كتاب الصلاة (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: علق النووي –رحمه الله- على حديث «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فإن عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» قائلاً: دل الإجماع على نسخه، فما معنى قوله؟ وهل الإجماع ينسخ؟
النسخ من خواص النصوص، فالإجماع لا ينسخ، ولا يُنسخ به، وإنما يدل على ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ إذ الأمة بمجموعها وإجماعها لا يمكن أن تُعارض نصًّا ثبت عن النبي –عليه الصلاة والسلام- فهذا الإجماع إن صح أنه إجماع، فالأمة لا تجتمع على ضلالة، تدل على أن هناك نصًّا نسخ هذا النص، وإن لم نطلع عليه، والترمذي –رحمه الله- عمل على ماذا؟
طالب:........
لا لا.
طالب:........
الترمذي يقول: وليس في كتابي شيء أجمع العلماء على ترك العمل به إلا حديثين هذا الحديث، وحديث ابن عباس.
طالب:........
لو أنت صبرت قليلاً، أنت لم تصبر.
على كل حال دعوى الإجماع منقوضة، والنووي كثيرًا ما ينقل الإجماع على مسائل فيها خلاف، والترمذي –رحمه الله- نص على أنه منسوخ، قال في (العلل): وقد بيَّنا علته في الكتاب؛ ولذلك في كتب المصطلح قال العلماء: إن الترمذي يُسمي النسخ علة.
وعلى كل حال عامة أهل العلم على هذا، وأنه لا يُعمل بهذا الحديث؛ منهم من يرى أنه حد وأنه يُقتل في الرابعة، على هذا ابن حزم وأوصله السيوطي وبعض العلماء، والشيخ أحمد شاكر له رسالة اسمها (كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر).
شيخ الإسلام يرى العمل به، لكنه تعزير، وليس بحد، ومثله ابن القيم، قالوا: إذا لم يرتدع الناس بحد الشرب فإن للإمام أن يقتله؛ تعزيرًا، فرقٌ بين هذا وهذا، والجمهور يقولون: منسوخ، ولو لم يطلع على الناسخ؛ لأن الإجماع على عدم العمل به كما قال النووي: يدل على وجود ناسخ، الأصل أن النسخ من خواص النصوص، فهو أصل الدليل السمعي القرآن والسُّنَّة، ولكن إذا اتفق العلماء على عدم العمل بحديث يُنظر في ثبوته أولاً، فإن كان ثابتًا يُنظر إن كان له تأويل أو مُخصص أو مُقيد، أو أي وجه من وجوه التعارض، وإلا إذا احتار المجتهد في أمره والأئمة كلهم على عدم العمل به فيلجأ إلى مثل هذا الكلام.
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجرٍ –رحمه الله-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الصلاة: تقدم في مقدمة هذا الشرح ذكر مناسبة كُتب هذا الصحيح في الترتيب ملخصًا من كلام شيخنا شيخ الإسلام، وفي أوائلها مناسبة تعقيب الطهارة بالصلاة".
شيخ الإسلام مَن هو؟
طالب: البلقيني.
نعم سراج الدين البلقيني، متى توفي؟
طالب:.........
أو أربعة أو ستة؟ هم ثلاثة: ابن الملقن، والبلقيني، والعراقي، الولادة سبعمائة وثلاثة وعشرين، وأربعة وعشرين، وخمسة وعشرين، والوفاة أربعة وخمسة، وستة بعد الثمانمائة، لكن آخرهم العراقي وُلِد سنة خمسة وعشرين وتوفي سنة ثمانمائة وستة، نعم.
"وفي أوائلها مناسبة تعقيب الطهارة بالصلاة لتقدم الشرط على المشروط، والوسيلة على المقصود.
وقد تأملت كتاب الصلاة منه فوجدته مشتملاً على أنواع تزيد على العشرين، فرأيت أن أذكر مناسبتها في ترتيبها قبل الشروع في شرحها".
ترتيب أبواب كتاب الصلاة من قِبل الحافظ ابن حجر، وليس من كلام البلقيني، البلقيني رتب الكتب كتب الصحيح، وهي تزيد على سبعة وتسعين كتابًا رتبها وهي موجودة في مقدمة فتح الباري.
"فأقول بدأ أولاً بالشروط السابقة على الدخول في الصلاة وهي: الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، ودخول الوقت.
ولما كانت الطهارة تشتمل على أنواعٍ أفردها بكتاب، واستفتح كتاب الصلاة بذكر فرضيتها؛ لتعين وقتها دون غيرها من أركان الإسلام، وكان ستر العورة لا يختص بالصلاة، فبدأ به لعمومه، ثم ثنى بالاستقبال للزومه في الفريضة والنافلة إلا ما استثنى كشدة الخوف ونافلة السفر، وكان الاستقبال يستدعي مكانًا، فذكر المساجد، ومن توابع الاستقبال سترة المصلي فذكرها، ثم ذكر الشرط الباقي وهو دخول الوقت وهو خاصٌّ بالفريضة، وكان الوقت يُشرع الإعلام به، فذكر الأذان، وفيه إشارة إلى أنه حق الوقت، وكان الأذان إعلامًا بالاجتماع إلى الصلاة فذكر الجماعة، وكان أقلها إمامًا ومأمومًا فذكر الإمامة.
ولما انقضت الشروط وتوابعها ذكر صفة الصلاة، ولما كانت الفرائض في الجماعة قد تختص بهيئةٍ مخصوصة ذكر الجمعة والخوف، وقدَّم الجمعة لأكثريتها، ثم تلا ذلك بما يشرع فيه الجماعة من النوافل، فذكر العيدين والوتر والاستسقاء والكسوف وأخَّره؛ لاختصاصه بهيئةٍ مخصوصةٍ وهي زيادة الركوع، ثم تلاه بما فيه زيادة سجودٍ، فذكر سجود التلاوة؛ لأنه قد يقع في الصلاة، وكان إذا وقع اشتملت الصلاة على زيادةٍ مخصوصةٍ فتلاه بما يقع فيه نقصٌ من عددها وهو قصر الصلاة، ولما انقضى ما يشرع فيه الجماعة ذكر ما لا يُستحب فيه وهو سائر التطوعات.
ثم للصلاة بعد الشروع فيها شروط ثلاثة وهي:
ترك الكلام، وترك الأفعال الزائدة، وترك المفطر.
فترجم لذلك، ثم بطلانها يختص بما وقع على وجه العمد، فاقتضى ذلك ذكر أحكام السهو، ثم جميع ما تقدم متعلقٌ بالصلاة ذات الركوع والسجود، فعقَّب ذلك بصلاةٍ لا ركوع فيها ولا سجود وهي الجِنازة".
جِنازة أم جَنازة؟
طالب:.......
الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، ما معنى هذا؟ الجِنازة للنعش، والجَنازة للميت على سبيل الأعلى للأعلى، عندك له نظير في نظير الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل؟ دَجاجة ودِجاجة، الدِّيك يُقال له: دَجاجة، والأنثى يُقال لها: دِجاجة بالكسر، المايح والماتح، المايح النقط تحت أسفل للأسفل الذي في البئر يُعبي الدلو، والماتح فوق، الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، هذه طرائف ولطائف، ما يليق بطالب العلم أن هو....
"هذا آخر ما ظهر من مناسبة ترتيب كتاب الصلاة من هذا الجامع الصحيح، ولم يتعرض أحدٌ من الشراح لذلك، فلله الحمد على ما ألهم وعلَّم".
نعود إلى كلام السراج البلقيني في المقدمة في ترتيب كتب الصحيح، صفحة أربعمائة وسبعين ما الذي معك؟
طالب:.......
صفحة أربعمائة وسبعين.
السراج طويل نقرأه أو تقرؤونه أنتم بالبيت؟
ما رأيكم يُقرأ سردًا مثل ما قُرئ كلام الحافظ؟
طالب:........
والله ما أدري إن جاء شيء يُناسب عليه التعليق وإلا فالأصل أنه سرد.
طالب:........
ما هو بأصح هذا.
طالب:........
آخر في أواخر المقدمة صفحة أربعمائة وسبعين إلى ثلاثة وسبعين أربع صفحات، وإذا قلنا: يُقرأ في البيت يعني يُقرأ، يُسميه الطلاب في المدارس والجامعات ليس بذي بال، يقول المدرس: اكتبوا عليه مُطالعة، يعني إن شئتم.
قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: باب كيف فرضت الصلاة" وفي رواية الكشميهني والمستملي: الصلوات.
"في الإسراء" أي في ليلة الإسراء، وهذا مصيرٌ من المصنف إلى أن المعراج كان في ليلة الإسراء، وقد وقع في ذلك اختلاف، فقيل: كانا في ليلةٍ واحدةٍ في يقظته -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو المشهور عند الجمهور.
"وقيل: كانا جميعًا في ليلةٍ واحدةٍ في منامه، وقيل: وقعا جميعًا مرتين في ليلتين مختلفتين إحداهما يقظة والأخرى منامًا، وقيل: كان الإسراء إلى بيت المقدس خاصةً في اليقظة، وكان المعراج منامًا إما في تلك الليلة أو في غيرها.
والذي ينبغي ألا يجري فيه الخلاف أن الإسراء إلى بيت المقدس كان في اليقظة؛ لظاهر القرآن؛ ولكون قريشٍ كذبته في ذلك، ولو كان منامًا لم تُكذبه فيه ولا في أبعد منه".
لأنه في المنام تصل الروح إلى أماكن بعيدة في أقصى الدنيا في لحظة يمكن في دقيقة، لكن في اليقظة كذبته قريش، قالوا: نحن أشهر نجلس ما وصلنا بيت المقدس، وهو يزعم أنه في ليلة راح ورجع.
"وقد روى هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جماعةٌ من الصحابة، لكن طرقه في الصحيحين تدور على أنسٍ مع اختلاف أصحابه عنه، فرواه الزهري عنه عن أبي ذرٍّ كما في هذا الباب، ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ورواه شريك بن أبي نمر، وثابت البُناني عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة".
وشريك وقع له أوهام وصلت عند ابن القيم وابن حجر في (فتح الباري) إلى عشرة في حديث الإسراء، وجاء في النص أن شريكًا وهِم فيه فقدَّم وأخَّر، وزاد ونقص.
طالب:........
إلي وصلنا له -إن شاء الله-؛ لأنه طويل.
"سياق كلٍّ منهم عنه ما ليس عند الآخر، والغرض من إيراده هنا ذكر فرض الصلاة، فليقع الاقتصار هنا على شرحه، ونذكر الكلام على اختلاف طرقه وتغاير ألفاظها وكيفية الجمع بينها في الموضع اللائق به، وهو في السيرة النبوية قبيل الهجرة، إن شاء الله تعالى".
هذه طريقة الحافظ ابن حجر، وهو أنه في كل موضع يشرح ما يُناسب هذا الموضع؛ ولذا تجدون شرحه متوازنًا من أوله إلى آخره، ما يشرح في أول موضع جميع ما يتعلق بالحديث ويترك المواضع الأخرى غُفلاً بلا شرح، وإنما شرحه لأول حديث وآخر حديث على حدٍّ سواء متوازن، وبعض الشُّراح أو جُل الشُّراح غالب الشُّراح تجده في أول الكتاب يُطيل إطالة بالغة؛ حتى يمله الطالب، وفي آخر الكتاب يسرد سردًا؛ لأن المباحث تقدمت، ومعروف أن البخاري –رحمه الله- يُكرر الأحاديث، فإذا روى حديث الأعمال بالنيات في سبعة مواضع شرحه الشُّراح في الموضع الأول، وجاءوا وأجلبوا عليه بكل ما يقدرون عليه، والمواضع الأخرى يُحيلونها على ما تقدم.
ابن حجر –رحمه الله- في الموضع الأول يشرح بما يُناسب هذا الموضع، وفي الموضع الثاني يشرح بما يُناسب هذا الموضع وهكذا، نعم.
"والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة المعراج أنه لما قُدِّس ظاهرًا وباطنًا حين غُسِل بماء زمزم بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور ناسب ذلك أن تُفرض الصلاة في تلك الحالة؛ وليظهر شرفه في الملأ الأعلى، ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة؛ وليناجي ربه، ومن ثَمَّ كان المصلي يناجي ربه -جل وعلا-.
قوله: "وقال ابن عباس" هذا طرف من حديث أبي سفيان المتقدم موصولاً في بدء الوحي، والقائل: يأمرنا، هو أبو سفيان، ومناسبته لهذه الترجمة أن فيه إشارةٍ إلى أن الصلاة فُرِضت بمكة قبل الهجرة؛ لأن أبا سفيان لم يلق النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة إلى الوقت الذي اجتمع فيه بهرقل لقاءً يتهيأ له معه أن يكون آمرًا له بطريق الحقيقة والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف، وبيان الوقت وإن لم يكن من الكيفية حقيقةً لكنه من جملة مقدماتها، كما وقع نظير ذلك في أول الكتاب في قوله: "كيف كان بدء الوحي؟" وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك فظهرت المناسبة".
أبو سفيان قبل أن يُسلم يقول: "ويأمرنا" بكذا وكذا الصلاة والصدقة والعفاف، وهو غير مسلم، فهل أمره –عليه الصلاة والسلام- مُتجه إلى مثل هذا الكافر؟ إن كان الأمر على وجه الحقيقة لا شك أن الكفار مُخاطبون بفروع الشريعة، لكن ما الذي يُدري أبا سفيان بهذه القاعدة وأنه مُخاطب بما كان، لو يعرف أنه مُخاطب لاستجاب.
طالب:........
لأنه قبل أن يُسلم.
طالب:.......
نعم، لكن "يأمرنا" أو جاء الجواب مطابقًا للسؤال، بما يأمركم؟ قال: يأمرنا، هي من باب المطابقة من الجواب للسؤال.
طالب:.........
صلى بالجميع -عليه الصلاة والسلام-.
"قوله: «فُرج» بضم الفاء وبالجيم أي: فُتِح، والحكمة فيه أن الملك انصب إليه من السماء انصبابةً واحدة، ولم يُعرِّج على شيءٍ سواه، مبالغةً في المناجاة، وتنبيهًا على أن الطلب وقع على غير ميعاد، ويحتمل أن يكون السر في ذلك التمهيد لِما وقع من شق صدره، فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه في الحال كيفية ما سيصنع به لطفًا به وتثبيتًا له، والله أعلم".
لما تقدم هذا الأمر أفعال ليست معتادة فُرِج السقف ونزل الأمور المعتادة ما تكون هكذا الدخول مع الأبواب، الرسول –عليه الصلاة والسلام- لما حصلت هذه المقدمة تهيأ لاستقبال ما يرد عليه،.
"قوله: «فَفَرَجَ صَدْرِي» هو بفتح الفاء وبالجيم أيضًا أي: شقه، ورجح عياضٌ أن شق الصدر كان وهو صغيرٌ عند مرضعته حليمة، وتعقبه السُّهيلي بأن ذلك وقع مرتين وهو الصواب، وسيأتي تحقيقه عند الكلام على حديث شريكٍ في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، ومحصله أن الشق الأول كان لاستعداده لنزع العلقة التي قيل له عندها: هذا حظ الشيطان منك، والشق الثاني كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة، وقد روى الطيالسي والحارث في مسنديهما من حديث عائشة أن الشق وقع مرةً أخرى عند مجيء جبريل له بالوحي في غار حراء -والله أعلم-، ومناسبته ظاهرة.
وروي الشق أيضًا وهو ابن عشر أو نحوها في قصةٍ له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في (الدلائل)، وروي مرة أخرى خامسة ولا تثبت.
قوله: «ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ» بفتح الطاء وبكسرها إناءٌ معروف سبق تحقيقه في الوضوء، وخُص بذلك؛ لأنه آلة الغسل عُرفًا؛ وكان من ذهب لأنه أعلى أواني الجنة، وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف وغيره بالذهب؛ لأن المستعمل له الملك فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به، ووراء ذلك إن ذلك كان على أصل الإباحة؛ لأن تحريم الذهب إنما وقع بالمدينة كما سيأتي واضحًا في اللباس.
قوله: «مُمْتَلِئٍ» كذا وقع بالتذكير على الإناء لا على لفظ الطست؛ لأنها مؤنثة.
«حِكْمَةً وَإِيمَانًا» بالنصب على التمييز، والمعنى أن الطست جُعل فيها شيءٌ يحصل به كمال الإيمان والحكمة، فسُمي حكمةً وإيمانًا مجازًا أو مثلاً له بناءً على جواز تمثيل المعاني كما يُمثَّل الموت كبشًا.
قال النووي: في تفسير الحكمة أقوالٌ كثيرةٌ مضطربة صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك انتهى ملخصًا".
الحكمة الأصل وضع الشيء في موضعه، والحكيم من يضع الأشياء في مواضعها، وهنا يقول: "أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده" العلم المشتمل على المعرفة بالله على هذا الكفار كلهم عن بكرة أبيهم ما فيهم حكيم صح أم لا؟ لأنهم لا يعرفون الله.
"العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده" قد يقول قائل: إن الكفار ليس فيهم حكيم، وإن كانت أمورهم وأمور دنياهم منتظمة ويضعونها في مواضعها، لكن لو كانوا حكماء حقيقة لدلتهم حكمتهم على الإيمان بالله، لكن لما لم يؤمنوا بالله دل أنه لا حكمة عندهم، وإن سُميت في الظاهر حكمة.
طالب:.......
الحكمة وضع الشيء في موضعه هذا هو المعروف عند أهل العلم في تعريف الحكمة.
طالب:.......
ماذا؟
طالب:.......
كذلك، لكن نحن بصدد الكلام عن الحكمة.
قوله: "الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله" هذا يُخرج كل الكفار من أن يكونوا حكماء وفي الجاهلية وجِد من يُسمى الحكيم، ويُوصف بأنه حكيم، لكن حكمة نسبية مناسبة لـــ... قد يُوجد من بين الأطفال من يتميز عن غيره بحسن التصرف فيُقال: هذا حكيم إلى آخره، والحكمة المطلقة لا شك أنها لا تتناول الكفار، وأما الحِكم النسبية تتناول كل من يتصف بوضع الشيء في موضعه.
طالب:........
قد يكون من فروعها لا مطابقًا لها، نعم.
طالب:........
ما المانع؟
طالب:........
لكن هل هذه حكمة ما عندهم يُسمى حكمة أم ما يُسمى...؟ يتفرع عن الكلام الذي قلناه.
"وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتملٌ على ذلك كله، وعلى النبوة كذلك، وقد تُطلق على العلم فقط، وعلى المعرفة فقط، ونحو ذلك.
قوله: «ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي» استدل به بعضهم على أن المعراج وقع غير مرة؛ لكون الإسراء إلى بيت المقدس لم يُذكر هنا، ويمكن أن يُقال: هو من اختصار الراوي، والإتيان بـــ(ثم) المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع أمر الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما: الإطباق والعروج، بل يشير إليه، وحاصله أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، ويؤيده ترجمة المصنف كما تقدم".
والحاكم على ذلك كله ورود هذه الأمور كلها مُجتمعة في سياقٍ واحد؛ لنقول: إنه اقتصر بعض الرواة على ما لم يذكره الآخر.
طالب:........
لما كذَّبوه في الإسراء فالمعراج من باب أولى، لما كذَّبوه في الإسراء يذهب في ليلة ويرجع في مسافة تُقطع بالشهور، هذا دليلٌ على أنه في اليقظة بجسده –عليه الصلاة والسلام- وروحه، ولو كان منامًا ما كذَّبوه؛ لأنه في المنام تصل الروح إلى أبعد من ذلك في هذه الحالة.
كون المسألة حتى لو ذكرنا المعراج وكذَّبوا الإسراء الذي يُمكن تصديقه بالنسبة لهم، المشي على الأرض ما يُكذبونه، لكن إذا كذَّبوا الإسراء وهو ممكن فليُكذِّبوا المعراج مع بُعده عن الإمكان بالنسبة لهم.
"قوله: «فَعَرَجَ» بالفتح أي: الملك بي، وفي رواية الكشميهني به على الالتفات أو التجريد".
ما التجريد؟ ماذا على التجريد؟ ويتحدث عنه في حديث سعد بن أبي وقاص الذي تقدم في أوائل الكتاب أعطى رهطًا وسعدٌ جالس، هو الذي يقوله سعد، يسمونه تجريدًا.
"قوله: "افتح" يدل على إن الباب كان مغلقًا، قال ابن المنير: حكمته التحقق أن السماء لم تفتح إلا من أجله بخلاف ما لو وجده مفتوحًا".
لو وجده مفتوح كان مفتوح من الأول لغيره -عليه الصلاة والسلام-.
"قوله: "قال: جبريل" فيه من أدب الاستئذان أن المستأذن يسمي نفسه؛ لئلا يلتبس بغيره.
قوله: "أأرسل إليه؟" وللكشميهني أو "أرسل إليه؟" يحتمل أن يكون خفي عليه أصل إرساله لاشتغاله بعبادته، ويحتمل أن يكون استفهم عن الإرسال إليه للعروج إلى السماء وهو الأظهر؛ لقوله: "إليه" ويؤخذ منه أن رسول الرجل يقوم مقام إذنه؛ لأن الخازن لم يتوقف عن الفتح له على الوحي إليه بذلك، بل عمل بلازم الإرسال إليه، وسيأتي في هذا حديثٌ مرفوعٌ في كتاب الاستئذان، إن شاء الله تعالى.
ويؤيد الاحتمال الأول قوله في رواية شريك: "أو قد بُعِث" لكنها من المواضع التي تُعقِّبت كما سيأتي تحريرها في كتاب التوحيد، إن شاء الله تعالى".
يعني من رواية شريك من العشرة مواضع التي وهِم فيها.
"قوله: «أسودة» بوزن أزمنة، وهي الأشخاص من كل شيء.
قوله: «قلت لجبريل: من هذا؟» ظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم: مرحبًا، ورواية مالك بن صعصعة بعكس ذلك، وهي المعتمدة، فتُحمل هذه عليها، إذ ليس في هذه أداة ترتيب.
قوله: «نسم بنيه» النسم بالنون والمهملة المفتوحتين جمع نسمة وهي: الروح، وحكى ابن التين أنه رواه بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف بعدها ميم، وهو تصحيفٌ".
ماذا يصير اللفظ؟
طالب:........
"وحكى ابن التين أنه رواه بكسر الشين".
طالب:........
نَشِيَم مادام مُصحَّفة هي نَشِيَم، هي نسم، وفيه "وفتح الياء آخر الحروف بعدها ميم" آخر الحروف الياء.
الأخطاء والتصحيفات والتحريفات لا يُتكلَّف اعتبارها كل من أخطأ أو وهِم نذهب نؤوِّل له ونُفسِّر كلامه.
"وظاهره أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء وهو مشكلٌ، قال القاضي عياض: قد جاء أن أرواح الكفار في سجين، وأن أرواح المؤمنين منعمةٌ في الجنة، يعني فكيف تكون مجتمعةً في سماء الدنيا؟ وأجاب بأنه يحتمل أنها تُعرض على آدم أوقاتًا فصادف وقت عرضها مرور النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويدل على أن كونهم في الجنة والنار إنما هو في أوقات دون أوقات قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46] واعتُرض بأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء كما هو نص القرآن، والجواب عنه ما أبداه هو احتمالاً: أن الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار في جهة شماله، وكان يكشف له عنهما انتهى.
ويحتمل أن يُقال: إن النسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد، وهي مخلوقةٌ قبل الأجساد، ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أُعلِم بما سيصيرون إليه؛ فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه، ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره بخلاف التي في الأجساد فليست مرادة قطعًا، وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها من جنةٍ أو نار فليست مرادةٌ أيضًا فيما يظهر، وبهذا يندفع الإيراد ويُعرف أن قوله: «نسم بنيه» عامٌ مخصوص أو أريد به الخصوص.
وأما ما أخرجه ابن إسحاق والبيهقي من طريقه في حديث الإسراء «فإذا أنا بآدم تعرضُ عليْهِ أرواحُ ذرِّيَّتِهِ المؤمنينَ، فيقولُ: روحٌ طيِّبةٌ ونفسٌ طيِّبةٌ اجعلوها في علِّيِّينَ، ثمَّ تعرضُ عليْهِ أرواحُ ذرِّيَّتِهِ الفجَّارِ، فيقول: روحٌ خبيثةٌ ونفسٌ خبيثةٌ اجعلوها في سجِّين».
وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار: «فَإِذَا عَنْ يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ إِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ اسْتَبْشَرَ وَإِذَا نَظَرَ عَنْ شِمَالِهِ حَزِنَ» فهذا لو صح لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم ولكن سنده ضعيف".
التفسير بالضعيف مقبول عند جمعٍ من أهل العلم، التفسير والترجيح مقبول عند جمعٍ من أهل العلم؛ لأنه ليس المعوَّل عليه، الأصل ثابت لكن اختُلف في المعنى على أقوالٍ على حدٍّ سواء يُرجح واحدٌ منها بما جاء من خبرٍ ولو ضعيف، وأشار إلى هذا ابن القيم في (تحفة المودود في أحكام المولود) وأنهم يُرجحون بين المعاني بالضعيف مع أنه لا يرى العمل بالضعيف مطلقًا، نعم.
طالب:.......
المعنى صحيح، الخبر ثابت، لكن معانيه محتملة كذا ولا كذا أحد المعاني موضَّح في حديثٍ ضعيف؛ ولذا وهذه يحتاجها طلاب العلم الذين يقتصرون على الصحيح، ويُجردون الكتب من الضعيف سواءً كانت في المدونات الكبرى للإسلام دواوين الإسلام المعروفة أو في السيرة بعضهم يقتصر على صحيح السيرة، السيرة جاءت أخبارها بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها تالف، لكن أحيانًا الحدث مترابط ومتسلسل في أثنائه في بعض روابطه ما فيه كلام، فإذا أخذت هذا الرابط الذي يربط في المعنى بين هذا وذاك اختل المعنى ولم يتم التصور، وليس المعوَّل على هذا الضعيف، ولا يترتب عليه حكم؛ ولذا تجدون الخلل كبيرًا فيما إذا أُخِذت الحلقات التي تصل بين الكلامين الصحيحين، وإن كانت ضعيفة، هذا رابط يوضح لك المعنى، ويربط هذا الكلام بهذا الكلام، مثل هذا حذفه واختزاله يُخل بالمعنى.
طالب:........
معروف أن الضعيف قابل للانجبار إذا تعددت طرقه تقوى، هذا والحسن لغيره عند أهل العلم.
طالب:........
لا، مجموع الروايات بعض الناس يهمه أن تنكشف له الحقائق بحذافيرها؛ لئلا يُهجم عليها وتُفسَّر بتفسيراتٍ غير صحيحة؛ لأن الناس يتأولون ماذا صار... يُسبَقون، على أن بعض طلاب العلم الموجودين ممن يتخصص في السُّنَّة يرى أن شرح الحافظ كله ما له داعٍ، وأنه على طريقة المتكلمين يكفينا شرح ابن رجب على طريقة السلف، لكن هل كل شيء في شرح ابن رجب؟ الشيخ/ ابن باز مرارًا يقول: أعطوني كلام ابن رجب، ثم إذا قُرئ عليه ما شفاه قال: أعطوني ابن حجر.
الإنسان عليه أن يتوسط ويعتدل، لا شك أن الحافظ ابن رجب شرح البخاري بنَفَس السلف، لكن طلاب العلم بعد السلف استجد عندهم أمور، الآلة التي بواسطتها يُفهم كلام الله وكلام رسوله واعتمدها أهل العلم وجروا عليها، ومشوا عليها لا بُد من استعمالها ولا بُد من توضيحها.
إذا كان ابن حجر وهو الحافظ للألوف المؤلفة من الأحاديث يُقال: على طريقة المتكلمين! ماذا يُقال عن ابن دقيق العيد؟ ابن دقيق العيد هو واضح في استعمال المصطلحات.
"قوله: "قال أنس: فذكر" أي: أبو ذر "أنه وجد" أي: النبي- صلى الله عليه وسلم-.
قوله: "ولم يثبت" أي: أبو ذر.
قوله: "وإبراهيم في السماء السادسة" هو موافقٌ لرواية شريكٍ عن أنس، والثابت في جميع الروايات غير هاتين أنه في السابعة، فإن قلنا بتعدد المعراج فلا تعارض وإلا فالأرجح رواية الجماعة؛ لقوله فيها: «أنه رآه مسندًا ظهره إلى البيت المعمور» وهو في السابعة بلا خلاف، وأما ما جاء عن عليٍّ أنه في السادسة عند شجرة طوبى، فإن ثبت حُمل على أنه البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى".
قوله: "وإبراهيم" أعد أعد.
قوله: "وإبراهيم في السماء السادسة" هو موافقٌ لرواية شريكٍ عن أنس، والثابت في جميع الروايات غير هاتين أنه في السابعة، فإن قلنا بتعدد المعراج فلا تعارض وإلا فالأرجح رواية الجماعة؛ لقوله فيها: «أنه رآه مسندًا ظهره إلى البيت المعمور» وهو في السابعة بلا خلاف، وأما ما جاء عن عليٍّ أنه في السادسة عند شجرة طوبى، فإن ثبت حُمل على أنه البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى؛ لأنه جاء عنه أن في كل سماءٍ بيتًا يُحاذي الكعبة، وكلٌّ منها معمور بالملائكة.
وكذا القول فيما جاء عن الربيع بن أنسٍ: وغيره أن البيت المعمور في السماء الدنيا، فإنه محمولٌ على أول بيتٍ يُحاذي الكعبة من بيوت السماء".
السماوات.
"فإنه محمولٌ على أول بيتٍ يُحاذي الكعبة من بيوت السماوات، ويُقال: إن اسم البيت المعمور الضُّراح بضم المعجمة وتخفيف الراء وآخره مهملة، ويُقال: بل هو اسم سماء الدنيا؛ ولأنه قال هنا: إنه لم يثبت كيف منازلهم فرواية من أثبتها أرجح، وسأذكر مزيدًا لهذا في كتاب التوحيد.
قوله: "قال أنس: فلما مر" ظاهره أن هذه القطعة لم يسمعها أنس من أبي ذر.
قوله: "مر جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بإدريس" الباء الأولى للمصاحبة، والثانية للإلصاق أي بمعنى: على.
قوله: «ثم مررت بعيسى» ليست (ثم) على بابها في الترتيب إلا إن قيل بتعدد المعراج إذ الروايات متفقة على أن المرور به كان قبل المرور بموسى".
لحظة "قال أنس: فلما مر" ظاهره أن هذه القطعة لم يسمعها أنس من أبي ذر".
"قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ" هو أصل الرواية أنس بن مالك يرويها عن أبي ذر.
"قال أنس: فلما مر" طوى ذكر أبي ذر، فكأنه لم يسمع هذه الجملة من أبي ذر، وإنما سمعها من طريقٍ أخرى، فتكون من مراسيل الصحابة.
طالب:........
الله أعلم؛ لأنه إن رجع صار ما بعدها...
"قوله قال ابن شهاب فأخبرني".
قف عليها؛ لأنه وقفنا على هذا في المتن.