شرح العقيدة الطحاوية (63)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الإمام الطحاوي- رحمه الله تعالى-:

 والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان؛ فإنّ الله – تعالى - خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلًا، فمن شاء منهم إلى الجنة خيرًا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلًا منه، وكلٌ يعمل لما قد فُرغ له وصائرٌ إلى ما خُلق له، والخير والشر مقدران على العباد".

قال الشارح -رحمه الله تعالى- أما قوله: "إنّ الجنة والنار مخلوقتان اتفق أهل السّنة على أنّ الجنة والنار مخلوقتان، موجودتان الآن، ولم يزل على ذلك أهل السّنة حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة، وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا، وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التهجم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة".

ودخل

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

ودخل التجهم.

"ودخل التجهم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبثٌ؛ لأنها تصير معطلةً مددًا متطاولة، وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب  تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "والجنة والنار مخلوقتان" هذا محل إجماع بين أهل السّنة لا يُعرف لهم مخالف منهم، بل من خالف فهم من طوائف البدع والجهمية والمعتزلة.

على ما ذكره الشارح -رحمه الله- الجنة مخلوقة قبل الخلق، فلما خلق الخلق في حديث القبضتين قبض قبضة فقال: «هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي»، قبل الخلق في حديث القبضتين المعروف.

لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان بمعنى أنهما لا أمد لهما ولا نهاية لهما ولا تفنيان، وقال الجهمية بفناء الجنة والنار، ولم يوافقهم من أهل السّنة أحدٌ على فناء الجنة إلا ما يُذكر عن منذر بن سعيد البلوطي، وهو محسوبٌ ومعدودٌ على أهل السّنة، ووافق الجهمية في هذا، والعالم إذا حصلت له هفوة أو زلة ووافق المبتدعة في رأي لا يُنسب إلى هذه البدعة بجملتها، وإنما يقال: فيه كذا يعني مما يوافق فيه هؤلاء المبتدعة مثلما يقال: فيه شركٌ، فيه جاهليةٌ، فيه تجهمٌ، فيه أشعريةٌ، فيه كذا ولا يقال: هو أشعري؛ لأنه وافق الأشعرية في مسألةٍ أو مسائل معدودة، وكذلك لا يقال: جهمي حينما يوافق الجهمية، ولكنها طامة من الطوام؛ لأنها مخالفةٌ لنصوصٍ قطعيةٍ صريحةٍ أو كالصريحة، لكن مع ذلك لا يخرج من المذهب بمسألةٍ واحدة، وإنما يقال: فيه كذا، المعتزلة طردًا لمذهبهم الفاسد وهو إيجاب الأصلح على الله -جلّ وعلا– قالوا: الجنة والنار غير موجودتين في الدنيا، وإنما ينشئهما الله في الآخرة لما يأتي موعد دخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار؛ لأنه قبل ذلك ضربٌ من العبث، وليس من الأصلح الذي يوجبونه على الله -جلّ وعلا-، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا أن تبقى النار أمدًا طويلًا ومددًا متطاولةً يحطم بعضها بعضًا من دون مجازاة من دون دخول أهلها، وكذلك الجنة ونعيم الجنة يبقى ملايين السنين بدون أن يُجازى به أحد، ولكن النصوص دلت على ذلك؛ نصوصٌ قطعيةٌ من الكتاب والسّنة، والنّبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الجنة والنار، وأيضًا الميت إذا مات يفتح له إن كان من أهل الجنة يفتح له بابٌ إلى الجنة، وإن كان من أهل النار يفتح له بابٌ إلى النار، مما يدل دلالةً قطعيةً على وجودهما قبل القيامة.

"فَمِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ: قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ الْجَنَّةِ: { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [ آلِ عِمْرَانَ: 133]، وقوله: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [ الْحَدِيدِ: 21 ] . وَعَنِ النَّارِ

أعدت فعل ماضٍ، فُرغ من إعدادها للمتقين.

وعن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [ آلِ عِمْرَانَ: 131 ]، وقوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ مَآبًا} [ النَّبَأِ: 21، 22 ] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [ النَّجْمِ: 13: 15 ].

يعني في الإسراء، هذا حصل في الإسراء

وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَرَأَى عِنْدَهَا جَنَّةَ الْمَأْوَى. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، وَفِي آخِرِهِ: « ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جَبْرَائِيلُ، حَتَّى أَتَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا هِيَ جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ». 

وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما–".

يقول بعض أهل العلم: إذا كان تراب أهل الجنة المسك، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة فماذا يكون هذا الكنز إذا كان التراب مسكًا؟! والعادة أنّ الكنز أثمن من التراب، أثمن مما فوق.  

"وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ  وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وتقدم حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه– وفيه: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا»".

صدق عبدي فأيش؟

«فافرشوه».

«فافرشوه» هو يفرش.

طالب: هذا مكتوبٌ فافرشوا له يا شيخ.

ما تأتي على وزن أكرموه أفرشوه بأن يُفرش له.

"وتقدم حديث أنس بمعنى حديث البراء، وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها– قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت الحديث وفيه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ بِهِ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي آخُذُ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي أُقَدِّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ».  

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبدالله بن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث وفيه: فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؟ فقال: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يكفرن»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ».

وفي صحيح مسلم من حديث أنس: «وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ»

وفي الموطأ والسنن من حديث كعب بن مالك".

بعض الكتّاب يردد في الصحف ووسائل الاتصال أنه لا داعي لتخويف الناس وتكدير الحياة عليهم بمثل هذه الأمور، الناس بحاجة مع ضغوط الحياة أن ينفس عنهم، ما تلقى عليهم هذه المواعظ المؤثرة التي تجعل من في قلبه شيءٌ من الحياة يبكي، دعوهم، بعضهم ينظر إلى لا {لَا تَحْزَنْ} [التوبة:40] ويهمل {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] يرى أنّ هذا ينافي السعادة في الحياة، ما يدري أنّ الثاني الذي هو الخوف من الله والوجل الذي يبعث على العمل، ويبعث على الانكفاف عن معاصي الله وما حرمه الله هو الذي يقود إلى السعادة الحقيقية، والله المستعان.

طالب: .............

لا، هو معصية، ولكن من باب التحذير وكثرته، موجود بكثرة فيراد أن يخفف.

 "وفي الموطأ والسنن من حديث كعب بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يُرْجِعَهَا اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»،  وهذا صريحٌ في دخول الروح الجنة".

لحظة.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ...........

على ما تقدم في الأرواح ومستقرها.

"وهذا صريحٌ في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة، وفي صحيح مسلم والسنن والمسند من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِالْجَنَّةِ، فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ". 

وعزتك قسم.

"لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّار"ِ.

لولا هذه المكاره التي حُفت بها الجنة ما الذي يمنع المؤمن المصدق بكلام الله وكلام رسوله من العمل الصالح الذي رُتب عليه الثواب العظيم؟ لكن حُفت بما تكرهه النفوس ويشق عليها؛ ولذلك تجد من أهل الخير والفضل، بل من أهل العلم من يبقى حياته كلها في جهاد، لا يصل إلى مرحلة وصل إليها أولياء الله من التلذذ بهذه العبادات، مما يؤكد مسألة المكاره التي حُفت بها الجنة، والله المستعان.

طالب: .........

نورٌ أنّى أراه، لكن الراجح أن ما رآه يقولون: الغالب مما يمكن حصوله.

"قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ، قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سَمِعَ بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا»، ونظائر ذلك في السّنة كثيرة.

وأما على قول من قال: إنّ الجنة الموعودة بها هي الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها فالقول بوجودها الآن ظاهرٌ، والخلاف في ذلك معروفٌ".

بسط الخلاف بإفاضة ابن القيم في ((مفتاح دار السعادة)) هل الجنة التي أُخرج منها آدم هي جنة الخلد أم هي جنةٌ في الدنيا أعدت في وقته ودخلها وتنعم بها ثم أكل من الشجرة فأخرج منها فيه كلامٌ طويل لابن القيم جدًّا وأدلةٌ من الفريقين يراجعه من يريده في ((مفتاح دار السعادة)).

"وأما شبهة من قال: إنها لم تُخلق بعد، وهي أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطرارًا أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت؛ لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [ الْقَصَصِ: 88 ]، وَقوله: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [ آلِ عِمْرَانَ: 185]".

 يعني وقت نزول الآيتين لو كانت الجنة والنار موجودتين وقت التنزيل لشملهما العموم، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } بما في ذلك الجنة والنار، مع أنّ الثمانية المعروفة لا يلحقها العدم.

ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم

هي العرش والكرسي نار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم.

 

"وقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه– قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وفيه أيضًا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من قال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ»" .

إبراهيم -عليه السلام - في ليلة الإسراء لقي النّبي، أو لقيه النّبي -صلى الله عليه وسلم- وقال إبراهيم: أقرئ أمتك مني السلام -عليه الصلاة والسلام، وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- وأخبرهم أنّ الجنة قيعان، وغراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، الآن لو أراد شخصٌ أن يغرس شجرة وينتظر ثمرتها لاسيما النخل كم يحتاج إلى سنة؟ إذا وضع البذرة اليوم بالنسبة للنخل يحتاج إلى أقل شيء خمس سنوات، أو أكثر، وقل مثل هذا في سائر الأشجار، وإن كان بعضها أقل في المدة، لكن أن تقول: سبحان الله يغرس لك شجرة، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه أربع شجرات، قل مئات ألوف ولا تحتاج إلى وقتٍ يغرس لك بقدر ما ذكرت، وفي دقيقة ونصف تقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة تحط عنك ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر، فمن أيسر الأمور وأفضل الأعمال الذكر، سبق المفردون الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، ولكنه الحرمان، مستعد يتكلم بالنكت وبسواليف وطرائف إلى منتصف الليل أو إلى آخر الليل، ويشق عليه أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر الباقيات الصالحات، «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» أدركنا بعض الشيوخ وهو يأكل أو يشرب وهو يمشي وهو مضطجع وهو ماشي وهو جالس وهو يعلم العلم في أثناء الجمل يقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، لكنه الحرمان لا نهاية له، وهي عقوباتٌ، والله المستعان.

"وفيه أيضًا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ» قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغًا منها لم تكن".

يعني حسَّنه الترمذي على عادته، بل صححه، وهو في هذا متساهل، ولعله اطلع على طريقٍ فيه تصريح أبي الزبير عن جابر بالتحديث، وإلا فعنعنة أبي الزبير غير مقبولة إلا ما جاء منها في الصحيح؛ لأنها محمولة على الاتصال.

"قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغًا منها لم تكن قيعانًا ولم يكن".

قيعان: يعني فيها فراغات تحتاج إلى ملئها بالغراس، قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغًا منها لم تكن قيعان جاهزة ما تحتاج إلى مزيد، لكن لا يعني أنها غير موجودة، هي موجودةٌ وفيها فراغٌ ليكمل بما يستحقه العمال لها، والله المستعان.

"ولم يكن لهذا الغراس معنى، قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [ التَّحْرِيمِ: 11 ]، والجواب إنكم إن أردتم بقولكم: إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور"

يعني لم يوجد إلى الآن، إن أردتم أن الجنة والنار كذلك لم توجد إلى الآن كالنفخ في الصور هذا باطلٌ بلا شك.

"وقيام الناس من القبور فهذا باطلٌ يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئًا بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله لهم فيها عند دخولهم أمورًا أخر فهذا حقٌ لا يمكن رده وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر، وأما احتجاجكم بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } فأوتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظير احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما؛ فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام؛ فمن كلامهم أنّ المراد كل شيءٍ مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء".

ولذا ذكرتا من الثمانية التي لا تفنى.

"وكذلك العرش فإنه سقف الجنة، وقيل: المراد إلا ملكه، وقيل: إلا ما أريد به وجهه، وقيل: إنّ الله – تعالى –: أنزل ..".

يعني هل المستثنى إلا وجهه، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } هل المراد به الوجه الذي هو صفة لله -جلَّ وعلا- أو المراد به ما ذكر من الملك؟ هنا يقول: إلا ملكه، أو إلا ما أُريد به وجهه؛ يعني هل نقول: هذا تأويلٌ أم هذا المعنى للآية؟ وحينئذٍ لا تكون من آية الصفات.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

إذا كان ممن يثبت الوجه لله -جلَّ وعلا- بأدلةٍ أخرى يُقبل منه، وإن كان ممن ينفي الوجه كما هو مذهب الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم فهذا مردودٌ، مثلما يقال: والذي نفسه بيده إذا قال: روحي في تصرفه فالكلام صحيح ما فيه أحد تخرج نفسه وروحه عن تصرف الله -جلَّ وعلا-، لكن إذا كان يتوسل بذلك ويتوصل به إلى نفي اليد التي هي الصفة المجمع عليها عند أهل السّنة والجماعة فيقال: أنت ضال مؤول، وإذا عرف بالإثبات وجاء باللازم قبل منه، لكن شريطة أن يُعرف بالإثبات ويُذعن بأنّ لله يدًا تليق بجلاله وعظمته، وأنّ له وجهًا يليق بجلاله وعظمته، وأثبت بالنصوص القطعية من القرآن والسّنة، إذا جاء باللازم يقبل منه، لكن إذا ارتكب اللازم ويريد منه التوصل إلى نفي الصفة نقول: هذا مبتدع، ويرد عليه.

"فقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت، وإنما قالوا ذلك توفيقًا بينها وبين النصوص المحكمة الدالة على بقاء الجنة وعلى بقاء النار أيضًا على ما يُذكر عن قريبٍ إن شاء الله تعالى".

العموم في القرآن، يقرر بعضهم أنه لا يوجد عمومٌ محفوظٌ من التخصيص إلا أربع آيات، أربعة مواضع وشيخ الإسلام يرد عليهم ،وأثبت في أول ورقة من القرآن أكثر من عشرين عمومًا محفوظًا، فكيف بالباقي؟!

"وقوله: لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان، هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف، وقال ببقاء الجنة وفناء النار جماعة منهم من السلف والخلف، والقولان مذكوران في كثيرٍ من كتب التفسير وغيرها، وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة".

وعلى كل حال القول بفناء النار قولٌ معروف، وإن كان ضعيفًا ولا يُقبل، وأدلته ضعيفة، ولكنه معروفٌ عند أهل السّنة، وقال به منهم، ونُسب لبعض الصحابة على ما سيأتي كعمر وابن مسعود وابن عباس.

طالب: ............

مجمع عليه

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

خلود فلا موت.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

كل من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، يخلد ولا يموت، وللمناوي في الحديث كلامٌ قبيحٌ جدًّا على الحديث إن كان أحد يستطيع إخراجه من الجهاز، فيض القدير الجزء السادس صفحة مائتين وواحد وأربعين، موجود تقدرون تطلعوه أم لا؟ لا أدري هو عندنا بذا أم لا، ما أدري والله ما أظن حديث «مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ». أكمل أكمل.

"وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة وليس له سلف قط لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من أئمة المسلمين ولا من أهل السّنة، وأنكره عليه عامة أهل السّنة، وكفروه به، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض، وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث".

يعني التسلسل في المستقبل، التسلسل في المستقبل ممنوعٌ عنده كالتسلسل في الماضي، مع أنّ تسلسل الماضي محل خلاف، شيخ الإسلام ذكر أنه ممكن، وأنّ الله -جلَّ وعلا- منذ أن كان غير معطلٍ عن الفعل، وأيضًا التسلسل بالمستقبل كذلك لا يوجد ما يمنع منه.

"وهو عمدة أهل الكلام المذموم التي استدلوا بها على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يخلُ من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم، فرأى الجهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي يمنعه في المستقبل، فدوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنعٌ كما هو ممتنعٌ عنده عليه في الماضي، وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الأصل، لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات فقال بفناء حركات..".

الأجسام باقية على كلام أبي الهذيل العلاف لكنها فجأة تتعطل حركاتها، فقد يرفع الإنسان من أهل الجنة اللقمة فلا تصل إلى فمه، وهذا ذكره شيخ الإسلام في النونية وغيرها عن أبي الهذيل العلاف، ويبقى هكذا تعطلت الحركات، كالسيارة إذ انتهى الوقود تتعطل عن الحركة، وهذا كلامٌ في غاية البطلان، وهو أيضًا كلامٌ لا يليق بعاقل، التسلسل في الماضي يمثلون له بأنّ النية لا تحتاج إلى نية، النية لا تحتاج إلى نية، النية عملٌ قلبي، والحديث «إنما الأعمال بالنيات»، مقتضى ذلك أنّ النية تحتاج إلى نيةٍ، وهذه النية المحتاج إليها تحتاج إلى نيةٍ، والنية التي قبلها تحتاج إلى نيةٍ، وهكذا فيتسلسل الأمر في الماضي، وهذا ممنوعٌ، يعني هل النية تحتاج إلى نيةٍ؟ لا، لماذا؟ لأنّ النية التي قبلها تحتاج إلى نيةٍ، ثم بعد ذلك لا تنتهي الأمور، لكن الشكر يحتاج إلى شكرٍ؛ فالشكر نعمةٌ من نعم الله وُفق إليها العبد، فيحتاج إلى شكرٍ، ولا مانع أن لا يزال العبد شاكرًا في المستقبل، فيه ما يمنع؟ اجعل الشكر على الدوام، لكن الذي قرره شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل أنه لا مانع من التسلسل في الماضي؛ لأنّ الله -جلّ وعلا- منذ أن كان ولا أول له هو الأول بلا بداية ليس بمعطلٍ عن الفعل.

طالب: ............

أخاف أنه ليس بالطبعة التي عندك مائتين وواحد وأربعين الجزء السادس؛ لأني أضبطه بوفاة الإمام أحمد، وإلا فبعيد العهد.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

لا، ما يلزم أن تكون كل المحدثات قديمة، ما يلزم، لكن صفة الفعل لله -جل وعلا-، الذي هو أصل الفعل، والله -جل وعلا- منذ أن كان لم يكن معطلًا من الفعل.

نعم، لقيته؟

طالب: ............

ماذا؟

من يدخل الجنة ينعم.

طيب.

بفتح الياء والعين، أي يصب نعمة ويدوم نعيمه فيه.

لا، لا، أبغي من ((فيض القدير)) لا المناوي الشرح.

هذا الشرح.

ماذا يقول؟

يقول: من يدخل الجنة ينعم قال: بفتح الياء والعين

نعم، ينعم.

أي يصب نعمة ويدوم نعيمه.

نعم، فيها.

فكأنه مظنة أن يقال: كُف فقال:

لا.

 فكأنه مظنة أن يقال: كَف فقال:

تجاوز.

فقال: لا يبأس بفتح الهمزة أي لا يفتقر، وفي رواية بضمها أي لا يحزن ولا يرى بأسًا قبل.

يُبأس.

والصواب الأول وذا.

لا يصيبه بؤس، يبأس.

وذا تأكيد لما قبله، وإنما جيء بالواو للتقريب على وزن {لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْوَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] «لا تبلى ثيابه».

تأكيد معنوي.

«لا تبلى » بفتح حرف المضارعة واللام.

المضارَعة يعني المماثلة للاسم في الإعراب.

«ثيابه» لأنها غير مركبة من العناصر، «ولا يفنى شبابه» إذ لا هرم ثمّ ولا موت،
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} [الواقعة:17] أي يبقون أبدًا على شكل ولدان، وحد الرصانة، وهذا صريحٌ في أنّ الجنة أبدية لا تفنى، والنار مثلها، وزعم جهم بن صفوان أنهما فانيتان؛ لأنهما حادثتان، ولم يتابعه أحدٌ من الإسلاميين بل كفروه به، وذهب بعضهم إلى إفناء النار دون الجنة، وأطال ابن القيم كشيخه ابن تيمية بالانتصار له في عدة كراريس، وقد صار بذلك أقرب إلى الكفر منه إلى الإيمان.

-أعوذ بالله- مع أنّ شيخ الإسلام سأله ابن القيم في ((شفاء العليل)) وتوقف، واطلع في تفسير عبد بن حميد على النصوص التي تدل على بقاء النار، وعلّم عليها، وبعث بها إلى الشيخ وهو مسجونٌ في آخر حياته فقال ببقاء النار، مع أنّ المسألة مادام مسبوقًا من قبل أحد الصحابة والمسألة اجتهادية، وأنتم تعلمون أنّ نصوص الجنة مقرونة بالتأبيد بخلاف ما جاء في النار، مع أنّ القول الراجح المعتمد عند أهل السّنة أنهما لا تفنيان، لكن يبقى الاجتهاد من أهله ممن لا يُظن به سوء، ولا يُبني اجتهاده على قواعد باطلة مثل الجهمية، كمل؛ لأنّ فيه كلامًا ثانيًا قبيحًا،

بمخالفة نص القرآن، وختم بذلك كتابه الذي في وصف الجنان.

((هادي الأرواح)).

فكان من قبيل خبر «إنّ أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا قدر، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار».

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

الذي فيه.

طالب: ............

حمل بعضهم الاستثناء {إلا ما شاء ربك} على النار التي يُعذب بها الموحدون، وأنّ هذه هي التي تدخل في الاستثناء دون نار الكفار، فهي أبدية.

طالب: ............

نعم، هي يحطم بعضها بعضًا، لكن تفنى بذلك؟ أذن لها بنفسين، اشتكت النار إلى ربها وقالت: أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء.

طالب: ............

ولو قال: نار الموحدين ما خالفه أحد؛ لأنّ الموحدين إذا أخرجوا منها فما مآل النار التي كانوا فيها؟

طالب: ............

بلا شك.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

على كل حالٍ حتى الموجود عن عمر وغيره تأويله سهل، لو مكث فيها مثل رَمْل عَالِج لكان لهم أمدٌ يخرجون فيه، لو كان هناك مدة محددة انتهى، لكن ما فيه مدة محددة.

"وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الأصل، لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات فقال: بفناء حركات أهل الجنة والنار حتى يصيروا في سكونٍ دائم، لا يقدر أحدٌ منهم على حركة، وقد تقدم الإشارة إلى اختلاف الناس في تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، وهي مسألة دوام فاعلية الرب تعالى، وهو لم يزل ربًّا قادرًا فعّالًا لما يريد، فإنه لم يزل حيًّا عليمًا قديرًا، ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعًا عليه لذاته، ثم ينقلب فيصير ممكنًا لذاته من غير تجدد شيء، وليس للأول حدٌّ محدود حتى يصير الفعل ممكنًا له عند ذلك الحد، ويكون قبله ممتنعًا عليه، فهذا القول تصوّره كافٍ في الجزم بفساده، فأما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد فهذا مما يُعلم بالضرورة أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر به قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [ هُودٍ: 108] أي مقطوع، ولا ينافي ذلك قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ }، واختلف السلف في هذا الاستثناء فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها لا لكلِّهم، وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف، وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف، وقيل: هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه، وقيل: إلا بمعنى الواو، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف، وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن، فيكون الاستثناء منقطعًا، ورجحه ابن جرير وقال: إنّ الله تعالى لا خلف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} قالوا: هو نظيره أن تقول: أسكنتك داري حولًا إلا ما شئت أي سوى ما شئت، أو لكن ما شئت من الزيادة عليه، وقيل: الاستثناء لإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود كما في قوله تعالى:

من كُتب له من العمر سبعون عامًا أو ثمانون عامًا مع هذه الكتابة المحددة في اللوح المحفوظ هل يخرج عن المشيئة؟ ما يخرج عن المشيئة، وهو أمرٌ محددٌ ومقررٌ لا يتقدم ولا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ومع ذلك لن يخرجوا عن مشيئته.

"كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا } [ الْإِسْرَاءِ: 86 ]".

ومع ذلك مجزومٌ مقطوعٌ بعدمه ووجدت المشيئة ولا يخرج عن المشيئة مع الجزم والقطع بعدمه.

"وقوله تعالى: { فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّورَى: 24 ]، وقوله: { قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ}  [يُونُسَ: 16] ونظائره كثيرة، يخبر عباده – سبحانه - أنّ الأمور كلها بمشيئته ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقيل: إنّ (ما) بمعنى (مَنْ) أي إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء، وقيل: غير ذلك، وعلى كل تقدير فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} محكم".

فيرد المتشابه إلى المحكم.

"وكذلك قوله تعالى: { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ ص: 54 ]، وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [ الرَّعْدِ: 35 ]. وَقَوْلُهُ: { وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [ الْحِجْرِ: 48] 

وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}  [ الدُّخَانِ: 56] وهذا الاستثناء منقطعٌ، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى: { إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ  } تبين لك المراد من الآيتين، واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذاك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها، والأدلة من السّنة على أبدية الجنة ودوامها كثيرة كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمْ وَلَا يَبْأَسْ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ». وَقَوْلِهِ: «يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَأَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَأَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا».

وتقدم ذكر ذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت، وأما أبدية النار ودوامها فللناس في ذلك ثمانية أقوال:

أحدها: أنّ من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد، وهذا قول الخوارج والمعتزلة.

والثاني: أنّ أهلها يعذبون".

لأـنّ مرتكب الكبيرة الذي يدخل النار كافرٌ عند الخوارج ومخلدٌ في النار عند المعتزلة، فعلى هذا إذا دخلوها لا يخرجون منها أبد الآباد، نسأل الله العافية، على قول هؤلاء، وأهل السّنة مذهبهم معروفٌ أنّ مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ولكن لا يخلد في النار إن دخلها.

طالب: ............

إذا ترك الكبائر ولم تكن كفرًا تكفر عنه الصغائر فمكفرات الصغائر كثيرة منها الصلوات الخمسة، ومنها رمضان إلى رمضان، ومنها العمرة إلى العمرة كفاراتٌ لما بينهما ما لم تغش كبيرة.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

لابد له من التوبة أو رحمة أرحم الراحمين، لكن الأصل لابد من التوبة.

طالب: ............

ما يلزم، المشيئة غالبة مشيئة أرحم الراحمين فوق جميع المكفرات، وفوق ذلك كله رحمة أرحم الراحمين لما ذكر المكفرات العشرة.

طالب: ............

في حديث «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» والاطلاع على أهل الموقف، والقول بأنّ الله -جل وعلا- غفر لهم هذا محل خلاف بين أهل العلم هل يشمل الكبائر أم لا. وهذا الكلام في المسألة معروفٌ أن تجتنبوا الكبائر.

طالب: ............

على كل حالٍ من مكفرات الصغائر اجتناب الكبائر.

"والثاني: أنّ أهلها يعذبون فيها ثم تنقلب طبيعتهم ثم تبقى طبيعة نارية يتلذذون بها؛ لموافقتها لطبعهم، وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي.

الثالث: أنّ أهلها يعذبون فيها إلى وقتٍ محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم آخرون وهذا القول حكاه اليهود للنّبي -صلى الله عليه وسلم –".

أنهم يعذبون في النار بقدر الأيام التي عبدوا فيها العجل ثم يخرجون منها.

"وأكذبهم فيه، وقد أكذبهم الله تعالى فقال -عزّ من قائل-: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ الْبَقَرَةِ: 80،81].

الرابع: يخرجون منها وتبقى على حالها ليس فيها أحد.

الخامس: أنها تفنى بنفسها؛ لأنها حادثة وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه، وهذا قول الجهم وشيعته، ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار، كما تقدم.

السادس: تفنى حركات أهلها ويصيرون جمادًا، لا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف، كما تقدم.

السابع: أنّ الله يُخرِج منها من يشاء، كما ورد في السّنة، ثم يبقيها ما يشاء، ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمدًا تنتهي إليه.

الثامن: أنّ الله تعالى يخرج منها من يشاء، كما ورد في السّنة، ويبقى فيها الكفار بقاءً لا انقضاء له، كما قال الشيخ -رحمه الله–".

المصنف الطحاوي.

"وما عدا هذين القولين الأخيرين ظاهر البطلان. وهذان القولان لأهل السّنة ينظر في دليلهما. فمن أدلة القول الأول منهما: قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}  [ الْأَنْعَامِ: 128 ]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هُودٍ: 106، 107 ]. وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ هَذَيْنِ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ مَا أَتَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُه: { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هُودٍ: 108 ]". 

يعني غير مقطوعٍ مستمرٌ دائمٌ.

"وقوله – تعالى -: { لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}  [ النبأ: 23] وهذا القول - أعني القول بفناء النار دون الجنة - منقول عن عمر، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وغيرهم

 وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر -رضي الله عنه -، أنه قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه". 

يعني لو حُد لهم حد مهما بلغ، مهما بلغ تصور من الأرقام ما شئت لكان لهم يوم يخرجون به، لكن الواقع أنه ما حُد شيءٌ فليس بالخبر ما يدل على فناء النار.

"ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: { لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}  [ النبأ: 23]  قالوا: والنار موجب غضبه، والجنة موجب رحمته. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: « لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي » وَفِي رِوَايَةٍ: «تَغْلِبُ غَضَبِي». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّهُ عَنْهُ -، قَالُوا: وَاللَّهُ – سُبْحَانَهُ - يُخْبِرُ عَنِ الْعَذَابِ أَنَّهُ: {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الْأَنْعَامِ: 15 ]، {وَأَلِيمٍ} [ هُودٍ: 26 ] {وَعَقِيمٍ} [ الْحَجِّ: 55 ]، وَلَمْ يُخْبِرْ وَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَنِ النَّعِيمِ أَنَّهُ نَعِيمُ يَوْمٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الْأَعْرَافِ: 156 ]. وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمَلَائِكَةِ: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غَافِرٍ: 7 ]. فَلَا بُدَّ أَنْ تَسَعَ رَحْمَتُهُ هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، فَلَوْ بَقُوا فِي الْعَذَابِ لَا إِلَى غَايَةٍ لَمْ تَسَعْهُمْ رَحْمَتُهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ تَقْدِيرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَالْمُعَذَّبُونَ فِيهَا مُتَفَاوِتُونَ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْعَذَابِ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ".

أورد بعض المعترضين على النصوص من أهل البدع قال: إنّ الشرك مثلًا لو عاش المرء مائة سنة وهو مشركٌ ومات على ذلك، هل من العدل أن يعذب ملايين السنين، بل إلى ما لا نهاية؟ أوردوا هذا، وأجيب بأنّ هذا الذي أشرك مائة سنة هل في نيته أن يرجع بعد مائة سنة أم في نيته أن يستمر على شركه وكفره، بل وعلى ظلمه وعناده أبد الآباد لو عُمِّر؟ نعم، فهذه نيته.

"والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقًا يعذبهم أبد الآباد عذابًا سرمدًا".

عذابًا سرمدًا لا نهاية له..

 تركت سطرًا عذابًا سرمدًا لا نهاية له. وأما أنه يخلق خلقًا يُنعم عليهم ويُحسن إليهم نعيمًا سرمدًا، فمن مقتضى الحكمة. النعيم لا أحد يعترض عليه.

"ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقًا يعذبهم أبد الآباد عذابًا سرمدًا لا نهاية له. وأما أنه يخلق خلقًا يُنعم عليهم ويُحسن إليهم نعيمًا سرمدًا".

الله -جل وعلا- لا يُسأل عما يفعل، وإلا فظلم الإنسان اليوم بالشرك يومًا أو عمره كله هل ينافي أو يناسب عذاب يوم فيه من الأهوال التي ذكرت في النصوص الصحيحة من أهوال القيامة؟ حديث الرؤيا في صحيح البخاري: مررت برجلٍ وفوق رأسه رجلٌ معه كلوب يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يذهب إلى الشدق الثاني، فإذا انتهى عاد سليمًا كما كان، ثم يعود إليه مرة ثانية وهكذا إلى يوم القيامة، ماذا عمل؟ أخذ القرآن ونام عنه، ونام عن الصلاة المفروضة، قد يقول قائل وأيش فعل لهذا العذاب؟ لكن الله -جل وعلا- لا يُسأل عما يفعل، هم خلقه، أوجدهم من العدم، وأنعم عليهم بسائر النعم، وأمرهم ونهاهم وخالفوا؛ لا يُسأل عما يفعل، ومع ذلك هو أرحم بالمرء من أمه التي حملته وولدته، بل أرحم به من نفسه.   

"وأما أنه يخلق خلقًا يُنعم عليهم ويُحسن إليهم نعيمًا سرمدًا، فمن مقتضى الحكمة. والإحسان مراد لذاته، والانتقام مراد بالعرض قالوا: وما ورد من الخلود فيها، والتأبيد وعدم الخروج، وأنّ عذابها مقيمٌ، وأنه غرامٌ كله حقٌ مسلمٌ، لا نزاع فيه، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد. ففرقٌ بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.

وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِبَقَائِهَا وَعَدَمِ فَنَائِهَا: قَوْلُهُ: { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [ الْمَائِدَةِ: 37]، وقوله: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [ الزُّخْرُفِ: 75  ]، وقوله: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النَّبَأِ: 30 ]، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ} [ الْبَيِّنَةِ: 8 ]، وقوله: { وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}  [ الْحِجْرِ: 48]، وقوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار}ِ [الْبَقَرَةِ: 167] وقوله: {لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } [الْأَعْرَافِ: 40]، وقوله: { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فَاطِرٍ: 36 ] ]، وقوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [ الْفَرْقَانِ: 65 ] أَيْ مُقِيمًا لَازِمًا".

بركة يكفي.

طالب: .. على القول بفناء النار، فهل أهلها يفنون أيضًا؟

الظاهر أنهم تبعًا له.

طالب: لو قال واحد من أهل السنة بهذا القول يأثم؟

هو مسبوقٌ على كل حالٍ، لكنه قولٌ مرجوح أدلته ضعيفة.

طالب: ............

على كل حالٍ إذا كان من أهل الاجتهاد وأهل النظر في النصوص، يعني لديه الأهلية الكاملة مثل شيخ الإسلام وابن القيم، وينطلق من نصوص وفهم لنصوص الشريعة وقواعدها المهمة  فالقول بتبديعه صعب.

طالب: ............

هذا يقول: الذي يشرشر يقول يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق من الممكن أن أكون أخطأت في النص. نعم.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

في الجنة { وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}.

طالب: ............

بقاء النار لا ليس صحيحًا.

لكن ليست في البينة يا شيخ.

لا، موجودة، لا، البينة ما فيها تأبيد.

في غير البينة ثلاثة مواضع في القرآن.

نعم أبدًا.

طالب: ............

آية البينة ليس فيها تأبيد.

طالب: ............

نعم، أما من يشرشر شدقه وأنفه وعينه هذا الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، نسأل الله العافية.

"