التعليق على الموافقات (1431) - 03

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

هذا يقول: صدمت سيارتي وقدّر المرور تكلفة الإصلاح ثلاثة آلاف ومئة ريال، واتصل بي لاستلام النقود، فما حكم هذه النقود؟

هذه إن كانت من المتسبب في الحادث الصادم هذه ما فيها شبهة، لكن إن كانت من شركة تأمين تدفع عن المتسبب فهذه مسألة شبهة، وأنت مستحق لهذا المبلغ؛ لأنك معتدىً عليك، وكونه يتحمله هو أو يُتحمل عنه هذا ما لك به علاقة، لكن الشبهة موجودة، وإلا فالأصل ما فيه إشكال.

يقولون: ماذا إذا تمت عملية الإصلاح بمبلغ أقل أو تم استبدال بعض القطع الأصلية بأخرى تجارية، فما حكم الباقي من النقود؟

الأصل أن هذا المتسبب للحادث وهذا الصادم يدفع الأرش بين قيمة السيارة سليمة وبين قيمتها مصدومة، يعني قد تصلح بألف ريال، لكن قيمتها تنزل ثلاثة آلاف، أنت تستحق ثلاثة آلاف ما هو بألف ريال.

يقول: سؤالي عن استخدام برامج الكمبيوتر الأجنبية غير المرخصة، حيث يتم استخدامها لعمل برامج أخرى وبيع هذه البرامج المنتجة، فما حكم هذا؟ وماذا إذا كان سعر هذا البرنامج مبالغ فيه؟ وهل يعتبر شراء ترخيص من هذه الشركات الأجنبية دعمٌ لدولهم التي تعادي الإسلام؟

على كل حال إذا تم التعامل مع المسلمين فلا يتعامل مع الكفار؛ لأن التعامل معهم إعانة لهم، التعامل معهم في الأمور التجارية التي توجد عند غيرهم من المسلمين دعمٌ لهم بلا شك، فإذا كانت السلعة المحتاج إليها لا توجد إلا عندهم فلا مانع من التعامل معهم، يبقى مسألة البرامج هذه إذا كانت تضر بأصل المنتِج والمنتِج مسلم يتضرر بهذا البرنامج الذي تعب عليه، وأنفق فيه الأموال فلا يجوز؛ لأنها ضرر عليه، وأما إذا كان لا يتضرر فلا إشكال في استخدام هذه البرامج ومعالجتها لإخراج برامج بسببها أخرى.

طالب:...

المنتِج كافر أمره سهل إن شاء الله.

أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول الشاطبي -رحمه الله تعالى- في الموافقات: "المسألة الخامسة: الأدلة الشرعية ضربان: أحدهما ما يرجع إلى النقل المحض، والثاني ما يرجع إلى الرأي المحض، وهذه القسمة هي بالنسبة إلى أصول الأدلة، وإلا فكل واحدٍ من الضربين مفتقر إلى الآخر؛ لأن الاستدلال بالمنقولات لا بد فيه من النظر، كما أن الرأي لا يعتبر شرعًا إلا إذا استند إلى النقل".

نعم، يقول -رحمه الله تعالى-: الأدلة الشرعية ضربان؛ أحدهما ما يرجع إلى النقل المحض، وهو النصّ من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو الأصل، النصّ الدليل، قال الله وقال رسوله، لكن هذا الدليل يحتاج إلى شيءٍ من النظر، التعامل مع هذا الدليل يحتاج إلى شيءٍ من النظر، فليس بنقلٍ محض، وليس برأي محض، يعني كل واحد يعتريه ما يعتري الآخر، إلا أن الأصل في الأول هو النقل، والأصل في الثاني هو الرأي، فالنقل المحض هذا هو المعول عليه، والدليل هو لا غيره، العلم قال الله قال رسوله، لكن كيف تتعامل مع هذا النصّ؟ هذا نظر، والنظر يحتاج إلى فكِر ورأي، فالنصّ لا يستغني عن الرأي، والرأي المجرد لا قيمة له بدون أن يأوي، ويرجع إلى نصّ. فكلٌّ منهما محتاج إلى الآخر، إلا أن الأصل في الأوّل النقل، والثاني الرأي، الأوّل يحتاج إلى الرأي، والثاني يحتاج إلى النقل. يعني إذا نظرنا إلى علم الرواية والسُّنَّة والأثر هم يقسمونه إلى قسمين: يقسمونه إلى ما يتعلق بالرواية، وإلى ما يتعلق بالدراية، الرواية المحضة التي هي مهنة جمع غفير من الرواة، هم مجرد حملة آثار، وليسوا بفقهاء، وينقلون ويبلغون العلم إلى غيرهم. ورب مبلَّغٍ أوعى من سامع.

 هذا الذي سمع الخبر الأصل الذي بلغه قد لا يعيه تمام الوعي، بل وُجِد من الرواة من هو مجرد آلة تبليغ كالمسجل، وهذا كثير في الرواة، ووجد منهم الفقهاء، والفقهاء الذين هم الذين يوصلون العلم والدين إلى الأمة، الأئمة المقتدى بهم منهم من يغلب عليه الضرب الأوّل، ومنهم من يغلب عليه الضرب الثاني.

وفرقٌ بين فقيه على طريقة المحدثين، ومحدِّث على طريقة الفقهاء، فرقٌ بينهما، فقيه على طريقة المحدِّثين كأحمد والشافعي ومالك وسفيان، وبين من هو مُحدِّث على طريقة الفقهاء، نعم له يد في الحديث، لكن استعماله للرأي أكثر، ومحفوظه من النصّ أقل، تسميه محدِّثًا باعتبار أنه معوَّله على الحديث، لكن استغلاله واستفادته من الحديث على طريقة الفقهاء وأهل الرأي، والناس ما زالوا ينقسمون إلى هذين القسمين إلى يومنا هذا، فرق بين فقه الألباني وبين فقه غيره من الفقهاء الذين يهتمون بالنصّ، لكن أصل فقههم وتفقههم على طريقة أهل الرأي، ما نحس بفرق بين فقه الألباني مثلاً وفقه ابن عثيمين؟ بينهما فرق كبير نعم، يعني تجد هذا منحاه إلى الرواية أكثر، وهذا اتجاهه إلى الدراية أكثر، وكلٌّ على خير، يعني من الذي مثل المدرستين باعتدال؟

ابن باز رحمة الله عليه، ما تجده مال إلى الأثر وأهمل الفقه بالكلية والنظر، ولا تجده اتجه إلى النظر وأهمل الأثر بالكلية، أو مال وأجحف بهذا، وكلٌّ على خير، يعني نحسبهم والله حسيبهم على خير كثير، وكل واحد منهم إمام ومدرسة مستقلة يتفقه عليها طالب علم، ويتخرج عليها طالب علم، وهذا هو مدار بحث المسألة الخامسة: ما يرجع إلى النقل المحض لا يمكن أن يستغني عن النظر، وإلا صرنا ظاهرية، وما يرجع إلى الرأي المحض لا يمكن أن يستغني عن الأثر وإلا فلا قيمة للرأي المجرد.

"فأما الضرب الأوّل: فالكتاب والسُّنَّة، وأما الثاني فالقياس والاستدلال، ويلحق بكل واحد منهما وجوه؛ إما باتفاق، وإما باختلاف، فيلحق بالضرب الأوّل الإجماع على أي وجه قيل به".

نعم؛ لأن الإجماع لا بد له من مستند، لا بد له من دليل يعتمد عليه، ما يمكن أن يقوم إجماع بدون دليل، طيب، إذا وجدنا الإجماع خالف الدليل، إجماع محفوظ مضبوط ما هو بدعوى خالف نصًّا صريحًا صحيحًا من كتابٍ أو سنة، فما المقدَّم؟ يقول كثير من أهل العلم يجرؤون على أن يقولوا: يقدَّم الإجماع، لماذا؟ لأنه لا يحتمل نسخًا ولا تأويلًا بخلاف النصّ، يحتمل أن يكون منسوخًا، وناسخه معوَّل الإجماع الذي اعتمد عليه أهل الإجماع ولو لم نطلع عليه، يقولون: الإجماع لا ينسَخ ولا يُنسَخ؛ لأن النسخ من خصائص النصوص، قالوا: إنه يدل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه، فالإجماع مردّه إلى النصّ،  وإلا لم يكن إجماعًا.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

يعني مثل ما قالوا في نسخ (قاتل) مدمن الخمر، قالوا منسوخ، قالوا: ودليل النسخ الإجماع، والإجماع له دليل ولو لم نطلع عليه، هذا بحثوا ووجدوا أدلة قد لا تنهض إلى قوة الحديث الأصلي.

"ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا؛ لأن ذلك كله وما في معناه راجعٌ إلى التعبد بأمرٍ منقولٍ صرف لا نظر فيه لأحد".

نعم مذهب الصحابي على القول به من القسم الأوّل؛ لأنه نقلٌ عن ذلك الصحابي، ولو كان هذا المنقول عن الصحابي من القسم الثّاني من اجتهاده.

طالب:...

الآن نُقِل عن الصحابي كذا، نُقِل عن عمر أو عثمان أو علي أو، أو غيرهم حكم في مسألة كوننا يصل إلينا هذا المنقول بالسند فلان عن فلان عن فلان إلى هذا الصحابي هو من قبيل القسم الأوّل؛ لأنه نقل محض، ثم في النهاية متن هذا المنقول قد يكون من النوع الثّاني الذي هو رأيٌ محض، هذا مذهب الصحابي، أليس هو اجتهاد الصحابي؟ اجتهاده، قد يكون اجتهادًا منه فيكون من النوع الثّاني باعتبار، ومن النوع الأوّل باعتبار.

 وشرع من قبلنا هل هو اجتهادٌ من أهل العلم أو بواسطة النقل فهو منقول؟ ولا يقال في مثل ما قيل في الصحابي، هل نقول: إن شرع من قبلنا اجتهد فيه من يجتهد من علمائهم؟ لا؛ لأننا لا نعتبر شرع من قبلنا إلا ما نُقِل عن صاحب الرسالة قبل نبينا -عليه الصلاة والسلام-. وكل هذا على الخلاف في الاحتجاج بهما.

"ويلحق بالضرب الثاني الاستحسان والمصالح المرسلة إن قلنا: إنها راجعةٌ إلى أمر نظري، وقد ترجع إلى الضرب الأول إن شهدنا أنها راجعة إلى العمومات المعنوية، حسب ما يتبين في موضعه من هذا الكتاب بحول الله".

يعني الاستحسان على الخلاف القوي فيه بين أهل العلم، والمصالح المرسلة، الاستحسان إن وُجِد له دليل ظاهر ما صار استحسانًا، إنما هو شيء ينقدح في الذهن في ذهن المجتهد يجعله يميل إليه ويستروح إليه من غير دليلٍ ظاهر، فهو ملحق بالضرب الثّاني، المصالح المرسلة إذا كان المجتهد نظر إليها باعتبار الواقعة، ونظر إلى أن ارتكاب هذه الواقعة أو درء هذه الواقعة من خلال ما يحوم حوله، ويدور في فلكه مما يُرجِّح العمل بها أو تركها رجعت إلى الضرب الثّاني صارت مجرد اجتهاد، لكن إذا كانت هذه المصالح المرسلة تأوي إلى عمومات شرعية، ويُستأنس لها بقواعد وإن لم تدل عليها صراحة صار فيها شوبٌ من النوع الأوّل، وإلا فهي في الأصل من النوع الثّاني.

"فصل: ثم نقول: إن الأدلة الشرعية في أصلها محصورة في الضرب الأول؛ لأنا لم نثبت الضرب الثاني بالعقل، وإنما أثبتناه بالأول؛ إذ منه قامت أدلة صحة الاعتماد عليه، وإذا كان كذلك فالأول هو العمدة، وقد صار إذ ذاك الضرب الأول مستند الأحكام التكليفية من جهتين إحداهما جهة دلالته على الأحكام الجزئية الفرعية، والأخرى جهة دلالته على القواعد التي تستند إليها الأحكام الجزئية الفرعية".

يعني في النهاية نرجع إلى أن الشرع معوله على الدليل المنقول، معوله أولًا وآخرًا على الدليل المنقول؛ لأننا اشترطنا في الثاني أن يستند إلى دليل، أن يكون له أصل، يعني لا يكون رأيًا مجردًا لا أصل له، فيعود الأمر إلى أن الأدلة محصورة في الضرب الأول، وأن الثّاني هو مجرد تتميم للقسمة، نعم قد يكون في بعض صوره بُعد عن الضرب الأوّل، وإيغالٌ في الرأي، وإن رجع إلى الأوّل، ومنه ما هو قريبٌ من الضرب الأوّل. يعني الأحكام التي معولها على الرأي، وعلى النظر، وعلى الأقيسة منها ما هو بعيد كل البعد من النصوص، فهذا لا عبرة به، الذي له صلة بالنصوص يدعمه النصّ، هذا يرجع إلى الأول عند حصر القسمة في قسمٍ واحد، وإذا قلنا: قسمان فمجرد توضيح وتسمية كل قسم بما هو ألصق به، وإن كان فيه شوب من النوع الثّاني، نظير ذلك يشترط لصحة العبادة شرطان: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص والمتابعة، وهما متفق عليهما، طيب، من قال: شرط واحد، وهو المتابعة؛ لأن العمل المجرد عن الإخلاص لا متابعة فيه، والعمل الذي تتحقق فيه المتابعة لا بد أن يكون عامله مخلصًا، فعادت إلى قسم واحد، لكن هذا التقسيم إنما هو لمجرد زيادة الإيضاح والاهتمام بالقسمين؛ لأنه لو أهملنا الإخلاص وقلنا: شرط القبول المتابعة، ذهل كثيرٌ من المسلمين عن هذا الشرط الذي لا تصح العبادة إلا به، وإن لم يتحقق الثّاني ذهل عنه وصارت أعماله مردودة عليه، مع أنه إذا ذهل عنه ولم يتحقق فإنه بالطبع الثّاني لم يتحقق، ومثل هذا يعني إذا ذهل الإنسان عن القسم الثاني، واسترسل مع الرأي المجرد ما صار دليلًا شرعيًّا أصلاً.

"فالأولى كدلالته على أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والحج والجهاد والصيد والذبائح".

وغيرها من الأحكام الجزئية.

"والبيوع والحدود وأشباه ذلك، والثانية: كدلالته على الإجماع على أن الإجماع حجة".

يعني على الأدلة الإجمالية.

"والثانية: كدلالته على أن الإجماع حجة وعلى أن القياس حجة، وأن قول الصحابي حجة، وشرع من قبلنا حجة، وما كان نحو ذلك.

فصل: ثم نقول: إن الضرب الأول راجع في المعنى إلى الكتاب وذلك من وجهين".

المنقول ما مرده إلى النقل المحض راجعٌ إلى الكتاب، طيب السُّنَّة؟ السُّنَّة داخلة في الكتاب، الكتاب هو الأصل، والسُّنة مبينة وموضحة للكتاب ومفسرة للكتاب، لكن لماذا العلماء يفصلون؟ كل الأدلة يمكن حصرها بما جاء عن الله -جل وعلا- الذي هو الأصل وهو المُشرِّع، لكن التقسيم وتفصيل الأدلة الإجمالية على ما يذكره أهل العلم لمزيد الاهتمام بها والعناية بها؛ لأنه فرقٌ بين أن يكون الشيء رأسًا قائمًا بذاته وبين أن يكون داخلاً في غيره، يعني حينما نجعل السُّنَّة أصلًا فإننا نبيِّن أهمية هذه السُّنَّة في قلوب المسلمين؛ ليعتنوا بها، لكن إذا جعلناها داخلة في الكتاب أغفلنا أو صرنا سببًا في غفلة الناس عنه من وجه، الذين لا يستدلون إلا بالكتاب وبيننا وبينكم كتاب الله، فنشبههم من هذه الحيثية، إذًا لا بد من التفصيل، وإن كان الكل من عند الله -جل وعلا-.

"أحدهما أن العمل بالسُّنة والاعتماد عليها إنما يدل عليه الكتاب؛ لأن الدليل على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعجزة، وقد حصر -عليه الصلاة والسلام- معجزته في القرآن بقوله: «وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي»، هذا وإن كان له من المعجزات كثيرٌ جدًّا بعضه يؤمن على مثله البشر، ولكن معجزة القرآن أعظم من ذلك كله، وأيضًا فإن الله قد قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59]، وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأنفال:1] في مواضع كثيرة، وتكراره يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما في الكتاب، ومما ليس فيه مما هو من سنته، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7]، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63] إلى ما أشبه ذلك، والوجه الثّاني أن السنة إنما جاءت مبينة للكتاب وشارحة لمعانية، ولذلك قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:44]، وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[المائدة:67]،  وذلك التبليغ من وجهين: تبليغ الرسالة، وهو الكتاب".

تبليغ الحروف وتبليغ المعاني.

"وبيان معانيه، وكذلك فعل -عليه الصلاة والسلام-، وجزاه عنا أفضل الجزاء بمنّه وفضله، فأنت إذا تأملت موارد السُّنَّة وجدتها بيانًا للكتاب، هذا هو الأمر العام فيه، وتمام بيان هذا الوجه مذكور بعدُ إن شاء الله تعالى، فكتاب الله تعالى هو أصل الأصول، والغاية التي تنتهي إليها أنظار النظار، ومدارك أهل الاجتهاد، وليس وراءه مرمى؛ لأنه كلام الله القديم، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42]".

الإطلاق بأن كلام الله قديم هذه طريقة الأشعرية ومن يقول بقولهم، وأنه قديم، وأن الله تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد، لكن الذي عليه أهل الحق من سلف الأمة وأئمتها أن كلام الله وإن كان قديم النوع لم يزل متكلمًا، ولا يزال، فهو حادث الآحاد، فهو يتكلم متى شاء إذا شاء، كيف شاء.

"وقد قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل:89]، وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38]، وبيان هذا مذكورٌ بعدُ إن شاء الله تعالى.

 المسألة السادسة: كل دليلٍ شرعي فمبنيٌ على مقدمتين: إحداهما راجعةٌ إلى تحقيق مناط الحكم، والأخرى ترجع إلى نفس الحكم الشرعي".

يعني مناط الحكم علته، ويُنظَر في هذا الحكم مناطه من جهات: الأولى: التحقيق، تحقيق المناط، والتأكد من وجود العلة، وهي إما منصوصة أو متفق عليها، والثاني تنقيحه مما لا يصلح أن يكون مناطًا للحكم، والمرتبة الرابعة تخريجه، وتعديته إلى الفروع المشابهة للأصل في هذا المناط.

"فالأولى: نظرية، وأعني بالنظرية هنا ما سوى النقلية سواءً علينا أثبتت بالضرورة أم بالفكر والتدبر".

نعم الأولى نظرية، والمراد بالنظري ما يقابل النقلي؛ لأن النظري له مقابلٌ آخر، وهو الضروري، ولذا يقسمون العلم إلى علم نظري، وعلم ضروري، حتى التواتر يقسمونه إلى نظري، وإلى ضروري، العلم الذي يقابل الظن والشك والوهم يقسم إلى علم نظري، وإلى علم ضروري، ولا شك أن العلم الضروري الذي لا يمكن دفعه عن النفس، بل النفس تصدق به من غير تردد، العلم النظري نتيجته ملزمة، كالضروري، لكن ما يلزم كل أحد أن يصدقه من أول وهلة، يعني فرقٌ بين أن يقال: كم نصف الاثنين؟ هذا ضروري، كلٌّ يعرفه، العجائز يعرفون أن نصف الاثنين واحد، لكن إذا قيل: كم سُبع اثني عشر ألف ومئة وخمسين؟ هذا نظري يحتاج إلى نظر واستدلال، ما فيه كل أحد يصدق من أول وهلة النتيجة، لكن إذا ظهرت النتيجة قسمت وطلعت الرقم ثم ضربت الرقم بالمقسوم عليه، وطلع المجموع الكلي ما تقسم عليه ما تحلف صار علمًا، لكنه ليس بضروري تصدقه من أول وهلة، وفرقٌ بين هذا وهذا، ليس هذا هو المطلوب عندنا، النظري والضروري، عندنا العلم النظري المقابل للنقلي، المقابل للنقلي؛ لأن الدليل ينظر إليه من جهة من جهتين: من جهتين: من جهة ثبوته، ومن جهة دلالته على المطلوب، فجهة ثبوته هذه نقل، وجهة دلالته على المطلوب هذا النظر.

"ولا أعني بالنظرية مقابل الضرورية، والثانية: نقلية، وبيان ذلك ظاهرٌ في كل مطلب شرعي، بل هذا جارٍ في كل مطلبٍ عقلي أو نقلي، فيصحّ أن نقول: الأولى راجعةٌ إلى تحقيق المناط، والثانية راجعة إلى الحكم، ولكن المقصود هنا بيان المطالب الشرعية، فإذا قلتَ: إن كل مسكرٍ حرام فلا يتم القضاء عليه حتى يكون بحيث يشار ، إلى المقصود منه ليستعمل أو لا يستعمل؛ لأن الشرائع إنما جاءت لتحكم على الفاعلين من جهة ما هم فاعلون، فإذا شرع المكلف في تناول خمرٍ مثلاً قيل له: أهذا خمر أم لا؟ فلا بد من النظر في كونه خمرًا أو غير خمر، وهو معنى تحقيق، وهو معنى تحقيق المناط".

وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، إذا رأيت شخصًا يعمل عملاً هجم على قلبك أن هذا العمل غير مباح، فلا تقل له: أنت ارتكبت حرامًا مباشرة، لاحتمال أن يكون تصورك خطأً، أو يكون له تأويل مقبول، تقول له: ما هذا؟ فإذا قال لك كذا، تنتقل معه إلى مقدمة أخرى، يقول لك: هذا شراب، شراب شعير، فيه كحول؟ يقول: فيه، كم نسبته؟ من أجل ماذا؟ إذا أعطيته الحكم ما يرد عليك، ولذلك الذي جاء ودخل المسجد قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «هل صليت ركعتين؟»، لكن لو يجيء واحد يدخل المسجد ويجلس هناك وتقول له: قم صل ركعتين، يقول لك: والله صليت وراء هذا العمود، نحن ما رأيناه، يقال له: هل صليت ركعتين؟ حتى تقطع عليه الطريق.

 وما أوتي كثير من الناس بحيث يكون استدراكهم على غيرهم في غير محله إلا من هذا الباب، كم من إنسان يقول: ترى بيده كتاب الموافقات مثلاً، مجلد تجليدًا خاصًّا بلونٍ خاصّ، وتحسينات وتجميلات خاصّة، أنت تعرف أن عند فلان نسخة بهذه الصفة، تقول له: ما شاء الله نسخة فلان؟ من أين أتتك؟ ما تدري يا أخي، لعله جلد نفس التجليد عند مجلد، فكونك تهجم على ما يغلب على ظنك، هذا لا يسلم من استدراك، لكن تدرج معه حتى يصل إلى حدٍّ يلزَم بما بما صنع، صليت ركعتين؟ لا، صلِّ ركعتين، لكن الذي ما يستطيع إن يقول لك والله ما أنا مصلٍّ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» أنت تنطق بكلام النبوة، ما باجتهادك، يرد عليك، لكن لو قلت له: قم فصل ركعتين قال: والله صليت، أنت ما رأيتني، صادق أم كاذب؟ المهم أنك تقطع عليه هذا الاستدراك، مثل ما عندنا هنا.

"فإذا وجد فيه".

لكن الإنسان إذا وضع نفسه موضع تهمة، واتُّهم لأنه هو الذي وضع نفسه موضع تهمة، يلام المتَّهِم؟ وإن كان الذي وضع مُحِق، لو أن شخصًا معه زوجته في السيارة، رأى سيارة الهيئة فانطلق بسرعة وانحرف يمينًا وشمالاً، وترك الناس كلهم وراء ظهره، فتبعته الهيئة أو الشرطة وأوقفوه عند حدّه، ولاموه، وحققوا معه، يقول: هذا افترى علي، هذه زوجتي، من وضع نفسه موضع التهمة يتحمل، ولا يلام من يتابعه؛ لأنه بهذه الطريقة يفتح مجال للمفسدين بحيث لا يقال لهم شيء: والله مسكنا واحدًا وصار ما هو بصحيح، ولذلك ما يقال حول رجال الحسبة أنهم متعجلون لوجود هذه الكيديات، يعني يشاع عن بعض رجال الحسبة أن عندهم عجلة يمسكه مع واحدة صارت أخته أو بنته لماذا؟ لوجود مثل هذه المسائل الكيدية، تجد هذا الذي مُسك تصرف تصرُّفًا يجعل رجال الحسبة يتعين عليهم أن يناقشوه ولو تركوه لحصل عليهم اللوم.

 يعني مثل هذا الذي انطلق بسرعة، وانحرف يمينًا وشمالًا يُتبع هذا، لا بد أن يُتبع؛ لأن التصرف الذي يخلط الحق بالباطل يجب منعه، يجب منعه، إذا أدى إلى خلط الحق بالباطل يجب منه الحق؛ لئلا ينتشر الباطل، تحت مظلة هذا الحق المزعوم، يعني تجد بعض الناس في الأماكن العامة يضع يده على زوجته، وبعضهم ينزل قليلاً إلى خصرها بين الناس، في الأماكن بل في المساجد في المسجد الحرام رأيناه، هذا يجب أن يُمنَع، وإن كانت زوجته، هي زوجتك في البيت ما هو عند الناس، فمثل هذه التصرفات بعض الكتبة يكتبون عن مثل هذه التصرفات وأن رجال الحسبة تعجلوا وأوقفوا شخصًا، ولعلهم أساؤوا إليه، وهو التي معه زوجته، هو الذي أوقع نفسه في التهمة، فيتحمل ما أصابه. ولو تُرِك الناس يتصرفون مثل هذه التصرفات للزم ترك الجميع، حتى من كانت معه امرأة أجنبية، كيف نعرف أن هذه زوجته أو أجنبية إلا من خلال تصرفاته، العلامات الظاهرة هي التي تدل على البواطن.

 طيب شخص يشرب ماءً في قارورة أعدت للخمر، ويُستورد بها خمر، وتُصنع للخمر، هل يلام الذي ينكر على مثل هذا؟ ما يلام، يقول لك: أنا أشرب ماءً، انظر الماء، نقول: أنت الذي أوقعت نفسك في هذه التهمة، ولذا جاء الشرع بمنع الوسائل، ومنع التشبه بأرباب المنكرات والجرائم، لا يجوز أن يُشرب الخمر الماء على هيئة يشرب فيها الخمر، ولا في الأواني التي يُشرَب فيها الخمر، لماذا؟ لأن مثل هذا يجعل يجعل الباطل ملتبسًا بالحق، وإذا التبس الحق بالباطل وجب منع الجميع، طيب بعض الناس يتصرف تصرف السحرة، ويقول: إن هذا تمرين وخفة يد وما أدري إيش، حتى لو كان من هذا الباب يجب منعه؛ لئلا يلتبس الحق بالباطل، فيأتي يوم من الأيام فيكون الساحر بين ظهراني المسلمين ولا يوجد من ينكر عليه، لماذا؟ فلان المحترِف فلان عنده خفة يد، كيف نفرق بين الساحر وبين خفيف الحركة هذا؟ إذًا يجب منع الجميع؛ لئلا نرى أنفسنا في يوم من الأيام الجرائم والمنكرات بين أظهرنا ولا نستطيع إنكارها.

طالب:...

أول ما تُرى هذه الزجاجات ولم تُر إلا للخمر؛ لأن مسائل التشبه مسائل التشبه بدايتها أعظم من نهايتها، مسائل التشبه بدايتها بحيث لا تستعمل إلا عند الكفار التحريم وفيه قوة، ومن تشبه بغيرنا فليس منا، من تشبه بقوم فهو منهم، لكن إذا كثُر هذا الأمر في المسلمين وصار المستعمِل لهذا الأمر لا يعرف أنه يستعمل عند الكفار، إنما يقلد فيه أباه وجده وخاله وعمه، يعني هل نستطيع أن نقول: إن لبس البنطلون هذا في مصر والشام والمغرب والهند والسند تشبه بالكفار؟ يعني هل نقول: إن هذا الشاب تشبه بالكفار، أو تشبه بأبيه وعمه وخاله؟ ولباس قومه، هذا لباس قومه، لكن أوّل ما دخل على بلاد المسلمين هذا تشبُه، وتتجه إليه النصوص القوية.

طالب:...

على المتشبه الأول.

طالب:...

إذا وُجدت القرائن نعم، أما إذا خلت المسألة عن القرائن فلا، الأصل البراءة.

طالب:...

على كل حال القرائن لها نصيب من هذا. إذا وجدت القرائن بحيث يغلب على الظن أن هذه ليست من محارمه، أو تصرف تصرُفًا يستفز فيه الأخيار فلا بد أن يوقف عند حدِّه.

"فإذا وُجد فيه أمارة الخمر أو حقيقتها بنظرٍ معتبر قال: نعم هذه هذا خمرٌ، فيقال له: كل خمر حرام الاستعمال، فيجتنبه، وكذلك إذا أراد أن يتوضأ بماء فلا بد من النظر إليه هل هو مطلقٌ أم لا؟ وذلك برؤية اللون وبذوق الطعم وشم الرائحة، فإذا تبين أنه على أصل خلقته فقد تحقق مناطه عنده، وأنه مطلقٌ، وهي المقدمة النظرية، ثم يضيف إلى هذه المقدمة ثانية نقلية، وهي أن كل ماءٍ مطلق فالوضوء به جائز، وكذلك إذا نُظِر هل هو مخاطب بالوضوء أم لا؟ فيُنظر هل هو محدثٌ أم لا؟ فإن تحقق الحدث فقد حقق مناط الحكم، فيُرد عليه أنه مطلوب بالوضوء".

يرِد.

"فيرِد عليه أنه مطلوب بالوضوء وإن تحقق فقده فكذلك فيرد عليه أنه غير مطلوب الوضوء وهي المقدمة النقلية".

نعم المستنِدة إلى: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ».

"فالحاصل أن الشارع حكم على أفعال المكلفين مطلقة ومقيدة، وذلك مقتضى إحدى المقدمتين وهي النقلية، ولا ينزَّل الحكم بها إلا على ما تحقق أنه مناط ذلك الحكم على الإطلاق أو على التقييد، وهو مقتضى المقدمة النظرية، والمسألة ظاهرة في الشرعيات، نعم وفي اللغويات والعقليات، فإنا إذا قلنا: ضرب زيد عمرًا، وأردنا أن نعرف ما الذي يرفع من الاسمين وما الذي ينصب فلا بد من معرفة الفاعل من المفعول، فإذا حققنا الفاعل وميزناه، حكمناه عليه بمقتضى المقدمة النقلية، وهي أن كل فاعل مرفوع".

النقلية يعني المنقولة عن العرب.

"وأن كل فاعل مرفوع، ونصبنا المفعول كذلك؛ لأن كل مفعول منصوب، وإذا أردنا أن نصغر عقربًا حققنا أنه رباعي، فيستحق من أبنية التصغي بِنية فُعيعِل؛ لأن كل رباعي على هذه الشاكلة تصغيره على هذه الِبنية، وهكذا في سائر علوم".

الثلاثي يصغَّر على فُعيل، والرباعي يصغَّر على فُعيعِل.

 فعيل اجعل الثلاثي إذا صغرته          نحو قذيٍّ في قذى

 فُعيعِل مع فُعيعِيل لما زاد كجعل درهم دُريهمًا. فالرباعي وما زاد عنه فُعيعِل وفعيعيل، دُريّهِم ودُريهِيم.

"وهكذا في سائر علوم اللغة، وأما العقليات فكما إذا نظرنا في العالم هل هو حادثٌ أم لا، فلا بد من تحقيق مناط الحكم وهو العالم، فنجده متغيرًا، وهي المقدمة الأولى، ثم نأتي بمقدمة مسلَّمة وهي قولنا: كل متغير حادث، لكنا قلنا في الشرعيات وسائر النقليات: إنه لا بد أن تكون إحدى المقدمتين نظرية، وهي المفيدة لتحقيق المناط، وذلك مطرد في العقليات أيضًا، والأخرى نقلية، فما الذي يجري في العقليات مجرى النقليات؟ هذا لا بد من تأمله، والذي يقال فيه: إن خاصية المقدمة النقلية أن تكون مسلَّمة إذا تحقق أنها نقلية، فلا تفتقر إلى نظرٍ وتأمل، إلا من جهة تصحيحها نقلاً".

يعني لا بد أن تكون المقدمة مسلَّمة عمد الخصم، فلا تأتي بمقدمة مختلف فيها لتصل إلى نتيجة متفق عليها، يعني من أوضح الأدلة إذا قال الحنبلي أو الشافعي: إنه لا يجوز الرمي بجمرة قد رُمِي بها، يخاطب مالكيًّا، يقول: لا يجوز، قال: ما دليلك؟ قال: قياسًا على الماء المستعمل، هل يسلِّم المالكي بأن الماء المستعمل لا يستعمل؟ لا يسلِّم، لكن لو شافعي وحنبلي يمكن أن يستدل أحدهما على الآخر بمثل هذا، لكن شافعي أو حنبلي يستدل على مالكي بالقياس على الماء المستعمل يقول له المالكي: أنا لا أعترف بأن الماء المستعمل لا يتوضأ به، فالمقدمة مرفوضة من الأصل، إذًا النتيجة مقبولة أم مرفوضة؟ مرفوضة، في المناظرة لا بد أن تكون المقدمات مسلمة بين الخصمين.

"ونظير هذا في العقليات المقدمات المسلَّمة، وهي الضروريات وما تنزَّل منزلتها، وما تنزَّل منزلتها مما يقع مسلمًا عند الخصم فهذه خاصية إحدى المقدمتين وهي أن تكون مسلمة، وخاصية الأخرى أن تكون تحقيق المناط الأمر المحكوم عليه، ولا حاجة إلى البسط هنا، فإن التأمل يبين حقيقة الأمر، وأيضًا في فصل السؤال والجواب له بيانٌ آخر، وبالله التوفيق. المسألة السابعة: كل دليل شرعي ثبت في الكتاب مطلقًا غير مقيَّد، ولم يُجعَل له قانون ولا ضابط مخصوص، فهو راجعٌ إلى معنى معقول وُكِل إلى نظر المكلف، وهذا القسم أكثر ما تجده في الأمور العادية، التي هي معقولة المعنى، كالعدل والإحسان والعفو والصبر والشكر".

يعني في المعاني، في المعاني يظهر هذا جليًّا، أكثر من ظهوره في المحسوسات.

"والصبر والشكر في المأمورات، والظلم والفحشاء والمنكر والبغي ونقض العهد في المنهيات، وكل دليل ثبت فيها مقيدًا غير مطلق، وجُعل له قانون وضابط فهو راجع إلى معنى تعبدي لا يهتدي إليه نظر المكلف لو وُكِل إلى نظره؛ إذ العبادات لا مجال للعقول في أصلها فضلاً عن كيفياتها، وكذلك في العوارض الطارئة عليها؛ لأنها من جنسها، وأكثر ما يوجد في الأمور العبادية، وهذا القسم الثاني كثيرٌ في الأصول المدنية؛ لأنها في الغالب".

لا في المكية؛ لأن التشريعات المدنية جُلّها عبادات بدنية، يعني مثل العبادات التي تزاول بالبدن قد لا يدرك لها معنىً معقول، فيكون من قبيل التعبُّد، يعني لماذا صارت صلاة الظهر أربعًا والفجر ركعتين؟ لماذا نصوم رمضان ولا نصوم شوال؟ ولماذا...؟ هذه كلها تعبدية.

"وهذا القسم الثاني كثيرٌ في الأصول المدنية؛ لأنها في الغالب تقييدات لبعض ما تقدم إطلاقه إو إنشاء أحكام واردات على أسباب جزئية ويتبين ذلك بإيراد مسألة مستأنِفة".

مستأنَفَة.

"مستأنفَة".

يكفي.

يقول: ذكرتم أن لفظة كلام الله القديم من كلام الأشعرية فهل الشاطبي عنده تمشعر؟

ما يسلم، عنده مخالفات نعم. ما يسلم من تأثير البيئة، والإنسان ابن بيئته وعصره.

طالب:...

نادر هذا في المفسرين قليل، في شراح الحديث قليل، لكن يستفاد من هؤلاء، ويحذر مما عندهم من مخالفات.

طالب:...

والله أنت والظرف التي تعيشه، إن كنت تخشى من فتنة السامع به، وأن يقبله في كل ما يقول، فأنت تحرَّ في ألفاظك، وإلا جهودهم كبيرة يعني. جهودهم كبير.

طالب:...

يؤصِل ومن الذي ترضى سجاياه كلها. من الذي ترضى سجاياه، هذه وجهة نظره والذي يجزَم به، الذي يُقطَع به أنه ينصر ما يراه الحق، وإن أخطأ فيه بعض الشيء.