوز أن تقرب بحال، الأمور التي حرمها الله -جل وعلا- ورتب عليها العقوبات لا يجوز أن ينتهكها الإنسان، وهي متفاوتة بلا شك، لكن يجمعها أنها كلها عليها عقاب ((ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة)) وش المناسبة لذكر القلب هنا؟ المناسبة الارتباط الوثيق وصلاح القلب وفساده، يعني أثر المطعوم على القلب ظاهر، والفضول كلها لها أثر على القلب، فضول الطعام، فضول الشراب، فضول النوم، فضول الكلام، كل الفضول لها أثر على القلب، لكن من أعظمها أثر على القلب الطعام.

((ألا وإن في الجسد)) ألا حرف تنبيه، "وإن في الجسد" تأكيد، في الجسد يعني بدن الإنسان ((مضغة)) يعني بقدر قطعة من اللحم، بقدر ما يمضغه الإنسان، بقدر اللقمة، يعني ما هو بكبير ((إذا صلحت)) هذه المضغة ((صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) القلب شأنه عظيم، وفساده خطير، ومرضه شر مستطير، وكثير من الناس يعيش بين الناس وقلبه ممسوخ وهو لا يشعر، نسأل الله السلامة والعافية، وقد يكون ممن ينتسب إلى العلم، أو إلى طلب العلم، يعني لا نكابر، يعيش بين الناس بقلب ممسوخ نعم، وش المانع؟ لكثرة ما يزاوله وينتهكه من محرمات، فالقلب تنبغي العناية به، العناية بالقلب في غاية الأهمية، وجميع خطاب الشرع موجه إلى القلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88-89) سورة الشعراء] فالقلب شأنه عظيم، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم أن يعنى بصلاح قلبه، هناك أمراض للقلوب، وهناك أدوية للقلوب، وخير ما يداوى به القلب المريض بالقرآن الكريم، بقراءته على الوجه المأمور به، الترتيل والتدبر، أيضاً الارتباط بالله -جل وعلا-، بالأذكار، بنوافل العبادات، من الصيام والقيام، وأن يعين على نفسه بكثرة السجود، المقصود أن هناك أمور تعينه على صلاح القلب.

طيب القلب وحدد في البدن أنه مضغة يعني مضغة محسوسة، القلب يتجه إليه جميع الخطاب الشرعي، والعقل هو مناط التكليف، بمعنى أنه إذا ارتفع العقل ارتفع التكليف، فهل القلب هو العقل؟ النصوص كلها تخاطب العقل، والتكليف مرتبط بالعقل فهل القلب هو العقل أو غيره؟ {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} [(179) سورة الأعراف]، المقصود أن هناك ارتباط وثيق بين المضغة هذه وبين العقل، الأطباء يقولون: إن العقل شيء يختلف اختلاف كلي عن القلب، لماذا؟ لأن الإنسان قد يحصل له ما يحصل مما يغير عقله أو يذهب العقل بالكلية، وتفحص القلب تجده سليم مائة بالمائة، والعقل ما له عقل، فلا ارتباط بين..، لكن العلماء ينصون على أن العقل في القلب، والإمام أحمد يربط بين..، الأطباء يقولون: إن العقل في الدماغ، ماله ارتباط بالقلب، والفقهاء يقولون: العقل محله القلب، لكن يرد على هذا أنه لو ضرب جاءته ضربة في رأسه أثرت في عقله ما أثرت في قلبه، والإمام أحمد -رحمه الله- يجمع بين القولين ويقول: العقل في القلب وله اتصال بالدماغ، بمعنى أن هذا له أثر، وذاك له أثر، مثل الموجب والسالب، يمكن يشتغل الكهرب بدون موجب وسالب؟ لو فصلنا واحد ما اشتغل، صح وإلا لا؟ إذاً القلب له أثر، والدماغ له أثر على العقل، على كل حال النص واضح، وتسميته مضغة لا شك أنه هذه القطعة المعروفة المحسوسة، كذلك أيضاً النصوص كلها تخاطب القلب، نعم؟

طالب:.........

هنا كثير من الناس لا يعرفون، لا يعرفون هذا المتشابه، كثير من الناس يتردد، حتى من طلاب العلم، كون العامة لا يدرون شيء إلا القليل النادر، الأمور التي عرفت من الدين بالضرورة، لكن كثير من طلاب العلم تجده يتردد في كثير من المسائل، هذا التردد هو التشابه، والقرآن فيه متشابه، التشابه لا يعلمه أحد، لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، فمثل هذا للامتحان والابتلاء، المتشابه الذي لا يعلمه كثير من الناس الحكمة من وجوده في الشرع لا لخلل في الشرع أو اضطراب فيه، لا، لكي يجتهد الناس في معرفته، وتمييز حلاله من حرامه فتعظم الأجور، وبهذا يتخرج العلماء، أما ما في القرآن من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله على خلاف في الوقف، قلنا: على القول الأكثر أنه لا يعلمه أحد، المتشابه، لكي يختبر مدى إيمان الإنسان، وإذعان الإنسان، واستسلام الإنسان، وانقياد الإنسان، خلاص ما تعرف ما تعرف، وش المانع؟ يعني بعض الناس يكابر يقول: إنه يعرف كل شيء، وهو مسكين روحه التي بين جنبيه ما يدري وش هي؟ ما يملك من أمرها شيء.

((وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) القلب بمنزلة الملك، والجوارح أعوان لهذا الملك، فإذا كان الملك صالح وجه هؤلاء الأعوان إلى ما يصلح، وإذا كان الملك فاسد وجه الأعوان إلى ما يفسد ويضر ((إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))، نعم.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أنفجنا أرنباً بمرج الظهران فسعى القوم فلغبوا، وأدركتها فأخذتها فأتيت أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوركها وفخذيها، فقبله.

لغبوا: أعيوا.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أنس بن مالك" خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال: أنفجنا أرنباً" يعني أثرناها، وهذا يدل على أنهم مجموعة أثاروا هذه الأرنب لما سمعت بجلبتهم أو سعوا إلى إثارتها، أنفجنا يعني أثرناها أرنباً، وهي الحيوان المعروف "بمر الظهران، فسعى القوم" لإدراكها وصيدها، سعى القوم أسرعوا ركضوا إليها "فلغبوا" يعني تعبوا وأعيوا {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [(38) سورة ق] يعني إعياء وتعب "وأدركتها" لأنه ما زال صغير، والصغير أسرع حركة من الكبير، يقول: "فأخذتها" أمسكها "فأتيت بها أبا طلحة" وش علاقة أنس بأبي طلحة؟ نعم زوج أمه "فأتيت بها أبا طلحة فذبحها" دل على أنهم ليس معهم سلاح وإلا كان بادروها بالسلاح "فأتيت بها أبا طلحة فذبحها" استقل بها أنس مع أنهم كلهم سعوا، وهي مما يباح، ومن سبق إلى مباح فهو أحق به، يعني لو أنت طالع في رحلة ونزهة مع أولادك وأعجبك مكان وجلست فيه ليس لأحد كائناً من كان أن يقول:  قوم عن هذا المكان، إلا إذا كان يملكه، لكن إذا كان مباح أرض ميتة ليست لأحد فليس لأحد كائناً من كان أن يقول لك: قم عن هذا المكان؛ لأنك سبقت إليه، فمن سبق إلى مباح فهو أحق به، أنس سبق إلى هذه الأرنب فأدركها وأمسكها وسلمها لزوج أمه فذبحها، هذه لا بد من تذكيتها، لا تحل إلا بالتذكية، إلا لو كانت صيد مصيدة، على ما سيأتي في كتاب الصيد "فذبحها" والذبح يكون بقطع.. عندنا أربعة أشياء، الودجين والحلقوم والمريء، لا بد من الأربعة أو ثلاثة  من الأربعة تكفي؟ ثلاثة من أربعة تكفي "فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوركها" من الذي بعث؟ الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وهو أبو طلحة، ومن صاحبها؟ من الذي يملكها الآن؟ أنس، الذي يملكها أنس، فلعل أبا طلحة عرف أن أنس لا يكره ذلك، بل يحب ذلك "فبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوركها وفخذها، فقبله" فقبل الهدية، وهي هدية من مسلم لعظيم، والمهداة شيء يسير، فدل على أن المهدى إليه يقبل الهدية ولو كانت حقيرة في نظره، ولا يعيبها ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) واحد من العباد لقيه شخص توفي -رحمه الله-، لقيه شخص قال: عندي لك هدية يا أبا فلان، وين هي؟ قال: تجي إن شاء الله، من الغد عندي لك هدية طيب خير، مقبولة يا أبو فلان، من اليوم الثالث جاب الهدية وإذا هي إيش هي؟ ما هذه الهدية؟ مسواك أعوج، يقول: أنا في أول الأمر قلت..، ثلاثة أيام عندي لك هدية عندي لك هدية، وفي النهاية مسواك أعوج، لولا الحياء كان رميته وهو يشوف، جامله ووضعه في مخبأته، في جيبه، يقول: وأنا في طريقي حاسبت نفسي، قلت: هذا رجل أهدى لك شيء، وأنت ليس لك عليه أدنى حق، والله -جل وعلا- الذي خلقك ورباك بنعمه، وتتقلب في نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ويرتفع له من أعمالك ما هو أعوج، يعني هل كل الأعمال التي يعملها المسلم مستقيمة على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-؟ يقول: من أنت؟ أنت ما لك حق عليه ولا معروف، يعني إن أجبته بجزاك الله خير بعد طيب، لكن أنت مخلوق لهدف تحقق عبودية على مراد الله وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فيصعد من أعمالك ما هو أعوج، غير مستقيمة على مراد الله ومراد رسوله، وهذا محاسبة، محاسبة للنفس {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] عمر -رضي الله عنه- يقول: "حاسبوا أنفسكم" لأن المحاسبة ينشأ عنها مراقبة لله -جل وعلا-، وينشأ عنها عدم تكرار ما وقع من خطأ، يعني لو تتصورون شركة مثلاً كبرى، شركة من الشركات الكبيرة ما فيها محاسبين ولا شيء، أموال تطلع وأموال تدخل، وبعد عشر سنين وش تصير النتيجة؟ ما يدرون وش النتيجة؟ لكن لو عندهم محاسب في كل شهر يقدم تقرير صاروا على بينة، والمسلم لو كل ليلة كل ما أوى إلى فراشه قال: أنا صنعت كذا، وصنعت كذا، وصنعت كذا من الواجبات، وصنعت من المستحبات، وصنعت من المحرمات، وتاب إلى الله -جل وعلا- وندم على ما حصل منه يعني صار على خير عظيم، فالمحاسبة لا بد منها؛ ليكون الإنسان على بينة، والذي أدى إلى هذا الكلام هذا الرجل العظيم، أعظم من وطئ على الأرض يهدى له فخذ أرنب فقبله، فدل على إباحة أكل الأرنب، يعني يجوز أكل الأرنب، وجاء في حديث ضعيف في النهي عن أكلها لأنها تدمي، وش تدمي؟ وش معنى تدمي؟ تحيض، لكن الخبر ضعيف، وعامة أهل العلم على جوازها، عامة أهل العلم على جواز أكل الأرنب، وبعض المبتدعة مشابهة لليهود لا يأكلون الأرنب؛ لأن اليهود لا يأكلون الأرنب، وهؤلاء شابهوا اليهود فلا يأكلون الأرنب، ولذا ابن بطوطة لما دخل أصفهان وابن بطوطة مالكي المذهب، لما صلى أرسل يديه على طريقة متأخري المالكية، ما قبض يديه على صدره وإلا..، أرسل يديه، فاتهموه بالتشيع؛ لأن الرافضة لا يقبضون، اتهموه بالتشيع، فاختبروه بأي شيء؟ بالأرنب، قدموا له أرنب، قالوا: سبحان الله شيعي يأكل أرنب، قال: لا أنا ما أنا بشيعي، قالوا: شفناك ما تقبض ترسل يديك، قال: إحنا مالكية ما نقبض، هذا معروف عند متأخري المالكية، فالشيعة والرافضة لا يأكلون الأرنب، ومن قبلهم اليهود، نسأل الله السلامة والعافية، فهذا فيه دليل على إباحة الأرنب، نعم.

وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه، وفي رواية: ونحن في المدينة.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل.

ولمسلم وحده قال: أكلنا زمن خيبر الخيل، وحمر الوحش، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحمار الأهلي.

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً.

وعن أبي ثعلبة -رضي الله عنه- قال: حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحوم الحمر الأهلية.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أسماء بنت أبي بكر" ذات النطاقين زوج الزبير أم عبد الله "قالت نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه، وفي رواية: ونحن في المدينة" نحرنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلناه، قول الصحابي: فعلنا أو كنا نفعل له حكم الرفع عند أهل العلم، لا سيما إذا أضافه إلى العهد النبوي كما هنا، نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه، وهذا عند أهل العلم يثبت بالسنة التقريرية، وهي إحدى وجوه السنن؛ لأن السنن المضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إما أن تكون قولية كأن يقول: لا بأس بأكل الفرس، أو فعلية بأن يأكل -عليه الصلاة والسلام- من الفرس، أو تقريرية بأن يؤكل الفرس ولا ينكر.

"نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" أقرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يقول قائل: النبي ما أطلع عليهم، ما أطلع، أولاً: هذا فرس إذا ذبح في المدينة كل بيدري؛ لأن البلد صغير، الأمر الثاني: أن هذا وقت تنزيل، لو كان مما يحرم أكله لنزل القرآن بتحريمه، ولذا يقول جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فكونه نحروه على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم ينكر عليهم، أيضاً القرب بين بيت أبي بكر الصديق وأسرة أبي بكر والأسرة النبوية واضح، يعني ما يمكن أن يذبح شيء في بيت أبي بكر، أو من أحد أفراد أسرة أبي بكر ولا يطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- "وفي رواية: ونحن في المدينة".

وهنا "عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن لحوم الأحمر الأهلية" وأذن في لحوم الخيل، حديث جابر صريح في إباحة لحوم الخيل، إذا كان حديث أسماء يعتريه ما يعتريه من قول بعضهم: احتمال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف ولا رأى، ولا بلغه، والمعتمد عند أهل العلم أن مثل هذا له حكم الرفع، لكن أصرح منه أذن في لحوم الخيل، هل يمكن أن يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف ولا درى، لا ما يمكن، هو الذي أذن، فدل على إباحة لحوم الخيل "ولمسلم وحده قال: أكلنا زمن خيبر الخيل، وحمر الوحش" ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الحمار الأهلي.

فهذه النصوص تدل على إباحة لحوم الخيل، وقال بهذا أكثر أهل العلم؛ بأن لحم الخيل مباح، ومثله حمر الوحش، الحنفية قالوا: بكراهة أكل لحوم الخيل، وأيضاً هو مروي عن الإمام مالك، والمحقق عند الحنفية عند المتأخرين أن الكراهة هذه للتحريم، يعني يحرم أكل لحوم الخيل عند الحنفية، طيب دليلكم يالحنفية؟ قالوا: الله -جل وعلا- امتن بركوب الخيل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] فلو كانت مما يؤكل ما جمعت مع الحمر الخيل الحمير البغال تجمع وتساق بمساق واحد، أولاً: معروف عند أهل العلم أن الاستدلال بدلالة الاقتران ودلالة الاقتران ضعيفة، يبقى أقوى ما عندهم الامتنان بالركوب والتزين، ولو كانت مما يؤكل لكان الامتنان بأكلها؛ لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، هل هذا مطرد؟ أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع فلو كانت تؤكل لامتن بأكلها، ما امتن بركوبها، هم يقولون هذا، لكن هذا لا يطرد، الغنم وش أعظم وجوه الانتفاع بها؟ الأكل، وذلك ما يمتن بما هو أعظم من الأكل، لكن الخيل تركب وتؤكل أيهما أعظم نفع؟ الركوب، ركوبها أعظم في الانتفاع من أكلها؛ لأن لحمها أقل من مستوى لحم غيرها مثل الإبل والغنم والبقر، من جهة، وأيضاً استعمالها مركوب أفضل من غيرها، ولذلك يمتن بها على أساس أنها مركوب، ولا يمتن بها على أساس أنها مأكول، وإن كانت مأكولة، ولذا الإنسان يمدح بأبرز ما فيه، وإن كان فيه صفات أخرى، نعم لو تصورنا أن شخص خطيب من أخطب الناس ويقول الشعر، لكن صفة الخطابة أقوى، يترجم في طبقات الخطباء أو في طبقات الشعراء؟ الخطباء، لكن العكس لو كان شاعر بارع وخطابته ما لها زود مثل غيره، يترجم في طبقات الشعراء، وقل مثل هذا فيما لو كان مفسر وعنده شيء من الفقه يترجم في طبقات المفسرين، لو كان فقيه ومشارك في التفسير وهكذا، فكل إنسان يدرج فيما يتميز به أكثر من غيره، وهنا بالنسبة للخيل ركوبها أفضل من أكلها، وقولهم أيضاً بعد: إن الأكل أعظم وجوه الانتفاع صحيح، لكن يبقى أنه ليس على سبيل الاطراد، ليس على سبيل الاطراد، لو قدر أنك في مفازة واحتجت للأكل، يعني معنى ضرورة بحيث تموت، احتجت للأكل واحتجت إلى قطع هذه المفازة، هل تقول: والله أنحر الفرس وآكله وأتغدى وأتعشى واستأنس والركوب يحلها الله؟ أو تقول: لا أتعدى هذه المفازة ثم بعد ذلك أشوف أنظر، فالمسألة ما هي مطردة أن الأكل أعظم من غيره باستمرار، لا، قد تكون الحاجة إلى الركوب أكثر من الحاجة إلى الأكل، ولذا لما امتن -جل وعلا- في آخر سورة ياسين {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [(71- 72) سورة يــس] قدم الركوب على الأكل؛ لأن الركوب أحياناً يكون أهم من الأكل، أنت الآن في طريق ومعك خمسين ريال ما معك غيرها، السيارة تحتاج إلى بنزين وإلا تبي تقف، وأنت تبي تتعشى، تتعشى أو تعبي بنزين؟ تعبي بنزين تتعشى وتجلس، ما هو بصحيح، لكن لو قدر أن هناك ضرورة تبي تموت، لا تأكل يا أخي أهم، الركوب ينحل، فليس بمطرد أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع من كل وجه في كل ظرف وفي كل زمان، فقولهم مرجوح، والأدلة لا إشكال فيها وهي صريحة في إباحة أكل لحوم الخيل، والبغل جاء النهي عنه كالحمار، في خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وعن البغال، وهو متولد بين الخيل والحمار، بين مباح ومحظور، فالذي يتولد بين مباح ومحظور يغلب فيه جانب الحظر من باب اتقاء الشبهة، وهذا فيه نص.

يقول: "عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر الأهلية" وجاء النهي عنها، نعم ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن لحوم الحمار الأهلي، وهنا اكفاء القدور التي غلت بها؛ لأن ما في هذا القدر من سائل خالط هذا اللحم المحرم، وجاء التصريح بأنها رجس، فدل على أنها محرمة الأكل لأنها رجس، نجسة، وكانت مباحة، قبل خيبر كانت مباحة، كانت مباحة ثم حرمت، في قوله -جل وعلا- في وصفه -عليه الصلاة والسلام-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] طيب الحمار طيب وإلا خبيث؟ جاء الوصف بأنه رجس فهو خبيث، طيب قبل تحريمه بليلة طيب وإلا خبيث؟ يوم كان حلال طيب يوم صار حرام خبيث؟ نعم هل التحليل والتحريم وصف حسي وإلا معنوي؟ يعني هذه الآلة لزيد من الناس حلال، سرقها منه عمرو فصارت حرام، تغيرت حقيقتها؟ ما تغيرت، طيب نأتي إلى الحمار أمس حلال واليوم حرام هذا الواقع، حرمت يوم خيبر قبل ذلك حلال، يعني قبل التحريم كانت طيبة ثم صارت خبيثة أو من الأصل هي خبيثة وأجيزت للحاجة إلى أكلها؟ أو استمرت طيبة ومنعت للحاجة إليها في الركوب؟ يعني هل تغيرت حقيقتها وانقلبت من كونها طيبة إلى خبيثة؟ نعم؟ أو نقول: إن التحريم والتحليل وصف معنوي والطيب والخبيث وصفان معنويان أيضاً؟ نعم؟ إذا قلنا: كسب الحجام خبيث، ولو عرضنا هذا على الآية قلنا: حرام، لأن النبي يحرم الخبائث، وجاء الأمر بإطعامه الناضح، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحاجم صارت أجرة يجوز أكلها، أجرته، فالخبث والطيب قد يكون وصف حسي وقد يكون وصفاً معنوياً، وإذا كان معنوياً دار مع التحليل والتحريم كما في الآية، وقد تكون هذه العين التي كانت مباحة ثم صارت محرمة قد تكون في أول الأمر طاهرة طيبة، ثم سلبت الطيب والطهارة بالتحريم، يعني مثلما جاء في الخمر أنها لما حرمت سلبت المنافع، وهذا قول لجمع من أهل العلم، انتقلت عينها من كونها طيبة إلى خبيثة تبعاً للآية، وعلى كل حال الحمار الأهلي حرام، بخلاف حمار الوحش، حمار الوحش: أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، وأيضاً اصطادوا حمار الوحش، وأهدوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، في حجة الوداع، وأكل من ذلك، وما في مشكلة، وفي عام الفتح، فلا إشكال في حمار الوحش، الإشكال في الحمار الأهلي، وجاء في الخبر: "أكلت الحمر أفنيت الحمر" وكانت مركوب الناس في ذلك الوقت، فنهي عن أكلها، وعلى كل حال الحمر الأهلية حرام عند الجمهور، ومنهم من يقول: بكراهتها، لكن مما يدل على التحريم "أكفئوا القدرو" يعني ما يكفي إنكم بس ما تأكلون، لا تأكلوا من لحمها، هذا مبالغة في تحريمها، فالقول المحرر والمحقق: إنها حرام.

حديث أبي ثعلبة الخشني جرهم أو جرثوم الخشني، قال: "حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحوم الحمر الأهلية" عندكم حرم ولا تأكلوا، عندنا حرم وعندنا لا تأكلوا، وعندنا نهى، يعني جاء المنع منها على ثلاث صيغ الأولى: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحمار الأهلي، والثانية: ((ولا تأكلوا من لحوم الحمر)) والثالثة: حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقوله: ((لا تأكلوا)) نهي صريح، والأصل في النهي التحريم، ويدل عليه قوله: "حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومثل: ((لا تأكلوا)) ومثل "حرم" نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند عامة أهل العلم، وإن كان من أهل العلم بعض المتكلمين يقول: لا يدل على التحريم حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي؛ لأنه يسمع كلام فيظنه نهي وهو في الحقيقية ليس بنهي، نقول: هذا الكلام باطل؛ لأنك تتحدث عن من؟ عن الصحابة العرب الأقحاح الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعايشوه، وهم أتقى الناس، وأورع الناس، فقوله: نهى يقابله حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويؤيده ((لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً)) نعم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، فقلت: تأكله هو ضب، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر.

المحنوذ: المشوي بالرضف، وهي الحجارة المحماة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة" زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين خالة ابن عباس "دخلت أنا وخالد بن الوليد" دخلت أنا وخالد، الضمير هنا دخلت هذا فعل وفاعل، والواو عاطفة وخالد معطوف على الفاعل، أنا هذه وش موقعها من الإعراب؟ التأكيد، يجوز حذفها إذا كانت لمجرد التأكيد، يعني له محل من الإعراب وإلا ما له محل من الإعراب؟ ضمير فصل لا محل له من الإعراب، يؤتى به للعطف على ضمير الرفع المتصل؛ لأنه لا يجوز العطف عليه إلا بفاصل، لا يجوز العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل.

وإن على ضمير رفع متصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد

 

عطفت فافصل بالضمير المنفصل
في النظم فاشياً وضعفه اعتقد

المقصود أنه هنا يؤتى بالضمير وجوباً؛ ليمكن العطف على ضمير الرفع المتصل.

"قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة، فأوتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بضب محنوذ" بضب، الضب معروف، نعم الدابة البرية معروفة يعني التي أشرنا إليها سابقاً، وقسنا عليها الصقنقور في وجه؛ لأن هذا مقياس الشبه "فأوتي بضب محنوذ -مشوي على الحجارة- فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مد النبي -عليه الصلاة والسلام- ليأكل من هذا الضب، "فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده ليأكل، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل" الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب، ما يدري وش هو هذا؟ إنما لحم قدم في دار مسلمين، والأصل فيه الحل فأهوى ليأكل، ولذا الذي يقدم

في بيوت المسلمين لا يسأل عنه، يؤكل، لأن الأصل في بيوت المسلمين أنها لا تأكل إلا الحلال، لكن إذا غلب على ظنه أن هؤلاء ناس متساهلين يأكلون الحلال وغير الحلال يسأل "فأهوى النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده إليه فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل" يعني أنت لو كان عندك شيء ما تأكله، تتقزز منه، و..... جاء هذا بطريقة غير مكشوفة، أنت ما تأكل مثلاً كاتشب، ما تأكل مايونيز، ما تأكل..، فأدخل مع أشياء بحيث لا تراه فتخبر عنه، تقول: يا أخي ترى هذا الطعام الذي بتأكله الآن فيه هذا الشيء التي تكرهه، وهذا من النصيحة؛ لأنه لو علم فيما بعد، يمكن يخرجه، فأنت من باب النصيحة تخبر "فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، فقلت: تأكله؟" تسأل تأكله "هو الضب" لأنه ما رأته، هي زوجته -عليه الصلاة والسلام- لكن ما رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل الضب، وكأنها هي أيضاً تكرهه وتعافه، "هو ضب فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله أحرام هو؟ قال: ((لا))" الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحرم ما أحل له الله، هو حلال، لكن فرق بين كون النفس تعاف، وكون النفس تحرم، يعني بعض الناس ما يشرب اللبن، هل نقول: إن فلان يحرم اللبن؟ ما يأكل التمر هل نقول: إنه  يحرم التمر؟ لا، كون النفس ما تقبل هذا الطعام لا يعني أنه حرام "فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله أحرام هو؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه))" هناك مأكولات برية وبحرية أناس يعتبرونها من أفضل الأطعمة ومن ألذها، ولو عرضت على بعض الناس يمكن يقيء إذا رآها، نعم ولا يعني أنك تكره شيئاً فتحرمه ((ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) يعني ما اعتاد على رؤيته فضلاً عن أكله، وما زالت الوقفة موجودة عند كثير من الناس، كثير من الناس ما يأكل الضب، لكن كونه لا يأكله لا يعني أنه حرام ((فأجدني أعافه)) هناك تصرفات من الضب تجعل الإنسان يتوقف في أمره نفسياً ما هو بحكم شرعي، الحكم الشرعي هنا، الحكم الشرعي في هذا الحديث، لكن بعضهم يذكر أشياء أشبه بالأساطير عن الضب، وهذا يزيد عند بعض الناس الذين يتوقفون في أكله "((فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته" خالد بن الوليد سيف الله، ترى الشجاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشجع الناس، كما جاء في البخاري، أشجع الناس، لكن ذكر العلة في كونه عاف هذا الطعام؛ لأنه ما اعتاده ولا رآه ولا أكل ولا..، فهو يعافه، شجاعة خالد تناولت مثل هذا الطعام، يقول: "فاجتررته وأكلته والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر" لأنه سمع أحرام هو؟ قال: ((لا)) قال: إذاً ما فيه إشكال، كون الإنسان يعاف ما علينا، يعني أمر عادي جبلي سهل، لكن الكلام في الحكم الشرعي، أحرام؟ قال: ((لا)) قال: هات، "فاجتررته فأكلته والنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر" فدل هذا على جواز أكل الضب، من السنة التقريرية، أقره، أولاً: السنة القولية أحرام هو؟ قال: ((لا)) ثم دعمت بالسنة التقريرية رأى خالد بن الوليد يأكل ولم ينكر عليه، فدل على إباحته، وكرهه بعض أهل العلم؛ لأنه جاء أنه من الأمم الممسوخة، جاء ما يدل على أنه من الأمم الممسوخة، لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الممسوخ لا نسل له، فدل هذا الحديث على جواز أكله، وأن الكراهية الجبلية لا دخل لها في التشريع، ودل أيضاً على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم المغيبات، وأنه قد يخفى بعض الأمور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى غيره من باب أولى، فإذا أكل الشخص ولا يعلم قُدم له لحم فظنه لحم في غير بلاد المسلمين قدم له لحم فغلب على ظنه أنه لحم غنم، فبان من المحرمات، من الممنوعات، الأصل أن يسأل ما دام في بلاد غير المسلمين، أما في بلاد المسلمين فلا يسأل إلا إذا عرف عن هؤلاء أنهم أهل تساهل فيسألهم، إذا اشتبه عليه طعام بطعام فأقدم عليه، سئل بعضهم عن الذي يخفى عليه لحم الإبل، فأجاب بأن الذي يخفى عليه لحم الإبل من غيره من اللحوم هذا رجل مغفل، نعم لو كان اللحم بتمامه بعظامه بأجزائه يمكن التفريق، لكن إذا كان مفروم، يحط مع الفطور في رمضان سنبوسة فيها لحم مفروم لحم إبل يمكن التفريق بينه وبين لحم الغنم؟ فاستدرك عليه السائل فقال: يا الشيخ إذا كان مفروم؟ قال: لا أعد السؤال، إذا خفي عليه مثل هذا وأكل لحم مفروم لحم إبل وصلى، لحم  الإبل على القول الصحيح ناقض للوضوء، عليه أن يعيد الصلاة، وإذا احتاط لنفسه وسأل أولى، وإذا لم يسأل هل يلزم إخباره أو لا يلزم؟ هنا قالت: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، هل يلزم إخباره أو ما يلزم؟ لأن الحكم صريح، يعني أنت تريد أن تأكل، تأكل شيء مبطل لعبادتك، ومثله من أراد أن يشرب مثلاً في نهار رمضان يجب إخباره، ما يقال: هذا مسكين ناسي أطعمه الله وسقاه اتركوه، لا لا يجب إخباره، لكن شخص موسوس نزل عليه شيء رطب، وتردد هل هو نجس أو طاهر؟ يبي يروح يسأل لا لا مثل هذا ما يقبل؛ لأن الأصل الطهارة، نعم.

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" الجراد نقل الإجماع على حل أكله، أكله حلال، لكن هل يلزمه تذكيته أو يؤكل ولو كان ميتاً؟ ولو مات حتف أنفه؟ منهم من يقول: لا يؤكل إلا إذا مات بسبب، لكن إذا مات حتف أنفه لا يؤكل، لكن قول جمهور أهل العلم وهو الذي يدل عليه حديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال)) يدل على أن الجراد يؤكل ولو كان ميتاً، والسبب في هذا أنه ليس فيه دم، ليس فيه نفس سائلة؛ لأن الذبح والتذكية من أجل أن يخرج الدم، وهذا ما فيه دم، فلا يحتاج إلى تذكية، ولذا جاء في الحديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان)) فلا يحتاج إلى تذكية، هذا الأصل في الجراد أنه يؤكل، لكن إذا كان الجراد ضار، يقولون: جراد الأندلس عموماً فيه مادة سامة فهل يؤثر هذا على الحكم؟ يبقى الحكم الجراد حلال، لكن الضار حرام؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يدخل في جوفه ما يضره، فلكونه ضار يحرم من هذه الحيثية، ويكون التحريم طارئاً كما لو رش الجراد بسم، أو أطعم السم، وهذا مثل ما يفعلون الزراعة وغيرهم يرشونه بالمبيدات، فإذا ثبت أنه ضار لأنه تناول من هذا المبيد يحرم من هذه الحيثية، كما يحرم غيره من المباحات، غيره من المباحات إذا ترتب عليه ضرر يحرم، نعم.

وعن زهدم بن مضرب الجرمي قال: كنا عند أبي موسى -رضي الله عنه- فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج،  فدخل رجل من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي، فقال له: هلم، فتلكأ، فقال: هلم فإني قد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل منه.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن زهدم" إيش؟ "ابن مضرب الجرمي قال: كنا عند أبي موسى الأشعري فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج، فدخل رجل من بني تيم الله" تيمي، يعني من قوم من؟ أشهر الصحابة من هو؟ أبو بكر "من بني تيم الله أحمر" يعني لونه أحمر، شبيه بالموالي، شبيه بالأعاجم؛ لأنهم تكثر فيهم الحمرة، وأما العرب تكثر فيهم السمرة، فهذا متميز من بين العرب لأنه أحمر، فشبهوه بالموالي؛ لأن الموالي يكثر فيهم الأعاجم يكثر فيهم الحمرة "شبيه بالموالي" وهذا من باب التعريف، يعني هل يظن أنهم قالوا: شبيه بالموالي لأنه رجل مترف، وهذه صفة ذم، وحمرته هذه بسبب الترف، ولذا تردد في أكل الدجاج، أو مجرد وصف كاشف، هذا الوضع، من بني تيم الله، وهذا لونه، ويشبه الموالي في ألوانه، هذا مجرد وصف كاشف، وليس المراد من ذلك عيبه ولا شينه.

"فقال له: هلم" أدنو، فهذه كلمة يدعى بها الشخص، وتلزم صيغة واحدة للمذكر وللمؤنث وللمثنى وللجمع، ومنهم من قال: تطابق هلم يا زيد، هلم يا هند، هلم يا زيدان، هلم يا الهندان، هلم يا الهنود، هلم يا الرجال.. إلى آخره، ومنهم من يقول بالمطابقة، يقول: هلم، وهلمي وهلما وهلموا، يطابق على كل حال هذه كلمة تستعمل في دعوة الإنسان وطلب قربه "فتلكأ" تردد؛ لأن المائدة عليها لحم دجاج، وسبب هذا التلكؤ وهذا التردد لأن الدجاج أحياناً يأكل النجاسات، فتجعل الإنسان يتقزز من أكله، يأكل النجاسات ويشرب منها، ولا يتردد في شيء من ذلك، فجعلت هذا الرجل يتلكأ ويتردد، لكن هل لمثل هذا الأمر الطارئ المظنون أثر في الحكم الشرعي؟ ليس له أثر في الحكم الشرعي.

"فقال له: هلم فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل منه" فدل على أن الدجاج حلال، ولو كان هذا وصفه، ما يغير من الحكم شيء، لكن إذا أكل وتأكدنا أنه أكل وتغير لحمه بالمأكول، وطرأ عليه الرائحة رائحة النجاسة أو شيء الجلالة عند أهل العلم تحبس مدة حتى يطيب لحمها، وسواء كانت من الدجاج أو من غير الدجاج، هذا أمر طارئ له حكمه الخاص، ورؤبة بن العجاج الشاعر المعروف يأكل الفار ولا يأكل الدجاج، لماذا؟ يقول: الفار ما يأكل إلا البر والسمن، ما يأكل الفار إلا البر والسمن، ودجاجكم يأكل....... لكن هل هذا يؤثر في..، مثل هذا الكلام يعارض به نصوص؟ لا ولو عرفنا أن الدجاج يأكل النجاسة، وعرفنا من طبعها أنها تأكل، لكن إذا أكلت وأثر هذا في لحمها تحبس، وتطعم الطعام الطيب حتى يطيب لحمها، وقل مثل هذا في غيرها مما يؤكل، وأما بالنسبة للفار وأي محرم من المحرمات لو حبس العمر كله على السمن والعسل ما طاب لحمه، تبقى عينه محرمة، نجس العين، لماذا؟ لأن نجاسته عينية، لو كانت نجاسته حكمية أمكن تطهيره، لكن النجاسة العينية لو تخلي الدش يضرب على الكلب مائة سنة يطهر؟ ما يطهر؛ لأن النجاسة العينية ما تطهر مهما وجد في تطهيرها، لكن النجاسة الحكمية تطهر، لكن يبقى الجلد -جلد الميتة- نجاسته عينية أو حكمية؟ حكمية ولذا يطهر بالدباغ، وإن كان جزءاً من الميتة التي نجاستها عينية، نعم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعقها))

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعقها))" يعني باقي الطعام الذي في اليد، يلعقه بنفسه أو يُلعقه غيره، أو يُلعقه غيره ممن لا يتقزز من لعقه، لا يتكره ولا يتبرم من لعقه، من يطيق ذلك، وليس لأحد أن يكره أحداً مهما كان، مهما قرب منه، إذا كانت الزوجة لا تطيق لعق اليد تكره على ذلك الطاعة بالمعروف، إذا كان الولد لا يطيق، إذا كان الخادم لا يطيق لا يكره، لماذا؟ لأن الطاعة بالمعروف، إنما يلعقها بنفسه، أو يترك أحداً ممن لا يكره ذلك يلعقها، والسبب أن هذا هو باقي الطعام، كما جاء في الباقي الذي في القصعة، تلعق القصعة؛ لأنه لا يدرى في أي الطعام البركة؟ هل يكون في أوله أوفي آخره؟ وأيضاً لئلا يذهب في أماكن الغسيل شيء له جرم من الطعام، إذا لعقه ولم يبق إلا شيء لا جرم له كالدهن مثلاً مثل هذا أمر سهل، لكن لو كان على يده قطعة من الطعام حبات رز وإلا شبهها وبيغسل بالمغسلة تروح مع النفايات، لا ما يجوز، لا بد أن يلعقها والعلة في ذلك أنه لا يدري يمكن أن هذا الذي في اليد الشيء اليسير هو الذي فيه البركة، وجاء التعليل بذلك في الحديث، وبعض الناس يستنكف عن مثل هذا، لكن الأمر إذا جاء به الشرع فلا كلام لأحد، إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإلا بعض الناس بعض أهل الترف لا يأكل مثل هذا، ولا يأكل اللقمة إذا سقطت منه، ولا يشرب الإناء الذي وقع فيه الذباب، وقد جاء الأمر باللعق، والأمر بأكل اللقمة إذا طاحت، إذا سقطت منه، فليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان، أيضاً إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، كل هذا لا أثر له، بل هذا علاج طب نبوي، فكون الإنسان يكون من أهل الترف.

إذا وقع الذباب على طعام

 

رفعت يدي ونفسي تشتهيه

هذا مثل هذا يعارض به النصوص؟ أبداً، فالخير كل الخير ما جاء عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"