عمدة الأحكام - كتاب الجهاد (3)

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:

وعنه قال: عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني" يعني لم يقبلني في المقاتلين؛ لأن الجهاد إنما يطلب له المكلف الذي جرى عليه قلم التكليف، "وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني" أحد سنة كم؟ نعم؟ في الثالثة، والخندق؟ كيف في أحد أربعة عشر وفي الخندق خمسة عشرة؟ إن كان ما بينهما إلا سنة واحدة، نعم؟ أو أربعة عشرة إلا شيء وجبر الكسر، وفي الخندق خمس عشرة وأشهر فألغي الكسر، طريقة عندهم يلغونها، فهذا الحديث يستدل به من يرى أن التكليف إذا لم يحصل بالإنبات والإنزال قبل ذلك أنه يكون بتمام الخامسة عشرة من السن، إذا احتلم الصبي لثلاث عشرة لثنتي عشرة كُلف وجرى عليه قلم التكليف، إذا أنبت لعشر أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة كُلف، لكن إذا لم يحصل له شيء حتى أكمل خمس عشرة سنة يكون مكلفاً استدلالاً بهذا الحديث، وقد عمل به أهل العلم، واعتمده عمر بن عبد العزيز، وعممه على عماله، فالتكليف بالنسبة للرجل يكون بتمام الخمس عشرة على هذا، وبالإنبات -إنبات الشعر الخشن- حول القبل، وأيضاً بالإنزال، بالاحتلام، وتزيد المرأة الحيض، هذه علامات البلوغ عند أهل العلم.

ينازع بعضهم في السن فمنهم من يقول: لا يبلغ حتى يستكمل السبع عشرة، ومنهم من يقول: لا يبلغ حتى يكمل الثامنة عشرة، لكن الذي يدل عليه الدليل هذا الحديث، هذا الحديث هو عمدة في هذا الباب، ولذا كان أرجح الأقوال في هذه المسألة أن البلوغ يكون بتمام خمس عشرة، يعني الآثار المترتبة على هذا الخلاف سهلة وإلا صعبة؟

طالب:......

هاه؟

طالب:......

صعبة جداً، يعني فرق بين من يقول: إنه لا يبلغ إلا في الثامنة عشرة، وبين من يقول: إنه لا يبلغ إلا في الخامسة عشرة، يعني خلال الفرق ثلاث سنوات تصرفات هذا..، التصرفات في هذه المدة في الفرق بين الخامسة عشرة والثمانية عشرة، يعني عند من يقول: لا يبلغ إلا في الثامنة عشر تصرفات صبي لا يؤاخذ عليها، ولا يقتل إذا قتل؛ لأنه غير مكلف، بينما عند من يقول: إنه يبلغ في الخامسة عشرة الذي يقول: إنه لا يبلغ إلا في الخامسة عشرة يقول: إنه مكلف، شأنه شأن الكبار، من أكمل الخامسة عشرة مثل الأربعين والستين والسبعين لا فرق في المؤاخذة.

ومما يرجح القول بأنها خمسة عشرة أن الاحتلام لا يتعدى هذا السن إلا نادراً، لا يتعدى الخمس عشرة إلا نادراً، ولذا جُعلت في الغالب الأعم الأغلب، كما أن أمر الصبي إذا استكمل سبع سنين بالصلاة؛ لأن التمييز لا يتجاوز سبع إلا نادراً، والشرع يضع سن تشمل الجميع، لو علق الأمر بالصلاة على التمييز، أو علق التكليف بالاحتلام فقط، وهذه أمور خفية، تجد صبيان عشر سنين، إحدى عشرة، تسع سنين، يلعبون عند باب المسجد، وإذا قلت لواحد منهم: صل، قال أبوه: والله ما بعد ميز، نعم، وتجد آخر حريص يأتي بالطفل أبو سنتين وثلاث ويؤذي الناس في المسجد ويقول: مميز، من حرصه، وذاك من إهماله، نعم، فلذا جعل الحد للجميع، الذي لا يتعداه إلا القليل النادر، دون تمييز وهو السبع، وقل مثل هذا في الخمس عشرة، لا يتعدى الخمسة عشرة، ولما يحتلم إلا القليل النادر، والقليل النادر لا حكم له، نعم.

وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم في النفل: للفرس سهمين، وللرجل سهماً.

النفل هنا يقول: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم في النفل" النفل واحد الأنفال "للفرس سهمين، وللرجل سهماً" المراد بالنفل هنا الغنيمة، يعني من الغنيمة عند قسم الغنيمة يقسم للفرس سهمين، وللرجل سهم، فيكون الفارس له ثلاثة أسهم، سهمان لفرسه وسهم له، والراجل ليس له إلا سهم واحد، وقد يقول قائل: كيف تكون بهيمة أفضل من الآدمي؟ يعني المسألة مسألة أثر في الحرب، يعني هل الرجل الذي يمشي على رجليه مثل الذي على فرس؟ يعني أثر هذا مثل أثر هذا؟ لا، أنت تصور المسألة في طالب معه كتاب ويحضر الدرس ويعلق، نعم، وزميله ما معه كتاب، جاء بدون كتاب، وحافظته ما تسعف لأن يحفظ ما يقال، كيف تتصور فائدة الذي أحضر الكتاب وعلق وتابع مع الشيخ، والثاني اللي جاء بس يدلدل يديه ما معه شيء، يعني تصور فائدة هذا ثلث فائدة هذا؟ أقل، أقل بكثير، نعم إن كانت الحافظة تسعف ويحفظ كل ما يقال هذه مسألة ثانية، ولذا الطالب الذي يحضر مجالس العلم دون كتاب ودون عناية كساع إلى الهيجاء بغير سلاح، نعم، لا بد من الاهتمام.

فأقول: المسألة مسألة أثر، فتأثير المقاتل الذي على آلة تعينه على الكر والفر، وتعينه على النكاية في الأعداء أفضل بكثير من الراجل الذي هو طعام لسلاح الأعداء في الغالب، فمثل هذا لا يغني مثل ذاك، ويبقى أن الناس يتفاوتون، بعض الناس على فرس، لكن المسألة أحكام غالبة، الشرع إذا أتى بحكم يشمل يمكن يطبق على الناس كلهم، ولا تأتي أحكام تخص فلان وعلان، كل واحد يحتاج إلى نص يخصه لولا هذا، لكن الشريعة تأتي بقواعد عامة تشمل الجميع، وإلا قد يوجد شخص مثل سلمة بن الأكوع ولو بدون فرس، يلحق العدو ويقتل العدو، رجل ما شاء الله عُرف، لكن مثل هذا يخص من الخمس، أما بالنسبة للغنيمة فهي تقسم بين الغانمين على السوية، وكل له أثره وغَناؤه.

"وللرجل سهماً" والحديث مفاده الحث على اكتساب الخيل، واتخاذها للغزو، لما فيها من إعلاء كلمة الله، والنكاية في العدو، ولذا جاء الترغيب فيها، وجاء في الحديث الصحيح: ((أنها لقوم أجر، ولقوم وزر، ولرجل ستر)) له أجر إذا ربطها من أجل الجهاد، مثل هذه كل تصرفات هذه الفرس تشرب الماء وأنت ما أنت بحاضر ولا نويت ولا شيء لك أجر، تأكل طعامها وأنت ما نويت هذا الطعام ولا..، نيتك العامة تجعل لك أجر في جميع تصرفات هذه الفرس، أما من يرصدها فخر وخيلاء ونواء للإسلام وأهله هذا عليه وزر -نسأل الله السلامة والعافية- ففي هذا الحث على اتخاذ الخيل، نعم.

وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش.

"وعنه" يعني عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش" تقدم أن هناك سرية خرجت إلى نجد في الحديث السابق، وأصابوا إبلاً وغنماً فبلغت السُهمان...، ونفلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، زادهم على ما يستحقونه من الغنيمة، فهذه السرايا التي تبعث قطعة من الجيش تنبعث إلى العدو دون أن ينهض الجيش الذي فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي فيه الإمام، هؤلاء يستحقون زيادة عن غيرهم ممن لم ينبعث إلى العدو إلا مع الإمام، فهم يستحقون الزيادة بهذا لزيادة عملهم، نعم.

وعن أبي موسى عبد الله بن قيس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي موسى عبد الله بن قيس –الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا))" يعني حمل السلاح لقتال المسلمين موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب -نسأل الله السلامة والعافية-، القتل شأنه عظيم، فمن حمل السلاح على المسلمين وراعهم، وسعى في اختلال أمنهم يندرج تحت هذا الحديث ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) والخارجون على الإمام لا يخلون من أحوال، فإن كان مع خروجهم على الإمام مصحوب بتكفير للمسلمين، بمجرد ارتكابهم بعض الذنوب والكبائر فهؤلاء خوارج، حكمهم حكم الخوارج، إذا صحب حملهم السلاح ورأوا السيف على المسلمين، وكفروهم بالذنوب هؤلاء هم الخوارج، إن حملوا السلاح على المسلمين، وشقوا عصا الطاعة، وخرجوا على الإمام، ولهم شوكة ومنعة، ولهم تأويل سائغ هؤلاء هم البغاة.

هؤلاء إن حملوا السلاح على المسلمين، وخرجوا عن طاعة الإمام، وليست لهم شوكة ولا منعة هؤلاء هم قطاع الطريق، ولكلٍ من هذه الأصناف ما يخصهم من حكم، الخوارج لهم حكم عند أهل العلم، البغاة لهم أحكام، قطاع الطريق لهم أحكام، هذا تفصيل هذه المسألة عند أهل العلم.

وإذا تكلم الإنسان يتكلم بدقة، فحكم قطاع الطريق لهم أحكام، ومقاتلة الجميع من هذه الفئات الثلاث واجب، إذا قاتلوا قتالهم واجب، بل من أوجب الواجبات على ولي الأمر، وكف أذاهم عن المسلمين أمر لا بد منه، لكن كل له ما يخصه من حكم، والشرع ما أهمل شيء، ونزل كل تصرف له منزلته في الشريعة، وكل عمل له حكمه في الشرع.

((من حمل علينا السلاح)) يعني من أجل قتالنا ((فليس منا)) أما إذا كان مستحلاً لذلك، مستحلاً لقتال المسلمين وقتلهم هذا على ظاهره، الحديث على ظاهره يخرج عن الإسلام، يكفر بذلك، إذا استحل ذلك كفر؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فيكفر، إذا كان مستحلاً لذلك، استحل قتل المسلمين، والقتل شأنه عظيم، ولذا قرن بالشرك، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] فالشرك شأنه خطير، من أعظم ما يخل بالأمن الشرك، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور] فمن أعظم ما يخل بالأمن الشرك، ثم يليه القتل، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] جاء في آية النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] و((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) فالقتل شأنه عظيم، وأمره خطير، والثالث الذي قرن بهذين الأمرين لعظمته أيضاً الزنا، فالزنا شأنه عظيم، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] كما يجب إنكار الشرك يجب إنكار القتل، يجب إنكار الزنا، يجب تغيير هذا المنكر باليد إن أمكن، وهذا لولي الأمر، إن لم يمكن فباللسان وهذا لمن عرف الحكم من أهل العلم وطلاب العلم، الذي لا يستطيع شيئاً معذور، في القلب، لكن الذي لا ينكر هذه الأمور بالقلب ليس عنده أدنى شيء من إيمان -نسأل الله السلامة والعافية-، نعم.

عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله -عز وجل-؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل" يعني جنس الرجل الموصوف بما ذُكر، الرجل الذي يقاتل شجاعة، والرجل الذي يقاتل حمية، ويقاتل رياء، وشجاعةً وحميةً ورياءً إعرابها؟ نعم؟

طالب:.......

نعم مفعول له، مفعول لأجله، يقاتل لأجل الشجاعة، ويقاتل لأجل الحمية، ويقاتل لأجل الرياء، أي ذلك في سبيل الله؟ جاءت القاعدة العامة في الجهاد؛ لأن هناك أصناف، يمكن يرد أصناف لم تذكر؛ لأن الأصناف ليست حاصرة، جاءت القاعدة العامة لكي تخرج جميع ما يمكن أن يقال أو ما يمكن أن يقاتل من أجله؛ لأن البواعث على القتال كثيرة جداً، لا يمكن أن تحصر، فجاء الجواب العام الذي يخرج جميع الصور ما عدا الصورة المثبتة ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله -عز وجل-)) ويبقى أن هناك صور من القتال يقتل فيها الإنسان ولا يريد بذلك إعلاء كلمة الله، ومع ذلك تثبت له الشهادة، من قتل دون نفسه، من قتل دون دمه، من قتل دون ماله، من قتل دون عرضه، كل هؤلاء شهداء، لكن الكلام في القتال الذي هو الجهاد، والكتاب كتاب الجهاد، وهذه القاعدة إنما هي في الجهاد، فـ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) هذا الذي تثبت له أحكام المجاهد.

"الرجل يقاتل شجاعة" يعني إما ليقال: شجاع، وهذا قد ينتحله من لم يكن شجاع، لكن يتشجع ليقال: شجاع، أو يقاتل من اتصف بالشجاعة ومثل هذا هو شجاع، يذم إذا كان شجاع؟ يقاتل لإعلاء كلمة الله تعالى؛ لتكون كلمة الله هي العليا وهو شجاع، يعني كونه موصوف بالشجاعة يؤثر وإلا ما يؤثر؟ أو هذا مطلوب في القتال؟ هذا مطلوب في القتال، لا لذات الشجاعة، فالشجاعة مطلوبة، لكن بعض الناس إما يقاتل ليقال: شجاع، سواء اتصف بالوصف أم لا، وإما أن يقاتل والباعث له على القتال الشجاعة فقط، رجل شجاع، متهيئ للقتال باستمرار، يسمع الهيعة، يسمع الصيحة، يسمع الدعوة للجهاد فيخرج من غير قصد؛ لأن من جبل على شيء يصرفه هذا الشيء من غير قصد، من جبل على شيء يصرفه هذا الشيء، فسمع: الجهاد الجهاد، فاخترط سيفه ومشى؛ لأنه شجاع، من غير قصد لإعلاء كلمة الله، هذا يقاتل شجاعة، ومن قاتل ليقال: شجاع هذا أيضاً أحد الثلاثة الذين سبق ذكرهم، الذين هم أول من تسعر بهم النار، فكونه متصف بالشجاعة ويقاتل لإعلاء كلمة الله -جل وعلا- هذا داخل فيمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، بل دخوله أولي؛ لأن هذا وصف مطلوب، إنما الوصف المذموم الذي يقاتل شجاعة إنما أن يكون الباعث له الشجاعة من غير نظر إلى قصد إعلاء كلمة الله، أو ليقال: شجاع وهذا أسوأ.

"ويقاتل حمية" عصبية لجنس أو لعرق أو لمذهب أو..، يقاتل حمية، لا يقصد بذلك إعلاء كلمة الله -جل وعلا-، هذا أيضاً مذموم "يقاتل رياءً" وهذا هو المناقض للقاعدة العامة التي أجاب بها النبي -عليه الصلاة والسلام- مناقضة تامة، يقاتل رياء، إنما نهزه وبعثه على القتال مراءاة الناس، ليقال: خرج فلان مجاهداً في سبيل الله، والأمر ليس كذلك، لكن لو خرج للجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله لتكون كلمة الله هي العليا ثم طرأ عليه الرياء فهذا كغيره من العبادات، إن استرسل معه إلى نهاية العبادة هذا يبطل العبادة، إذا طرأ عليه ثم جاهد نفسه وطرده هذا لا يؤثر، فالذي لا ينهزه إلا الرياء -نسأل الله السلامة والعافية- هذا الشرك الأصغر، وهذا أمر خطير، هذا شرك، لكن إذا خرج للجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، ثم طرأ عليه هذا الرياء، ثم جاهد نفسه وطرده، هذا لا يؤثر إن شاء الله تعالى، وقلّ أن يسلم منه أحد، أما إذا نهزه الرياء فهذا أمر عظيم خطير، أو طرأ عليه الرياء ثم استمر معه إلى النهاية، فالفضل الذي ورد في النصوص في الكتاب والسنة الدالة على فضل الجهاد إنما هو من تنطبق عليه هذه القاعدة: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).

يقاتل شجاعة، يقاتل حمية، يقاتل رياء، الذي يقاتل للمغنم، أو يقاتل لأن هذه وظيفته، موظف في الجيش، عسكري في الجيش، جاء القتال فقيل له: هذه وظيفتك اشتغل يا الله، أو قاتل للمغنم، هذا ليس مثل الذي يقاتل رياءً، لا شك أن فيه تشريك، فيه شيء من التشريك تشريك العبادة بغيرها، لكن إذا شرّك الإنسان ما دل الشرع على جواز تشريكه نعم، العمل صحيح وإن نقص أجره كالمغنم، طيب هذا قاتل لينال الشهادة فيدخل الجنة، في آخر سورة الكهف، آخر آية في سورة الكهف، هاه؟ {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [(110) سورة الكهف] قال بعضهم: إن الذي يعمل يصلي ويصوم ويتعبد لله -جل وعلا- رجاء ثواب الجنة أو خوف من النار هذا أشرك؛ لأنه ما عمل لله -جل وعلا- إنما عمل من أجل خلاص نفسه، عمل ليدخل الجنة، عمل لينجو من النار، لكن من الذي أوجد الجنة والنار؟ من الذي مدح الجنة وأثنى على أهل الجنة؟ من الذي ذم النار وذكر شناعة النار وعظم النار؟ هو الله -جل وعلا-، ذكره لهذه الأمور عبث وإلا من أجل أن تدخل في القصد؟ نعم؟ ترون محل دقيق جداً، مثل هذا دقيق جداً، ولا يشرك {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} يعني خالصاً لله -جل وعلا- {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [(110) سورة الكهف] نكرة في سياق النهي فتعم أي شيء، لكن الذي يتعبد من أجل أن يدخل الجنة أو يتعبد لينجو من النار هذا مشرك وإلا لا؟ الله -جل وعلا- الذي مدح الجنة وأهل الجنة، وذكر ما أعده لأهل الجنة، ووصف النار وحذر منها، وذكر ما أعد فيها للعصاة وللمشركين كلامه ليس بعبث، فملاحظة مثل هذا لا يؤثر، ونظير ذلك لو هددك من يملك أو يستطيع أذاك، وبيده سيف خوفُك من السيف أو من الذي يحمل السيف؟ نعم؟ الذي يحمل السيف، فأنت إنما خفت الله -جل وعلا- الذي أوجد هذه النار التي يعذب بها، فخوفك من عذابه خوف منه؛ لأنه يوجد الآن من بعض المتصوفة من يتحدث حول هذه الآية، ويدخل فيها كل شيء، ليتعبد بالمحبة، لا خوف ولا رجاء، وأهل العلم يقررون أن من يتعبد بالمحبة فقط فهو زنديق، يقول: إذا تعبدت تخوف، أو تعبدت رجاء فأنا أشركت، ولاحظت حض نفسي، ولم أعبد الله خالصاً، أنا عبدته من أجل الجنة أو النار، نقول: لا يا أخي، أنت لا تعبد الجنة ولا تعبد النار، ولا تخاف النار لذاتها، ولا ترجو الجنة لذاتها، إنما ترجو من أعدها، وتخاف من أعدها، فهذه من الدقائق التي ينبغي أن يتنبه لها.

((كلمة الله)) هي لفظ الشهادة التي يدخل بها الناس الإسلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) هذه كلمة الله.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.