شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (025)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للإمام زين الدين أحمد بن أحمد عبد اللطيف الزبيدي، المتوفى سنة 893 هـ.

مع مطلع هذه الحلقة يسرني أن أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: توقفنا عند قول المؤلف: "باب أمور الإيمان.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان»."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالترجمة موجودة في الأصل في الصحيح، ولكن المختصِر لم يذكر تراجم تفصيلية لكتاب الإيمان، إنما اقتصر على الترجمة الكبرى: كتاب الإيمان، والمحقِّق وفقه الله زاد هذه التراجم، وجعلها بين معقوفتين للدلالة على أنها من وضعه، وليست من أصل الكتاب.

يقول رحمه الله تعالى: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان» راوي الحديث أبو هريرة يقول النووي -رحمه الله تعالى-: اختُلِف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، أصحها عند الأكثرين أن اسمه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، يقول: ورُوِّينا عنه قال: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس، وسُمِّيْتُ في الإسلام عبد الرحمن. وقال: هو أول من كُنِّي بأبي هريرة، قال: لأني وجدت هِرَّة فحملتها في كُمِّي، فقيل: أنت أبو هريرة. أسلم أبو هريرة -رضي الله عنه- عام خيبر بالاتفاق، سنة سبع، وشهدها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم لزمه، وواظب عليه، وحمل عنه من العلم شيئًا كثيرًا، وهو أكثر الصحابة رواية بإجماع العلماء، روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثًا، اتفق الشيخان منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين. توفي بالمدينة سنة 59 هـ، وقيل: ثمان، وقيل: سبع، ودفن بالبقيع -رضي الله عنه وأرضاه-.

هكذا في شرح النووي، انفرد البخاري بثلاثة وتسعين إذا أضيفت إلى ما اتفق عليه الشيخان ثلاثمائة وخمسة وعشرين يكون المجموع ثمانية عشر وأربعمائة، لكن الحافظ ابن حجر يقول: مجموع ما أخرجه البخاري من المتون المستقلة على التحرير أربعمائة حديث وستة وأربعون حديثًا، على التحرير، والحافظ ابن حجر يُعْنَى بهذه الأعداد بدقة؛ لأنه شرح الصحيح، ويبيِّن ما في كل باب، أو في كل كتاب من الأحاديث المرفوعة والموقوفة والموصولة والمعلَّقة، فضبط العِدَد بالتحرير -رحمه الله تعالى-.

قوله: «الإيمان بِضع» البِضع بكسر الباء، وحُكي فتحها، يقول في القاموس: هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى أربعة، أو من أربع إلى تسع أو سبع، على كل حال الخلاف فيه كبير بين أهل اللغة، يقول الفرَّاء: هو خاص بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال: بضع ومائة، ولا بضع وألف، ويكون مع المذكَّر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء؛ يعني كالعَدد، فتقول: بضعة وسبعون رجلاً، وبضع وعشرون امرأة، ولا تعكس؛ لأن العَدد يخالف المعدود، فتقول: أربعة وعشرون رجلاً، وأربع وعشرون امرأة، وعلى هذا تقول: مكان الأربع والأربعة بضعة وبضع، وفي رواية أبَوَي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بضعة «الإيمان بضعة وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان» ففي رواية أبَوَي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بضعة، بتأنيث بضعة، على تأويل الشعبة بالنوع، إذا فُسِّرَت الشعبة بالطائفة من الشيء فعلى هذا يكون معنى الحديث الإيمان بضعة وستون نوعًا، والحياء نوع من الإيمان، يقول النووي والكرماني: بضعة في أكثر الأصول، وقال ابن حجر: في بعض الروايات، عبارة ابن حجر تدل على أن الأكثر بضع لا بضعة؛ لأنه قال في بعض الروايات، قال القسطلاني: وصوَّب العيني قول الكرماني تعصُّبًا، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية كهِيَ، قال الأصيلي: صوابه بضع، يعني بإسقاط الهاء. الآن الكرماني مع النووي يقولون في أكثر الأصول: بضعة بالتأنيث، وابن حجر يقول في بعض الروايات: بضعة، بضعة في بعض الروايات، فابن حجر -رحمه الله- عكَس كلام الكرماني، والقسطلاني يقول: صوَّب العيني قول الكرماني تعصُّبًا، تعصُّبًا على مَن؟ على ابن حجر؛ لأنه ينقل كلام ابن حجر غالبًا، ويبهمه ثم يتعقبه، وأحيانًا يُشَم منه رائحة التعصب أن كلامه في التعقب لمجرد نقض القول لابن حجر. وعلى كل حال كل من ابن حجر والعيني من العلماء المعتبرين الذين لهم قدم راسخة في هذا الشأن، وإن كان الحافظ أرجح في الحديث وعلومه.

المقدم: لكن يستقيم بضعة مع شعبة يا شيخ في اللغة؟ يستقيم؟

هم يقولون: على التأويل.

المقدم: التأويل.

لا تكون إلا على التأويل، الشعبة بالنوع، لا بد أن تؤوَّل الشعبة بالنوع، ويُلجَأ إلى مثل هذا التأويل إذا حصل ما يخالف القواعد، فلا بد من اللجوء إلى التأويل.

يقول القسطلاني: صوَّب العيني قول الكرماني تعصبًا، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية كهِيَ. قال الأصيلي: صوابه بضع، يعني بإسقاط الهاء، صوابه من حيث الرواية أو من حيث العربية؟ الرواية ثابتة في اللفظين عن البخاري، لكن لعل القصد -قصد الأصيلي- الصواب من حيث العربية، يقول: والذي رأيته في هامش اليونينية فرع اليونينية كهِيَ، هذا كلام القسطلاني، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية كهِيَ، اليونيني شرف الدين الحنبلي له عناية في الصحيح -كما هو معروف-، نسخته تعرف باليونينية، وهي أضبط النسخ على الإطلاق؛ لأنه قرأ الكتاب مرارًا على الروايات كلها، وذكر فروق هذه الروايات، كما أنه قرأ الكتاب مرارًا على ابن مالك، الإمام النحوي المعروف، قرأه مرارًا، ويصوِّب له الروايات المناسبة المطابقة أو الموافقة لعلم العربية.

المقدم: وهل يوجد شيء مطبوع موافق لهذه النسخة -يا شيخ- الآن؟

الرموز والفروق، فروق الروايات التي أثبتها اليونيني على نسخته، ورمز لكل رواية برمز هي التي طُبِعَت عنها النسخة البولاقية، سواء السلطانية سنة: (1311هـ) أو التي تليها بعد أن صُحِّحَت سنة: (1313هـ و1314هـ) تعتبر من أنفس الطبعات هذه.

يقول: في هامش فرع اليونينية كهِيَ، هذا كلام القسطلاني، لماذا اضطُرَّ إلى الفرع وقدَّمها على الأصل؟ لماذا ما قال: في هامش اليونينية وانتهى الإشكال؟ قال: في هامش فرع اليونينية كهِيَ، وهذا يستعمله كثيرًا القسطلاني؛ لماذا يقدم الفرع على الأصل؟ أولاً: لم يتيسر له الحصول على الأصل في أول الأمر، وجد الفرع، فرع اليونينية، وقابل نسخته عليها ست عشرة مرة، حتى أتقن نسخته؛ ولذا شرْحه من أضبط الشروح بالنسبة للفظ الصحيح، سواء كان في المتون والأسانيد وصيغ الأداء وغيرها، قابل نسخته التي شرحها على فرع اليونينية ست عشرة مرة، ثم تيسر له أن وجد المجلد الثاني من اليونينية الأصلية، فقابل عليها مرارًا، ثم وجد المجلد الأول بعد حين فقابل عليه وجد الفرع مطابق تمامًا للأصل، فاعتنى به، وقدَّمَه على الأصل؛ لأنه هو السابق في الوجود بالنسبة له، هذا هو السبب.

قوله: وستون، يقول ابن حجر: لم تختلف الطرق عن أبي عامر -يعني العقدي، شيخ شيخ المؤلف- في ذلك، وتابعه يحيى الحِمَّاني عن سليمان بن بلال، وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن سليمان بن بلال، فقال: بضع وستون أو بضع وسبعون، على الشك، وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، ورواه أصحاب السنن الثلاثة من طريقه، فقالوا: بضع وسبعون من غير شك، ورجح البيهقي رواية البخاري لأن سليمان لم يشك، قال الحافظ: وفيه نظر لما في رواية بشر من التردد، قال ابن حجر: لكن يرجَّح بضع وستون على بضع وسبعين بأنه المتيقَّن؛ لأن العدد الأقل دائمًا هو المتيقَّن، وما عداه مشكوك فيه. رجَّح الحَلِيْمِي وعِيَاض والنووي رواية: «بضع وسبعون» لكونها زيادة ثقة، قال ابن حجر: لا يستقيم ذلك؛ لأن الذي زادها لم يستمر على الجزم بها، لاسيما مع اتحاد المَخْرَج، وبهذا يتبيَّن شفوف نظر البخاري، يعني دقة نظر الإمام البخاري.

المقدم: لأنه لم يروِ إلا الستين فقط، والسبعين ما...

ما رواها.

قال ابن حجر: لا يستقيم ذلك أن نقول: أن السبعين..، زيادة العشر زيادة ثقة، أولاً: مجيء زيادة الثقة في اللفظ الواحد في الكلمة الواحدة منهم من يرويها ستين، ومنهم من يرويها سبعين، نقول: هذه زيادة ثقة.

المقدم: لا يمكن.

اختلاف هذا، هذا اختلاف وليس من الزيادات، لكن يمكن أن يقال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أُخبر أولاً، أو تحدَّث أولاً عن الشُّعَب في أول الأمر بأنها بضع وستون، ثم تحدَّث بعد ذلك أنها بضع وسبعون، وحينئذٍ لا إشكال ولا اختلاف، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» وفي حديث ابن عمر: «تفْضُل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» أُخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعدد الأول، ثم تفَضَّل الله -سبحانه وتعالى- بزيادة الدرجتين لمن اعتنى بصلاة الجماعة، وعلى هذا لا يكون هناك اختلاف، ومنهم من يقول: أن العَدد لا مفهوم له، لو حصل مثل هذا التعارض قال: العدد لا مفهوم له، ومنهم من يُطْلِق دائمًا يقول: العدد لا مفهوم له، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، نعم إذا عُورض مفهوم العدد بمنطوق أقوى منه نعم يُلْغَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [سورة التوبة 80] يعني مقتضاه لو استغفر لهم واحد وسبعين مرة أنهم يغفر لهم، لكن هذا المفهوم معارض بـ{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء 48] وحينئذٍ يُلْغَى المفهوم، أما إذا كان المفهوم سواء كان لعَدَد أو لغيره دون مُعارِض فإنه لا بد من اعتباره.

المقدم: إذًا -أحسن الله إليكم- عدم رواية البخاري لهذه الزيادة ليس لذات السند وإنما للمتن.

نعم للشك الموجود.

المقدم: أي نعم، أما سند الحديث بالزيادة ليس فيه شيء، ولذلك رواه مسلم.

نعم، هو مخرَّج في مسلم.

يقول القسطلاني: هل المراد حقيقة العدد أو المبالغة؟ قال الطِّيْبِي: الأظهر أن المراد أو إرادة معنى التكثير، ويكون ذكر البضع للترقي، يعني أن شُعَب الإيمان أعداد مبهَمة، ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد لم يُبْهَم، وقال آخرون: المراد حقيقة العدد، ويكون النص وقَع أولاً على البضع والستين لكونها الواقع، ثم تجددت العشر الزائدة فنُصَّ عليها، يقول النووي: وقد بيَّن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلى هذه الشُّعَب وأدناها، كما ثبت في الصحيح من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» فبيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن أعلاها التوحيد المتعيِّن على كل مكلَّف، والذي لا يصح غيره من الشعب إلا بعد صحته، وأن أدناها ما يندفع به ضرر المسلمين، وبقي بينهما تمام العدد، فيجب علينا الإيمان به، وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده، كما نؤمن بالأنبياء والملائكة -صلوات الله وسلامه عليهم-، وإن لم تُعْرَف أعيانهم وأسماؤهم. وقد صنَّف العلماء في تعيين هذه الشعب كتبًا كثيرة، من أغزرها فوائد، وأعظمها جلالة، كتاب: المنهاج في شعب الإيمان لأبي عبد الله الحَلِيْمِي، وهو كما قال النووي: من أعلام الإسلام، ثم حذا الإمام الحافظ...

المقدم: مطبوع يا شيخ -أحسن الله إليك-؟

نعم، مطبوع في ثلاثة مجلدات، مطبوع، لكنه بحاجة إلى خدمة، مطبوع في ثلاثة مجلدات، وهو ما يزال بحاجة إلى خدمة، وهو كتاب نفيس، لا يستغني عنه طالب علم. ثم حذا الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي حَذْوَه حَذْوَ الحَلِيْمِي، وزاد عليه وأتى من التحقيق والفرائد بما لا مزيد عليه، في كتابه الحافل: شُعَب الإيمان، فرحمهما الله تعالى. وكذلك كتاب: شعب الإيمان للبيهقي، مطبوع في عشرين مجلدًا، وطبع في أقل من ذلك بدون تعليقات، وهو أيضًا مختصَر -شعب الإيمان للبيهقي- مختصَر اختصره القزويني في جزء لطيف. قال القاضي عياض: تكلَّف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يَقْدَح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان، أقول: لا شك أن تعيين المبْهَم الذي أبهمه الشرع من غير نص عليه من الشارع، والجزم بأن هذا هو مراد الله -سبحانه وتعالى-­، أو مراد رسوله فيما حدَّث به -عليه الصلاة والسلام- عن ربه، لا شك أن في هذا صعوبة؛ لأن مثل هذا يحتاج إلى توقيف، ولا يمكن حصرها بطريق الاجتهاد، يقول ابن حجر: ولم يَتِّفق من عدَّ الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وفي صحيحه المرتَّب المسمَّى بالإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، للأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، يقول ابن حبان: قد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يُعلم معناه، فجعلت أَعُدُّ الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئًا كثيرًا، فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدَّفَّتَيْن من كلام ربنا، وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله -جل وعلا- من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البعض والسبعين، فضممت الكتب إلى السنن، وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله -جل وعلا- من الإيمان في كتابه، وكل طاعة جعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان في سننه؛ تسع وسبعون شعبة، لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، فعلمت أن مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر الشُّعَب في كتاب وصْف الإيمان وشعبه، هذا الكتاب لابن حبان، كتاب اسمه: وصْف الإيمان وشعبه، هذا لا وجود له، ولم يقف عليه الحافظ، ولذا قال: لكن لم نقف على بيانها من كلامه، لو وقف على الكتاب لوقف عليها من كلامه، بما أرجو أن فيه الغنية للمتأمل إذا تأملها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب.

يقول ابن حجر: وقد لخَّصْت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرَّع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خَصلة، الإيمان بالله ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، والقدَر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه المسألة في القبر، والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط، والجنة والنار، ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه، واتباع سُنَّته، والإخلاص ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير، وترك الكِبر والعُجْب، وترك الحسد، وترك الحقد، وترك الغضب، هذه أعمال القلب، وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو. وأعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة، منها ما يختص بالأعيان، وهي خمسة عشرة خصلة: التطهير حِسًّا وحكمًا، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة، والصلاة فرضًا ونفلاً، والزكاة كذلك، وفك الرقاب، والجود، ويدخل فيه إطعام الطعام، وإكرام الضيف، والصيام فرضًا ونفلاً، والحج والعمرة كذلك، والطواف والاعتكاف، والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك، والوفاء بالنذر، والتحرِّي في الأيمان، وأداء الكفارات، ومنها ما يتعلق بالإتباع وهي ست خصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال، وبِرِّ الوالدين، واجتناب العقوق، وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة، أو الرِّفْق بالعبيد. ومنها ما يتعلق بالعامَّة، وهي سبع عشرة خصلة: القيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولي الأمر، والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قِتَال الخوارج والبغاة، والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود والجهاد، ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنه أداء الخُمُس، والقَرْض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حِلِّه، وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإسراف، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكف الأذى عن الناس واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق، فهذه تسع وستون خَصلة، ويمكن عدها تسعًا وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذُكر، والله أعلم.

هكذا ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى-، وعندي أن الإبهام وعدم التوقيف في مثل هذه الأمور مقصد شرعي؛ لكي يتنافس المسلمون، ويجتهد المؤمنون في تتبع جميع ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويحرصوا على العمل بجميع ذلك، وحصرها، والجزم بأن هذا مراد الله –سبحانه- على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيه جزم بغير علم، إذ المسألة تحتاج إلى توقيف نظير ما جاء في الحث على إحصاء الأسماء الحسنى، جاء في الحديث الصحيح: «إن لله سبحانه وتعالى تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة» وما جاء بيانها في المرفوع، تُرِكَت هذه ليُعْتَنَى بالأسماء الحسنى كلها، فكل اسم من الأسماء الحسنى يُعتنَى به، ويدعى به الرب -جل وعلا-، من باب حث الناس على العناية بهذه الأسماء، ومثله إبهام ليلة القدر كي يجتهد الناس في طلب ليلة القدر، ولو بُيِّنَت في ليلة معيَّنة لاعتنَى بها الناس، وترك الناس ما عداها، ومثلها ساعة الجمعة، جاءت أحاديث تدل على أنها في منتصف النهار، وجاء أنها آخر ساعة، وغير ذلك.

المقدم: أحسن الله إليكم ألا يمكن أن يقال بأن هذا الحديث فيه رد على من زعم أن الإيمان هو الاعتقاد فحسْب؛ لأنه جمع الأصول الثلاثة، القول والعمل والاعتقاد، فقول: لا إله إلا الله هذه شعبة مهمة، وهي بالقول، والحياء قلبيّ، وإماطة الأذى عن الطريق بالفعل، ألا يمكن أن يُرَدّ عليهم بهذا الحديث وأمثاله؟

هو سيأتي وجه إدخال الحديث في كتاب الإيمان -إن شاء الله تعالى-، وفيه بيان هذا -إن شاء الله-.

المقدم: جيد، الموضوع الآخر كأن البخاري لم يروِ هذا الحديث إلا في هذا الباب فحسْب؟

نعم، ليس في...

المقدم: ليس في الصحيح؟

ليس في الصحيح إلا هذا الموضع فقط.

المقدم: جميل.

بقيت مجموعة من المواضيع مستمعينا الكرام سوف نخرج لها حديثًا خاصًّا في حلقة الأسبوع القادم -بإذن الله تعالى-.

حتى ذلكم الحين أستودعكم الله بعد أن أزجي الشكر الجزيل، بعد شكر الله -سبحانه وتعالى-، لفضيلة الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

أذكركم مستمعي الكرام بعنوان البرنامج مرة أخرى: المملكة العربية السعودية، وزارة الإعلام، إذاعة القرآن الكريم، صندوق بريد: 60059، الرياض: 11545، الفاكس: 4425544، ولابد من النص على اسم البرنامج كتاب التجريد الصريح، سوف نخصص للإجابة عن أسئلة الإخوة والأخوات التي وصلت للبرنامج.

حتى ذلكم الحين أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.