التعليق على تفسير القرطبي - سورة التكوير (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:

" قوله تعالى:                     التكوير: ١٥ - ٢٢  قوله تعالى: التكوير: ١٥  أي أقسم، ولا زائدة، كما تقدم. "

تقدم في مواضع مثل هذا قسم منفي، ويقولون: إن لا زائدة، والحسن البصري- رحمه الله- ما يقول أن اللام والألف زائدة، بل يقول: إن الألف زائدة التكوير: ١٥  إذا كانت الألف زائدة صارت لام تأكيد فلأقسم، كما زيدت الألف في قوله:    النمل: ٢١  فيه ألف بين الهمزة والذال موجودة، وتقدمت الإشارة إليه في سورة الواقعة.

"   التكوير: ١٥ - ١٦  هي الكواكب الخمسة الدراري زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة فيما ذكر أهل التفسير، والله أعلم، وهو مروي عن علي- كرم الله وجهه- وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان أحدهما. "

تقدم مرارًا في أكثر من مناسبة قولهم: علي كرم الله وجهه، وتخصيصه بهذا؛ لأنه -رضي الله عنه- لم يسجد لصنم قط، على كل حال التخصيص بشيء يمتاز به عمن هو أفضل منه ومن هو مثله لا ينبغي، فيترضى عنه كسائر الصحابة- رضي الله عنه وأرضاه-.

" وجهان أحدهما؛ لأنها تستقبل الشمس، قاله بكر بن عبد الله المزني، الثاني: لأنها تقطع المجرة، قاله ابن عباس، وقال الحسن وقتادة: هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا.. "

وإذا غربت.

وإذا غربت.

تخنس بالنهار، وإذا غربت على كل حال معروف أن الله- جل وعلا- لا يقسم بشيء من مخلوقاته إلا لأن فيه شيئًا من التعظيم والأهمية، فكونها تستقبل الشمس تعطيها ميزة عن سائر النجوم؟ لا، ولا لكونها تقطع المجرة، الله أعلم جل وعلا، لماذا أقسم بها من بين سائر النجوم، وأما بالنسبة للمعنى، فما قاله الحسن وقتادة أنها تخنس يعني أنها تغيب تخنس بالنهار تغيب عن العيون، وإن كانت موجودة لكنها عن العيون تغيب؛ لأنها حجبت بضوء الشمس الذي هو أقوى منها، وإذا غربت لها مشارق ومغارب كما هو معلوم.

" طالب: أحسن الله إليك، ألا يسري على جميع النجوم، هذا التعليل لا يسري على جميع النجوم؟ كلها تخنس إذا طلعت الشمس تخصيص هذه الخمس. "

ما المانع أن تكون الخنس جميع النجوم؟! ما فيه ما يمنع إن شاء الله.

" هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت، وقاله علي- رضي الله عنه- قال: هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل، وتكنس في وقت غروبها، أي تتأخر عن البصر؛ لخفائها، فلا ترى، وفي الصحاح: والخنس الكواكب كلها؛ لأنها تخنس في المغيب، أو لأنها تخنس نهارًا، ويقال: هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة، وقال الفراء في قوله تعالى: فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس: إنها النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد؛ لأنها تخنس في مجراها، وتكنس أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار، وهو الكناس، ويقال: سميت خنّسًا؛ لتأخرها؛ لأنها الكواكب المتحيّرة التي ترجع وتستقيم، يقال: خنس عنه يخنس بالضم خُنوسًا تأخر، وأخنسه غيره إذا خلفه ومضى عنه، والخنَس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة، والرجل أخنس، والمرأة خنساء، والبقر كلها خنس، وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: التكوير: ١٥ : هي بقر الوحش، رواه هشيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عامر بن شرحبيل قال: قال لي عبد الله بن مسعود: إنكم قوم عرب، فما الخنس؟ قلت: هي بقر الوحش، قال: وأنا أرى ذلك، وقاله إبراهيم وجابر بن عبد الله، وروي عن ابن عباس: إنما أقسم الله ببقر الوحش، وروى عنه عكرمة قال: الخنس البقر، والكنس هي الظباء، فهي خنس إذا رأينا الإنسان خنسن وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن، قال القشيري: وعلى هذا الخنس من الخنس في الأنف، وهو تأخر الأرنبة وقِصَرُ القصبة وأنوف البقر والظباء خنّس، والأصح الحمل على النجوم؛ لذكر الليل والصبح بعد هذا، فذكر النجوم أليق بذلك. قلت: لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك، وقد جاء عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش، وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أنها الظباء، وعن الحجاج بن منذر قال: سألت جابر بن زيد عن الجواري الكنس فقال: الظباء والبقر، فلا يبعد أن يكون المراد النجوم، وقد قيل: إنها الملائكة، حكاه الماوردي، والكنس الغيم مأخوذة من الكناس، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه، قال أوس بن حجر:

ألم تر أن الله أنزل مزنةً         .

 

..................................                  .

مزنه.

ألم تر أن الله أنزل مُزْنَهُ          .

 

وعفر الظباء في الكناس تقمّع              .

وقال طرفة:

كأن كناسَي ضالة يكنفانها        .

 

وأطر قسي تحت صلب مؤيد            .

وقيل: الكنوس أن تأوي إلى مكانسها، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحش والظباء، قال الأعشى:

فلما أتينا الحي أتلع آنس          .

 

................................"                  .

نعم ممدودة أو أنس؟

طالب: أُنَّس.

"فلما أتينا الحي أتلع أُنَّس         .

 

كما أتلعت تحت المكانس ربرب            .

يقال: تلع النهار ارتفع، وأتلعت الظبية من كناسها أي سمَت بجيدها، وقال امرؤ القيس:

تعشى قليلًا ثم أنحى ظنوفه        .

 

يثير التراب عن سبيت ومكنس"              .

مبيت مبيت.

عن مبيت؟

مبيت نعم.

"...............................               .

 

يثير التراب عن مبيت ومكنس              .

والكنّس جمع كانس وكانسة، وكذا الخنس جمع خانس وخانسة، والجواري جمع جارية من جرى يجري. "

لا شك أن النجوم تجري وكذلك الظباء والبقر بقر الوحش وغيرها من الوحوش كلها تجري وجريها سريع ليست مثل الأهلية.

طالب: .............

والله على حد سواء كله وارد عن السلف، وكلها يصلح وصفها بذلك.

طالب: أحسن الله إليك، حملها على الجارية الجواري المعروفات.

الجاري الكنس.

طالب: جمع جارية.

والكنس من الكنس.

طالب: من الكنس أو من الاختفاء، يختفين في البيوت.

في خدورهن فلا يبرزن، اللفظ محتمل، لكن الكلام على ما ورد عن السلف.

طالب: الجواري جمع جارية.

السفن ما تكنس.

طالب: قال: والجواري جمع جارية.

نعم، من جرى يجري، الظباء تجري جريانًا سريعًا، جريها فيه سرعة هائلة.

"      التكوير: ١٧  قال الفراء: أجمع المفسرون على أن معنى   التكوير: ١٧  أدبر، حكاه الجوهري، وقال بعض أصحابنا: إنه دنا من أوله وأظلم، وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض قال المهدوي:      التكوير: ١٧  أدبر بظلامه، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وروي عنهما أيضًا وعن الحسن وغيره: أقبل بظلامه. "

يعني يقال لليل إذا أدبر عسعس، وإذا أقبل عسعس، فهو من الأضداد، الشيخ الشنقيطي- رحمه الله- في مقدمة أضواء البيان ذكر مثل هذه الألفاظ المحتملة، وأن الأليق بالسياق كذا هذا اللفظ من الاحتمالين أو من الاحتمالات، فمقدمة أضواء البيان فيها بيان طيب ينفع في هذا المجال.

" قال الفرَّاء: العرب تقول: عسعس وسعسع إذا لم يبق منه إلا اليسير، قال الخليل وغيره: عسعس الليل إذا أقبل أو أدبر، وقال المبرِّد: هو من الأضداد، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله، وإدباره في آخره، وقال علقمة بن قرط حتى..

قُرْط.

وقال علقمة بن قُرْط:

حتى إذا الصبح لها تنفسا        .

 

وانجاب عنها ليلها وعسعسا             .

وقال رؤبة:

يا هند ما أسرع ما تسعسعا         .

 

من بعد ما كان فتى سرعرعا            .

وهذه حجة الفراء، وقال امرؤ القيس.. "

لأنه يقال: عسعس وسعسع، ولو نظرنا إلى كتب اللغة المرتبة على المخارج وجدناها تجعل هذا بجوار هذا، تهذيب اللغة للأزهري يجعل عسعس وسعسع في مادة واحدة، وكذلك ابن فارس في معجم المقاييس والاشتقاق بأنواعه يحتمل هذه الأمور، والتقارب في الحروف يعطي من التقارب في المعنى بحسب هذا القرب.

" وقال امرؤ القيس:

عسعس حتى لو يشاء أدّنا         .

 

كان لنا من ناره مقبس                  .

فهذا يدل على الدنو، وقال الحسن ومجاهد: عسعس أظلم، قال الشاعر:

حتى إذا ما ليلهن عسعسا           .

 

ركبن من حد الظلام حندسا                  .

قال الماوردي: وأصل العس الامتلاء، ومنه قيل للقدح الكبير: عُس؛ لامتلائه بما فيه، فأطلق على إقبال الليل؛ لابتداء امتلائه، وأطلقه على إدباره؛ لانتهاء امتلائه على ظلامه، لاستكمال امتلائه به، وأما قول امرئ القيس:

ألمّا على الربع القديم بعسعس         .

 

فموضع بالبادية ................               .

وعسعس أيضًا اسم رجل قال الرجز: وعسعس. "

الراجز.

"قال الراجز:

وعسعس نعم الفتى تبياه          .

 

................................"                  .

تبياه؟

هكذا مكتوب.

" أي تعتمده، ويقال للذئب: العسعس والعسعاس والعساس؛ لأنه يعس بالليل ويطلب، ويقال للقنافذ: العساعس؛ لكثرة ترددها بالليل، قال أبو عمرو: والتعسعس الشم، وأنشد:

................................               .

 

كمنخر الذئب إذا تعسعسا                  .

والتعسعس أيضًا: طلب الصيد بالليل. "

ولعله من هذا قيل لمن يحفظ الأمتعة والبيوت والدكاكين والمحلات بالليل يقال لهم عسّة، وقد يقال له ناطور، يقال له عسَّة؛ لأنه يحفظ المحلات بالليل.

" قوله تعالى: التكوير: ١٨  أي امتد حتى يصير نهارًا واضحًا يقال للنهار إذا زاد: تنفس، وكذلك الموج إذا نضح الماء، ومعنى التنفس: خروج النسم من الجوف، وقيل إذا تنفس أي انشق وانفلق، ومنه: تنفست القوس أي تصدعت.              التكوير: ١٩  هذا جواب القسم، والرسول الكريم جبريل قاله الحسن وقتادة والضحاك، والمعنى: إنه لقول رسول عن الله. "

الرسول في الحاقة               الحاقة: ٤٠  هناك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهنا جبريل.

" والرسول الكريم جبريل قاله الحسن وقتادة والضحاك، والمعنى إنه لقول رسول عن الله كريم على الله، وأضاف الكلام إلى جبريل- عليه السلام- ثم عداه عنه بقوله:        الحاقة: ٤٣  ليعلم أهل التحقيق في التصديق أن الكلام لله- عز وجل-، وقيل: هو محمد -عليه الصلاة والسلام- ذي قوة.. "

يقال مثل هذا الكلام؛ لئلا يخطر على بال أحد إما معارض أو جاهل أن هذه الإضافة إضافة القرآن إلى جبريل أنه من إنشائه أو إلى محمد أنه من كلامه، ولكن اللفظ     الحاقة: ٤٠  في الموضعين يدل على أن له مرسلاً، وأنه مجرد رسول يحمل هذه الرسالة من مرسله، تنزيلًا من رب العالمين، نزل به هذا الرسول، وبلغه ذلك الرسول.

" التكوير: ٢٠  من جعله جبريل، فقوته ظاهرة، فروى الضحاك عن ابن عباس قال. "

في سورة النجم     النجم: ٦  المرة هي القوة.

" عن ابن عباس قال: من قوته قلعه مدائن قوم لوط بقوادم جناحه. التكوير: ٢٠  أي عند الله- جل ثناؤه- التكوير: ٢٠  أي ذي منزلة ومكانة، فروي عن أبي صالح قال: يدخل سبعين سُرادقًا بغير إذن. التكوير: ٢١  أي في السموات قال ابن عباس: من طاعة الملائكة جبريل أنه لما أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال جبريل- عليه السلام- لرضوان خازن الجنان: افتح له، ففتح فدخل ورأى ما فيها، وقال لمالك خازن النار: افتح له جهنم حتى ينظر إليها، فأطاعه وفتح له. التكوير: ٢١  أي مؤتمن على الوحي الذي يجيء به، ومن قال: إن المراد محمد -صلى الله عليه وسلم-، فالمعنى: ذي قوة على تبليغ الرسالة. التكوير: ٢١  أي يطيعه من أطاع الله- جلَّ وعز-."

يعني من التناقض المضحك في القول قول بعض الطوائف: خان الأمين، الله يسميه أمينًا، وهم يقولون خان الأمين بأن صرف الرسالة من علي إلى محمد -عليه الصلاة والسلام-، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الزيغ والضلال.

" التكوير: ٢٢  يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليس بمجنون حتى يُتهم في قوله، وهو من جواب القسم، وقيل: أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه- جل وعز- فقال: ما ذاك إلي، فأذن له الرب- جل ثناؤه، فأتاه وقد سد الأفق، فلما نظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- خرّ مغشيًا عليه، فقال المشركون: إنه مجنون، فنزلت:              التكوير: ١٩ . التكوير: ٢٢  وإنما رأى جبريل على صورته، فهابه، وورد عليه ما لم تحتمل بنيته، فخر مغشيًا عليه. "

رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته التي خلق عليها   النجم: ١٣.

طالب: النجم: ١٣.

نعم.

طالب: ............

نعم.

طالب: ............

على كل حال هذا الحاصل.

طالب: ............

رأى جبريل على صورته.

طالب: ............

ما فيه شك أن ما كل يعطى مثل هذا الطلب.

طالب: ألا يدخل على القول: التكوير: ٢٢  أنها ليست صيغة مدح في مقام الامتنان؟

نعم، لكن النفي لتهمة واقعة.

طالب: هل يسلم سبب النزول؟

سبب النزول واضح أنه لما رأى جبريل على صورته هابه وأصابه الغشي؛ لأن الإنسان إذا رأى شيئًا يذهله يصاب بالغشي، والناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس لأدنى سبب، وبعضهم أثبت، وأسماء في قصة الكسوف لما رأت الناس يصلون، فسألت عائشة، فأشارت عائشة بيدها إلى السماء، فقالت أسماء: آية؟ فأشارت برأسها أن نعم، فأصابها الغشي، وبعض الناس لأدنى سبب إذا رأى شخصًا أو رأى حادثًا أو رأى شيئًا يصابه الغشي، وبعض الناس يُسعف ولا عنده مشكلة. واحد من الشباب وقف عند حادث وعنده شُرَط وفيه وفيات وفيه إصابات، ف قال له الشُرطي ابعِد أنت ما تتحمل، ثم يطلع لهم يد، ثم يغشى على العسكري، يد منفصلة.. فالناس يتفاوتون في هذا تفاوتًا كبيرًا جدًّا، ولذلك يُمنع بعض الناس من الذهاب إلى بعض الأماكن، ويحجب عن رؤية بعض الأشياء، والآن في وسائل الإعلام كل شيء أمامك، وكان الناس يهابون بعض المناظر، والآن صارت عادية، يأكلون ويشربون والناس يقتلون أمامهم يعني على المائدة ويأكلون، والمسلمون منهم من يداس بالأقدام، ومنهم من يفرَّغ في رأسه الرصاص ووو.. الله المستعان، قسوة قسوة.

طالب: ............

ما يقال واجب حتى على الرجال، الجمهور ليست بواجبة، لكنها مستحبة.

طالب: ............

ما فيها إلا أبو عوانة في صحيحه هو الذي قال: باب وجوب صلاة الكسوف.

" قوله تعالى: التكوير: ٢٣  أي رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح التكوير: ٢٣  أي بمطلع الشمس من قبل المشرق؛ لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مبين أي من جهته ترى الأشياء، وقيل: الأفق المبين أقطار السماء ونواحيها، قال الشاعر:

أخذنا بآفاق السماء عليكم           .

 

لنا قمراها والنجوم الطوالع                  .

قال الماوردي: فعلى هذا، فيه ثلاثة أقاويل؛ أحدها: أنه رآه في أفق السماء الشرقي، قاله سفيان، والثاني: في أفق السماء الغربي، حكاه ابن شجرة، الثالث: أنه رآه نحو أجياد، وهو مشرق مكة، قاله مجاهد، وحكى الثعلبي عن ابن عباس قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: «إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء»، قال: لن تقدر على ذلك قال: «بلى»، قال: فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال: «بالأبطح»، قال: لا يسعني، قال: «فبمنى»، قال: لا يسعني، قال: «فبعرفات»، قال: ذلك بالحري أن يسعني، فواعده فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- للوقت، فإذا هو قد أقبل بخشخشة وكلكلة من جبال عرفات قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- خر مغشيًا عليه، فتحول جبريل في صورته وضمه إلى صدره، وقال: يا محمد لا تخف، فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحيانًا من خشية الله حتى يصير مثل الوصع. "

يقول الوصع: العصفور الصغير.

" حتى يصير مثل الوصع يعني العصفور ما يحمل عرش ربك إلا عظمته. "

مخرّج؟

طالب: ............

نعم، ما فيه إلا ثعلب، فلا أصل له.

" وقيل: إن محمدًا عليه السلام رأى ربه- عز وجل- بالأفق المبين، وهو معنى قول ابن مسعود، وقد مضى القول في هذا في النجم: ١  مستوفًى، فتأمله هناك، وفي المبين قولان: أحدهما أنه صفة. "

على الخلاف المعروف بين الصحابة، هل رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- ربه، فمنهم من أثبت، ومنهم من نفى، وعائشة تقول: من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، ابن عباس يثبت ذلك بناءً على أن هذه الرؤية، ولقد رآه بالأفق المبين، ولقد رآه نزلة أخرى كلها تعود إلى الله- جل وعلا-، لكن المرجَّح ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «نور أنى أراه، نور أنى أراه»، «حجابه النور»- وفي رواية: النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره».

طالب: في المنام يا شيخ...

كيف؟

طالب: رؤية الله في المنام...

نعم، هذه حتى لغير النبي نفسه.

طالب: للجميع.

نعم، للجميع ما فيه إشكال...

طالب: ............

الله أعلم ما يدرى.. ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في بعض الأحاديث أنه رأى ربه في المنام، وأيضًا ذكر عن بعض الصحابة وعن بعض التابعين أنهم رأوه، لكن الله أعلم بالكيفية.

" وفي المبين قولان؛ أحدهما: أنه صفة الأفق، قاله الربيع، الثاني: أنه صفة لمن رآه، قاله مجاهد، وما هو على الغيب بظنين بالظاء قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي أي بمتهم، والظِّنة: التهمة، قال الشاعر.

التهَمة.

................................               .

 

لعلم عرفان وظن تهمة                  .

كلام ابن مالك.

والظنة التهَمة، قال الشاعر:

أما وكتاب الله لا عن شناءة             .

 

هجرت ولكن الظنين ظنين                  .

واختاره أبو عبيد؛ لأنهم لم يبخِّلوه، ولكن كذبوه، ولأن الأكثر من كلام العرب ما هو بكذا، ولا يقولون ما هو على كذا، إنما يقولون ما أنت على هذا بمتهم، وقرأ الباقون   التكوير: ٢٤  بالضاد، أي ببخيل، من ضننت بالشيء أضن ضنًّا، فهو ضنين، فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا يضن عليكم بما يعلم، بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه. "

-عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه -عليه الصلاة والسلام- بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وبين لهم كل ما يحتاجون إليه، ولا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه -عليه الصلاة والسلام-.

" وقال الشاعر:

أجود بمكنون الحديث وإنني             .

 

بسرك عمن سألني لظنين                  .

والغيب القرآن وخبر السماء، ثم هذا صفة محمد- عليه السلام-، وقيل: صفة جبريل- عليه السلام- وقيل:   التكوير: ٢٤  بضعيف، حكاه الفراء والمبرد، يقال: رجل ظنين أي ضعيف، وبئر ظنون إذا كانت قليلة الماء قال الأعشى:

ما جعل الجد الضنون الذي           .

 

جنِّب صوب اللجب الماطر                 .

مثل الفراتي إذا ما طمى           .

 

يقذف بالبوصي والماهر                 .

والظون الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا، ومنه حديث علي- عليه السلام- في الرجل يكون له الدين الظنون قال: يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقًا. "

يعني إن كان صادقًا في أن من عليه الدين ليس بمليء، فإنه يزكيه إذا قبضه، أما إذا كان الدين على مليء فإنه يزكيه كل ما حال عليه الحول، الظنون الدين الذي لا يدرى أيقضيه آخذه أم لا، ولذلك لا يجوز للإنسان أن يستدين ويشغل ذمته بشيء لا يغلب على ظنه أنه يوفيه بعض الناس يكلف نفسه يحمل نفسه الملايين وهو يعرف أنه ما هو مسدد مهما صنع، مثل هذا لا شك أنه آثم.

" والظنون: الرجل السيء الخلق فهو لفظ مشترك. التكوير: ٢٥  يعني القرآن        التكوير: ٢٥  أي مرجوم ملعون كما قالت قريش، قال عطاء: يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة جبريل يريد أن يفتنه. "

مخرّج هذا؟

طالب: ............

الشيطان الأبيض يحتاج إلى نظر، فيه شيطان أبيض؟

طالب: ............

نعم، الغالب السواد الغالب في الشياطين السواد، لكن ينظر كتب السيرة المطولة.

طالب: ............

أنا أقول يُبحث، هذا يُنظر.

" التكوير: ٢٦  قال قتادة: فإلى أين تعدلون عن هذا القول وعن طاعته؟ كذا روى معمر، عن قتادة أي: أين تذهبون عن كتابي وطاعتي؟ وقال الزجاج: فأي طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم؟ ويقال: أين تذهب وإلى أين تذهب؟ وحكى الفراء عن العرب: ذهبت الشام، وخرجت العراق، وانطلقت السوق، أي إليها قال: سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة. "

فيكون منصوبًا على نزع الخافض، والأصل ذهبت إلى الشام، وخرجت إلى العراق، وانطلقت إلى السوق.

" وأنشدني بعض بني عُقيل:

تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا          .

 

وأي الأرض تذهب بالصياح؟              .

يريد إلى أي أرض تذهب، فحذف إلى، وقال الجنيد: معنى الآية مقرّون بآية أخرى، وهي قوله تعالى: الحجر: ٢١. "

مقرُون.

" معنى الآية مقرُون بآية أخرى، وهي قوله تعالى: ﭿ       الحجر: ٢١  المعنى: أي طريق تسلكون أبين من الطريق الذي بينه الله لكم؟ وهذا معنى قول الزجاج إن هو.. "

يعني ما وجه ارتباط الآية التكوير: ٢٦  مع قوله- جل وعلا-: ﭿ       الحجر: ٢١  يعني الرزق كله بيد الله- جل وعلا-، وعنده ومنه فأين تذهب يمينًا أم شمالًا فلن تخرج عما عند الله من رزق، ولن تسد حاجتك إلا بما عند الله من فضل.

طالب: ............

نعم، لكن كل هذا ما فيه شيء، هذا كله أقوال تحكى ما فيها تحقيق وتخريج، يُنظر فيها في السيرة.

" التكوير: ٢٧  يعني القرآن، التكوير: ٢٧  أي موعظة وزجر، وإن بمعنى ما، وقيل: ما محمد إلا ذِكْر. التكوير: ٢٨. "

نعم وإن تأتي للنفي لاسيما إذا جاء بعدها إلا؛ الإسراء: ٤٤،   النساء: ١٥٩  مثل هذا التكوير: ٢٧  وإذا لم تأت بعدها إلا فهي مخففة من الثقيلة.

" التكوير: ٢٧  يعني القرآن، التكوير: ٢٧  أي موعظة وزجر وإن بمعنى ما، وقيل ما محمد إلا ذكر. التكوير: ٢٨  أن يتبع الحق ويقيم عليه. "

لكن حمله على القرآن أوضح، لذلك القرآن ذكر بلا شك، بل أعظم الأذكار.

وقال.

التكوير: ٢٨  فليلزم هذا الذكر، فليلزم الهدى والنور في كتاب الله والخلاص والنجاة في الدنيا والآخرة في كتاب الله.

" وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى: لما نزلت: التكوير: ٢٨  قال أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، وهذا هو القدر، وهو رأس القدرية فنزلت: التكوير: ٢٩. "

فأثبت للعبد مشيئة خلافًا للجبرية، لكنها مشيئة مقرونة وتابعة لمشيئة الله- جل وعلا- ليست بمستقلة من كل وجه خلافًا للقدرية.

" وهذا هو القدر، وهو رأس القدرية، فنزلت: التكوير: ٢٩  فبيَّن بهذا أنه لا يعمل العبد خيرًا إلا بتوفيق الله ولا شرًّا إلا بخذلانه، وقال الحسن: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء الله لها. "

شاءه.

" حتى شاءه الله لها، وقال وهب بن منبه: قرأت في سبعة وثمانين كتابًا مما أنزل الله على الأنبياء، من جعل إلى نفسه شيئًا من المشيئة فقد كفر، وفي التنزيل:                         الأنعام: ١١١ ، وقال تعالى: ﭿﮀ يونس: ١٠٠ ، وقال تعالى:      ﮘﮙ القصص: ٥٦ ، والآي في هذا كثير، وكذلك الأخبار، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام، وأضل بالكفر كما تقدم في غير موضع، ختمت السورة والحمد لله. "

مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب في باب القدر والمشيئة مثل ما قلنا: إن الجبرية يقولون: إنه مجبور على جميع أفعاله وتصرفاته، ورتبوا على هذا أنه إن عُذِّب، وهذا وصفه أنه مظلوم، والله- جل وعلا- ظالم له، كيف يجبره على فعله، ثم يعذبه على أمر لا خيرة له فيه.

ألقاه في اليم مكتوفًا ثم قال له           .

 

إياك إياك أن تبتل بالماء                  .

وقالوا: إن حركة الإنسان مثل حركة ورق الشجر في مهب الريح، ويقابلهم القدرية الذين هم المثبتة للقدر.. القدرية الذين يثبتون الحرية التامة للمخلوق، ويقولون: إنه يتصرف بحرية تامة، ويخلق فعل نفسه، والله- جل وعلا- ما له علاقة بأفعال العباد، فأثبتوا مع الله خالقًا، فسمُّوا مجوس هذه الأمة.

 رأي أهل السنة والجماعة هو الوسط بين القولين؛ لأنه يترتب على القول بالجبر لوازم خطيرة جدًّا، وكذلك مقابله قد يصل إلى حد الكفر، نسأل الله العافية، ثم بعد ذلك التوسط في رأي أهل السنة والجماعة أن العبد له مشيئة وإرادة وحرية واختيار، لكنه لا يستقل بذلك، يعني هدي وبين له السبيل، ولا أحد يمنعه إذا أراد هذا أو ذاك، لكنه إن كان الله- جل وعلا- أراد له السعادة اختار طريق أهل السعادة، وإن كان الله- جل وعلا- أراد له طريق أهل الشقاوة، اختار طريقهم، فهو حر مختار مريد، لكنه لا يستقل بهذه الإرادة ولا بهذه المشيئة.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الجمعة يا إخوان ما فيه درس، إن شاء الله الاختبارات متى؟

طالب: ..............

القادمة فيه شيء؟

طالب: ..............

تعارض القلة، والأسبوع الذي بعده اختبارات نهائية؟

طالب: ..............

يعني مقتضاه أننا نعطل الدروس كلها على هذا الكلام.

طالب: ..............

ماذا فيه؟

طالب: ..............

نعم، لكن عادتنا أننا نترك فرصة للطلاب أقل شيء أسبوع.

طالب: ..............

نعم انقطعت انقطاعًا شديدًا.

طالب: ..............

الأسبوع القادم دروس إن شاء الله، على كل حال الجمعة ما فيه درس.

"