كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 48

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله-:

باب: صلاة العيدين

لحظة.

جاء في الخبر: ((إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه)) ومن الطرائف أن بنت صغيرة طالبة سمعتها تدعو لزميلتها، ولا تدعو لنفسها، فقلت: لماذا لا تدعين لنفسك؟ تدعو لزميلتها أن تنجح في الاختبارات، قال: أنا يكفيني دعاء الملائكة، دعاء الملائكة يكفيني، لكن ما جاء في الخبر إتباعه أولى، فأنت إذا دعوت لنفسك ودعت لك الملائكة لا شك أنه إذا تضافرت الدعوتان أفضل.

نعم؟

قال المؤلف -رحمه الله-:

باب: صلاة العيدين

عن يزيد بن خمير الرحبي قال: خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح.

رواه أبو داود وابن ماجه، وعند البيهقي: إنا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويزيد روى له مسلم، ووثقه شعبة وابن معين وغيرهما، وقال أحمد: حديثه حسن.

وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ركباً جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم. رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي، وصححه الخطابي، وقال ابن المنذر: هو حديث ثابت يجب العمل به، وصحح البيهقي وابن حزم إسناده، ولا وجه لتوقف ابن القطان فيه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس،

والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي وصححه.

وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله بن أبي بكر، قال: حدثني أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويأكلهن وتراً)) رواه البخاري، وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية.

تعليقاً، ما عندك تعليقاً؟

طالب: لا يا شيخ.

رواه البخاري تعليقاً.

رواه البخاري تعليقاً، وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية المعلقة.

وعن ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب بن عتبة غير هذا الحديث، وقد وثق ثواب بن عتبة ابن معين في رواية ابن عباس وغيره، وأنكر أبو حاتم وأبو زرعة ذلك، وقال ابن عدي: وثواب يعرف بهذا الحديث وحديث آخر، وهذا الحديث قد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم عقبة بن عبد الله الأصم، ولا يلحقه بهذين ضعف.

وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين، تلقي المرأة خرصها وسخابها" رواه البخاري ومسلم.

وعنده: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها".

وعن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. رواه ابن ماجه، وابن عقيل مختلف فيه.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخيرة، ولم يصلَ قبلها ولا بعدها" رواه أحمد، وهذا لفظه، وقال: أنا أذهب إلى هذا، ورواه أبو داود ولفظه: قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث.

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقد الليثي: "ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] و{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر] رواه مسلم، وأبو واقد اسمه الحارث بن عوف -رضي الله عنه-.

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق" رواه البخاري.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتها فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، فإما سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإما قال: ((تشتهين تنظرين؟)) فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) حتى إذا مللت قال: ((حسبكِ؟)) قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) متفق عليه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: صلاة العيدين

تثنية عيد، وهو ما يعود ويتكرر في وقت معين، وليس لنا في الإسلام إلا هذين العيدين، ولا ثالث لهما إلا ما يطلق على الجمعة من أنه عيد الأسبوع، وما عدا ذلك فلا عيد لنا، وما يُفعل على المستوى العام أو الخاص مما يعود ويتكرر في يوم معين من السنة، أو من الشهر، أو ما أشبه ذلك كله من البدع، فالله -جل وعلا- أبدلنا بأعياد المشركين بهذين العيدين، ولا ثالث لهما، هذا العيد الذي يعود ويتكرر لا شك أنهما يومان عظيمان يتعقبان عبادات عظيمة، فعيد الفطر يتعقب الصيام، وهو ركن من أركان الإسلام، وعيد الأضحى يقع بعد الوقوف بعرفة الذي هو ركن الحج الأعظم ((الحج عرفة)) وهذه الأعياد بالنسبة للأمة هي أيام فرح وسرور، وتوسعة على النفس والأهل ((لتعلم يهود أن ديننا فسحة)) وفرصة، لكن لا يجوز أن تخطى ما حده الله -جل وعلا- لنا {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [(229) سورة البقرة] لا يجوز أن نتجاوز ما حده الله -جل وعلا- لنا، نعم هذه الأعياد أيام فرح وسرور واجتماع وصلة وأكل وشرب لا يجوز صومهما إلا أننا مقيدون بقيود شرعية، لا يجوز لنا أن نتجاوزها، عيد الفطر يتعقب الصيام، وعيد الأضحى يتعقب الوقوف بعرفة، وجاء في الحديث: ((شهرا عيد لا ينقصان)) رمضان وذي الحجة، قد يقول قائل: إن رمضان ليس فيه عيد، العيد في أول شوال، أما ذي الحجة فالعيد في أثنائه، فكيف يضاف الشهر إليه وقد انتهى؟ لقربه منه ولملاصقته له صار كأنه منه، كما يقال في المغرب: وتر النهار ((فرضت الصلاة ركعتين ركعتين)) حديث عائشة: ((فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة)) المغرب وتر النهار، وهي تقع في الليل بعد غروب الشمس، لكن لملاصقتها للنهار كأنها من النهار، ومثلها عيد الفطر لملاصقته لشهر رمضان كأنه منه.

قال: "عن يزيد بن خمير الرحبي قال: "خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام" يعني وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس إلى الزوال، هذا وقتها عند أهل العلم، لا تجوز قبله ولا تصح بعده، على ما سيأتي من أنهم إذا لم يعلموا بدخول الشهر إلا بعد الزوال فإنهم يصلون من الغد على ما سيأتي، هذا وقت صلاة العيد، لكن الوقت المفضل أن يبادر بها، لا سيما الأضحى، وأما الفطر فيتأخر قليلاً لا يجاوز يعني إلى وقت تحتر فيه الشمس فيتضايق به المصلون.

أبطأ الإمام تأخر لكنه في الوقت، وقال: "إنما كنا -يعني: عبد الله بن بسر- إنما كنا قد فرغنا ساعتنا" يعني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت حينما احترت الشمس "قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح" يعني حين وقت صلاة الضحى التي الأفضل أن تؤخر ((صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال)) فينبغي أن تصلى صلاة العيد قبل ذلك يعني من ارتفاع الشمس إلى أن يحضر وقت صلاة الضحى، تكون في هذا الوقت ولا تؤخر كثيراً بعد ارتفاع الشمس، لا سيما الأضحى فإنها يبادر بها.

"رواه أبو داود وابن ماجه، وعند البيهقي: "إنا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" هو يحكي ما حصل له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس من اجتهاده "ويزيد بن خمير روى له مسلم" ما دام روى له مسلم جاز القنطرة "ووثقه شعبة وابن معين وغيرهما، وقال أحمد: حديثه حسن" يعني أقل ما قيل فيه: إن حديثه حسن، فعلى كل حال الحديث إن لم يصل إلى الصحة فهو حسن على أقل تقدير، فتبين بهذا أن وقت صلاة العيد إنما هو بعد ارتفاع الشمس، وبعد خروج وقت النهي، والمستحب والسنة أن يبادر بها قبل أن يحضر وقت صلاة الضحى الذي هو بعد أن تحتر الشمس، وترمض الفصال.

قال -رحمه الله-:

"وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما دام نص على أنهم صحابة فهم كلهم ثقات، ولو لم يسموا "عن عمومة له من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ركباً" ركب جمع راكب، كصحب جمع صاحب "جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس" هذا الركب من المسلمين إذ لا تصح ولا تجوز شهادة غير المسلمين، وكأنهم معروفون عنده -عليه الصلاة والسلام-، فلم يحتج إلى تقريرهم، كما قال للأعرابي: ((أتشهد أن لا إلا الله، وأني رسول الله؟!)) قال: نعم، فأمر الناس بالصيام، هؤلاء إما أن يكونوا معروفين عنده -عليه الصلاة والسلام-، أو لأنهم مجموعة جمع يجبر بعضهم بعضاً، على كل حال هم مسلمون "يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا" جاءوا إلى المدينة بعد الزوال، وشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس بعد مدة، يعني من غروب الشمس إلى الزوال من اليوم الثاني قرابة عشرين ساعة، قد يقول قائل: كيف ينتظر الخبر ما يصل إلى بعد عشرين ساعة؟ ليصل مهما قربوا، قبل وسائل الاتصال يحدثنا شيخ كبير السن عمره في الثمانين يقول: نحن في قرية قريبة من بلد فيه قاضي كنا جالسين بعد صلاة العصر نقرأ القرآن في المسجد، جاءنا من يقول: إن الهلال رئي البارحة في البلد الذي بجوارهم، عشرين كيلو أو خمسة وعشرين كيلو، يعني قبل وسائل الاتصال ما يستبعد مثل هذا ولا يستغرب، فيموت الميت لا يعلم به، وبعض الناس لا سيما من هاجر من بلد إلى آخر بقصد طلب العلم مثلاً، ولا يريد أن يشوش عليه ما يقرأ ولا الخطابات، تأتيه رسائل من بلده ما يفتحها، يهاجر من المشرق إلى المغرب أو العكس، ثم تأتيه الرسائل الذي فيها نعي والده وأمه وأولاده وإخوانه، ما يفتحها إلا إذا قرر الرجوع؛ لئلا ينشغل ذهنه، لا شك أن هذا فيه يعني شيء من قسوة في القلب يعني ما يهتم لأهله ولا والده ولا والدته ولا كذا، ذكر في تراجم بعض من رحل إلى المشرق ذُكر هذا الأمر، نعم الطريق قد يستغرق ستة أشهر أو أكثر، فكيف يذهب إليهم ثم يعود ثانية وكذا؟! يريد يعني يقول: اللي يموت يموت عادي خلاص انتهى، يعني بعض الناس عندهم من التحمل إلى هذا الحد، وما زال ناس موجودون، إذا أراد أن يذهب إلى رحله أو نزهة تستغرق شهر أو شهرين، يغلق الجوال يقول: لا تتصلون، الدراهم عندكم، والسواق عندكم، اللي يموت للمقبرة، واللي يمرض للمستشفى، يقال: من أجل إيش؟ أن يرتاح في رحلته، فإذا كان هذا في رحلة أو نزهة عادية فكيف بمن هاجر لطلب العلم؟! وكل هذا قدر زائد على المطلوب، فالمطلوب من المسلم أن يطلب العلم، ومع ذلك أن يهتم ببر والديه وصلة أقاربه، نعم قد يأذن الوالد له بالسفر، لكن لا يصل الأمر إلى هذا، بعضهم ما يفتح الخطاب إلا بعد سنين إذا حصل من العلم ما حصل، فإذا بوالده قد مات من خمس سنوات! هذه قسوة، والله المستعان.

هؤلاء الركب جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الزوال، يخبرونه أنهم رأوا الهلال بالأمس "فأمر الناس أن يفطروا" الفطر واجب؛ لأن العيد لا يجوز صومه بحال، يحرم صوم يومي العيدين "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم" يعني الصلاة -صلاة العيد- لا بد أن تصلى في وقتها، وقد خرج وقتها عند إخبارهم إياه -عليه الصلاة والسلام-، إذاً تقضى في وقتها، من الغد بعد ارتفاع الشمس "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم" وهل الصلاة من الغد قضاء أو أداء؟

طالب: قضاء.

قضاء بلا شك، وإن تردد بعضهم بعض أهل العلم يقول: إن الخبر إنما يلزم بعد بلوغه، ومن بلغهم الخبر الآن فهي أداء، على كل حال المسألة سهلة يعني، هم ما أخروها متعمدين لتأخيرها، وهي وإن كانت قضاء كصلاة النائم حتى خرج وقت الصلاة، هي قضاء لكنه لا يأثم إذا بذل الأسباب لينتبه، قد يقول قائل: لماذا لا نقضي الصلاة في وقتها كصلاة العيد؟ نام عن صلاة الظهر وما انتبه إلا بعد خروج وقتها؛ لماذا لا يقضيها من الغد في وقتها مثل العيد؟ عندنا نص: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) يجب قضاء الفوائت فوراً، اللهم إلا صلاة العيد ففيها هذا النص، يدل على أنها لا تصح في غير وقتها، فلا تقدم عليه ولا تؤخر عنه.

"رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي وصححه الخطابي وابن المنذر" وهو حديث ثابت يجب العمل به؛ لأن إبهام الصحابة لا يضر "وصحح البيهقي وابن حزم إسناده، ولا وجه لتوقف ابن القطان فيه" لأن ابن القطان استدرك على عبد الحق تصحيح الخبر، وطعن فيه، لكن الأئمة كلهم على تصحيحه.

"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي وصححه، وفي بعض ألفاظه: ((والحج يوم يحج الناس))" ((الفطر يوم يفطر الناس)) فلا يجوز للإنسان أن يشذ بفطر دون سائر الناس، ولا يجوز له أن يصوم والناس ما صاموا، ولا يجوز له أن يضحي قبل الناس، كما أنه لا يجوز له أن يقف بعرفة قبل الناس، فالفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس ((والأضحى يوم يضحي الناس)) والحديث أقل أحواله الحُسن، ثابت، فإذا رأى الإنسان الهلال قبل الناس، رأى الهلال وردت شهادته، ردت شهادته في أول الشهر وهو يجزم أنه رأى الهلال، رآه بما لا مرية فيه ولا شك، هل يصوم وحده باعتبار أنه مأمور بالصيام لرؤيته، أو لا يصوم إلا مع الناس؟

طالب:......

نعم، المسألة خلافية؛ لأنه يتجاذبه هذا الحديث: ((الفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس)) وأيضاً ((صوموا لرؤيته)) وقل مثل هذا فيما إذا رأى هلال شوال، إذا رأى هلال شوال وحده وردت شهادته ما وجد غيره، ومعلوم أن خروج الشهر لا بد من اثنين، ما يكفي واحد، ردت شهادته، وهو متأكد يصوم، وفي قرارة نفسه أن هذا يوم العيد، ولا يجوز صيامه، ويمتثل حديث: ((وأفطروا لرؤيته)) أو يصوم مع الناس في اليوم الأخير، ويفطر مع الناس في اليوم الأول؟ مقتضى هذا الحديث أن يصنع كما يصنع الناس، ويسعه ما يسمع الناس، وفي حديث كُريب عند مسلم: لما جاء من الشام، والناس صائمون وأخبرهم أنهم رأوا الهلال ليلة الجمعة، فقال ابن عباس: إنا لم نره إلا ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نراه، كُريب أكمل الثلاثين مع صيام أهل الشام، وإذا كان مجيء كريب يوم الثلاثين أو بعد إكمال الثلاثين، الإشكال فيما إذا كان بعد إكمال الثلاثين، وصام مع الناس في الشام اليوم الأول، وأهل المدينة ما صاموا، ثم أتم أهل المدينة الثلاثين؛ لأنهم لم يروه، فيلزم على هذا أن يكون كريب صام واحداً وثلاثين يوماً، والشهر لا يصل بأي حال من الأحوال إلى واحد وثلاثين، فمن عمل بالحديث بعمومه قال: يصوم مع الناس ولو أدى ذلك إلى أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً، ومن قال: عليه أن يعمل بـ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) قال: يصوم لرؤية نفسه، ويفطر لرؤية نفسه، مع أن جميع طرق الحديث فيها الجمع، وفيه مخاطبة الأمة لا مخاطبة الأفراد ((صوموا)) يعني هذه مخاطبة للأمة ((صوموا)) فهم يصومون لرؤيته، ويفطرون لرؤيته، ورؤيتهم تتحقق بواحد، لكن الكلام على صوموا الأمر بالصيام للجميع، والأمر بالفطر للجميع، فعلى هذا لا يصوم إلا مع الناس، ولا يفطر إلا مع الناس على مقتضى هذا الحديث، ومن أهل العلم من يقول: إذا كان قد رأى الهلال رؤية لا يشك فيها فهو مأمور بـ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فإنه يفطر سراً، ويصوموا سراً؛ لئلا يشوش على الناس، والمسألة خلافية.

((الأضحى يوم يضحي الناس)) رأى الهلال والناس ما رأوه، ولا استقر عندهم، رآه ليلة الجمعة، وهم ما رأوه إلا ليلة السبت، يترتب على هذا أن يقف بعرفة قبل الناس، وأن يضحي قبل الناس؛ لأنه رأى الهلال، الوقوف في اليوم التاسع، وإن انتظر الناس وقف في اليوم العاشر، نقول: يقف مع الناس ويضحي مع الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والعلماء يقولون: إن وقف الناس في الثامن أو في العاشر خطأ صح حجهم.

قال: "وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو" يعني يذهب في الغداة لصلاة العيد "يوم الفطر حتى يأكل تمرات" "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" لأن عيد الفطر متعقب لصيام، لمنع من الأكل، ويوم العيد يحرم صومه فلئلا يشتبه الناس في أول النهار بالصائمين، وقد منعوا من الصوم سن لهم أن يأكلوا تمرات قبل الذهاب إلى صلاة العيد؛ لأنه قد يقول قائل: استمر صائم إلى أن أصلي العيد، نقول: لا، هذا يوم لا يجوز صومه، ولا تتشبه بأهل الصيام؛ لأنه يجب فطره، يعني كما يقول بعض الفقهاء: إن المعتكف يستمر في ثياب اعتكافه حتى يصلي العيد؛ لأن عليه أثر عبادة، فلا يحسن أن يبادر بإلقاء هذا الأثر حتى يصلي العيد، فقد يقول قائل أيضاً: الصيام أثر عبادة فلا أزال صائماً حتى أصلي العيد، نقول: لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، وأيضاً يستحب أن تحضر العيد بلباس حسن وهيئة حسنة، يلبس أفضل ما عنده، كما تقدم في حلة عُطارد، يلبس أفضل ثيابه، فكونه يغدو إلى صلاة العيد بثياب الاعتكاف التي فيها ما فيها مما قارفه أثناء اعتكافه في نومه وأكله وشربه، قد يكون الجو حار، فلا شك أن هذا خلاف السنة.

"((حتى يأكل تمرات)) وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله قال حدثني: أنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ويأكلهن وتراً))" وتر، إما أن يقتصر على واحدة، لا سيما إذا خشي أن يتضرر؛ لأن من الناس من يتضرر بأكل التمر، أو يأكل ثلاث أو خمس أو سبع إذا كان لا يضره، لكن يقطع العدد على وتر؛ لأنه قال: ((ويأكلهن وتراً)) والتمر جاءت السنة بأنه يُفطر عليه الصائم، التمر، فإن لم يجد فالماء؛ لأن التمر غذاء وفاكهة، نافع جداً للمعدة الفارغة الخالية، ونافع للبصر، وفوائده كثيرة جداً.

((يأكلهن وتراً)) لا يغدو -عليه الصلاة والسلام- فالمفضل أن يأكل في بيته قبل أن يخرج، قبل أن يغدو إلى صلاة العيد، وبعض الناس يجلس بعد صلاة الصبح في مصلاه حتى ترتفع الشمس ليحصل الأجر الثابت في طول العام، ثم يغدو إلى المصلى فليأكل في المسجد قبل أن يغدو إلى المصلى، وإذا كانت صلاة العيد تصلى في المسجد الذي يجلس فيه كالحرم مثلاً، إذا أكل في المسجد قبل أن يتجهز لصلاة العيد..، هو مطالب بوظائف وعبادات يصلي الفجر، ثم يجلس في مجلسه، ثم إذا ارتفعت الشمس انتهت وظيفة، الوظيفة الأولى، يبدأ بالوظيفة الثانية، ثم بين الوظيفتين يأكل التمر، وإذا أكل التمر بعد طول الفجر وقبل غدوه إلى المسجد الذي يصلي فيه الفجر ويجلس فيه حتى يصلي العيد يصح أنه طبق السنة "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" رواه البخاري تعليقاً" تعليقاً يعني أنه حذف من مبادئ إسناده واحداً أو أكثر.

وإن يكن أول الإسناد حُذف
 
ج

 

مع صيغة الجزم فتعليقاً عُرف

قال: "وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية المعلقة" الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري أسند هذه الرواية المعلقة، وهذه من وظائف المستخرجات، من وظائف المستخرجات وصل المقاطيع والمعلقات.

قال: "وعن ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم" كما تقدم أنه لا يغدو ولا يخرج حتى يأكل تمرات وتراً، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي؛ لأن يوم الأضحى متعقب لصيام أو لفطر؟

طالب: لفطر.

يوم عرفة.

طالب: لصيام.

نعم؟

كان هذا استمرار "لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" يعني ليس بصيام فرض إلزام يحتاط له الناس مثل ما يفعلوه في النوافل، فمثل هذا لا إشكال فيه إذا كانت نافلة فإنه لا يحتاط لها مثل ما يحتاط للفرض؛ لأنه متعقب لفريضة، والفريضة يحتاط لها، لكن النافلة الناس مجرد ما تنتهي ينتهي حكمها ليست كالفرض.

"ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" لأنه يشرع له أن يبدأ بالأكل من أضحيته {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [(27) سورة الحـج] {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [(36) سورة الحـج] فالأكل من الأضحية أقل ما قيل فيه: إنه سنة، فليبادر بأضحيته بعد الصلاة، ولا تصح إلا بعد الصلاة، ثم يبادر بالأكل منها كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي وهذا لفظه، وقال: حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب غير هذا الحديث" محمد الذي ينقل عنه الترمذي هو البخاري، قال محمد يعني جرت عادة الترمذي أنه إذا أراد أن يعقب قال: قال أبو عيسى، نعم لا يقول: قال محمد، وإذا نقل عن البخاري قد يقول: محمد بن إسماعيل، وقد يقتصر على محمد، نعم ثواب هذا مقل من الرواية، حتى قال بعضهم: إنه مجهول، لكنه توبع على هذا الحديث، وارتفعت جهالته.

"وقد وثق ثواب بن عتبة ابن معين في رواية عباس الدوري وغيره، وأنكر أبو حاتم وأبو زرعة ذلك، وقال ابن عدي..." على كل حال الحديث له ما يشهد له "وقال ابن عدي: وثواب يعرف بهذا الحديث وحديث آخر، وهذا الحديث قد رواه غيره عن ابن بريدة" يعني أنه توبع عليه، لم يتفرد به، توبع عليه فارتفع ما يخشى من جهالته "وقد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم عقبة بن عبد الله الأصم ولا يلحقه بهذين ضعف" ما دام توبع وعرفه من عرفه، ابن معين وثقه، وعرف بهذا الحديث وغيره حديث آخر، وتوبع عليه، لا يلحقه ضعف بهذا، فالحديث صالح للحجة، وله ما يشهد له من الحديث السابق.

قال -رحمه الله-:

"وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى" يعني أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخرج النساء لحضور الفطر والأضحى "العواتق والحيض وذوات الخدور" العواتق اللواتي بلغن، أو قاربن البلوغ، والحيض المكلفات اللواتي أصابهن الحيض، وذوات الخدور البنات اللواتي لا يبرزن للناس، وهذه هي الصفة المعروفة على مر العصور والدهور، حتى أخرجت المرأة والبنت من خدرها، وصارت تزاحم الرجال، وقل حياؤها، وإلا كن النساء في خدروهن، والبنت قبل أن تتزوج لا ترى، وكان -عليه الصلاة والسلام- أشد حياء من العذراء في خدرها، لأن يضرب بها المثل؛ لأنها لا ترى، وكان الناس إلى وقت قريب يعرفون أن عند الجيران بنت، يسمعون من النساء ومن الأقارب أن عند آل فلان بنت، لا يدرون كم عمرها، فضلاً عن يعرفوا شيئاً من أوصافها، وقد يتزوج الولد ببنت جيرانه أو ببنت أقاربه وهو لا يعرف عنها شيء، لا سيما وقد تعارف الناس على المبالغة في هذا الباب؛ لأنه لا سيما الخاطب له أن ينظر بأمره -عليه الصلاة والسلام-، فالناس كانوا لا يمكنون الخاطب من النظر إلى وقت قريب، لا يمكنونه من النظر؛ لكن هل الأمر بالنظر على سبيل الوجوب والإلزام أو أنه أمر بعد حظر يكون للإباحة؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر جابر أن ينظر إليها ((فإنه أحرى أن يؤدم بينكم)) ((انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً)) على كل حال هذا يحقق المصلحة، لا سيما إذا كان الخاطب رجل ثقة عاقل، فمثل هذا السنة أن يمكن من النظر.

ذوات الخدور اللواتي لا يبرزن لأحد يؤمرن بالخروج إلى صلاة العيد، فضلاً عن غيرهن، فضلاً عن كبار السن عن العجائز، الكل يخرج لصلاة العيد؛ لأنها مناسبة عظيمة في الإسلام، ينبغي أن يهتم بها المسلم، "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي بعض الروايات: "أمرنا" ومعلوم أن الصحابي إذا قال: أمرنا أو نهينا فإنه لا يقصد بذلك إلا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ونهيه، وحينئذٍ يكون له حكم الرفع، ولو لم يصرح بالآمر.

قول الصحابي من السنة أو
بعد النبي قاله بأعصرِ
 

 

نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
على الصحيح وهو قول الأكثرِ

أما إذا صرح الصحابي كما هنا: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مجمع على أنه مرفوع مضاف إليه للتصريح به -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل هو بمثابة افعلوا، اخرجوا العواتق؟ الجمهور نعم، وذهب بعضهم إلى أنه لا يعني الأمر ولا النهي حتى ينقل اللفظ النبوي، ولكن هذا القول ليس بصحيح، بل قول باطل.

قال: "فأما الحيض فيعتزلن المصلى" لأنه ليس للحائض أن تدخل المسجد، وليس للجنب أن يدخل المسجد إلا مروراً، عابر سبيل، فليس للحائض أن تحضر المساجد، ومنها مصلى العيد "فأما الحيض فيعتزلن المصلى" لأنه ليس لها أن تبقى في المسجد وفي حكمه مصلى العيد، لا سيما إذا كان معروفاً بحدوده، ويصلي فيه العيد باطراد، فإنه يكون له حكم المسجد، يعتزلن الصلاة، وفي بعض الروايات: "يعتزلن المصلى".

"ويشهدن الخير" يسمعن الخطبة والموعظة وما يوجه من قبل الإمام "ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين" مما يدل على أن الخطب تشتمل على الدعاء، يدعو الخطيب، ويؤمن عليها، ويستوي بذلك خطبة الجمعة وخطبة العيد، وغيرها من الخطب.

"قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب" فكيف تخرج ولا جلباب لها؟ "قال: ((تلبسها أختها من جلبابها))" يعني إذا كان عندها قدر زائد من الجلابيب فإنها تعيرها جلباباً تحضر به صلاة العيد ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) وهكذا كان المسلمون يتعاونون على أمور دينهم ودنياهم، ولا يتصور أن كل إنسان عنده ما يلبسه ويتجمل به ويخرج، قد تكون المرأة ليس عندها ما يكفي لستر بدنها فتخرج إلى الصلاة أو غيرها كما في هذا الحديث، لكن التعاون على البر والتقوى هو المطلوب.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم"

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه" صلاة الجمعة بعد الخطبة بالإجماع، يخطب ثم يصلي؛ لأن الخطبة لصلاة الجمعة شرط، والأصل في الشرط أن يتقدم المشروط، وأما في العيدين فالخطبة ليست بشرط، بل حضورها سنة، وجاء في التشديد بالنسبة لخطبة الجمعة ما جاء، لكن خطبة العيد: ((إنا نخطب فمن أحب أن يجلس فليجلس، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف)) فأمر الخطبة في صلاة العيد أقل، وليست بشرط اتفاقاً، فموقعها بعد الصلاة؛ لئلا يحبس من لا يريد سماع الخطبة؛ لأنه ما دام جاء التخيير فلا داعي إلى أن يحبس الناس، قد يقول قائل: إنه تكون الخطبة قبل، والذي لا يريد أن يحضر لا يبكر، يخشى أن تفوته صلاة العيد إذا قيل بمثل هذا، فيضمن الصلاة ثم يصلي، فإن أراد أن يجلس يجلس، وإن أراد أن ينصرف فلينصرف.

وصلاة العيد حكمها مختلف فيه بين أهل العلم، فعند الحنابلة فرض كفاية، وعند الشافعية والمالكية سنة مؤكدة، ويرى الحنفية وجوبها عيناً، وجوبها على الأعيان، فإذا أمر بها النساء فمن باب أولى أن تتأكد وتجب في حق الرجال، الحنابلة يقولون: فرض كفاية؛ لأنها شعار تسقط بقيام البعض كالجهاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على صلاة العيد، وواظب عليها خلفاؤه من بعده، وأمر العواتق والحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى، فالقول بالوجوب متجه، وهو ما يرجحه شيخ الإسلام، وعلى هذا من تعمد ترك صلاة العيد يأثم، لكن ليست هي بمثابة الصلوات الخمس، ومن فاتته صلاة العيد من قال بوجوبها يقضيها، والذي لا يقول بوجوبها لا يلزمه قضاؤها، يقضيها الأصل أن تقضى على صفتها، وجمع من أهل العلم يقولون: يقضيها أربع ركعات، ما يقضيها ركعتين يقضيها أربعاً كالجمعة إذا فاتت تقضى أربعاً، لكن الأصل أن القضاء يحكي الأداء، فتقضى على صفتها.

"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" فهذه هي السنة، ومن قدم الخطبة على الصلاة فقد خالف السنة، وحصل في الصدر الأول تقديم الخطبة على الصلاة، وحصل الإنكار من بعض الصحابة على الخطيب وهو على المنبر، ويختلفون في أول من قدم الخطبة على الصلاة، فبعضهم يقول: عثمان، وبعضهم يقول: معاوية، وبعضهم يقول: مروان، وعلى كل حال هديه -عليه الصلاة والسلام- وهدي أبي بكر وعمر أنهم يصلون قبل الخطبة.

"متفق عليه".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين" وهذا إجماع، أن صلاة الفطر والأضحى صلاة العيد ركعتان.

"لم يصل قبلها ولا بعدها" معلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، وإذا دخل المصلى انشغل بالصلاة كالجمعة إذا دخل لم يصل قبلها إنما ينشغل بالخطبة، فكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلها لا يعني أنه بصفته إمام يقتدي به غير الأئمة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة للجميع {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] ولا أسوة ولا قدوة لنا إلا به -عليه الصلاة والسلام-، لكن يبقى أنه قد يفعل الفعل باعتباره واحد من المسلمين، وقد يفعل الفعل باعتباره إمام في الصلاة، وقد يفعل الفعل باعتباره الإمام الأعظم، وكلٌ يقتدي به بكل اعتبار فيما يخصه في إمامة الصلاة يقتدي به الأئمة، في الإمامة العظمى يقتدي به الأئمة السلاطين، في سائر أموره يقتدي به عموم المسلمين، مما يوضح هذا ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) ((فإذا قال -يعني الإمام-: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يقول: سمع الله لمن حمده، وثبت عنه أن يقول: ربنا ولك الحمد، ما الذي يخص الإمام من الجملتين؟

طالب:......

نعم سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها، لكن ما الذي يخص المأموم؟ الجملة الثانية لأنه قال: إذا قال فقولوا، فإذا قال: سمع الله لمن حمده مع أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها، لكنه يقولها باعتباره إماماً، فالذي للمأموم مما يقتدى به -عليه الصلاة والسلام- ما يخصه، فالمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وإن قالها النبي -عليه الصلاة والسلام-، والشافعية يقولون: يجمع بينهما كل مصلٍ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قالها وهو القدوة، لكن قالها باعتباره إمام، ويفسره حديث: "فإذا قال فقولوا" ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)).

"لم يصل قبلها" لم يصل قبل صلاة العيد لأنه انشغل بالصلاة، لم يصل قبل صلاة الجمعة لأنه انشغل بالخطبة وهكذا الأئمة، لكن إذا تقدم المأموم قبل الإمام لا سيما إذا كانت الصلاة في المسجد فهل نقول: لا يصلي باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلها ولا بعدها؟ وقال بهذا جمع من أهل العلم، أو نقول: يصلي؛ لحديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في المصلى الذي لا يأخذ جميع أحكام المسجد الأمر أسهل، لكن في المسجد الذي أمرنا أن لا نجلس حتى نصلي ركعتين، لا شك أن الأمر أقوى من مجرد الترك منه -عليه الصلاة والسلام-، الذي يحتمل أنه ترك ذلك لكونه إماماً، وانشغل بالصلاة.

"لم يصل قبلها ولا بعدها" يعني في مكان المصلى وإلا فقد ثبت أنه على ما سيأتي أنه يصلي إذا رجع إلى منزله ركعتين.

قال: "لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة" خطب الرجال بما يناسبهم ويليق بهم، وبما يشملهم ويشمل غيرهم من النساء، لكنه خص النساء؛ لأنه رأى النساء أكثر أهل النار بالعلل التي ذكرها، بم يا رسول الله؟ قال: ((يكثرن اللعن، ويكفرن العشير)) ثم حثهن على الصدقة ((والصدقة تطفئ غضب الرب)).

"فجعلن يلقين -تلقي المرأة- خرصها" حلقة من الذهب أو الفضة تعلق في الأذن "وسخابها" القلائد تلقي من غير أذن زوجها، هل في مجال للاستئذان؟ تذهب المرأة إلى زوجها وتستأذن وترجع وتلقي؟ يعني ظاهر النص أنها تلقي بمجرد ما سمعت الموعظة، هذه مسألة مهمة جداً، يعني يحتاج إليها في هذا الزمن الذي كثر فيه الكلام عن حقوق المرأة، هي تلقي بغير إذن، فمنهم من خص ذلك بالشيء اليسير، وقد جاء في سنن أبي داود ما يدل على أن المرأة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها، ولا بالصدقة، لكن إذا أردنا أن نرجح فما في الصحيحين أرجح مما في سنن أبي داود، وإذا حملنا هذا على الشيء اليسير كما قال بعض أهل العلم ويبقى الشيء المؤثر لا بد أن يستأذن فيه الزوج، وعلى كل حال المرأة مكلفة وحقوقها كاملة، وضمنها لها الشرع، فتتصرف إذا كانت حرة رشيدة تحسن التصرف في المال وإلا لزم الحجر عليها كالرجال.

وعنده "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها".

"وعن عبد الله بن محمد بن عقيل" وفيه كلام لأهل العلم من جهة حفظه "عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" رواه ابن ماجه، وابن عقيل مختلف فيه" ومع الاختلاف فيه لا يصل إلى حد يرد حديثه، لا سيما مع عدم المخالفة، فحديثه حسن؛ لأنه لم يبلغ مرتبة من يصحح حديثه، وليس فيه حديثه ما يرد من أجله "لا يصلي قبل العيد شيئاً" ولا بعدها في مكانها، لكن إذا رجع إلى منزله صلى ركعتين هما ركعتا الضحى، وقد جاء الحث عليهما، وتقدم الكلام فيهما.

"رواه ابن ماجه"

يعني بعض الناس يحرص أن يجلس في المسجد حتى ترتفع الشمس ويصلي الركعتين، تعرضاً لما وعد الله به على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- من فعل هذا الفعل ثم بعد ذلك مجرد ما ترتفع الشمس ويزول وينتهي وقت النهي يصلي ركعتين خفيفتين ويلحق بصلاة العيد، يعني الفطر يدرك، لكن الأضحى قد يفوته شيء منها؛ لأنه يبادر بها، وعلى كل حال إذا خشي من فوات صلاة العيد لا ينتظر إلى حد ترتفع فيه الشمس يصلي ركعتين يلحق بهم، يصلي العيد وإذا رجع إلى منزله يصلي هاتين الركعتين.

"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة" عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مضى الخلاف فيه مراراً، وأن حديثه إذا صح السند إليه لا ينزل عن درجة الحسن؛ لأن سبب الخلاف في عود الضمير في جده، هل يعود إلى عمرو فيكون الجد محمد؟ إذا عاد إلى عمرو فالجد شعيب، ويكون الحديث حينئذٍ مرسلاً، وإذا عاد إلى الأب الذي هو شعيب عاد الضمير إلى عبد الله بن عمرو، وقد جاء التصريح به في مواضع.

"عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو" وهذا ما رجحه أكثر أهل العلم أنه إذا صح السند إليه فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن؛ لأن الجد جاء التصريح به في بعض الطرق، وفي بعض الأحاديث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، يبقى النظر في سماع شعيب من جده عمرو، وأثبته جمع من أهل العلم؛ لأنه تربى في حجره.

"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى" يكبر سبع تكبيرات في الأولى "وخمس في الأخيرة" في الثانية، وهل من السبع تكبيرة الإحرام أو غير تكبيرة الإحرام؟ قالوا: بتكبيرة الإحرام؛ لأنه يمكن عدها، أما الخمس في الأخيرة قالوا: بدون تكبيرة الانتقال؛ لماذا؟ لأنه لا يمكن عدها، كبر سبع وهو قائم وكبر خمس وهو قائم، مثل السبع، وتكبيرة الإحرام تقال من قيام، وتكبيرة الانتقال تقال حال الانتقال، قبل أن يستتم القيام، فلا تعد من الخمس، ومنهم من قال: سبع دون تكبيرة الإحرام، فيكون المجموع ثمان، وخمس دون تكبيرة الانتقال فيكون المجموع ست، ومنهم من قال: سبع بتكبيرة الإحرام وخمس بتكبيرة الانتقال، لكن ما ذكر أولاً هو المرجح، ومنهم من يقول: ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية، ومنهم من يقول: أربع في الأولى وثلاث في الثانية، لكن حديث الباب حديث عمرو بن شعيب أقوى وأصح ما ورد في الباب، وأحرى ما ينبغي العمل به، فالمرجح أنه يكبر الإمام في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، سبع مع تكبيرات الإحرام، وخمس دون تكبيرة الانتقال، ويفصل بينهما بين هذه التكبيرات بسكوت، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، وإن ذكر الله بين هذه التكبيرات فقد جاء عن ابن مسعود غيره، ثم إذا فرغ من التكبيرات قرأ وتعوذ وبسمل وقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها، والقراءة، قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" على ما سيأتي في القراءة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الأخيرة.

"ولم يصل قبلها ولا بعدها" رواه أحمد، وهذا لفظه، وقال: أنا أذهب إلى هذا" يعني إلى هذا العدد سبع وخمس، يذهب إلى هذا؛ لأن حديث عمرو بن شعيب أصح ما ورد في الباب "ورواه أبو داود، ولفظه قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، والقراءة بعدهما كلتيهما))" يعني: بعد التكبير في الركعتين، وهذا قول جمهور أهل العلم، ويرى الحنفية أن التكبير في الأولى قبل القراءة، يعني:القراءة بعد التكبير في الأولى، وقبل التكبير في الثانية لتتوالى القراءتان، لكن هذا ليس عليه دليل، كما أنهم يقولون يكبر ثلاثاً ثلاثا، وهو مخالف لما جاء في هذا الحديث، والنص على أن القراءة بعد التكبير الزوائد، نعم؟

طالب:......

رفع اليدين سنة مثل تكبيرة الإحرام، ما ذكر لكن ثبت عن ابن عمر وغيره، نعم؟

طالب:......

هاه؟

طالب:......

لا، لا ما في ضعف، ابن عمر ثبت عنه الرفع هنا وفي الجنازة.

"ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث" صحح هذا الحديث، والصنعاني أنكر على الترمذي النقل عن البخاري، ويقول: إنه لم يذكر هذا في جامعه، فأين ذكره؟

قال: "وتبعه البيهقي على هذا" أنه نقل عن الترمذي، لكن الترمذي نقل عن البخاري هذا الكلام في العلل، أن البخاري قال: إن حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي صحيح.

"وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما -في الأضحى والفطر- بـ{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر] وتقدم أنه يقرأ في العيد بسبح والغاشية كالجمعة، وهنا في حديث أبي واقد: يقرأ فيهما، في الأضحى والفطر، في العيدين بـ{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر].

"رواه مسلم وأبو واقد اسمه الحارث بن عوف" فيسن للإمام أن يقرأ بهاتين السورتين أحياناً، ويقرأ أيضاً بسبح والغاشية أحياناً.

"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان يوم عيد خالف الطريق" رواه البخاري" في العيد يخالف الطريق، يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر؛ ليعدل -عليه الصلاة والسلام- بين المسلمين، فالمسلمون مشتاقون إلى رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، ومحتاجون إلى سؤاله، فإذا ذهب من طريق رجع من طريق، وهو أيضاً من باب تكثير الخطى إلى العبادات، ويحسب في الرجوع مثل ما يحسب في الذهاب إلى العبادة، كما جاء في صلاة الجمعة: ((ومشى ولم يركب)) هل مشى في الذهاب فقط؟ لا، حتى في الرجوع لم يركب؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: "أن رجلاً أراد أن يشتري حماراً للرجوع فقيل له: لا، إن الرجوع يعني حكمه حكم الذهاب" أو كما جاء في الخبر، بعضهم يقول: ما دام من أجل تكثير الخطوات والعدل بين الناس فالإمام ينبغي له أن يعدل بين الناس، ويذهب من طريق في كل عبادة، لو ذهب لصلاة العصر، ذهب لصلاة الظهر، ذهب فضلاً عن الجمعة التي يقيسها كثير من أهل العلم على العيد، وأنه يسن فيها ذلك، لكن النص إنما ورد في العيد.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتين تغنيان بغناء بعاث" الغناء معلوم أنه أداء الشعر بصوت حسن، فإذا سلم من اللفظ المحرم، وسلم من الآلة فلا مانع منه، لا سيما في أيام الأعياد "عندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث" وهو يوم من أيام الجاهلية.

"فاضطجع على الفراش وحول وجهه" لئلا ينظر إليهن "ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: "مزمار الشيطان عند النبي -عليه الصلاة والسلام-" المزمار من حمله على آلة الغناء استثنى يوم العيد مما جاء في منع المزامير، ومن قال: إنه يمكن أن يطلق تجوزاً على الصوت الحسن أنه مزمار، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي موسى: ((لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) أبو موسى يقرأ القرآن بالآلات؟! أوتي مزمار يعني صوت حسن يشبه المزمار، يؤثر كتأثير المزمار، على كل حال من قال: إن مزمار حقيقي استثنى استعمال المزمار من النصوص الواردة في منعه، ومن قال: إن المزمار المراد به الصوت الحسن المؤثر في السامع كتأثير المزمار قال: لا يجوز استعمال الآلة مطلقاً، وقد جاءت الأدلة بمنع المزامير على ما سيأتي في الحديث أول حديث في الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-، فأبو موسى الأشعري أوتي مزماراً من مزامير آل داود، والمراد به الصوت الحسن، وليس المراد به الآلة، وجاء المنع للمزامير جملة، وسيأتي في درس الغد -إن شاء الله- ما يوضح هذا.

"فأقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا" غفل أبو بكر يعني براً به مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر، فقال: ((دعهما)) وذكر العلة في بعض الأحاديث: ((ليعلم يهود أن في ديننا فسحة)) لا سيما في مثل هذا اليوم، مما يدل على أن سائر الأيام على المنع، قد يقول قائل: هذه جواري؟! نقول: جواري والجواري ليس حجابهن مثل حجاب الحرائر، ولا يوجد خلوة، ويذكر في تراجم بعض أهل العلم أنه اشترى جارية تغني له، وش المانع؟! جارية يرى منها ما شاء بملك اليمين، وتغني بصوت حسن بين يديه بدون آلة؛ لأن بعض الناس يطنطن حول هذه المسائل ليبيح ما حرم الله -جل وعلا- من المعازف والمزامير والغناء الذي عامة أهل العلم على تحريمه، فيمسك مثل هذه النصوص المشتبهة فيجعلها هي الأصل، ويترك النصوص التي فيها التأكيد والتشديد على منع المعازف والغناء، وما أشبه ذلك، وهناك كتب ألفت في الموضوع، ولابن القيم -رحمه الله تعالى- كلام كثير في الغناء وتأثيره في القلوب، وأنه ينبت النفاق في القلب -نسأل الله السلامة والعافية- وأنه قرآن الشيطان، الكلام في إغاثة اللهفان طويل، ولابن القيم مصنف خاص في السماع، ثم بعد ذلك استدرج الشيطان الناس فبدلاً من أن يغني لهم ويزعمون أن هذا أقل أحواله أنه مباح أدخله في عباداتهم، فصاروا يزاولون العبادات على الآلات والرقص والمزامير والموسيقى، ووجد في بعض عبادات من غلا من الصوفية يشبهون بذلك النصارى الذي يصلون صلواتهم على المعازف، ولبس الشيطان على هؤلاء بأن المعازف والأغاني ترق القلوب وتفعل، فأدخلها في عباداتهم ليرق قلبه أثناء العبادة، وأي ضلال فوق هذا؟! يرقصون ويزعمون أنهم يتقربون إلى الله -جل وعلا- بهذا، يعني ما اكتفوا بأن يزاولوه وهو محرم ويتوبون ويستغفرون كفساق المسلمين، جعلوه من المستحب، ثم أدخلوه في العبادات، وجعلوه مما يتعبد به إلى الله -جل وعلا- نسأل الله السلامة والعافية.

"فلا غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يعلب السودان بالدرق والحراب" يعني مما يتمرن به على الجهاد، يعلبون بالدرق والحراب من أجل أن إعداد العدة للعدو، يتمرنون بذلك، كما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- من المسابقة والمصارعة، وغير ذلك مما يعين على الجهاد.

"فإما سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نسيت هل سألت الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو هو بادر "قال: ((تشتهين تنظرين؟)) فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده -عليه الصلاة والسلام-" وهم لا يرونها، يعني هي تنظر إليهم من بعد، إما من بيتها، أو من ناحية في المسجد "وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة))" يعني استمروا من أجل أن تنظر عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، قد يقول قائل: إن هي من وراءه -عليه الصلاة والسلام- لا يرونها بلا إشكال، لكن هل تراهم؟ نعم تراهم، على أن لا تحدد المرأة في وجه الرجل، يجب عليها أن تغض بصرها، أما أن ترى مجموعة من الناس إما خارجين من مسجد أو في سوق أو ما أشبه ذلك لا أحد يأمرها بأن تغمض عينيها، عليها أن تغض بصرها، كما أن الرجل يجب عليه أن يغض بصره عن النساء.

"وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) حتى إذا مللت" ملت من النظر وملت من القيام "قال: ((حسبكِ؟)) قلت: نعم" يعني يكفيك ما نظرتِ إليه "قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) متفق عليه" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل مع عائشة -رضي الله عنها- لصغر سنها ما لا يفعله مع غيرها من أمهات المؤمنين الذين يكبرنها في السن، فينبغي أن يعمل كل إنسان بما يليق به، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نعيد نكرر ما قلناه في أول الدرس أن درس الغد -إن شاء الله- نستكمل فيه ما يُمنع لبسه أو يكره، يعني كتاب اللباس، والذي يليه بعد غد، ابتداء من الساعة السادسة صباح الخميس، في هذا المكان نكمل ما يتعلق بالكسوف والاستسقاء، ونكون بهذا أنجزنا إلى كتاب الجنائز، وفي الأسبوع الثاني من شعبان -إن شاء الله تعالى- في الثلاثة الأسابيع الأخيرة من شعبان نبدأ بكتاب الجنائز في الحرم -إن شاء الله تعالى-، ونكون بذلك...

طالب:......

العصر، بالنسبة للحرم العصر، وبعد غد الخميس هنا في الساعة السادسة صباحاً بعد ارتفاع الشمس.

طالب: موقع الكرسي يا شيخ؟

والله إلى الآن، لكن المتوقع اللي قدام التوسعة، قدام التوسعة اللي فيه الشيخ العروسي، هذا الأصل، فإذا حصل تغيير سهل يعني.

طالب: السلام عليكم، قول ابن حزم ذكرتم...... إذا أخر فرض.... إذا خرج؟

إيه، نقل الإجماع على هذا.

طالب: الإجماع على أنه كافر؟!

على أنه يكفر ولا يقضي، لكن منقوض.

طالب: منقوض الإجماع.

إيه إجماع ثاني أنه لا يكفر بفرض واحد وإنه يقضيه.

طالب: يا شيخ الصحابة متى بلغهم الخبر أنهم رأوا الهلال... هل في النهار أو بعد الزوال؟

أكيد بعد الزوال.

طالب: بعد الزوال، ما بينت الرواية...

المقصود أنه بعد خروج وقتها.

طالب: من خطب قبل صلاة العيد هل ابتدع؟

العيد؟

طالب: نعم.

خالف السنة...

"