كتاب الوضوء (40)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: أخبرنا أبو التياح" يزيد بن حميد، "عن أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم".

البخاري يريد بهذا وبإيراد هذا الحديث الدلالة على طهارة أبوال الغنم وأرواثها؛ لأن من لازم مرابضها أن توجد أرواثها وأبوالها والاستدلال بهذا ظاهر، لكن القائلين بالنجاسة قالوا: يحتمل أن يصلي في مرابضها بحائل كالحصير مثلاً، ومنهم من قال: كان يصلي قبل أن يبنى المسجد يعني في أول الأمر، ثم جاء ما يدل على نجاسة البول في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «كان لا يستنزه من البول»، فنسخ ذلك القول بطهارتها المتقدِّمة؛ لأنه قبل أن يُبنى المسجد، ولا شك أن الدلالة ظاهرة، والأدلة متضافرة، ومنها الحديث السابق من حديث العرنيين، من الأمر بشرب الأبوال لأولئك النفر الذين اجتووا المدينة إلى آخره، وقد تقدم، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، لكن الأدلة على الطهارة ظاهرة.

طالب:...

اقرأ.

أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قوله: (أبو التيّاح) تقدم أنه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وآخره مهملة".

واسمه يزيد بن حميد كما نُصَّ عليه في سند الحديث.

"وهذا الحديث في الصلاة في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وأبعارها، قالوا: لأنها لا تخلو من ذلك فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، ونُوزع من استدل بذلك؛ لاحتمال الحائل".

طوافه -عليه الصلاة والسلام- على الناقة، ولا يؤمَن منها أن تبول في المطاف، وأن تروث، ولكن قالوا: قد تكون ناقته معصومة من أن تبول هناك؛ لمكانته -عليه الصلاة والسلام-، إلى أن تخرج من المسجد، يعني قالوا بهذا، لكن ماذا عن..

طالب: طواف غيره.

ماذا؟

طالب: الراكبون غيره -عليه الصلاة والسلام-.

نعم الراكبون غيره -عليه الصلاة والسلام- ممن استأذن لما يجده من شكاية أو نحوها، وعلى كل حال المسألة خلافية، والأدلة متظاهرة على الطهارة وأقوى ما عندهم في الباب مما يعارضون به جميع هذه الأحاديث: «كان لا يستنزه من البول»، مع أنها جاءت الرواية الأخرى المفسِّرة أنه كان لا يستنزه أو «كان لا يستبرئ من بوله»، يعني بول الآدمي.

"ونُوزع من استدل بذلك لاحتمال الحائل، وأُجيب بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض وفيه نظر؛ لأنها شهادة نفي لكن قد يقال: إنها مستندة إلى أصل، والجواب أن في الصحيحين عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على حصير في دراهم".

في دارهم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

تقديم.

"والجواب أن في الصحيحين عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على حصير في دارهم".

الأصل الصلاة على الأرض لما في حديث الخصائص من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، هذا هو الأصل، كونه صلى على حصير يصلي على حصير، وهذا الحصير قد اسوَدَّ من طول ما لُبِث، يعني مستعمل كثيرًا، وعلى كل حال نفي الصلاة على الحصير ليس بوارد؛ لأنه في الصحيح، صلى على حصير، لكن هل يلزم من صلاته على حصير في دارهم لما زار أمه، هل يلزم من صلاته على الحصير أن يكون هذا ديدنه، وهذه عادته؟ وقد ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى على الخمرة، وبقدر الوجه نعم.

"وصحَّ عن عائشة أنه كان يصلي على الخمرة، وقال ابن حزم: هذا الحديث منسوخ؛ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، فاقتضى أنه في أول الهجرة، وقد صح عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم ببناء المساجد في الدور، وأن تُطَيَّب وتُنَظَّف، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما".

ويكون الأمر بتطييبها وتنظيفها معارضًا لما جاء في حديث الباب من احتمال أن فيها أرواثًا وأبوالًا، وهذا الاحتمال ظني، ومع ذلك هو غلبة ظن، إذ لا يخلو غالبًا مما ذُكر من الأرواث والأبوال، قالوا: إن الأمر ببناء المساجد في الدور، الأمر بتنظيفها وتطييبها يعارض هذا، فكان ناسخًا له.

"وصحَّحه ابن خزيمة وغيره، ولأبي داود نحوه من حديث سمرة وزاد: "وأن نطهرها"، قال: وهذا بعد بناء المسجد. وما ادعاه من النسخ يقتضي الجواز ثم المنع، وفيه نظر".

لأنه كان جائزًا ثم مُنع، فيكون الأصل الجواز، والمنع نقل عن هذا الأصل، وهذا لا يثبت بمجرد احتمالات، بل لا بد من معرفة التاريخ.

"وما ادعاه من النسخ يقتضي الجواز ثم المنع وفيه نظر؛ لأن إذنه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة، نعم ليس فيه دلالة على طهارة المرابض، لكن فيه أيضًا النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، فلو اقتضى الإذن الطهارة لاقتضى النهي التنجيس، ولم يقل أحد بالفرق، لكن المعنى في الإذن والنهي بشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة، وهو أن الغنم من دواب الجَنة، والإبل خلقت من الشياطين، والله أعلم".

خرّج الحديث؟ أم هما حديثان؟

طالب: نعم.

ماذا يقول؟

طالب: الحديث الأخير هذا؟

نعم، الغنم من دواب الجنة.

طالب: يقول: وأما كون الغنم من دواب الجنة فقد روي عن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا، والمرفوع ضعيف، والموقوف أصحّ، انظر مسند الإمام أحمد، وأما كون الإبل خلقت من الشياطين فروي بسند صحيح عن عبد الله بن مغفل مرفوعًا عند أحمد وابن ماجه وغيرهما، وهذا الكلام خُرِّج على المجاز والمراد كما قال الخطابي أنها لما فيها من النفور والشرود ربما أفسدت على المصلي صلاته، فالحديث جاء في معرض النهي عن الصلاة في أعطانها والعرب تسمي كل مارد شيطانًا، والله أعلم.

يعني إذا قلنا: إن الإبل خلقت من الشياطين والنهي عن الصلاة في معاطنها من أجل نجاسة أبوالها فبول الشيطان نجس أم غير نجس؟ «بال الشيطان في أذنه» هل يجب غسل الأذن؟ يعني إذا استرسلنا وراء الادعاءات، ادعاءاتهم وقالوا مثل ذاك نقول مثل هذا.

 اقرأ.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، وقال الزهري: لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون. وقال حماد: لا بأس بريش الميتة. وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره: أدركت ناسًا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدَّهِنون فيها لا يرون به بأسًا. وقال ابن سيرين وإبراهيم: ولا بأس بتجارة العاج. حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: «ألقوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم».

 حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله عنهم- عن ميمونة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: «خذوها وما حولها فاطرحوه».

 قال مَعن: حدثنا مالك ما لا أحصيه يقول عن ابن عباس عن ميمونة -رضي الله عنها-. حدثنا أحمد بن محمد قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل كَلْم يُكلَمُه المسلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها إذ طعنت تفجر دمًا اللون لون الدم والعَرْف عَرْف المسك»".

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، في السمن والماء، يعني هل تغيِّر هذه النجاسات في السمن، وفي الماء، وفي غيرهما مما تقع فيه، أو لا تؤثر؟

معلومٌ أن المسألة عند أهل العلم مختلف فيها، وإن منهم من يقول: إن الماء وما ذُكِر معه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة إذا كان قليلاً، ويحتملها إذا كان كثيرًا، واختلفوا في الفرق بين القليل والكثير على أقوال معروفة عند أهل العلم، ومنهم من يقول: إنه لا ينجس إلا بالتغير، أما التغير فبالإجماع إذا غيرت النجاسة اللون أو الطعم أو الريح فهذا مجمع عليه، وفيه حديثٌ، لكنه ضعيفٌ باتفاق الحفاظ: «أن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه» هذا الحديث مُضَعَّفٌ عند عامة أهل العلم، ولكن الحكم متفق عليه، إذا غيَّرت النجاسة أحد الأوصاف الثلاثة للماء فإنه ينجس اتفاقًا؛ لأن مستعمله مستعملٌ للنجاسة، وأما إذا لم تغيِّر فالقول الثاني أنه لا ينجس مطلقًا، «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»،  ومسألة الاستدلال بحديث القلتين على التفريق بين القليل والكثير مسألة معروفة عند الحنابلة والشافعية، والحديث فيه نوع اضطراب، وصححه بعضهم، أعني حديث القلتين، ومنهم من صححه ولم يفرِّق ولم يجعل القلتين حدًّا فاصلاً بين القليل والكثير، وقال: إنه يُعمل بمنطوقه ولا يُعمل لمفهومه؛ لأنه مخالفٌ لحديث أبي سعيد وغيره «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» وعلى كل حال المسألة طويلة الذيول، وفي الأصول والفروع وشروح الحديث كلام طويل لأهل العلم عنها، ومذهب الحنابلة والشافعية التفريق بين القليل والكثير، والمالكية يرون أن الحكم مرده إلى التغير، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والحنفية يرون التفريق بين القليل والكثير، لكن على طريقة غير طريقة الحنابلة والشافعية، الحنابلة والشافعية عندهم حديث القلتين، وعند الحنفية ضوابط أخرى منها أن يكون غديرًا طوله عشرة في عشرة، أو إذا حُرِّك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر، هذا هو الكثير، وما دونه فهو القليل، ويأتي تفاصيل لهذه المسألة في أبواب لاحقة، إن شاء الله تعالى.

 "وقال الزهري: لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون" وهذا هو المعروف عند المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والغزالي وهو من أئمة الشافعية يقول في الإحياء أو يود في الإحياء أن مذهب الشافعي مثل مذهب مالك؛ لأن مسألة التفريق بين القليل والكثير توقع في حرج، ومن قرأ فروع هذه المسألة في المجموع للنووي يدرك أن هناك حرجًا يقع فيه المكلف، يعني لو كان الماء قلتين في إناء كبير يسع قلتين فوقعت فيه نجاسة ولم تغير شيء منه وأخذ منه بإناء صغير بحيث ينقص عن القلتين قالوا: ما في وسط الإناء طاهر، وما علق بخارج الإناء يكون نجسًا؛ لأنه نقص عن القلتين، وغير ذلك من الفروع التي كما قال شيخ الإسلام وغيره لا تأتي بها الشريعة السمحة، والدين يسر، وتكليف المكلف لا سيما وعوام المسلمين لا يعرفون مثل هذه الأمور فالقول بعدم التنجيس إلا إذا تغيَّر تغيُّرًا يدركه كل أحد، إما أن يكون باللون فيدرك بالبصر، أو بالريح فيدرك بالشم، أو الطعم فيدرك بالذوق، وما عدا ذلك الذي لا يدرك بالحواس معفو عنه، لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون.

 "وقال حماد: لا بأس بريش الميتة" لا بأس بريش الميتة، الميتة نجسة، يعني الميتة حرمت عليكم الميتة، وإن كان المحرم أكلها، لكنها نجسة؛ لاحتباس الدم فيها، لا بأس بريش الميتة، طيب لماذا لا بأس بها؟

لأن الريش في حكم المنفصل، الريش في حكم المنفصل كالشعر والظفر، وقال قوم: هو في حكم المتصل، فيرونه نجسًا، والذين يقولون: إنه طاهر، لا بد أن يقص منه ما تأثر بالميتة، لأن الميتة رطبة، فالمباشر لها من الريش أو من الشعر يكون نجسًا، تأثر بالنجاسة، فيلزم أن يقص قصًّا ولا ينتف فيعلق به، فيكون منه ما باشر النجاسة، فيكون نجسًا، وعلى كل حال مسألة الريش أو العظم والظفر هل هما في حكم المتصل أو المنفصل؟ كلام مقرر عند أهل العلم، وأفضل من تكلم فيه وفرّع على هذه القاعدة الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في قواعده، لا بأس بريش الميتة.

 "وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره: أدركت ناسًا من سلف العلماء يمتشطون بها، ويدَّهِنون فيها، لا يرون به بأسًا" يمتشطون بها ويَدَّهِنون فيها، لا يرون به بأسًا، العظم هل تحله الحياة بحيث تفارقه هذه الحياة ويكون جزءًا من الميتة، ويسري إليه حكمها، أو هو مما لا تحله الحياة، ينفصل عن الميتة في الحكم؟ العظم مسألة معروف الخلاف فيها، الحنفية على أنها لا تحلها الحياة، ولا ينجس بالموت، وكذلك شيخ الإسلام رأى أنها مما لا ينجس بالموت، وأنها مما لا تحله الحياة، والجمهور على أنها تنجس بالموت، وأنها جزء من الميتة، ويستدلون على حلول الحياة: { قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [سورة يس: 78]، {مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [سورة يس: 78]، ولا شك أن السِّن يحسُّ به صاحبه، فيه إحساس فالحياة تحله بلا شك، وعلى هذا قول الأكثر، خلافًا للحنفية وشيخ الإسلام أن العظام تنجس بالموت.

 الظفر هو مثل الشعر، بارز، ولا يخالط الميتة، وليس من أجزائها المتصلة، فحكمه حكم الشعر، ولو كان الشعر أو الظفر مما تحله الحياة، وينجس بالموت، لكان قطعه عن الظفر أو جزّه أعني الشعر في حال الحياة في حكم الميتة، «وما أُبين من حي فهو كميتته»، والناس تواطؤوا على جزّ الشعر وتداولوه بينهم، ولم يقل أحد بنجاسة الظفر إذا قُصَّ، "أدركت ناسًا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدَّهِنون فيها لا يرون به بأسًا.

 وقال ابن سيرين وإبراهيم: ولا بأس بتجارة العاج" العاج قالوا: هو ناب الفيل، ومنهم من قال: هو عظم الفيل، وهذه مسألة خلافية بين أئمة اللغة، والفيل ينجس بالموت، ولا تحله الذكاة؛ لأنه لا يؤكل، لا بأس بتجارة العاج، ويمتشطون بعظام الفيل في كلام السابق، كونهم يمتشطون ويدَّهنون فيها لا يرون به بأسًا، والتجارة أيضًا إنما تكون بالمباح من الأعيان الطاهرة، والنجس لا يجوز بيعه.

 نعم.

قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء) أي هل ينجسهما أم لا؟ أو لا ينجس الماء إلا إذا تغير دون غيره؟ وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثرٍ وحديث.

قوله: (وقال الزهري) وصله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه، وروى البيهقي معناه من طريق أبي عمرو وهو الأوزاعي عن الزهري. قوله: (لا بأس بالماء) أي لا حرج في استعماله في كل حالة فهو محكوم بطهارته ما لم يغيره طعم أي من شيء نجس، أو ريح منه أو لون، ولفظ يونس عنه كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر".

هو طاهر؛ لأنه قدر على دفع النجاسة، قدر على دفع النجاسة، إذ لم تغير فيه شيئًا، في حديث القلتين: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»، «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» يعني بل يدفعها ويردها عنه، لكن قد تكون حجم النجاسة أكبر من أن يدفعها هذا القدر من الماء، فالعبرة بالتغير؛ لأنه لو كان عشر قلال، وكانت النجاسة كبيرة جدًّا تغيِّره تغيِّره، فالمُعَوَّل على التغير، ولو كان قُلة واحدة أو نصف قُلة، ووقع فيه شيء يسير من النجاسة، ولم تغيِّر فيه شيئًا احتملها ودفعها، على ما في حديث القلتين من كلام لأهل العلم، منهم من يحكم عليه بالاضطراب، منهم من يحكم عليه بالاضطراب للاختلاف في سنده ومتنه، في: «إذا كان الماء قلتين»، في: «إذا كان قلتين أو ثلاث»، وجاء في بعض الروايات: «أربعين قلة» وأيضًا للاختلاف في قدر القلة لم يوجد فيه ضابط محدد، ابن جريج يقول: رأيت قُلة من قلال هجر فوجدتها تسع قربتين وشيئًا، قربتين وشيئًا.

 قالوا: الأحوط أن يُجعل الشيء نصفًا فتكون القلتان خمس قِرب قالوا: الأحوط، والذين عملوا بهذا الحديث من الشافعية والحنابلة ترددوا هل هو للتحديد أو للتقريب؟ فإذا قالوا بالتحديد لو نقص ملء الكف أثرت فيه النجاسة؛ لأنه محدد، وقدروه بالموازين الصغيرة، وزنوه بالموازين الصغيرة، مما يدل على أنه تحديد، لكن التحديد مرجعه قول ابن جريج: رأيت القلة من قلال هجر تسع قربتين وشيئًا، قالوا: الأحوط أن يُجعل الشيء نصفًا، هذا دليل يدل على تحديد أم تقريب؟

 تقريب، وعلى كل حال الاختلاف في تقدير القُلة وفي عدد القلال منهم من قال: القُلة مثل ما قال ابن جريج، ومنهم من قال: ما يستطيع أن يَقُله الرجل المتوسط من الناس بمعنى أنه يحمله بين يديه، ومنهم من قال- وهذا شيء ما يمكن أن يقال به أو يقول به من يعقل كلامه- قالوا: المراد بالقلة قُلة الجبل، إذا قلنا: قُلة الجبل فقلتان طوفان، والحديث شيخ الإسلام ممن يصححه، وابن حجر ممن يصححه، لكن الفرق بينهما أن شيخ الإسلام يقول بمنطوقه لا بمفهومه، وابن حجر يلتزم مفهومه كما التزم بمنطوقه.

"ومقتضى هذا أنه لا يفرق بين القليل والكثير إلا بالقوة المانعة للملاقي أن يغير أحد أوصافه فالعبرة عنده بالتغير وعدمه. ومذهب الزهري هذا صار إليه طوائف من العلماء وقد تعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفًا أنه يجوز له التطهر به، وهو مستبشع؛ ولهذا نصر قول التفريق بالقلتين، وإنما لم يُخرِّجه البخاري".

من العلماء وهو رواية عند الحنابلة ومشهورة أن البول يختلف عن غيره، بول الآدمي ينجس الماء سواء كان قليلاً أو كثيرًا فيه أحاديث: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» يعني ولو كان كثيرًا مما يقتضي أن البول ممنوع والنهي يقتضي التنجيس، يعني ولو كان البول قليلاً والماء كثيرًا، ولكن هذه الاسترسال معه أمور لا تنضبط، وهذا الحديث يحمل على غيره مما جاء في تفسيره.

طالب:...

مستبشع؟ يقع أم ما يقع؟

طالب:...

ما، ولو صارت نقطة بول، يتأثر؟ هو يعني بول قليل أو كثير، لا سيما وأن لونه لون الماء في الغالب لونه لون الماء فلا يتغير.

"وإنما لم يُخرِّجه البخاري لاختلاف وقع في إسناده، لكن رواته ثقات".

يعني حديث القلتين.

"وصحَّحه جماعة من الأئمة إلا أن مقدار القلتين لم يُتفق عليه، واعتبره الشافعي بخمس قِرَب من قرب الحجاز احتياطًا، وخصَّص به حديث ابن عباس مرفوعًا: «الماء لا ينجسه شيء» وهو حديث صحيح رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم، وسيأتي مزيد للقول في هذا في الباب الذي بعده. وقول الزهري هذا ورد فيه حديث مرفوع قال الشافعي: لا يُثْبِتُ أهل الحديث مثله، لكن لا أعلم في المسألة خلافًا يعني في تنجيس الماء إذا تغير أحدَ أوصافه بالنجاسة".

تغير أحدُ أوصافه.

"يعني في تنجيس الماء إذا تغير أحدُ أوصافه بالنجاسة، والحديث المشار إليه أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة وإسناده ضعيف، وفيه اضطراب أيضًا".

ضعيف باتفاق الحفاظ، «إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه» هذا اتفق الحفاظ على تضعيفه، ولكن عمدة الباب الاتفاق على الحكم لم يخالف أحد في أن الماء إذا تغير بالنجاسة أنه ينجس.  

"قوله: (وقال حماد) هو ابن أبي سليمان الفقيه الكوفي. قوله: (لا بأس بريش الميتة) أي ليس نجسًا، ولا ينجس الماء بملاقاته سواء كان ريش مأكول أو غيره، وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عنه.

قوله: (وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره) أي مما لا يؤكل (أدركت ناسًا) أي كثيرًا والتنوين للتكثير. قوله: (ويَدَّهِنون) بتشديد الدال من باب الافتعال، ويجوز ضم أوله وإسكان الدال، وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون بطهارته، وسنذكر الخلاف فيه قريبًا. قوله: (وقال ابن سيرين وإبراهيم) لم يذكر السرخسي إبراهيم في روايته، ولا أكثر الرواة عن الفِرَبرِي وأثر ابن سيرين وصله عبد الرزاق بلفظ: "أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسًا"، وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرًا؛ لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره، بدليل قصته المشهورة في الزيت".

في قصة أخرجها الخطيب البغدادي في تاريخه أنه باع زيتًا، ثم وُجِد فيه فأرة فأبطل البيع؛ لأنه لا يرى بيع النجس، وقال في سبب ذلك أنه حصل منه سخرية من رجل خسر في تجارته فعوقب بعد حين.

طالب:...

عندك الحاشية أم ..؟

 ماذا يقول؟

طالب: وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده إلى المدائن قال: كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتًا بأربعين ألف درهم، فوجد في زِقٍّ منه فأرة فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصبَّ الزيت كله، وكان يقول: عيّرت رجلًا بشيء منذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به، وكانوا يرون أنه عيّر رجلاً بالفقر فابتلي به.

"والعاج هو ناب الفيل، قال ابن سِيده: لا يُسمى غيره عاجًا".

خاص بالناب عند ابن سِيده، وقال القزاز.

"وقال القزاز: أنكر الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجًا، وقال ابن فارس والجوهري: العاج عظم الفيل فلم يخصِّصاه بالناب. وقال الخطابي تبعًا لابن قتيبة: العاج الذَّبْلُ وهو ظهر السلحفاء البحرية، وفيه نظر، ففي الصحاح: المَسْك السوار من عاج".

المَسْك؟

طالب: نعم المَسكة.

مضبوط عندك؟ ماذا يقول؟

طالب: بدون مشكلة.

ماذا؟

طالب:...

مَسَك، لكن المَسْك الجلد.

طالب:...

مَسك ثور يعني جلد ثور، وإذا كان مضبوطًا بالفتحتين خلاص انتهى، عندك مضبوط؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

اكتب المضبوط.

طالب: أنا أقول ما كتب الضبط هو شكَّله فقط.

ولو بالشكل. مضبوط بالشكل.

"ففي الصحاح: المَسَك السوار من عاج أو ذَبْل، فغاير بينهما".

فدل على الذبل غير العاج.

"لكن قال القالي: العرب تسمي كل عظم عاجًا".

هذا من باب التوسع. هذا يقول: قرأت له، يعني شيخ الإسلام أنه صحّ العمل به دون تصحيحه، وذكر في موضع أنه موقوف، لكن في مواضع من الفتاوى نصّ على أنه حديث صحيح، وابن حجر كذلك.

"فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل، لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل. وقد اختلفوا في عظم الفيل بناءً على أن العظم هل تحُلُّه الحياة أم لا؟ فذهب إلى الأول الشافعي، واستدل له بقوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [سورة يس: 78، 79]. فهذا ظاهر في أن العظم تحله الحياة، وذهب إلى الثاني أبو حنيفة، وقال بطهارة العظام مطلقًا، وقال مالك: هو طاهر إن ذُكِّي بناءً على قوله: إن غير المأكول يطهر بالتذكية وهو قول أبي حنيفة".

شيخ الإسلام يتوسع في طهارة عظم الميتة ولبنها وأنفحتها وأشياء ثانية ذكرها الشيخ -رحمه الله-.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

طاهر هذا الأصل الطهارة أنها مأكولة اللحم، طاهرة بلا شك. لكن إذا ماتت الحمامة هل ينجس ريشها مثل ما نجس لحمها؟ هذا محل الكلام.

"قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس. قوله: (عن ميمونة) هي بنت الحارث خالة ابن عباس".

هذا ما شرحناه.

طالب:...

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "حدثنا إسماعيل بن أبي أويس" وهو ابن أخت مالك، قال: "حدثني مالك" يعني هل مالك يحدِّث؟

طالب:...

يُقرأ عليه، يُقرأ عليه، فمن لازم ذلك أن يقول: قال: أخبرني مالك ما يقول: حدثني مالك، لكن الإمام البخاري لا يفرق بين هذه الصيغ، صيغة حدثنا وأخبرنا، فيُتَسامح في ذلك.

طالب:...

ما يرى بينهما فرقًا، سهلة، إذا كانوا يرون جواز الرواية بالمعنى في المتون فمن باب أولى في الصيغ إذا جاءت، ولقائل أن يقول: ما دام إسماعيل هو ابن أخت مالك فقد يسمع منه، قد يسمع منه نعم. "عن ابن شهاب" الإمام الشهير محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: «ألقوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم»، جاء التقييد في بعض الروايات بالجامد، وعلى هذا يُفرَّق بين الجامد والمائع، فألقوها وما حولها يعني في الجامد؛ لأن نجاستها لا تسري إلى أجزاء أو إلى جميع أجزاء السمن، وهذا جاء التفريق في حديث مرفوع، لكنه ضعيف، وعلى هذا القول بإلقائها وما حولها هو ما يستفاد من حديث الباب، لكن من حيث المعنى إذا كان السمن جامدًا فإنها لن تتعدى المكان الذي وقعت فيه، وإذا كان مائعًا فهو كالماء يتعدى، وإذا تعدت وانتشر أثرها في السمن كالماء فاختلاف الحكم لا شك فيه بالنسبة للتفريق بين المائع والجامد، وأما الرواية التي فيها التفريق فضعيفة، فقال: «ألقوها وما حولها، فاطرحوه وكلوا سمنكم» إن كان هذا في الجامد فالمعنى ظاهر؛ لأن ما حولها هو الذي تأثر بها وما بعد عنها لم يتأثر؛ لأنه جامد، بخلاف المائع، وسيأتي في الشرح إن شاء الله ما يبين هذا.

"قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس. قوله: (عن ميمونة) هي بنت الحارث خالة ابن عباس، قوله: (سئل عن فأرة) بهمزة ساكنة، والسائل عن ذلك هي ميمونة. ووقع في رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث "أن ميمونة استفتت" رواه الدارقطني وغيره. قوله: (سقطت في سمن) زاد النسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن مالك: "في سمن جامد"، وزاد المصنف في الذبائح من رواية ابن عيينة عن ابن شهاب "فماتت". قوله: «وما حولها» أي من السمن".

لكن إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد تموت؟ إلا إذا كان قدرها، هي تموت إذا وقعت في السمن المائع وغرقت فيه، أما في السمن الجامد في الغالب لا تموت، وهنا يقول: وقعت في سمن جامد، في رواية: فماتت، قوله: «ألقوها وما حولها» أي من السمن فلا شك أن هناك فرقًا بين الجامد والمائع، وأنها في الجامد لا تموت إلا إذا وافق القدر، وأما إذا وقعت في المائع فكوقوعها في المار تغرق فيه فتموت، وإذا وقعت في المائع وحاولت الخروج ثم ماتت في أثناء هذه المحاولة فالذي يغلب على الظن أنها جابت السمن كله، يمينًا ويسارًا تطلع ثم تموت فالقول بالتفريق وله وجه، وإن كان الحديث الوارد فيه ضعيف. وما حولها أي من السمن؟

قوله: "حدثنا علي بن عبد الله" الإمام الشهير المعروف بابن المديني، قال: "حدثنا معن" هو ابن عيسى القزاز راوي أحد الموطآت عن مالك قال: "حدثنا مالك" قالوا في هذا مثل ما تقدم، والأصل أن يقول: أخبرنا مالك، "عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن ميمونة" خالته، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: «خذوها وما حولها فاطرحوه».

 قال معن: حدثنا مالك ما لا أحصيه يقول: عن ابن عباس عن ميمونة؛ لأن الروايات عن الإمام مالك فيها اختلاف من حيث ذكر بعض الرواة لميمونة، وعدم ذكرها، وكذلك ابن عباس بعض الرواة يذكره، وبعضهم لا يذكره.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماتت، نعم، فماتت، وزاد المصنف في الذبائح من رواية ابن عيينة: فماتت، المصنف البخاري هذا.

"قوله: (حدثنا معن) هو ابن عيسى القزاز. قوله: (خذوها وما حولها فاطرحوه) أي الجميع وكلوا الباقي كما دلت عليه الرواية الأولى. قوله: (قال معن) هو قول علي بن عبد الله فهو متصل، وأبعد من قال: إنه معلَّق، وإنما أورد البخاري كلام معن وساق حديثه".

قوله: قال معن في هذا نهاية الحديث: قال معن: حدثنا مالك ما لا أحصيه يقول، هل قال معن يرويه البخاري من طريق علي بن عبد الله المديني أو علقه عن معن، وما القاعدة في ذلك؟

طالب:...

ما فيه واو، ما فيه واو.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يقول: وحيث يريد التعليق ...

طالب:...

قديمة هذا، قوله: قالت عائشة في الحديث إيش؟ الثاني، قوله: قالت عائشة وهو بالإسناد الذي قبله، وإن كان بغير حرف العطف كما يستعمل المصنف وغيره كثيرًا، وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف، يعني يأتي بالواو، وقالت عائشة وقال معن، وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف، هذا في آخر شرح الحديث الثاني، قالت عائشة ..

طالب:...

نعم، عندي أنا أشياء تخالف القاعدة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

معروفة الحافظ ما هو معصوم، والقواعد التي تُدرَك يعني من بالاستقراء كما يفعل ابن حجر ليست كُلِّية، وإنما هي أغلبية، على كل حال عندنا قال معن، فعلى تقعيد الحافظ هو موصول، يعني من طريق علي بن عبد الله بن المديني.

"وأبعد من قال: إنه معلق، وإنما أورد البخاري كلام معن، وساق حديثه بنزول -بالنسبة للإسناد الذي قبله-، مع موافقته له في السياق للإشارة إلى الاختلاف على مالك في إسناده، فرواه أصحاب الموطأ عنه واختلفوا: فمنهم من ذكره عنه هكذا كيحيى بن يحيى وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة كالقعنبي وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس كأشهب وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس ولا ميمونة كيحيى بن بكير وأبي مصعب ولم يذكر أحد منهم لفظة "جامد" إلا عبد الرحمن بن مهدي، وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في مسنده عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب ورواه الحميدي، والحفاظ من أصحاب ابن عيينة بدونها وجوَّدوا إسناده، فذكروا فيه ابن عباس وميمونة، وهو الصحيح، ورواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب مجودًا، وله فيه عن ابن شهاب إسنادَ آخر".

إسنادٌ.

"وله فيه عن ابن شهاب إسنادٌ آخر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفأرة تقع في السمن قال: «إذا كان جامدًا فألقوها وما حولها وإن كان مائعًا فلا تقربوه» وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال في رواية معمر هذه: هي خطأ. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: إنها وهم".

يعني من حيث من حيث الثبوت بالإسناد، لا تثبت لا يثبتها الحفاظ، لكن من حيث المعنى ما فيه فرق بين الجامد والمائع؟

طالب:...

فيه فرق، نعم.

"وأشار الترمذي إلى أنها شاذة، وقال الذُهلي في الزهريات: الطريقان عندنا محفوظان، لكن طريق ابن عباس عن ميمونة أشهر، والله أعلم. وقد استشكل ابن التِّين إيراد البخاري كلام معن هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل، وأُجِيب بأن مراده أن إسماعيل لم ينفرد بتجويد إسناده. وظهر لي وجه آخر وهو أن رواية معن المذكورة وقعت خارج الموطأ هكذا، وقد رواها في الموطأ فلم يذكر ابن عباس ولا ميمونة، كذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طريقه، فأشار المصنف إلى أن هذا الاختلاف لا يضر؛ لأن مالكًا كان يصله تارة، ويرسله تارة، ورواية الوصل عنه مقدمة، إذ قد سمعها منه معن بن عيسى مرارًا، وتابعه غيره من الحفاظ، والله أعلم".

وأيضًا من مذهب مالك أنه لا يرى بالإرسال بأسًا، لا يرى بالإرسال بأسًا فالمرسل عنده حجةٌ كالموصول، وهو مذهب أبي حنيفة.

 واحتج مالك كذا النعمان          به وتابعوهما ودانوا

يعني المرسل، فكونه يصله مرة ويرسله أخرى فلأنه لا يرى الفرق بين الوصل والإرسال، وممن يرى الفرق بينهما ويروى عنه مرسلاً وأحيانًا موصولاً لا شك أن الراوي أحيانًا ينشط، فيذكر الإسناد كاملاً، وأحيانًا يستعجل فيرسله. وهذا معروف.

"(فائدة): أخذ الجمهور بحديث معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب".

الجمهور نعم.

"ونقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئًا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه، وأما المائع فاختلفوا فيه، فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة".

كالماء نعم.

"وخالف فريق: منهم الزهري والأوزاعي، وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الذبائح، وكذلك مسألة الانتفاع بالدهن النجس أو المتنجس، إن شاء الله تعالى. قال ابن المُنَيِّر: مناسبة حديث السمن للآثار التي قبله اختيار المصنف أن المعتبر في التنجيس تغير الصفات، فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتَغَيُّرِها بالموت، وكذا عظمها، فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير، واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير أنه لا يتنجس".

 كذلك السمن البعيد عن موقع الميتة، ما الفرق بين البعيد والقريب إذا لم يتغير؟

طالب:...

فكذلك السمن البعيد عن الموقع نعم النصّ يقول: ألقوها وما حولها، لكن بالنسبة لغير المتغيِّر من الماء عند من يقول بعدم نجاسته هل يقول: ألقوا منه شيئًا؟ يعني ما قرب منها؟ فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير..

طالب:...

لا، هو اتباع للنصّ النصّ اتباعًا للنصّ نعم. واقتضى ذلك أن الماء..

"واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير أنه لا يتنجس".

خلاص قف على هذا.

 اللهم صل على محمد.