كتاب البيوع (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

الحمد لله كما أمر، والصلاة والسلام على أفضل البشر نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولجميع المسلمين.

قال المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ أَحَبَّ البَسْطَ فِي الرِّزْقِ.

 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الكِرْمَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا حَسَّانُ، قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله-: "بَابُ مَنْ أَحَبَّ البَسْطَ فِي الرِّزْقِ"، ثم ذكر حديث أنس عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «مَنْ سَرَّهُ» في بعض الروايات «مَن أحب أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ»، لكن الرواية الصحيحة «مَنْ سَرَّهُ»، وهي بمعنى من أحب؛ ولذا ترجم الإمام البخاري –رحمه الله- بقوله: "بَابُ مَنْ أَحَبَّ" «أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ» يُزاد له في رزقه مع أن الرزق مكتوب ومُحدد وهو في بطن أمه، وكذلك الأجل محدد ومكتوبٌ أجله ورزقه وهو في بطن أمه، ومعلومٌ أن صلة الرحم إنما تكون بعد ذلك، فيكف يُزاد في الرزق ويُنسأ في الأجل بسبب أمرٍ سيحدث في أمرٍ قد حُسِم؟

يختلف أهل العلم في معنى البسط في الرزق، والنسأ في الأجل، فمنهم من يقول: إن المراد بذلك البركة، وإلا فرزقه مُحدد لا يزيد ولا ينقص، والأجل مُحدد لا يتقدم ولا يتأخر، لكن المراد بالبسط هنا والتأخير في الأجل البركة، والزيادة في البركة لا شك أنها أفضل وأعظم من الزيادة في العدد، فقد يكون بعض الناس دخله يسيرًا، لكنه مبارك، ويكفيه، ويعيش به مع أسرته وذويه، ويبذل منه ما يتصدق به، وبعض الناس دخله كثير، لكن لا بركة فيه، ومع ذلك دائمًا محتاج، وكثيرًا ما يكون مدينًا، ودخله كثير، والسبب في ذلك صلة الرحم.

وكذلك الأجل منهم من يقول: إن المراد به البركة، وهذا قول الأكثر، وهو الأظهر أن الزيادة والنسأ في البركة، وكم من شخص عاش مائة سنة، ومر في الدنيا وخرج منها كأنه لم يكن؛ لعدم البركة في عمره، وكم من شخصٍ عاش نصف هذه المدة أو أقل، وذكره إلى قيام الساعة، وأثره في الناس واضح، لو نظرنا إلى عمر بن عبد العزيز تسعة وثلاثين سنة، ابن عبد الهادي تلميذ شيخ الإسلام صاحب المحرر تسعة وثلاثين سنة، والنووي ستة وأربعين سنة، في أُناس كثيرين جدًّا جدًّا بارك الله في أوقاتهم، ونفع الله بهم نفعًا عظيمًا، وإن كانت يسيرة.

وأضعاف ذلك بالنسبة لبعض الناس، يعيش مائة وعشرين سنة ثلاثة أضعاف عمر بن عبد العزيز، ومع ذلك كأنه ما وطئ على هذه الأرض، وهذا القول ظاهر وملموس ومحسوس.

منهم من يقول: إن الزيادة تكون عند الكتابة، لكنها معلقة بالصلة، اكتبوا رزق عبدي فلان كذا، وإن وصِل رحِمه زيدوه كذا، وكذلك في العمر.

ومنهم من يقول: إن ما في علم الله –جلَّ وعلا- لا يتقدم ولا يتأخر، لكن ما في علم الملك الذي أُمِر بالكتابة قد يزيد وينقص.

في أقوالٍ لأهل العلم منهم يقول: اكتبوا لعبدي كذا وزكاته كذا، والزكاة مربوطةٌ بالصلة، كل هذه الأقوال الظاهر منها أنها في البركة، وهذا ظاهر.

{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] منهم من يقول: إن الآية مفادها أنه إذا حضر الأجل لا يُمكن تقديمه، أما إذا لم يحضر فيُمكن تقديمه وتأخيره بالسبب الذي هو الصِّلة.

على كل حال الأثر واضح فيمن يصل الرحم، لكن إذا كانت صلته من أجل أن يُبسط له في رزقه؛ لأن الصِّلة من أعظم القربات، والقطيعة من عظائم المحرمات، فإذا كانت الصِّلة من أجل أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أجله فهل يُؤثر ذلك على أجره أو لا يؤثر؟ لا شك أنه إذا كان قصده محضًا أن يُنسأ له في أجله، ولم ينظر إلى ثواب الله، ولم ينظر إلى عقاب الله فإن هذا ليس له إلا ما نوى، وكذلك الزيادة في الأثر أو النسأ في الأثر.

أما إذا كان قصده التقرب إلى الله –جلَّ وعلا- بامتثال أمره بالصلة واجتناب نهيه في القطيعة هذا يؤجر ولو استحضر، وسَره أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أجله؛ لأنه لو كان مؤثرًا على النية ما ذُكِر ورُغِّب به في الحديث، مع أنه فيه ضعف في الحديث «داووا مرضاكم» لكن لو الإنسان تصدق وما قصد بهذا إلا أن يُشفى مريضه ليس له إلا ذلك، لكن إذا قصد بذلك الثواب، وقصد معه ما جاء معه إن صح الخبر بأن ما يُذكر في الأحاديث لا يؤثر على النية.

الآن لو الإنسان وصِل رحِمه وأحب أن يُبسط له في رزقه ما تتأثر نيته إلا إذا كانت محضة ما يقصد بذلك ثوابه.

قال –رحمه الله تعالى-: "قوله: "محمد بن أبي يعقوب" إسحاق أبو عبد الله، "الكرماني" بكسر الكاف والنون، النووي –رحمه الله تعالى-: كرمان اسمٌ لتلك الديار التي قصبتها يزدشير، وقد غلب على يزدشير حين كانت مقصد القوافل والملوك والعساكر، قال: وهو بفتح الكاف أقول: هو بلدنا، وأهل البلد أعلم ببلدهم من غيرهم، وهم متفقون على كسرها مات سنة أربع وأربعين ومائتين".

النووي وجمع من أهل العلم يقولون: هو كرمان بفتح الكاف، والنِّسبة إليها كرماني، لكن يقول: هو بلدنا، ونحن أعلم بها، وأهل مكة أدرى بشعابها، فهو بكسر الكاف فحسب.

قال –رحمه الله تعالى: "و"حسان" منصرفًا وغير منصرف من الحُسن أو الحِس".

يعني إذا كان من الحُسن فالنون أصلية وهو منصرف، وإذا كان من الحِس فالنون زائدة مع الألف فيكون ممنوعًا من الصرف.

"أو الحِس بن إبراهيم أبو هشام العنزي بالمهملة والنون المفتوحتين وبالزاي قاضي كرمان، مات سنة ستٍّ وثمانين ومائة.

قوله: "يُنسأ" من الإنساء وهو التأخير، ومنه النسيء".

النسيء في الأشهر الذي كان معروفًا في الجاهلية {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37] نعوذ بالله وهو تأخير الأشهر، ومنه ربا النسيئة عند تأخير الدفع.

قال –رحمه الله تعالى-: "و{الأثر} هو باقي العمر، و"وصل الرحم" تشريك ذوي القرابات في الخيرات، وهو قد يكون بالمال وبالخدمة وبالزيارة ونحوها، واختلفوا في الرحم فقيل: هو كل ذي رحمٍ محرَّم، وقيل: وارثٌ، وقيل: هو القريب مَحرمًا وغيره".

نعم يختلفون في الرحم فقيل: يشمل جميع ذوي القرابات ممن يجمعهم رحم واحد في الطبقة الأولى والثانية الأجداد والأعمام وأباء الأجداد وهكذا.

وعلى كل حال ليس هناك ضابط يضبط ذوي الأرحام الذين تجب صلتهم إلا المشقة، فإذا شقَّت هذه الصِّلة خف أمرها؛ ولذا يفرقون بين من له عمٌّ واحد وبين من له عشرة أعمام، وهذا العم ليس له ولد إلا ولدٌ واحد، والأعمام لهم أربعون، خمسون ولدًا، هؤلاء يختلفون في الصِّلة، يجب على هذا ما لا يجب على هذا، وكذلك الأخوال والخالات وهكذا، فالمشقة تجلب التيسير. 

قال –رحمه الله تعالى-: "بَاب شِرَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّسِيئَةِ.

 قال: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ، الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ.

 ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ أَبُو اليَسَعِ البَصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعُ بُرٍّ، وَلاَ صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَاب شِرَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّسِيئَةِ" يعني بالتأجيل يأخذ السلعة دَينًا، ويؤجل ثمنها، وهكذا كان عيشه –عليه الصلاة والسلام- مات ودرعه مرهون عند يهودي، ويمر الشهر ويُرى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في بيوته نار –عليه الصلاة والسلام-، ولا أمسى وعنده "صَاعُ بُرٍّ، وَلاَ صَاعُ حَبٍّ". وقال –عليه الصلاة والسلام-: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تأتي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِرهم إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، وبهذه الطريقة وبهذا الأسلوب يرغب الإنسان إلى ربه، ويُشمر على الآخرة وما يُرضي الله –جلَّ وعلا-، ولا يكون عنده شيءٌ يتشبث به، ويتعلق به من أمور الدنيا، بينما الذي جمع الأموال وعمَّر القصور والضيعات يخشى على هذه الأمور التي تعب عليها، ويتعلق بها ويتشبث بها، ولا تجده يحرص مثل ما يحرص غيره على أفعال الخير؛ لأنه مشغول بأمور دنياه.

المقصود أن هذه حاله، وهذا عيشه –عليه الصلاة والسلام- وهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله –جلَّ وعلا-، والدنيا لو كانت تزن جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء، وركعتا الصبح خيرٌ من الدنيا وما فيها، والله المستعان.

قال –رحمه الله تعال-: "قوله: "معلى" بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة "ابن أسد" مر في الحيض، و"إبراهيم" هو النخعي.

قوله: "طعامًا" فإن قلت: هذا عكس السَّلم؛ لأنه عقدٌ موصوفٌ في الذمة، وهاهنا الثمن في الذمة، قلت: السَّلم السلف، وهو أعم من ذلك".

كما يجوز السَّلم وهو أن يقبض المال ويؤجل السلعة، وهو جائزٌ بالإجماع، والدَّين أو الشراء بالنسيئة جائزٌ كذلك بالإجماع إذا توافرت شروطه، وهو الذي قال الله –جلَّ وعلا- فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] فهذا جائز، وهذا جائز.

"قوله –رحمه الله تعالى-: "مسلم" بلفظ الفاعل من الإسلام، و"محمد بن عبد الله بن حوشب" بفتح المهملة وسكون الواو وفتح المعجمة وبالموحدة الطائفي، مر في الصلاة، و"أسباط" بفتح الهمزة وسكون المهملة وبالموحدة وبالمهملة، "أبو اليسع" بلفظ مضارع السعة مُعرفًا بالألف واللام، "البصري" بفتح الباء وضمها وكسرها، و"الدستوائي" منسوبٌ إلى دستواء بفتح المهملة الأولى وسكون الثانية وفتح الفوقانية وبالمد قريةٌ بالأهواز.

قوله: "إهالة" بكسر الهمزة وخفة الهاء، و"السَّنِخة" بفتح المهملة وكسر النون، وبالمعجمة المتغيرة الرائحة من طول الزمان".

النبي –عليه الصلاة والسلام- أضافه يهودي على خبز شعيرٍ وإهالةٍ سَنِخة، يعني رائحتها متغيرة، لكن لا تصل إلى حد الضرر؛ لأن الضار لا يجوز أكله؛ ولذا قال النبي –عليه الصلاة والسلام- لأبي ثعلبة في الصيد: «كُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» إذا ظهر له رائحة، والفرق بين ما فيه هذا الحديث وذاك الحديث أن النتن متفاوت، منه ما يصل إلى حد الإضرار فهذا لا يجوز أكله، ومنه ما يكون فيه التغيير اليسير الذي لا يضر.

قال –رحمه الله تعالى-: "وفيه جواز الرهن في الحضر، وإن كان في التنزيل مقيدًا بالسفر".

{وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] إن كنتم على سفر، لكن هذا فرض، السفر فرض، والحضر فرض، ودل الحديث على جواز الرهن في الحضر.

قال –رحمه الله تعالى-: "وفيه معاملة من يظن أن أكثر ماله حرام".

هذه حال اليهود أكثر مالهم حرام، لكن ما لم تتيقن أن هذا العقد الذي معه أو المال الذي أقرضك إياه من حرام.

قال –رحمه الله تعالى-: "ما لم يتيقن أن المأخوذ بعينه من جملة الحرام، وفيه بيان ما كان- صلى الله عليه وسلم- عليه من التقلل من الدنيا، وجواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة؛ وأما معاملته معهم فلبيان جواز ذلك، أو لأنه لم يكن عند غيرهم طعامٌ فاضلٌ عن حاجتهم، أو لأن الصحابة لا يأخذون رهنه، ولا ثمنه، فلم يُرد للتضييق عليهم، أو لغير ذلك".

قد يقول قائل: لماذا اشترى من اليهود –عليه الصلاة والسلام- وترك معاملة المسلمين، وفيهم أغنياء وعندهم؟

لا شك أن المسلم يُحرَج من التعامل معه –عليه الصلاة والسلام-، قد لا يأخذ منه الثمن، وقد لا يقبل الرهن، فهذا النبي –عليه الصلاة والسلام- يتجنب مثل هذا الإحراج. 

"قوله: "ولقد سمعته" كلام قتادة، وفاعل "يقول" أنس".

يقول: هذا كلام قتادة ورده الحافظ ابن حجر بل هو كلام أنس، ففي كلام أنس يقول ابن حجر في (فتح الباري): "ولقد سمعته يقول هو كلام أنس، والضمير في "سمعته" للنبي -صلى الله عليه وسلم- أي: قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهرًا للسبب في شرائه إلى أَجل، وذَهل من زعم أنه كلام قتادة" يعني الكرماني "وجعل الضمير في "سمعته" لأنس؛ لأنه إخراجٌ للسياق عن ظاهره بغير دليلٍ، والله أعلم".

قال –رحمه الله تعالى-: "و"صاع حَب" تعميمٌ بعد تخصيص، فإن قلت: كان يدخر لنفقات أزواجه كفاية سنة".

الحَب تعميم أعم من البُر؛ لأنه يشمل الشعير، يشمل الذرة، ويشمل غيرها.

فإن قلت: كان يدخر لنفقات أزواجه كفاية سنة، قلت: كانت من غير الحَب، ولفظ الآل مُقحم".

ولعله من التمر ما يأتيه من تمر خيبر فيدخره لأهله قوت سنة، وهذا في أول الأمر يدخر ما يتوقع أنه يكفي سنة، ثم قد يتصدق به ويبقى أيامًا ما عنده شيء -عليه الصلاة والسلام – وقد ذكر هذا لبيان الجواز.

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ.

 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا- قَالَتْ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا المَالِ، وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ".

نعم يأكل من بيت المال، والخليفة إذا انقطع عن العمل وعن التجارة يُفرض له من بيت المال، وقد فرض الصحابة لأبي بكر نصف شاة راتبه رضي الله عن الجميع.

"حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى- عَنْهَا: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ، رَوَاهُ هَمَّامٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ".

"أَرْوَاحٌ" جمع الريح من سبب مزاولة العمل والتجارة والكسب يعملون بأيديهم "عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ" رضي الله عنهم وأرضاهم.

والآن إذا توظف الشاب أحضر الخادم، وأحضر السائق، وتصرف تصرفات لا تليق، والله المستعان.

طالب:.........

لقد سمعته يقول قتادة: يقول: سمعت أنسًا من كلام النبي –عليه الصلاة والسلام- هذا هو الأصل.  

 قال –رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ».

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ»".

يعني فيحتطب ويتكسَّب ولا يتكفف الناس، ولا ينظر إلى ما في أيديهم.

اقرأ الشرح:

"باب كسب الرجل، "قوله: "شُغِلت" بضم الشين، الخطابي: الحرفة والاحتراف الكسب، وهما بإزاء ما يأكل من بيت أموال المسلمين، وفيه بيان أن للعامل أن يأخذ من المال الذي يعمل فيه قدر عمالته إذا لم يكن فوقه إمامٌ يقطع له أجرةً معلومةً منه.

قوله: "محمد" قال الغساني: لعله محمد بن يحيى الذُّهلي، و"عبد الله بن يزيد" من الزيادة".

ومعلومٌ موقف الإمام البخاري من الذُّهلي في مسألة اللفظ بالقرآن؛ ولذلك لم يُسمِّه تسمية كاملة، الذُّهلي ثقة وإمام من أئمة المسلمين في باب الرواية، ما أحد يطعن فيه، وقد روى عنه البخاري في مواضع، لكنه ما سماه باسمه التام، قد يقول: حدثنا محمد بن يحيى ينسبه إلى جده، وقد يُهمله بدون نِسبة، فكونه عنده ثقة خرَّج أحاديثه؛ ولما بينهما الاختلاف في مسألة اللفظ بالقرآن لم يُسمِّه؛ لئلا يُظن أنه يثق بمنهجه وطريقته.

وقوله –رحمه الله تعالى-: "و"عبد الله بن يزيد" من الزيادة، المقرئ مر في الصلاة، و"سعيد" ابن أبي أيوب المصري في التهجد، و"أبو الأسود" محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة بن الزبير في الغُسل".

يعني تراجم هؤلاء الرواة مروا في هذه الأبواب.

"قوله: "فكان يكون" فإن قلت: ما وجه هذا التركيب؟".

كان يكون، ما معنى وجه التركيب؟

"قلت: في "كان" ضمير الشأن، فإن قلت: الشأن المراد إما ماضٍ أو مستقبل فما التلفيق بينهما؟ قلت: ماضٍ، وذكر "يكون" بلفظ المضارع استحضارًا وإرادةً للاستمرار و"الأرواح" جمع الريح، وأراح اللحم أي: أنتن و"لو اغتسلتم" جزاؤه محذوف أو هو للتمني".

يعني لو اغتسلتم لكان أفضل؛ لأن الذي يعمل بيده ويعتمل ويزاول المهن لا بُد أن تظهر له رائحة لاسيما في أيام الحر.

قال –رحمه الله تعالى-: "عيسى" هو ابن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي مر في الصلاة و"ثور" بفتح المثلثة ابن يزيد من الزيادة، الكلاعي بفتح الكاف وخفة اللام وبالمهملة، الحافظ كان قدريًّا فأُخرِج من حمص وأحرقوا داره، فارتحل إلى بيت المقدس، فمات به سنة خمسين ومائة و"خالد بن معدان" بفتح الميم وسكون المهملة وبالنون، الكلاعي كان يُسبِّح في اليوم أربعين ألف تسبيحة مات سنة ثلاثٍ ومائة، و"المقدام" بكسر الميم بن معدي كرب الكندي مات سنة سبعٍ وثمانين، والأربعة شاميون.

قوله: «خَيْرًا» وذلك لأن فيه إيصال النفع إلى الكاسب وإلى غيره، والسلامة عن البطالة المؤدية إلى الفضول، ولكسر النفس به، وللتعفف عن ذل السؤال، وكان داود -عليه السلام- يعمل السرد ويبيعه لقومه.

قوله: "أبو عبيد" مصغر العبد مر في صوم يوم الفطر حيث قال: ويقال له أيضًا: مولى بني أزهر".

مولى بن أزهر.

"مولى بن أزهر.

قوله: «حُزْمَةً» بضم المهملة وسكون الزاي، وحزمت الشيء أي: شددته، وأما كونه خيرًا فعلى تقدير الإعطاء؛ ليُنزهه عن مذلة السؤال، وعلى تقدير المنع؛ فلذلك ولعدم التباسه بألم الحرمان.

قوله: "وكيع" بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة مر في كتاب العلم".

"فعلى تقدير الإعطاء" لأن فيه خيرٌ من أن يسأل أحدًا فيُعطيه أو يمنعه، يعني خيرٌ له من أن يُعطيه أو يمنعه، يسأل واحد احتمال يُعطيه واحتمال ما يُعطيه، فكونه خير في حال الإعطاء يعني هل أخذ الحُزمة أفضل من كونك تسأل وتُعطى؟ وهل أخذ الحزمة أفضل من كونك تسأل فتُمنع؟ يقول: "فعلى تقدير الإعطاء؛ ليُنزهه عن مذلة السؤال، وعلى تقدير المنع؛ فلذلك ولعدم التباسه بألم الحرمان" يعني ذل السؤال موجود سواءً أُعطي ولا ما أُعطي، فإذا أُعطي اكتفينا بذل السؤال، لكن إذا لم يُعطَ فيه ذل سؤال وفيه حرمان، فيه ألم للحرمان الذي هو ترك العطاء.

"قوله: و"الأحبل" جمع الحبل نحو الفلس والأفلس، أي: أخذ الحبل والاحتطاب خيرٌ من السؤال، وتمام الحديث «خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاس»".

طالب:..........

كسب الرجل بيده هذا الأصل، لكن يقوم مقامها التدبير مثلًا الإدارة والتوجيه أحيانًا يحتاج إلى هذا أكثر من هذا.

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالبَيْعِ، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».

"باب السهولة والسماحة والعفاف" أي: الكف عمَّا لا يحل".

يعني التعفف ترك ما لا يحل له، والسماحة هي السهولة واليسر.

"قوله: "علي بن عياش" بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالمعجمة و"أبو غسان" بفتح المعجمة وتشديد المهملة وبالنون "محمد بن مطرف" بإهمال الطاء بلفظ الفاعل من التفعيل و"محمد بن المنكدر" بصيغة الفاعل من الانكدار.

قوله «رَحِمَ اللَّهُ» فإن قلت: هذا إخبارٌ أم دعاء؟ قلت: ظاهره الإخبار عن حال رجلٍ كان سمحًا، لكن قرينة الاستقبال المستفاد من «إِذَا» تجعله دعاء وتقديره رحم الله رجلاً يكون سمحًا، وقد يُستفاد العموم من تقييده بالشرط و"السمح" بسكون الميم الجواد والمتساهل والموافق على ما طُلِب".

يعني قوله –عليه الصلاة والسلام-: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» يعني الاحتمال بكونه خبر عن رجلٍ بعينه إن الله رحمه لهذه الأوصاف أو أنه دعاء لكل من اتصف بهذه الأوصاف؟ لا شك دعاء ليس بخبر عن شخصٍ انتهى؛ لأنه قال: «إِذَا» ما قال: (إذ) التي هي للماضي «إِذَا» للمستقبل.

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قال: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَلَقَّتِ المَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ المُوسِرِ» قَالَ: قَالَ: «فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ، وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ: أُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: فَأَقْبَلُ مِنَ المُوسِرِ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ".

"قوله: "زهير" مُصغر الزهر و"ربعي" بكسر الراء وسكون الموحدة وبالمهملة وشدة التحتانية".

يعني الاختصار في التراجم إلى هذا الحد؛ لأنها تقدمت أكثر من مرة هو في الموضع الأول يبسط الترجمة ويأتي بشيءٍ من أندر ما ذُكِر عن هذا الراوي، لكنه بعد أن مضى في الكتاب صار يختصر كل موضع أخصر من الذي قبله إلى أن يكون مجرد تعليقات يسيرة، وهنا في التراجم إحالات، ضبط للفظ وإحالة على موضع ترجمته السابق.

 قوله –رحمه الله-: "ابن حراش" بكسر المهملة وخفة الراء وبالمعجمة مر في باب إثم من كذب في كتاب العلم".

حِراش بكسر المهملة التي هي الحاء، وهذا أمر أطبق عليه أهل العلم بأنه بالمهملة، وقال: المنذري في (تهذيب السُّنن) إنه بالخاء المعجمة ولا يُلتفت إلى هذا.

"قوله: "تلقت" أي: استقبلت و"أَعمِلت" وفي بعضها بدون همزة الاستفهام لفظًا".

لكنه مراد يسألونه عمِلت شيئًا؟

"و"الفتيان" الغلمان الذين يقومون بأمره و"يُنظِروا" أي: يمهلوا و"التجاوز" المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء، والظاهر أن صِلة يًنظِروا محذوفٌ وهو عن المعسر، ولفظ "عن الموسر" متعلقٌ بالتجاوز، لكن البخاري جعله متعلقًا بهما بدليل الترجمة بالموسر حيث قال: "باب من أنظر موسرًا".

من يُنظر موسر يُمدح؛ لأنه إذا كان يُنظر الموسر فلا شك أنه بالنسبة للمعسر من باب أولى.

"قوله: «فَتَجَاوَزُوا» بلفظ الأمر وهو قول الله تعالى".

يعني قول الله تعالى في الحديث القدسي المذكور.

"و"أبو مالك" سعد بن طارق الأشجعي الكوفي، و"عبد الملك" ابن عميرة مًصغَّر عمر المشهور بالقبطي، و"نُعيم" مُصغَّر النِّعم "ابن أبي هند" الأشجعي".

"بَابُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا: قال –رحمه الله تعالى-: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ".

لكن إنظار المعسر ما حكمه إذا جاء الحث على إنظار الموسر؛ لأن السياق سياق مدح، وكوفئ على ذلك وجُزي عليه، فماذا عن إنظار المعسر هل يجب أم لا يجب؟ {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] يجب إنظاره.

قال –رحمه الله تعالى-: "عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ»".

"و"هشام بن عمار" أبو الوليد الحافظ السُّلمي مات بدمشق سنة خمسٍ وأربعين ومائتين، و"يحي بن حمزة" بالمهملة والزاي قاضي دمشق مر في الصوم في باب إذا صام يومًا".

أيامًا.

"إذا صام أيامًا، و"محمد بن الوليد" الشامي "الزبيدي" بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون التحتانية وبالمهملة في العلم".

يعني مر في كتاب العلم.

قال –رحمه الله تعالى-: "فإن قلت: ما حد الموسر؟ قلت: الإيسار أمرٌ اعتباري يختلف باختلاف الأحوال، فقيل: إنه الذي يملك نصاب الزكاة، وقيل: من لا تحل الزكاة، وقيل: من يجد فاضلاً عن ثوبه ومسكنه وخادمه ودَينه وقوت يومه، وقيل: الغني العُرفي والمعسر في مقابله".

يعين مرد ذلك إلى العُرف، الغنى قبل خمسين سنة يختلف عن الغنى في هذه الأيام، اللي عنده مائة في تلك الأيام غني يشتري بها ما يكفيه لمدة شهر، اللي راتبه مائة لا تحل له الزكاة ولو كان في بيت إيجار، الآن الأسبوع الماضي نُسئل عن شخصٍ راتبه اثنا عشر ألف، خمسة عشرة ألف وثمانمائة ألف وعليه ثلاثة ألاف أقساط، وعنده بيت وعنده أسرة بنين وبنات في حدود سبعة أو ثمانية ويقول: أنه لا يكفيه، يسأل عن الزكاة، لا شك أن هذه أمور عُرفية إذا احتاج الحوائج الأصلية وغير مُبذِّر له أن يأخذ من الزكاة ما يُكمل حاجته، لكن لا شك أن مثل هذا مُبذِّر اثنا عشر ألف يوميًا أربعمائة ريال تكفي، وبعض من يُفتي يُعينه على التبذير، ولو شُدِد عليه يعيش، وفي الواقع الذي نعيشه أنه كثير من الخدم والمستخدمين بالدوائر الحكومية تجده يدين أقساط على كبار الموظفين بل فيهم المدير، وهذا حاصل، كل هذا سببه سوء التدبير.      

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ إِذَا بَيَّنَ البَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا، وَيُذْكَرُ عَنِ العَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ العَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ المُسْلِمِ مِنَ المُسْلِمِ، لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ، وَلاَ غَائِلَةَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الغَائِلَةُ: الزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَالإِبَاقُ، وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ، وَسِجِسْتَانَ، فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ اليَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ".

بعض الناس يُسمي غرفة في بيته باسم بلد يتفق مع عياله أن هذه الغرفة اسمها مكة مثلًا أو المدينة أو كذا، فإذا جاء من يطلبه بحق، قال: والله الوالد بمكة، وهكذا مثل التدليس الحاصل، يقول: جاء من سجستان، جاء من خراسان.

وتختلف المقاصد يعني إذا كان مدين ويُطالب بحق هذا لا يجوز له بحال أن يفعل مثل هذا الفعل، لكن إذا كان له أصحاب يُشغلونه عن أموره التي تهمه في دينه أو دنياه ويقضون على أوقاته وهو طالب علم يراجع ويقرأ ويحفظ وكذا، ويسمي هذا مكة لكن لا يبعد عن مكة يتبين كذبه، يكون شيء قريب راح الدريرة راح كذا؛ من أجل أن يتخلص لأن الحيل التي يُتَوصَّل بها إلى أمرٍ شرعي شرعية، لكن الذي يُتخفى بها من واجب أو يُرتكب فيها مُحرَّم هذه مُحرَّمة هذه حيل اليهود، وبعض الناس يُحب الإحراج عند الإشارة يتصل عليه، يقول: أين أنت يا أبو فلان؟ وراءه بجانبه لكنه ما رآه، يقول: أنا والله مسافر، قال له: التفت، هذا إحراج للناس ما يصح مثل هذا الأسلوب، لا تُحرج أخاك بأن تُحوجه إلى الكذب، وهو ما يُريدك في هذا الوقت ما يُريدك، لو كان يُريدك ما فعل مثل هذا، وهذا كثير في حياة الناس ويُفرَّق بين من يُطلب بحق أو يُريد أن يتنصل من واجب هذا لا يجوز بحال، لكن من يُريد أن يلجأ إلى حق، آجل من قراءته في القرآن جزء، ولن يستقبلك في هذا الوقت أو جزأين أو باقي من حفظه أو مراجعته لمسألة علمية وأنت ما عندك شغل، لا مانع أن يُورَّى، النبي –عليه الصلاة والسلام- إذا أراد شيئًا وَرَّى بغيره عليه الصلاة والسلام.   

قال –رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»".

طالب:..........

لا أعرف لكن جاء في القرض أنه كمن تصدق بنصفه، من أقرضه مرتين فكأنما تصدق بأصل القرض.

قوله –رحمه الله-"باب إذا بيَّن البيعان" قوله: "بيَّن" أي أظهر ما في المبيع من العيب والبيعان بكسر التحتانية الشديدة وأطلق البيع على المشتري تغليبًا أو هو من باب إطلاق لفظ المشترك وإرادة معنييه معًا".

لأن البيع يُطلق على الشراء، والبائع يُطلق على المشتري، وكلٌّ من المتعاقدين بائع وفي الوقت نفسه مشتري؛ لأنه يُخرج ما في يده ويأخذ مقابله، وهذه حقيقة البيع والشراء.

قوله: "وإرادة معنييه معًا إذ البيع جاء للمعنيين".

إرادة المعنيين يعني الحقيقي والمجازي، في البيع حقيقته في إخراج السلعة من اليد في مقابل الثمن، والشراء إخراج الثمن، فيكون الحقيقة إخراج السلعة، والمجاز إخراج القيمة من اليد، فيكون استعمالٌ للفظ في معنييه الحقيقي والمجازي، وهي مسألةٌ خلافية عند أهل العلم، لكن إطلاق البيع والشراء على كل واحدٍ منهما وارد في النصوص.   

"قوله: "العداء" بفتح المهملة الأولى وشدة الثانية وبالمد، "ابن خالد" العامري أسلم بعد الفتح وكان يسكن البادية.

قوله: "خبثة" بلفظ النوع من المصدر "الغائلة" بلفظ الفاعل من الغول أي: الهلاك.

اعلم أن العداء هو من بني ربيعة من أعراب البصرة اشترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه أمةً وعبدًا، والمراد بالداء العيب الموجب للخيار، وبالغائلة ما فيه هلاك مال المشتري ككونه آبقًا، وبالخبثة أن يكون مُحرَّما كما يُعبَر عن الحِل بالطيب".

{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].

"وليس فيه ما يدل على أن المسلم إذا بايع الذمي جاز له أن يغشه، بل أراد به بيان حال المسلمين إذا تعاقدوا، فإن من حق النصيحة لأخيه أي يصدق كل واحدٍ منهما صاحبه، فإن قلت: العادة أن البائع يكتب مثل هذه الحجة".

طالب:........

يكتب يعني وثيقة في البيع.

"فإن قلت: العادة أن البائع يكتب مثل هذه الحُجة، قلت: قد يكتب المشتري أيضًا، وكلاهما عادة، وأما إذا كان الثمن في الذمة، فالبائع هو الكاتب البتة، فإن قلت في بعض الروايات: هذا ما اشترى العداء بن خالد من محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى آخره، قلت: رواية البخاري هي المشهورة".

يقول: ما اشترى العداء من باب إطلاق الشراء وإرادة البيع على التوسع الذي تقدم ذكره.

قال-رحمه الله تعالى-: "قال التيمي: "بيع المسلم".

أي: أبيعك بيع المسلم.

"نُصِب على أنه مصدرٌ من غير فعله؛ لأن البيع والشراء متقاربان، ويجوز الرفع على كونه خبر المبتدأ المحذوف، و"المسلم" الثاني منصوبٌ بوقوع فعل البيع عليه، قال صاحب الغريبين".

الهروي صاحب الغريبين.

"ويكتب في عهدة الرقيق لا أداء ولا خبثة ولا غائلة، فالخبيثة".

الخبثة مع أنها مقابلتها بالطيبة الأولى الخبيثة.

قال –رحمه الله تعالى-: " فالخبثة أن تكون غير طيبة، لأنه من قومٍ لم يحل سبيهم لعهدٍ ونحوه، وكل حرامٍ خبيث، وقيل: الغائلة: الخيانة.

قوله: "النخاسين" جمع النخاس بفتح النون وشدة المعجمة وكسر المهملة، و"أُرى" بضم الهمزة معناه أظن، و"خراسان" بضم الخاء الإقليم المعروف موطن الكثير من علماء المسلمين، "وسجستان" بكسر المهملة الأولى والجيم وسكون الثانية وبالفوقانية اسمٌ للديار التي قصبتها زِرنج".

بفتح الزاي والراء "زَرَنج".

"زَرَنج بفتح الزاي والراء وإسكان النون والجيم، وهذه المملكة خلف كرمان بمسيرة مائة فرسخ، وهي إلى ناحية الهند، ويقال: له السجز".

السجستان أو السجز، سجستاني وسجزي يُقال، أبو داود سجستاني وأبو نصر سجزي وكلهما منسوب إلى بلدٍ واحد.

"بكسر المهملة وسكون الجيم وبالزاي، وفي بعض النسخ أُرى بوزن فعول، فقبلت الواو ياء وأُدغِم وهو محبس الدابة، وقد يُسمى الحبل الذي تُشد به الدابة في محبسها به.

قال: التيمي: الأري المعلَّف وأصله من قولهم: تآريت في المكان، أي: احتبست، قال: وهذه الكراهة من باب كراهية تزيين السلعة.

قوله: "عقبة" بضم المهملة وسكون القاف الجهني الشريف الفصيح الفرض الشاعر شهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر -رضي الله عنه- بفتح دمشق، ووصل المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف بدعائه عند قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تقريب طريقه، مات بمصر واليًّا سنة ثمانٍ وخمسين، ومر في الصلاة".

أما كونه يدعو عند قبر النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يختصر عليه الطريق، فهذا البركة به –عليه الصلاة والسلام- لا بقبره، ولا بالدعاء عند قبره، المدعو هو الله –جلَّ وعلا- ولا يجوز دعاء النبي –عليه الصلاة والسلام- ولا التبرك به، ولا القرب من قبره أو التمسح به، كل هذا من البدع، والكرماني ما عنده مشكلة في هذا وكثير مر كثير وأنه حرر بعضًا من الكتاب اللي هو الشرح عند قبر النبي –عليه الصلاة والسلام- وبعضًا منه عند قبر ابن عباس وهكذا.

 قال –رحمه الله تعالى-: "قوله: "سليمان بن حرب" ضد الصلح، و"صالح" ابن أبي مريم "أبو الخليل" ضد العدو البصري".

الخليل ضد العدو؛ لأنه جرت العادة بضبط الأسماء بالضد حرام بن عثمان ضد الحلال، حرام ضد الحلال أو بلفظه ضد الحلال، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار، وهكذا من أجل أن يُضبط اللفظ بحيث ما يلتبس بغيره.

قال –رحمه الله تعالى-: "و"عبد الله بن حارث" ابن نوفل الهاشمي المدني والي البصرة، وكان أهلها يلقبونه بَبَّه بفتح الموحدة الأولى وشدة الثانية، وهرب من الحجاج إلى عمان، ومات بها سنة أربعٍ وثمانين، و"حكيم" بفتح الحاء وكسر الكاف "ابن حزام" بكسر المهملة وخفة الزاي الأسدي مر في الزكاة، وقال بلفظ "رفعه" ليشمل سماعه عنه بالواسطة وبدونها".

"ليشمل سماعه عنه بالواسطة وبدونها" رفعه إلى حكيم بن حزام، يعني سمعه منه.

"قوله: «بِالخِيَارِ» أي: خيار المجلس «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» عن المجلس، فإن صدق كل واحد في صفات المبيع وبين عيوبه ونقائصه «بُورِكَ» أي: كثر نفع المبيع، وكلٌّ من الثمن والمثمن يصدق عليه أنه مبيع".

يعني هذا يُبارك له بالسلعة، وذاك يُبارك له في الثمن إذا صدقا وبيَّنا ولم يكتما شيئًا من العيوب.

قال –رحمه الله-: "بَابُ بَيْعِ الخَلْطِ مِنَ التَّمْرِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ".

الخِلط بكسر الخاء.

قوله –رحمه الله-: " "بَابُ بَيْعِ الخِلْطِ مِنَ التَّمْرِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ؟، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ، وَهُوَ الخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ»".

هذا عين الربا كما أنكره النبي –صلى الله عليه وسلم- على من فعله.

"باب بيع الخِلط من التمر" الخِلط بكسر المعجمة: الدقل من التمر وكذا "الجمع" بفتح الجيم".

بيع الجمع واشتري بالثمن جنيبًا، إذا كان عندك تمر رديء وتُريد تغيره ما تبدله بتمر تبيع الردي وتشتري طيب.

"بَاب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الجُوعَ، فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، فَأْذَنْ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ» فَقَالَ: لاَ، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ".

"و"اللحام" أي: بياع اللحم و"الجزار" أي: الذي يجزر أي: ينحر الإبل "وشقيق" بفتح المعجمة وكسر القاف الأولى هو أبو وائل".

شقيق ابن سلمة.

"قوله: "أبو شعيب" بضم الشين و"القصاب" هو الذي يقطع المذبوح عضوًا فعضوًا، و"رجل" أي: سادسهم".

الترجمة "بَاب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ" اللي يبيع اللحم والقصَّاب اللي هو الجزار، إذًا هذه المهنة مباحة مع ما يعتريها من مزاولة النجاسة أحيانًا من دمٍ مسفوح ونحوه، وما عُرِف من تساهل الجزارين في هذا، وما عُرِف عن بعضهم من الغش أحيانًا، وهذا موجود إلى وقتنا هذا، هل هذه العلل كافية في تحريم المهنة ولا لا؟ الإنسان قد يتقي هذه الأمور ويحترف هذه المهن ويسعى لإبراء ذمته من مزاولة النجاسة ويتقيها، وينصح للناس، فتكون كغيرها من المهن. 

قال –رحمه الله-: "بَاب مَا يَمْحَقُ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ فِي الْبَيْعِ: حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ المُحَبَّرِ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الخَلِيلِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»".

"قوله: "بدل" بفتح الموحدة والمهملة "ابن المُحبَّر" بضم الميم وفتح المهملة والموحدة الشديدة وبالراء اليربوعي".

لعلنا نقف على هذا.

الآن كم قرأنا من حديث؟ خمسة عشر حديث.

طالب: ستة عشر.

لا خمسة عشر، لكن -مثل ما ذكرنا سابقًا- كل شيء له ضريبة يعني قراءتنا في هذا الشرح المختصر لا شك أن الفائدة أقل، لكن لو قرأنا في فتح الباري حديثين أو ثلاثة من هذا النوع يعني رُبع ما قُرئ الآن أو أقل كانت الفائدة أكثر، لكن نتأخر، والله المستعان.