كتاب الوضوء (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ: لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ: لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ" مراده بذلك أن الطهارة شرط لصحة الصلاة لا تصح إلا بها، وحديث الباب نص فيها كما أن الترجمة وهي لفظ حديثٍ عن ابن عمر وغيره في صحيح مسلم وفي غيره، أن عبد الله بن عمر زار ابن عامر في مرضه، فطلب منه ابن عمر النصيحة والموعظة، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ، وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ» يعني أنت تتصدق لكن هل تُقبل الصدقة وأنت توليت إمرة البصرة؟ والغالب أن من تولى مثل هذه الأعمال وليس عليه رقيب أنه قد يدخل عليه شيءٌ من بيت المال بقصدٍ أو بغير قصد، وهذا سماه ابن عمر غلولًا، نسأل الله العافية.
قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ" الإمام المعروف ابن راهويه.
"قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ" ابن همام الصنعاني.
"قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ" وهو ابن راشد.
"عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»"«لاَ تُقْبَلُ» نفي القبول يُطلق ويُراد به نفي الصحة، كما هنا ويُطلق ويُراد به نفي الثواب المرتَّب على العمل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].
لو قلنا: إن المراد نفي الصحة، لو قلنا: إن الفُساق لا يصح منهم عمل، ولا قائل بذلك من أهل العلم، بل الفساق إذا أتوا بأعمالهم المشتملة على الشروط والأركان والواجبات صحَّت، وأسقطت الطلب، وأجزأت، ولا يؤمرون بإعادتها قولاً واحدًا، ما أحد قال بأن الفاسق إذا جاء بصلاةٍ أو بصيامٍ أو زكاة أو غير ذلك مع توافر الشروط والأركان أنه يجب عليه إعادتها؛ لأن الله نفى القبول عنه وعن عباداته، لا قائل بذلك، وإنما يُراد بذلك نفي الثواب المرتب على هذه العبادة؛ لأنه يجتمع ثواب مأمور مع محظور الذي هو أيش؟
ارتكاب المعصية أو ترك الواجب المأمور به، هنا يتعارضان، فينتفي الثواب، فنفي القبول هنا المراد به نفي الثواب لا نفي الصحة، بخلاف «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ» «لَا يَقْبَلُ اَللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» هذا شرط «لا يَقْبَلُ اللهُ صلاةَ مَنْ في جَوْفِهِ خمر»، «لَا يَقْبَلُ اَللَّهُ صَلَاةَ عَبْدٍ أَبَقَ» هذه نفي الثواب؛ لأن الإباق والشرب لا علاقة لهم بالصلاة، هذا أمرٍ خارج.
ولذا يُقرر أهل العلم أنه إذا عاد النهي إلى أمرٍ خارج عن العبادة وشرطها، فإنه لا يؤثر، مَن صلى في عمامة حرير، أو صلى بخاتم ذهب، أو ما أشبه ذلك، فصلاته صحيحة، وإن كان آثمًا.
وأما إذا عاد النهي إلى ذات العبادة كالسجود إلى صنم أو لغير الله، هذا ما فيه شك أنه غير صحيح مع الإثم العظيم.
وإذا عاد إلى الشرط كما لو صلى وعليه سترة حرير ستر بها عورته المشترط سترها فإن صلاته حينئذٍ تكون غير صحيحة.
«لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ» الحدث فُسِّر في الحديث، فسره الراوي، وهو أعلم بما روى.
قال: "قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ" وهذه إشارة أو تنبيه إلى ما هو أشد من ذلك: كالبول، والغائط، والجماع وغير ذلك من الأحداث.
يقول الشارح –رحمه الله تعالى-: "قوله: "بَابٌ: لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ" هو بضم الطاء المهملة، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغُسل" المراد به رفع الحدث سواءً كان الأصغر أو الأكبر.
قال: "وهذه الترجمة لفظ حديثٍ رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وأبو داود وغيره من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وله طرقٌ كثيرة ليس فيها شيءٌ على شرط البخاري" ولذلك جعله في الترجمة، ما جعله في صلب الكتاب.
"فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة، وأورد في الباب ما يقوم مقامه" "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ" «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» بمعناه.
"قوله: "لاَ تُقْبَلُ" كذا في روايتنا بالضم على البناء لِما لم يُسم فاعله، وأخرجه المصنف في (ترك الحيل) عن إسحاق بن نصرٍ، وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ: (لا يقبل الله)" "لاَ تُقْبَلُ" معروف أنه حُذف الفاعل، وبُني الفعل للمجهول؛ للعلم به، فالقبول والرد من الله -جلَّ وعلا- كما في قوله: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، لماذا؟ حُذِف الفاعل للعلم به، وأحيانًا يُحذف للجهل به، كما في قولهم: سُرِق المتاع.
المقصود أن هذه من أهداف حذف الفاعل العلم به كما هنا، أو الجهل به أو غير ذلك.
"والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مُجزئةً رافعةً لما في الذمة" إذا أسقطت الطلب بحيث لا يؤمر بإعادتها، ولا يؤمر بها صارت مقبولة.
"ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عُبِّر عنه بالقبول مجازًا" "ولما كان الإتيان بشروطها" ومنها: الطهارة "مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عُبِّر عنه بالقبول مجازًا.
وأما القبول المنفي في مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أتى عَرَّافًا لم تقْبَل لَهُ صَلاةُ» فهو الحقيقي، الذي قد يصح العمل، ويتخلف القبول لمانع" الآن نفي القبول أو المراد به نفي الصحة؟
طالب: الصحة.
يقول: مجازي هذا، ونفي القبول المراد به نفي الثواب المرتب سماه حقيقة؛ لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، يعني مثل ما قلنا في الأمثلة التي ذكرناها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].
"ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تُقبل لي صلاةٌ واحدة أحب إليَّ من جميع الدنيا" هذا كلام ابن عمر- رضي الله عنه-.
"قاله ابن عمر، قال: لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]" هذا أمر يجعل قلب المسلم على وجل، يعني أنت هل تجزم بأنك حققت التقوى التي هي فعل جميع الأوامر، وترك جميع النواهي؟ هل أنت حققت هذا الشرط لتكون أعمالك مقبولةً؟ وإلا أنت تعمل ولا ثواب لك، وحسبك ألا تُطالب بالإعادة، والله المستعان.
ابن عمر الناسك المقتفي المؤتسي الزاهد يقول: "لأن تُقبل لي صلاةٌ واحدة أحب إليَّ من جميع الدنيا" نحن نأتي، وندخل المسجد، ونُصلي الصلاة وقد لا نعقل منها شيئًا ألبتة، ونزعم أننا حُزنا كل الثواب المرتب على هذه الصلاة، وابن عمر يقول: "لأن تُقبل لي صلاةٌ واحدة أحب إليَّ من جميع الدنيا" الإنسان قد يخرج من صلاته بالعُشر، عُشر الأجر، وبالربع وبالنصف، وقد يخرج ولا ثواب له عليها، والله المستعان.
طالب:..........
نعم.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
يبقى القدر الزائد على ذلك وهو الثواب.
طالب:.........
لا، هو على كلامه أن حمل القبول على الصحة مجاز، وحمله على الثواب فهو الحقيقة.
طالب:........
ماذا؟
طالب: .......
لأيش؟
طالب: .......
لا لا قد تكون الحقيقة القدر المطلوب من العمل وما زاد عليه... مثل من يصلي الصلاة المجزئة المسقطة للطلب في خمس دقائق مثلاً، وآخر يصليها في عشر دقائق، هذا يُسبِّح ثلاثًا، وهذا يُسبِّح عشرًا، أيهما الذي حقق حقيقة الصلاة؟ من أتى بالواجب منها، والقدر الزائد على ذلك يدخل في كلامه، ولا داعي لمثل كلامه، ما له داعٍ؛ لأن أصل القول بالحقيقة والمجاز مختلفٌ فيه، وأكثر أهل التحقيق على نفيه.
"قوله: «أَحْدَثَ» أي: وجِد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين، وإنما فسَّره أبو هريرة بأخص من ذلك؛ تنبيهًا بالأخف على الأغلظ؛ ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما، وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء: كمس الذكر، ولمس المرأة، والقيء ملء الفم، والحجامة، فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيءٍ منها" يعني الاقتصار على مثال أو مثالين لا يقتضي الحصر؛ لأنه قال: "مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ" من باب التمثيل، لا من باب الحصر.
"وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، وقيل: إن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذُكِر؛ لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بُعد.
واستُدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواءً كان خروجه اختياريًّا أم اضطراريًّا"؛ لأنه نُفي القبول ممن أحدث حتى يتوضأ، إذا وُجِد الحدث بطلت الصلاة، سواءً كان باختياره أو بغير اختياره.
طالب:........
يقع في الصلاة؟
طالب:........
ماذا؟
طالب: .......
قد يقع لسعة الثياب وما تحتها شيء، قد يقع، لكن ما هو مثل الحدث؛ لأن هذا قد يتحرز منه، وذاك لا يتحرز منه، الحدث قد يغلبه ويخرج، وقد يغفل ويخرج ولو لم يغلبه.
"وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة؛ لأن القبول انتفى إلى غاية" وهي «حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، فإذا وجِد الوضوء تحققت الغاية وترتب القبول وإن لم يتكرر.
"وما بعدها مخالف لما قبلها، فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا" والوضوء لكل صلاة ونسخه تقدم الكلام فيه.
"قوله: «يَتَوَضَّأَ» أي بالماء أو ما يقوم مقامه" يعني من التيمم.
"وقد روى النسائي بإسنادٍ قوي عن أبي ذر مرفوعًا «الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ»" يعني كالوضوء، وهو قائم مقامه، والبدل له حُكم المبدل.
"فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء؛ لكونه قام مقامه، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثًا فتوضأ أي: مع باقي شروط الصلاة" يعني هذه الغاية ليست وحدها، وإنما هي مما يُشترط للصلاة، وهناك شروط أخرى لا يأباها الحديث ولا ينفيها.
قال البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرُّ المُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِّرِ".
المجمر، بالتخفيف هذا واضح المجمِّر للتكثير التضعيف للتكثير، والأصل مجمِر.
"عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ قَالَ: رَقيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ".
رَقِيت.
"رَقِيت".
ما الفرق بين رَقِيت ورَقْيت؟
طالب:........
نعم.
"قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»".
قال –رحمه الله-: "بَابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرُّ المُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ" كونهم يُدعون غُرًّا محجلين من آثار الوضوء لا شك أن فيه دلالة على فضل الوضوء.
"وَالغُرُّ المُحَجَّلُونَ" الغرة تكون في الجبين، والتحجيل يكون في الأطراف في اليدين والرجلين "مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ".
قال: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" ابن سعد "عَنْ خَالِدٍ" الحذاء أو ابن يزيد قال: عن خالد وهو ابن يزيد الإسكندراني.
"عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ" وأبوه كذلك، أبو نعيم يُطلق عليه المجمِر؛ لأنهم كانوا يُبخرون المسجد، مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام- الأب والابن.
"قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ" مما يدل على جواز الوضوء في المسجد إذا لم يترتب عليه شيءٌ مما يُنزَّه عنه المسجد.
"فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ»" وهذا من خصائص هذه الأمة، خلافًا لمن قال: إن الوضوء كله من خصائصها، وقد ثبت الوضوء في الأمم السابقة، جريج دعا بماءٍ فتوضأ، وسارة امرأة إبراهيم توضأت لما دخلت على الظالم حينما دعاها.
على كل حال هذا ليس من خصائص الأمة، وإنما الخصيصة الغر والتحجيل.
«فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» الأكثر على أن هذا مدرج من كلام أبي هريرة، وأنه من كيسه، ومنهم من يقول: هو مرفوع، وجاءت فيه بعض الروايات، مما يدل على رفعه أيضًا.
قال: "قوله: "بَابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرُّ المُحَجَّلُونَ" كذا في أكثر الروايات بالرفع، وهو على سبيل الحكاية؛ لما ورد في بعض طرق الحديث «أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ» وهو عند مسلم أو الواو استئنافية، والغر المحجلون مبتدأ، وخبره محذوف تقديره لهم فضل، أو الخبر قوله: "من آثار الوضوء" وفي رواية المستملي (والغر المحجلين) بالعطف" على فضل باب فضل الوضوء مجرور بالإضافة، والغُر معطوفٌ عليه.
"وفي رواية المستملي: (والغرِّ المحجلين) بالعطف على الوضوء أي: وفضل الغر المحجلين، كما صرح به الأصيلي في روايته" ويجوز عطفه على فضل باب فضل الوضوء، وباب الغُر المحجلين ما فيه ما يمنع من ذلك.
"قوله: "عن خالد" هو ابن يزيد الإسكندراني أحد الفقهاء الثقات، وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران"؛ لأنهما من طبقةٍ واحدة.
"قوله: "عن نعيم المجمر" بضم أوله وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المدني، وصِف هو وأبوه بذلك؛ لكونهما كانا يبخران مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام- وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة، ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز" هذا نقله الكرماني عن النووي.
"وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة" يعني وصف الأب.
"ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز، وفيه نظر، فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيمًا كان يباشر ذلك" فيكون وصفه بذلك حقيقة.
"ورجال هذا الإسناد الستة نصفهم مصريون وهم: الليث، وشيخه، والراوي عنه، والنصف الآخر مدنيون.
"قوله "رَقِيت" بفتح الراء وكسر القاف أي: صعدت.
قوله: "فتوضأ" كذا لجمهور الرواة، وللكشميهني: يومًا بدل قوله: "فتوضأ" وهو تصحيف" ماذا يكون لفظ الحديث؟
طالب: رقيت ظهر المسجد يومًا فقال.
نعم، "رَقِيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد يومًا، فقال: إني سمعت" ما فيه توضأ، ولكنه تصحيف.
"وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ: توضأ، وزاد الإسماعيلي فيه فغسل وجهه ويديه، فرفع في عضديه" يعني أشرع في العضد، تعدى المرفق.
"وغسل رجليه فرفع في ساقيه" تعدى الكعبين.
"وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، ومن طريق عمارة بن غزية، عن نعيمٍ، وزاد في هذه أن أبا هريرة قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني توضأ حتى أشرع في العضد، كما في الحديث الآخر، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق.
"هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، فأفاد رفعه، وفيه ردٌّ على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة، بل من روايته ورأيه معًا.
قوله: «أُمَّتِي» أي: أمة الإجابة وهم المسلمون، وقد تطلق أمة محمد ويُراد بها أمة الدعوة وليست مرادة هنا" لأن الكافر لا ينال هذه الخصيصة، ولا يتوضأ، ولا يدخل في الحديث.
"قوله: «يُدْعَوْنَ» بضم أوله أي: يُنادون أو يُسمَّون.
قوله: «غُرًّا» بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي: ذو غُرةٍ، وأصل الغُرة لمعةٌ بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استُعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر" غرة، فلان غرة في جبين الدهر في بلده، وبين قومه وهكذا.
"والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وغُرًّا منصوبٌ على المفعولية ليدعون" يُدعون غرًّا.
"أو على الحال" وهذا أوضح.
"أو على الحال أي: أنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف، وكانوا على هذه الصفة.
قوله: «مُحَجَّلِينَ» بالمهملة والجيم من التحجيل وهو: بياضٌ يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال، والمراد به هنا أيضًا النور، واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة؛ وفيه نظر؛ لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة -رضي الله عنها-" زوج إبراهيم -عليه السلام-.
"مع الملك الذي أعطاها هاجر، أن سارة لما هَمَّ الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي" ومنهم من يضبطها بالتشديد سارّة.
"وفي قصة جريجٍ الراهب أيضًا أنه قام فتوضأ وصلى، ثم كلَّم الغلام، فالظاهر أن الذي اختُصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وقد صرَّح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضًا مرفوعًا، قال: «سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ» وله من حديث حذيفة نحوه، وسيما بكسر المهملة وإسكان الياء الأخيرة أي: علامة".
طالب: .......
لكن الله شرَّف هذه الأمة، وفضَّلها على كثيرٍ من الأمم، هذا من خصائص من هذه الأمة.
طالب:.........
يعني إلى المرفقين وإلى الكعبين هذا الواجب.
طالب: والأمم السابقة؟
ما ندري، ما أدري عندك خبر من ذلك؟ توضأنا مثله؟ ما بلغنا شيء منه.
"وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث «هَذَا وُضُوئِي، وَوُضُوءُ الأنبياءِ قَبْلِي»" مثل وضوئنا صار.
"وهو حديثٌ ضعيف، كما تقدم لا يصح الاحتجاج به؛ لضعفه؛ ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة" ليس من خصائص الأنبياء، جريج ليس بنبي، وسارة ليست بنبية، كلهم توضؤوا.
"قوله: «مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ» بضم الواو ويجوز فتحها على أنه الماء، قاله ابن دقيق العيد" من آثار الوَضوء الماء الذي أزال الوسخ عن البدن.
"قوله: «فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» أي: فليطل الغرة والتحجيل، واقتصر على إحداهما؛ لدلالتها على الأخرى نحو {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:81]" يعني والبرد.
"واقتصر على ذكر الغرة، وهي مؤنثة من دون التحجيل، وهو مذكَّر؛ لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء" الوجه.
"وهو أول ما يقع عليه النظر من الإنسان، على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الأمرين" يعني: الغرة والتحجيل.
"ولفظه «فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» وقال ابن بطال: كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل؛ لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله؛ وفيما قال نظر؛ لأنه يستلزم قلب اللغة، وما نفاه ممنوع؛ لأن الإطالة ممكنة في الوجه بأن يُغسَل إلى صفحة العنق مثلاً.
ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تُطلق على كلٍّ من الغرة والتحجيل" يعني حتى في الرجلين يُقال له: غرة.
"ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تُطلق على كلٍّ من الغرة والتحجيل، ثم إن ظاهره أنه بقية الحديث، لكن رواه أحمد من طريق فُليحٍ عن نُعيمٍ، وفي آخره قال نعيم: لا أدري قوله: من استطاع إلى آخره من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو من قول أبي هريرة، ولم أر هذه الجملة في رواية أحدٍ ممن روى هذا الحديث من الصحابة، وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نُعيمٍ هذه، والله أعلم".
على كل حال هذا الحديث مما يُمثَّل به للمدرج في آخر الخبر، على أنه مُدرج، والأكثر على ذلك، لكن في بعض الروايات ما يُشير إلى رفعه.
"واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل، فقيل: إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة روايةً ورأيًا" يعني فِعلًا، كما تقدم.
"وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد بإسنادٍ حسن، وقيل: المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق، وقيل: إلى فوق ذلك.
وقال ابن بطالٍ وطائفةٌ من المالكية: لا تُستحب الزيادة على الكعب والمرفق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ»، وكلامهم مُعترَضٌ من وجوه، ورواية مسلم صريحةٌ في الاستحباب، فلا تُعَارض بالاحتمال" لو لم تثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- لكان مثل هذا الكلام متجهًا؛ لأن الزيادة على فعله زيادة على ما في النص، يعني قد يدخل في الابتداع، لكن مادام ثبت عن هذا الصحابي الذي لزم النبي –عليه الصلاة والسلام- وبعض الروايات تُشير إلى أنه سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"وكلامهم مُعترضٌ من وجوه، ورواية مسلم صريحةٌ في الاستحباب، فلا تُعَارض بالاحتمال، وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهو مردودٌ بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرَّح باستحبابه جماعةٌ من السلف وأكثر الشافعية والحنفية، وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترَض بأن الراوي أدرى بما روى" أبو هريرة بيَّن بالفعل.
طالب: أدرى بمعنى.
نعم.
"فمعترضٌ بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى" وقد بيَّنه بفعله -رضي الله عنه وأرضاه-.
"كيف وقد صرَّح برفعه إلى الشارع". في تعليق الشيخ –رحمة الله عليه- ابن باز يقول: الأصح في هذه المسألة شرعية الإطالة في التحجيل خاصة، وذلك بالشروع في العضد والساق تكميلاً للمفروض من غسل اليدين والقدمين كما صرَّح أبو هريرة برفع ذلك إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- في رواية مسلم، والله أعلم.
لكوننا أيضًا نقتصر على بعض الحديث ونترك بعضه نقول: المشروع التحجيل والغرة ليست مشروعة؟ اللفظ أن نأخذ الحديث كاملًا.
طالب:.........
إذا قلنا: بمشروعية التحجيل والزيادة على ما جاء في القرآن من غسل اليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين، فلنقُل أيضًا بإطالة الغرة، نعم قد ندخل في فرضٍ آخر وهو الرأس إذا أطلنا الغرة، لكن مادام الحديث والخبر ثبت، ونعم من فعله –عليه الصلاة والسلام- حتى أشرع في العضد، وأشرع في الساق ما فيه ما يدل على أنه –عليه الصلاة والسلام- أطال، أما غسل جزء من الرأس فلا بُد منه؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به، لا يمكن استيعاب الوجه إلا بغسل جزء من الرأس، لكن الغرة المطلوب إطالتها ما فوق ذلك، وإلا فغسل جزءٍ من الرأس، وإمساك جزءٍ من الليل، وغير ذلك من الصور التي لا يتم فيها الواجب إلا بها هذا مطلوب، بل واجب عند أهل العلم.
طالب:........
كلام الشيخ إما أن تُطيلهم كله أو تخليهم كلهم، الشيخ لا.
طالب:........
يعني المفهوم أنه إحداث قول ثالث في المسألة.
طالب:.........
ماذا فيه؟
طالب: .......
أما قوله حتى أشرع في العضد هذا معروف عن النبي –عليه الصلاة والسلام- وأشرع في الساق.
وبالإمكان إذا عملنا بهذا الحديث بمفرده قلنا: إطالة التحجيل؛ لأنه ما فيه إشارة إلى إطالة غسل الوجه، وإذا قلنا: إن الجملة مدرجة من كلام أبي هريرة ولا يلزم العمل بها ولا يُتعارض بها النصوص قلنا بقول بعض المالكية من أنه لا يشرع.
طالب:.......
نعم، لكن من باب الاكتفاء؛ لأنه أشير إلى الغرة والتحجيل، ثم قال: «فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ» من باب الاكتفاء مثل: {سَرَابِيلَ} [النحل:81].
طالب:.........
نعم ما فيه شك.
قال –رحمه الله-: "وفي الحديث معنى ما تُرجِم له من فضل الوضوء؛ لأن الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب، فكيف الظن بالواجب؟ وقد وردت فيه أحاديثٌ صحيحة صريحة أخرجها مسلمٍ وغيره، وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد، لكن إذا لم يحصل منه أذىً للمسجد أو لمن فيه، والله أعلم".
نعم.
طالب:........
إذا ثبت الحديث فما لنا كلام.
قال البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ لاَ يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «لاَ يَنْفَتِلْ- أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»".
قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ لاَ يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ"؛ لأن القاعدة أن الشك لا يرفع اليقين، مادام الأصل الطهارة ثابتة بيقين، فلا يُنتَقل من هذا الأصل إلا بيقين النقض.
وهي مسألة يذكرها الفقهاء إذا تيقن أنه توضأ ونقض الوضوء، وشك في السابق منهما، توضأ يعرف أنه توضأ ونقض وضوءه تيقنه، وشك في السابق منهما فهو بضد حاله قبلهما، ما معنى هذا الكلام؟
طالب: يتركهما ويعمل بالضد مما كان قبل.
نعم، قبل الوضوء والحدث المشكوك في السابق منهما ماذا كان؟ هل هو متوضئ أم طاهر؟ حينئذٍ إن كان متوضئًا فهو على ضده مُحدِث، وإن كان مُحدثًا فهو على ضده متطهر؛ لأنه نقض تلك الحالة التي قبلهما بيقين، انتقل منها إلى ما يُقابلها.
وكونه نقض الناقض مشكوكٌ فيه.
طالب:........
هم يقولون: إننا نفترض أن شخصًا خرج من المسجد على وضوء، ودخل بيته، ومكث ثلاث ساعات، أربع ساعات، وتيقن أنه في هذه المدة أحدث وتوضأ، لكن ما يُدرى أيهما، لكن في الغالب أنه أحدث قبل، ثم توضأ؛ لأنه لو كان قصد بذلك التجديد من غير حدث ما نسيه في الغالب أنه ما ينساه.
لكن دعونا من هذا كله هو على طهارة، ثم أحدث وتوضأ ونسي السابق منهما، نقول: هذا كلاهما شك، فيُرجَع إلى الأصل، فيُنظر هو على طهارة، نقول: إنه نقض هذه الطهارة بيقين، بيقين نقض الطهارة.
وكونه توضأ بعد هذا الناقض مشكوكٌ فيه؛ لاحتمال أن يكون قبله، فهو بضد حاله قبلهما، هذا كلام أهل العلم.
طالب:.......
لا لا، نحن افترضنا أنه في الحال الأولى متوضئ، لكن لو كان في الحال الأولى مُحدثًا؟
طالب:........
سهل يكون متوضئًا الآن؛ لأنه رفع الحدث السابق بيقين، ونقضه لهذه الطهارة مشكوكٌ فيه.
طالب:........
كلامهم على أنه انتقل.
طالب:........
نعم.
طالب: .......
نحن لو بعد لو يُريد يحتاط يتوضأ، إذا أراد الاحتياط يتوضأ وخلاص انتهى الإشكال.
قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عَلِيٌّ" ابن عبد الله بن المديني.
"قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،" وهو ابن عُيينة "قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ" محمد بن مسلم بن شهاب الإمام المعروف.
"عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ" العطف على أقرب مذكور وهو سعيد.
طالب:........
نعم عبد الله بن زيد بن عاصم راوي الوضوء مشهور، راوي الوضوء يميزونه بهذا؛ لأن فيه عبد الله بن زيد راوي الأذان، عبد الله بن زيد بن عاصم هذا.
"أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
"أَنَّهُ شَكَا" مَن الشاكي العم أو الشاكي الرجل؟ "شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ؟
طالب:.........
طيب والرجل ما إعرابه؟
طالب:........
معروف، لكنه شكا الرجلُ، أما عبد الله بن زيد فشكا الرجلَ.
طالب:........
لا تنصرف نعم.
"أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ" لكن "أَنَّهُ" يعود على مَن؟
طالب:........
أو الشأن أو ضمير الشأن.
طالب:........
ما يمكن أن يعود إلى الرجل، ما نقول: أن الرجل شكا إلى رسول الله "أَنَّهُ" يعني الرجل شكا إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ لئلا يعود الضمير إلى متأخر.
"شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ؟" "يَجِدُ الشَّيْءَ" يعني: مما ينقض الوضوء.
"فَقَالَ: «لاَ يَنْفَتِلْ»" يعني: لا ينصرف، كما في الرواية الأخرى؛ لأنه قال: «لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» يعني حتى يتيقن، هذا إذا كان يسمع أو يشم، لكن إذا افتُرضت المسألة في رجلٍ لا يسمع ولا يشم؟
طالب:.......
هم كلهم يحسون كيف يشكو إلا لحس، ما يشكو إلا لحس.
طالب:........
لا، بعض الناس من الوسواس يُخيل إليه أن كل شيءٍ يقين، وفي هذا قطعٌ للوسواس؛ ولذلك الموسوس قد يُتَوسَّع معه أكثر من غيره من باب العلاج لحالته.
«حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا» بأذنه «أَوْ يَجِدَ رِيحًا» يشمه.
"قوله: "بابٌ" بالتنوين "لا يتوضأ" بفتح أوله على البناء للفاعل.
قوله: "من الشك" أي: بسبب الشك.
قوله: "حدَّثنا عليٌّ" هو ابن عبد الله المديني، "وسفيان" هو ابن عيينة.
قوله: "وعن عباد" هو ٌ على قوله: "عن سعيد بن المسيب"، وسقطت الواو من رواية كريمة غلطًا؛ لأن سعيدًا لا رواية له عن عبادٍ أصلاً" سعيد بن المسيب عن عباد ما تجيء.
"لأن سعيدًا لا رواية له عن عبادٍ أصلاً، ثم إن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال: كلاهما عن عمه، أي: عم الثاني وهو عباد" لأن الضمير يعود على المتأخر لا عن عم سعيد.
"ويحتمل أن يكون محذوفًا، ويكون من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف" يعني طريق موصول، وطريق مرسل، طريق سعيد مرسل، والطريق الثاني طريق عبَّاد يكون موصولاً عن عمه.
"ويحتمل أن يكون محذوفًا ويكون من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف".
طالب: .......
مَن هو؟
طالب: .......
أنه موصول، يعني كلاهما عن عمه.
"ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي سعيدٍ الخدري".
طالب: .......
نعم، كونه من المراسيل.
"أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات، لكن سُئل أحمد عنه، فقال: إنه منكر.
قوله: "عن عمه" هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري سمَّاه مسلمٌ وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة، واختُلِف هل هو عم عبَّادٍ لأبيه أو لأمه.
قوله: "أنه شكا" كذا في روايتنا شكا بألف، ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي" يعني عبد الله بن زيد.
"ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي، وصرَّح بذلك ابن خزيمة، عن عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان، ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل، ووقع في بعض الروايات: شُكيَ بضم أوله على البناء للمفعول، وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن، ووقع في مسلم شُكي بالضم أيضًا كما ضبطه النووي، وقال: لم يُسم الشاكي" قال النووي: لم يُسم الشاكي.
"قال: وجاء في رواية البخاري أنه الراوي، قال: ولا ينبغي أن يُتوهَم من هذا أن شكا بالفتح أي في رواية مسلم، وإنما نبهت على هذا؛ لأن بعض الناس قال: إنه لم يظهر له كلام النووي.
قوله: الرجل بالضم على الحكاية، وهو وما بعده في موضع النصب" إذا قلنا: هو وما بعده في موضع النصب "الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ" هذه الشكوى الظاهرة، مضمون الشكوى الرجل يجد، ما هو بالمشكو الرجل، ما فيه قضية خصومة يُشكى الرجل، لكن مفعول شكا القصة الكاملة المبدوءة بالرجل.
"قوله: "يُخيَّل" بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة، وأصله من الخيال، والمعنى يظن، والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين".
فيكون أعم من أن يكون الاحتمال الراجح، بل يشمل مستوي الطرفين، وأما قوله في الترجمة: "لا يتوضأ من الشك" هو أعم من مستوي الطرفين، بحيث يتناول الاحتمال الراجح أيضًا الذي هو الظن، مع أنهم يقولون: إن اليقين يدخل فيه الظن في كتب القواعد.
الشك في الأصل الاحتمال المساوي، والظن الاحتمال الراجح، يُقابله الوهم، وهو الاحتمال المرجوح.
"قوله: "يجد الشيء" أي: الحدث خارجًا منه، وصرَّح به الإسماعيلي، ولفظه "يُخَيَّلُ إِلَيْهِ" يُخيَّل إليه موجودة في الصحيح.
"يُخَيَّلُ إِلَيْهِ" في صلاته أنه يخرج منه شيءٌ، وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة" إذا كان السامع لا يفهم إلا بالتصريح كالحضرمي الذي سبق وسأل أبا هريرة: ما الحدث؟ جاء له بالصريح.
"قوله: "في الصلاة" تمسك بعض المالكية بظاهره، فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة" هذا لا ينصرف، لكن لو يُخيَّل إليه خارج الصلاة ينصرف، أو يبني على غلبة الظن.
"وأوجبوا الوضوء على من كان خارجها، وفرَّقوا بالنهي عن إبطال العبادة، والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها، فلا معنى للتفريق بذلك؛ لأن هذا التخيل إن كان ناقضًا خارج الصلاة، فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض" حتى إذا كان ناقضًا خارج الصلاة كما يقول المالكية، فينبغي أن يكون داخلها، وإن كان غير ناقض في داخل الصلاة فينبغي ألا يكون ناقضًا خارجها.
طالب:.........
ماذا؟
طالب: .......
عند المتوقف.
طالب:..........
بدون.
طالب:..........
كيف؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم؛ لأنك ما تُبطل صلاة باطلة، ما تُبطل إلا صلاة صحيحة.
طالب:.........
فيها ما فيها ما هي بواضحة، لكن يبقى أنه كون النهي عن إبطال العبادة متوقفًا على صحتها؛ لأن الباطلة من الأصل غير الصحيحة ما تحتاج إلى إبطال "فلا معنى للتفريق بذلك؛ لأن هذا التخيل إن كان ناقضًا خارج الصلاة، فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض.
"قوله: «لاَ يَنْفَتِلْ» بالجزم على النهي، ويجوز الرفع على أن لا نافيه.
قوله: «أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ» هو شك من الراوي، وكأنه من علي" علي بن المديني.
"لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ: (لا ينصرف) من غير شك.
قوله: «صَوْتًا» أي: من مخرجه.
قوله: «أَوْ يَجِدَ» (أو) للتنويع، وعُبِّر بالوجدان دون الشم؛ ليشمل ما لو لمس المحل، ثم شمَّ يده، ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض؛ لأن الصورة تُحمل على لمس ما قاربه لا عينه، ودل حديث الباب على صحة الصلاة" يعني من أين أخذوا أن لمس الدبر لا ينقض؟ لأن الوجدان أعم من أن يكون بالشم.
طالب:........
قد يكون باللمس، واللمس لا يكون إلا بلمس العورة التي يخرج منها الناقض.
"ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض" لأن الصورة خاصة بالدبر والقُبل فلا يخرج منه ناقض كالريح، نعم الريح خاصة بالدبر.
"لا ينقض؛ لأن الصورة تُحمل على لمس ما قاربه لا عينه، ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين؛ لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى" يعني المعنى إذا كانت العلة أوسع من الحكم كان الحكم لها، فيندرج فيها بقية الصور.
"قاله الخطابي، وقال النووي: هذا الحديث أصلٌ في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يُتيقَن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها، وأخذ بهذا جمهور العلماء.
وروي عن مالكٍ النقض مطلقًا، وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها" مثل ما تقدم، وعكس ما تقدم.
طالب:........
كيف؟
طالب: .......
"وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها" نعم، لا ينصرف إذا كان في الصلاة.
"وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري، والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي، وهو رواية ابن القاسم عنه، وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقًا، كقول الجمهور.
وروى ابن وهبٍ عنه: (أحب إليَّ أن يتوضأ)".
طالب:........
فيه أربع روايات.
"ورواية التفصيل لم تثبت عنه، وإنما هي لأصحابه، وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس" إن كان به وسواس لا ينصرف من باب العلاج.
"وتمسَّك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأُجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا»" يعني سواء كان موسوسًا «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ» مفرد مضاف فيعُم.
"«فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ ريحًا»
وقوله: «فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ» أي: من الصلاة، وصرَّح بذلك أبو داود في روايته.
وقال العراقي: ما ذهب إليه مالك راجح؛ لأنه احتاط للصلاة، وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المُبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة، وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل". ومعروف مذهب العراقي في باب الطهارة، وأنه للوسواس أقرب، يزيد يزيد في العدد كثيرًا، وقالوا: إن هذا لا يُدخله في الوسواس، وإنما من باب الاحتياط، ولا شك أن مثل هذا الاحتياط يُوقع في المحظور، والاحتياط إذا أوقع في المحظور فالاحتياط في تركه.
"وجوابه: أن ذلك من حيث النظر قوي، لكنه مُغايرٌ لمدلول الحديث؛ لأنه أُمِر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق.
وقال الخطابي: يستدل به لمن أوجب الحد على مَن وجِد منه ريح الخمر؛ لأنه اعتبر وجدان الريح ورتَّب عليه الحكم، ويمكن الفرق بأن الحدود تُدرأ بالشبهة، والشبهة هنا قائمة بخلاف الأول فإنه مُتحقق".
يعني في حديث ماعز لما قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «اسْتَنْكِهُوهُ» قال له: «أشَرِبْتَ خَمْرًا؟ اسْتَنْكِهُوهُ» يدل على ثبوت الشرب بمجرد الشم، لكن لا يدل على أن الحد يُقام بمجرد الشم؛ لأنه يُريد بالشم هذا درء الحد عن ماعز، وإن كان وضع ماعز يختلف عن غيره ممن استمرأ المعاصي والجرائم والمنكرات، بخلاف من جاء تائبًا مُنيبًا مُقدِّمًا نفسه للحد تحقيقًا لتوبته.
طالب:.......
«اسْتَنْكِهُوهُ» حتى ما يقبل إقراره إذا صار شارب خمر، يدرأ عنه الحد بأي وسيلة، لكن هو مُصر- رضي الله عنه وأرضاه-.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.
"