كتاب الغصب والشفعة من المحرر في الحديث - 02

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن جابر "-رضي الله تعالى عنه-" صحابي الحديثين السابقين "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا إذا كان طريقهما واحدًا»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وقد تكلم فيه شعبة وغيره بلا حجة، وهو حديث صحيح، ورواته أثبات".

 تكلم فيه شعبة؛ لأنه يرى أنه مخالف للحديث السابق: إذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة، والجار معروف أن حدوده معروفة، تكلم فيه من هذه الحيثية، وبعض العلماء يرى أن شعبة وإن كان إمامًا من أئمة الجرح والتعديل من أئمة النقد إلا أن منزلته في الفقه ومعرفة المتون أقل، فإذا كان طعنه في راوٍ في جرحه أو تعديله فهو إمام أمير المؤمنين في الحديث، وإذا كان الجرح يرجع إلى فهم الحديث ومتنه فإن منزلته أقل، شعبة رأى أنه معارض للحديث المتفق على صحته، المتفق على صحته، لكن الجمع ممكن بين هذا الحديث وبين الحديث الذي يقع معارضته له لاسيما وأن شفعة الجار...

(انقطاع في الصوت)

هذا الحديث فيه قيد، إذا كان طريقهما واحدًا، يعني فيه نوع اشتراك، وفيه نوع مضرة للجار؛ لأن الطريق واحد، وكذلك إذا اشتركا في مرفق من المرافق: في البئر مثلاً، أو في السطح، وقل مثل ذلك فيما هو معروف في وقتنا إذا اشتركا في العداد، في البيارة مثلاً، مع أن العداد يعني فصله ليس بالمستحيل، ليس بالصعب، لكن إذا لم يمكن فصله، وحصلت منازعة، كيف يقتسمان الفواتير وكذا، لا شك أن مثل هذا يتقى، فيكون الجار أولى وأحق بصقبه من غيره، فإذا وجد نوع اشتراك فهو مثل الاشتراك في المشاع من الأرض مما يترتب عليه من المشاكل، أما الجار أحق بصقبه فالحديث صحيح لا مطعن فيه في البخاري، لكنه محمول على ما إذا لم يكن هناك نوع اشتراك لا في طريق ولا في غيره، محمول على ما إذا كان فيه نوع اشتراك مثل هذا الحديث إذا كان طريقهما واحدًا فهذا قيد، لا بد من اعتباره، وإلا مجرد الجوار يخرج إذا عرفت الحدود وصرفت الطرق؛ لأن الحدود معروفة.

 فيجمع بين الأحاديث أن الاشتراك في الدور إذا كان فيها نوع اشتراك يترتب عليه كما في هذا الحديث أنه تثبت فيه الشفعة، وفي الأراضي المشاعة أيضًا تثبت فيها الشفعة إذا رسمت الحدود، وعرف كل واحد نصيبه، وعرف حده، وصرفت الطرق فهذا لا شفعة فيه، وكذلك البيوت إذا عرفت حدودها، ولا اشتراك فيها بوجه من أنواع الاشتراك فإنه حينئذ لا شفعة فيها.

 "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وقد تكلم فيه شعبة وغيره بلا حجة، وهو حديث صحيح رواته أثبات في رواية الطحاوي: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شيء، في كل شيء".

 وهو أعم من أن يكون في عقار، في أرض مشاعة،  أو في ربع، أو بيت، أو مزرعة، أعم حتى في المنقول، يعني لو وجد اشتراك في سيارة، اشترى اثنان سيارة، اثنان اشتركا في سيارة، فأراد أحدهما أن يبيع نصيبه لا شك أن الثاني يتضرر بالشريك الثاني، لاسيما إذا كان تعامله يختلف عن تعامل الشريك الأول، فهو أولى بهذا الشخص من غيره، ويشمله قوله: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شيء.

 المقصود أن الضرر لا بد أن يزال، لا بد أن يزال إذا وجد أي نوع من الضرر، وجدت أي معاملة يترتب عليها إشكال وخصومات فإن الشرع يدفع مثل هذه الخصومات بمثل هذه التشريعات.

 "ورواته ثقات، وقد روي من وجه آخر، وقد روي من وجه آخر".

 قال- رحمه الله-: "وعن قتادة عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «جار الدار أحق بالدار، جار الدار أحق بالدار»، رواه النسائي والطحاوي وابن حبان، وقد أعل"؛ لأن رواية قتادة عن أنس هذه غير محفوظة، والمحفوظ أنه من رواية الحسن عن سمرة، المحفوظ أنه من حديث الحسن البصري عن سمرة.

 ومر بنا مرارًا الخلاف في سماع الحسن من سمرة، فنفاه بعضهم مطلقًا، وأثبته آخرون، وقال آخرون بأنه سمع منه حديث العقيقة فقط، ولم يسمع منه بقية الأحاديث، والحسن- رحمه الله- كان إمامًا من أئمة المسلمين، وسيدًا من سادات التابعين، لكنه عرف بالتدليس الشديد، وقد عنعن لم يصرح بالتحديث، فحديثه أيضًا محكوم عليه بأنه ضعيف أيضًا، وإن كان المحفوظ أنه من رواية الحسن عن سمرة، لكن لا يعني كون الحديث محفوظًا أن يكون ثابتًا، يعني الموجود الصحيح في الرواية أنه من طريق الحسن عن سمرة، الصحيح في الرواية، يعني الموجود في دواوين الإسلام الثابتة أنه من طريق لا يعني أنه صحيح بنفسه، يعني هناك ألفاظ قد يفهم منها غير المراد منها، وهذه في غاية الأهمية، قد تلتبس على طالب العلم، مثل هذا الآن عندنا قتادة عن أنس غير محفوظ، والحسن عن سمرة هو المحفوظ، يعني هو الصحيح في الرواية لا من حيث صحة المروي، فرق بين صحة الرواية وصحة المروي.

 كما يخلط بعضهم بين روايات الصحيح، وبين الروايات في الصحيح، روايات الصحيح، والروايات في الصحيح، قد يقال: إن هذه الرواية لا تصح في صحيح البخاري، بمعنى أنها لم يتفق عليها الرواة الأثبات عن البخاري؛ لأن الرواة عن البخاري رواه عنه أكثر من تسعين ألفًا، والرواية المشهورة المحفوظة التي حررها ودونها وأتقنها اليونيني وجمع بينها، ورمز لكل رواية منها، معروف أن رواية الصحيح متفاوتة، فأتقن الروايات كما نص عليه ابن حجر مثلاً رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، وقال عن أبي الهيثم الكشميهني: ليس من الحفاظ، وهو من رواة الصحيح، هل نقول: إن الصحيح فيه ضعيف؛ لأن الكشميهني ليس من الحفاظ؟ هو ليس من الرواة المخرج لهم في صحيح البخاري، لا، هو ممن يروي صحيح البخاري بجملته، فلا يعني هذا أننا نطعن في رواية في صحيح البخاري؛ لأنها جاءت من طريق الكشميهني، أيضًا جاءت من طريق غيره.

 ففرق بين رواية الصحيح، وبين الرواية في الصحيح، رواية الصحيح ممن دون البخاري هذي ما فيها إشكال، البخاري ثبت وانتهى، فلو مثلاً في طريقي أنا إلى البخاري كذاب أو وضاع ضعيف شديد الضعف، فهل هذا يقدح في صحيح البخاري؟

 ما له علاقة، صحيح البخاري ثابت بدون روايتي، وبدون رواية هذا الضعيف مثلاً، لكن الذي يقدح وجود الراوي الضعيف بين المؤلف وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- ، فنتنبه لمثل هذا.

قالوا: المحفوظ أنه من حديث الحسن عن سمرة، "«جار الدار أحق بالدار»، رواه النسائي والطحاوي وابن حبان، وقد أعل" أعل ما الذي يقابل المحفوظ؟ الشاذ، أعل بالشذوذ، فالمحفوظ أنه من رواية الحسن عن سمرة، وإذا قلنا: إن المحفوظ رواية الحسن عن سمرة أيضًا رواية الحسن عن سمرة وقد عنعن ضعيفة أيضًا، لكن يروي عنه ما ثبت في الصحيح صحيح البخاري «الجار أحق بصقبه».

 وعرفنا في الدرس الماضي أن الأصمعي سئل عن الصقب فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وهذا من ورعه، الأصمعي من أئمة اللغة الأثبات المحيطين بها المطلعين عليها نثرًا ونظمًا المخالطين للعرب، ويحفظ أكثر من ستة عشر ألف قصيدة بعضها يصل إلى أكثر من مائتي بيت ويقول: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يأتي بعض الأدعياء ممن يخرجون في وسائل الإعلام ويخرجون في قنوات، أو يكتبون في صحف، ويتكلم في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو قلت له: صف لنا الوضوء الكامل كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- ما عرف، ثم يفسر حديث الرسول، وقد يتكلم في القرآن برأيه ثم يقول: هم رجال ونحن رجال، نقول: لا، أنت في هذا الباب ما أنت مثلهم.

 قال: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن العرب تزعم أن الصقب اللسيق اللزيق، ويقال بالسين والصاد، كما هو معروف، ويقال أيضًا بالزاي؛ لأن الحروف الثلاثة تتقارض، وقد قرئ فيها، قرئ قوله: {الصِّرَاطَ} [سورة الفاتحة:6].

"بسم الله، وصلى الله على نبينا محمد.

 قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

باب السبق:

 عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق بها، متفق عليه، واللفظ لمسلم. زاد البخاري: قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية الوداع إلى مسجد.."

من الحفياء..

"من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية.."

ومن..

أحسن الله إليك.

"ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.

 وعنه -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل، وفضل القرح في الغاية، رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا سبَق إلا في خف أو حافر أو نصل»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان، وصححه ابن القطان.

 وعنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس به»."

أن يُسبَق، أن يُسبَق.

أحسن الله إليك.

"«وهو لا يأمن أن يُسبَق فلا بأس به، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار» رواه.."

يُسبَق يُسبَق.

"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وله علة مؤثرة ذكرها غير واحد من الأئمة."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب السبَق"، أو السبْق، السبْق بإسكان الباء مصدر سبَق يسبق سبْقًا، {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} [سورة النازعات:4]، ويراد به المسابقة التي تكون بين طرفين فأكثر، فمن تقدم يسمى سابقًا، ومن تأخر يسمى مسبوقًا، والمصدر السبْق، والمسابقة كالمسارعة والمنافسة تكون بين أطراف، والسبَق بفتح الباء هو الجعل الذي يُجعَل للسابق من المتسابقين، السبَق هو الجعل من المال الذي يجعل للسابق من المتسابقين، فهل العنوان باب للمصدر موضوع للمسابقة أو موضوع للجعل؟

إذًا باب السبْق، والحديث الثالث من الباب للجعل، ولذلك يقول: «لا سبَق»، فالباب باب السبْق، والحديث «لا سبَق إلا في» إلى آخره.

 قال -رحمه الله-: "عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت" المضمرة، بين الخيل المضمرة التي تابعوا عليها بالأكل حتى تسمن وتقوى، ثم قطع عنها الأكل، ثم قطع عنها الأكل مع التمرين، مع التمرين، مثل ما يفعله الناس اليوم للتخفيف، الناس الذين يركبهم اللحم، ويظهر فيهم السمن يخففون الأكل، ويزاولون الرياضة، ويمشون، أو يزاولون أعمالً فيها شيء من المشقة؛ ليشتدوا؛ لأنه إذا كان بدينًا ثم ترك الأكل ونحف ما ينشط، ما يكون فيه نشاط وقوة وحيوية إلا إذا زاول رياضة من المشي وغيره، وأيضًا يكون بدنه فيه شيء من الرخاوة.

 أنت الآن لو عندك كيس فيه من الطعام ملؤه، تجده شديدًا، لكن إذا أخذت نصفه بقي نصفه بالكيس، ماذا يصير؟ يصير رخوًا، فإذا ترك الأكل هذا البدين صار جسمه رخوًا، إلا إذا زاول معه شيئًا من الرياضة، ومثله التضمير، التضمير بعد التسمين لا شك أن التسمين يعطي للبدن قوة، لكن مع ذلك يعوقه عن بعض الأمور، تجد بعض السمان فيه نشاط وقوة وهو في مكانه، لكن إذا قلت له: يجري ويروح ويجيء وحركة وكذا يتعب؛ لأنه ثقيل، لكن إذا ضمر وزاول الرياضة، وقطع عنه الأكل، أو خفف الأكل وهو يزاول الرياضة فهذا محل النشاط والقوة والحيوية، كما هو في التضمير المذكور، ولذلك هذه الخيل المضمرة الميدان تكون مسافته خمسة أميال أو ستة، بينما غير المضمرة ميل واحد، ولذلك قال ابن عمر -رضي الله عنه-: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها" يعني نهايتها وغايتها "ثنية الوداع"، ثنية الوداع، وبينهما خمسة أميال أو ستة، كما سيأتي في زيادة البخاري من قول سفيان.

 "وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق بها، وكان ابن عمر فيمن سابق بها"، القائل مَن؟

طالب: .......

نعم نافع، والخبر أخذه من ابن عمر، ولا يمنع أن يكون القائل ابن عمر نفسه على سبيل التجريد، على سبيل ما يسمى بالتجريد، يعن ابن عمر -رضي الله عنه- جرد من نفسه شخصًا، ثم تحدث عنه كما قال في الحديث الصحيح: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث سعد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطًا وسعد جالس، ما قال: أنا جالس، هذا يسمونه تجريدًا.

 "وكان ابن عمر فيمن سابق به، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 زاد البخاري: قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال"، والميل كيلومتران إلا ثلثًا، كيلو وثلثا الكيلو، يعني حدود ألف وسبعمائة متر، أو يقل قليلاً، فتكون على هذا الخمسة في اثنين عشرة إلا ثلثًا، قريب من ثمانية كيلومترات، "أو ستة" ستة أميال يعني عشرة كيلومترات، "ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل"، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق الخيل التي لم تضمر ميل واحد، كيلومتران إلا ثلثًا، وعلى هذا هل يعتمد هذا التحديد ونقول: إن هذا لا تجوز الزيادة عليه في السباق بين هذه البهائم التي قد تتضرر بالزيادة؟ لا يجوز أن يحمل عليها ما لا تطيق، والعلماء حينما قالوا بجواز الإرداف على الدابة، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أردف، وابن منده له جزء فيمن أردفهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأوصلهم إلى ثلاثين قالوا: يجوز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، ما تحملها مثل السيارات أحمالًا لا تطيقها، وكذا في المسابقة، يعني ينبغي ألا يزاد على عشرة كيلومترات في الخيل المضمرة، ولا تصل إلى كيلومترين في الخيل غير المضمرة؛ لأنها تتضرر بذلك، وهي بهائم لا تشكو إلا إلى الله -جل وعلا-.

 "وعنه" يعني عن ابن عمر "-رضي الله عنهما- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل، سابق بين الخيل" يعني كما في الحديث السابق، "وفضّل القرّح" قالوا: هو جمع قارح مثل الحيض جمع حائض، وهي الفرس التي دخلت في السنة الخامسة، يعني اكتملت أسنانها، وقد يسقط بعضها في هذه المدة، "وفضل القرح في الغاية" يعني في النهاية؛ لأنها اكتملت، اكتمل نموه، اكتمل نموها، فهي انتهت من حيث اكتمال النمو، ولم تبدأ بالانحدار؛ لأن هذه المخلوقات الكائنات الحية كبني آدم تنشأ ضعيفة إلى أن تقوى شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى غاية النشاط، {خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [سورة الروم:54]، تنحدر فهي في هذا السن غاية.

 "فضل القرح في الغاية"، يعني جعل أمدها أبعد وأطول ممن هي دونها في السن أو فوقها في السن، "رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح"، فينبغي أن يلاحظ مثل هذا، ينبغي أن يلاحظ مثل هذا، ولا تضم الصغيرة إلى الكبيرة والكبيرة إلى المتوسطة، ينظر إلى الأسنان المتقاربة فيسابق بينها.

 "رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا سبَق»" يعني لا جعل، يعني لا يؤخذ رهان على أي شيء؛ لأنه حصر ونفي لجواز السبَق إلا في المنصوص، وهي الثلاثة التي يستعان بها على جهاد الأعداء، ورفع كلمة الله، وجعل كلمة الله هي العليا، «لا سبَق إلا في خف أو حافر أو نصل»، الخف في الإبل الحافر، الخيل والنصل السهام وكلها مما يعين على الجهاد، والحصر يقتضي المنع، يقتضي المنع مما عداه، «لا سبق» يعني لا يجوز أخذ الجعل في السباق إلا في هذه الأشياء التي تعين على الجهاد، ويحل محلها ما يعين على الجهاد مما هو أدخل وأنكى في العدو منها، من باب قياس الأولى، طيب في غير الجهاد في المشروعات مما شرعه الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام- غير الجهاد يجوز أم ما يجوز؟ من أهل العلم من ألحق العلم بالجهاد، وقال: هو نوع من الجهاد، فيجوز فيه الرهان والسبَق، وتوسع الناس فأدخلوا فيه شيئًا من المباحات، وتوسع آخرون أكثر، فجعلوا الجعل السبَق في بعض المحرمات في النرد والشطرنج وغيرهما، قس عليه أشياء كثيرة مما هو موجود ومستحدث.

 الآن القمار والميسر موجودة قديمًا ومازالت، نسأل الله العافية، ويوضع الجعل الآن على أمور تشارك ما جاء في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ = 90  إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [سورة المائدة:90-91] يوقع العداوة والبغضاء {فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} [سورة المائدة:91]، يعني هذه ملحوظة ومنظورة في كثير من الأمور التي تلاحظ الآن وتتداول وتزاول بين المسلمين وعمت بها البلوى، ويوضع عليها السبَق والجعل، لكن هذا السبق والجعل إذا جعل من طرف ثالث فأمره سهل، اللهم إلا إذا كان في أمر من أصله محرَّم، لكن إذا كان في أصله مباحًا، ووضع من طرف ثالث فإذا كان بغير جعل فلا إشكال فيه، «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل»، زاد بعضهم: أو جناح، أو جناح، دخل على المأمون وعنده حمام وقالوا: إنه كان يلعب بطير الحمام إلى آخره، فزاد هذه اللفظة، وكذبها، وافتراها، واختلقها، ونسبها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتزلف إلى الحكام ليس بطارئ، قديم، حيث كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وباء بإثم هذه الكذبة الشنيعة، «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، والتزلف ليس بطارئ، قديم، نسأل الله العافية.

 "رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان وصححه ابن القطان" المسابقة بغير جعل يقول أهل العلم: إنها مباحة بالاتفاق بغير جعل، وإذا كانت من طرف ثالث ليست من الطرفين المتسابقين بحيث لا يكون فيها مشابهة للميسر فهذه أيضًا أمرها أخف، واختلف فيها العلماء، لكن لعموم النفي «لا سبَق إلا..»، ويشمل الطرفين، ويشمل غيرهما، لكن أهل العلم يتسامحون فيما إذا كان الباذل طرفًا ثالثًا.

 قال -رحمه الله-: "وعنه -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدخل فرسًا بين فرسين»" يعني ليكون محلِّلاً «وهو لا يأمن أن يُسبَق» لا يأمن أن يُسبَق مغير الصيغة، يعني مبني للمجهول أي يسبقه غيره، «فلا بأس به، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار، فهو قمار»، لكن الحديث ضعيف، قال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفًا على سعيد، أن يكون موقوفًا على سعيد بن المسيب.

 وعنه، يعني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- صحابي الحديث السابق، فذكْر أبي هريرة ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهْم.

الحديث مخرّج عند "أحمد وأبي داود وابن ماجه، وله علة مؤثِّرة، ذكرها غير واحد من الأئمة"، وله علة مؤثرة قالوا: سفيان بن حسين ضعيف في الزهري بخاصة، وقد خالفه حفاظ أصحاب الزهري مالك ومعمر وشعيب بن أبي حمزة وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب.

 قوله يعني من قوله، وهو المحفوظ، كما قال أبو حاتم فيما ذكرناه، وهذا الذي رجحه الأئمة الشافعي وأبو عبيد وأبو داود وابن معين وابن عبد البر والدارقطني والبيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم، ابن القيم -رحمه الله- له كلام طويل على الحديث وعلى أنواع المسابقات في كتابه الفروسية، كلام طويل على الحديث من حيث الثبوت، وخلاصته ما ذكرنا أن المحفوظ أنه من قول سعيد.

 ابن القيم- رحمه الله- قال: فصل في تحرير مذاهب أهل العلم فيما يجوز بذل السبق، في تحرير مذاهب أهل العلم فيما يجوز بذل السبَق فيه من المغالبات، وما لا يجوز، وعلى أي وجه يجوز بذل السبق.

 يقول: قد تقدم أن المغالبات ثلاثة أقسام، قد تقدم أن المغالبات ثلاثة أقسام، قسم محبوب مرضي لله تعالى ورسوله، معين على تحصيل محابِّه، قسم محبوب مرضي لله تعالى ورسوله ومعين على تحصيل محابه، كالسباق بالخيل والإبل والرمي بالنشّاب التي هي السهام، هذا القسم المحبوب لله ورسوله، وقسم مبغوض مسخوط لله ورسوله موصل إلى ما يكرهه الله تعالى ورسوله كسائر المغالبات التي توقِع، كسائر المغالبات التي توقِع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة كالنرد والشطرنج وما أشبههم، وقسم ليس بمحبوب لله ولا مسخوط له، بل هو مباح؛ لعدم المضرة الراجحة كالسباق على الأقدام والسباحة وشيل الأحجار، يعني حمل الأحجار والصراع ونحو ذلك، فالنوع الأول السباق والصراع وما أشبه ذلك ألا يمكن أن يستعان به على ما يرضي الله- جل وعلا-؟ وإذا صلحت النية ونوى بذلك أن يقوى بدنه على طاعة الله فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، صار مقرِّبا إلى ما يحبه الله- جل وعلا- فصار من النوع الأول من هذه الحيثية، وقسم ليس بمحبوب لله ولا مسخوط له، بل هو مباح؛ لعدم المضرة الراجحة كالسباق على الأقدام والسباحة وشيل الأحجار والصراع ونحو ذلك، فالنوع الأول يشرع مفردًا عن الرهن، يعني السبَق، ويشرع فيه كل ما كان أدعى إلى تحصيله، فيشرع فيه بذل الرهن من هذا وحده، ومن الآخر وحده، ومن هنا جميعًا أو معًا ومن الأجنبي، وأكل المال به أكل بحق ليس أكلاً بباطل وليس من القمار والميسر في شيء.

 قال: النوع الأول الذي هو محبوب لله مقرِّب إلى ما يقرب إليه فهذا يشرع مفردًا على الرهن، ويشرع فيه كل ما كان أدعى إلى تحصيله مما يعين على تحصيله، فيشرع فيه بذل الرهن من هذا وحده، ومن الآخر وحده، ومنهما معًا ومن الأجنبي من طرف ثالث، وأكل المال به أكل بحق، وليس أكلاً بباطل، وليس من القمار والميسر في شيء.

 والنوع الثاني محرم وحده، يعني بدون رهان؛ لأن أصله نرد وشطرنج، هذا أصله محرم، فكيف إذا جعل فيه السبَق والرهن، والنوع الثاني محرم وحده، ومع الرهن وأكل المال به ميسر وقمار كيف كان سواء كان من أحدهما أو من كليهما أو من ثالث، وهذا باتفاق المسلمين، فأما إن خلا عن الرهن النرد والشطرنج، فأما إن خلا عن الرهن فهو أيضًا حرام عند الجمهور نردًا كان أو شطرنجًا، وبعضهم يجعل من هذا النوع الألعاب التي يزاولها الناس مثل التي يسمونها الورق ماذا يسمونها؟

البلوت وغيرها، المقصود أنها كلها داخلة، فالأسماء كثيرة، والمضمون واحد، فأما إن خلا عن الرهن فهو أيضًا عند الجمهور نردًا كان أو شطرنجًا هذا قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأحمد وأصحابه وقول جمهور التابعين، ولا يحفظ عن صحابي حله سواء كان بجعل أو بغير جعل، وجاء فيها أحاديث، وألف فيها الآجري كتابًا في تحريم النرد والشطرنج، وقد نص الشافعي على تحريم النرد، وتوقف في تحريم الشطرنج، فلا يجزم بتحريمه إذا خلا عن الرهان، أما إذا صاحبه رهان فلا شك أنه من الميسر، وقد نص الشافعي على تحريم النرد، يعني مطلقًا برهان أو غير رهان، وتوقف في تحريم الشطرنج إذا كان بغير، إذا خلا عن الرهان، فلم يجزم بتحريمه، وذكر أنه لم يتبين له تحريمه، ولهذا اختلف أصحابه في الشطرنج؛ فمنهم من حرمه، ومنهم من كرهه ولم يحرمه، وممن حرمه وبالغ في تقرير تحريمه أبو عبد الله الحليمي، الحليمي صاحب المنهاج في شعب الإيمان الذي هو أصل شعب الإيمان للبيهقي، والشافعي نص على تحريم النرد الخالي عن العوض، وتوقف في الشطرنج الخالي عن العوض، فمن أصحابه من طرد توقفه في النرد أيضًا وقال: إذا خلا عن العوض لم يحرم كالشطرنج، وهذا محض القياس؛ لأن مفسدة الشطرنج أعظم من مفسدة النرد بكثير، فإذا لم تنهض مفسدة الشطرنج للتحريم فالنرد أولى، ومنهم من طرد نصه في التحريم تحريم النرد وعداه إلى الشطرنج، وهذا أصح تخريجًا وأوضح دليلاً، فإن مفسدة الشطرنج أعظم من مفسدة النرد، ما الفرق بينهما؟

طالب: ........

الشطرنج تماثيل؟

طالب: ........

لكن هل هذه الموجودة الآن هي الموجودة في عصر الشافعي؟ يعني حقائقها ما اختلفت؟

طالب: ........

يعني هل شرحت الأشياء التي يلعب بها في النرد والشطرنج في السابق؟ نعم لابن قتيبة كتاب اسمه الميسر والقداح بيَّن فيه كثيرًا من الألعاب، وأحمد تيمور له كتاب اسمه ألعاب العرب بيَّن فيه كثيرًا من الأمور، لكن أنا الآن لا يحضرني المواد التي يلعب فيها سواء كان هذا أو ذاك، الحمد لله نحن عشنا بعيدًا جدًّا عن هذه الأمور، ولا نعرف، ومنهم من طرد نصه في تحريم النرد وعداه إلى الشطرنج، وهذا أصح تخريجًا وأوضح دليلاً، فإن مفسدة الشطرنج أعظم من مفسدة النرد، وكل ما يدل على تحريم النرد بغير عوض فدلالته على تحريم الشطرنج بطريق أولى، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه»، وفي الموطأ والسنن من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله»، وهذا يشمل ما إذا كان بعوض أو بغير عوض، بجعل أو بغير جعل، وسر المسألة وفقهها أن الله سبحانه لما حرم الميسر هل هو لأجل ما فيه من المخاطرة المتضمنة لأكل المال بالباطل؟

فعلى هذا إذا خلا عن عوض لم يكن حرامًا، فلهذا طرد من طرد ذلك، من طرد ذلك هذا الأصل وقال: إذا خلا النرد والشطرنج عن العوض لم يكونا حرامًا؛ لأنه ليس فيه أكل أموال، ولكن هذا القول خلاف النص والقياس كما سنذكره، أو حرمه لما يشتمل عليه في نفسه من المفسدة؛ لأن العلل المنصوص في تحريم الخمر والميسر موجودة، ولو لم يوجد فيها رهان، وسبَق، لو حرمه لما يشتمل عليه في نفسه من المفسدة وإن خلا عن العوض فتحريمه من جنس تحريم الخمر فإنه يوقع العداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأكل المال فيه عون وذريعة إلى الإقبال عليه واشتغال النفوس به، فإن الداعي حينئذ يقوى من وجهين: من جهة المغالبة، ومن جهة أكل المال، فيكون حرامًا من الوجهين، ومن هذا المنطلق ومن هذه العلل المنصوصة في تحريم الخمر والميسر قال جمع من أهل العلم بتحريم الكرة؛ لأنها تأخذ وقتًا، وفيها يحصل بين اللاعبين من الشحناء والبغضاء وبين النوادي والمشجعين وكذا، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، من هذه الحيثية قالوا، وقالوا إنها تعين على شد الأجسام وتقويها، وكذا، ويستعان بها على الجهاد وما الجهاد، قالوا: خرجوها على هذا.

 المقصود أن المسألة تحتاج إلى مزيد عناية، تحتاج إلى عناية، فإن الداعي حينئذ يقوى من وجهين من جهة المغالبة ومن جهة أكل المال، فيكون حرامًا من الوجهين، ويبقى أننا إذا قلنا: إنه حتى على القول الآخر من يقول: إنها تعين على الجهاد أنها تبقى في حق من يتصور منه الجهاد لا في حق النساء اللواتي ليس عليهن جهاد، وهذا المأخذ أصح نصًّا وقياسًا وأصول الشريعة وتصرفاتها تشهد له بالاعتبار، فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ91  وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [سورة المائدة:90-92]، فقرن الميسر بالأنصاب والأزلام والخمر، وأخبر أن الأربعة أنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، ثم أمر باجتنابها، وعلق الفلاح باجتنابها، ثم نبه على وجوه المفسدة المقتضية للتحريم فيها، وهي ما يوقعه الشيطان بين أهلها من العداوة والبغضاء ومن الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وكل أحد يعلم أن هذه المفاسد ناشئة من نفس العمل، لا من مجرد أكل المال به، فتعليل التحريم بأنه متضمن لأكل المال بالباطل تعليل بغير الوصف المذكور في النص، وإلغاء للوصف الذي نبه النص عليه وأرشد إليه، وهذا فاسد من وجهين، يوضحه أن السلف الذي نزل القرآن بلغتهم سموا نفس الفعل ميسرًا لا أكل المال به، فقال غير واحد من السلف: الشطرنج ميسر العجم، وصنف أبو محمد بن قتيبة كتابًا في الميسر وذكر فيه أنواعه وأصنافه وعدها، ومعلوم أن أكل المال بالميسر قد زاد على كونه ميسرًا، ولهذا كان أكل المال به أكلاً له بالباطل؛ لأنه أكل بعمل محرم في نفسه، فالمال حرام، والعمل حرام بخلاف أكله بالنوع الأول، فهو أكل بحق، فهو حلال، وعمل طاعة، وأما النوع الثالث وهو المباح فإنه وإن حرم أكل المال به فليس؛ لأن في العمل مفسدة، فليس لأن في العمل مفسدة في نفسه، وهو حرام، بل لأن تجويز أكل المال به ذريعة إلى اشتغال النفوس به واتخاذه مكسبًا أو اتخاذه مكسبًا لاسيما وهو من اللهو واللعب الخفيف على النفوس، فتشتد رغبتها فيه من الوجهين، فأبيح في نفسه؛ لأنه إعانة وإجمام للنفس وراحة لها، وحرم أكل المال به؛ لئلا يتخذ عادة وصناعة ومتجرًا، فهذا من حكمة الشريعة ونظرها في المصالح والمفاسد ومقاديرها.

إلى أن قال -رحمه الله-: المسألة الحادية عشرة: المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة، المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة والإصابة في المسائل هل تجوز بعوض؟

منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي، هذا يعني ممنوع عند الجمهور مالك وأحمد والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا، يعني شيخ الإسلام ابن تيمية، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي قالوا: هو أولى من الشباك والصرار والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز؛ لأن العلم باب من أبواب الجهاد، فالجهاد كما يكون بالسنان يكون أيضًا باللسان، {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [سورة الفرقان:52]، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته {الم = 1 غُلِبَتِ الرُّومُ2  فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [سورة الروم:1-3]، فالصديق راهن كفار قريش أن الروم سيغلبون الفرس على جعل، وهي صورة مراهنة الصديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد، وإذا جاز أخذ الجعل على الجهاد جاز أخذ الجعل على الحجة الذي هو مبني على الدليل، والحجة المبنية على الدليل هي العلم المستنبط من الكتاب والسنة، فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد فهي في العلم أولى بالجواز، أما كونها مثله فعسى، أما كونها أولى من الجهاد المنصوص عليه في الحديث فهذا يحتاج إلى تأمل، يعني إلحاق العلم بالجهاد له وجه، أما أن يكون أولى مما جاء فيه النص من الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله فيحتاج إلى تأمل، وإن كان قائله إمامًا من أئمة المسلمين.

الدرس الثالث بعد الصلاة إن شاء الله بعد صلاة العشاء.