تعليق على تفسير سورة الأعراف من أضواء البيان (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "اعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ قَسَّمُوا صِفَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ: صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ، وَصِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَصِفَةُ مَعْنًى، وَصِفَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ".

المقدمة التي قبل صفحة أو صفحتين التذكير بها طيب.

طالب: والظاهر؟

لا من أول الآية، قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأعراف:54].

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف:54].

لَمْ يُفَصِّلْ هُنَا ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ فَصَّلَهُ فِي سُورَةِ (فُصِّلَتْ) بِقَوْلِهِ: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:9-12].

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} الْآيَةَ [الأعراف:54].

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَأَمْثَالُهَا مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] وَنَحْوَ ذَلِكَ أَشْكَلَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِشْكَالًا ضَلَّ بِسَبَبِهِ خَلْقٌ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَصَارَ قَوْمٌ إِلَى التَّعْطِيلِ وَقَوْمٌ إِلَى التَّشْبِيهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَوْضَحَ هَذَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ، وَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ أَيَّ لَبْسٍ وَلَا إِشْكَالٍ، وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ مُتَرَكِّبٌ مِنْ أَمْرَيْن:

أَحَدُهُمَا: تَنْزِيهُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ مُشَابَهَةِ الْحَوَادِثِ فِي صِفَاتِهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَالثَّانِي: الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِفُ اللَّهَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنَ اللَّهِ: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140]، وَلَا يَصِفُ اللَّهَ بَعْدَ اللَّهِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي قَالَ فِيهِ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4]، فَمِنْ نَفَى عَنِ اللَّهِ وَصْفًا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَاعِمًا أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَعْلَمَ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَا يَلِيقُ بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16].

وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ يُشَابِهُ صِفَاتِ الْخَلْقِ، فَهُوَ مُشَبِّهٌ مُلْحِدٌ ضَالٌّ، وَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ تَنْزِيهِهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ جَامِعٌ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَالتَّنْزِيهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ، سَالِمٌ مِنْ وَرْطَةِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَالْآيَةُ الَّتِي أَوْضَحَ اللَّهُ بِهَا هَذَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ -جَلَّ وَعَلَا- مُمَاثَلَةَ الْحَوَادِثِ بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِنَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ مَعَ الاتِّصَافِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فنحمد الله –جلَّ وعلا- على أن يسر لنا من دلَّنا على الصراط المستقيم، ونجَّانا من مشابهة الملحدين والمعطِّلين الذين يُلحدون في أسماء الله، ويُنفون صفاته، فدعاواهم التي طوَّلوا بها الكُتب بغير طائل، وفصَّلوها مما يزيدها لبسًا وتعقيدًا، ذكرنا أن (شرح المقاصد) ثمانية مجلدات، وفي النهاية لا تخرج بنتيجة، كما كانت النهاية في أكابر المتكلمين أن منهم من تمنى أن يموت على عقيدة العجائز أو قال: عجائز نيسابور، فهذه الأمور التي ظلوا بها لبعدهم عن كتاب الله –جلَّ وعلا- وسُنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم- نسأل الله السلامة والعافية.

بسبب هذا البُعد عن كتاب الله –جلَّ وعلا-، وكلما بعُد الشخص أو الأمة عن كتاب ربها، فإنها تُبتلى وتُعاقب بأمورٍ قلبية وأمورٍ عملية، فهؤلاء لما تعلقوا بموروث الأمم السابقة واعتمدوها وأعرضوا عن ذكر الله في كتابه وسُنَة نبيه –صلى الله عليه وسلم- مما كُلِّفوا به من مسائل الاعتقاد، وقد يكون في بعضها في مسائل العمل تجد الدليل الظاهر الصريح الدليل الصريح من الكتاب والسُّنَّة ويتركه لقواعد قد قعَّدها من بعُد عن كتاب الله سواءً كانت في الاعتقاد أو في الأعمال قواعدهم قد تحملهم على تفريع هذه القواعد في بعض فروعها ما يُخالف الكتاب، وفي بعضها ما يُخالف السُّنَّة، ويقولون مع ذلك: ولو خالفت، القواعد مضبوطة ومُتقنة وهم يُقرون بأن هناك قواعد كلية أو قواعد أغلبية، وهناك ضوابط ليست بقواعد، ثم بعد ذلك يُفرِّعون عليها ويتركون النص.

ومقلدة المذاهب وقعوا في شيءٍ من هذا، وقالوا بأن هذا هو الحق، والتمذهب هو الواجب ولو خالف الكتاب والسُّنَّة وقول الصحابي، قد صرَّحوا بذلك بالحرف، وقالوا ما هو أعظم من ذلك، لكن على المسلم أن ينتهي إلى ما سمع من النص يقف عنده، قد لا تكون لديه الأهلية للعمل بما في النص، وفهم ما في النص، والاستنباط من النص، يُقلِّد من تبرأ الذمة بتقليده ممن عُرِف بتعظيم النص، فإذا قلَّد من عُرِف بتعظيم النص وهو من أهل العلم والدين والورع ممن تبرأ الذمة بتقليده فهو ناجٍ بإذن الله.

وليس مُفتٍ في فتواه مُتبع

 

ما لم يُضف للدين والعلم الورع

لأنه قد يكون عنده علم، بل قد يُشار إليه أنه من بحار العلم، لكن إذا لم يكن عنده ورع يقف عند كل سؤالٍ يُسأله، ويطلب الخلاص حينما يقف بين يدي الله –جلَّ وعلا- وإلا فالإنسان ألزم ما عليه نجاة نفسه، ما هو بضروري أن يُقال: أجاب فلان عن كل مسألة، فهذا الباب هو مزلة قدم، وضل فيه خلقٌ أو خلائق.

 في بعض العصور وفي بعض الدول طبَّق الآفاق هذه المذاهب المبتدعة التي نتيجتها نفي ما أثبته الله لنفسه أو الزيادة والغلو في الإثبات، فشبَّهوه بالمخلوقات، وآيةٌ واحدة تنسف مذاهبهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11]، تنسف ذلك كله.

ومعلومٌ أن ضلالهم جاء من تعظيمهم لشيوخهم الذين اعتمدوا في تقعيد مذاهبهم على علوم الأولين، الفلسفة اليونانية جعلوها حاصرة لعقولهم، وقطعيةٌ مقدمةٌ على النص، فلذلك لا يترددون في قبول ما دلتهم عليه، وإن خالف القرآن والسُّنَّة.

والحمد لله دين الله واضح، يفهمه كل أحد، تبقى مسائل علمية دقيقة لأهل العلم، وإلا فالعامي إذا سمع {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] عرف أن لله سمعًا، وأن له بصرًا، وإذا تأمل قول الله– جلَّ وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] يقطع وهو عامي ما قرأ ولا كتب، يقطع بأن المشابهة للمخلوق مرفوضة ومنتفية من الأصل.

فإذا حصل الإثبات كما في الآية للسمع والبصر والصفات الأخرى في آياتٍ وأحاديث أُخر ما تردد في إثبات ذلك لربه، والعامي إذا أشكل عليه شيء مما ورد في الكتاب والسُّنَّة يؤمن إيمانًا قطعيًّا جازمًا لا يتردد فيه وإن لم يفهم.

يُذكر عن بعض العوام أنه في رمضان يحضر قراءة الإمام في المسجد هو وزوجته أو بعد صلاة العصر هذه سُنَّة مُتبعة في هذه البلاد وغيرها، لما خرجا من المسجد الزوج وزوجته قالت: إن الإمام قال كذا، في كلامٍ ما فهمته ولا فهمه هو، قال: انتبهي لنفسك، الإمام يقول: قال رسول الله، ما هو بقال فلان وعلان، قد تخرجين من الدين وأنتِ لا تشعرين، هذا في العوام.

ولذلك من كبار المتكلمين من تمنى أن يموت على عقيدة العجائز، العجائز ما لهم دخل في التفاصيل التي ضل بسببها أولئك الأقوام، وكلما زادت التفاصيل فيما لم يرد في الكتاب والسُّنَّة تفصيله زاد الضلال والضياع، والدليل من قرأ في كُتب المتكملين من هذه الكتب التي أشرت إلى بعضها الذين رجعوا إلى السُّنَّة وقال: على عقيدة أحمد، وكان على مذهبٍ مخالف من مذاهب المخالفين ورجع ما سلِم مائة بالمائة؛ لأن هناك أمورًا وشبهات تعلق بالقلب لا يسلم منها إلا من نجَّاه الله، تبقى تحوك في صدره.

أبو الحسن الأشعري، هل لما رجع إلى عقيدة السلف والسُّنَّة وعقيدة أحمد كما قال بقي عنده شوائب، وغيره ممن رجع إلا من وفقه الله –جلَّ وعلا- ونكَّب عن ذِكر أو التفطن لما كان عليه جانبًا وابتدأ من جديد، والله المستعان.  

بعض الناس أشكل عليه قول أهل العلم: أمِرُّوها كما جاءت، فوقع في شيءٍ من التفويض، معنى أمِرّوها كما جاءت لا تتعرضوا لتأويلها، وإن اعتقدنا أن لها معاني في لغة العرب كما هو معروف، فمعانيها معلومة وتأويلوها وكيفياتها مجهولة كما قال الإمام وغيره، بعضهم يقول: أمِروها كما جاءت لا تبحثون في معانيها ولا في غيرها وأنه ليس لها معاني أصلًا تمر كما جاءت، فوقعوا في التفويض ولم يُوفقوا للفرق بين اعتقاد المعنى الصحيح الذي جاءت به لغة العرب مع نفي الكيفية التي لم يطَّلع عليها أحد، فقالوا: إن تعرضنا للمعاني الذي تذكرون لا بُد من أن نقع في التكييف.

والمعروف أنه لما يُقال لك: أنت عرفت الله، وجزمت بوجوده بالأدلة القطعية، وأنه له هذه الصفات التي جاءت عنه وعن رسوله، وحُجِبت عنك الكيفيات لو أن رجلًا من سكان المغرب أو المشرق عرفته بمؤلفاته مثلًا أو بذِكر الناس له، وأن اسمه فلان بن فلان بن فلان تجزم من معرفتك لاسمه، وأنه من بني آدم أنه على هيئة بني آدم في الجملة، لكن كيفية هذه الأوصاف والأعضاء -وحاشا أن يُقال: لله أعضاء كما قال الرازي- وهذه الأعضاء لا تجزم بكيفياتها، لا تدري حجمه، طوله، عرضه، لونه، ما تدري عنه شيئًا، فأنت عرفت إجمالًا، وعرفت معاني هذه الأوصاف، تعرف أن له يدًا، وتعرف أن له كل ما رُكِّب منه بني آدم إلا ما طرأ عليه من خلل، ولكن كيفيات هذه الأوصاف وأنت ما رأيته، ولا رأيت نظيره بحيث يُقال لك: مثل فلان، ولا فُصِّلت أوصافه، وقيل: إنه ذُكِرت شمائله وأصافه لا تجزم بها.

الآن الذي ما قرأ عن مثلًا الإمام أحمد أو شيخ الإسلام أو غيره ما قرأ عن سيرته، وذُكِر في سيرته أوصافه بأنه طويل أو قصير أو أبيض أو كذا أو كذا يستطيع أن يجزم بشيء؟ كيفيات هذه نجزم أن له يدين ورجلين؛ لأنه من بني آدم ومن جنسهم هذه يشتركون فيها، أنت ما سمعت بأن فلانًا من الناس قُطِعت يده ما الذي يتبادر إلى ذهنك؟

أن الأجزاء كلها موجود في الجملة؛ لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم، لكن الكيفيات لن تصل إليها إلا بمشاهدة أو وصف أو تشبيه، يُقال: إنه مثل فلان هذا بالنسبة لله –جلَّ وعلا- ما جاءنا عنه منه شيء الكيفيات؛ ولذلك نقول: الكيف مجهول جاءتنا الأوصاف، وهذه الأوصاف لها معانٍ في لغة العرب نعتقدها ونعرفها، ولكن الكيفيات مجهولة، ونجزم بأنه لا يُشبهه أحدٌ من خلقه، ولا يُشبه أحدًا من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].

ففرقٌ بين أن تعتقد هذه الصفات أو تُبالغ في تشبيهه بخلقه أو يطرأ على ذهنك من خلال ما قاله سلف الأمة في أحاديث الصفات أمِروها كما جاءت أنها لا تُفسَّر، ولا يُتعرَض لمعانيها، بل ليس لها معانٍ.

فرقٌ بين أن تقول: كلمة زيد، وقلب زيد ديز، زيد إذا سمعتها عرفت أن لها معنى وإن لم تُفسَّر لك؛ لأنك تراها مُطبَّقة في الواقع على أُناس، لكن ديز، ما معناها؟ ما لها معنى، فيُريدونك تقول: إن قولهم: أمِروها كما جاءت تكون مثل ديز ما لها معنى، والله المستعان.

لأن بعضهم يقول: إذا أثبتنا لها معانٍ، ومن خلال ما جاء عن السلف أمِروها كما جاءت أننا لا نعتقد لها معنى، ولا نفهم لها غير الحروف التي جاءت بها، وهذا مذهبٌ باطل.

"وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّرَّ فِي تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] دُونَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ، أَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يَتَّصِفُ بِهِمَا جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ، فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِهِمَا، وَلَكِنَّ وَصْفَهُ بِهِمَا عَلَى أَسَاسِ نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ وَصْفِهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ صِفَاتِ خَلْقِهِ؛ وَلِذَا جَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]".

لو أن الصفات ليس لها معانٍ ما جاء في الحديث: «ثم جاءهم على صفته التي يعرفونها»، كيف عرفناها؟ نعتقد أن له صفات، وأنها جاءت عن الله وعن رسوله بالطرق القطعية، لكن لو لم يكن لها معانٍ ما عرفناها، ما عرفناها لو لم يكن لها معانٍ، لكن ما نعرفها أنها تُشابه كذا أو كذا المخلوقين، أو نعرف كُنهها وكيفياتها، لكن نعرف أن لها معانٍ تنقدح في الذهن، ولا يجوز التعبير عنها بمشابه أو بالشبيه أو بالنظير.

ومن أخطر ما يُخشى أو أعظم ما يُخشى على هؤلاء المتكلمين الذين نفوا الصفات أنهم إذا جاء الله –جلَّ وعلا- يوم القيامة بصفاته التي يعرفها من يعرفها ممن آمن بها، أما الذي لم يؤمن بها وينفيها فكيف يعرفها ويسجد له إذا جاء بها بهذه الصفات؟ هذا خطرٌ عظيم بالنسبة لهم. 

"وَلِذَا جَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] بعْدَ قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِيضَاحٌ لِلْحَقِّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ لَا لَبْسَ مَعَهُ، وَلَا شُبْهَةَ ألْبَتَّةَ، وَسَنُوضِّحُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِيضَاحًا تَامًّا بِحَسْبِ طَاقَتِنَا، وَبِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- التَّوْفِيقُ.     

اعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ قَسَّمُوا صِفَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ: صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ، وَصِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَصِفَةُ مَعْنًى، وَصِفَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَصِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ، وَصِفَةٌ جَامِعَةٌ، وَالصِّفَةُ الْإِضَافِيَّةُ تَتَدَاخَلُ مَعَ الْفِعْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ فِعْلِيَّةٍ مِنْ مَادَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ".

لأن الإضافية مقابلة للسلبية، لكنها لا تستقل بنفسها؛ لأنها تتداخل مع الفعلية، النفسية رقم واحد، السلبية اثنين، صفات المعنى ثلاثة، والمعنوية أربعة، والفعلية خمسة، والجامعة ستة.

قد يقول قائل: السلوب والإضافات متقابلة، وكثيرًا ما يذكرها شيخ الإسلام على وجه التقابل، فقد يقول قائل: لما ذكر الصفة السلبية لِم لم يذكر مقابلها الإضافية؟ لأنها ليست بصفة مستقلة، بل هي متداخلةٌ مع الفعلية.

وعموم طلاب العلم ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الكلام يحتاجه من يُريد أن يُناقش القوم بأسلوبهم؛ لأنه إذا أردت أن تُناظر أو تُناقش لا بُد أن تكون على معرفةٍ بمذاهبهم وأقوالهم وإلا فلا تستطيع؛ ولذلك حينما يُطلب مناظرة لا يجوز أن ينبري لها إلا من يُحسن، لماذا؟ لأنه إذا أخفق المشاهدون والسامعون كلهم يقولون: ينسبون العجز إلى المذهب، ما ينسبونه إلى الشخص ينسبونه إلى المذهب، تناظر سُني مع أشعري، تناظر سُني مع رافضي، صار السُّني ضعيف مشكلة، أن يُبين الحق ويُجلِّيه في...؛ ولذا يمنع كثيرٌ من أهل العلم الدخول في المناظرات المعلنة وإلا أوجدوا مناظرات بعضها حقيقية، وبعضها افتراضية في الكتب؛ ليُبين الحق من خلالها.

طالب: ...............

هي آيات الصفات ونصوص الصفات. 

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: ...............

لماذا؟

طالب: ...............

لا هي التي دل السياق على أنها ليست من آيات الصفات، مثل أيش؟

طالب: ...............

إطلاق اليد على معانٍ منها القوة، ومنها كذا وكذا في آية شيخ الإسلام نص على أنها ليست من آيات الصفات، وقال بعضهم: إنها من آيات الصفات، تنازعوا فيها هل هي من آيات الصفات؟

طالب: ...............

نعم {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، {عَجِبْتَ} [الصافات:12] وإثبات صفة العجب لله –جلَّ وعلا- مختلفٌ فيها، أيهما أصح الإثبات أو النفي؟

طالب: ...............

لا فيها أشياء فيها.

طالب: ...............

انتظر انتظر عندي العزم هل يُثبَت لله أو لا يُثبَت؟ يثبت بموقوف؟ فإذا عُزِم لي تمامه –وهو حديث أم سلمة- فعزم الله لي فقلتها، في القراءات الأخرى {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159] استُدل به على إثبات صفة العزم، وجمعٌ غفير من أهل العلم لا يُثبتونها؛ ولذا قال شيخ الإسلام: اختُلِف في إثبات صفة العزم على قولين: الأول وهو الأصح: إثباتها لله –جلَّ وعلا- وليس فيها نص إذا ما أُثبتت الآية، وحديث أم سلمة قد يقول قائل: إن هذا موقوف، وما فيه نص مرفوع فيه إثبات صفة العزم.

شيخ الإسلام ومن قال بإثباتها من مجموع ما ذُكِر أثبتوها؛ ولذا قال شيخ الإسلام: وهو الأصح.

طالب: ...............

ما يقال: بالرأي، ما يُمكن أن تقوله أم سلمة من رأيها.

طالب: يقول: صفة معنىً وصفةٌ معنوية.

سيأتي تفصيلها.

"وَالصِّفَةُ الْإِضَافِيَّةُ تَتَدَاخَلُ مَعَ الْفِعْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ فِعْلِيَّةٍ مِنْ مَادَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ إِلَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ".

أولًا: هذا الكلام كله عند المتكلمين، ما هو بعند أهل السُّنَّة، عند المتكلمين، ليس عند أهل السُّنَّة.

"كَالْخَلْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فَهِيَ صِفَةٌ إِضَافِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ كُلُّ صِفَةٍ إِضَافِيَّةٍ فِعْلِيَّةً فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، يَجْتَمِعَانِ فِي نَحْوِ الْخَلْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَتَتَفَرَّدِ الْفِعْلِيَّةُ فِي نَحْوِ الِاسْتِوَاءِ، وَتَتَفَرَّدُ الْإِضَافِيَّةُ فِي نَحْوِ كَوْنِهِ تَعَالَى كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْء؛ لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْفَوْقِيَّةَ مِنَ الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ، وَلَيْسَتَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ".

قد يُقال: هذا فوق كذا، ولا ينفي أن يكون فوقه شيء، فإنما هو فوق بالنسبة لمن تحته بالإضافة إلى من تحته، وهكذا ما ذكره معه القبلية، قبل بالنسبة لمن بعده، إذا كان رجل له أولاد خمسة، فالثالث قبل الرابع، لكنه دون الثاني، هو من قبل بالإضافة على من بعده.

طالب: ...........

القبلية مطلقة لله –جلَّ وعلا- كان الله ولم يكن شيئًا قبله أو معه.

"وَلَا يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ بِالْقَوَانِينِ الْكَلَامِيَّةِ وَالْمَنْطِقِيَّةِ أَنَّ إِطْلَاقَ النَّفْسِيَّةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ- جَلَّ وَعَلَا- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّ فِيهِ مِنَ الْجُرَئةِ عَلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- مَا اللَّهُ عَالِمٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ بِالنَّفْسِيَّةِ فِي حَقِّ اللَّهِ الْوُجُودَ فَقَطْ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ الْمُوهِمَ لِلْمَحْظورِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ".

الكلمة إذا كانت تحتمل معنىً صحيحًا، ومعنىً باطلًا لا يجوز اعتقادها ولا إثباتها.

طالب: ...........

مع تفسيرها وإرادة المعنى الصحيح، لكن بالإطلاق لا {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:116].

طالب: ...........

من حيث المعنى المراد الذات مثل مسألة إثبات الذات هل فيه دليلٌ صحيح؟ هو المقصود به الذات التي نعرفها؟

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ...............

 

...............................................

في السياق يُستدل به على ذات الله من قبل صفاته؟ يعني في ذاته من أجله، فيُشكل إثبات الذات التي تتكرر على ألسنة أهل العلم بكثرة، الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات. 

طالب: ...........

بلا شك النفس ثابتة.

طالب: ...........

لكن لا تجد دليلًا يُثبت كلمة ذات، يستدلون بحديث إبراهيم –عليه السلام-: «كذب ثلاث كذبات في ذات الله»، وكلام الصحابي كلها في سياق لا يؤيد المعنى الذي يُطلقه أهل العلم من أجله ليس هو المعنى المراد إذا قالوا: ذات الله المقابلة لصفاته.

"لِأَنَّ الصِّفَةَ النَّفْسِيَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَا تَكُونُ إِلَّا جِنْسًا أَوْ فَصْلًا، فَالْجِنْسُ كَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَالْفَصْلُ كَالنُّطْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِنْسَ فِي الِاصْطِلَاحِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَفْرَادٍ مُخْتَلِفَةِ الْحَقَائِقِ كَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالْحِمَارِ، وَأَنَّ الْفَصْلَ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ يَنْفَصِلُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَفْرَادِ الْمُشَارِكَةِ لَهُ فِي الْجِنْسِ كَالنُّطْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ صِفَتُهُ النَّفْسِيَّةُ الَّتِي تَفْصِلُهُ عَنِ الْفَرَسِ مَثَلًا الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ".

وإذا أُورِد على هذا الكلام بعض الحيوانات التي تتكلم.

طالب: ...........

لأن هذا شيءٌ نادر.

في تعريف الكلام عند أهل العلم، وهو مذكورٌ في أصغر كُتب العربية الأجرومية، الكلام المفيد المركَّب بالوضع، الوضع إذا قلنا: المراد به القصد خرج كلام الببغاء وما أشبهه، إذا قيل: المراد بالوضع القصد، وإذا قلنا: المراد به الوضع العربي خرج به ما كان من كلام الأعاجم، وقيل: إنه المراد بالوضع هذا وهذا، لكن الكلام غير المقصود كلام النائم مثلًا غير مقصود، فليس بكلام، وكذلك كلام الحيوانات فلا يَرد على مثل هذا.

"كَالنُّطْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ صِفَتُهُ النَّفْسِيَّةُ الَّتِي تَفْصِلُهُ عَنِ الْفَرَسِ مَثَلًا الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَالنَّمَائِيَّةِ وَالْحَسَاسِيَّةِ، وَوَصْفُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِشَيْءٍ يُرَادُ بِهِ اصْطِلَاحًا مَا بَيِّنًا لَكَ، مِنْ أَعْظَمِ الْجُرَئةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَرَى؛ لِأَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ اشْتِرَاكٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ، حَتَّى يُطْلَقَ عَلَيْهِ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ.

وَالْفَصْلَ: هُوَ الَّذِي يَفْصِلُ بَعْضَ تِلْكَ الْحَقَائِقِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي الْجِنْسِ عَنْ بَعْضٍ، سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَسَنُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ عَلَى تَقْسِيمِهِمْ لَهَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَصْفُ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ بِهَا، وَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْخَالِقَ مَوْصُوفٌ بِهَا".

هناك أسماء لله –جلَّ وعلا- خاصة به، وهناك أسماء مشتركة بينه وبين المخلوق، فأطلقها الخالق على نفسه، وأطلقها الخالق على بعض مخلوقاته، وكذلك الصفات، فلا تنافي ولا تضاد، ولا إيهام مشابهة ولا تمثيل لكلٍّ ما يخصه منها.

الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في المعنى والحقيقة كلٌّ له ما يخصه، فالجمل له وجه، والإنسان له وجه، والبعوض له وجه، هل بينهم تقارب؟ وهي كلها مخلوقات ليس بينها أدنى تقارب وإن اشتركت في الاسم، فإذا كان هذا بين بعض المخلوقات مع بعض، فكيف بما يخص الخالق مع ما يخص المخلوق؟!

"وَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْخَالِقَ مَوْصُوفٌ بِهَا، وَأَنَّهَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَيْضًا وَصْفُ الْمَخْلُوقِ بِهَا، وَلَكِنَّ وَصْفَ الْخَالِقِ مُنَافٍ لِوَصْفِ الْمَخْلُوقِ، كَمُنَافَاةِ ذَاتِ الْخَالِقِ لِذَاتِ الْمَخْلُوقِ، وَيَلْزَمُهُمْ ضَرُورَةٌ فِيمَا أَنْكَرُوا مِثْلَ مَا أَقَرُّوا بِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ".

لأنهم أثبتوا سبع صفات، وانفصلوا عن المشابهة بما ذُكِر، لماذا لم يُثبتوا الباقي وينفصلوا عن المشبهة بمثله؟ ما الفرق؟ ولذلك نفوا نظير ما أثبتوا، وفرَّقوا بين المتماثلات، ومذهب أهل السُّنَّة مُطَّرد على ما يليق بجلاله وعظمته، حتى وُجِد أشياء في السُّنَّة بعضها يثبت، وبعضها لا يثبت، وبعضها مختلفٌ فيه نُسِبت إلى الله –جلَّ وعلا-، وبعضهم يقشعر جلده إذا سمعها، وبعضهم لا يتردد في قبولها إذا قال: على ما يليق بجلاله وعظمته، وينفصل عن الإشكال أصلًا، وهذا فيه مخرج الإشكال أنك تُلزم بشيءٍ أثبت نظيره، فكيف تُثبت هذا ولا تُثبت هذا؟ تُثبت صفة العلم ولا تُثبت صفة الكلام، تُثبت الحياة ولا تُثبت بقية الصفات؟

طالب: ...........

على كل حال هم حكَّموا عقولهم في كلام الله –جلَّ وعلا- وضلوا بسبب هذا، ولا نقول: إن العقل لا قيمة له، العقل له قيمة، ويُفيد في فهم كلام الله، وهو تابعٌ له يُفهَم به كلام الله –جلَّ وعلا-، ولكن ليس هو أصلًا في نفسه في ذاته، بل هو لا بُد أن ينقاد للنص، ويكون تابعًا له، وضل من ضل بتقديمهم العقل على النقل.

"لِأَنَّ جَمِيعَ صِفَاتِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَا لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ.

فَمِنْ ذَلِكَ: الصِّفَاتُ السَّبْعُ، الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَهُمْ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي وَهِيَ: الْقُدْرَةُ، وَالْإِرَادَةُ، وَالْعِلْمُ، وَالْحَيَاةُ، وَالسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالْكَلَامُ.

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْقُدْرَةِ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهَا: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:34] فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً حَقِيقِيَّةً لَائِقَةً بِجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ، وَأَثْبَتَ لِبَعْضِ الْحَوَادِثِ قُدْرَةً مُنَاسِبَةً لِحَالِهِمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالِافْتِقَارِ وَالْحُدُوثِ وَالْفَنَاءِ، وَبَيْنَ قُدْرَتِهِ، وَقُدْرَةِ مَخْلُوقِهِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِهِ وَذَاتِ مَخْلُوقِهِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْإِرَادَةِ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107]".

كثُر الكلام في مسألة الأشاعرة والماتريدية، وهل هم من أهل السُّنَّة أو ليسوا من أهل السُّنَّة؟ كلام طويل، والسفاريني في شرح منظومته في العقيدة، قال: إن أهل السُّنَّة ثلاث فرق، وذكر الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، يُشكِل على هذا أنه كيف يُنسَب لأهل السُّنَّة من ينفي أعظم أكثر الصفات مما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله؟!

قالوا: هم نفوا بتأويل، على كل حال المسألة لا تحتاج إلى مجاملة ومداراة، هذا علم وهذه عقيدة، فالذي ينفي أكثر الصفات الثابتة في الكتاب والسُّنَّة يعني كونهم غالب أهل الأرض في وقتٍ من الأوقات، فنحتاج إلى شيءٍ من الليونة معهم أو يُخشى من تعديهم أو شيءٍ من هذا، الأمور تُقدَّر بقدرها، لكن العلم لا يتغير، قواعده الثابتة بالكتاب والسُّنَّة ثابتة ما تحتاج إلى أن يُقال: اليوم هم منَّا وفي يوم إذا تقوينا صاروا ما هم منَّا، والله المستعان.    

"وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْإِرَادَةِ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107]، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمَخْلُوقِ بِهَا: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الْآيَةَ [الأنفال:67]، {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:13]، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} [الصف:8] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

فَلَهُ -جَلَّ وَعَلَا- إِرَادَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَائِقَةٌ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ إِرَادَةٌ أَيْضًا مُنَاسِبَةٌ لِحَالِهِ، وَبَيْنَ إِرَادَةِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ".

لأن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، وكلام الشيخ واضح، والكلام القادم كله يدور حول هذا أن الله يُثبت لنفسه وصفًا ويُثبته لبعض المخلوقات، لكن للخالق ما يخصه من هذا الوصف، وللمخلوق ما يخصه، كما قلنا في الوجه مثلًا، الوجه وجه البعوض مثل وجه الإنسان، مثل وجه القرد، مثل وجه الجمل؟ وهذا في دائرة المخلوقات، وكلها يُطلق عليها وجه، بينها من التفاوت الشيء العظيم، وما بين صفة الخالق وصفة المخلوق أعظم، بل لا نسبة بينهم.

"وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء:176]، {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} الْآيَةَ [النساء:166]، {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف:7].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِ: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:28]، وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف:68] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

فَلَهُ -جَلَّ وَعَلَا- عِلْمٌ حَقِيقِيٌّ لَائِقٌ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ عِلْمٌ مُنَاسِبٌ لِحَالِهِ، وَبَيْنَ عِلْمِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْحَيَاةِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} الْآيَةَ [غافر:65]، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} الْآيَةَ [الفرقان:58] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمَخْلُوقِ بِهَا: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم:15]، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30]، {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ} [يونس:31].

فَلَهُ -جَلَّ وَعَلَا- حَيَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ تَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ أَيْضًا حَيَاةٌ مُنَاسِبَةٌ لِحَالِهِ، وَبَيْنَ حَيَاةِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِمَا: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2] ، {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} الْآيَةَ [مريم:38]، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

فَلَهُ -جَلَّ وَعَلَا- سَمْعٌ وَبَصَرٌ حَقِيقِيَّانِ يَلِيقَانِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ سَمْعٌ وَبَصَرٌ مُنَاسِبَانِ لِحَالِهِ، وَبَيْنَ سَمْعِ الْخَالِقِ وَبَصَرِهِ، وَسَمْعِ الْمَخْلُوقِ وَبَصَرِهِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْكَلَامِ {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف:144]، {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ".

ما كبَّر، كبِّر كبِّر من جديد استأنف استأنف، استدار كما هو.

"وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمَخْلُوقِ بِهِ: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54]، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} الْآيَةَ [يس:65]، {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم:29] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

فَلَهُ -جَلَّ وَعَلَا- كَلَامٌ حَقِيقِيٌّ يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ كَلَامٌ أَيْضًا مُنَاسِبٌ لِحَالِهِ. وَبَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.

وَهَذِهِ الصِّفَاتُ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ يُثْبِتُهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِنَفْيِ غَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي".

هذا ما يتعلق بالمتكلمين الموافقين لأهل السُّنَّة في بعض الأمور، كلام المعتزلة الذين ينفون جميع الصفات سيأتي تقريره –إن شاء الله تعالى- بعد هذا؛ لأنه كلامٌ طويل، ويحتاج إلى تأمل، فنقف عليه.

"