شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (13)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الدروس العلمية في كتاب الحج من صحيح مسلم تستأنف في هذا المسجد للمرة الثانية، وهي امتداد لما تم شرحه في العام الماضي في مثل هذه الأيام.

ويلاحظ الأخوة الذين لم يتابعوا بقية الدروس في مسجدنا أنه يكون هناك خرم كبير في القدر المراد شرحه، فقد يفاجئ البعض أننا وقفنا على موقف في هذا المسجد، ثم نستأنف بعده بمراحل؛ لأننا تابعنا الشرح حتى اليوم السابع من ذي الحجة من العام الماضي، وهذه السنة نفس الطريقة، نشرح هنا ما نستطيع شرحه في الخمسة الأيام التي أولها هذه الليلة، ثم نتابع أيضاً بقية شرح كتاب الحج من هذا الكتاب في مسجدنا حتى اليوم السابع من ذي الحجة كالمعتاد.

فالآن أظن وقفنا على فضل العمرة في رمضان.

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، اللهم أورثنا علمه وأوردنا حوضه، اللهم علمنا منا ينفعنا وانفعنا وارفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، واغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتابه الصحيح في كتاب الحج:

"وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج، قال أخبرني عطاء قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يحدثنا قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها: «ما منعك أن تحجي معنا؟» قالت: "لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحاً ننضح عليه"، قال: «فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة»".

وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال: حدثنا يزيد -يعني ابن زريع- قال: حدثنا حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان: «ما منعك أن تكوني حججت معنا؟» قالت: "ناضحان كانا لأبي فلان –زوجها- حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا"، قال: «فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي»".

يقول الإمام -رحمه الله تعالى- في بيان فضل العمرة في شهر رمضان:

"وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون، قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء قال: سمعت ابن عباس يحدثنا قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها" الذي نسيها عطاء، ثم ذكر اسمها بعد ذلك، يعني حدث بالحديث مرتين، مرة نسي الاسم، ومرة ذكره.

"فنسيت اسمهما «ما منعك أن تحجي معنا؟» قالت: "لم يكن لنا إلا ناضحان" تثنية ناضح، واحد النواضح، وهي الإبل التي يستقى بها الماء من الآبار؛ لتسقى بها الزروع والثمار، فلو حجت معهم والناضح لا يستطيع أن يحمل الثلاثة؛ لأن الزوج والابن قد حجا على واحد -على ناضح-، وبقي الثاني، لو حجت معهم على الناضح الذي حج عليه الزوج وابنه فالناضح لا يحتمل ثلاثة، ولو تركوا الزرع دون سقي لمات، لو حجت على الثاني لمات الزرع، فلها في هذا عذر في تأخير الحج، هذا عذرها، وإلا فالحج على الفور -كما هو المرجح عند المحققين من أهل العلم-.

هذا عذرها أن لو حجت على هذا الناضح لمات الزرع، فما عذر من يقول في مثل هذه الأيام البرد شديد، لا نستطيع أن نحج هذه السنة، وهو في السنة القادمة أشد؟!

وما عذر من يقول: البحث يُسلَّم بعد الحج مباشرة؟ وما عذر من يقول: في هذه السنة ربيع -كما حصل في العام الماضي- ولا نستطيع أن نحج في وقت الربيع؟!

وأسماء بنت عميس -كما مر بنا- حجَّت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي في الطلق، ولدت محمد بن أبي بكر بعد عشر كيلو من المدينة، يعني بعد مسافة يسيرة جداً؛ هذا من حرصهم على الخير، وفي وقتنا يتعذرون ويتعللون بأدنى وبأوهى الأعذار.

"قالت: "لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها" تعني زوجها، "وابنها على ناضح" ففيه الإرداف على الدابة وهو جائز، يجوز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، على أن تكون مطيقة لهذا الإرداف، ولا شك أن هذا يختلف باختلاف الدواب ويختلف باختلاف الأشخاص؛ بعض الأشخاص الدابة قد لا تحمله، وبعض الدواب قد تحمل ثلاثة، فمرد ذلك إلى إطاقة الدابة، وعدم الحمل عليها بما يشق عليها؛ لأنها روح، لها روح ونفس تتألم فلا يجوز تحميلها أكثر مما تطيق.

وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أردف جماعة من الصحابة، ففي حديث معاذ قال: كنت رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- وأردف الفضل وأردف غيرهم، حتى جمع ابن مندة كتاباً في من أردفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فبلغوا نيفاً وثلاثين من الصحابة، فالإرداف جائز شريطة أن تكون الدابة تطيقه.. ماذا عن الآلات مثل السيارات وغيرها هل تحمل أكثر مما تطيق؟

طالب: السيارة؟

السيارة نعم.

طالب:......

كيف؟

أكثر مما تطيق، المصنع قرر أن حمولتها خمسة من الأطنان، فقال: السيارة ليست لها نفس ولا تتألم ولا ظلم، نشيل عليها سبعة ثمانية ولا يضر؟

طالب:......

نعم الضرر من جهات: الأول: أن فيه تعريض للمال للتلف، وقد جاء النهي عن إضاعة المال، فقد تتلف هي، وقد تُتلف من ركبها وتؤثر على الطرق، تتلف الطرق إذا كانت حمولتها زائدة، ولذا وضعت الموازين على الطرقات؛ من أجل هذا، وإلا فالأصل أنها ملكه يتصرف فيه كيفما شاء، لكن شريطة ألا يترتب عليه إضاعة للمال ولا إفساداً له، ولا ضرراً لغيره.

"وترك لنا ناضحاً؛ ننضح عليه" يعني نستقي عليه، "قال: «فإذا جاء رمضان فاعتمري؛ فإن عمرة في رمضان تعدل حجة»" «عمرة في رمضان تعدل حجة»، والرواية الأخرى: «حجة معي»، وهذا فضل الله -جل وعلا-.

معلوم أن كونها تعدل حجة من وجه دون وجه، في الفضل والثواب، لا في الإجزاء عن الحج، قد يقول قائل: لماذا لا نعتمر في رمضان، ويكفينا عن الحج؟

نقول: هذا من وجه لا بأس، الفضل واسع كبير مثل أجر الحج، لكن الإجزاء لا بد من الحج: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران]، فالحج متعين على المستطيع ولا يجزئ عنه غيره.

قد يقول قائل: نجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس، ونصلي ركعتين، ونرجع بأجر عمرة وحجة تامة، كما جاء في الحديث -الذي لا يسلم من مقال عند أهل العلم-.

لكن إذا أردت أن تختبر فانظر إلى مشقة هذا العمل على النفوس، بعض الناس من اليسير عليه جداً أن يركب السيارة ويذهب إلى مكة ويأخذ عمرة، لكن يصعب عليه أن يجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس، والنفس تحتاج إلى جهاد، المسألة ساعة واحدة بعد الصلاة، كثير من الناس -ومنهم طلبة علم مع الأسف- يؤذن الظهر وهو يكمِّل ورده، يخرج من المسجد ويذهب إلى الفراش ويصحو ويغفو، وإذا قال كلمة أعادها عشر مرات، ثم بعد ذلك يستمر، فإذا جلس في مصلاه يذكر الله يكمل ورده، وينهي حزبه من القرآن، وبإمكانه أن يقرأ القرآن في سبع ولا يشق عليه ذلك، ويحصل على الأجر العظيم، ويقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يجلس في مصلاه إلى أن تنتشر الشمس، هذا في الصحيح، لكن الأجر المرتب على ذلك مع الركعتين هذا هو محل الكلام لأهل العلم.

فالمقصود أن التشبيه في مثل هذا يكون من وجه دون وجه، ولا يلزم أ، تكون المطابقة من كل وجه؛ فتشبيه الباري، أو رؤية الباري، تشبيه رؤية الباري بالقمر ليلة البدر، هل يلزم من هذا أن يكون من كل وجه؟

أبداً، في الوضوح وعدم الخفاء، فالتشبيه للرؤية لا المرئي، تشبيه تقديم اليدين على الركبتين، ووضع اليدين مجرد وضع على الأرض، أو تقديم اليدين على الركبتين في السجود تشبيهه ببروك البعير من وجه دون وجه؛ فإذا نزل على الأرض بقوة أشبه البعير وإلا فلا، وإلا امتثل الأمر في الحديث نفسه: «وليضع يديه قبل ركبتيه».

المقصود أن التشبيه لا يلزم أن يكون المشبه مطابقاً للمشبه به من كل وجه، إنما إذا وجد وجه الشبه من وجه ولو خالفه في وجوه؛ ولذا جاء تشبيه الوحي -وهو محمود- بصلصلة الجرس -وهو مذموم- ووجه الشبه من وجه دون وجه.

«فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة في رمضان تعدل حجة»:...

طالب:......

تقول: "حج أبو ولدي وابني"، لكن الرواة في مثل هذا إذا كان الكلام بالنسبة لهم لا يناسبهم وليس فيه لبس؛ لأن من الأدب في الكلام ألا تنسب لنفسك شيئاً لا يليق بك، لا تنسب لنفسك شيئاً لا يليق بك، ولو كنت آثراً ناقلاً، إلا إذا كان سياق اللفظ لا بد منه في الخبر.

في قصة أبي طالب لما حضرته الوفاة ماذا قال في آخر الأمر؟ "هو على ملة عبد المطلب"، لكن هل قال أبو طالب: هو على ملة عبد المطلب؟

لا، قاله حاكياً عن نفسه بضمير التكلم، لكن الرواة كلهم يقولون: "هو على ملة عبد المطلب"؛ لأن هذا الكلام لا يليق بهم، لكن إذا كان الكلام وحكايته بلفظه لا بد منه في الخبر لأن تغييره يؤثر في الحكم فلا بد من سياقه بفصه، كما في قصة ماعز، في قصة ماعز كل الرواة يقولون: جاء ماعز فقال: "إني زنيت"، ما قالوا: هو زَنى؛ لأن الإقرار في مثل هذا لا بد أن يكون صراحة، وله أثر في الحكم، لو قال الراوي: جاء ماعز فقال: هو زنى، احتمل عند من يأتي بعده أن ماعز أيضاً قال: هو زنى، ويكون الكلام يحكيه عن غيره، المقصود أنه إذا أنه إذا كان له أثر في الحكم لا بد أن يحكى الكلام بفصه –بلفظه-، وإذا كان هناك مندوحة ولا أثر للتغير فلا يليق بالإنسان أن ينسب لنفسه ما لا يليق به.

"«عمرة في رمضان تعدل حجة»" ومع هذا الوعد الصحيح الثابت في الصحيحين وغيرهما لا يترك العمرة في رمضان إلا محروم، وبعض الناس لا يفعل الخير، ولا يريد من الناس أن يفعلوا الخير؛ فتجد بعض الناس يقول: الناس يذهبون إلى رمضان يعطلون أعمالهم ليأخذوا عمرة والصدقة بقيمتها أفضل، لو تصدقوا على هؤلاء الناس الجياع، ولو فعلوا، ولو فعلوا...

نعم هناك أمور كثيرة تحتاج إلى الموازنة بينها، والمسألة مسألة فضائل يوازن بينها بلا شك، فإذا كان يترتب على العمرة في رمضان ترك واجب أو ارتكاب محظور لا داعي لهذه العمرة، لكن إذا كان هناك فضائل توازن بينها، توازن فإن استطعت أن تفعلها كلها فلا تبخل على نفسك، وهذا الذي يقول: لو تصدقت بما أنفقته في رمضان من أجل العمرة، هذا لا هو بمتصدق ولا معتمر ولا هو بتارك الناس يعتمرون.

هذه طريقة عند بعض الناس؛ يشق عليه أن الناس يجنون من الحسنات العظيمة وهو جالس، ونفسه لا تطيعه على النفقة في سبيل الله، فيريد أن يُخذل الناس عن الذهاب، وهو لا هو بمتصدق ولا بمعتمر، فلا يجوز مثل هذا التصرف.

لا شك أن هناك موازنات بين الفضائل، لكن إذا جاءت الواجبات وانتهاك المحرمات فلا، إذا كان يترتب على العمرة في رمضان تضييع الذراري فـ«كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول- أو من يقوت»، وإذا كان هذا في تضييعهم من حيث الأكل والشرب فكيف بتضييعهم من جهة الدين! هذا أعظم.

المقصود أن هذه لا بد من ملاحظتها عند تصور مثل هذا الحديث، وإلا فالفضل عظيم.

وبدأ الزحام بأعظم صوره في رمضان في مكة والحرم وما حوله، حتى جعل بعض الناس يقلل من شأن العمرة في رمضان، وبعضهم كتب في الصحف ووسائل الإعلام قال: صحيح أن العمرة في رمضان تعدل حجة، لكن ليس هذا كل سنة، وما أدري كيف بنى هذا الحكم! يعني من أهل العلم من قال: إن الحديث خاص بالمرأة، وغيرها ليس في حكمها، هذا قول معروف عند أهل العلم، وفي سنن أبي داود ما يشير إليه -إلى هذا القول- لكن العمرة في رمضان تعدل حجة لكن ليس هذا كل سنة، هذا كلام على أي قاعدة يجري، أو على أي نص يعتمد؟؟ لا يعتمد لا على عقل ولا نقل.

نعم البقاء والمكث هناك ومضايقة الناس لا شك أنه يحتاج إلى عناية ودراسة، أما مجرد أن الإنسان يأخذ عمرة في رمضان ويرجع هذا يحصل له الفضل العظيم، ولا يترتب على ذلك أثر من حيث مزاحمة الناس، ويلاحظ أنه في المضايق كثير من الناس تسوء أخلاقه، يذهب الإنسان لطلب الثواب والأجر من الله -جل وعلا- ومع ذلك يحصل منه ما يحصل من مخالفات، حتى أنه وجدت المضاربة والمشاتمة داخل المسجد، بسبب الزحام والجهل، حتى أنه في آخر لحظة -قبل غروب الشمس بدقائق من آخر يوم من رمضان- يحصل الجدال، بل الضرب أمام الكعبة، هذا سببه الجهل، الإنسان لا يتصور لماذا جاء! هل جاء ليطلب ما عند الله  جل وعلا؟

وسمعنا من يتواعدون بعد الصلاة ليخرجوا إلى الحل ليتضاربوا، والله هذا الحاصل، هذا الحاصل، يعني الإنسان ما أدري كيف يتصور العبادة وكيفية أدائها!! بعض الناس يحرص على الخير بالجملة، لكن يبقى أنه كيف يفقه تأدية هذا الخير.          

نعم في آخر لحظة من رمضان يتواعدون في عرفة، هذا يبقى في بيته أفضل له، مثل هذا يبقى في بيته، ويبقى أن الحكم إلى قيام الساعة، «عمرة في رمضان تعدل حجة»، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال هذا الكلام ما اعتمر في رمضان وهو أحرص الناس على الخير؟

لكنه أشفق الناس على أمته، وهو أرحم الناس بخلق الله، لو تُصوِّر أنه اعتمر في رمضان مع هذا الوعد العظيم لما قر قرار لمسلم إلا أن يعتمر في رمضان، وحصل من ذلك الحرج والمشقة الشديدة، كما تأسف -عليه الصلاة والسلام- من دخول الكعبة، تأسف أنه دخل الكعبة؛ لئلا يشق على أمته، فتركه للعمرة في رمضان ليس من باب الزهد في الخير، وإنما شفقة على أمته؛ إذ لو تضافر القول والفعل منه -عليه الصلاة والسلام- لتقاتل الناس على العمرة في رمضان، وقل مثل هذا في صيام العشر؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر» حتى فضلت على الجهاد.

وثبت في الصحيح وغيره أن الصيام من أفضل الأعمال: «الصوم لي وأنا أجزي به»، «من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً»، فهي من أفضل ما يفعل في العشر، ومع ذلك في مسلم تنفي عائشة أنه -عليه الصلاة والسلام- صام العشر، ومع ذلك كما يقول الإمام أحمد: ثبت عن بعض أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صام العشر، فلا يلزم من ثبوت الحكم أن يثبت بالقول والفعل؛ يكفي القول للأمة، وقد يترك النبي -عليه الصلاة والسلام- الفعل شفقة ورأفة بأمته، كما ترك قيام رمضان -عليه الصلاة والسلام- تركه جماعةً؛ لئلا تفرض على الناس فيعجزوا عنها، صلى بهم ثلاث ليال ثم ترك.

ثم قال الإمام -رحمه الله تعالى-:

"وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال: حدثنا يزيد -يعني ابن زريع- قال: حدثنا حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان: «ما منعك أن تكوني حججت معنا؟»" يعني هل قول عطاء: يقال لها أم سنان ينافي قوله في الطريق الأول فنسيت اسمها؟

قد يقول: إنه ما زال ناسياً للاسم؛ هذه هي الكنية، ويكون تحديث عطاء في مجلس واحد، نسيَ الاسم ولم ينسَ الكنية؟ لا السياق يدل على أنه نسيَ الجميع في الطريق الأول.

"يقال لها أم سنان: «ما منعك أن تكوني حججت معنا» قالت: "ناضحان كانا لأبي فلان –زوجها- حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا": يسقي عليه غلامنا" في بعض الروايات: وكان الآخر يسقي غلامنا، بدون عليه، يسقي غلامنا بدون الجار والمجرور، وهو لا بد منه، والقاضي عياض يقول: إن هذه الكلمة مصحفة "يسقي عليه غلامنا"؛ صوابها: "نسقي عليه نخلاً لنا"، بدل: "يسقي عليه غلامنا".

لكن لا داعي لتخطئة الرواة، مع أنه ثبت في النسخ الصحيحة الموثقة، ومعناه ظاهر، والمعنى لا يختلف سواءً قال: يسقي عليه غلامنا، أو يسقي النخل، لا يختلف مع ما صوب به القاضي عياض: "نسقي عليه نخلاً لنا"، والأصل ما ثبت في الروايات الصحيحة.

قال: "«فعمرة في رمضان تقضي حجة»" يعني تعدل حجة، كما في الرواية الأخرى.

"«تقضي حجة»" قد يقول قائل: إن القضاء معروف عند أهل العلم، وهو الإتيان بالعبادة بعد فوات وقتها، فاتها وقت الحج تقضي هذا الحج بعمرة في رمضان، قد يقوله قائل، "قال: «فعمرة في رمضان تقضي حجة»" لكن خير ما يفسر به الحديث الحديث، فقوله: تقضي»" تفسر بما جاء في الرواية الأخرى «تعدل»، وليس المراد به القضاء الذي يكون بالإتيان بالعبادة بعد فوات وقتها.

"«أو حجة معي»" وهذا شك من الراوي، هل قال: حجة أو حجة معي؟ المقصود أن هذا الحديث يدل على فضل العمرة في رمضان وأنه عظيم؛ إذ لا يخفى فضل الحج «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

طالب:......

يعني في فضلها.

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى.

وحدثنيه زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى -وهو القطان- عن عبيد الله بهذا الإسناد، وقال في رواية زهير: العليا التي بالبطحاء.

حدثنا محمد بن المثنى وابن أبي عمر جميعاً عن ابن عيينة قال ابن المثنى حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها.

وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عام الفتح من كَداء من أعلى مكة، قال هشام: فكان أبي يدخل منهما كليهما، وكان أبي أكثر ما يدخل من كداء".

يقول -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي، حدثنا عبيد الله عن نافع: هنا الإسناد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير.."

طالب:......

إيه، لكن وحدثنا ابن نمير "قال: حدثنا عبد الله بن نمير"، ابن نمير: هذا الثاني هل هو شيخ مسلم أو شيخُ شيخ مسلم؟

عبد الله بن نمير شيخُ شيخ مسلم، ابن نمير الثاني هو الأول وإلا غيره؟

طالب:......

ابن نمير هذا شيخ مسلم محمد بن عبد الله بن نمير.

"قال: حدثني أو حدثنا أبي" عبد الله بن نمير المذكور في الإسناد الأول، "قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من طريق الشجرة" يخرج إذا خرج من المدينة عن طريق الشجرة، وإذا دخلها يدخل من طريق المُعرَّس، بحيث كان يبيت -عليه الصلاة والسلام- هناك ثم يدخل المدينة إذا أصبح، وكان ينهى عن الدخول بالليل، الطروق بالليل.

"وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا" التي يقال لها كَداء بفتح الكاف والمد، "ويخرج من الثنية السفلى" التي يقال لها كُدى: بالضم، ولذا يقولون: افتح وادخل، اضمم واخرج.

دخوله -عليه الصلاة والسلام- من أعلى مكة وخروجه من أسفلها يختلف أهل العلم هل هو مقصود فيقتدى به فيه، أو غير مقصود، وإنما فعله لكونه على طريقه وأسمح له؟

محل خلاف بين أهل العلم: منهم من يقول: يسن دخول مكة من أعلاها، يعني اتباعاً للنبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهم من يقول: إن كانت على طريقه فهو أفضل، وإلا فلا يتكلف ويكلف نفسه أن يدخل من أعلاها.

إذا كان طريقه في الدخول هو الثنية العليا لماذا لا يكون طريقه في الخروج منها هو الثنية العليا؟

لأنه إذا كان هو طريقه من المدينة إذا أراد أن يخرج رجع من طريقه إلى المدينة، فيكون موضع الدخول هو موضع الخروج، هو طريقه، متصور وإلا غير متصور؟

طالب:......

لكن هل هذا من السهل؟ النزول سهل، ينزل من الثنية العليا إلى مكة، لكن كيف يطلع الثنية العليا إذا رجع إلى المدينة؟

طالب:......

نعم أيسر له أن يخرج من السفلى، نعم، أيسر له أن يخرج من الثنية السفلى، ولو زاد عليه أمتار، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

الطريق للدخول هو الطريق للخروج هذا الأصل؛ لأنه جاء من بلد واحد يعني من طريق واحد جاء من المدينة ورجع إلى المدينة فطريقه واحد في الدخول والخروج، لكن طريقه من الثنية العليا وكونه يخرج من السفلى لكونه أيسر له، وبهذا يستشف أن الدخول والخروج إنما يراعى فيه اليسر على مريد هذا البيت، وأنه لا يتكلف ما يشق عليه.

يقول: "وحدثنيه زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى وهو القطان، عن عبيد الله بهذا الإسناد" بالإسناد السابق.

"وقال في رواية زهير: العليا التي بالبطحاء" نعم البطحاء والأبطح مكان معروف، لما انتهى من حجه -عليه الصلاة والسلام- نزل المحصب وهو بجانب الأبطح والبطحاء، المقصود أنه موضع معروف.

قال: "حدثنا محمد بن المثنى وابن أبي عمر جميعاً عن ابن عيينة قال ابن المثنى حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها".

على ما تقدم.

قال: "وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عام الفتح من كداء" الثنية العليا، "من أعلى مكة قال هشام بن عروة: فكان أبي" عروة بن الزبير، "يدخل منهما كليهما" من العليا والسفلى، "وكان أبي أكثر ما يدخل من كداء" فدل على أن عروة وهو أحد الفقهاء السبعة يرى أن هذا حسب التيسير، فالحاج والمعتمر وقاصد البيت يفعل الأيسر له.

"كان أبي يدخل منهما كليهما" يعني أحياناً يدخل من الثنية العليا وأحياناً من السفلى، والذي يأتي من اليمن أو من نجد أو من جهات المشرق هل يكلف أن يدور دورة كاملة على مكة لينزل من الثنية العليا؟ إذا قلنا بالتعبد بمثل هذا يفعل، قد يقول قائل: إن الطرق الآن والمرور قد لا يُمكِّن من تطبيق مثل هذه الأمور.

على كل حال إذا كان يقصد أو يرى أن هذا مما يتعبد به وقصده، ثم منع منه حصل له أجره، والحنابلة يقولون: يسن دخول مكة من أعلاها، والمسجد من باب بني شيبة، والأمر فيه سعة.

"حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد قالا: حدثنا يحيى وهو القطان، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بات بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة، قال: وكان عبد الله يفعل ذلك، وفي رواية ابن سعيد: حتى صلى الصبح، قال يحيى: أو قال: حتى أصبح".

"وحدثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا حمّاد قال: حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويَذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله.

وحدثنا محمد بن إسحاق المسيَّبي قال: حدثني أنس -يعني ابن عياض- عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينزل بذي طوى، ويبيت به حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك على أكمة غليظة، ليس في المسجد الذي بُني ثَّم، ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة".

"حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدثني أنس -يعني ابن عياض- عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، يجعل المسجد الذي بني ثمَّ، يسار المسجد الذي بطرف الأكمة، ومصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسفل منه على الأكمة السوداء، يدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها، ثم يصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الطويل الذي بينك وبين الكعبة -صلى الله عليه وسلم-".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد قالا: حدثنا يحيى -وهو القطان- عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بات بذي طوى" بتثليث الطاء مع القصر طُوى، طَوى وهو المرجح عند أكثر الشراح –الفتح- وطِوى، الطاء مثلثة، ويعرف الآن بأيش؟ ذي طوى يعرف بإيش؟ يعرفونه بالزاهر.

"حتى أصبح ثم دخل مكة" ويستحبون الدخول دخول مكة نهاراً، ابن عمر يفعل ذلك ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يبيت بذي طوى، فإذا أصبح صلى الصبح واغتسل لدخول مكة، فيستحب جمع من أهل العلم هذا الفعل؛ لأنه فعله ابن عمر، كان يفعله كلما دخل، أراد مكة يبيت بهذا المكان، وقد عرف بتتبعه لآثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، منها ما يوافق عليه، ومن أفعاله ما لا يوافق عليه، فذكر ابن عبد البر وغيره أنه -رضي الله عنه- كان يكفكف دابته حتى تقع مواطئها على مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما لا يوافق عليه، وله اجتهادات لا يوافق عليها.

لكن مثل هذا يبيت بذي طوى، "لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعله" النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمرة الجعرانة، أو الجِعِرَّانة -على اختلاف في ضبطها- دخل مكة ليلاً فدل على جواز الأمرين.

أما مبيته بذي طوى واغتساله لدخول مكة من فعله فقد أحسن، لا سيما إذا طالت المدة -مدته في الطريق بعد إحرامه كطولها بالنسبة لهم- يحتاجون إلى اغتسال، لكن كم يكون الآن بين الإحرام ودخول مكة؟

من أبعد المواقيت ذي الحليفة ثلاث ساعات أربع ساعات، فمثل هذا لا يحتاج إلى مثل هذا المبيت من أجل الراحة ولا الاغتسال لتغير الرائحة، أما هم في وقتهم يحتاجون إلى مثل هذا؛ السفر بالنسبة لهم شاق، وأما بعد وجود هذه الوسائل المريحة فمن فعل ذلك فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، أما الدخول في النهار فقد استحبه جمع من أهل العلم للتنصيص عليه: "ثم يدخل مكة نهاراً".

وكونه -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة في عمرة الجعرانة ليلاً هذا يدل على الجواز، وأنه لا مانع من الدخول ليلاً، والمبيت والاغتسال للحاجة، إن احتيج إليه لشدة التعب وتغير الرائحة فهو أفضل، ومن فعله متَّبعاً مؤتسياً مقتدياً لن يحرم الأجر -إن شاء الله تعالى- ولو لم تطل المدة، لكن إذا أحرم من السيل -مثلاً-وبعد نصف ساعة وصل مكة، نقول له: بت واغتسل؟ أو أن العلة واضحة والحكم يدور مع علته؟

يعني من استحب الغسل لدخول مكة باستمرار، سواءً بعد وقت طويل أو بعد وقت يسير، المبيت والاغتسال يستحب عند ابن عمر، ومن أراد الاقتداء به -بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يرفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

من لاحظ العلة وقال: إن الحكم يدور مع علته، والعلة ارتفعت الآن، قد يكون بين الإحرام والاغتسال للإحرام والتنظف للإحرام والتطيب قبل الإحرام ودخول مكة أربع ساعات على أبعد تقدير، هل يستحب له مثل هذا؟ بعض أهل العلم لا يرى مثل هذا، يقول: إن العلة ارتفعت، لكن متى تكون العلة مؤثرة في الحكم يدور معها وجوداً وعدماً؟

إذا كانت منصوصة، إذا كانت العلة منصوصة.

يقول: "حتى صلى الصبح قال يحيي: أو قال حتى أصبح.

وحدثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويَذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله" أنه فعله، لكن هل يذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يفعله؟

فرق بين كونه -عليه الصلاة والسلام- فعله، وبين كونه يفعله، كان يفعله؛ لأن هذا يدل على الاستمرار، يعني هل ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كلما أراد دخول مكة فعل هذا، أو أنه فعله في حجة الوداع وانتهى الإشكال، مرة واحدة لهذه الحاجة التي أبديناها؟ وعلى كل حال المسألة اجتهادية.

"وحدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدثني أنس -يعني ابن عياض- عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينزل بذي طوى" كان هنا كان، وكان هذه تدل على الاستمرار.

"كان ينزل بذي طوى، ويبيت به حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك على أكمة غليظة، ليس في المسجد الذي بُني ثَّم، ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة" يعني بني مسجد في هذا المكان، لكن ليس هو المكان الذي صلى فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان قريباً منه.

قال: "حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدثني أنس -يعني ابن عياض- عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استقبل فرضتي الجبل" فرضتي الجبل كأن في الجبل جهتين ناتئتين أو مرتفعتين يقال لهما: فرضتان.

"استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، يجعل المسجد الذي بني ثَمَّ" يعني هناك، "يسار المسجد الذي بطرف الأكمة، ومصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسفل منه على الأكمة السوداء، يدع من الأكمة عشر أذرع" أذرع جمع ذراع، عشر أذرع، وفي بعض النسخ عشرة أذرع، والذراع يذكَّر ويؤنَّث، فيصح أن يقال: عشر أذرع باعتبار أنه مؤنث -باعتبار أن الذراع مؤنث-، ويقال: عشرة أذرع باعتبار أن الذراع مذكر؛ لأن العدد يخالف المعدود في مثل هذا.

"أو نحوها، ثم يصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الطويل الذي بينك وبين الكعبة" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك، بالنسبة للمكان هذا الذي وافق فيه صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يعتبر هو مثله الوقوف في عرفة، مكان يتخير فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوقوف مثل الوقوف في الدعاء...؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف»، قال في الجمع كذلك، وقال...

طالب: هل هو يعتبر من قبيل ما كان يفعله ابن عمر أو له أخصية فعله في مزدلفة؟

أما ابن عمر فيتتبع كل شيء، عرف بهذا وخولف، حصل له شذوذ بسبب هذا التتبع في بعض المسائل.

يعني نقول: ما له مندوحة الذي يتتبع الوقوف في عرفة وفي مزدلفة وفي مكان الدعاء بعد الجمرة؟

النبي -عليه الصلاة والسلام-: «وقفت ها هنا» وقال في جمع: «وقفت ها هنا» وقال في منى: «نحرت ها هنا ومنى كلها منحر» لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام-.

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً، وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة، وكان ابن عمر يفعل ذلك".

"وحدثنا محمد بن عباد قال: حدثنا حاتم -يعني ابن إسماعيل- عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا طاف في الحج والعمرة -أول ما يقدم- فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت، ثم يمشي أربعةً، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة".

"وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى، قال حرملة أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف حين يقدم يخب ثلاثة أطواف من السبع".

"وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الجُعفي قال حدثنا ابن المبارك، قال أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رَمَلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحجر إلى الحجر ثلاثاً، ومشى أربعاً"

"وحدثنا أبو كامل الجحدري قال: حدثنا سليم بن أخضر قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر وذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله".

"وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا مالك ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال: قرأت على مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف".

"وحدثني أبو الطاهر قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني مالك وابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر".

"حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا الجريري عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: "أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف، ومشي أربعة أطواف أسنة هو؛ فإن قومك يزعمون أنه سنة؟" قال: فقال:صدقوا وكذبوا، قال: قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم مكة، فقال المشركون: إن محمداً وأصحابَه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه، قال: فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثاً ويمشوا أربعاً، قال: قلت له: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً أسنة هو؛ فإن قومك يزعمون أنه سنة؟ قال: صدقوا وكذبوا، قال: قلت: وما قولك صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثر عليه الناس، يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، قال: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يُضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب والمشي والسعي أفضل.

وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يزيد قال: أخبرني الجريري بهذا الإسناد نحوه، غير أنه قال: وكان أهل مكة قومَ حسد، ولم يقل يحسدونه".

"وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما- : "إن قومك يزعمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل بالبيت، وبين الصفا والمروة وهي سنة؟" قال: صدقوا وكذبوا".

"وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا زهير عن عبد الملك بن سعيد بن الأبجر عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس -رضي الله  عنهما-: "أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال: فصفه لي؟ قال: قلت: رأيته عند المروة على ناقة، وقد كثر الناس عليه، قال: فقال ابن عباس: "ذاك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنهم كانوا لا يُدَعُّون عنه ولا يكهرون".

"وحدثني أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا حماد يعني ابن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين؛ ليَرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا، قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم".

"وحدثني عمرو الناقد وابن أبي عمر وأحمد بن عبدة جميعاً عن ابن عيينة، قال ابن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما سعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورمل بالبيت؛ ليري المشركين قوته".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

 "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي" مثل الإسناد الذي تقدم، "قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول" الطواف الأول يعني أول ما يقدم، سواءً كان طواف العمرة، أول ما يقدم لأداء العمرة، أو طواف القدوم بالنسبة للقارن والمفرِد، إذا طافا للقدوم، وإن لم يطوفا للقدوم فأول طواف هو طواف الإفاضة، فأول طواف يُفعل يُرمل فيه الثلاثة الأشواط، وبعض أهل العلم يرى أن الطواف الذي يرمل فيه هو الطواف الذي يعقبه السعي، لكن لا يدل عليه الحديث؛ "كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول" قد يطوف للقدوم ولا يسعى بعده، ثم يطوف للإفاضة يوم العيد ويسعى بعده، عندهم إنما يرمل في طواف الإفاضة؛ لأنه بعده سعي، ولا يرمل بعد طواف القدوم؛ لأنه ليس بعده سعي.

طالب:......

يأتي هذا إن شاء الله.

"كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثاً" الرمل والخبب الإسراع في المشي مع تقارب الخطى.

"ومشى أربعاً، خب ثلاثاً ومشى أربعاً" تمييز مذكر وإلا مؤنث؟

طالب:......

خب ثلاثاً، ومشى أربعاً؟

كيف؟

طالب:......

ثلاثاً من الأشواط؟.

طالب:......

أنا أريد التمييز لا أريد العدد، يعني لو ذكر الأشواط لقال: خب ثلاثة أشواط؛ لأن التمييز مذكر فيؤنث معه العدد، لكن لما حُذف جاز التذكير والتأنث، كما في قوله: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال»، ولو ذكر التمييز هي أيام، ستة أيام، إذا حُذف التمييز جاز التذكير والتأنيث.

"ومشى أربعاً، وكان يسعى ببطن المسيل" يعني في المسعى بين العلمين يسعى، وعندنا الرمل والخبب والسعي، الرمل والخبب معناهما واحد، وأما السعي فيختلف؛ لأنه الجري الشديد، الركض الشديد، ويختلف عن الخبب ويختلف عن الرمل.

"وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة" يعني إذا سعى بين الصفا والمروة، سعى سعياً شديداً بين العلمين، في بطن الوادي.

"وكان ابن عمر يفعل ذلك" فالرمل في الأشواط الثلاثة من الطواف الأول سنة، والسعي الشديد بين العلمين في المسعى سنة.

وسبب الرمل سببه مقالة المشركين التي يأتي ذكرها، في عمرة القضاء لما دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- المسجد، وكان المشركون قد جلسوا مما يلي الحجر، قالوا مقالتهم: "يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب".

الحمى التي كانت بيثرب دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينقلها الله إلى الجحفة، أن ينقلها إلى الحجفة، «وانقل حماها إلى الحجفة» هذا في الصحيح -في البخاري وغيره- التي هي ميقات أهل الشام، «وانقل حماها إلى الحجفة»، حتى قالوا: إنه لو مر طائر بهواء الجحفة لحُمَّ، وهي ميقات أهل الشام، هي ميقات أهل الشام، كيف تجعل ميقات؟ لأن جعلها ميقات يقتضي المرور عليها، كيف تنقل الحمى إلى مكان نُدب المرور عليه؟ بل ألزم من يمر عليه أن يحرم منه، يقف فيه فيحرم منه؟

الدعوة لما كان سكانها من اليهود، فلما جلوا عنها ارتفعت عنها الحمى.

يأتي محمد وأصحابه، وقد وهنتهم حمى يثرب، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يغيظهم، ويريهم من قوته وقوة المسلمين ما يغيظهم، فرمل في الأشواط الثلاثة، من الركن الذي فيه الحجر إلى الركن اليماني، ومشى بين الركنين؛ لأنهم لا يرونه، وفي حجة الوداع رمل -عليه الصلاة والسلام- من الركن إلى الركن، يعني استوعب الشوط كامل بالرمل، وفي عمرة القضاء يمشي بين الركنين، فالذي استقر عليه الأمر استيعاب الأشواط الثلاثة بالرمل، وأنه لا يمشي بين الركنين.

هل يوجد من يقول: إنه يأتي الحجاج والعُمَّار وقد أنهكهم المرض أو وهنتهم الحمى لنفعل هذا الفعل؟ أو بمعنىً آخر أن هذه الحكم شرع لعلة، والعلة منصوصة وارتفعت العلة، هل يرتفع الحكم بارتفاعها؟

قال به ابن عباس على ما سيأتي، لا يرى الرمل في الطواف، حينما يقول: صدقوا وكذبوا، النبي -عليه الصلاة والسلام- رمل، لكنه لعلة ارتفعت العلة، فليس بسنة عنده.

الجمهور على بقاء الحكم، وأن هذا من الأحكام التي شرعت لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم، نظيره قصر الصلاة في السفر شرع لعلة، وهي الخوف: {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفع الخوف، ارتفع الحكم وإلا بقي؟ بقي الحكم، فمن الأحكام ما شرع لعلة وارتفعت العلة مع بقاء الحكم.

"وكان يسعى ببطن المسيل" يعني في المسعى يجري جرياً شديداً، حتى أن الركب لتبدوا من تحت الإزار؛ من شدة السعي إذا طاف بين الصفا والمروة، "وكان ابن عمر يفعل ذلك".

السبب في هذا السعي، منشأ هذا السعي، إحنا عرفنا علة الرمل، فما علة السعي؟

طالب: قيل أم إسماعيل.

أم إسماعيل، طيب.

أم إسماعيل كانت تتردد بين الصفا والمروة لتنظر هل جاء أحد؟ فإذا نزلت في بطن الوادي جرت جرياً شديداً، هذا هو السبب الذي ذكره أهل العلم.

السبب فعل امرأة، فهل يشرع للنساء السعي الشديد في المسعى أو لا يشرع؟

لا يشرع؛ لأن المشي أستر لهن، لكن إذا كان سببه صنيع امرأة.. ألا تكون النساء أولى به من الرجال؟ يعني الرجال يقتدون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه فعله، الآن تروا المسألة تحتاج إلى انتباه، تحتاج إلى انتباه.

إذا كان أهل العلم يذكرون أن هذا هو السبب، والسبب امرأة، والمرأة في شرعنا ممنوعة من أن تسعى؛ للنصوص الكثيرة التي تدل على أن المرأة لا بد أن تستتر، وجريها ومشيها بين الرجال لا شك أنه يعرضها للتكشف.

طالب:......

لو تصورنا أن امرأة..، أُغلق المسعى ما في إلا هي، نقول: تسعى؟

طالب:......

ولا يراها أحد، وترمل في المطاف؟

طالب:......

لم يفعلنه، نقول: في شرعنا لا يفعل؛ لأن النصوص متظاهرة على طلب الستر من النساء، ورملهن وسعيهن يعرضهن لأيش؟ للتكشف، وإن كان السبب امرأة.

طالب:......

إلا إذا جاء شرعنا بخلافه، لكن إذا نظرنا إلى السبب والعلة الباعثة على هذا الحكم الذي قرره أهل العلم أنه امرأة، فلماذا لا يسعى النساء؟ بل هن أولى به؛ لأن السبب امرأة.

ترى باجيب مثال مطابق نظير لهذا.

طالب:......

الأدلة تضافرت على المنع، لكن نقول إذا منعت المرأة فالرجل من باب أولى؛ لأن السبب امرأة، من يذكر لنا نظير لهذا؟

طالب:......

المرأة آمنة ما عندها أحد، المرأة آمنه، المرأة إذا اضطرت إلى الجري، إذا اضطرت إليه، خافت من هلكة أو سبع أو .. تجري، حتى في شرعنا، نعم أو حريق أو غرق أو..، تجري للحاجة نعم.

طالب:......

لأنها جرت لا على سبيل التعبد هي، نعم، لو جرت على سبيل التعبد نظرنا إلى نظيرها من نسائنا.

عندنا مسألة ثانية قريبة جداً من هذا  المنع من الصلاة بعد الصبح وبعد العصر أليس من أجل ألا نشابه المشركين في سجودهم للشمس عند طلوعها وعند غروبها، نعم، أليس هذا هو السبب؟

طيب، شخص يقرأ القرآن، ومع غروب الشمس أو مع طلوعها مرَّت به آية سجدة، يسجد وإلا ما يسجد؟

طالب:......

هنا تتحقق المشابهة، الآن يمنع من الصلاة ذات الركوع والقيام والقراءة والتسبيح والذكر، ولا يمنع من السجود المنفرد الذي هو أشبه بصنيع الكفار؟ ترى نظير مسألتنا.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

لا، لا المشابهة الظاهرة لا شك أنها تمنع، تمنع إذا لم يرد دليل يخصه، التشبه الأصل فيه بالظاهر، أما التشبه في القلوب أمره عظيم.

طالب:......

افترض إنك على قول من يقول: تحية المسجد ممنوعة؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة التي يمنعها، وهو قول الجمهور، ولا تحية المسجد، لا سيما إذا ضاق الوقت، فنمنع الصلاة ذات الركعتين التي لها سبب -وهو قول وجيه- ولم نمنع السجدة التي هي أقرب إلى المشابهة، مشابهة الكفار؟

طالب:......

أيش لون ما تأتى؟

طالب:......

لا، أنا أقول إن سبب منع الصلاة عدم مشابهة الكفار في سجدة، منع الصلاة بالركعتين؛ من أجل ألا نشبه الكفار في سجدة من هاتين الركعتين.

طالب:......

بالنسبة للسعي -ما أدري بعض الإخوان يمكن ما أدرك المحك الذي نريده، أو أنا ما استطعت أن أبين المراد-، أنا أقول إن السعي شرع بسبب امرأة، شرع بسبب امرأة، والمرأة منعت من السعي، هذه مسألة، يشبهها نظيرها المسألة التي ذكرنا، الصلاة في هذه الأوقات منعت بسبب مشابهة الكفار في سجدة، ونقول السجدة لا بأس بها، لماذا؟

طالب:......

لا، عندهم يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، احنا نبي نمنع التبع ونثبت الاستقلال.

طالب:......

كيف تخفيف؟

طالب:......

«فإذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان، فإذا رآها المشركون سجدوا».

طالب:......

لا، لا المطابقة واضحة.

طالب:......

دعنا من مسألة القصد لو قصد كفر، هو لو قصد كفر.. انتهى الإشكال.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

طارئة، والصلاة طارئة -تحية المسجد طارئة؛ بدخوله المسجد-، وهذه لمروره بآية سجدة.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

ما يلزم يا أخي ما يلزم، لا، لا جمهور أهل العلم على أن النهي أعظم؛ لأن الحظر مقدم على الإباحة، نعم.

طالب:......

الإشكال في المسألتين ظاهر وإلا ما هو بظاهر، يعني ظاهر وإلا ما هو بظاهر؛ على شان نجيب عنه؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

أنت تقول سجدنا من أجل التلاوة، وأنا أقول صلينا من أجل دخولنا المسجد: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين».

طالب:......

هاه؟

طالب:......

أي قاعدة؟

طالب:......

دعنا ممن يقول بجواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ هذا منتهي مفروغ منه، لكن هم يلحظون ملحظ في السجدة المفردة أنها ليست عبادة في شرعنا، السجدة المفردة ليست عبادة مستقلة يعني، يعني يمكن أن يصلي الإنسان سجدة ليس لها سبب، مثلما يصلي ركعة في الوتر أو ركعتين لتحية المسجد؟

ولذلك يقولون: سجدة التلاوة ليست بصلاة، وهو ممنوع من الصلاة، «لا صلاة بعد العصر، لا صلاة بعد الصبح»، "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصليَ فيهن".

والسجدة المفردة ليست صلاة، فلا تدخل في حيِّز النهي؛ المنهي عنه الصلاة، ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- يسجد إلى غير القبلة، يسجد بغير طهارة كما في البخاري؛ لأنها ليست بصلاة.

من أهل العلم من يرى أنها صلاة فيمنع منها، وأنها لا بد من تكبيرة إحرام، ولا بد من سلام، ولا بد أن تكون على طهارة ومستقبل القبلة... إلى آخره.

طالب: الراجح؟

صنيع ابن عمر ورأي شيخ الإسلام أنها ليست بصلاة، فلا يشترط لها شروط الصلاة؛ لأن المشركين سجدوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في سورة النجم، وسجد معه كثير من المسلمين اللي ما يتحقق أنهم على طهارة.

الآن أدركنا المغزى من الأصل والمثال؟ أحياناً تقصر العبارة عن تأدية المسألة على الوجه المطلوب.

طالب:......

الآن عندنا السعي الذي قرره أهل العلم أن سببه سعي هاجر في بطن الوادي، السعي المراد به الجري الشديد، إذا نزلت في بطن المسيل سعت -جرت جرياً شديداً-، ويلاحظ في المشاعر وأدائها أفعال إبراهيم -عليه السلام- ملحوظة في هذا، وما يتعلق به مما أقره شرعنا، يعني مما جاء في شرعنا، وإلا ما الذي يدرينا ومن الذي ينقل لنا مثل هذه الأمور عنهم؟ إلا أنه جاء في شرعنا ما يقررها

طالب:......

إلى من يقدم، لكن هي ما تتعبد بهذا الجري، نقول: هذه المرأة لا تتعبد بهذا الجري، ولذا لو حصل لامرأة من النساء في شرعنا ما يتطلب الجري قلنا لها: اجرِي، ما نقول لها اجري لو لحقها سبع نقول: لا، أستر لك تمشين مشي؟!

طالب: هل يقال أنها فعلته نيابة عن من يجب عليه هذا العمل فكان من أفعال الرجال؟

على كل حال إذا نظرنا إلى أنها لم تفعله للتعبد انتهى الإشكال، لم تفعله للتعبد، ونظيره لو امرأة تبعها سبُع يريد أن يأكلها، أو نار، أو ما أشبه ذلك وجرت نقول: لا الحشمة ألا تجري؟

هذه للحاجة، الحاجة داعية لهذا، في شرعنا الآن، شرعنا المنظور إليه أولاً وأخراً فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني كون أننا نعرف هذه العلة أو لا نعرفها سيان، إنما الحكم ثبت بفعله -عليه الصلاة والسلام-.

قال -رحمه الله-:

"وحدثنا محمد بن عباد، حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا طاف في الحج والعمرة -أول ما يقدم- فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت، ثم يمشي أربعة، ثم يصلي سجدتين" أيش معنى سجدتين؟

ركعتين؛ تطلق السجدة ويراد بها الركعة: {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} [(154) سورة النساء]، كيف يدخل الساجد على وجهه؟ إنما المقصود به ركعاً، «من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» المراد بها الركعة كما جاء في مسلم نفسه، والسجدة إنما هي الركعة، كما أنه –أيضاً- يرد العكس، تطلق الركعة ويراد بها السجدة: {خَرَّ رَاكِعاً وأَنَابَ} [(24) سورة ص]، يعني أيش؟ ساجداً، فالمراد بالسجدتين هنا ركعتي الطواف.

 "ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة" وركعتا الطواف سنة عند جماهير أهل العلم، وقيل بوجوبهما، وقال جمع: إنهما تابعتان للطواف، فإن كان الطواف واجباً وجبتا، وإلا فهما سنة.

"يصلي سجدتين" هذه الصلاة من ذوات الأسباب، ركعتي الطواف من ذوات الأسباب، فهل يصليهما في وقت النهي أو لا يصليهما؟

هي المسألة التي أشرنا إليها قريباً.

طالب:......

نعم.

يصليهما أو لا يصليهما؟

طالب:......

تدخل في الخلاف، نعم.

عمر -رضي الله تعالى عنه- طاف بعد الصبح وصلى الركعتين بذي طوى، من أجل أيش؟ أن يخرج وقت النهي.

البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم: "باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر"، ثم أورد تحت هذا الباب أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر -ما يراه- وعمر صلى الركعتين بذي طوى.

وحديث جابر في المسند وغيره: "ما كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الصبح ولا بعد العصر"، لا سيما في الأوقات المضيقة الثلاثة يجلس؛ لأن الذي أمره بالصلاة هو الذي نهاه عنها، ما جاء بشيء من عنده، وهو قول جمهور أهل العلم، الجمهور بعد على أنه أوقات النهي الموسعة والمضيقة كلها لا صلاة فيها، لكن أقول: الموسعة أمرها أخف؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر الذي قضى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح؛ لأنه وقت موسع، وقضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، حتى قرر جمع من أهل العلم -كابن عبد البر وابن رجب- أن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر لا لذاته، إنما هو من باب نهي الوسائل؛ لئلا يتوسل بهذه الصلاة أن يستمر الإنسان يصلي حتى يصل إلى الوقت المضيق، فالوقت الموسع أمره أخف، أما الوقت المضيق فلا؛ "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا" حديث عقبة في الصحيح، وهي الأوقات المضيقة الثلاثة، هذا من باب الاقتداء، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعل ذلك، نعم، وإلا لو كان مأمور..، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل، لكن لما رأى الداخل جلس ما صلى قال: «أصليت ركعتين»؟ فوضع الإمام يختلف عن وضع المأموم والمسألة مسألة اتباع.

"وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قال: حرملة أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف -حين يقدم- يخب ثلاثة أطواف من السبع" يعني يرمل، وعرفنا أنه في عمرة القضاء يمشي بين الركنين، وفي حجة الوداع استوعب الأشواط الثلاثة بما في ذلك ما بين الركنين.

طالب: يا شيخ خلاصة الكلام في الاقتداء غير وارد أنه اقتداء بأم إسماعيل؛ كلام أهل العلم غير وارد؟

لا، ولو كان، ولو وجد، لكن العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، يعني الأمة مطالبة بالاقتداء به والائتساء به -عليه الصلاة والسلام-.

وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان: مصروف وإلا غير مصروف؟

طالب:.... غير مصروف.

غير مصروف، وقعت.

طالب: مصروف.

مصروف، لماذا؟

طالب:......

قل: النون أصلية وليست زائدة؛ من الإبانة، ولذا يقولون: من منع أبان فهو أتان، لكن إذا تصورنا..، ابن مالك صاحب الألفية ويش تقولون به،؟ ماذا تقولون ابن مالك -إمام من أئمة العربية- يمنعه من الصرف، وقل مثل هذا في حسان وشبهه، إن كان من الحسن فهو مصروف، وإن كان من الحس..، وهذا إن كان من الإبى فهو ممنوع، المقصود أن المسألة سهلة

"وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الجُعفي قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحجر إلى الحجر ثلاثاً، ومشى أربعاً"

قال: "وحدثنا أبو كامل الجحدري قال: حدثنا سليم بن أخضر قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر، وذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله" وقلنا أن هذا هو آخر الأمرين من فعله -عليه الصلاة والسلام-.

"وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا مالك ح وحدثنا يحيى بن يحيى" الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- دقيق في عباراته، ويفرق بين ألفاظ الرواة، حتى في صيغ الأداء، ولذلك يقول: حدثنا فلان، وفلان، وفلان، قال فلان أخبرنا وقال الآخران حدثنا، وهنا يقول: "حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا مالك" هل عرف عن مالك أنه كان يحدث أحداً؟

ما عرف عن مالك أنه كان يحدث أحداً، وإنما كان يقرؤون عليه، وينكر على من طلب من مالك التحديث، قال: تجزئك القراءة في القرآن، ولا تجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟

ومقتضى ذلك أن يقول القعنبي أخبرنا مالك؛ لأنه لا يقرأ على أحد، ومسلم -رحمه الله- ممن يفرق بين التحديث والإخبار، فالتحديث لما تلقي بطريق السماع، والإخبار لما تلقي بطريق العرض، ومالك يعرض عليه الحديث عرضاً، فيُنظر في مثل هذا.

"حدثنا مالك ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال: قرأت على مالك" هذا الصواب، ولو عبر عن العرض لقال: أخبرنا مالك.

"عن جعفر بن محمد عن أبيه" جعفر بن محمد: جعفر الصادق "عن أبيه" الباقر محمد بن علي بن الحسين.

"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف" وهذا قطعة من حديثه في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم-.

"وحدثني أبو الطاهر قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني مالك وابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل الثلاثة أطواف، من الحجر إلى الحجر" الثلاثة أطواف..هاه من يعرب؟

الثلاثة أطواف؟

طالب:......

الثلاثة مضاف، وأطواف مضاف إليه، الآن أيهم أدخل في التعريف المضاف وإلا المضاف إليه؟

الأصل أن المضاف إليه هو المعرفة، الذي يكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف، الآن الذي عندنا أيش؟

العكس، يعني اقتران المضاف بـ[أل] يجوز وإلا ما يجوز؟ يعني إذا قلت: صالح العبد الله، يجوز وإلا ما يجوز؟

لا يجوز مطلقاً، إنما يجوز إذا كانت الإضافة لفظية، وهذه محضة معنوية العبد الله، يجوز اقتران أل بالمضاف إذا كانت الإضافة لفظية وليست معنوية، الآن الذي عندنا إضافة لفظية وإلا معنوية؟

{وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [(35) سورة الحـج]: إضافة لفظية، وهنا إضافة لفظية لكن يشترطون مع هذا أن تكون موصولة بالمضاف إليه أيضاً، أو بما أضيف إليه المضاف إليه، ووصل" أل" بذا يعني الإضافة اللفظية التي تقدمت: ووصل أل بذا المضاف مغتفر إن وصلت بالثاني: يعني إذا كان المضاف إليه بـ[أل]، وهنا ما فيه أل لو قال: رمل الثلاثة الأطواف ما في إشكال:

ووصل أل بذا المضاف مغتفر
أو بالذي له أضيف الثاني

 

إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر

كزيد الضارب رأس الجاني

المقصود أن مثل هذا التعبير عندهم ممنوع؛ لأنه لم يضف إلى ما فيه أل، وتأتي مسألة الاحتجاج بالحديث على قواعد العربية، والمسألة خلافية عندهم.

وسبب الخلاف أن الرواية بالمعنى جائزة عند أهل العلم -عند جمهور أهل العلم الرواية بالمعنى جائزة-، فيحتمل أن يكون التغيير ممن لا يحتج به من متأخري الرواة، والمسألة معروفة عند أهل العلم.

من الحجر إلى الحجر.

قال: "حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا الجريري عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: "أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أطواف أسنة هو؛ فإن قومك يزعمون" يعني يقولون، يطلق الزعم بإزاء القول، استعمال معروف.

"فإن قومك يزعمون أنه سنة؟ قال: فقال: صدقوا وكذبوا" صدقوا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمل، وكذبوا في ادعائهم أنه سنة.

"قال: قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم مكة فقال المشركون: إن محمداً وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال" الضعف، المرض، الحمى، الوهن، "وكانوا يحسدونه" يحسدون النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال: فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثاً، ويمشوا أربعاً، قال: قلت له: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة" الآن انتهينا من الرمل، ابن عباس لا يراه، وجمهور أهل العلم على أنه سنة، فقوله: "صدقوا": يعني فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- "وكذبوا" في ادعائهم أنه سنة، إنما شرع لهذه العلة وارتفعت العلة.

"قال: قلت له أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً أسنة هو؛ فإن قومك يزعمون أنه سنة؟ قال: صدقوا وكذبوا" يعني صدقوا في كونه -عليه الصلاة والسلام- ركب، وكذبوا في ادعائهم أنه سنة بالنسبة لغيره -سنة مستمرة-؛ لأنه شرع لعلة وارتفعت العلة، وبين العلة.

"قال: قلت: وما قولك صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثر عليه الناس" حطمه الناس، اجتمعوا عليه، "كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت" المتزوجات أو المقاربات لحد الزواج اللواتي عتقن من خدمة أهلهن.

قال: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب" ليتخلص من الزحام ويراه الناس، ويقتدوا بأفعاله، "والمشي والسعي أفضل" يعني على الأقدام لا على الدابة.

"وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يزيد قال: أخبرنا الجريري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: وكان أهل مكة قومَ حسد، ولم يقل يحسدونه" هذه العلة التي من أجلها ركب النبي -عليه الصلاة والسلام-.. نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

الآن ركب النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرورة وإلا حاجة؟

طالب:......

ترى هذا مؤثر في حكم الركوب، يعني بإمكانه -عليه الصلاة والسلام- أن يكمل السعي مشياً، لو كان المشي واجباً، ولا يلتفت إلى مثل هذا حتى مع الزحام، الناس يتزاحمون الآن، ويزدحم بعضهم على بعض، هل هذا..، يعني لو قيل -مثلاً- يؤتى بآلة تنقل الناس من غير زحام، ويكون الركوب مجزئاً.

طالب:......

"كثر عليه الناس، يقولون: هذا محمد، هذا محمد" لكن هل هذه علة كافية في ترك الواجب، وهو المشي على الأقدام؟

يعني بإمكانه -عليه الصلاة والسلام- أن يكمل..، استدل بهذا من يقول بجواز الركوب مطلقاً في السعي، في رواية عند أبي داود أنه -عليه الصلاة والسلام- كان شاكياً، نعم محتاجاً؛ كان شاكياً.

وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب طواف المريض راكباً، أو باب المريض يطوف راكباً، فرأوا أن العلة في طوافه -عليه الصلاة والسلام- راكباً هو المرض، وإلا لو مسألة الزحام هناك الناس يزدحمون، يعني لو كانت العلة الزحام مستقلة بالحكم لاتجه قول من يقول بجواز السعي راكباً، ولو من غير حاجة.

طالب:......

إذا قلنا إنه شاكي حاجة ضرورة، حتى الشكوى والمرض متفاوتة من الناس من يكون مريضاً يكمل؛ يستطيع.

المقصود أن جمعاً غفيراً من أهل العلم يرون جواز السعي وهو راكب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله من غير ضرورة؛ لأن هذه ليست بضرورة، ويستدلون به على طهارة أبوال الإبل وأرواثها.

طالب:......

الرواية في الصحيحين وغيرهما ليس فيها ما يدل على المرض، إنما العلة المذكورة، كثر عليه الناس، هل كل من كثر عليه الناس يركب؟ يعني تستقل هذه بالعلة؟ أو نقول إن الطواف راكب يجوز والمشي أفضل، فكونه أفضل لا يعني أنه يكون لازماً كلزوم الواجب، فكونه أفضل يكون خلافه خلاف الأولى، أو على أكثر الأحوال مكروه، والكراهة تزول بأدنى حاجة، والزحام حاجة.

طالب:......

لا، لا، الأصل الاقتداء: «خذوا عني مناسككم» الأصل الاقتداء.

طالب:......

طيب، جاء عالم نقول له: اركب؟ عالم يراه الناس نقول له: اركب وهو من أنشط الناس؟!

طالب: هل الرؤية مؤثرة في الصحبة يا شيخ؟

هم يرونه ليأخذوا عنه المناسك -عليه الصلاة والسلام-،نعم، كثر عليه الناس، حطمه الناس، عاقوه من المشي..، هذا كله لا شك أنه موجود، لكن الحكم لا يتأثر بمثل هذا، نعم، فأهل العلم أو جمهور أهل العلم يرون أن السعي راكباً لا شيء فيه، إلا أنه خلاف الأولى، والذين يقيدونه بالمرض -كما في رواية أبي داود وترجم البخاري على هذا- يقولون: الأصل المشي فلا يركب إلا من مرض.

قال: "والمشي والسعي أفضل" إنكار ابن عباس على من يرى أن الركوب سنة، يعني إنكار ابن عباس في قوله: "كذبوا" بالنسبة لمن يرى أن الركوب سنة.

طالب:......

وين؟

طالب:......

كلام ابن عباس، هو يريد أن ينكر على من قال: إن سعيه راكباً سنة، نعم.

طالب:......

لأنه قد يقول ابن عباس -ما دام يرى أن الرمل ارتفع حكمه بارتفاع سببه- أن يقول: إن اللائق بالعبادة الطمأنينة، يعني في غير طواف القدوم، أهل العلم يرون أن الطمأنينة والتؤدة في الطواف أفضل، أفضل من الإسراع، في غير طواف القدوم.

"وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يزيد قال: أخبرنا الجريري بهذا الإسناد نحوه، غير أنه قال: "وكان أهل مكة قومٌ أو قومَ حسد"، ولم يقل: يحسدونه" يعني الفرق بين العبارتين أن في قوله: وكان أهل مكة قوم حسد، يعني هذه ملكة، صفة ثابتة عندهم، أما كونهم يحسدونه فلا يخلوا إنسان -إلا من عصمه الله- من حسد، يعني يحسد شخصاً، يحسد من يستحق من عنده نعمة، كل ذي نعمة محسود.

لكن قوله: "وكان أهل مكة قوم حسد" يعني كما يقال عن اليهود إنهم قوم بهت، نعم، وهو يعني بذلك الكفار، لا يعني بذلك المسلمين منهم، يعني الفرق بين العبارتين، "كان أهل مكة قوم حسد" يعني هذه صفة ثابتة فيهم، أما كونهم يحسدونه لا يعني أن هذه صفة ثابتة.

"وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: "إن قومك يزعمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل بالبيت، وبين الصفا والمروة وهي سنة؟ قال: "صدقوا وكذبوا".

"وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا زهير عن عبد الملك بن سعيد بن الأبجر عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: "أُراني قد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أراني يعني أظن، "أراني" يعني أظن أني رأيت، ولم يتأكد، كأنه رأى شيئاً توقع، أو شخصاً توقع أنه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولذلك قال: أراني، يعني أظن.

طالب:......

إيه نعم، أبو الطفيل آخر من مات الصحابة؛ مات سنة مائة وعشرة، يعني بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمائة سنة، عامر بن واثلة آخر من مات من الصحابة.

"قال قلت لابن عباس: "أراني قد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" قال: "فصفه لي؟" قال: قلت: "رأيته عند المروة على ناقة، وقد كثر الناس عليه"، قال: فقال ابن عباس: "ذاك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنهم كانوا لا يُدعُّون عنه" يعني لا يدفعون، لا يدفع الناس عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"لا يدعون" يعني لا يدفعون، {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [(2) سورة الماعون] نعم.

"لا يدعون عنه، ولا يكهرون" في رواية: "لا يكرهون" من الإكراه، يعني لا يكرهون على البعد منه.

"ولا يكهرون" يعني لا ينهرون ولا يزجرون.

"وحدثني أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا حماد يعني ابن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب": وقد وهنتهم حمى يثرب" هذا من كلام ابن عباس، وإلا من كلام المشركين؟

طالب: هم يقولونه المشركون وينقل كلامهم الآن...

نعم.

طالب:......

ويقول: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب".

طالب: هو ينقل ما يقولونه.

طالب:......

الظاهر أنه كلام ابن عباس هذا.

"قال المشركون: "إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى" لا شك أنه من كلام المشركين، لكن هل هم بالفعل وهنتهم الحمى وتجلدوا؛ ليُروا المشركين ما يغيظهم؟ أو أن الحمى ما وهنتهم؟

طالب:......

الحمى نقلت إلى الجحفة، فمقتضى هذا أنها –الحمى- لم تهنهم، قد يهنهم السفر والتعب والمشقة ممكن، نعم، أما حمى يثرب فقد نقلت إلى الجحفة، هنا يقول: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب".

طالب:......

لا هذه في عمرة القضاء.

"قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى" يعني كون الحمى ترتفع عن المدينة ارتفاع كلي أو الصفة التي عرفت بها هذه البلدة ارتفعت؟

ألا يمكن أن يقدم شخص من الرياض وفيه حمى؟ نعم، أو من أي بلد من البلدان، هل يعني أن الحمى ارتفعت مائة بالمائة ما يوجد فيها حمى أصلاً؟ ارتفعت بالكلية أو صارت مثل غيرها من البلدان، الحمى التي عرفت بها، وصارت من أوصافها الملازمة؟ حمى يثرب معروفة، ارتفعت إلى الجحفة، وبقي فيها ما في غيرها من البلدان؛ لأنه ما الذي يشكل على هذا الكلام؟

قول ابن عباس، ماذا يقول ابن عباس؟

قال: "عن ابن عباس قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة وقد وهنتهم" هو يثبت أن الحمى قد وهنتهم، نعم.

طالب:......

كيف؟

لما دعا لها أول ما قدم، أول ما قدم دعا لها.

"وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا..،" يعني كونه -عليه الصلاة والسلام- يرمل ويري المشركين ما يغيظهم من القوة والنشاط، نعم، هل يعني أنه -عليه الصلاة والسلام- ليس فيه حمى؟ أو من باب إغاظتهم رمل؟ ثم قالوا ما قالوا؟

وكل هذا مرده إلى أن الحمى هل ارتفعت بالكلية، أو أنه بقي فيها ما في غيرها من البلدان، إلا أنه ارتفع الوصف الملازم لها؟ ومع هذا، إذا أقررنا كلام ابن عباس أنه ما زالت الحمى فيها، نعم؛ يقول: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقد وهنتهم حمى يثرب" ولا شك أن هذا اللفظ مشكل.

"قال المشركون: "إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة"، فجلسوا مما يلي الحجر" المشركون جلسوا مما يلي الحجر؛ بحيث يرون الطائف من الجهات الثلاث، دون ما بين الركنين.

"وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جلدهم:

وتجلدي للشامتين أريهم

 

أني لريب الدهر لا أتضعضع"

من هذا الباب.

"ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: "هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟!" : نعم، "هؤلاء أجلد من كذا وكذا" وهكذا ينبغي أن تظهر الأمة أفراد وجماعات في غاية القوة، لا سيما أمام الأعداء، أما من يتفوه بضعف الأمة، ويشهد عليها الأعداء شرقاً وغرباً هذا خلاف ما جاء في هذا الحديث؛ لا بد أن تظهر الأمة بمظهر يليق بها، ولو كان على خلاف حقيقتها، لكن لا يعرف العدو كل شيء، والله المستعان.

"هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا" جاء في بعض الروايات أنهم أجلد من الغزلان.

"قال ابن عباس: "ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم" لأنهم جاءوا من سفر، ولا شك أن الرمل متعب لبعض الناس؛ وهذا من شفقته -عليه الصلاة والسلام-.

قال: "وحدثني عمرو الناقد وابن أبي عمر وأحمد بن عبدة جميعاً عن ابن عيينة قال ابن عبدة" لماذا أعاده دون صاحبيه؟

قال: "حدثني عمرو الناقد وابن أبي عمر وأحمد بن عبدة جميعاً عن ابن عيينة، قال ابن عبدة حدثنا سفيان" أهل العلم يقولون: إذا أعاد أحد الرواة -أحد شيوخه- فالذي يغلب على الظن أنه صاحب اللفظ -لفظ الخبر-.

"قال ابن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: "إنما سعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورمل بالبيت؛ ليُري المشركين قوته"..

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

 

"