شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (232)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.   

المقدم: لازلنا في حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه- في باب ما يستحب للعالم إذا سُئل: أي الناس أعلم؟ فيكيل العلم إلى الله، لعنا نستكمل ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

وقفنا على قوله: قال موسى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}.

المقدم: نعم.

قال موسى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} {ذَلِكَ} أي أمر الحوت، ونسيان الحوت ما كنا نبغي؛ أي هذا الذي كنا نطلبه لماذا؟

المقدم: لأنه علامة على وجود..

لأنه علامة وجدان المطلوب. هل المطلوب فقدان الحوت، أو ما وُضع عليه الفقدان علامة؟

المقدم: ما وُضع عليه.

لأنه قال ذلك أي أمر الحوت ما كنا نبغي، هذه البغية، لكنها ليست بغية لذاتها.

المقدم: وإنما لما وراءها.

وإنما لأنها دلالة على وجدان المطلوب، وفي تفسير أبي حيان المسمى البحر المحيط، البحر المحيط. وأبو حيان إمام في...

المقدم: اللغة.

في اللغة نعم، ولذا تجد عنايته في هذا الباب، حتى كأنك إذا قرأت له تقرأ في كتاب لغة، ويُعنى بضبط الكلمات، ويفيد في هذا حتى إنه ضبط كلمة أُف، وهي عبارة عن الهمزة والحرف المضعف الفاء بثمانية وأربعين ضبطًا.

المقدم: ما شاء الله، لا إله إلا الله.

قد يقول قائل: كيف تضبط؟ وعلى أي وجه تضبط؟

المقدم: وهي حرفان.

وهي حرفان، يعني حرفان إذا فككت الإدغام صارت ثلاثة.

المقدم: مضروب الثلاثة يمكن ما يتجاوز اثني عشر.

نعم، المقصود أنه ضبطها، نذكر مثل هذا لبيان أهمية مثل هذا الكتاب لطالب العلم، نعم لا يكون في الأولوية مثل تفسير ابن كثير، أو ابن جرير، لكن لا بد منه؛ لأن طالب العلم كيف يتعلم العربية؟ يعني مع قراءته في كتب العربية التي أُلفت للمبتدئين، ثم المتوسطين، ثم يأخذ منها بقسطٍ، يأخذ منها قسطًا يكفيه لفهم نصوص الكتاب والسنة؛ لأن الكتاب عربي، فهو محتاج إلى العربية، أنا أقول: ما فيه وسيلة بعد أن يعرف القواعد طالب العلم إلا أن يُطبق على القرآن.

المقدم: جيد.

تطبيق على القرآن، فإذا أتقن القواعد نظريًّا يبدأ بإعراب الفاتحة بنفسه، فإذا أعرب الفاتحة، وعرض إعرابه على كتب إعراب القرآن، فوجد إعرابه صحيحًا يكون حينئذ أتقن العربية، ثم بعد ذلك يستمر، يختبر، ورأيت هذا لبعض من ألف في النحو، وأظنه في الأزهرية، وشرحها -أنا بعيد العهد- أعرب قصار المفصل؛ أعرب قصار المفصل؛ ليتدرب عليها طالب العلم أحسن من كونه يقول: قام زيد، ضرب عمرو؛ لأنه بمعرفة الإعراب يتبين له المعنى.

المقدم: صحيح.

فكونه يُعنى بالنصوص، ولذا كتب الإعراب كثيرة عند أهل العلم، ومنها ما في البحر المحيط، وأفاض في ذلك -رحمه الله- فتُقرأ هذه الكتب؛ ليفاد منها علم العربية، وفهم القرآن معًا.

 في تفسير أبي حيان يقول: (وما) موصولة ما كنا، والعائد محذوف أي نبغيه، وقُرئ: نبغِ بغير ياء. {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}، أو نبغِ بكسرة أصلية الدالة على الياء المحذوفة، وقُرئ: نبغ بغير ياء، و.. في الوصل، في الوصل، وإثباتها أحسن، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ونافع، وأما الوقف فالأكثر فيه طرح الياء اتباعًا للرسم لرسم المصحف، وأثبتها في الحالين ابن كثير، وأثبتها في الحالين ابن كثير .

المقدم: لكن في رسم المصحف بدون ياء.

بدون ياء، لكن هذه قراءة عاصم ومن معه، وأكثر القراء على هذا، لكن قراءة أبي عمرو والكسائي

إثباتها، ونافع أيضًا؛ أما من حيث العربية..

اتباع الرسم بحذف الياء؛ لكن من حيث العربية في إعرابها هل الأصل إثبات الياء، أو حذفها؟

المقدم: إثبات الياء.

الإثبات لماذا؟ لأنه لم يتقدمها ما يقتضي الحذف.

المقدم: نعم.

لم يتقدم الفعل ما يقتضي الحذف، والذي يقتضي الحذف الجازم، فالأكثر فيه، وأما الوقف، فالأكثر فيه طرح الياء اتباعًا لرسم المصحف، وأثبتها في الحالين ابن كثير؛ ابن كثير القارئ لا المفسر.

المقدم: نعم، نعم.

لأنه يلتبس على الطلاب.

 {فَارْتَدَّا} أي رجعا، «فارتدا على آثارهما يقصان قصصًا»؛ أي يتبعان اتباعًا على آثارهما؛ أي فرجعا في الطريق الذي جاءا منه؛ الطريق الذي سلكاه رجعا منه، لماذا؟

المقدم: حتى يرجعوا لمكان الحوت.

للمكان الذي نسيا فيه الحوت.

المقدم: نعم؛ لأن الدلالة وجوده المراد.

نعم، قصصًا أي يتبعان آثارهما اتباعًا، «حتى أتيا الصخرة»، وفي مسلم: «فارتدا على آثارهما قصصًا، فأراه مكان الحوت، فقال: ها هنا وُصف لي» يعني ها هنا في هذا المكان الذي نسينا فيه الحوت.

المقدم: هم توقفوا في جزيرة فيما يبدو، أو على كل حال في يابسة.

نعم.

المقدم: تحت الصخرة.

نعم، عند الصخرة.

المقدم: عند الصخرة ارتدادهما قصصًا كان على اليابسة، أم على الماء؟

هم تعدوا، تعدوا مكانه.

المقدم: لكن على الماء يا شيخ، أم على اليابسة؟

لا، على اليابسة.

المقدم: لأنه اتخذ سبيله في البحر.

الذي اتخذ سبيله من؟...

المقدم: الأول الذي اتخذ سبيله هو موسى.

الحوت.

المقدم: الحوت لا، اتخذ سبيله عجبًا، وأما موسى فاتخذ سبيله في البحر سربًا، ومن معه.

لكن هنا لما نسيا الحوت، ودخلا في البحر. ما كانا على ذكر من الحوت، نسياه، فتعديا المكان، فارتدا على آثارهما يعني رجعا إلى المكان الذي فقدا فيه الحوت.

المقدم: نعم يعنى؛ الاتخاذ الأول سربًا الذي هو الحوت، والعجب الذي هو تذكر الفتى بصنيع الحوت، وإلا ما أُثر على أن مسيرهما كان في البحر.

قيل هذا إن سربا في البحر حتى وصلا إلى جزيرة.

المقدم: نعم جيد.

على كل حال المسألة في التفاسير أشياء كثيرة جدًّا من القصص المتعلقة بهذا، وأكثرها مأثور في الإسرائيليات، وعلى كل حال الحديث الذي معنا بالصحيح مطابقته لما جاء في سورة الكهف واضحة وتامة، وخير ما يُفسر به القرآن...

المقدم: الحديث.

الحديث، ما صح عن النبي -عليه الصلاة، والسلام-، وفي عمدة القاري: يُروى أن موسى ويوشع اتبعا أثر الحوت، وقد يبس الماء في ممره؛ فصار طريقًا، فأتيا جزيرة، فوجدا الخضر قائمًا يصلي على طنفسة خضراء على كبد البحر؛ أي وسطه، «فلما انتهيا إلى الصخرة»، وفي نسخة: «أتيا»، «إذا رجل» (إذا) هي الفجائية، ورجلٌ مبتدأ رجلٌ معرفة، أم نكرة؟

المقدم: نكرة.

نكرة.

يبتدئ بالنكرة؟

المقدم: ما لم تُفد.

نعم.

المقدم: كعند زيد نمرة.

وهنا الذي سوغ فيها الابتداء فيها الوصف إذا رجلٌ (إذا) الفجائية، ورجل مبتدأ سوغ الابتداء به لتخصيصه بالصفة، وهي قوله: مسجى بثوب؛ أي مغطًى كله، والخبر محذوف، والتقدير: «فإذا رجلٌ مسجى بثوبٍ» نائم، هذا الخبر، أو قال: تسجى بثوب شكٌ؛ تسجى بثوبه، شكٌ من الراوي، في تهذيب اللغة، مر بنا مرارًا، لمن؟

المقدم: للأزهري.

للأزهري نعم: التسجية: أن يسجى الميت بثوب؛ أي يغطى به، يعني تخصيص الأزهري التسجية بالميت، وهنا الخضر حي تسجى بثوب، فيدل على أنه يُطلق على التغطية سواء كان من حي، أو ميت، والنبي- عليه الصلاة والسلام- لما غُسل سُجي بثوب حبرة -عليه الصلاة والسلام-، التسجية أن يسجى الميت بثوبٍ أى يُغطى به، قال الأصمعي: سجو الليل تغطيته النهار في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:2].

المقدم: نعم.

 تغطيته النهار مثل ما يسجى الرجل بالثوب، فسلم موسى -عليه السلام- «فقال الخضر: وأنَّى بأرضك السلام»، وأنَّى بأرضك السلام في شرح الكرماني: أنَّى للاستفهام أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يُعرف فيها السلام؟ قالوا أنّى تأتي بمعنى من أين، ومتى، وحيث، وكيف، بأرضك السلام، وهو غير معروفٌ بها، وكأنها كانت دار كفر، وكانت تحيتهم غير ذلك، كما في القسطلاني، وقال ابن حجر: أنَّى؟ أي كيف بأرضك السلام؟، ويؤيدهما في التفسير: هل بأرضي من سلام؟ أومن أين، كما في قوله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران:37]، والمعنى: من أين السلام في هذه الأرض التي لا يُعرف فيها، وكلامه متقارب؟

  يقول ابن حجر: وفيه دليل على أن  الأنبياء، ومن دونهم يعني من باب أولى لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله إياه؛ إذ لو كان الخضر يعلم كل غيبٍ لعرفه موسى قبل أن يسأله. في عمدة القاري، وقبله في التنقيح للزركشي: وجه هذا الاستفهام أنه لما رأى الخضر موسى -عليهما السلام- في أرضٍ قفرٍ استبعد علمه بكيفية السلام؛ استبعد علمه بكيفية السلام، فإن قلت: ما موقع بأرضك من الإعراب؟ قلت: نصبٌ على الحال، نصبٌ على الحال من السلام، والتقدير من أين استقر السلامُ؟ حال كونه بأرضك، واضح؟

المقدم: هذا على اعتبار أنه ليس لهذه الكلمة سوى هذا المعنى.

السلام.

المقدم: أنَّى بأرضك السلام.

يعني أين؟ من أين؟ من أين يأتي السلام، وأنت بأرض قفر؟

المقدم: ما فيه معنى آخر يا شيخ؛ لأن بعض العرب يستخدمونها، وجد في كتب الأدب هذا الاستخدام ليس غريبًا استخدامهم لها.

كيف؟

المقدم: إذا مر رجلٌ على رجل، وسلم عليه قال: أنَّى بأرضك السلام يعني كأنهم لا يشيرون إلى هذا المعنى، أو يريدون منها إطلاقه مثَلًا.

لا، هو إذا هو إذا شُك في الرجل، وأنه لا يريد خيرًا، وإنما يريد شرًّا، فألقى السلام، ألقى التحية، وهو مظنون به غير ما تقتضيه التحية من السلامة قد يُستغرب، فيقال أين؟ يعني أنَّى، كيف يُستغرب، ويُستبعد أن يكون من هذا الرجل هذا السلام الذي يدل على السلم، وظاهره إرادة الشر؟ يمكن أن يراد هذا، لكن هذا ليس مرادًا قطعًا عندنا، فالخضر -عليه السلام- استبعد أن يوجد السلام بهذه الأرض القفر إلا من شخصٍ يتدين بالدين؛ لأن هذه تحية أهل الإسلام؛ إذا كان.. الرواية تحية أهل الجنة، فإذا كان يتدين بالدين، وهو لا يعرف أحدًا؛ لأنه قد يكون بأرض كُفر، فلا يعرف أحدًا يعرف هذه التحية؛ لأنه لا يعرف مسلمًا في هذه الأرض، ولذلك قال: أنَّى أي كيف؟ استبعاد بأرضك السلام. ويؤيده ما في التفسير يعني من الصحيح؛ صحيح البخاري «هل بأرضي من سلام؟» كما أن تأتي أنَّى بمعنى من أين؟ كما في قوله -جل وعلا-: {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران:37]  يعني من أين؟ فهي استفهام.

 «فقال»، وفي رواية الأصيل: «قال»،  «فقال: أنا موسى، فقال الخضر: أنت موسى بني إسرائيل؟ فقال: الخضر: أنت موسى بني إسرائيل؟»، فهو خبر مبتدأ محذوف، «قال: نعم أنا موسى بني إسرائيل» فهو مقول القول ناب عن الجملة يعني إذا قال نعم، فكأن الكلام السابق معاد هنا.

المقدم: نعم.

السابق؛ الكلام السابق معاد بعد نعم، وفي هذا ردٌّ على نوف البكالي الذي في أول الحديث في صدر الحديث.

المقدم: الذي ادعى أنه ليس موسى.

حيث زعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، هذا فيه رد إذا قال: ليس بموسى بني إسرائيل، ولذا «قال له: نعم، فقال: أنت موسى بني إسرائيل قال: نعم» هذا لا يحتمل تأويلًا.

المقدم: وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: في الأول: «قام موسى النبي خطيبًا».

نعم، لكن هذا فيه رد عند من قال ليس بموسى بني إسرائيل.

المقدم: فيه موسى نبي غير موسى بني إسرائيل؟

 ما فيه، لكن مع ذلك هذا نص «أنا موسى بني إسرائيل»، «أنت موسى بني إسرائيل»؛ فهذا ردٌّ على نوفل البكالي، حيث زعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، وتقدم عن الزمخشري أنه أورد سؤالًا على لسان غيره أن منهم من قال: يستحيل أن يكون هذا موسى بني إسرائيل، وإنما هو موسى بن ميشى غير موسى بني إسرائيل؛ لأنه لا يمكن أن يكون موسى يستفيد من هو دونه، يستفيد من هو دونه، لكن الحديث بطرقه، يدل على دلالة قطعية على أن الـ موسى المراد به موسى بني إسرائيل، والتصريح به في مواضع.

المقدم: والسياق يا شيخ- أحسن الله عليك- الذين قالوا من المفسرين السياق يدل على هذا في القرآن؛ لأنه لا يمكن أن يأتي اللفظ بموسى مع دلالات كثيرة على إطلاق موسى في القرآن على أنه المراد به النبي، ثم يؤتى به بنفس اللفظ هنا، ويغفل عن الإشارة على أنه ليس النبي.

إلى أنه غيره.

المقدم: إلى أنه غيره، هذا يستبعد تمامًا في سياق القرآن المبني على الإيضاح، والظهور.

لكن ماذا عن صاحب مَدْيَن؟

المقدم: ما جاء اسمه.

ولما ورد ماء مَدْيَن.

المقدم: نعم.

نعم، وصاحب مدين هل هو شعيب؟

المقدم: ما جاء اسمه يا شيخ؟

ما جاء اسمه، ولذا جاء الاختلاف فيه.

المقدم: نعم؛ لأنه لم يرد اسمه.

 نعم، ولذا جاء الاختلاف فيه.

المقدم: نعم، والقرآن أبدًا إذا أورد الاسم فالمراد به الدلالة الواضحة المعروفة عند المتلقي.

التي استقرت عند مسلم.

المقدم: استقرت.

نعم «قال موسى -عليه السلام- هل اتبعك؟» هل للاستفهام «على أن تعلّمني» المصدرية، «مما عُلّمت» أي من الذي علمك الله علمًا، وفي تفسير القرطبي قوله تعالي: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66] فيه مسألتان؛ الأولى قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66] هذا سؤال الملاطف؛ هذا سؤال الملاطف هل اتبعك؟ ولذا ينبغي أن يكون هذا الأدب موجودًا من الصغار إلى الكبار، من الطلاب إلى الشيوخ؛ تجد مثلًا أحيانًا يكون للشيخ مشوار ما يريد أحدًا أن يرافقه لا يريد أن يرافقه أحد، فيأتي الطلاب يحرجونه؛ ليركبوا معه، لكن لو جاؤوا بهذا العرض بهذا الأدب هل نتبعك؟ لنستفيد من علمك، وسمتك وأدبك ونتلقى عنك العلم والعمل هل نفعل كذا؟ يعني بطريق الملاطفة.

المقدم: كما فعل أبو بكر -رضي الله عنه- الصحبة، الصحبة.

لكن مع ذلك هذا سؤال ملاطف تجد بعض طلاب الشيخ عنده في حال خلوته أشياء لا يريد أن يُطلع عليها، وقد يكون عنده من الأخلاق التي جُبِل عليها مما لا يحب أن يُطلع عليها، هذا موجود عند المشايخ؛ العلماء بشر يعتريهم ما يعتريهم، يحتاجون إلى راحة، ويحتاجون إلى خلوة تجد بعض الطلاب يُحرج الشيوخ، لكن لو جاء بطريق العرف هل أتبعك؟ لكي أستفيد من علمك وعملك، وحينئذ إذا جاء بهذا الأسلوب المناسب الشيخ حر بالخيار إما أن يقول: أهلًا، وسهلًا، أو يقول: والله أنا لي أعمال خاصة، أو لي ظرف خاص لا أريد أن يُطلع عليه ما المانع؟ ولذلك أسلوب العرض هذا يجعل الحق مقبولًا عند المخالف، ولا يجعل في نفسه أثرًا.

ولذا لما دخل الرجل المسجد لم يقل له النبي -عليه الصلاة والسلام-: قم فصل ركعتين قال له: «هل صليت ركعتين؟»، فمثل هذا العرض لا بد منه لكي يكون الأسلوب لائقًا، ومناسبًا لاسيما بالنسبة للكبار؛ قال له موسى: هل أتبعك؟ هذا السؤال الملاطف، والمخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب، المعنى هل يتفق لك، ويخف عليك، وهذا كما في الحديث: هل تستطيع أن تُرِيَني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، وعلى بعض التأويلات يقول القرطبي، يقول على بعض التأويلات يجيء ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ َ} [المائدة:112] حسبما تقدم بيانه في المائدة، لكن يرد هذا الاحتمال، ذكر ذلك بلفظ الاستطاعة، يعني كون (هل) هذه عرضًا وطلبًا، لكن ماذا عن: يستطيع؟ يعني لو كانت هل يُنزل علينا بدون يستطيع؟ صارت قريبة من هذا، لكن هل يستطيع؟ يعني شك في استطاعة الله- جل وعلا- هذا تعنت، فمثل هذا حقيقة تأويل بعيد.

المقدم: فيه أحد نص على مكان اللقيا يا شيخ أين هو بين موسى والخضر؟

 هو مجمع البحرين.

المقدم: لا، مكان اللقيا؛ هو مجمع البحرين الذي وصلا إليه.

هناك مجمع البحرين، واختلف فيه قالوا في المشرق، وفي المغرب تقدم بيانه.

المقدم: نعم، هو نفس مجمع البحرين هو مكان الصخرة الذي خرج فيه الحوت.

هو مكان الصخرة، وهو قريب منه، يعني مكان اجتماع، فثمَّ هو، هذا تقدم.

الثانية في هذه الآية دليل على أن المتعلم تبعٌ للعالم، وإن تفاوتت المراتب، ولا يُظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل منه، فقد يشذ عن الفاضل ما يعلمه المفضول، والفضل لمن فضله الله، ما معنى هذا الكلام؟  الآن أبو بكر فضله الله على..

المقدم: الصحابة.

على سائر الصحابة، وعلى الأمة قاطبة عمر- رضي الله عنه- بعده؛ هو الذي يلي في المرتبة، وقد خفي على عمر، وهو المفضل على سائر الأمة بعد نبيه وبعد أبي بكر شذ عنه معرفة حديث الاستئذان مثلًا، وعرفه أبو موسى، شذ عن الفاضل وعرفه المفضول، لكن يبقى أن التفضيل الإجمالي باقٍ، وإن وجد مثل هذه الشواذ.

المقدم: خبر الطاعون.

فالعبرة بالتفضيل الإجمالي يعني؛ التفضيل من وجه لا يقتضي التفضيل المطلق.

المقدم: خبر الطاعون يا شيخ سأل عنه -رضي الله عنه-.

 نعم في قصص كثيرة عنه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق على الإطلاق تفضيل إجمالي على الخلق كلهم، لكن كون إبراهيم- عليه السلام- أول من يُكسى يوم القيامة؟

المقدم: لا يعني هذا تفضيلًا مطلقًا.

هذا تفضيل جزئي، أما التفضيل الإجمالي فهو لمحمد-عليه الصلاة والسلام- كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أول من تشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، كأنه بُعِث قبله. فعلى كل حال مثل هذا التفضيل في مسائل لا يقتضي التفضيل الإجمالي، فأنت ترى الآن وكل يرى أن أعلم الناس اليوم مثلًا قد يفوقه بعض طلابه في بعض المسائل، وهذا لا يعني أنهم أفضل منه.

 الثانية في هذه الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب، ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل منه، فقد يشذ عن الفاضل ما يعلمه المفضول، والفضل لمن فضله الله، فالخضر إن كان وليًّا فموسى أفضل منه؛ لأنه نبي، والنبي أفضل من الولي، وإن كان نبيًّا فموسى فَضَلَه بالرسالة، والله أعلم.

المقدم: وهو من أولي العزم.

نعم «على أن تُعلمني مما عُلِّمت».

المقدم: نعم «رُشدًا».  

ماذا؟

المقدم: عندنا طبعًا رَشَدَا، والقراءة المتبعة رُشدًا.

طيب «رُشدًا» مفعول ثانٍيٍ لـ (تُعلمني) كذا في القرطبي، وفي عمدة القاري رُشدًا نُصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي علمًا رُشدا، أو رَشَدًا أي ذا رُشدٍ، وهو من قبيل رجل عدل، وفيه: (يعني في عمدة القاري): الرشدُ قال في العباب بالضم، والرَّشَدُ بالتحريك، والرَّشَاد، والرشدى، أو الرشدى مثل جمزى، وهذا عن الأنباري خلاف الغيّ قال الله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ٌ} [البقرة:256] يعني مقابله الغي، وقال-جل ذكره-: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف:10]، وقال: {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:38]، وقد رَشَدَ يَرشُدُ مثل كَتَبَ يَكتُبُ، ورَشِدَ يَرشَدُ مثل سَمِعَ يَسمَعُ، وفرّق الليث بين اللغتين الليث بن...

المقدم: اللغوي.

 ابن من؟

المقدم: ابن المظفر.

نعم، الليث بن المظفر فرق الليث بين اللغتين، فقال: رشد الإنسان يَرشُدُ رُشدًا، ورشادًا، وهو نقيض الغي، وَرَشَدَ يَرشُدُ رَشدًا، وهو نقيض الضلال قال: فإذا أصاب وجه الأمر، والطريق فقد رشد انتهى.

المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى في الحلقة القادمة من ألفاظ هذا الحديث، وأنتم على خير أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل، وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لقاء جديد بكم بإذن الله مع حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.