شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (23)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في الغسل من الجنابة:

حدثنا هنّاد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن خالته ميمونة -رضي الله عنها- قالت: وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً فاغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه، ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه، ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة.

حدثنا بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم غسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يُشرِّب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ثم يغسل قدميه، والعلم على هذا عند أهل العلم.

وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في الغسل من الجنابة" الجنابة في الأصل البعد، الجار الجنب يعني البعيد، سمي جنباً لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] ومنهي أن يقرب موضع الصلاة اللي هو المسجد، فعليه أن يبتعد عنه، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل، مع أن المسلم طاهر، وفي حديث أبي هريرة أنه لما لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- انخنس، ابتعد عنه؛ لأنه كان جنباً، فالأصل في التسمية هو هذا، وأن الجنب يبتعد عن الناس، ويبتعد عن مواطن الصلاة.

والجنب يقع على الواحد والاثنين والجمع المذكر والمؤنث، فتقول: هذا جنب وهذه جنب وهذان جنب وهؤلاء جنب {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] فاللفظ يقع على هذه الأحوال المختلفة في حال الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، مثل طفل ثم إيش؟ {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [(67) سورة غافر] ما قال: أطفالاً فيستوي في المذكر والمؤنث والمثنى والمفرد والجمع، والجنب المراد به الذي يجب عليه الغسل بجماع أو إنزال.

قال -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا هناد" وهو ابن السري مر مراراً "قال: حدثنا وكيع" هو الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن سالم بن أبي الجعد" الأشجعي الكوفي ثقة، وهو من رجال الكتب الستة "عن كُريب" بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، ولى ابن عباس،وهو ثقة أيضاً "عن -عبد الله- ابن عباس" -رضي الله عنه- حبر الأمة، وترجمان القرآن -رضي الله عنهم- "عن خالته ميمونة" بن الحارث الهلالية، زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وبنى بها في سرف، وماتت سنة إحدى وخمسين بسرف، نفس المكان "قالت: وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً" يعني ماء يغتسل به، الماء الذي يغتسل به يسمى غسل، كالأكل لما يؤكل {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} [(35) سورة الرعد] يعني ما يؤكل "فاغتسل" يعني: أراد الاغتسال، لأنه مر بنا مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء، وهذا هو الأصل، ولذا سمي ماضياً، ويطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع فيه، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، هنا أراد أن يغتسل "فاغتسل من الجنابة" أو يقال: شرع فيها؟ و(من) في قوله: "من الجنابة" سببية، يعني بسببها "فأكفأ الإناء" يعني أماله، ومثله أصغى "فأكفاء الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه" يعني أخذ بيمينه فغسل بها الكفين، اليمنى واليسرى، والكف إلى المفصل إلى الرسغ "ثم أدخل يده في الإناء" في الجملة الأولى "فأكفأ بشماله على يمينه فغسل كفيه" ثم بعد ذلك لما غسل كفيه ساغ أن يدخل اليد في الإناء، فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها، إما على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب في حالة ما إذا قام من النوم.

"ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه" يعني صب الماء على فرجه بيده اليمنى وغسله باليسرى "ثم دلك بيده الحائط" الحائط الجدار "أو الأرض" شك هل دلك بيده؟ أو شكت هل دلك بيده -عليه الصلاة والسلام- الحائط أو الأرض؟ المقصود أنه إذا غسل فرجه يدلك يده بالأرض أو بالحائط ليذهب إن كان فيها شيء علق بها من هذا المكان، ومنهم من يقول: إن هذه من أجل إذهاب الرائحة؛ لأن مثل هذا الدلك يقضي على الرائحة، وإلا فالماء يذهب عين النجاسة "ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق" مضمض واستنشق، غسل يديه ثم غسل فرجه وما تلوث بسبب الجماع ثم مضمض واستنشق "وغسل وجهه وذراعيه" يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ثلاثاً كما هو السنة في الضوء من كف واحدة "وغسل وجهه وذراعيه" غسل وجهه المعروف الحدود: من منابة شعر الرأس طولاً ومن الذقن إلى الأذن عرضاً "وذراعيه" والذراع يطلق على الكف والساعد "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" ثم أفاض يعني الماء على رأسه ثلاثاً، وظاهره أنه لم يمسح رأسه، لم يمسح رأسه، ولم يكمل وضوءه، يعني غسل يديه وفرجه، ثم مضمض واستنشق، غسل وجهه وذراعيه، ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، وهذه الإفاضة تابعة للوضوء وإلا للغسل؟ للغسل؛ لأنه لو كان وضوءاً لاكتفى بالمسح كما هو شأن الوضوء، فعلى هذا الوضوء كامل وإلا ناقص؟ ناقص "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" وأهل العلم يبحثون مسألة إجزاء غسل الرأس عن مسحه، فمنهم من يقول: إنه مسح وزيادة، فيجزئ، ومنهم من يقول: إن غسل الرأس مردود؛ لأنه على خلاف ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» مردود، ولا يجزئ الغسل عن المسح، فمن قال: إن الغسل يجزئ عن المسح قال: إنه توضأ، وأخر غسل الرجلين، وسيأتي ما في هذا من كلام حكم تأخير غسل الرجلين عن الغسل، فجاء ما يدل على تقديمهما، وجاء ما يدل على تأخيرهما، توضأ وضوءه للصلاة، مقتضى هذا أنه توضأ إلى أن غسل رجليه ثم اغتسل فقدم غسل الرجلين، وهنا قال: "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده" يعني باقي جسده، والسائر هو الباقي، وقد يستعمل للجميع، وقد يستعمل للجميع، وقد وقع عند البخاري من حديث عائشة ثم يفيض الماء على جلده كله، قال ابن حجر: والتأكيد يدل على أنه عمم جميع الجسد لا غالب الجسد، وهذا يدل على أنه بعد ذلك يعمم جميع بدنه بما في ذلك ما غسل للوضوء، يعني إذا توضأ وضوءه للصلاة ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه، ثم غسل سائر جسده هل يغسل ذراعيه ورجليه؟ أو لا يغسلهما باعتبار أنه غسل هذه الأعضاء في الوضوء؟ فإذا قلنا: سائر الباقي، أن المراد بسائر هو الباقي قلنا: ما يلزم أن يغسل ذراعيه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، ولا يلزم أن يغسل رجليه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، أو سوف يغسلهما بعد ذلك كما في هذا الحديث، على كل حال قوله: ثم يفيض الماء على جلده كله يشمل أعضاء الوضوء التي سبق غسلها، قال: "ثم تنحى" أي تحول عن مكانه إلى ناحية أخرى "فغسل رجليه" وفي هذا تأخير غسل الرجلين عن بعد الغسل، والانتقال عن مكان أخر، وهو مخالف لحديث عائشة الآتي: "توضأ وضوءه للصلاة" فإما أن يقال: إن حديث عائشة: "توضأ وضوءه للصلاة" يعني في غالبه، محمول على الغالب، وأنه لا يبقى إلا الرجلين تغسل بعد، وإما أن يقال: هذه صورة وهذه صورة، ويمكن حمل الصورتين على حالين بأن يقال: إذا كان المكان نظيفاً ولا يلوث الرجلين فمثل هذا المكان أقول: ففي مثل هذا المكان يتوضأ الوضوء الكامل كما يتوضأ للصلاة ويغسل رجليه قبل الغسل، وإذا كان المكان قد يلوث القدمين بعد الغسل بأن يكون فيه طين وما أشبه ذلك فإنه يتحول عن مكانه ويغسل رجليه.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" هذا حديث حسن صحيح، ورواه الجماعة، رواه الجماعة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، يعني مخرج في دواوين الإسلام كلها.

"قال: وفي الباب عن أم سلمة" وهذا عند مسلم "وجابر" عند ابن ماجه "وأبي سعيد" عند ابن ماجه أيضاً "وجبير بن مطعم" عند البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي "وأبي هريرة" عند ابن ماجه، يعني ابن ماجه خرج كل هذه الأحاديث حديث أم سلمة في مسلم جابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة كلهم عند ابن ماجه، ما يدل على أن ابن ماجه تفرد بأحاديث لم تذكر عند غيره، فزوائده على الكتب الخمسة كثيرة، زوائده على الكتب الخمسة كثيرة، وهذا هو ما جعل ابن طاهر يجعل ابن ماجه هو سادس الكتب، أول من أدخل ابن ماجه مع الكتب وجعله السادس أبو الفضل بن طاهر لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وهنا هذه الأحاديث التي أشار إليها الترمذي يعني جلها عند ابن ماجه يعني ما في إلا واحد لا يوجد عن ابن ماجه، وخمسة موجودة عنده، مما يدل على أن هذا الكتاب ينبغي أن يعتنى به، ففيه زوائد كثيرة، وإن كان كثير مما يتفرد به ضعيف، لكن يحتاج إليه.

"قال: حدثنا بن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة" قلنا: فيما تقدم أن (من) هذه سببية "بدأ فغسل يديه" وفي نسخة: "بغسل يديه"، بدأ بغسل يديه أو بدأ فغسل يديه، وفيه ما تقدم من مشروعية ذلك، إما وجوباً كما في حال الاستيقاظ من النوم على ما تقدم، أو استحباباً، وجوباً واستحباباً، "قبل أن يدخلهما الإناء ثم غسل فرجه" وفي نسخة: "ثم يغسل"، "ثم غسل فرجه ويتوضأ" يعني قوله: "ويتوضأ" مناسب للنسخة الأخرى التي فيها: "ويغسل فرجه"، "ويتوضأ وضوءه للصلاة" وضوءه منصوب على نزع الخافض، يعني توضأ كوضوئه للصلاة، يعني مثل ما في حديث: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» يعني: كذكاة أمه منصوب على نزع الخافض، هذا على رواية النصب، ويستدل بها من يقول: إن الجنين يذكى مثل ذكاة أمه، وهو قول الحنفية، والجمهور على أن الراوية الراجحة: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» يعني هي ذكاة أمه فتكفي، فلا تحتاج إلى تذكية "ويتوضأ وضوءه للصلاة" ومقتضى ذلك أنه يغسل رجليه قبل أن يفرغ على أو يفيض على رأسه الماء، وفيه ما تقدم أنه أحياناً يقدم غسل الرجلين كما في حديث عائشة، وأحياناً يؤخر غسل الرجلين كما في حديث ميمونة "ثم يشرب شعره الماء" يشرب من التشريب، يعني يسقي رأسه الماء، يسقي الماء رأسه، "ثم يشرب شعره الماء" كما في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [(93) سورة البقرة] يعني أدخل في قلوبهم حب العجل، وهنا يشرب شعره الماء، وشعره مفعول أول والماء مفعول ثاني، ليشرب "ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثلاث حثيات يعني: غرفات بيديه واحدها حثية.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه الشيخان وأبو داود والنسائي، قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضأه للصلاة -كاملاً- ثم يفرغ" أي يصب "على رأسه ثلاث مرات ثم يفيض" يعني يسيل "الماء على سائر جسده"، قال: "ثم يغسل قدميه" يعني على ما جاء في حديث ميمونة، ثم يغسل قدميه، "والعمل على هذا عند أهل العلم وقولوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكروا أنه توضأ وضوءه للصلاة، إجمالاً وتفصيلاً، بعض الأحاديث مجمل توضأ وضوءه للصلاة، وبعضها تفصيل: غسل يديه ثم مضمض واستنشق وغسل وجه إلى أن أكمل الوضوء، فكل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه توضأ قبله، كل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكروا أنه توضأ قبله، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض الماء على سائر جسده، وليس فيه تثليث، يعني يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ولم يذكر فيه تثليث، وهذا هو الغسل الكامل، وإن كان بعضهم يرى أنه يفيض الماء على شقه الأيمن ثلاثاً ثم على شقه الأيسر ثلاثاً، يعني لم تأتِ به الرواية، وإنما قالوا: إن التثليث مستحب في الوضوء وفي غسل الرأس في الغسل فينبغي أن يكون مستحباً في الباقي، على كل حال الغسل الكامل هو ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، والمجزئ هو تعميم الجسد بالماء، ولا يلزم منه أن يتوضأ قبله ولا بعده، قال: وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، يعني أن الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة، لماذا؟ لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد، عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضيه والأخرى مؤداة قالوا: دخلت الصغرى في الكبرى، يعني كمن جاء والإمام راكع يكبر تكبيرة الإحرام وتدخل فيها تكبيرة الركوع، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني ابن رجب -رحمه الله- في قواعده ذكر أمثلة كثيرة لهذه القاعدة، "وهو وقول الشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً وأصحابه، ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل.

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: فرض الله تعالى الغسل مطلقاً لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء، فكيف ما جاء به المغتسل أجزأه، إذا أتى بغسل جميع بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، يعني في حديث الباب: "يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثم بعد ذلك يفيض الماء على بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، وقال ابن عبد البر: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل؛ لأن كل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه توضأ، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل، الآن قال: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، وابن بطال نقل الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وتعقب ابن حجر دعوى الإجماع فقد ذهب جماعة بقوله: ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء، الغسل لا ينوب على الوضوء للمحدث، انتهى كلام ابن حجر، وقال ابن العربي في العارضة، قال أبو ثور: يلزم الجمع بين الضوء والغسل، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعنه ثلاثة أجوبة؛ لأن ابن العربي يري أنه بالإجماع لا يلزم، ولم ذكر كلام أبي ثور أجاب عنه بثلاثة أجوبة.

الأول: أن ذلك ليس بجمع وإنما هو غسل كله، غسل كله يعني كونه غسل يديه وغسل وجهه وذراعيه، وأفاض الماء على رأسه، ثم عمم هذا غسل وليس بوضوء، يعني هذه أبعاض للغسل وليست من الوضوء، أن ذلك ليس بجمع وإنما هو الغسل كله.

الثاني: أنه إن كان جمع بينهما فإنما ذلك استحباب، استحباب بدليل قوله تعالى: {حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] وقوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني ما ذكر غير الاغتسال، وما ذكر غير التطهر، فهذا هو الفرض، يقول: فهذا هو الفرض.

الثالث: أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء، سائر الأحاديث يعني غير ما ذكر من حديث ميمونة وحديث عائشة يقول: ليس فيها ذكر للوضوء، وإنما إذا سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أن تفعل كذا وكذا، وليس فيه ذكر للوضوء.

يقول الشارح المبارك فوري: في كل من هذه الأجوبة الثلاثة عندي نظر، أما الأول فلأن ظاهر حديث ميمونة وعائشة هو الجمع بينهما وهذا ظاهر، يعني أما في حديث عائشة نص ويتوضأ وضوءه للصلاة، وأما الثاني: فلأن المراد بقوله: {حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] هو الاغتسال الشرعي المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه الوضوء، وكذلك التطهر.

وأما الثالث: فلأن عدم ذكر الوضوء في بعض أحاديث الغسل ليس بدليل على أنه ليس بواجب في غسل الجنابة، والله أعلم.

يعني كونه يشرح في غسله -عليه الصلاة والسلام- من الجنابة ثم لا يذكر في نصوص أخرى إما لأن المشروح له الغسل قد علم ذلك فيما قبل، والسنة إذا ثبتت بحديث واحد لا يلزم بيانها في كل مناسبة، كما هو معلوم، فبهذه الأجوبة الثلاثة عن قول ابن العربي في إجابته عن إيجاب أبي ثور للوضوء ومخالفته للإجماع الذي نقلوه.

سم.

عفا الله عنك.

قال -رحمه الله تعالى-:

باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "قلت: يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفانقظه لغسل الجنابة؟ قال: «لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك الماء فتطهرين» أو قال: «فإذا أنتِ قد تطهرتِ».

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها.

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-:

"باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟" لأن الشعر إذا ظفر ونسج وأدخل بعضه في بعض قد ينبو الماء عن أصوله، قد لا يصل الماء إلى أصوله، والمطلوب في الغسل أن تروى أصول الشعر، ويشرب الشعر الماء على ما تقدم.

يقول: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان" هو ابن عيينة كما في رواية أبي داود "عن أيوب بن موسى" بن عمرو بن سعيد بن العاص، الأموي، الفقيه، وهو من رجال الكتب الستة "عن سعيد" بن أبي سعيد "المقبري" وهو ثقة أيضاً "عن عبد الله بن رافع" المخزومي المدني، مولى أم سلمة وهو ثقة "عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله" أم سلمة هند بنت أبي أمية زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، "قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي" أشد يعني: أحكم "ضفر رأسي" يعني نسجه وفتله "ضفر رأسي" يعني شعر رأسها "أفانقضه؟" أي أفرقه ليصل الماء إلى باطنه "لغسل الجنابة" وفي رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" لأن هذا الرواية نحتاجها -رواية مسلم- نحتاجها لمناقشة قول من يقول بالتفريق بين غسل الحيض، أقول: نحتاج رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" لمناقشة من يقول بالتفريق بين غسل الحيض فينقض له الشعر، وغسل الجنابة فلا ينقض له "أفانقضه لغسل الجنابة قال: «لا، إنما يكفيك أن تحثين»" وفي نسخة: "تحثي" يعني تصبي «على رأسك الماء ثلاث حثيات» وتحثي معروف أن (أن) تنصب، تنصب الفعل المضارع وتحثين إلغاء لفعلها، وقد جاء إلغاؤها وإثبات النون معها في شواهد كثيرة، منها قول الشاعر:

أن تقرأنِ على أسماء ويحكما

 

مني السلام وألا تشعرا أحداً
ج

يعني في صدر البيت ألغاها، ألغى عملها، وفي أخره "وألا تشعرا" أعملها وحذف النون.

«أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء» بإثبات النون تحثين، كما قرره أهل العلم لغة، يقول ابن مالك في ألفيته:

وبعضهم أهمل (أن) حملاً على
جج

 

(ما) أختها حيث استحقت عملاً

يعني أهمل (أن) وجعلها لا تنصب الفعل المضارع كما في البيت.

أن تقرأنِ على أسماء........

 

...................................
ج

«على رأسك ثلاث حثيات من ماء» مع أنه جاء في نسخ أخرى: «أن تحثي» بدون نون على الجادة «ثم تفيضين» وفي النسخ التي أشير إليها: «تفيضي» بحذف النون «على سائر جسدك فتطهرين»، قال: «إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفضين» ليس فيه ذكر للوضوء قبل الغسل «على سائر جسدك فتطهرين» لكن قد يقول قائل: إن الحديث جاء إجابة لسؤال، وهو نقض الشعر المضفور يعني المنسوج المدخل بعضه في بعض، فيكون الجواب مطابق للسؤال، وذكر الوضوء قدر زائد على ما جاء في السؤال، وعلى هذا لا يقال: إن مثل هذا بيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هو بيان لشعر الرأس هل ينقض أو لا ينقض؟ وما عدا ذلك ثبت بأدلة أخرى «فتطهرين» أو قال: «فإذا أنت قد تطهرت».

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، يعني رواه الجماعة ما عدا البخاري، "قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها".

"المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها" وهذا هو مذهب الجمهور لا يلزم نقض ضفر الرأس، الضفائر لا تنقض، وقال الحسن وطاووس: يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وهو مروي عن أحمد، التفريق بين الحيض والجنابة، واستدل بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة بنقضه، وحمله الجمهور على الندب لرواية مسلم: "للحيضة والجنابة" في حديث أم سلمة، الآن أم سلمة قيل لها: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، يعني لا يلزم نقض الرأس وفي حديث عائشة أمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بنقض رأسها، هذه سألت عن الجنابة وعائشة الحيض، أشار الصنعاني في سبل السلام أن غسل عائشة كان للإحرام، لما حاضت كان للإحرام فليس إلا غسل تنظيف ومن لازم التنظيف أن ينقض الشعر، يعني من فرّق بين غسل الحيض فينقض وغسل الجنابة لا ينقض، قال: حديث عائشة غسل حيض، وحديث أم سلمة "أفانقضه لغسل الجنابة"؟ الدليل واضح، يعني لو لم ترد رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" في حديث أم سلمة لكان هذا القول متجه، لكن لما ورد عرفنا أن الحيض والجنابة حكمه واحد، فكيف أمرت عائشة ولم تؤمر أم سلمة؟ عائشة أمرت لأن الغسل غسل تنظيف للإحرام، وليس بغسل واجب، وأما غسل أم سلمة فهو معروف أنه للواجب، للحيضة والجنابة، قد يقول قائل: لماذا لا يحتاط للواجب أكثر من غيره؟ فإذا قلنا: بنقضه في الغسل المستحب قلنا: بنقضه في الغسل الواجب من باب أولى، وعلى كل حال عائشة -رضي الله عنها- لا تريد بغسلها رفع الحدث، وإنما تريد التنظف للإحرام، ومعلوم أن الإحرام يسن له الاغتسال ولا يجب، ومن تمام النظافة أن ينقض الشعر ويعتنى به وينظف، منهم من لحظ ملحظ أخر ليفرق بين أمره -عليه الصلاة والسلام- لعائشة وبين قوله لأم سلمة حين قالت له: إني أشد ضفرة رأسي أفانقضه لغسل الجنابة؟ قال: عائشة فتاة صغيرة شعرها كثيف وأم سلمة كبيرة السن وشعرها خفيف، فالشعر الكثيف ينقض والشعر الخفيف الذي يمكن أن يصل الماء إلى أصوله دون نقض لا يحتاج إلى نقض، يقول بعضهم: إن هذا لا دليل عليه، هذا التفريق لا دليل عليه ولم ينقل أن شعر أم سلمة خفيف وشعر عائشة كثيف، لكن هذا هو الغالب أن المرأة كلما تقدم بها السن يخف شعرها، ليست مثل الفتاة الصغيرة، أم سلمة كبيرة جداً لما تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أبي سلمة، بينما عائشة مات عنها النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمرها ثمان عشرة سنة، ففرق بين شعر امرأة عجوز كبيرة وبين امرأة صغيرة، وعندي أن هذا الوجه وجيه جداً وإن لم ينص عليه أنما يحتاج إليه في مثل هذا الموقف يعني في للتوفيق بين النصوص نحتاج إلى مثل هذا الكلام، ولو لم ينص عليه، ما يحتاج ينص عليه، لماذا؟ للتوفيق بين النصوص، وأهل العلم يسلكون مسالك أضعف من هذا لرفع التعارض بين النصوص، يعني وجوه الجمع كثيرة جداً عند أهل العلم وعند التعارض، فالحازمي ذكر منها أكثر من خمسين وجهاً في مقدمة الاعتبار، والحافظ العراقي -رحمه الله- زاد بها على المائة وجه لرفع الاختلاف بين النصوص، وفي تقديري أن هذا من أفضل ما يجمع به بين هذه النصوص؛ لأن التفريق بين غسل الحيض وغسل الجنابة لا شك أنه قوي لو لم ترد رواية مسلم في سؤال أم سلمة "للحيضة والجنابة" فهذا جعل غسل الحيض أو غسل الجنابة مثل غسل الحيض لا فرق، فلم يبقَ وجه للتفريق بينهما إلا أن يقال: إن عائشة أمرت بنقض شعرها لأنها فتاة صغيرة وشعرها كثيف لم يتساقط بعد، أما العجائز فالغالب أن شعرها يكون خفيفاً متمزقاً متساقطاً وهذا ظاهر، ومثل هذا التفريق وإن لم يرد به نص إنما يستفاد منه رفع الاختلاف بين هذه الأحاديث.

سم.

طالب: عفا الله عنك يا شيخ: هل العلة مشقة النقض بمعنى لو جمعت المرأة شعرها بغير الضفائر هل يلزمها أن تنقض الشعر لأنه لم يكن بضفيرة؟

هو الملحوظ في مثل هذا أن تروَّى أصول الشعر أن يُشرَّب الشعر الماء، فإذا كان يصل بنفسه لا يحتاج إلى نقض، وإذا كان لا يصل إلا بالنقض لا بد من نقضه، ولهذا التفريق بين المرأة الكبيرة والصغيرة إنما هو من أجل النظر إلى الغالب، الغالب أن النساء الصغار الفتيات شعرهن كثيف، فلا يصل الماء إلى أصوله إلا بنقض، والغالب أن النساء كبار السن شعرها خفيف فلا تحتاج إلى نقض، نعم؟

طالب:.......

لحظة.

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

لا لا أكثر أكثر.

طالب:.......

نعم تسع وخمسين، يعني بعده، نعم؟

طالب:........

لا هي أكبر يوم تزوجها النبي تناهز الأربعين، نعم؟

طالب:........

ويش هو؟

طالب:........

إيه في الغسل لا بد سواء في جنابة أو حيضة خلاف الوضوء، الوضوء ما يحتاج تمسح أعاليه ويكفي.

طالب:........

لا أصول لا بد أن يصل البشرة، يعني أطرافه، مقتضى مسحه في الوضوء يلزم بغسله في الجنابة، في الغسل إيه، نعم؟

طالب:........

النقض؟

طالب:........

يعني هذه مسلك من مسالك الجمع، يمكن أن يقال...، أقول: هذا مسلك من مسالك الجمع بأن يقال: أن الأمر في حديث عائشة مصروف إلى الندب بحديث أم سلمة، وعندي أن المسألة مردها إلى تشريب الشعر الماء، بحيث يصل إلى أصوله، فأن وجد ما يمنع من وصله لزم إزالته وإلا فلا، نعم.

عفا الله عنك.

قال -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة:

حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه قال: حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر».

قال: وفي الباب عن علي وأنس.

قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال: الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة" قال: "حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه" أبو محمد الراسبي البصري، ضعيف عند عامة أهل العلم، قال: "حدثنا مالك بن دينار" البصري الزاهد "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تحت كل شعرة جنابة»" مقتضى هذا أنه لو بقيت شعرة لم يصلها الماء بقي شيء من هذه الجنابة بقدر ما بقي من الشعر «فاغسلوا الشعر» يعني جميعه «وأنقوا البشر» البَشَر ظاهر جلد الإنسان، «أنقوا البشر» يعني من الأوساخ التي تمنع من وصول الماء إلى البشرة، ولو بقي شيء يمنع من وصول الماء إلى البشرة لم ترتفع الجنابة.

هذا الحديث أولاً: هو ضعيف، ضعّفه وأنكره أهل العلم بالحديث، استدل به من يستدل بالتفريق بين المضمضة والاستنشاق فيوجب الاستنشاق في الغسل، ولا يوجب المضمضة، فما وجه الاستدلال؟

طالب:.......

نعم لأن في داخل الأنف في شعر، بخلاف الفم يعني استنباط دقيق جداً لو صح الخبر، هذه نباهة من جهة وغفلة من جهة.

قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" عند أحمد وأبي داود وابن ماجه، يعني مسألة الاهتمام بالشعر يعني من ترك شيئاً من شعره أو من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل الله به كذا وكذا في النار، قال علي: "فمن ثم عاديت رأسي" وهو صحيح إلى علي -رضي الله عنه-، منهم من يقول: موقوف، لكن لا شك أن أمارات الرفع عليه ظاهرة؛ لأن الوعيد بالنار لا يمكن أن يقوله علي من تلقاء نفسه، حدث علي ثابت إلى علي -رضي الله عنه- عند أحمد وأبي داود وابن ماجه.

وفي الباب أيضاً "عن أنس" عند أبي يعلى والطبراني، لكنه ضعيف.

"قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه" أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، ومداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جداً حتى عند غير الترمذي إنما يرويه الحاث بن وجيه، قال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهم، قال: "وهو -يعني الحارث- شيخ ليس بذاك" شيخ ليس بذاك يعني ليس بذاك القوي، كما هو معروف في ألفاظ الجرح والتعديل، لكن قد يقول قائل: إن شيخ تعديل، ومع ذلك هو تعديل ضعيف، وهو أقرب ألفاظ التعديل إلى الجرح، وليس بذاك القوي من ألفاظ التجريح، فلعله من حيث الديانة يستحق بوصف شيخ، ومن حيث الضبط والإتقان ليس بذاك، قال: "وقد روى عنه غير واحد من الأئمة" يعني الجهالة مرتفعة لكن الضعف ثابت "وقد تفرّد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال -يعني في اسمه- الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة" الحارث بن وجبة، يختلفون في والده هل هو بالياء أو بالباء؟ وعلى كل حال هو ضعيف، والخبر لا يستدل به لضعفه، والحرص على تروية أصول الشعر سواء كانت في الرأس أو في غيره أمر لا بد منه، نعم.

عفا الله عنك

قال -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل:

قال: حدثنا إسماعيل بن موسى قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضأ بعد الغسل".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أن لا يتوضأ بعد الغسل.

يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل"

قال: "حدثنا إسماعيل بن موسى" الفزاري، صدوق يخطأ "قال: حدثنا شريك" يعني ابن عبد الله القاضي صدوق، لكن تابعه زهير كما في رواية أبي داود "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضأ بعد الغسل" يعني في حديثها السابق أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة قبل الغسل، في حديثها هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يتوضأ بعد الغسل اكتفاءً بوضوئه الأول، أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر تحت ارتفاع الحدث الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه، الماء وصل إلى جميع أعضاء الوضوء فلا داعي لتكراره بعد ذلك، وأما قبله فالسنة جاءت به، لكن لو طرأ ما يقتضي إعادة الوضوء بعد الغسل، توضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل فمس ذكره أو انتقض وضوؤه بأي ناقض فإنه يلزمه إعادة الوضوء.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة.

"قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أنه لا يتوضأ بعد الغسل".

بل لم يختلف فيه العلماء كما صرح بذلك ابن العربي، وابن العربي بحث هنا مسألة مهمة جداً وهي هل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة؟ أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ هل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ معروف أن الحدث هو الوصف القائم بالبدن الذي منه الأكبر والأصغر، الأكبر من الجنابة والحيض، والأصغر من البول والغائط والنوم، والأمور مختلف فيها، أما بالنسبة لما لا تشترط له الطهارة كالنوم مثلاً أو الأكل فإن مثل هذا الجنب يخفف، يخفف الحدث بالوضوء، لكن إذا أراد رفع الحدث ليزاول ما مُنع منه بسبب الحدث فهل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة؟ أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ بمعنى أنه لو غسل وجه ويديه في الوضوء هل يجوز له أن يمس المصحف بيده باعتبار أنه رفع الحدث عنها أو لا يجوز باعتبار أن الحدث لم يرتفع إلا بعد غسل الرجل اليسرى؟ نعم؟

ابن العربي أبطل الاحتمال الأول وهو أن الحدث يرتفع عن كل عضو بغسله، ولو لم يتم الوضوء، أبطله للإجماع على أن الرجل لو غسل وجه ويديه في الوضوء لم يجز له أن يمس المصحف، وإنما غسل الوجه وارتفاع الحدث عنه موقوف مراعاً فيه كمال الوضوء، فإن كمل الوضوء ثبت له الحكم وإن لم يكمل بطل، بدليل أن الموالاة من فروض الوضوء، يعني لو قلنا: إنه يرتفع قلنا: إذا غسل وجه ويديه ثم أجّل مسح الرأس وغسل الرجلين، لا يحتاج إلى أن يعيده؛ لأنه ارتفع الوضوء عنهما، لا يحتاج إلى أن يعيد غسل الوجه واليدين لأن الوضوء ارتفع عنهما، ولكن هذا جارٍ عند من يقول: بأن الموالاة ليست من فرائض الوضوء، أما من يقول: أن الموالاة فرض من فروض الوضوء فإن مثل هذا الكلام لا يجري عنده.

قال: كركعة من الصلاة، يعني الصلاة ثلاثية أو ثنائية أو رباعية صلى منها ركعة هل نقول: يعتد بهذا الركعة؟ لا يعتد بها؛ لأنها موقوفة على تمام الركعة التي تليها، أو على تمام ما يريده من الصلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، وهذا الكلام ينفعنا في مسألة الخف، فإذا غسل رجله اليمنى وأدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى وأدخلها في الخف لم يصح عند الحنابلة وجمع من أهل العلم؛ لأنه لا يصح أن يكون أدخلها وهو طاهرة لا منفردة ولا مجتمعة، يعني هذه مسألة يحتاج إليها كثيراً، يعني المنازعة من شيخ الإسلام وغير شيخ الإسلام الذين يقولون: إن مجرد خلع اليمنى ثم لبسها هذا عبث، نقول: لا هذا ليس بعبث «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» حتى لو غسل اليمنى ما نقول: طاهرة حتى يغسل اليسرى، الوجه ليس بطاهر حتى يغسل الرجل اليسرى، فلا يتحقق قوله: «فإني أدخلتهما طاهرتين» حتى تكمل الطهارة، لهذه المسائل التي لشيخ الإسلام فيها قول، وقد اطلع عليه طلاب العلم وعرفوه، ونصره من أهل العلم من يوثق بعلمه ويقتدى به، وتبرأ الذمة بتقليده يعني يحصل فيه مشادة من بعض الإخوان، يعني إذا قررنا مسألة ثم قال شيخ الإسلام يقول: لا يخفى علينا قول شيخ الإسلام ومن يقول بقول شيخ الإسلام، لكن كل إنسان ملزم بما يترجح عنده، ولذلك من الأمس واليوم كمسألة إذا نزع الخف، أو من أين يبدأ؟ أو إذا لبس خف قبل غسل الثانية، يعني كثر فيها السؤال فما له داعي يا الإخوان، كل إنسان يقرر ما يترجح عنده، وأما كون الإنسان يلزم بقوله غيره فهذا ليس بصحيح، يعني لا يظن أن الإخوان يبي يذكرونا بقول شيخ الإسلام، أو أننا بنرجع عن قولنا؛ لأن شيخ الإسلام قال، ما نرجع، إلا إذا..، نعم شيخ الإسلام إمام، وقدوة، وتبرأ الذمة بتقليده و

إذا قالت حذامِ فصدقوها
ج

 

...................................
ج

كثير من الناس إذا سمع لشيخ الإسلام قول خلاص أقفل ذهنه عن الاجتهاد هذا الكلام ليس بصحيح، شيخ الإسلام إمام، لكنه كغيره يخطأ ويصيب، يرجح الراجح في الغالب لكنه قد يرجح مرجوح، يعني مسألة الطهارة الأصلية والفرعية حينما يناقش فيها شيخ الإسلام فيمن خلع الخف واستمر على طهارته ويقيسه على شعر الرأس إذا مسحه ثم خلعه، لو تقرأ المسح على الخفين في الاختيارات رجعت عن هذا القول، وتفريق شيخ الإسلام بين الطهارة الأصلية والفرعية، في كتابه الاختيارات يفرق، ومع ذلك يقول: يقاس القدم على الرأس إذا حلق الشعر، فما أحد يلزم بقول أحد، كما أننا أيضاً لا نلزم الإخوان بترجيح ما رأينه أبداً، المسألة لا حجر لمن لاح له شيء، ليس معنى هذا أن الإنسان إذا ترجح عنده قول أنه هو  الصواب ما يلزم، نعم؟

أنا أقول هذا لأنه كثر السؤال يعني واحد يجلس واحد يقوم واحد يصلي معي وواحد يتبعني واحد... على شان إيش؟ إحنا قررنا هذه المسائل في دروس كثيرة جداً يعني، وكون الإنسان يقول لك: والله الشيخ فلان قال نعم الشيخ قال وهل يخفى علينا قول فلان أو علان؟ ما يخفى.

عفا الله عنك.

باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل:

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا".

قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج.

حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل».

قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح.

قال: وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه: «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل».

وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي  وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.

عندك واو، مثل سفيان ها؟

طالب: نعم؟

مثل...

طالب: مثل سفيان الثوري.

في واو؟ نعم؟

طالب: عفا الله عنك.

مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل"

والختان بالنسبة للرجل معروف، وهو واجب لأن الطهارة لا تتم إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا مختلف في وجوبه، وأما بالنسبة لختان المرأة ويقال له: الخفاض فمسالة مختلف فيها، فمنهم من أوجبه وأما استحبابه فلا إشكال فيه «إذا التقى الختانان وجب الغسل» ختان وخفاض فقيل: الختانان من باب التغليب، كما يقال: العمران، والقمران، والأبوان.

قال: "حدثنا أبو موسى محمد -بن موسى أبو موسى بن- المثنى" المعروف، العنزي، ثقة، من شيوخ الأئمة، "قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم" بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة "عن أبيه" القاسم بن محمد، أحد الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة السبعة.

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

 

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

الفقهاء السبعة.

"عن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان" يعني إذا حاذى أحدهما الأخر، والمراد الجماع، وهو تغيب الحشفة "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" يعني الاغتسال من هذه الجنابة، يعني ولو لم ينزل.

"قالت عائشة -رضي لله عنها- فعلته" أي ما ذكر من مجاوزة الختان الختان "أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" والتصريح بمثل هذا لا ينافي الأدب؛ لأن المصلحة راجحة، لكن حينما لا يكون هنالك مصلحة فالتصريح بمثل هذا مخل بالأدب، ومذموم في النصوص، وهو من الرفث الذي جاء النهي  عنه، لكن قراءة مثل هذا الحديث في نهار رمضان أو في الحج مثلاً هل هو مخل بالصيام أو مخل بالحج أو لا يخل بهما؟ يقرأ في سنن الترمذي أو في الصحيحين أو في غيرهما؟ يقرأ مجموعة من الشباب حاجين يقرؤون في عرفة مثل هذا الكلام.

طالب:.......

تقول: ليس من الرفث، ابن عباس يخص الرفث بما تواجه به النساء، يعني لو كان الكلام بين الرجال ما يضر، لكن إذا وجهت به النساء فإنه يسمى رفث، مع أنه الرفث ينظر فيه إلى الكلام ذاته، ولو لم يكن بحضرة نساء، فالإسفاف في الكلام رفث، وما يتعلق بأمور النساء وما يقع بينهن مع رجالهن مع أزوجهن كلها رفث، وإن قال ابن عباس ما قال، وذكر عنه في كتب التفسير وكتب اللغة البيت المعروف الذي لا يقال في حال السعة فضلاً عن حال النسك، يذكر هذا عن ابن عباس، والنكارة فيه ظاهرة، يعني يثبتونه، الأئمة كلهم يثبتونه عن ابن عباس.

وهن يمشين بنا هسيسا
ج

 

...................................
جج

...البيت، بيت كله رفث، يعني ما يقال في حال السعة فضلاً عن مثل هذه الأوقات.

"إن تصدق الطير" هذا تطير بعد هذا مخالف للمعروف من النصوص، فقراءة مثل هذه الأحاديث يعني إن لم تكن الحاجة داعية إليها فيفضل أن يقرأ غيرها من أبواب العلم في وقت الصيام وفي وقت الحج، وإن دعت إليها الحاجة تقرأ؛ لأنه ليس المقصود الرفث إنما المقصود العلم.

"فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" والضمير ضمير المتصل (أنا) يؤتى به لتجويز العطف على ضمير الرفع المتصل، لو قالت: "فعلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا هنا لا يجيزون العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل.

وإن على ضمير رفع متصل

 

عطفت ففصل بالضمير المنفصل
ج

يعني كما هنا.

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

 

في النظم فاشياً وضعفه اعتقد
ج

على كل حال هنا جاءت بضمير الفصل على الجادة، قد يقول قائل: إنها فصلت بضمير نصب المتصل، فصلت بين ضمير الرفع المتصل والمعطوف عليه بضمير نصب "فعلته ورسول الله" يكفي وإلا ما يكفي؟ لأنه يقول: "أو فاصل ما" أي فاصل، يعني ما تقول: جئت وزيد، تقول: جئت أنا وزيد وتقول: جئت اليوم وزيد هذا فاصل، لكن ضمير النصب كما هنا يكفي وإلا ما يكفي؟ "فعلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" مقتضى قوله: "أو فاصل ما" أنه يكفي؛ لأنه وجد الفصل بين ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه.

"قال: وفي الباب عن أبي هريرة" وهذا مخرج في الصحيحين والمسند "وعبد الله بن عمرو" عند ابن ماجه "ورافع بن خديج" عند الإمام أحمد.

قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد" بن جدعان، وهو ضعيف عند جماهير أهل العلم، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر، فقد وثق مجموعة من الضعفاء في حواشيه على المسند، وعلى الترمذي أيضاً يعني في الجزأين وثق أكثر من عشرين جمهور أهل العلم على ضعفهم، ومنهم على بن زيد، ومنهم ابن لهيعة، ومنهم ابن إسحاق، وجمع من الرواة، نعم؟

طالب:.......

والإفريقي محمد تقدم هذا عبد الرحمن بن زياد، المقصود أن عشرين أو يزيدون قليلاً أو ينقصون كلهم وثقهم وجماهير أهل العلم على ضعفهم.

"عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل».

يقول الشوكاني: ورد الحديث بلفظ المحاذاة وورد أيضاً بلفظ الملاقاة، وبلفظ: المجاوزة كما هنا، وبلفظ الملامسة، وبلفظ الإلصاق، والمقصود من ذلك كله أنه إذا أولج فقد وجب الغسل وقد وقت الملاقاة.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأصله في صحيح مسلم بلفظ: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل» وفي بعض الروايات: «وإن لم ينزل» يعني الغسل مرتب على مس الختان الختان الذي يعبر به عن الإيلاج.

"قال: وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه: «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل».

وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي  وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا التقاء الختانان وجب الغسل".

يقول النووي: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، يعني كان الخلاف بين الصحابة معروف، قال: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين، وأردف الترمذي هذه الترجمة بالترجمة: "ما جاء أن الماء من الماء" وكان هذا في صدر الإسلام فهو منسوخ، ونقرأه لصلته بحديث الباب، نعم.

عفا الله عنك.

قال -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء أن الماء من الماء:

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب -رضي الله عنهما- قالا: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها".

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا.

حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام".

قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك، قال أبو عيسى: وأبو الجحَّاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مريضاً.

مرضياً، مرضياً.

عفا الله عنك.

"وكان مرضياً".

قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « الماء من الماء».

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء أن الماء من الماء" وهذا مثل ما تقدم بحثه في تقديم الناسخ على المنسوخ، والترتيب الطبيعي أن يقدم هذا لقدمه في الزمان في الوقت، قال: "باب ما جاء أن الماء من الماء" الماء هو الماء الذي يغتسل به من الماء الذي هو الخارج من الإنسان إثر الجماع، لا ماء إلا من الماء، مقتضاه أنه لا غسل إلا بالإنزال، والترمذي عقد هذه الترجمة لبيان أن هذا الحديث.. أن الترجمة بلفظ حديث أنه منسوخ لبيان أن ما ورد مما يدل على أن الماء من الماء منسوخ، وقوله: الماء من الماء هذا فيه الجناس التام، يأتي اللفظ واحد والمعنى مختلف.

قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد" الأيلي، وهو ثقة  "عن الزهري عن سهل بن سعد" بن مالك الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة "عن أبي بن كعب قال: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها" يعني وفرض الغسل بمجرد الإيلاج، فلا يلزم نزول الماء.

قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام أحمد وأبي داود والدارمي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، في العلل التي في أخر الجامع لما ذكر الحديث حديث: "الماء من الماء" قال: بينا علته في الكتاب، وعلته أنه منسوخ، ولذا ذكروا من أجناس العلل النسخ، وقالوا: إن الترمذي سمى النسخ علة، ويريدون بهذا الكلام هذا الموضع من الترمذي، قال: إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وحديث أبي صريح في النسخ، وقال في العلل: بينا علته في الكتاب وهي النسخ، فالترمذي سمى النسخ علة، فإن قصده أنها علة مؤثرة في الصحة فلا، الحديث صحيح، وإن قصده أن العلة مؤثرة في العمل بالحديث فصحيح، لو لم نعرف المتقدم من المتأخر، وجاءنا حديث: « إنما الماء من الماء» مع حديث: «إذا التقى الختانان» فما الذي يقدم منهما؟ نعم؟ أيهما الماء من الماء؟

طالب:.........

لماذا؟ طيب، ها؟

طالب:.........

نعم جاء حمله على الاحتلام، لكن يبقى أيضاً أنه من حيث... نعم؟

طالب:........

أنه إيش؟ يعني أنزل أو لم ينزل.

أيضاً حديث: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ولو لم ينزل» هذا منطوق، ودلالة حديث: «الماء من الماء» على عدم الاغتسال من مجرد الإيلاج مفهوم وليس بالمنطوق، منطوق الحديث دلالته في محل نطقه أن الماء الذي هو الاغتسال يجب إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب إذا لم ينزل، منطوق الحديث غير مخالف لمنطوق الحديث السابق، منطوق الحديث غير مخالف، لكن المخالفة بين الحديث السابق مع مفهوم هذا الحديث، والمنطوق مقدم على المفهوم، يعني مثل ما قالوا في حديث القلتين أن «الماء طهور لا ينجسه شيء» وحديث القلتين: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» قالوا: إن حديث: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» مخصص بحديث: «إذا بلغ الماء قلتين» «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» فيه عموم مخصوص بحديث: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» قالوا: لكنه تخصيص بالمفهوم، يعني المعارضة بين هذا وهذا ليست منطوق مع المنطوق، إنما هي منطوق مع المفهوم، ولذلك شيخ الإسلام يرى أن حديث القلتين صحيح، لكن دلالته على مراد الشافعية والحنابلة بالمفهوم لا بالمنطوق، ومخالفه منطوق فالمنطوق مقدم على المفهوم، وهنا كذلك، يعني حديث: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ولو لم ينزل» هذا منطوقه ظاهر في أنه يلزمه الغسل نعم ولو لم ينزل، وحديث: «إنما الماء من الماء» أو الماء من الماء منطوقه أنه يجب الغسل إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب الغسل إذا لم ينزل، المنطوق مع المنطوق ما في مخالفة، المخالفة بين منطوق الحديث الأول ومفهوم الحديث الثاني، وحينئذٍ المنطوق مقدم على المفهوم، مع أن القول بالنسخ واضح كانت رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها، أيضاً التصريح هنا: "ثم نسخ ذلك" وسيأتي حمله على الاحتلام.

"قال: وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبي بن كعب" حديثه تقدم في الباب نفسه "ورافع بن خديج" وروايته خرجها الحازمي في الاعتبار "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا".

مسألة تتعلق بالحديث السابق «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» وهي مما يحتاج إليها، ويسأل عنها، إذا أولج بحائل، مع حائل مثلاً يعني من غير مباشرة لا سيما مع ما يرد على هذه البلاد من مصنوعات قد تستعمل على وجه مشروع أو على وجه غير مشروع، المقصود أنه يوجد حوائل وجودها مثل عدمها، يعني لا تحول دون كمال اللذة، فهل نقول: إن هذا إيلاج بحائل أو مباشرة، إذا جامع بحائل منهم من يقول: إنه  إيلاج مطلقاً، ولو كان هذا الحائل خشن يحول دون كمال اللذة، ومنهم من يقول: ليس بإيلاج مطلقاً، ولو كان ناعماً، والصواب التفريق بين الخشن الذي يحول دون كمال اللذة، وبين الناعم الذي لا يحول دون كمال اللذة، فالناعم وجوده مثل عدمه، يعني يكون إيلاج ويجب الغسل من الطرفين، ولو لم يحصل إنزال، بينما الذي يحول دون كمال اللذة من حائل خشن مثل هذا لا يأخذ حكم المباشرة.

أيضاً لو أولج في غير القبل؛ لأن في الحديث: «إذا التقى الختان» والدبر ليس فيه ختان، فهل الحكم واحد أو يختلف؟ هذه مسألة من المسائل الكبار ترى ليست سهلة، يعني ولا يعني أن العلماء إذا بحثوا مثل هذه المسألة أنهم يبيحون العمل، لا العمل حرام، يعني سواء كان الإيلاج بالنسبة للمرأة من الدبر أو في اللواط -نسأل الله السلامة والعافية-، كل هذا من عظائم الأمور، لكن يبقى أن له أحكام مترتبة أخرى، هل يلزم اغتسال أو لا يلزم؟ هذه مسألة من كبار المسائل، ولا بد من بحثها، منهم من يقول: ما دام فرج الحكم واحد، ولعل هذا هو الظاهر.

قال: "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا شريك" بن عبد الله القاضي "عن أبي الجحاف" داود بن أبي عوف، كما ذكر الترمذي، وهو صدوق "عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام" إنما الماء من الماء في الاحتلام، يعني لا في الجماع، ولا شك أنه إذا احتلم ولم ينزل فإنه لا غسل عليه، لحديث أم سلمة قالت: "هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟" قال: «نعم إذا هي رأت الماء» إذا رأت الماء، إذا رأت  الماء يلزم الغسل، مفهومه أنها إذا لم تر الماء فإنه لا غسل عليها.

"قال أبو عيسى: سمعت الجارود" بن معاذ السلمي الترمذي ثقة "يقول: سمعت وكيعاً" الإمام ابن الجراح، "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" ومعروف شريك أنه يخطأ، وقال الإمام مسلم في حديث الإسراء الذي رواه من طريقه فقال: إن شريكاً زاد فيه ونقص، وقدَّم وأخر، وأورد ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد من أوهام شريك في الإسراء، وكذلك الحافظ ابن حجر ما يصل إلى العشرة، عشرة أوهام في حديث الإسراء "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" أولاً: هذا الخبر موقوف على ابن عباس واجتهاد منه، الأمر الثاني: أنه سواء كان ثبت عن ابن عباس أو لم يثبت فالقول به من أجل التوفيق بين النصوص لا شك أنه وجه من وجوه رفع التعارض، ومسلك من المسالك التي يسلكها أهل العلم للتوفيق بين النصوص، وهو قول جيد في الجملة، يعني إذا أمكن الجمع فلا يعدل عنه إلى النسخ، ويمكن حمل حديث: «الماء من الماء» على الاحتلام، ولا يحتاج إلى أن نقول: إنه منسوخ؛ لأن النسخ يقتضي إلغاء الحديث، رفع الحكم بالكلية، والقول بأنه محمول على صورة خاصة وهو الاحتلام يبقي دلالة الحديث قائمة، وينفي التعارض بينه وبين الأحاديث الأخرى.

قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري أنه قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً" مرضياً، سفيان الثوري يقول: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً، وهذه من ألفاظ التعديل المتوسطة، يعني تدل على قبول خبره وإن لم يكن على درجة من التوثيق.    

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الماء من الماء».

الحديث لم يرد عنهم جميعاً بهذا اللفظ، وإنما وردوا في قصة، وردت أسماؤهم في قصة واحدة عند البخاري،  في صحيح البخاري عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أريت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني معناه معنى حديث: «الماء من الماء» فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك، يعني المعنى واحد وليس بلفظ الخبر.

طالب:........

إيه، يعني سبب الورود يرد قول ابن عباس، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يلجأ إلى خصوص السبب عند التعارض، فيحمل أو يقصر الخبر على سببه، قول وكيع: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك يدل على أنهم يسمون الأخبار الموقوفة والمقطوعة حديث، يسمون الموقوفات والمقاطيع يسمونها أحاديث، ولذلك هذا ينفع في رفع الإشكال الذي يرد عند ذكر ما يحفظه الأئمة، إذا قيل: الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، طيب سبعمائة ألف حديث لو بحثت في الدواوين الموجودة ما وجدت ولا مائة ألف، وين راحت؟ ضاعت على الأمة؟ لا ما ضاعت، كانوا يعدون المكررات أحاديث فربما حديث يرد من مائة طريق يعدونها مائة حديث، يعدون أقوال الصحابة أحاديث كما هنا، نعم، سمى كلام ابن عباس حديث، يعدون أقوال التابعين حديث، فإذا جمعنا هذه الأمور مجتمعة بلغت أضعاف ما يحفظه الإمام أحمد، فلا يقال: إن شيء من الدين قد ضاع على الأمة، يعني الأمة معصومة  في أن تفرط في شيء من دينها.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

"
يقول: هل قال أحد بطهارة المذي؟

أولاً: حكمه أنه نجس نجاسة مخففة عند أهل العلم يكتفي فيها بالنضح ليست كنجاسة البول، ومنهم من نظر إلى هذا التخفيف الوارد من الشرع فقال بطهارته كالمني.

هذا يقول ما الدليل على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول؟ وكيف الجمع بينها وبين ما صحت به السنة أنه -عليه الصلاة والسلام- كأنه على الرضف، يعني الحجار المحماة؟

أولاً: صحت به السنة.. لم تصح به السنة، الحديث ضعيف عند أهل العلم، وأما الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول فقال به جمع من أهل التحقيق، وإن كان الجمهور على خلافه، وأن التشهد الأول ينتهي بالشهادة، وما يستدل به بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الثاني يستدل به في التشهد الأول، هذه حجة من يقول: بأنه يصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول، ويقول: وكذلك أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من جنس الدعاء لا من جنس التشهد ثم ليتخير من المسألة ما شاء يعني بعد انقضاء التشهد، وعلى كل حال سواء تشهد أو لم يتشهد الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.
فعلى هذا لو أطال الإمام التشهد الأول فهل يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو يكرر التشهد الأول أو يسكت؟ الذين لا يرون الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول وأنها ركن في غير موضعه قالوا: يسكت أو يكرر التشهد، لكن الذين يقولون: الأمر في سعة، وأن الدليل الذي يثبت به الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الثاني هو نفسه الدليل الذي يثبت به في التشهد الأول، ومثلما قلنا: الأمر -إن شاء الله- فيه سعة.

يقول: إذا أعطيت شخصاً زكاة على أنه يصلي في بيته ثم تبين عدم صحة ذلك يعني أنه لا يصلي البتة -نسأل الله السلامة والعافية-، فهل أعيد دفع الزكاة؟

إذا كنت تحريت وبحثت وسألت وأعطيته من أجل أن يستمر على ملازمة العبادة؛ لأنه لا يستطيع الحضور إلى المسجد، أما إذا كان يصلي في بيته وهو يستطيع الحضور إلى المسجد فمثل هذا يهجر، ولا يعطى من الزكاة، ويبين له أن منعه من الزكاة من أجل عدم حضوه الجماعة لعلى ذلك أن يكون رادعًا له عن معصيته التي ارتكبها؛ لأن الصلاة مع الجماعة واجبة وهو عاصٍ بتركها.

قال: ما حكم من يجمع بين قراءتين أو روايتين مثلاً يقرأ بحفص وشعبة في آن واحد؟

التلفيق عند جمع من أهل العلم مردود، مردود عند جمع، وإن كانت القراءة كلها متواترة، ومنهم من يرى أنها ما دامت ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالسند المتواتر، وأنها قراءة تجوز القراءة بها إجماعاً فلا مانع أن يقرأ آية أو كلمة على قراءة والثانية على قراءة أخرى، وعموماً أهل العلم يكرهون مثل هذا التلفيق كراهة شديدة حتى في الحديث، الذي بابه أوسع من القرآن، حتى في الحديث، والمسألة مفترضة فيما يقرأ بينه وبين نفسه أو يقرأ لنفسه أما من يقرأ للناس في الصلاة فلا يجوز التشويش عليهم، والتطرق الخلل إلى معتقدهم في القرآن؛ لأن عامة الناس لا يعرفون هذه الأمور.
يقول: وكذلك لو سمعت إماماً يقرأ بالصلاة ثم أخطأ وهذا الخطأ موافق لقراءة أخرى فهل أرد عليه مثل يعملون وتعملون؟
مثلما قلنا: عند من يمنع ويشدد في المنع وهذا قول معروف عند أهل العلم ترد عليه ما دام ماشي على قراءة وما قرأه في التعقيب: يعملون وتعلمون مخالف لهذه القراءة ترد عليه، وعند ما يسامح في هذا ويتوسع والتشويش على عامة الناس أمر مرفوض، وكان السبب الأول في جمع القرآن هو خشية أن يفتتن الناس؛ لأن هذا الخلاف في أصل من أوصل الدين، الذي هو القرآن فإذا وقع فيه الاختلاف لا شك أن القلوب تتنافر ويحصل الخلل والفرقة؛ لأن أعظم ما يجمع الناس كلام الله -جل وعلا- القرآن الذي لا اختلاف فيه.

يقول: أليس إذا غسل رجلاً ثم أدخلها ثم غسل الثانية ثم أدخلها في الخف يكون قد أدخلهما طاهرتين؟ فقوله: «طاهرتين» حال للثنتين جميعاً وليس لواحدة، فلو قال: إني أدخلتهما طاهرتين أي أحد القدمين صح الاستدلال فما قولكم؟

هذه المسألة، السؤال هذا استعجلنا أو أعجلنا في مسألة بحثها أهل العلم ونذكرها في موطنها -إن شاء الله تعالى-، لكن نشير إليها الآن، يعني إذا غسل العضو ارتفع الحديث عنه؟ وإلا الحدث شيء واحد لا يرتفع إلا إذا اكتملت الطهارة؟ بمعنى أنه لو غسل وجهه وغسل يديه يجوز أن يمس المصحف قبل أن يغسل قدميه؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ إذاً لا يرتفع الحدث ولا يصح وصف الرجل بأنها طهارة حتى يغسل الثانية.

يقول: كيف نشأت القراءات ونحن نعلم أن القراءات بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟

يعني وجود القراء بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أن القراءات بعد زمنه -عليه الصلاة والسلام- بل كل هذه القراءات متلقاة عنه -عليه الصلاة والسلام-، عنه عن جبريل عن رب العزة -جل وعلا-، ما دامت متواترة فهي ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يجوز أن يقال: أنها بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام -، نعم القراء بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هم يتلقونها بالأسانيد المتواترة القطعية، تواتر الطبقة جيل عن جيل إلى أن وصلوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: وأن عثمان -رضي الله عنه- جمع القرآن على حرف قريش؟
نعم كانت القراءة على الأحرف السبعة توسعة على الناس، لما دخلوا في الإسلام وهم متفاوتون متباينون في السن وفي اللهجات يصعب على القبيلة هذه أن تنطق بهذا الحرف، ويصعب على القبيلة الأخرى أن تنطق بالحرف الآخر، ويصعب على الكبير أن ينطق بما ينطق به الصغير وهكذا؛ لأن كبار السن يصعب عليهم التعلم، وشواهد الأحوال موجودة الآن، لو تأتي بكبير ستين سبعين سنة وتعلمه الحروف وتعلمه القرآن من جديد صعب عليه جداً، بل بعضهم يستحيل تعليمه، بعض كبار السن يستحيل تعليمه، وبعضهم يقبل التعليم على صعوبة، على كل حال هذه توسعة القراءة على سبعة أحرف، ثم لم رأى عثمان -رضي الله عنه- أن جمعهم على حرف واحد هو الذي يجمع قلوبهم على هذا الأصل الأصيل، ووافقه جميع الصحابة لم يخالفه أحد منهم، وثبت هذا بإجماع من الصحابة، والإجماع لا يثبت إلا بدليل يعني يكون له أصل ومستند من مشكاة النبوة، فعلى هذا لا يجوز القراءة على..، أو القراءة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، على هذا يقرر أهل العلم.

يقول: إذا كان من أصول الحنفية أن الزيادة على القرآن نسخ فكيف يرون المسح على الخفين مع أن الآحاد عندهم لا ينسخ القرآن؟

أولاً: المسح على الخفين ورد بالتواتر القطعي، وينسخ به القرآن عند من لا يرى نسخ القرآن بالآحاد، لكن هناك مسائل كثيرة ثبتت بأحاديث آحاد وقالوا بها، مسائل كثيرة لم تثبت إلا أنها وردة بأحاديث ضعيفة وقالوا بها، فبهذا يلزمون، يلزمون بنقض هذه القاعدة.

يقول: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» فهل هذا يدل على أن العبادات كالنوافل في الصلاة والذكر أفضل من غيرها أم أنه مجرد خبر؟

من أهل العلم من يرى أنه مجرد خبر، مجرد خبر كما جاء في النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة، مثلها أنها لا مزية لها على غيرها، ولو لم يرد إلا هذا لقلنا: إن هذه الروضة مثل تلك الأنهار، يعني ما يشرع أن الإنسان يذهب إلى النيل أو إلى الفرات يغتسل فيها؛ ليغتسل بينها، لا، لكن ورود مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» يدل على أن هذه الروضة لها مزية، لها مزية وهي من رياض الجنة، «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» وأما تفسير رياض الجنة بأنها حلق الذكر فهذا تفسير بفرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص، كما في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] «ألا إن القوة الرمي» يقول -عليه الصلاة والسلام-، تخصيص القوة بالرمي لا يعني أن نقتصر عليه ولا نستعمل غيره مما نتقوى به على الأعداء، فهذا تنصيص على فرد من أفراد العام وهو عند أهل العلم لا يقتضي التخصيص، فروضة من رياض الجنة «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا»، يبقى مسألة وهي مسألة سد الذريعة، يعني لو كان الشخص ممن ينظر إليه ويقتدى به ويظن بعض الجهال أن لهذا الروضة مزية غير ما يتعبد به من قراءة، من تلاوة، من صلاة، من ذكر، قد يظن أنه يتبرك بها، ولو لا أنه يتبرك بها ما جاء إليها هذا الشخص الذي ينظر إليه ويقتدى به، إذا خشي من ذلك أن يضل الناس بسببه يترك سداً للذريعة، وإلا فالأصل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا».

يقول: ماذا عن كتاب إحياء علوم الدين؟

إحياء علوم الدين للغزالي كتاب معروف ومشهور ومتداول، وهو في جميع الأقطار الإسلامية له شأن عظيم، هو ديدن عند كثير من المسلمين، في كثير من الأقطار، لكنه فيه شوب البدعة واضحة، والخروج عن منهج السلف الصالح في كثير من المباحث العقدية، وفيه أيضاً أخبار باطلة لا أصل لها، وأحاديث موضوعة، هذا موجود، وفيه فوائد لا سيما ما يتعلق بأمراض القلوب، ومن هنا جاء التشديد في أمره بالنسبة لشيوخنا وشيوخهم إلى أئمة الدعوة كلهم لا يرون القراءة في هذا الكتاب لما فيه من مخالفات عقدية، وفيه أحاديث باطلة، وفيه مسائل معروفة، ومعروف أن الغزالي من حيث الاعتقاد أشعري من الأسماء والصفات وغيرها وهو أيضاً متصوف، قد شاب الزهد الديني بالفلسفة القديمة، فمنهجه في هذا خاطئ وباطل -نسأل الله العافية- وعنده طوام، لكن لا يعني أن طالب العلم الذي يميز بين الحق والباطل يمنع من الإفادة منه، نعم لما كان الأمر على الحيطة والحذر وإمكان تحقيق هذه الحيطة بمنع الكتاب كان لا يوجد في البلد مثلاً إلا نسخة واحدة هذه يمكن منع الإطلاع عليها، لكن الآن كم طبع الكتاب من طبعة؟ وكم من نسخة في كل طبعة؟ وكم من نسخة في بيت كل طالب علم من طلاب العلم الآن؟ هذا لا يمكن منعه، وعلى هذا يُنبه على خطأه، وفي تقديري أن لو انبرى له طالب علم بارع متميز وقرأه وعلق عليه وبين الأخطاء التي فيه يمكن أن يستفاد منه، أما في وضعه الحالي فطالب العلم المتوسط قد لا يتخلص من كثير من مخالفاته.

يقول: ما صحت حديث: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً»؟

الحديث حسن، فليحرص طالب العلم على هذه الأربع الركعات.

يقول: بيع السواك بين الأذان والإقامة ما حكمه؟

إذا كان خارج المسجد فلا بأس به.

يقول: ما مفهوم قول الإمام أحمد: فقه الحديث أحب إليّ من حفظه؟

واضح أن الثمرة العظمى من النصوص هي العمل، هي العمل والعمل لا يتم إلا بعد الفقه والاستنباط، هذا مهم جداً بالنسبة لطالب العلم فهم النصوص والاستنباط من النصوص، العمل بالنصوص هذه هي الثمرة العظمى، وما الحفظ سواء كان في الصدر أو في الكتاب إلا من أجل أن تفهم هذه النصوص، ويستنبط منها، ويعمل بها، لكن لا يعني هذا أننا نقلل من شأن الحفظ، لا، الحفظ هو الذي يسعفك في كل وقت، مثل ما قيل: "من عمدته الحفظ كمن زاده التمر، ومن مُعوَّله على الكتاب كمن زاده البر" التمر في أي وقت احتجت إليه تأكله، لكن البر، البر يحتاج إلى طحن، يحتاج إلى طبخ، يحتاج إلى معاناة، فالذي حفظه في كتابه يحتاج إلى مراجعة الكتاب، وأما الذي حفظه في صدره فلا يحتاج، والحافظة موهبة من الله -جل وعلا- قد لا يستطيعها كثير من الناس، لكن الفهم الفهم، مثلما قلنا: إن المعول على هذا التفقه والاستنباط والعمل، التفقه والاستنباط من أجل العمل، فعلى هذا الفقه له شأن عظيم في هذه النصوص.

يقول: هل هناك من جمع اختيارات ابن حجر الفقهية وكذلك الحديثية؟

في بحوث كثيرة جداً حول ابن حجر لا سيما ما يتعلق بالحديث، أما بالنسبة للفقه فهي قليلة.

يقول: هل يجوز النظر إلى المرأة الكبيرة التي لا أجد في النظر إليها فتنة لأجل السلام عليها؟

النظر ممنوع من الرجال إلى النساء، وكونها كبيرة أو لا تشتهى نعم هذا يخفف في المسألة، لكن لا يبيح لك أن تنظر إليها من غير حجاب، يجب عليها الحجاب إلا إذا كانت من القواعد التي لا ترجو نكاحاً فيخفف في أمر حجابها.