التعليق على الموافقات (1434) - 03

هذا يسأل عن طبعات البخاري وبقية الكتب الستة من أجل الحفظ؟

هي موجودة في الموقع كلها، نعم. هي موجودة في الموقع كلها، وأجيب عنها في مناسبات كثيرة. ........

طالب: نعم.

طيب.

طالب: أحسن الله إليك.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة التاسعة: "فصل: وقد وقعت في القرآن تفاسيرُ مشكلة يمكن أن تكون من هذا القبيل، أو من قبيل الباطن الصحيح، وهي منسوبة".

إما أن تكون من الإشارة التي تقدمت الإشارة إليها، واعتماد المتصوفة وغلاتهم عليها، أو يكون من الباطن الذي قيل: إن للقرآن ظهر وبطن. وقلنا سابقًا: إن كان المقصود المنطوق والمفهوم، فهذا صحيح، وإن كان المقصود ما وراء ذلك من تفاسير الباطنية، فهو باطل. نعم.

طالب: "وهي منسوبة لأناس من أهل العلم، وربما نُسب منها إلى السلف الصالح. فمن ذلك فواتح السور نحو: {الم} [البقرة: 1]، و {المص} [الأعراف: 1], و {حم} [غافر: 1]، ونحوها فُسرت بأشياء، منها ما يظهر جريانه على مفهوم صحيح، ومنها ما ليس كذلك، فينقلون عن ابن عباس في {الم} أن ألف: الله، ولام: جبريل، وميم: محمد -صلى الله عليه وسلم-. وهذا إن صح في النقل فمشكل".

مع أنه لا يصح عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

طالب: "لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت في كلام العرب هكذا مطلقًا".

ولا صح نقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: "وإنما أتى مثله إذا دل عليه الدليل اللفظي أو الحالي، كما قال: قلت لها قفي فقالت قاف".

يعني وقفت.

طالب: "وقال: قالوا جميعًا كلهم بلافا، وقال: ولا أريد الشر إلا أن تا. والقول في {الم} ليس هكذا، وأيضًا فلا دليل من خارج يدل عليه؛ إذ لو كان له دليل لاقتضت العادة نقله؛ لأنه من المسائل التي تتوفر الدواعي على نقلها لو صح أنه مما يفسَّر ويقصد تفهيم معناه. ولما لم يثبت شيء من ذلك، دل على أنه من قبيل المتشابهات، فإن ثبت له دليل يدل عليه صير إليه".

يعني في الحروف المقطعة التي افتتحت بها أوائل بعض السور خلاف طويل لأهل العلم، وذكرها المفسرون في مطولاتهم، واختصر بعضهم على قوله: الله أعلم بمراده، على أنها من المتشابه. ومنهم من يقول: إنها من باب التحدي وأن القرآن مؤلَّف من هذه الحروف التي تعرفونها وتنطقون بها وتتعاملون بها في كلامكم، فانظموا من القرآن من هذه الحروف ما تعارضون به هذا القرآن، ائتوا بمثله، بعشر سور من مثله، بسورة من مثله، ما استطاعوا. فلم يستطيعوا؛ ولذا قل أن تجد آية بعد الحروف المقطعة إلا وتتكلم عن القرآن: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1، 2].

طالب: "وقد ذهب فريق إلى أن المراد الإشارة إلى حروف الهجاء، وأن القرآن منزَّل بجنس هذه الحروف وهي العربية، وهو أقرب من الأول، كما أنه نُقل أن هذه الفواتح أسرار لا يعلم تأويلها إلا الله، وهو أظهر الأقوال، فهي من قبيل المتشابهات، وأشار جماعة إلى أن المراد بها أعدادها تنبيهًا على مدة هذه الملة، وفي السِّير ما يدل على هذا المعنى، وهو قول يفتقر إلى أن العرب كانت تعهد في استعمالها الحروف المقطعة أن تدل بها على أعدادها".

يعني كما يقال بحساب الجُمَّل، وأن لكل حرف رقمًا يقابله، و {الم} [البقرة: 1] سبعين، و{بَغْتَةً} [الأعراف: 187] ألف وأربعمائة وسبعة، واستدلوا بهذا على أن قيام الساعة {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] يعني ألف وأربعمائة وسبعة، بحساب الجمَّل. وهذا كلام باطل. الله -جل وعلا- كما ذكر أنه كاد أن يُخفي علم وقت قيام الساعة حتى عن نفسه- جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]، مع أنه أخفاها، ولما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن متى قيامها؟ متى تقوم الساعة؟ قال: ليس...

طالب: «ما المسئول».

«ما المسئول بأعلم بها من السائل»، أفضل الخلق وأفضل الملائكة يقولون هذا الكلام، ويأتي من يقول: إنها ألف وأربعمائة، وقيل: ألف وأربعمائة وسبعة. وفيه كلام لا يمكن أن يمشي ولا على المجانين، حتى قيل: إنه بقي على خراب العالم عند قيام الساعة- ذكرناه سابقًا- اثنان ونصف تريليون سنة، وقال واحد ثانٍ فلكي: الساعة، يخرب العالم سنة ألفين واثني عشر. يعني الفرق بينهما كم؟ دقائق؟! يعني كان يقول هذا الكلام، باقٍ سنتان ونصف، عام ألفين واثني عشر، وهذاك يقول: اثنين ونصف تريليون. ويقولون: إن علم الفلك منضبط، ونتائجه قطعية، ولا يمكن أن يتخلف، ولو شهد مائة من الثقات أنهم رأوا الهلال، والفلكي يقول: ما ولد، فكلامهم باطل؛ لأن كلامه قطعي، ونتائجه قطعية، ويأتينا من كبارهم من يقول: اثنين ونصف تريليون أو اثنين ونصف سنة، والله المستعان.

 التعرض لشيء محسوم ومنتهٍ بدلائل قطعية، هذا هوس، يعني هل أحد يعلم متى تقوم الساعة؟ هذا مقطوع مجزوم به، هذا محسوم منتهي، إذا كان محمد وجبريل -عليهما السلام- لا يعلمان، يجيئنا من يقول: ألف وأربعمائة، طيب كبف أربعمائة؟ لماذا ألف وأربعمائة؟ غير ألف وأربعمائة وسبعة، هذه على حساب الجمل {بَغْتَةً} [الأعراف: 187] ألف وأربعمائة وسبعة بالحساب، وألف وأربعمائة: «إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم كمثل من استأجر»، انظر الدقة! «كمثل من استأجر أجيرًا إلى نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيرًا إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيرًا من وقت العصر إلى غروب الشمس»، قالوا: وقت العصر الخمس، خمس المدة، فدليل على أن مدة هذه الأمة خمس مدة العالم، والعالم سبعة آلاف سنة. من أين لهم سبعة آلاف سنة؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

العالم سبعة آلاف سنة، وخمسها ألف وأربعمائة، خلاص مدة هذه، نتائج دقيقة محددة مضبوطة متقنة، ولما سنة ألف وأربعمائة قامت الساعة، أين؟ الله المستعان. يعني انشغال الإنسان، المشكلة أن من كتب في أشراط الساعة قالوا مثل هذا الكلام، من ينتسب إلى العلم من أهل هذه الملة. يعني انشغال الإنسان بما لا يمكن الوصول إليه سفه، والله المستعان. نعم.

طالب: "وربما لا يوجد مثل هذا لها البتة، وإنما كان أصله في اليهود حسبما ذكره أصحاب السير. فأنت ترى هذه الأقوال".

لما سمعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1، 2]، قالوا: خلاص، مدة النبي هذا وأمته سبعون سنة، ولا ندخل هذا الدين إلا وهو منتهٍ، وجاءوا وقالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- إن صح الخبر، هذا موجود في السير. فاعتماد مثل هذا الحساب في النصوص مبدؤه ممن؟ من اليهود.

طالب: "فأنت ترى هذه الأقوال مشكلةً إذا سبرناها بالمسبار المتقدم، وكذلك سائر الأقوال المذكورة في الفواتح مثلها في الإشكال وأعظم، ومع إشكالها فقد اتخذها جمع من المنتسبين إلى العلم، بل إلى الاطلاع والكشف على حقائق الأمور، حججًا في دعاوٍ ادعوها على القرآن، وربما نسبوا شيئًا من ذلك إلى علي بن أبي طالب، وزعموا أنها أصل العلوم ومنبع المكاشفات على أحوال الدنيا والآخرة".

نعم، هذا موجود في كتب من يتبع اتباع علي بن أبي طالب من أهل التشيع، هذا موجود ينسبونه إلى علي وإلى أئمتهم، ويموهون به على الغوغاء من أتباعهم، ويضحكون به على الناس، وهو لا أصل له. لكن الإشكال أنهم أقنعوا أتباعهم بعصمة هؤلاء الأئمة وبثقة أتباعهم من الآيات والملالي، وحجبوهم عن قبول من يقول بخلافه.

طالب: حتى .......

لأنهم فصلوا بين هذه الأمة بين سلفها وأئمتها وبين من يدعون هذا المذهب.

طالب: "وزعموا أنها أصل العلوم ومنبع المكاشفات على أحوال الدنيا والآخرة، وينسبون ذلك إلى أنه مراد لله تعالى في خطابه العرب الأمية التي لا تعرف شيئًا من ذلك، وهو إذا سُلم أنه مراد في تلك الفواتح في الجملة، فما الدليل على أنه مراد على كل حال من تركيبها على وجوه، وضرب بعضها ببعض؟".

قد يقول قائل: إننا نرى كثيرًا من أهل العلم في تواريخهم يؤرّخون بالتواريخ بالحروف، ويحسبون بحساب الجمَّل، ويضبطون به المواليد والوفيات وتواريخ الحوادث وطبع الكتب، يؤرّخونها بحساب الجمَّل، وأرَّخوا وفاة الأئمة الأربعة ووفاة أصحاب الكتب الستة، كلها بحساب الجمَّل، بنظم. هل نقول: إن هذا اقتداء باليهود؟

طالب: لا.

نعم؟

طالب: لا.

لا، هذا شيء آخر، هذا لا يُطلع به على غيبيات، ولا يُستدل به على أمور مغيبة، إنما يراد به ضبط، حساب الجمَّل اعتمدوه لا في الكشف عن الغيبيات، كما ادعت اليهود ومن قال بقولهم، لكنهم أرادوا ضبط مثلاً هذه صفحة مائتين وواحد وأربعين، الإمام أحمد مات سنة مائتين وأربعين، وأنا واقف على مائتين وأربعين كيف نضبطه؟ أجيء بحرف يوافق الألف الواحد، وحرف يوافق الأربعة، وحرف يوافق الاثنين، ثم أجمعها تصير هذه رقم هذه الصفحة وهو تاريخ وفاة الإمام أحمد وهذا من الموافقات.

طالب: "فما الدليل على أنه مراد على كل حال من تركيبها على وجوه، وضرب بعضها ببعض، ونسبتها إلى الطبائع الأربع، وإلى أنها الفاعلة في الوجود، وأنها مجمل كل مفصَّل، وعنصر كل موجود، ويرتبون في ذلك ترتيبًا جميعه دعاوٍ محالة على الكشف والاطلاع، ودعوى الكشف ليس بدليل في الشريعة على حال، كما أنه لا يعد دليلاً في غيرها، كما سيأتي بحول الله.

فصل: ومن ذلك أنه نُقل عن سهل بن عبد الله في فهم القرآن".

التستري في تفسير له مطبوع في جزء صغير، ومن هذا النوع.

طالب: "في فهم القرآن أشياء مما يعد من باطنه، فقد ذُكر عنه أنه قال في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22]، أي: أضدادًا، قال: وأكبر الأنداد النفس الأمارة بالسوء، المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدًى من الله. وهذا يشير إلى أن النفس الأمارة داخلة تحت عموم الأنداد، حتى لو فصل لكان المعنى: فلا تجعلوا لله أندادًا لا صنمًا ولا شيطانًا ولا النفس ولا كذا، وهذا مشكل الظاهر جدًّا".

هو الإشكال في كون النفس والهوى يُفسر بها الآية بالمطابقة، بحيث لا تشمل الآية غير هذا. أما كون النفس قد تُتخذ والهوى قد يُتخذ إلهًا من دون الله؛ فهذا جاء ما يدل عليه، ويكون من ضمن ما تفسر به الآية، فردًا من الأفراد، لا أنه مطابقة وأن الآية لا تحتمل غيره. نعم.

طالب: "وهذا مشكل الظاهر جدًّا؛ إذ كان مساق الآية ومحصول القرائن فيها يدل على أن الأنداد الأصنام أو غيرها مما كانوا يُعبدون، ولم يكونوا يَعبدون أنفسهم ولا يتخذونها أربابًا، ولكن له وجه جارٍ على الصحة، وذلك أنه لم يقل: إن هذا هو تفسير الآية، ولكن أتى بما هو نِد في الاعتبار الشرعي الذي شهد له القرآن من جهتين:

 إحداهما: أن الناظر قد يأخذ من معنى الآية معنًى من باب الاعتبار، فيُجريه فيما لم تنزل فيه؛ لأنه يجامعه في القصد أو يقاربه؛ لأن حقيقة النِّد أنه المضاد لنِده الجاري على مناقضته، والنفس الأمارة هذا شأنها؛ لأنها تأمر صاحبها بمراعاة حظوظها لاهيةً أو صادةً عن مراعاة حقوق خالقها، وهذا هو الذي يعني به الند في نده؛ لأن الأصنام نصبوها لهذا المعنى بعينه، وشاهد صحة هذا الاعتبار قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، وهم لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم ائتمروا بأوامرهم، وانتهوا عما نهوهم عنه كيف كان، فما حرَّموا عليهم حرَّموه، وما أباحوا لهم حللوه".

ومثل هذا من اتبع هواه، وقدمه على أوامر الله ونواهيه، ومنهم من اتخذ الرؤساء والكبراء يطيعونهم في معصية الله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فسماهم {شُرَكَاءُ}، أشركوهم بالله.

طالب: "فقال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، وهذا شأن المتبع لهوى نفسه.

والثانية: أن الآية وإن نزلت في أهل الأصنام، فإن لأهل الإسلام فيها نظرًا بالنسبة إليهم، ألا ترى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لبعض من توسع في الدنيا من أهل الإيمان: أين تذهب بكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]؟ وكان هو يعتبر نفسه بها، وإنما أُنزلت في الكفار؛ لقوله: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ} [الأحقاف: 20] الآية".

لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، الإنسان يضع نفسه أمام النصوص كأنه هو المخاطب بها.

طالب: "ولهذا المعنى تقرير في العموم والخصوص، فإذا كان كذلك، صح التنزيل بالنسبة إلى النفس الأمارة في قوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22]، والله أعلم.

فصل: ومن المنقول عن سهل أيضًا في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35]، قال: لم يُرد الله معنى الأكل في الحقيقة، وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لشيء هو غيره".

هذا الكلام كثير في كتب الصوفية، هذا كلام الصوفية مدون في كتبهم وموجود إلى الآن، وهناك تفسير أو تفاسير مطبوعة ومتداولة كلها على هذه الكيفية، وذكرنا بعض الأمثلة من تفسير الألوسي، وهو في الأصل على الجادة، تفسير على طريقة أهل العلم وإن كان فيه بعض المخالفات، لكنه شانه بما أدخله في تفسيره من التفسير الإشاري ولو جُرد عنه؛ لأنه يمكن فصله، ما له علاقة بالتفسير، يعني مستقل، ما هو ممزوج مثل تفسير إسماعيل حقي روح البيان، أو الفواتح الإلهية، أو تفاسير ابن عربي والقاشاني وغيرهما.

طالب: "وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لشيء هو غيره، أي: لا تهتم بشيء هو غيري، قال: فآدم لم يُعصم من الهمة والتدبير، فلحقه ما لحقه، قال: وكذلك كل من ادعى ما ليس له وساكن قلبه ناظرًا إلى هوى نفسه، لحقه الترك من الله مع ما جُبلت عليه نفسه فيه، إلا أن يرحمه الله فيعصمه من تدبيره، وينصره على عدوه وعليها".

"فيعصمه من تدبيره" لنفسه، فيكون التدبير لله -جل وعلا-، والإنسان ليس له أي تصرف في نفسه. هذا كلامهم.

طالب: "قال: وآدم لم يُعصم عن مساكنة قلبه إلى تدبير نفسه للخلود لما أُدخل الجنة؛ لأن البلاء في الفرع دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه، فغلب الهوى والشهوة العلمَ والعقل بسابق القدر... إلى آخر ما تكلم به. وهذا الذي ادعاه في الآية خلاف ما ذكره الناس من أن المراد النهي عن نفس الأكل لا عن سكون الهمة لغير الله، وإن كان ذلك منهيًّا عنه أيضًا، ولكن له وجه يجري عليه لمن تأول، فإن النهي إنما وقع عن القُرَب لا غيره".

"القُرْب".

طالب: "إنما وقع عن القُرْب لا غيره، ولم يرد النهي عن الأكل تصريحًا، فلا منافاة بين اللفظ وبين ما فُسِّر به".

نعم. النهي عن القُرْب متضمن للنهي عن الأكل، والنهي عن القرب إنما هو من أجل الأكل، كما أن النهي عن النظر من أجل الغاية التي هي الفاحشة، والنهي عن قرب بالزنا إنما هو من أجل النهي عن مقارفة الزنا، وهكذا.

طالب: "وأيضًا، فلا يصح حمل النهي على نفس القُرْب مجردًا؛ إذ لا مناسبة فيه تظهر، ولأنه لم يقل به أحد، وإنما النهي عن معنًى في القُرْب، وهو إما التناول والأكل، وإما غيره وهو شيء ينشأ الأكل عنه، وذلك مساكنة الهمة، فإنه الأصل في تحصيل الأكل، ولا شك في أن السكون لغير الله لطلب نفع أو دفع منهي عنه. فهذا التفسير له وجه ظاهر، فكأنه يقول: لم يقع النهي عن مجرد الأكل من حيث هو أكل، بل عما ينشأ عنه الأكل من السكون لغير الله؛ إذ لو انتهى لكان ساكنًا لله وحده، فلما لم يفعل وسكن إلى أمر في الشجرة غرَّه به الشيطان، وذلك الخلد المدعى، أضاف الله إليه لفظ العصيان، ثم تاب عليه، إنه هو التواب الرحيم".

ولذا جاء النهي عن مساكنة الكفار، وجاء أيضًا النهي عن مجالسة الفساق الذين يُهونون عليه المعاصي: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28]، فالمساكنة لا شك أن لها أثرًا في الصلاح والفساد.

طالب: "ومن ذلك أنه قال في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] الآية: باطن البيت قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد واقتدى بهدايته. وهذا التفسير يحتاج إلى بيان، فإن هذا المعنى لا تعرفه العرب، ولا فيه من جهتها وضع مجازي مناسب".

فضلاً عن الحقيقي، ما فيه كلام يدل حقيقة على ما ذكروه، والاستعمال المجازي يدل عليه على سبيل التوسع ما فيه ما يدل على هذا.

طالب: "ولا يلائمه مساق بحال، فكيف هذا؟ والعذر عنه أنه لم يقع فيه ما يدل على أنه تفسير للقرآن، فزال الإشكال إذًا، وبقي النظر في هذه الدعوى، ولا بد إن شاء الله من بيانها. ومنه قوله في تفسير قول الله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]".

ما أدري التسمية: تفسير القرآن العظيم، جزء صغير مطبوع لسهل بن عبد الله التستري، هل هي من صنيعه؟ يعني هو سماه: تفسير القرآن العظيم، أو سُمي بذلك؛ لأنه يقول: "والعذر عنه أنه لم يقع فيه ما يدل على أنه تفسير للقرآن"؟

طالب: "ومنه قوله في تفسير قول الله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]، قال: رأس الطواغيت كلها النفس الأمارة بالسوء إذا خلى العبد معها للمعصية".

والروافض يقولون: الجبت والطاغوت أبو بكر وعمر! قاتلهم الله.

طالب: "وهو أيضًا من قبيل ما قبله، وإن فُرض أنه تفسير فعلى ما مر في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22]. وقال في قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] الآية: وأما باطنها، فهو القلب، {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36]: النفس الطبيعي، {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36]: العقل المقتدي بعمل الشرع، {وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: 36]: الجوارح المطيعة لله -عزَّ وجلَّ-. وهو من المواضع المشكلة في كلامه، ولغيره مثل ذلك أيضًا".

وأشد وأضل وأبعد، والله المستعان. يعني نسأل الله العافية: هل يقبل عقل مسلم أن يقرأ قول الله -جل وعلا-: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، ويقرأ لمن تُدعى له الولاية: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب؟! يعني هل عاقل يقبل مثل هذا الكلام، نسأل الله العافية، ثم يأتي من يتأول له كلامًا يتقزَّز منه قلب أخبث الناس، ويأتي على ألسنة من تُدعى لهم الولاية، ثم يأتي من الأتباع من يؤول، ويقول: أنتم ما فهمتم الكلام، أنتم عوام ما تفهمون ما يريده هؤلاء الأولياء، وتأولوا لابن عربي كلامًا لا يقبله عاقل. نعم.

طالب: "وذلك أن الجاري على مفهوم كلام العرب في هذا الخطاب ما هو الظاهر من أن المراد بالجار ذي القربى وما ذُكر معه ما يُفهم منه ابتداءً، وغير ذلك لا يعرفه العرب، لا من آمن منهم ولا من كفر، والدليل على ذلك أنه لم يُنقل عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين تفسير للقرآن يماثله أو يقاربه، ولو كان عندهم معروفًا لنُقل؛ لأنهم كانوا أحرى بفهم ظاهر القرآن وباطنه باتفاق الأئمة".

لأنهم عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعايشوه وعاصروا التنزيل وفهموا أسبابه، وجميع مقومات التقدم على غيرهم في فهم القرآن موجودة فيه.

طالب: "ولا يأتي آخِر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، ولا هم أعرف بالشريعة منهم، ولا أيضًا ثَم دليل يدل على صحة هذا التفسير، لا من مساق الآية، فإنه ينافيه ولا من خارج؛ إذ لا دليل عليه كذلك، بل مثل هذا أقرب إلى ما ثبت رده ونفيه عن القرآن من كلام الباطنية ومن أشبههم. وقال في قوله: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [النمل: 44]، الصرح: نفس الطبع، والممرد: الهوى إذا كان غالبًا ستر أنوار الهدى، بالترك من الله تعالى العصمة لعبده.

وفي قوله: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52]، أي: قلوبهم عند إقامتهم على ما نُهوا عنه، وقد علموا أنهم مأمورون منهيون، والبيوت القلوب، فمنها عامرة بالذكر، ومنها خراب بالغفلة عن الذكر. وفي قوله: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50]، قال: حياة القلوب بالذكر. وقال في قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] الآية: مثَّل الله القلب بالبحر، والجوارح بالبر، ومثَّله أيضًا بالأرض التي تزهى بالنبات؛ هذا باطنه. وقد حمل بعضهم قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114]، على أن المساجد القلوب تُمنع بالمعاصي من ذكر الله. ونُقل في قوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12]، أن باطن النعلين هو الكونان الدنيا والآخرة، فذُكر عن الشبلي أن معنى {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12]: اخلع الكل منك تصل إلينا بالكلية، وعن ابن عطاء: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12] عن الكون، فلا تنظر إليه بعد هذا الخطاب، وقال: النعل النفس، والوادي المقدس دين المرء، أي: حان وقت خلوك من نفسك، والقيام معنا بدينك، وقيل غير ذلك مما يرجع إلى معنى لا يوجد في النقل عن السلف".

ولا يمكن أن يتفق عليه اثنان، يعني الاجتهاد الصحيح تتوافر عليه العقول، ويصدق بعضه بعضًا. لكن اجعل واحدًا بزاوية في المسجد من هؤلاء، وثانٍ بزاوية في المسجد، هل يتفقون على هذا الاستنباط؟

طالب: لا.

ولا يمكن، مستحيل، لكن انظر كم اتفق الأئمة الأربعة على المسائل، والمفسرون على معاني كلام الله -جل وعلا-، حصل الاتفاق عندهم بكثرة، وأجمعوا على أشياء، وجمهورهم اتفقوا على أشياء. نعم، ينفرد بعضهم بشيء ليس ببعيد من قولهم، لكن ليس بهذه النسبة من البعد من قول الشبلي عن قول التستري عن قول فلان وعلان، كل واحد يخترع من نفسه كلامًا لا دليل عليه ولا أثرة عليه.

طالب: .......

نعم، هم في الظاهر يتشبثون بالبقاء بالزوايا والتكايا، وينقطعون عن الدنيا، ويلهجون بالذكر، ولهم هيبة في قلوب العامة؛ لأنهم انقطعوا عن الدنيا، وكل من انقطع عن الدنيا صار له شأن عند الناس، عند العامة الذين لا يعرفون حقائق الأمور.

طالب: لكن ما هي بحلاوة القرآن في هذه .......

ماذا؟

طالب: أين حلاوة القرآن في .......؟

لا، عندهم هذه الحلاوة، الشيطان استولى عليها، قلوب استولى عليها الشيطان، وزين لهم، وسوَّل لهم، وأملى لهم.

طالب: "وهذا كله إن صح نقله خارج عما تفهمه العرب، ودعوى ما لا دليل عليه في مراد الله بكلامه، ولقد قال الصديق: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟»، وفي الخبر: «من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ». وما أشبه ذلك من التحذيرات، وإنما احتيج إلى هذا كله لجلالة من نُقل عنهم ذلك من الفضلاء، وربما ألمَّ الغزالي بشيء منه في الإحياء وغيره، وهو مزلة قدم لمن لم يعرف مقاصد القوم، فإن الناس في أمثال هذه الأشياء بين قائلينِ: منهم من يصدق به ويأخذه على ظاهره".

يعني ثقة بهؤلاء، من باب الثقة بهم المطلقة العمياء، يقولون: كل ما يصدر عنهم حق، ومن يعارضهم ما فهم كلامهم.

طالب: "ويعتقد أن ذلك هو مراد الله تعالى من كتابه، وإذا عارضه ما يُنقل في كتب التفسير على خلافه، فربما كذب به أو أشكل عليه، ومنهم من يكذب به على الإطلاق، ويرى أنه تقوُّل وبهتان، مثل ما تقدم من تفسير الباطنية ومن حذا حذوهم، وكلا الطريقين فيه ميل عن الإنصاف، ولا بد قبل الخوض في رفع الإشكال من تقدم أصل مسلَّم، يتبين به ما جاء من هذا القبيل، وهي".

"المسألة العاشرة".

طالب: "المسألة العاشرة".

قف عليها.

طالب: أحسن الله إليك، "وربما ألم الغزالي"؟

يعني ذكر، "ألم" يعني ذكر في كتبه، في الإحياء كثير من هذا.

طالب: .......

"ألم".

طالب: اقترف.

تبنى بعضها، لكنه ليس بكثير، إنما هو إمام.