كتاب بدء الوحي (078)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يسأل يقول: هل يراجع الشرح الممتع على ما ندرسه بالجامعة؟ وهل ينفعنا في الدليل والتعليل أم الكافي؟

الكافي للموفق ابن قدامة ثالث كتب السلسلة المباركة بعد العمدة والمقنع وضع الكافي، ثم ختم بالمغني، وهو كتاب من أنفع الكتب الفقهية؛ لعنايته بالدليل، يذكر الروايات بأدلتها لكن الشرح الممتع على اسمه ممتع وماتع، وفيه تحريرات لكثير من المسائل، فهو نافع جدًّا لطالب العلم، ويصلح أن يُقرأ هذا الكتاب مع جميع كتب الفقه، يصلح شرحًا للعمدة، وللزاد وللمقنع ولدليل الطالب، يصلح شرحًا لجميع المتون، فيُقرأ معها، وفيه فوائد عظيمة، للشيخ -رحمة الله عليه- طريقته في التعليم والتدريس تختلف عن طريقة كثير من الشيوخ، الشيخ يُعنى بدرسه ويحضر الدرس تحضيرًا جيدًا، ثم يلقيه إلقاء من هضم المادة؛ لأنك تسمع بعض الدروس قد يُراجَع الشيخ عليها شيء من المراجع، وتكون له عناية، يهتم به، لكن ما يهتم مثل اهتمام الشيخ؛ لأن التصوير الدقيق ناتج عن تصور دقيق، وبعض الشيوخ إذا درّس أو كتب فإنما هو صورة لما كتبه المتقدمون، صورة لما كتبه المتقدمون، قد يكون فاهمًا لما قرأ وراجع وحضّر المتن الذي يشرحه، لكنه يكرر عبارات المتقدمين.

وهذا بحد ذاته طيب يُربى عليه طالب العلم، لكن مع ذلك طالب العلم مع حاجته إلى أساليب المتقدمين يحتاج إلى توضيح هذه الأساليب، يحتاج إلى توضيح هذه الأساليب ويحتاج إلى الإكثار من ضرب الأمثلة، والأشباه والنظائر؛ لتتولد لديه الملكة الفقهية، والقدرة على الاستنباط.

 فالشيخ -رحمة الله عليه- ذلل هذا الكتاب، وفيه بعض المسائل التي أشكلت على كثير من طلاب العلم، ولم يجدوا لها حلاًّ في الشروح والحواشي حلّها الشيخ -رحمة الله عليه- بطريقته، فينتفع منه طلاب العلم على جميع المستويات، حتى الطالب غير المتخصص في العلم الشرعي يستفيد من هذا الكتاب؛ لأنك تقرأ الكتاب تقرأ للشيخ كأنك تسمع الشيخ يتكلم، كأن الشيخ يتكلم أمامك؛ لأن هذه الكتب مُفرغة من أشرطةٍ تشتمل على كلام الشيخ، فوصيتي لطلاب العلم أن ينتفعوا بكتب الشيخ؛ لأن أسلوبه وطريقته مع الوضوح التام في التصوير، تصوير المسائل والعناية ببيان مآخذها من الأدلة الكتاب والسُّنة والإجماع والقياس، يعنى بذلك عناية فائقة.

يقول: هل من المنهجية أن يجعل طالب العلم لكل يوم درسًا؟ كل يوم له درس، ويضغط دروس المسجد مع الجامعة؟

كيف يجعل له كل يوم درسًا؟ يعني غير دروس المسجد مع الجامعة؟ لأنه قال في النهاية: ويضغط دروس المسجد مع الجامعة، السؤال غير واضح، إن أمكن توضيحه أجبنا عليه. واضح لكم السؤال؟

 يقول: هل من المنهجية أن يجعل طالب العلم كل يوم له درس ويضغط دروس المسجد مع الجامعة؟

طالب:...

نعم، طيب دروس المسجد وما دروس المسجد مع الجامعة؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

طيب، وكل يوم درس غيرها...

طالب:...

يعني كل يوم يدرس فنًّا من الفنون؟ ما أدري. على كل حال إذا كان موجودًا ووضح جيد، هذا يقول: هل من لقاء توضح فيه كيفية دراسة كتب الجامعة فقط؟

كتب الجامعة تتغير، والمقررات تتبدل، والأساتذة المناهج خاضعة للأساتذة، والأساتذة كل له منهجه وطريقته. فاختلفت الأحوال، يعني على وقتنا كانت الدراسة في الجامعة مركزة، الدراسة تسعة أشهر متواصلة، ما فيها إجازات، وستة أيام في الأسبوع حتى الخميس فيه دراسة، والمحاضرة ساعة كاملة، فإذا انتهت السنة، فإذا بالطالب معه مجلد كامل من فتح القدير كله مر عليه، ومجلد كامل من الروض المربع، ومجلد كامل من سبل السلام، ومجلد كامل من أوضح المسالك، وهكذا، مع علوم أخرى لا ذكر لها الآن، يعني من أنفع الكتب التي درسناها في الجامعة وهي لا توجد الآن مقدمة ابن خلدون، انقرضت من أزمان، درستوها يا شيخ محمد؟

طالب:...

حتى على وقتكم؟ يبدو بعدنا انتهت.

طالب:...

لا لا، أنتم بعدنا بسنتين الظاهر، تخرجت سبعة وتسعين وأربعمائة.

طالب:...

نعم.

طالب:...

علم الاجتماع وعلم النفس موجود، والعلوم الأخرى كلها موجودة، لكن لا أثر لها على العلم الشرعي، العلم الشرعي نصيبه وافر، لكن الخلل الذي دخل التعليم فيما بعد هو التفتيت هو التفتيت إجازات، ويذهب من أول المحاضرة شيء، ومن آخرها أشياء، وكثرة الطلاب الذين يتخلفون، والطلاب الذين يستأذنون هذا يشوشون على الدرس، فإذا انتهى الفصل فإذا معهم مذكرة ثلاثون أو أربعون صفحة، ما تبني طالب علم.

يقول: وهل من لقاء لطلاب الجامعة الإسلامية؛ لتبين فيه كيفية دراسة متونها؟ نرجو ذلك قريبًا؟

لنا لقاءات مرتبة في الجامعة، لكن نحتاج إلى أن نطلع إلى الخطة كاملة، مع أنهم قد يتثاقلون مثل هذا؛ لأن الأساتذة لهم الحرية المطلقة في كيفية تطبيق المنهج، وقد يقال كلام يُظن أنه تدخل في شؤونهم، لكن لو طلب هذا ما عندنا إشكال، إن شاء الله تعالى.

يقول: ماذا يفعل من دخل الجامعة وليس معه شيء من النحو، وقد ربيتمونا على أن المبتدئ لا يبدأ إلا بالمختصر وألفية ابن مالك من المطولات؟

نعم، قد يكون نوع من العبث أن يبدأ الطالب المبتدئ بكتب المتقدمين، المنتهين، هذا يشق عليه مشقة عظيمة أن يبدأ بألفية ابن مالك من أول الأمر، وما عنده أساس يبني عليه ويعتمد عليه، الجادة على أن طالب العلم المبتدئ يبدأ بالآجرومية، ثم القطر، ثم الألفية، هذه الجادة عندنا في بلادنا، وهناك بلدان أخرى لها عناية بكافية ابن الحاجب وملحة الحريري، وهذان الكتابان من أنفع الكتب لطالب العلم، وهي مخدومة خدمة طيبة جدًّا، يعني لا يشكل فيها شيء على طالب العلم، لكن إن ابتدأ بالآجرومية فهي متن متين مبارك، مشى ودرج عليه أهل العلم وأفادوا منه.

يقول: أرجو توضيح عدم جواز دعاء الصفة، وما الفرق بينه وبين التوسل بأسماء الله وصفاته؟

 أولًا دعاء الصفة الذي ذكر شيخ الإسلام الإجماع على أن شأنه خطير جدًّا هذا إذا كانت الصفة لذاتها، وقد يكون الأسلوب في الظاهر أنه نداء للصفة، لكنه في حقيقة الأمر أن المنادى مُقدر إذا قلت: يا رحمة الله على فلان، يا رحمة الله على فلان، كما لو قلت: يا لعنة الله على فلان، كأنك تقول: يا قومي رحمة الله على فلان، ويا قوم لعنة الله على فلان؛ لأن السياق يبين المراد، والعلماء يبينون أنه إذا كان المنادى لا يمكن أن يتجه إليه النداء فلا بد من التقدير، وإذا أردت أن تتوسل بأسماء الله وصفاته فأنت تدعو الله -جل وعلا-، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، لا مانع، توسل بالأسماء الحسنى والصفات لا شيء فيه، لكن إذا كنت تدعو هذه الصفة متصورًا انفكاكها عن الله -جل وعلا- فقد دعوت غير الله -جل وعلا-، وهذا الذي يُقصد حينما يقال: إن دعاء الصفة نوع من الشرك.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني هل هناك فرق بين الاستغاثة والدعاء؟

طالب:...

السؤال جاء مرارًا يقول: وجدت لك صورة في إحدى الجرائد، فهل ترى جواز التصوير؟

لا أرى جوازه، ولا أرضى بهذا التصوير، لكنهم يتحينون الفرص، فإذا وجدوا صورة في مناسبة ما رضيت بها، ولا شعرت بها، وضعوها في الجرائد، لكن هذا لا يعني أني راضٍ بهذا، والقول ما زلت أكرر وأقول: إن التصوير حرام بجميع صوره وأشكاله وآلاته.

 يقول: قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هل لا بد أن تكون المفسدة متحققةً أو يكفي احتمالها؟ مثاله شخص يطبق سنة الاحتكال؟

لعلها الاكتحال.

طالب:...

فقال له شخص: لا تضع؛ لأنك تسبب فتنة، فقال: ما هو الدليل؟ فذكر هذه القاعدة وقال: المفسدة محتملة، فسكت الآخر، يعني هو يتجمل بالاكتحال، بحيث يفتنن به النساء، الآن هذه القاعدة يعني مسلمة عند أهل العلم، لكن هل هي على إطلاقها؟ طيب إذا كانت المفسدة مغمورة في جانب المصلحة؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

نعم. إذا كانت المصلحة محضة فهذا لا إشكال، وإن كانت المفسدة محضة فكذلك، إذا كانت المصلحة راجحة أو المفسدة راجحة فالحكم للراجح، الآن من وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله، فوصل الصفّ مصلحة، وقطع الصف مفسدة، صح أم لا؟ إذا تقدمت من الصف الثاني إلى الأول وجدت فرجة وتقدمت وصلت صفًّا وحققت المصلحة، وقطعت صفًّا وحققت المفسدة، فهل تستمر في مكانك أو تصِل؟

طالب:...

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

طالب:....

على كل حال، أنت قطعت وصلت صح مصلحة، لكن قطعت فوجدت مفسدة، وما كان من نقص ففي الصف المؤخر، لا يمنع أن يكون النقص في الصف المؤخر، نأتي إلى المثال الذي ذكره وهو الاكتحال الاكتحال نعم إذا كان يسبب مفسدة، بحيث يفتتن به، فلا يُفعل، كما أن الشعر الذي السُّنَّة في إطالته، فإذا كان يسبب فتنة فإنه يُحلق، كما فعل عمر -رضي الله تعالى عنه-.

طالب:...

وقوع المفسدة المتحققة مفسدة عظمى مظنونة، ومفسدة دونها بكثير، لكنها مُحققة، أيهما أولى؟ أيهما المقدَّم؟ وهذه مسألة عملية يتذرع بها كثير من المسؤولين إذا نوقش عن إقرار عمل مخالف فيما وُلي عليه قال: أنتم ما تدرون، نحن ندفع مفسدة عظمى، نرتكب مفسدة صحيح، لكنها مفسدة خفيفة ويسيرة بالنسبة لما درأناه، لكن هذه المفسدة التي ارتكبها محققة، والمفسدة التي درأها مظنونة، وفي قصة موسى مع الخضر قتل شخص واحد، لكنه مُحقق، وخرق السفينة وفيها العدد الكثير من الناس، لتغرق أهلها، هذا مظنون، أيهما أشد؟ قتل الغلام نكرًا، وخرق السفينة إمرًا، من أهل العلم من قال: إن خرق السفينة أعظم؛ لأنه يترتب عليه ضرر أكبر، وإن كان مظنونًا، وهذا يصلح حجة لما يقولون، لكن في الحديث الصحيح لما قتل الغلام قال: «وهذه أشد»، فدلّ على أن المفسدة المحققة أشد من المفسدة المظنونة، وإن كانت أعظم منها، ويبقى أن الظن يتفاوت الظن يتفاوت، ويبقى أن بعض المفاسد التي تغتفر في جانب المصالح الكبرى أمر مقرر في الشرع، فكل مسألة ينظر إليها بحسبها.

يقول: عندي -ولله الحمد- همة على حفظ المتون الجامعة، المتون الجامعة الزاد الذي الروض شرحه، وبلوغ المرام الذي السبل شرحه، وألفية ابن مالك، والطحاوية، هذه المتون التي والتدمرية وغيرها من المتون، وروضة الناظر، هذه إذا حفظها طالب العلم يستفيد فائدة عظيمة، وإذا راجع عليها الشروح وحضر الدروس لا شك أنه يتأهل.

يقول: عندي همة -ولله الحمد- على حفظ المتون الجامعة، فكيف أجمع بينها مع كثرة هذه المتون؟ وهل طريقة حفظ النثر كالفقه والعقيدة كحفظ الشعر؟ وكيف أحفظ النثر؟

كيف أحفظ النثر؟ الطريقة التي رددناها في مناسبات كثيرة في كلام الشيخ عبد القادر بن بدران في المدخل يقول: إننا نجتمع مع بعض الإخوة مع الزملاء المتشابهين، الأقران في السن والحفظ والفهم، يتوافرون على قراءة المتن، ثم بعد ذلك يتصدى كل واحد منهم لشرحه قبل قراءة الشرح، قبل قراءة الشرح، ثم نجتمع لقراءة الشرح المقرر المؤلف من قِبل بعض أهل العلم، ونصحح ما عندنا من أخطاء، نصحح ما عندنا من أخطاء، ثم نقرأ عليه ما كُتب من حواشٍ، ثم نذهب إلى الشيخ؛ لنأخذ عنده ما زاد على ما فعلنا، هذه طريقة لمراجعة الدروس وتحضير الدروس طيبة، ونافعة.

 وذكر في تعليم المتعلِّم طريقة التعلم، ذكر أنه يحفظ القدر المناسب للحافظة، يقرر القدر المناسب للحافظة، والناس يتفاوتون، فمنهم من لا يستطيع حفظ سطر في اليوم، ومنهم من يستطيع حفظ الصفحة كاملة أو الصفحتين أو الثلاث، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، إذا قررت القدر المناسب لحافظتك فإنك تكرره حتى تحفظه، ولا مانع من كتابته؛ لأن الكتابة تُرسخ، وتعين على الحفظ، فإذا أتممت حفظه في هذا اليوم، ثم جئت في اليوم الثاني لتحفظ نصيب اليوم الثاني بقدر ما حفظته أو أكثر أو أقل؛ لأنك اختبرت حافظتك، إن كان حفظه عليك يسيرًا فأنت تزيد، وإن كان حفظه شاقًا عليك فأنت تنقص منه؛ لأن العلم إنما يؤخذ بالتدريج، تُراجع أو تكرر ما حفظته بالأمس خمس مرات، ثم تشرع في حفظ نصيب اليوم الجديد، فإذا حفظته ثم جئت في اليوم الثالث تكرر محفوظ اليوم الأول أربع مرات، كررته أمس كم؟ خمسًا، واليوم تكرره كم؟ أربعًا، ومحفوظ اليوم الثاني تكرره خمسًا، وفي اليوم الرابع تحفظ النصيب المقرر، وتكرر نصيب اليوم الأول ثلاث مرات، والثاني أربع مرات، والثالث خمس مرات، وهكذا.

 في اليوم الخامس ما تحتاج إلى تكرار النصيب الأول، نصيب اليوم الأول خلاص مضمون الآن على هذه الطريقة، في اليوم السادس ما تحتاج أن تراجع نصيب اليوم الثاني، والسابع وهكذا.

 هذه طريقة يقول: إنها مجربة ونافعة، وعلى كل حال واضح أنها نافعة.

يقول: من يختصر الصحيحين، هل الأولى أن يثبت إسناد وطرف الحديث المحذوف، ويشير إلى رقم ما أثبته، أم يحذف المكرر ولو من راوٍ آخر ولا يشير إليه؟

الاختصار المراد منه تقريب الأصل لطالب العلم؛ من أجل أن يحفظه، تقريب الأصل بنصف حجمه بثلث حجمه، بربع حجمه، من أجل أن يحفظه الطالب، فإذا جئنا إلى البخاري مثلاً فاختصاره يكون بحذف الأسانيد؛ لأن المختصرات لا تحتمل ذكر الأسانيد، وأيضًا هي أسانيد مضمونة جازت القنطرة، ومن احتاج إلى الأسانيد في المختصرات فليقرأ في الأصل مباشرة، يحذف الأسانيد، ويحذف المكرر، المكرر الاصطلاحي غير المكرر العرفي عند المختصرِين، المكرر الاصطلاحي إذا وجدت حديثين بلفظ واحد أحدهما عن صحابي، والثاني عن صحابي آخر لا تحذف على طريقة أهل الاصطلاح؛ لأن هذا حديث آخر، هذا حديث آخر، فلا يسوغ لك حذفه، لكن على طريقة المختصرين الذين تعارفوا على المختصرات أو الاختصار اختصار الكتب، وكتبهم موجودة تشهد بأنهم يحذفون مكرر المتن، ولو اختلف الصحابي؛ لأن الهدف عندهم أن يحفظ الكتاب، ولا فرق بين أن يكون اللفظ من رواية أبي هريرة أو من رواية ابن عمر، لا يعنيهم هذا، ما دام السند محذوفًا، فلا يعنيهم أن يختلف الصحابي أو يتحد. ولذا تجدون في مختصرات البخاري لا تزيد على ألفي حديث، مثل التجريد لا يزيد على الألفين.

لكن الذي قرره ابن حجر -رحمه الله- أن البخاري، أحاديث البخاري من غير تكرار ألفان وخمسمائة وحديثان، خمسمائة حديث ماذا صنع بها المختصِر؟ لأن ابن حجر يثبتها على أنها أحاديث، وإن كانت ألفاظها موجودة، لكن راويها مختلف، والزبيدي ما يهمه، وكذلك المختصرون لا يهمهم أن يكون الحديث من صحابي من حديث فلان أو فلان، هم ينظرون إلى المتن إلى اللفظ النبوي، فنجد هذا الفارق بما يقرب من خمسمائة حديث سببه هذا، هذا سببه.

 لا يقال: إن مختصر الزبيدي فيه خلل ترك خمسمائة حديث، ابن حجر يقول من غير تكرار ألفان وخمسمائة وحديثان، والذي في الزبيدي ألفا حديث، نقول: لا، هو على شرطه، وكذلك المختصرون الآخرون كلهم على هذا؛ لأنه ما معنى الاختصار؟ اختصار بحذف المكرر والاقتصار على ما لا يُستغنى عنه، ومكرر اللفظي يُستغنى عنه ولو اختلف راويه.

 يقول: ألا يشكل على قولنا: المفسدة المتحققة أشد من المظنونة ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- هدم الكعبة وهي محققة؛ للخوف من ارتداد قريش، وهي مظنونة؟

هذا مثل ما قلنا في الموازنة بين المفاسد، الموازنة بين المصالح والمفاسد، إذا كانت المصلحة أقل بكثير من المفسدة، ولو كانت المفسدة مظنونة، هذه لا شك أن التوازن لا بد منه، والموازنة وإلا ما من عملٍ إلا ويترتب على تحقيقه مصلحة، وفي مقابل ذلك مفسدة، إلا ما ندر، وقلنا: إن الذي يغلق محله للصلاة يحقق مصلحة عظمى، وهي أنه يؤدي هذا الركن العظيم مع جماعة المسلمين، لكن إغلاقه للمحل ما يترتب عليه مفسدة؟ يجيئ الزبائن ويرجعون، لكن هذه مفسدة لا قيمة لها في الشرع، يعني لا شيء، كأنها غير موجودة، غير ملتفت إليها.

طالب:...

في ماذا؟

طالب:...

يعني هو نظر إلى أنهم قد لا يرتدون. قد لا يرتدون نعم.

 يقول: ما أفضل طبعة للكافي الموجودة الآن؟

أنا اعتمادي في الكافي على طبعة المكتبة الإسلامية، مطبوع قديم في ثلاثة مجلدات، ثم صورت في أربعة مجلدات خُففت الصفحات، ثم طبع طبعات ثانية منها ما أشرف عليه الدكتور عبد الله التركي وهذه ما رجعت إليها، فيه طبعة ثانية بيروتية ما أدري.

طالب:...

طبعة بيروتية، ما أذكر هذا الآن.

 يقول: ما لبس الخاتم للرجال، ما حكم لبس الخاتم للرجال؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس الخاتم بعد أن قيل له: إن فارس لا يقرؤون إلا ما كان مختومًا، فمن أهل العلم من يرى أنه سُنة مطلقًا؛ اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يراه سُنة بالنسبة لمن كان في حال مثل حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، لمن يحتاجه للتوثيق، وأما من عداهم فيبقى على الإباحة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني تقول: إنه ما استعمله للختم فقط.

طالب:...

نعم، لكن مع ذلك أين يضعه؟ يعني لحفظه يضعه في أصبعه ويختم به إذا احتاجه.

 يقول: أشكل عليّ ما ذكره مُحقِّق كتاب عمدة الأحكام نظر الفريابي من أن صاحب العمدة اعتمد على الجمع بين الصحيحين للحميدي، وأن الأحاديث المثبتة قد يوجد في ألفاظها اختلاف عما في الصحيحين، فهل يحفظ طالب العلم العمدة مع ما قيل، أو يرجع إلى الأصول في الصحيحين ليحفظ منها؟

هذا القول قيل في كتب كثيرة، يعني مثل البيهقي، لا يعتمد على الأصول، وابن الأثير في جامع الأصول يأخذ من الجمع بين الصحيحين؛ لأنه يسرت لهم، ومع ذلك إذا عرضت حفظ كتابٍ فاحفظه بعُجَره وبجَره، بصوابه وخطئه، احفظه كله، ثم بعد ذلك أثناء حفظك تراجع الأصول وتعرف لفظ المتن الذي تحفظه، وتعرف الصواب في هذا اللفظ، وتحفظ التخريج، ولو أخطأ المُخرِّج، يعني لما تحفظ البلوغ ويعزوه الحافظ للنسائي وهو في الترمذي مثلاً وليس في النسائي تقول وأنت تقرأ الكتاب: كما وضعه مؤلفه، ثم تبين الصواب، وأصل هذا خلاف أهل العلم في رواية الخطأ في الكتب، منهم من يقول: تقرأ كما وضع، كما رُوِّيت تقرأ تُثبِت كما رُوِّيت، وتبين الصواب، ومنهم من يقول: تهجم على الكتاب وتصححه، لكن هذا قول لا شك أنه مرجوح؛ لأنك قد تهجم على شخص تراه على شيء، تراه خطأً وهو في الحقيقة صواب، اتركه كما هو؛ لأن ما لاح لك صوابه قد يلوح لغيرك.

 وكثيرًا ما نجد في الكتب المحققة تصحيحًا وتصويبًا ثم يقول: والذي في الأصل، كذا ثم يتبين أن الذي في الأصل هو الصحيح المتعيِّن، فكون طالب العلم أو من يتصدى لتحقيق وله كتب يهجم على كتب أهل العلم ويصحح ويعدل بقلمه، هذا منهج ومسلك غير مرضي، نأتي إلى ما تحققنا خطأه هذا حاشا ما في كلام الله -جل وعلا-، إذا وجدت في كتاب آية فيها خطأ تصححها مباشرة، لكن إذا وجدت في كتاب، وكم من شخص قرأ في الكتب وعدّل، فإذا باللفظ المُعدل جاء في رواية أخرى ما اطلع عليها.

 لعلنا نكتفي بهذا.

 اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.