الشمائل النبوية (13)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبدالله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
تذكيرا للإخوة والأخوات نحن نقرأ بعض الأحاديث في كتاب شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- للإمام الحافظ الترمذي- رحمه الله- لازلنا في باب ما جاء في عيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكنا قرأنا حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- نستكمل ما تبقى من ألفاظه يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث أبي هريرة عن محمد بن سيرين رواه الإمام الترمذي بسنده "عن محمد بن سيرين قال كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط في أحدهما فقال بخ بخ يتمخط أبو هريرة في الكتان لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحجرة عائشة رضي الله عنها مغشيًا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي جنونًا وما بي جنون وما هو إلا الجوع"، والحديث سبقت قراءته في حلقة مضت وتخريج الإمام البخاري له، والمناسبة والرابط بين الحديث والترجمة قوله "ثوبان ممشقان" بفتح المعجمة الثقيلة بعدها قاف أي مصبوغان، بالمِشْق بكسر الميم وسكون المعجمة وهو الطين الأحمر والمعنى: أن الثوبين كانا مطرزين بلون أحمر، يعني هذا اللون يشبه المِشْق، والمشق الطين الأحمر، وهذان الثوبان مطرزان بلون يشبه هذا الطين، لا أنهما مطرزان بطين "من كتان" (من) بيانية، والكِتان والكَتان بكسر الكاف وفتحها وتشديد التاء معروف، قال ابن دريد: هو عربي، سمي بذلك لأنه يكتن أو يكتنّ أي يسودّ إذا ألقي بعضه على بعض
هو نوع قماش.
نعم نوع قماش، ويصنع منه القماش ويصنع منه الورق، ورق الكتان من أقوى أنواع الورق يمكث مئات السنين كأنه جديد لا يتغير، حتى اللون أبيض ما يتغير "فتمخط في أحدهما"أي استنثر وطهر أنفه، ومنه المخاط ماء يسيل من الأنف، وتمخطه: إما لحاجته إلى ذلك، أو ازدراء بهذين الثوبين اللذين حصل عليهما بعد مفارقة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، فلو كان حصولهما خيرًا لوُجدا في عهده -عليه الصلاة والسلام-، تجد بعض الناس في وقت الشباب والقدرة لا يحصل له ما يريد فإذا كبر وضعفت قواه وجاءه المال يتمنى أن يكون المال وجد في ذلك الوقت، إذا كان محجوبا عن كثير من الأطعمة ثم جاءه المال وكان في وقت الشباب يتمنى أن يحصل على شيء يأكله مثل هذا لا شك أنه سوف يزدري هذا المال، وقس على هذا ما يتعلق بالقوى الأخرى، يقول: فلو كان حصولهما خيرًا لوجدا في عهده -عليه الصلاة والسلام- أو لأن مثل هذا اللباس يناسب الشباب، ومجيء الشيب بعد ذهاب وقت الإفادة منه يبعث على مثل هذا التصرف قوله "بخ بخ".
في قوله وعليه ثوبان كان من عهدهم عادة لبس الثوبين؟
لا شك أن الثوبين أستر وأفضل في الصلاة لكن لمّا سئل -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة في الثوبين قال «أولكلكما ثوبان؟!» ليس كل واحد منهم يملك ثوبين، المقصود أن لبس الثوبين أكمل من الواحد لكن لا شك أن كثيرا منهم يعجز عن ملك الثوبين.
لكن تكون بنفس الصفة: يعني ثوبين فوق بعض بنفس الصفة ما يختلف هذا عن هذا، ليس المقصود هذا نصف وهذا إزار ورداء مثلاً وإنما ثوبان.
الثوب أعم من أن يكون هو قطعتان سواء كانت لجميع البدن أو لبعضه الأعلى والثاني نصفه الأسفل قوله "بخ بخ" بفتح الموحدة وسكون المعجمة بخْ بخْ وفي نسخة بكسرها منونة بخٍ بكسرها.
بكسر الخاء نعم.
ويقول: بفتح الموحدة وسكون المعجمة عندهم دقة في التعبير، الباء معجمة وليست مهملة لكن ما يمكن يقولون معجمة يقولون موحدة.
لأن الياء تشبهها.
نعم لكن الخاء يقولون معجمة لأنه لا يشبهها في الصورة.
إلا الحاء.
والجيم.
الجيم نعم.
وسكون المعجمة الجيم لا يقولون معجمة، يقولون جيم لأنك إذا رسمت جيم: جيم ياء ميم ما يشبهها حرف آخر.
بينما الخاء يشبهها الحاء.
فهم عندهم دقة في هذا الباب، يعني يلحظون أمور دقيقة، ولذلك يقولون: الباء موحدة والخاء معجمة، يضبطون بهذا أحيانًا، ويضبطون بالنظير فيقول لك حرام بن عثمان مثلاً يضبط لك الاسم بلفظ ضد الحلال بدل أن يقول الحاء، ولن يخطئ القارئ في مثل هذا، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار. المقصود أن لهم ملاحظ قد لا يدركها كثير من الطلاب الذن ما عانوا القراءة في الشروح، وفي نسخة بكسرها منونة بخٍ بخٍ، قال في النهاية: هي كلمة تقال عند الفرح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة لكن هنا هل قيلت للفرح والرضا؟
لا.
ولذلك قالوا وقد تستعمل للإنكار كما هنا كأنه يستنكر أن يوجد مثل هذا النوع من الثياب عند هذا الشيخ الطاعن في السن قاله البيجوري: "يتمخط أبو هريرة في الكتان"؟! كلام مستأنف للتعجب والاستغراب لهذه الحالة، هو نفسه الذي قال هذا الكلام، أبو هريرة يتعجب ويستغرب، يتمخط في الكتان بعد حالته التي سوف يشرحها، ثم بين أبو هريرة وجه التعجب بقوله لقد.. جواب قسم مقدر أي "والله لقد رأيتني" أي علمتني حملاً لرأى البصرية على القلبية لأن كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين من خصائص أفعال القلوب أي علمتني لا رأيت نفسي "وإني لأخر" بكسر الخاء أي لأسقط يقال خر الشيء بمعنى سقط "ما بين منبررسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحجرة عائشة"- رضي الله عنها- أي في الروضة الشريفة، وجاء في رواية: فيما بين بيت عائشة وأم سلمة ولا منافاة لإمكان التعدد "مغشيًا عليّ" أي فاقد الوعي والقدرة على الحركة لضعف القلب بسبب الجوع، وقد يحدث الغشي أيضًا من شدة الألم، لاشك أن الغشي له أسباب قد يحدث مثلاً من فقر الدم مثلاً وهذا يسببه الجوع.
أوالسكر.
المقصود أن الغشي له أسباب كثيرة، منها ما عندنا والذي عندنا بسبب الجوع وقد يحدث الغشي أيضًا من شدة الألم "فيجيء الجائي" يأتي الآتي "فيضع رجله على عنقي يرى أن بي جنونًا" كلام قد يستنكر السامع حتى المجنون يمكن أن توضع الرجل على عنقه! هل الجنون مبرر بأن توضع الرجل على العنق يستغرب مثل هذا الكلم "فيضع رجله على عنقي يرى أن بي جنونًا" أي على عادة الناس يومئذ في فعلهم ذلك مع المجنون حتى يفيق؛ لأنه ينفع وضع الرجل على العنق بالنسبة للمجنون وليس من باب الاستهانة بالرجل والاستخفاف به، أو عدم اكتراث بمسلم كهذا كأبي- هريرة رضي الله عنه- وقوله يُرى بصيغة المضارع أي يُظن، أو يَرى أي يظن ذلك الجائي أن بي نوعًا من الجنون وهو الصرع الصرع وما "وما بي جنون" أي والحال أني ليس بي جنون "وما هو إلا الجوع" أي ليس بي إلا غشيان من الجوع الشديد وما هو إلا الجوع وهذه حالهم لاسيما فقراء المسلمين من أهل الصفة كثير منهم على هذه الحالة فقراء، هم أضياف الإسلام يقربون من السبعين في الصفة، ومنهم أبو هريرة- رضي الله عنهم- فإذا تأملنا حالهم وهم خيرة الخلق بعد الأنبياء وصفوة الخلق، صحب محمد، حملة الدين وحماته، من فتح الله بهم البلاد وهدى بسببهم العباد، هذه حالهم فإذا تأملنا هذا نظرنا إلى أن الدنيا كما جاء في الحديث لا تزن عند الله جناح بعوضة، لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء ومع ذلك الدنيا يعطيها الله- جل وعلا -من يحب ومن لا يحب، وأما بالنسبة للدين فلا يعطيه إلا من يحب، وأمر ثاني: وهو أن الدنيا كما في الحديث الصحيح سجن المؤمن وجنة الكافر، فإذا عرف المسلم مثل هذه النصوص قنع بما أعطاه الله- جل وعلا- من رزق ولو كان يسيرًا، المقصود أن مثل هذه النصوص ينبغي أن تكون لاسيما فيما يتعلق بعيشه -عليه الصلاة والسلام- الذي هو أكرم الخلق ينبغي أن تكون على ذكر المسلم ليقتدي به ويتحمل ويصبر كما صبر -عليه الصلاة والسلام- لينال مطلوبه في الآخرة إن شاء الله تعالى.
أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.
أيها الإخوة والأخوات نصل بهذا إلى ختام هذه الحلقة نلقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة لنستكمل بقية أبواب الشمائل النبوية التي نقرؤها من كتاب شمائل النبي للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي شكرا لطيب متابعتكم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.