التعليق على الموافقات (1426) - 07

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:

قال المؤلف –رحمه الله-: "في المسألة العاشرة: إذا فرَّعنا على أن الرخصة مباحةٌ بمعنى التخيير بينها وبين العزيمة، صارت العزيمة معها من الواجب المُخير، إذ صار هذا المترخص يقال له: إن شئت فافعل العزيمة، وإن شئت فاعمل بمقتضى الرخصة، وما عمل منهما، فهو الذي واقعٌ واجبًا في حقه".

فهو الذي وقع.

"فهو الذي وقع واجبًا في حقه على وزان خصال الكفارة".

الذي يختاره من خصال الكفارة إن اختار الإطعام صار هو الواجب في حقه، وإن اختار الكسوة صار هو الواجب في حقه، وإن اختار العتق صار هو الواجب في حقه إن لم يستطع هذا كله صام ثلاثة أيام، صار هو الواجب في حقه، على هذا يكون التخيير بين الثلاثة قبل الاختيار، فإذا اختار صار المُختار هو الواجب في حقه، وهنا إذا اختار العزيمة صارت هي الواجبة في حقه، وإن اختار الرخصة كذلك.

"فتخرج العزيمة في حقه عن أن تكون عزيمة".

لأنه من مقتضى العزيمة أنه لابد من فعلها، أنه لابد من فعلها، فإذا جاز التخيير بينها وبين الرخصة خرجت عن كونها عزيمة.

طالب:.........

لا، عنده إذا باشر قبل المباشرة ما يتعين حقه.

"وأما إذا فرَّعنا على أن الإباحة فيها بمعنى رفع الحرج، فليست الرخصة معها من ذلك الباب؛ لأن رفع الحرج لا يستلزم التخيير، ألا ترى أن رفع الحرج موجودٌ مع الواجب".

الحرج مرفوع حتى مع ارتكاب العزيمة؛ لعموم قوله –جلَّ وعلا-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78] الدين والتكاليف الشرعية ليس فيها حرج وإن وُجدت بعض المشقة، لكنها مشقة ليست للناس كلهم هي أيضًا مشقة نسبية، قد تكون المشقة اللاحقة للمكلف بسبب ما احتف بهذا العمل، وقد تكون بالنسبة لِما فُرض وكُلِف به الأمم السابقة كذا مشقة؛ لأن عليهم أغلالًا وآصارًا رُفعت في شرعنا، ولله الحمد.

"وإذا كان كذلك؛ تبينا أن العزيمة على أصلها من الوجوب المُعين المقصود للشارع، فإذا فعل العزيمة لم يكن بينه وبين من لا عذر له فرق، لكن العذر رفع الحرج عن التارك لها إن اختار لنفسه الانتقال إلى الرخصة، وقد تقرر قبل أن الشارع إن كان قاصدًا لوقوع الرخصة، فذلك بالقصد الثاني، والمقصود بالقصد الأول هو وقوع العزيمة".

لأن العزيمة هي الأصل، والرخصة ما جاء على خلاف الأصل بمعارضٍ شرعيٍ راجح.

"والذي يشبه هذه المسألة الحاكم إذا تعينت له في إنفاذ الحكم بينتان، إحداهما في نفس الأمر عادلة، والأخرى غير عادلة".

فالعادلة هي المطلوبة في أصل الشرع، فهي العزيمة، لكن إن خفي عليه أمر البينة الأخرى، فحكم بمقتضاها، فتبين أنها غير عادلة، ثبت له أجر الاجتهاد، وإن لم يثبت له أجر الإصابة، وحينئذٍ يرتفع عنه الإثم.

"فإن العزيمة عليه أن يحكم بما أُمر به من أهل العدالة في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق:2]، وقال: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة:282].

فإن حكم بأهل العدالة أصاب أصل العزيمة وأُجر أجرين، وإن حكم بالأخرى، فلا إثم عليه؛ لعذره بعدم العلم بما في نفس الأمر، وله أجرٌ في اجتهاده، وينفذ ذلك الحكم على المتحاكمين، كما ينفذ مقتضى الرخصة على المترخصين، فكما لا يقال في الحاكم: إنه مخيرٌ بين الحكم بالعدل والحكم بمن ليس بعدل، كذلك لا يُقال هنا: إنه مخيرٌ مطلقًا بين العزيمة والرخصة".

الأصل العزيمة، والرخصة إنما يُلجأ إليها إذا وجد سببها.

"فإن قيل: كيف يقال: إن شرع الرخص بالقصد الثاني؟ وقد ثبتت قاعدة رفع الحرج مطلقًا بالقصد الأول، كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78].

وجاء بعد تقرير الرخصة: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185].

قيل: كما يُقال: إن المقصود بالنكاح التناسل، وهو القصد الأول".

نعم يكون للأحكام الشرعية مقاصد منها ما يأتي مقصدًا بالدرجة الأولى، ومنها ما يأتي بالدرجة الثانية، فالعزائم تسهيلها وتيسيرها من المقاصد الأولى؛ لأنها هي الأصل في التكليف والرخص تيسيرٌ بعد تيسير، إذا شق الأصل ووُجد سبب الترخص صار تيسيرًا وتسهيلاً بالقصد الثاني.

"قيل: كما يُقال: إن المقصود بالنكاح التناسل وهو القصد الأول، وما سواه من اتخاذ السَّكن ونحوه بالقصد الثاني، مع قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}[الروم:21].

وقوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:189]".

نعم؛ لأن القصد الأول هو بقاء النوع والجنس، واستمرار العنصر لا يتأتى إلا بالنكاح.

وأما القصد الثاني وهو قصدٌ يأتي تبعًا لِما ذُكر وهو السَّكن، فقد يوجد من الناس من لا يحتاج إلى هذا السَّكن، وقد يجد مثل هذا السَّكن في غير الزوجة مع الأصحاب والأحباب والأصدقاء يُوجد ما يعوض له هذا السَّكن، لكن القصد الأول من النكاح وهو بقاء النوع لا يمكن أن يُوجد بحال إلا في النكاح.

"وأيضًا فإن رفع الجناح نفسه عن المترخص تسهيلٌ وتيسيرٌ عليه، مع كون الصوم أيامًا معدوداتٍ ليست بكثيرة، فهو تيسيرٌ أيضًا ورفع حرج".

ومع ذلك إذا وُجد السبب المُبيح للفطر فهو ترخصٌ بعد ترخص، تيسيرٌ بعد تيسير.

"وأيضًا فإن رفع الحرج مقصود للشارع في الكليات، فلا تجد كليةً شرعيةً مُكلفًا بها وفيها حرجٌ كلي أو أكثري ألبتة، وهو مقتضى قوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]".

مِن أمثلة ذلك أن الإمام إذا أمَّ الناس عليه أن يُخفف، هذا باعتبار أن هذا أمرٌ كلي يحتاجه الناس كلهم، أما إذا صلى لنفسه فليُطوِّل ما شاء، فإذا كان الأمر يتعلق بالعامة فالتخفيف، وإذا كان يتعلق به بذاته، ويتحمل المشقة فالأمر له.

طالب:.........

في ماذا؟

طالب:.........

الصلاة هذا الأصل، ويبقى أن التخفيف نسبي، ليس بنقر الصلاة، هذا ليس فيه حُجَّة للنقارين كما قال أهل العلم، لكن مع ذلك يتقيد بما ورد، النبي –عليه الصلاة والسلام- قال هذا الكلام وصلى بالصافات، وصلى بـ ق واقتربت، وصلى بالذاريات، وصلى بالطور، وصلى بالأعراف، لكن نادرًا، المقصود أن مثل هذا تخفيفٌ نسبي.

"ونحن نجد في بعض الجزئيات النوادر حرجًا ومشقة، ولم يُشرع فيه رخصة تعريفًا بأن اعتناء الشارع إنما هو منصرفٌ إلى الكليات، فكذلك نقول في محال الرخص: إنها ليست بكليات، وإنما هي جزئيات كما تقدم التنبيه عليه في مسألة الأخذ بالعزيمة أو الرخصة.

فإذًا العزيمة من حيث كانت كلية هي مقصودةٌ للشارع بالقصد الأول، والحرج من حيث هو جزئي عارضٌ لتلك الكلية، إن قصده الشارع بالرخصة فمن جهة القصد الثاني، والله أعلم.

المسألة الحادية عشرة:

إذا اعتبرنا العزائم مع الرخص وجدنا العزائم مطردةً مع العادات الجارية".

طالب:.........

مع الرخص، "إذا اعتبرنا العزائم مع الرخص" نعم.

"وجدنا العزائم مطردةً مع العادات الجارية، والرخص جاريةً عند انخراق تلك العوائد.

أما الأول: فظاهر، فإنا وجدنا الأمر بالصلاة على تمامها في أوقاتها، وبالصيام في وقته".

لكن إذا انخرقت تلك العوائد سُهل في الصلاة حتى يصل التسهيل إلى الأركان والواجبات كما في صلاة الخوف.

"وبالصيام في وقته المحدود له أولاً، وبالطهارة المائية، على ما جرت به العادة: من الصحة، ووجود العقل، والإقامة في الحضر، ووجود الماء، وما أشبه ذلك، وكذلك سائر العادات والعبادات".

وجود العقل هو مناط التكليف للعزائم والرخص كلها.

علق عليه عندك؟

طالب:.........

 ماذا قال؟

طالب:.........

ليس من العقل؛ لأنه إذا فُقد فلا يوجد عزيمة ولا رخصة.

"كالأمر بستر العورة مطلقًا أو للصلاة، والنهي عن أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها، إنما أُمر بذلك كله ونُهي عنه عند وجود ما يتأتى به امتثال الأمر واجتناب النهي، ووجود ذلك هو المعتاد على العموم التام أو الأكثر، ولا إشكال فيه.

وأما الثاني: فمعلومٌ أيضًا من حيث عُلم الأول، فالمرض، والسفر، وعدم الماء أو الثوب أو المأكول، مُرخصٌ لترك ما أُمر بفعله، أو فعل ما أُمر بتركه".

المرض والسفر يُبيحان الفطر، وعدم الماء يُبيح التيمم، وعدم الثوب يُبيح ترك الستر الذي هو شرط لصحة الصلاة، وعدم المأكول مُرخصٌ بأكل الميتة وهكذا.

"وقد مر تفصيل ذلك فيما مر من المسائل، ولمعناه تقريرٌ آخر مذكورٌ في موضعه من كتاب (المقاصد) بحمد الله.

إلا أن انخراق العوائد على ضربين: عامٌّ، وخاص، فالعام ما تقدم، والخاص كانخراق العوائد للأولياء إذا عملوا بمقتضاها، فذلك إنما يكون في الأكثر على حكم الرخصة، كانقلاب الماء لبنًا، والرمل سويقًا، والحجر ذهبًا، وإنزال الطعام من السماء أو إخراجه من الأرض، فيتناول المفعول له ذلك ويستعمله، فإن استعماله له رخصةٌ لا عزيمة، والرخصة كما تقدَّم لما كان الأخذ بها مشروطًا بأن لا يقصُدُها ولا يتسبب فيها لينال تخفيفها".

بأن لا..بأن لا.

طالب: يقصُدَها؟

نعم.

"بأن لا يقصُدَها ولا يتسبب فيها؛ لينال تخفيفها".

يعني لا يجوز للإنسان أن يُسافر من أجل الفطر، فالرخصة ليست مقصودة لذاتها، لكن إذا وُجد سببها وُجِدت، فالرخص غير مقصودة.

"كان الأمر فيها كذلك، إذ كان مخالفة هذا الشرط مخالفةً لقصد الشارع؛ إذ ليس من شأنه أن يترخص ابتداءً، وإنما قصده في التشريع أن سبب الرخصة إن وقع توجه الإذن فيه".

في مسببه.

"في مسببه كما مر، فهاهنا أولى؛ لأن خوارق العادات لم تُوضع لرفع أحكام العبودية، وإنما وضعت لأمرٍ آخر".

المعجزات على أيدي الأنبياء إنما وجدت لتثبيت أحكام العبودية لا للخروج من أحكام العبودية، وقُل مثل هذا فيما يحصل لأتباعهم من الأولياء، فالكرامات إنما تُوجد لتثبيت أحكام العبودية، لا لرفع أحكام العبودية، وبعض من ابتُلي بمثل هذا على سبيل الاستدراج جعل ذلك وصوله إلى هذه المرتبة -وهي مرتبة خرق العادة- جعل ذلك أمارة وعلامة له على أنه بلغ عين اليقين، فتسقط عنه التكاليف، وهذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية- بقدر أن يرى أن هذه نعمة لقبول دعوته أو نعمة لتثبيته يجعل هذا سُلمًا يتوصل به إلى التنصل عن التكاليف، هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، فالعمل مطلوبٌ من المسلم حتى يأتيه اليقين.

عمران بن حصين لمَّا مرض كانت الملائكة تُسلم عليه عيانًا مباشرة، عمران بن حصين الصحابي الجليل في مرضه اكتوى فانقطع التسليم، عُوقب، ثم ندم على ذلك، فعاد التسليم.

ومن يدعي الولاية من بعض طوائف المبتدعة يرى أنه إذا وصل إلى خرق العوائد بالكرامات، وهي في الحقيقة ليست كرامات إذا أدته إلى هذه النتيجة ليست كرامة، وإنما هي خوارق شيطانية يُستدرج بها الإنسان -والله المستعان-.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

يذكرون أنه وقع لبعض الأولياء سأل الله –جلَّ وعلا- أن يجعل هذا الماء لبنًا فصار، وسأل أن يجعل الرمل حبًّا فصار، المقصود أن مثل هذا لا يُنكر باعتبار أن مُحقق الولاية ما هو بمدعي الولاية الذي يستعين بالشياطين، لا، هناك فرق كبير بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، شيخ الإسلام بيَّن هذا في كتابٍ مُفرد.

المقصود أنه إذا وُجِدت الولاية على يدِ شخصٍ مُتبِع، وخُرِقت له العادة؛ ليثبت هو على دينه، ويُصدقه ويقتدي به من يطلع على هذه الكرامة يستعملها في دعوته فلا مانع، وُجِد من الدعاة مَن وصل إلى بلدٍ من بلاد الكفار اشتدت بهم الحاجة إلى المطر، فقالوا: ادعوا الله إن أجاب دعاءكم مُطرنا أسلمنا.

مشكلة ابتلاء، هذا مثل «من لو أقسم على الله لأبره» إنسان في قرارة نفسه أنه يستحق هذا الأمر، ثم في النهاية يتبين له غير ذلك {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون}[الزمر:47] لا شك أن مثل هذا فتنة.

هذا طلب منهم غير ذلك، فقالوا: ما عندنا إلا هذا، إما أن تدعو الله تستسقي لنا فإن سُقينا أسلمنا، توضأ وصلى ركعتين واستسقى لهم، وكان من دعائه: اللهم لا تصرفهم عن دينك بسبب ذنوبي، فذُكر أنهم سُقوا، فأسلم كثيرٌ منهم، أو أسلموا.

المقصود أن مثل هذا مزلة قدم لا يمتحن نفسه أمام الناس، هذا مزلة قدم، فماذا يكون الأمر لو لم يُسقوا؟ مثل هذا الشخص الذي يدعو الله أو يُقسم على الله فلا يبر قسمه، هل معنى هذا أنه ليس ممن اتصف بهذا الوصف، فينكشف أمره عند الناس؟ لاسيما وفي العصور المتأخرة طال الأمل مع سوء العمل، فتجد بعض الناس إذا عمل عملاً ولو يسيرًا انتظر التسليم، وانتظر التشميت. هذا إغراق في الأمل مع أن العمل ضعيف، ويُوجد بالمقابل من يُغرق في اليأس، حتى وُجد من يتعبد سبعين سنة، ويقول: إنه ليستحي أن يسأل الله الجنة، إنما يكتفي بالاستعاذة من النار، يقول: إنه ليس بكفءٍ للجنة.

المقصود أنه لا هذا ولا هذا، دين الله بين الغالي والجافي، فعلى الإنسان أن يحرص على الاقتداء، وأن يتبع ولا يبتدع، ويُسدد ويُقارب، ثم بعد ذلك يُحسن الظن بربه ويدعوه، ويلهج بذكره وشكره، ويلزم الجادة.

"لأن خوارق العادات لم تُوضع لرفع أحكام العبودية، وإنما وضعت لأمرٍ آخر، فكان القصد إلى التخفيف من جهتها قصدًا إليها لا إلى ربها".

نعم صاروا يتعبدون من أجل حصول هذه الكرامات، لا لرضاء الله –جلَّ وعلا-، فكانت هي المقصودة لا ربها، هو المقصود الذي يُجريها على يديهم.

"وهذا منافٍ لوضع المقاصد في التعبد لله تعالى.

وأيضًا فقد ذُكر في كتاب (المقاصد) أن أحكام الشريعة عامةٌ لا خاصة، بمعنى أنها عامةٌ في كل مكلف، لا خاصةٌ ببعض المكلفين دون بعض، والحمد لله".

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

الجزء الثاني، المجلد الثاني الآتي، إن شاء الله، نعم.

"ولا يُعترض على هذا الشرط بقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- لإظهار الخارق كرامةً ومعجزة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- إنما قصد بذلك معنىً شرعيًّا مبرأً من طلبه حظ النفس، وكذلك نقول: إن للولي أن يقصد إظهار الكرامة الخارقة لمعنىً شرعيٍّ لا لحظ نفسه، ويكون هذا القسم خارجًا عن حكم الرخصة بأن يكون بحسب القصد".

بلا شك إذا كان القصد من طلب هذا والتَّشوُّف إليه أن ترتفع منزلته عند الناس فهذا أمرٌ خاص ليس بهدفٍ شرعي مثل هذا، لكن إن كان قصده أن يكثر أتباعه، أن يستجيب الناس لدعوته، وأن يُقتدى به في أفعاله، فهذا قصدٌ شرعي.

"وعلى هذا المعنى ظهرت كرامات الأولياء الراقين عن الأحوال، حسبما".

طالب: ماشٍ هنا يا شيخ؟

نعم، دل عليه الاستقراء.

"حسبما دل عليه الاستقراء، فأما إذا لم يكن هذا، فالشرط معتبرٌ بلا إشكال، وليس بمختصٍّ بالعموم، بل هو في الخصوص أولى.

فإن قيل: الولي إذا انخرقت له العادة، فلا فرق بينه وبين صاحب العادة على الجملة، فإن الذي هُيئ له الطعام أو الشراب أو غيره من غير سببٍ عادي مساوٍ لمن حصل له ذلك بالتكسب العادي".

يعني لو افترضنا أن وليًّا من أولياء الله جالس في المسجد ووُجد له طعام بين يديه من غير كسب، وآخر في بيته وفي أعماله وقد لهى بدنياه، وأمور تجاراته، وغفل عن الله وعن طاعة الله، وحصل له مثل هذا الطعام بالدراهم والدنانير. هذا بكسبه، وهذا بولايته، يقول: ما الفرق بينهما؟ كلٌّ منهم له حظ، يقول: "فإن قيل: الولي انخرقت له العادة" يعني وُجِد له الطعام من غير كسب " فلا فرق بينه وبين صاحب العادة على الجملة، فإن الذي هُيئ له الطعام أو الشراب أو غيره من غير سببٍ عادي" وهو الولي مثلاً "مساوٍ لمن حصل له ذلك بالتكسب العادي، فكما لا يُقال في صاحب التكسب العادي: إنه في التناول مُترخص، كذلك لا يُقال في صاحب انخراق العادة؛ إذ لا فرق بينهما، وهكذا سائر ما يدخل من هذا النمط" ثم أجاب عنه.

"فكما لا يُقال في صاحب التكسب العادي: إنه في التناول مُترخص، كذلك لا يقال في صاحب انخراق العادة؛ إذ لا فرق بينهما، وهذا سائر ما يدخل تحت".

وهكذا..وهكذا.

"وهكذا سائر ما يدخل تحت هذا النمط".

فالمترخص صاحب السبب العادي إذا توسع في أمور دنياه لا شك أنه مُترخص؛ لأن العزيمة أن يتقلل من الدنيا بقدر البُلغة، أما التوسع في أمور الدنيا الذي قد يكون سببًا يعوقه عن تحصيل أمور الآخرة والسير إليها لا شك أن العزيمة أن يقتصد في أمور الدنيا، وأن يأخذ منها بقدر ما يُبلغه ويحقق به الهدف.

"فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الأدلة المنقولة دلت على ترك أمثال هذه الأشياء لا إيجابًا، ولكن على غير ذلك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- خُيِّر بين الملك والعبودية، فاختار العبودية، وخُيِّر في أن تتبعه جبال تهامة ذهبًا وفضة، فلم يختر ذلك، وكان -عليه الصلاة والسلام- مُجاب الدعوة، فلو شاء له لدعا".

فلو شاء لدعا.

طالب: ما فيه "له"؟

لا ما فيه، "فلو شاء لدعا بما يُحب".

طالب:........

"له" لا ما لها قيمة "فلو شاء لدعا بما يُحب فيكون، فلم يفعل..." إلى آخره.

طالب:........

لا، فلو شاء هو نفسه لدعا.

"فلو شاء لدعا بما يحب فيكون، فلم يفعل، بل اختار الحمل على مجاري العادات، يجوع يومًا فيتضرع إلى ربه، ويشبع يومًا فيحمده ويثني عليه، حتى يكون في الأحكام البشرية العادية كغيره من البشر، وكثيرًا ما كان -عليه الصلاة والسلام- يُري أصحابه من ذلك في مواطن ما فيه شفاءٌ في تقوية اليقين، وكفايةٌ في أزمات الأوقات، وكان -عليه الصلاة والسلام- يبيت عند ربه يُطعمه ويسقيه، ومع ذلك لم يترك التكسب لمعاشه ومعاش أهله، فإذا كانت الخوارق في حقه متأتيةً، والطلبات محضرةً له، حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما أرى الله إلا يُسارع في هواك، وكان لما أعطاه الله من شرف المنزلة متمكنًا منها، فلم يُعوِّل إلا على مجاري العادات في الخلق، كان ذلك أصلاً لأهل الخوارق والكرامات عظيمًا في أن لا يعملوا على ما اقتضته الخوارق، ولكن لمَّا لم يكن ذلك حتمًا على الأنبياء، لم يكن حتمًا على الأولياء؛ لأنهم الورثة في هذا النوع.

والثاني: أن فائدة الخوارق عندهم تقوية اليقين".

عندك "أن"؟

طالب: نعم.

ما عندنا "الثاني فائدة الخوارق عندهم" وجودها مثل عدمها، إن ذُكِرت أو وُجِدت لا فرق، لتؤكد الكلام.

طالب: أنت ما عندك "عندهم"؟

لا، ماذا "عندهم"؟ لا، "أن" "الثاني: أن فائدة..." ما هي موجودة "أن".

طالب: "أن فائدة الخوارق عندهم"؟

أن..أن.

طالب "أن" هي غير الموجودة؟

نعم، عندنا على طول "والثاني: فائدة الخوارق عندهم تقوية اليقين".

لكن المقابلة إنما تتم بوجودها؛ لأنه قال: "فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الأدلة، والثاني: أن فائدة الخوارق"، لكن فائدتها التوكيد يعني لو فُقدت ما يضر السياق واضح.

"ويصحبها الابتلاء الذي هو لازمٌ للتكاليف كلها".

طالب: التكليف أم التكاليف؟

التكاليف، الابتلاء لازم التكاليف، جميعها.

"وللمكلفين أجمعين في مراتب التعبد، فكانت كالمقوي لهم على ما هم عليه؛ لأنها آياتٌ من آيات الله تعالى برزت على عموم العادات، حتى يكون لها خصوصٌ في الطمأنينة، كما قال إبراهيم -عليه السلام-: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى}[البقرة:260] الآية".

لأنه ليس الخبر كالعيان، فالخبر ليس كالعيان، إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- لا يشك في أن الله –جلَّ وعلا- يُحيي الموتى، لكن أراد أن يبرز هذا من حق اليقين إلى عين اليقين، عندك علم اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين، فلو جاء أحدٌ يُخبرك أن العسل جاء موسمه وكثر في السوق -وهو ثقة- هذا علم اليقين، لاسيما إذا دلت القرائن على صدقه في وقته مثلاً هذا علم اليقين، وإذا رآه بعينه صار عين اليقين، فإذا لعقه وأكل منه صار حق اليقين.

"وكما قال نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- عندما حكى الله تعالى فراق موسى للخضر: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى، وَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا»، فإذا كانت هذه فائدتها، كان ما ينشأ عنها مما يرجع إلى حظوظ النفس كالصدقة الواردة على المحتاج، فهو في التناول والاستعمال بحكم الخيرة، فإن تكسَّب وطلب حاجته من الوجه المعتاد، صار كمن ترك التصدق عليه وتكسَّب فرجع إلى العزيمة العامة، وإن قبل الصدقة، فلا ضرر عليه؛ لأنها وقعت موقعها".

لأنه من مصارفها، مادام من مصارف الصدقة فلا ضرر عليه، لكن إذا كان من مصارفها وتكسَّب وحمل نفسه على المشقة حتى رفع الحاجة عن نفسه كان أولى.

"وأيضًا فإن القوم علموا أن الله وضع الأسباب والمسببات، وأجرى العوائد فيها تكليفًا وابتلاءً، وإدخالاً للمُكلف تحت قهر الحاجة إليها، كما وضع له العبادات تكليفًا وابتلاءً أيضًا، فإذا جاءت الخارقة لفائدتها التي وضعت لها كان في ضمنها رفعٌ لمشقة التكليف بالكسب، وتخفيفٌ عنه، فصار قبوله لها من باب قبول الرخص من حيث كانت رفعًا لمشقة التكليف بالكسب وتخفيفًا عنه، فمن هنا صار حكمها حكم الرخص، ومن حيث كانت ابتلاءً أيضًا فهي شيءٌ آخر، وهو أن تناول مقتضاها ميلٌ إلى جهتها".

"ميلٌ ما".

طالب: ميلٌ ما؟

نعم، "إلى جهتها"

طالب:........

نعم.

طالب: ومن حيث..؟

"كانت ابتلاءً أيضًا فيها شيءٌ آخر، وهو أن تناول مقتضاها ميلٌ ما إلى جهتها".

"وهو أن تناول مقتضاها ميلٌ ما إلى جهتها، ومن شأن أهل العزائم في السلوك عزوب أنفسهم عن غير الله، كما كانت النعم العادية الاكتسابية ابتلاءً أيضًا".

نعم تعزب أنفسهم عن غير الله، ولو حصل على يدِ غيره شيءٌ من النفع، محتاج يذهب إلى الغني؛ ليتصدق عليه، وفي قرارة نفسه أن الله –جلَّ وعلا- هو المعطي وهو المانع، وأن هذا الغني إنما هو سبب يُجري الله على يديه ما ينفع، وقد لا ينفع، وقد يُعطيه الغني، وينظر إلى مُسبب وهو الله –جلَّ وعلا-، وهو الذي سخر هذا الغني ليُعطيه، ومع ذلك عليه أن يشكره؛ لأن الله –جلَّ وعلا- سبَّب على يديه حل مشكلته، وإزالة فاقته وحاجته، ويبقى أن المعطي هو الله –جلَّ وعلا- وأن الغني هو سبب يُجري الله على يديه ما ينفع، والمال مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور:33].

"وقد تقرر أن جهة التوسعة على الإطلاق إنما أخذوها مآخذ الرخص، كما تبين وجهه، فهذا من ذلك القبيل، فتأمل كيف صار قبول مقتضى الخوارق رخصةً من وجهين؛ فلأجل هذا لم يستندوا إليها، ولم يُعولوا عليها من هذه الجهة، بل قبلوها واقتبسوا منها ما فيها من الفوائد المُعينة لهم على ما هم بسبيله، وتركوا منها ما سوى ذلك، إذ كانت مع أنها كرامةٌ وتحفة تضمنت تكليفًا وابتلاءً".

"تضمنت تكليفًا" كيف يتعامل معها هذا الولي؟ وكيف يشكر الله –جلَّ وعلا- على هذه النعمة التي حصلت له؟ وقد يتضرر بعضهم بحصول هذه الكرامات، ولا يُجزم بأن من حصلت له الكرامة أفضل من غيره ممن لا تحصل له كرامة، فالإنسان قد يكون نفعه بلا كرامة، وقد يكون وجود الكرامة ضررًا له؛ لأنها ابتلاء.

"وقد حكى القشيري من هذا المعنى:

فروى عن أبي الخير البصري أنه كان بفناء داره رجلٌ أسود فقير يأوي إلى الخرابات، قال: فحملت معي شيئًا وطلبته، فلمَّا وقعت عينه علي تبسم، وأشار بيده إلى الأرض، فرأيت الأرض كلها ذهبًا تلمع، ثم قال: هات ما معك. فناولته وهالني أمره وهربت".

على كل حال مثل هذه الأخبار لا يُستعبد أن تقع لولي من الأولياء، لكن لا تُقبل من دون تثبت وإسنادٍ صحيح؛ لأن هذا مهيعٌ واسع دخل منه وولج فيه من أهل الدعاوى الشيء الكثير، وكتب طبقات الأولياء المزعومين فيها شيء لا يخطر على بال من مثل هذه الأمور يأمرون السماء فتمطر، ويأمرون هذا الجبل يصير ذهبًا، ويأمرون كذا، وهذا كله من الدعاوى التي لا يسندها عقلٌ ولا نقل، وقد يدعون أشياء ليست إلا لله –جلَّ وعلا- من ادعاءٍ للغيب، ومن إحياء الموتى وغير ذلك.

"وحُكي عن النوري أنه خرج ليلةً إلى شاطئ دجلة، فوجدها وقد التزق الشطان، فانصرف وقال: وعزتك لا أجوزها إلا في زورق".

يعني قرب الشط الأول للثاني بدل أن يكون نهرًا واسعًا قرب، بحيث يقفز على قدميه من الجهة هذه إلى الجهة هذه، فترك ذلك، وقال: لا أجوزها إلا على زورق، هذا إن صح الخبر.

"وعن سعيدٍ بن يحيى البُصري، قال: أتيت عبد الرحمن بن زيد".

البَصري.

طالب: من بُصرى الشام؟

لا يصير بصراويًّا.

طالب: بصراوي.

إذا كان من بُصرى يصير بصراويًّا، مثل ابن كثير –رحمه الله- نعم ابن كثير بصراوي، أما هذا فنسبة إلى البَصرة.

"وهو جالسٌ في ظل، فقلت له: لو سألت الله أن يوسع عليك الرزق لرجوت أن يفعل، فقال: ربي أعلم بمصالح عباده، ثم أخذ حصىً من الأرض، ثم قال: اللهم إن شئت أن تجعلها ذهبًا فعلت، فإذا هي والله في يده ذهب، فألقاها إلي، وقال: أنفقها أنت، فلا خير في الدنيا إلا للآخرة".

الدنيا لا خير فيها إلا ما يُتوصل به إلى الآخرة.

"بل كان منهم من استعاذ منها ومن طلبها، والتَّشوُّف إليها، كما يُحكى عن أبي يزيدٍ البُسطامي".

أبي يزيدَ.

طالب: نعم البُسطامي؟

"ومنهم من استوت عنده مع غيرها من العادات، من حيث شاهد خروج الجميع من تحت يد المِنَّة".

طالب: هذه غامضة هذه ماذا بعدها يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: وواردةً؟

نعم "من جهة مجرد الإنعام".

طالب: وواردة هكذا؟

نعم.

"وواردةً من جهة مجرد الإنعام؛ فالعادة في نظر هؤلاء خوارقٌ للعادات، فكيف يُتَشوَّف إلى خارقة، ومن بين يديه ومن خلفه، ومن فوقه ومن تحته مثلها، مع أن ما لديه منها أتم في تحقيق العبودية كما مر في الشواهد، وعدوا من ركن إليها مستدرجًا، من حيث كانت ابتلاءً لا من جهة كونها آيةً أو نعمة.

حكى القشيري عن أبي العباس الشُّرفي، قال: كنا مع أبي ترابٍ النَّخشبي في طريق مكة، فعدل عن الطريق إلى ناحية، فقال له بعض أصحابنا: أنا عطشان، فضرب برجله الأرض، فإذا عين ماءٍ زلال، فقال الفتى: أحب أن أشربه بقدح، فضرب بيده إلى الأرض، فناوله قدحًا من زجاجٍ أبيض كأحسن ما رأيت، فشرب وسقانا، وما زال القدح معنا إلى مكة، فقال لي أبو ترابٍ يومًا: ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يُكرم الله بها عباده؟ فقال: ما رأيت أحدًا إلا وهو يؤمن بها. فقال: من لا يؤمن بها فقد كفر، إنما سألتك من طريق الأحوال. فقلت: ما أعرف لهم قولاً فيه، فقال: بل قد زعم أصحابك أنها خُدعٌ من الحق، وليس الأمر كذلك، إنما الخُدع في حال السكون إليها، فأما من لم يقترح ذلك ولم يُساكنها، فتلك مرتبة الربانيين.

وهذا كله يدلك على ما تقدم من كونها في حكم الرخصة".

يعني كثرة الدعاوى من هذا النوع جعلت ردة الفعل عند كثيرٍ من الناس رد ما ثبت من هذه الكرامة، يعني حملت بعض الناس بأنها استُغلت استغلالاً شنيعًا، وادُعيت دعاوى عريضة، حتى ادُعيت الكرامات لأفجر الناس، وسُموا أولياء وهم مشركون الشرك الأكبر، ولا يتعبدون لله بشيء، وفي (طبقات الأولياء) ذُكِر، وكان رضي الله عنه -على حد تعبيره- وكان رضي الله عنه ما سجد لله سجدة، ولا صام يومًا ولا فعل ولا حج، ولا بر بوالديه، ولا ترك منكرًا إلا وارتكبه، ما ترك منكرًا ولا كبيرة من كبائر الذنوب ولا موبقة إلا فعلها، وكان –رضي الله عنه- كذا وكذا، جاء واحد مُعلق على نسخته بقلم، يقول: إذا كان هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على مَن؟!! يعني على من تصير لعنة الله إذا كان مثل هذا -رضي الله عنه-.

فكثرت الدعاوى في كتب الأولياء، في كتب المتصوفة، وفي طبقاتهم، جعلت كثيرًا من طلاب العلم وأهل العلم عمومًا يكون عندهم ردة فعل من هذه الأمور، فجعلوا يردون حتى ما ثبت منها.

وعلى كل حال مثل هذه الأمور الخوارق موجودة، ووجدت على أيدي الصالحين والأولياء، لكن التوسع فيها هذا لا شك أنه دعاوى لا يسندها عقلٌ ولا نقل، بل وجدوا ما يُخالف العقل– والله المستعان- أشياء يُستحيا من ذكرها، ذكروا أشياء من الأمور الخاصة يُستحيا من ذكرها ويدَّعونها كرامات –نسأل الله العافية-.

"وهذا كله يدلك على ما تقدم من كونها في حكم الرخصة لا في حكم العزيمة، فليُتفطن لهذا المعنى فيها، فإنه أصلٌ ينبني عليه فيها مسائل: منها أنها من جملة الأحوال العارضة للقوم، والأحوال من حيث هي أحوالٌ لا تُطلب بالقصد، ولا تُعد من المقامات، ولا هي معدودةٌ في النهايات، ولا هي دليلٌ على أن صاحبها بالغٌ مبلغ الرتبة والهداية".

التربية. "بالغٌ مبلغ التربية" يعني: يصير شيخًا يُربي المُريدين، عندما يصل لها ما يلزم منه أن يبلغ هذا المبلغ؛ لأنها قد تحصل لبعض المريدين.

"بالغٌ مبلغ التربية والهداية، والانتصاب للإفادة، كما أن المغانم في الجهاد لا تُعد من مقاصد الجهاد الأصلية، ولا هي دليلٌ على بلوغ النهاية، والله أعلم.

تم الجزء الأول من كتاب الموافقات، والحمد لله".

الأسبوع القادم ما أنا حاضر، ننظر فيما بعده -إن شاء الله- إذا كان الإخوان ما عندهم إشكال نرى الوقت المناسب –إن شاء الله-؛ لأن الدروس كلها تتوقف على الأسبوع القادم، يعني آخر الدروس درس الواسطية غدًا، واحتمال التفسير يستمر القرطبي، ونرى بعده.

الله يعينكم..الله يعينكم.

اللهم صلِّ على محمد.

"