شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 07

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.   

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال –رحمه الله تعالى–: عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: كان النبي –صلى الله عليه وسلم– يقبِّل ويُباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فراوية الحديث أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق تقدم ذِكرها مرارًا، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب المباشرة للصائم.

قال ابن حجر: أي بيان حكمها، وأصل المباشرة: التقاء البشرتين، ويستعمل في الجماع، لكن الجماع ليس مرادًا بهذه الترجمة.

يقول العيني: أي هذا بابٌ في بيان حكم المباشرة للصائم، والمباشرة مفاعلة وهي الملامسة وأصلها: من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترِد بمعنى الوطء في الفرج وخارجًا منه، وليس المراد بهذه الترجمة الجماع.

قريب من كلام ابن حجر.

وقولها- رضي الله عنها-: يُقبِّل ويباشر، التقبيل أخص من المباشرة، فهو من ذِكر العام بعد الخاص.

في شرح ابن بطال يقول: المباشرة والقُبلة للصائم حكمهما واحد.

وقال أشهب: القُبلة أيسر من المباشرة.

المقدم: حكمهما واحد يا شيخ المباشرة والقُبلة، هذا القول الأول؟

يقول ابن بطال: المباشرة والقُبلة للصائم حكمهما واحد.

المقدم: على اعتبار أنه وضح ما هي المباشرة التي يريد؟

يُقبِّل ويباشر.

المقدم: لكن المباشرة معناها واسع يا شيخ، كأن فيه خلافًا واسعًا حتى في معناها؟

ما في شك أنها تطلق على الجماع.

المقدم: تطلق على ما دونه.

تطلق على ما دونه وهو أشد من القُبلة، وتطلق على مجرد مس البشرة البشرة.

المقدم: فأين المراد؟

فهي دون القُبلة أيضًا.

المقدم: عندما يباشر –عليه الصلاة والسلام- وهي حائض زوجته دون الجماع، هذا نوع من المباشرة.

يُقبِّل ويباشر، لكن المباشرة لا بد من تحديد المراد بها هنا.

المقدم: هذا هو.

لأنها تطلق على الجماع فما دونه حتى مس البشرة البشرة باليد، لو مس يده قيل بشره.

المقدم: وهذه مراد عائشة.

ليست المراد، يأتي توضيحه فيما يأتي.

يقول ابن بطال: المباشرة والقُبلة للصائم حكمهما واحد؛ استدلالًا بالخبر يُقبِّل ويباشر، لكن كون الحكم واحدًا وكونه في درجةٍ واحدة من الإباحة مع اختلاف المعنى وتفاوته استدلالًا بالعطف يعني بدلالة الاقتران، اقتران المباشرة بالقُبلة يدل على أن المباشرة هنا ما دون المباشرة التي هي الجماع وما كان قريبًا منه.

وقال أشهب: القُبلة أيسر من المباشرة.

وقال ابن حبيب: المباشرة والملاعبة والقُبلة وإدامة النظر والمحادثة تنقص أجر الصائم وإن لم تفطّره.

المباشرة والملاعبة والقُبلة وإدامة النظر والمحادثة يعني: كل هذا إذا كان على سبيل التلذذ.

المقدم: لأنه من قبيل الرفث؟

من قبيل الرفث من جهة؛ لأنها تتعلق بالنساء، ومن قبيل الشهوة، «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»، فهي من قبيل الشهوة.

اختلفوا في المباشرة فكرهها قومٌ من السلف كابن عمر، وابن عباس، وابن المسيب، وعطاء، والزهري، ورخص فيه آخرون كابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وعكرمة.

قال المهلب: وكل من رخص في المباشرة للصائم فإنما ذلك بشرط السلامة مما يُخاف عليه من دواعي اللذة والشهوة، ألا ترى قول عائشة عن النبي –صلى الله عليه وسلم – وكان أملككم لإربه؟ ولهذا المعنى كرهها من كرهها، لكن إذا كان لا يملك إربه وباشر بناءً على جواز المباشرة، ثم ترتب على ذلك ما يترتب على الجماع من الإنزال.

المقدم: عليه القضاء.

لا بد، ويأثم إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يملك إربه.

فالتنصيص على "وكان أملككم لإربه" يدل على أن مَن لا يملك الإرب لا يجوز له ذلك؛ لأنه لا يتم الواجب وهو حفظ الصيام إلا بهذا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الوسيلة إلى محرم جائزة ولا محرمة؟

المقدم: مثله، تأخذ حكمه.

مثله.

وقال مالك في المختصر: لا أحب للصائم في فرض أو تطوع أن يباشر أو يُقبِّل، فإن فعل ولم يمذِ فلا شيء عليه، فإن أمذى فعليه القضاء، وهو قول المطرف، وابن الماجشون، وأحمد بن حنبل.

يقول: لا أحب للصائم في فرض أو تطوع أن يباشر أو يُقبِّل، فإن فعل ولم يمذِ فلا شيء عليه؛ عملًا بالحديث، لكن لا يحب؛ لأنه وسيلة إلى إبطال الصوم، فإن أمذى فعليه القضاء، وهو قول المطرف، وابن الماجشون، وأحمد بن حنبل ويأتي ما في المذي هل يفطر أو لا يفطر؟

وقال بعض البغداديين من أصحاب مالك: القضاء في ذلك عندنا استحباب يعني: إن أمذى.

وقال أبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: لا شيء عليه إذا أمذى، وهو قول الحسن والشعبي، وحجتهم أن اسم المباشرة ليس على ظاهره.

المباشرة التي في الحديث أو في الآية {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187]؟

وقال أبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: لا شيء عليه إذا أمذى، وهو قول الحسن والشعبي، وحجتهم أن اسم المباشرة ليس على ظاهره، وإنما هو كناية عن الجماع، هل يراد بها في الحديث أو في الآية؟

المقدم: في الآية.

في الآية بلا شك.

ولم يختلف العلماء أن قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} يراد به الجماع، فكل مباشرة اختلفوا فيها فالواجب ردها على ما أجمعوا عليه منها.

إنما أجمعوا على منع الجماع، وما دون الجماع يشمله لفظ يباشر في الحديث، لكن إن ترتب عليه شيء يبطل الصيام، أبطلت، ثم بعد ذلك حكم هذه المباشرة التي جاء أن النبي –عليه الصلاة والسلام– يفعلها معللةً بقول عائشة: وكان أملككم لإربه، فإن كان لا يملك إربه فلا يجوز له أن يُقبِّل ولا يباشر؛ لأنه يسعى إلى إبطال صومه.

المقدم: لكن المعتاد في هذا يا شيخ كما فهمنا من أكثر من حديث وأنتم تتفضلون بشرحه أنها تُجمع ألفاظ واردة في مسألة معينة ثم يُرى كيف كان الشارع يستخدمها، فمثلًا المباشرة: لو جمعنا الألفاظ الذي فيها، جمعنا الآن ما تفضلت بذكره من الآية والحديث في أن المراد الجماع، وردت ألفاظ أخرى تدل على أنه أعلى درجات المباشرة فما دون الجماع كما كان -عليه الصلاة والسلام- يأمرها فتتزر.. فيباشرها، فالقضية لابد من ضبطها يُخشى أن يُفهم.

هو لفظ يشمل أكثر من معنى، الجماع فما دونه مباشرة على أن يصل إلى مس البشرة البشرة، يعني: اليد باليد مباشرة أخذًا من المفاعلة، فالذي يعمل هذا العمل بدون واسطة يقال: باشره.

من الذي باشر مثلًا فتح الباب؟ فلان، لكن لو أمر به، قيل: فتح الباب يعني: أمر به، لكن ما يقال باشر فتح الباب.

يقال: حفر الأمير بئرًا، لكن ما يقال باشر حفره، إنما يقال: حفر لا مانع، ويُتوسع في الفعل، أما المباشرة فأضيق.

وعلى كل حال: المسألة واضحة، والتعليل بكونه أملك لإربه يزيد الأمر وضوحًا، فإن الشخص الذي لا يملك لا يجوز له أن يباشر، أما بالجماع فإجماع وما دون الجماع هو محل النظر، فإن كان لا يملك إربه حرُم عليه، وإن كان يملكه فالنبي –عليه الصلاة والسلام- يُقبِّل ويباشر.

اختلفوا إذا باشر أو جامع دون الفرج فأمنى، فقال أبو حنيفة والثوري والشافعي: عليه القضاء فقط؛ لأنه دون الفرج، لأن الكفارة إنما تجب عندهم بالإيلاج في الفرج والجماع التام.

وقال عطاء: عليه القضاء مع الكفارة، وهو قول الحسن وابن شهاب ومالك وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق.

قال عطاء: عليه القضاء مع الكفارة ولو لم يولج. وهو قول الحسن وابن شهاب ومالك وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق، وحجة هذا القول: أنه إذا باشر أو جامع دون الفرج فأنزل، فقد حصل المعنى المقصود من الجماع؛ لأن الإنزال أقصى ما يُطلب من الالتذاذ وهو من جنس الجماع التام في إفساد الصوم فقد وجبت فيه الكفارة.

لكن يرِد عليه: هل يوجبون الكفارة بالنسبة لمن استمنى بيده مثلًا؟ لأن تعليلهم يقتضي هذا، التعليل يقتضي هذا. حجة هذا القول أنه إذا باشر أو جامع دون الفرج فأنزل فقد حصل المعنى المقصود من الجماع؛ لأن الإنزال أقصى ما يُطلب من الالتذاذ، وهو من جنس الجماع التام في إفساد الصوم فقد وجبت فيه الكفارة.

في الحاشية التي وُجدت بخط الشيخ سليمان بن عبد الله بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، ونُسبت إليه، يقول: إذا قبَّل أو لمس لم يخلُ من ثلاثة أحوال:

أحدها: أن لا يُنزل ولا يمذي فلا يفسد صومه بغير خلافٍ علمناه؛ لما روت عائشة –رضي الله عنها – أن النبي– صلى الله عليه وسلم – كان يُقبِّل وهو صائم، وكان أملككم لإربه، يعني: حديث الباب.

رواه البخاري، وعن ابن عمر كذا في الحاشية، وصوابه: عن عمر –رضي الله تعالى عنه- قال: هششت فقبَّلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، إني فعلت أمرًا عظيمًا، قبَّلت وأنا صائم. قال: «أرأيت لو تمضمضت من إناءٍ وأنت صائم؟». قلت: لا بأس. قال: «فمه» رواه أحمد وأبو داود.

فشبَّه القُبلة بالمضمضة باعتبار أن هذه مقدمة لمفطّر وهو الجماع، والمضمضة مقدمة لمفطر وهو الشرب.

الحال الثاني: أن يُمني فيفطر بغير خلافٍ نعلمه.

الحال الأولى: أن لا يحصل منه شيء فلا يفطر، الثانية: أن يحصل منه المني فيفطر بغير خلافٍ نعلمه.

الحال الثالث: أن يمذي فيفطر وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر، واختاره الآجري والشيخ تقي الدين وابن الجوزي، ورُوي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي.

يقول الشيخ سليمان: ولنا أنه – يعني في الحاشية المنسوبة إليه – ولنا أنه خارجٌ تُحلله الشهوة يعني: يتحلل منها، خارجٌ تحلله الشهوة خرج بالمباشرة أشبه المني، وبهذا فارق البول، ومما يقوي عدم الفطر بالمذي أنه لا يصاحبه شهوة.

في الحاشية المذكورة قبل ما نقلناه مباشرة: فأما إن أنزل لغير شهوةٍ  فلا، كالبول.

إذًا إذا أمذى: المذي لا يصاحبه شهوة فلا يفطر به، يعني من باب أولى.

في زاد المعاد لابن القيم: أما الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي –صلى الله عليه وسلم– قالت: سُئل النبي –صلى الله عليه وسلم– عن رجلٍ قبَّل امرأته وهما صائمان، فقال: «قد أفطرا». يقول: فلا يصح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وفيه أبو يزيد الضبي رواه عن ميمونة وهي بنت سعد، قال الدارقطني: ليس بمعروف، ولا يثبت هذا. وقال البخاري: هذا لا أُحدث به، هذا حديثٌ منكر، وأبو يزيد رجلٌ مجهول.

ثم يقول ابن القيم: ولا يصح عنه –يعني النبي عليه الصلاة والسلام– التفريق بين الشاب والشيخ، ولم يجئ من وجه يثبت، أجود ما فيه حديث أبو داود عن نصر بن علي، عن أبي أحمد الزبيري قال: حدثنا إسرائيل عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رجلًا سأل النبي –صلى الله عليه وسلم – عن المباشرة للصائم فرخص له، فأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب. وإسرائيل وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به وبقية الستة، فعلة هذا الحديث أن بينه وبين الأعرج فيه أبا العنبس العدوي الكوفي، واسمه الحارث بن عُبيد سكتوا عنه.

يعني: فيه واسطة، ففيه انقطاع، والمنقطع من قسم الضعيف.

وفي المفهم للقرطبي حديث عمر عندما قال: هششت فقبَّلت، فقال النبي-عليه الصلاة والسلام-: «أرأيت لو تمضمضت.. » إلى آخر الحديث. يقول: حديث عمر –رضي الله عنه– يدل على إباحة القُبلة للصائم مطلقًا، وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد وإسحاق وداود. وكرهها قوم مطلقًا وهو مذهب مالك، وفرَّق قوم فكرهوها للشاب، وأجازوها للشيخ، وهو مروي عن ابن عباس، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي، وحكاه الخطابي عن مالك.

هؤلاء الذين كرهوا القُبلة للشاب نظروا إلى أنها مظنة لإفساد الصوم بخلاف الشيخ، مع أن الحكم أغلبي، فقد يوجد في الشيوخ من هو أشد شهوةً وشبقًا من بعض الشباب، فالمسألة معلقةٌ بقوة الشهوة وعدم ملك الإرب.

وقد روى ابن وهب عن مالك أنه أباحها في النفل، ومنعها في الفرض.

أباحها في النفل؛ لأن أمره أوسع، والمتطوع أمير نفسه؛ لأنه لو حملته نفسه على أن يفطر في النفل ليس الأمر كما لو حملته نفسه على أن يفطر في الفرض.

وسبب هذا الخلاف: معارضة تلك الأحاديث لقاعدة سد الذريعة.

سبب الخلاف يعني: مَن منع ومَن أباح، والحديث صريح في الإباحة من فعله –عليه الصلاة والسلام– فقاعدة سد الذريعة تقتضي المنع، والحديث يدل على الجواز، فهذا هو منشأ الخلاف وسببه؛ وذلك أن القُبلة قد يكون معها الإنزال فيفسد الصوم، فينبغي أن يُمنع ذلك حماية للباب يعني: سدًّا للذريعة.

ووجه الفرق بين الشاب والشيخ: أن المظنة في حق الشاب محققةٌ غالبًا، فيترتب الحكم عليها، ويشهد لصحة الفرق ما رواه أبو داود من حديث قيس مولى تُجيب، أن النبي –صلى الله عليه وسلم– أرخص في قُبلة الصائم للشيخ، ونهى عنها للشاب، وفي معناه حديث أبي هريرة الذي سبق أن سقناه، ولا يصح منها شيء، يقوله القرطبي.

وقول عائشة –رضي الله عنها – في الحديث: وكان أملككم لإربه، (الإرب) بكسر الهمزة وسكون الراء، بعدها الباء الموحدة وهو العضو، وهو هنا كناية عن الجماع.

وقال النووي: رُويت هذه اللفظة بكسر الهمزة وإسكان الراء، وبفتح الهمزة والراء (إِرْب، أَرَب) ومعناه بالكسر: الحاجة، وكذا بالفتح، ولكنه أيضًا يطلق على العضو، ويقال لفلان: أَرَبٌ، وأَرَبةٌ، ومَأرَبة أي: حاجة، {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ} [طه:18] يعني: حاجات.

ومعنى كلامه أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القُبلة، ولا تتوهموا بأنفسكم أنكم مثله، أنكم مثل النبي –عليه الصلاة والسلام– في استباحتها؛ لأنه يملك نفسه، ويأمن الوقوع فيما يتولد منه من الإنزال وأنتم لا تملكون ذلك، وطريقكم الانفكاك عنها يعني: طريقكم وسبيلكم تركها.

المقدم: يا شيخ قبل قليل أشرتم إلى حديث نهي الشاب أن يُقبِّل وهو صائم والترخيص للشيخ، ذكرتم أنه لا يصح.

ضعيف، نعم.

المقدم: حديث أبي هريرة ضعيف ولا كل ما جاء ء في هذا الباب؟

كل ما جاء في التفريق بين الشاب والشيخ لا يصح، لكن من نظر إلى المعنى وجد أن معناه صحيح وإن كان أغلبيًّا؛ فإن الشيخ أقل شهوة من الشاب، والشاب أسرع فيما تتطلبه الشهوة مما يبطل الصوم.

المقدم: لكن ألا يصلح أن نقول: إن القُبلة والمباشرة هي نوع من الرفث المنهي عنه، فكيف تقع منه –صلى الله عليه وسلم– إلا إذا كان لها معنى آخر غير الشهوة؟

لا، هو الرفث مثل المباشرة، متفاوت المعنى من أدنى كلمة يباشر بها النساء –كلمة– إلى أن يحصل الأمر الأكبر الذي هو الجماع، فالأعلى منها ممنوع، وما يقرب منه ممنوع، يبقى أن ما حصل منه –عليه الصلاة والسلام– دون ما هو في حيز المنع، ويُنظر في هذا إلى المعنى، وهو ما تؤثره هذه المباشرة.

المقدم: يعني ممكن أن يقال: إن هذه القُبلة وهذه المباشرة ليست من هذا القبيل المعروف بما يحصل بين الرجل وزوجته، هي الأمر الفطري الطبيعي الذي يستخدمه الإنسان مع ناس كُثر.

يعني حتى لو قلنا: إن المراد بالقُبلة مع الزوجة مثل القُبلة مع الطفل مثلًا التي هي من باب الرحمة لا من باب الشهوة، النفس لا تنفك إلى مثل هذا الحد، يعني: الرجل مع زوجته لا يمكن أن يُقبِّلها مثل ما يُقبِّل الطفل إلا إذا كانت في حالٍ تحتاج إلى مراعاة وتطييب خاطر مثلًا.

نعم، النساء قد يكنَّ بالنسبة لزوجهنَّ متفاوتات، فتقبيله –عليه الصلاة والسلام– لعائشة يختلف عن تقبيله لأم سلمة يختلف عن تقبيله لسودة مثلًا، هذا أمر فطري؛ ولذا في الحديث الصحيح في البخاري في باب القُبلة: عن عائشة– رضي الله عنها– قالت: إن كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ليُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت.

المقدم: فهي المرادة.

نعم هي المرادة.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم، لعلنا نكتفي بهذا على أن نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقى من ألفاظ وأحكام هذا الحديث في الحلقة القادمة.

أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نلقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة لاستكمال حديث عائشة في باب المباشرة للصائم وأنتم على خير، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.