شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (067)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى هذه الحلقة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

هذا الكتاب يتولى شرحه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والذي نرحب به مع مطلع حلقتنا فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: توقفنا عند قول المصنف -رحمه الله تعالى-:

"عن البراء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده من الأنصار، وأنه صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قِبْلته قِبَل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمَرَّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلَّيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قِبَل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولَّى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي الحديث البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة، استُصغِر يوم بدر، قال النووي: روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثمائة حديث وخمسة أحاديث، اتفقا على اثنين وعشرين، وانفرد البخاري بخمسة عشر، ومسلم بستة أحاديث. توفي بالكوفة سنة اثنتين وسبعين.

والحديث تَرجَم عليه الإمام البخاري بقوله: بابٌ الصلاة من الإيمان، وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] يعني صلاتكم عند البيت.

قال ابن حجر: روى الطيالسي والنسائي من طريق شريك وغيره عن أبي إسحاق عن البراء في الحديث المذكور، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] صلاتكم إلى بيت المقدس، والذي في الترجمة في الكتاب يعني صلاتكم عند البيت.

قال ابن حجر: فقول المصنف "عند البيت" مُشْكِل، مع أنه ثابت في جميع الروايات، يعني روايات الصحيح، الحديث ثابت عند أبي ذر، وثابت عند كريمة، وعند الكشميهني، وعند المستملي، عند السرخسي، عند غيرهم من الرواة، ثابت في جميع الروايات، ولا اختصاص لذلك بكونه عند البيت.

يعني لا اختصاص لصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بيت المقدس بكونها عند البيت، يعني عند الكعبة.

يقول ابن حجر: وقد قيل: إن فيه تصحيفًا، والصواب يعني صلاتكم لغير البيت، عند البيت يعني لغير البيت غير الكعبة.

يقول ابن حجر: وعندي أنه لا تصحيف فيه، بل هو صواب، ومقاصد البخاري في هذه الأمور دقيقة، وبيان ذلك أن العلماء اختلفوا في الجهة التي كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوجه إليها للصلاة وهو بمكة، فقال ابن عباس وغيره: كان يصلي إلى بيت المقدس؛ لكنه لا يستدبر الكعبة، بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس. وأطلق آخرون أنه كان يصلي إلى بيت المقدس، وقال آخرون: كان يصلي إلى الكعبة، فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس، وهذا ضعيف، ويلزم منه دعوى النسخ مرتين، النسخ الأول: نسخ الصلاة إلى الكعبة إلى بيت المقدس، والنسخ الثاني: نسخ صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بيت المقدس إلى الكعبة.

والأول أصح؛ لأنه يجمع بين القولين، وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس، وكأن البخاري أراد الإشارة إلى الجزم بالأصح من أن الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس؛ لأنه يقول: يعني صلاتكم عند البيت، يريد أن يجمع بين الاستقبال إلى البيت، وإلى بيت المقدس معًا كما صح بذلك الخبر عن ابن عباس، واقتصر على ذلك...

المقدم: هذا يستقيم -أحسن الله إليك- مع قول من قال: لغير البيت، صلاتكم عند البيت لغير البيت، يستقيم هذا الأخير؟

هذا قول من ادعى التصحيف، والحافظ ابن حجر يقول: عندي أنه لا تصحيف.

واقتصر على ذلك اكتفاءً بالأولوية؛ لأن صلاتهم إلى غير جهة البيت، وهم عند البيت إذ كانت لا تضيع، فأحرى ألا تضيع إذا بعدوا عنه، واقتصر على ذلك اكتفاءً بالأولوية؛ لأن صلاتهم إلى غير جهة البيت وهم عند البيت، يعني بمكة يستقبلون إلى بيت المقدس وهم بمكة، إذا كانت مثل هذه الصلاة لا تضيع وهم عند البيت، فأحرى ألا تضيع إذا بعدوا عنه، يعني لَمَّا انتقلوا إلى المدينة، فتقدير الكلام: يعني صلاتكم التي صليتموها عند البيت إلى بيت المقدس.

لكن العيني كعادته في تعقُّب ابن حجر يقول: قلت: هذه اللفظة ثابتة في الأصول صحيحة، ابن حجر أيضًا يقول: ثابتة في جميع الروايات، يقول: هذه اللفظة ثابتة في الأصول صحيحة، يعني قول البخاري: عند البيت، ومعناها صحيح، غير أنه اختصَر في العبارة، والتقدير: يعني صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس عند البيت، أي الكعبة، فقوله: عند البيت يتعلق بذلك المحذوف، وقول هذا القائل -يعني ابن حجر-: اقتصر على ذلك اكتفاءً بالأولوية، ثم تطويله بقوله: لأن صلاتهم... إلى آخره، كلام يحتاج إلى دِعَامة؛ لأن دعواه أولاً بقوله، واقتصر على ذلك اكتفاءً بالأولوية، ثم تعليله بقوله: لأن صلاتهم... إلى آخره لا تعلُّق له قط لبيان تصحيح قول البخاري: عند البيت، وتصحيحه بما ذكرناه، ونقْله عن بعضهم، ونقْله يعني نقل ابن حجر، عن بعضهم أن فيه تصحيفًا، ثم قوله: وعندي أنه لا تصحيف، وإن كان كذلك في نفس الأمر، يعني ما فيه تصحيف، يعني يوافق أنه لا تصحيف، يقول: وإن كان كذلك في نفس الأمر، لكن لو كان عنده الوقوف على معنى التصحيف، هنا يقول: وإن كان كذلك في نفس الأمر، يعني يوافق على أنه ليس بتصحيف لكن لو كان عنده الوقوف على معنى التصحيف، يعني مثل هذا الكلام يقال في ابن حجر أنه لا يعرف معنى التصحيف؟! كأن يقول أولاً: مثل هذا لا يسمى تصحيفًا، كأن العيني يريد أن يفرق بين التصحيف والتحريف، علمًا بأن من أهل العلم من لا يرى الفرق، يطلق التصحيف بإزاء التحريف والعكس، ويجعله بعضهم يجعل التصحيف في الشكل، والتحريف في الحروف.

كان يقول أولاً: مثل هذا لا يسمى تصحيفًا، وإنما يقال: مُشْكِل كما قال النووي أو نحو ذلك؛ لأن التصحيف وهو أن يتصحف لفظ بلفظ، وهذا ليس كذلك.

وقال الصاغاني -رحمه الله-: التصحيف الخطأ في الصحيفة، يقولون: تصحَّف عليه لفظ كذا، فعرفتَ أن من لم يعرف معنى التصحيف كيف يجيب عنه بالتحريف؟

نقول: هو يعرف معنى التصحيف، ويفرِّق بينه وبين التحريف، لكنه جرى على قول من يقول: إنه لا فرق، يطلق التصحيف على التحريف، والتحريف على التصحيف، وهذا قول معتمد عند أهل العلم؛ لأن كلاًّ منهما يجمعه التغيير، التغيير يجمع التصحيف والتحريف، استعماله بالمعنى الأعم أوسع من استعماله بالمعنى الخاص.

مراد البخاري بهذه الترجمة ظاهر ليُبَرْهِن على دخول العمل في مسمى الإيمان، فالصلاة عمل بدني، وجاء تسميتها بالإيمان في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] فُسِّر المراد بالحديث بالصلاة إلى بيت المقدس.

قال ابن بطال: الآية المذكورة أقطع الحجج للجهمية والمرجئة في قولهم: إن الأعمال لا تسمى إيمانًا، يعني نص {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] المراد بالإيمان ماذا؟

المقدم: الصلاة من العمل.

الصلاة، وهي عمل بدني، ففيها أقطع الحجج للجهمية والمرجئة في قولهم: إن الأعمال لا تسمى إيمانًا.

قوله: "كان أول ما قدم المدينة" أول بالنصب، يعني أول زمن قدومه، و(ما) مصدرية، والمراد بالمدينة مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولها أسماء كثيرة، منها: يثرب، وطيبة، وطابة، والدار، وغير ذلك.

"نزل على أجداده من الأنصار" في الأصل في البخاري أو قال: أخواله، والشك من أبي إسحاق، وفي إطلاق أجداده أو أخواله تجوُّز؛ لأن الأنصار أقاربه من جهة الأمومة؛ لأن أم جده عبد المطلب بن هاشم منهم، وهي سلمى بنت عمرو، أحد بني عدي بن النجار، وإنما نزل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة على إخوته من بني مالك بن النجار.

يقول ابن رجب -رحمه الله-: والأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم نسب؛ فإنهم أجداده وأخواله من جهة جد أبيه هاشم بن عبد مناف؛ فإنه تزوج بالمدينة امرأة من بني عدي بن النجار يقال لها: سلمى، فولدت له ابنه عبد المطلب وفي رأسه شيبة فسمي شيبة، وذكر ابن قتيبة أن اسمه: عامر، والصحيح أن اسمه: شيبة؛ وإنما قيل له: عبد المطلب لأن عمه المطلب بن عبد مناف قَدِم به من المدينة إلى مكة، فقالت قريش: هذا عبد المطلب، فقال: ويحكم إنما هو ابن أخي شيبة بن عمرو، وهاشم اسمه عمرو.

"وأنه صلَّى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا" كذا بالشك في المدة، وجاء عند مسلم وغيره بالجزم: بستة عشر، وعند غيره الجزم بسبعة عشر، وقال ابن حبان: سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام.

قال ابن حجر: والجمع بين هاتين الروايتين "ستة عشر أو سبعة عشر" سهل بأن يكون من جزم بستة عشر لفَّق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرًا، وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معًا، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور.

ربيع الأول والثاني، جمادى الأولى والثانية، ونصف رجب.

المقدم: أربعة ونصف مع اثنا عشر شهر، مع سنة يعني، أربعة ونصف مع سنة هذه ستة عشر.

نعم، لكن قدومه في ربيع الأول يوم اثنا عشر.

المقدم: وهو في رجب المنتصف فهذا جمع مع هذا وصار سبعة عشر.

نعم، المجموع سبعة عشر، عَدَّ ربيع وعَدَّ رجب، فصارت سبعة عشر، من قال: ستة عشر حذف أوائل الزائد من الربيع، والزائد من رجب لم يعدهما، ألغاهما معًا، لكن كلام ابن حبان سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام، يعني على التحرير، كيف؟

إذا قلنا: قدومه في الثاني عشر من ربيع الأول، والتحويل في الخامس عشر من شهر رجب صارت سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام، لكن هل يثبت أنه قَدِم في يوم ولادته ويوم وفاته؟ احتمال.

"وكان يعجبه أن تكون قِبْلته قِبَل البيت" أي كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه أي يحب أن تكون قِبْلته جهة الكعبة، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [سورة البقرة 143] "وأنه صلى أوَّلَ صلاة صلاها صلاة العصر" (أوَّل) بالنصب لأنه مفعول صلى، والعصر كذلك على البدلية، يعني بدل من أول، وأعربه ابن مالك بالرفع، هذا الذي أعربه ابن مالك بالرفع ليس الأول، وأعربه ابن مالك بالرفع، وفي الكلام مقدَّر لم يذكر لوضوحه، أي أول صلاة صلاها متوجهًا إلى الكعبة صلاة العصر، قال ابن رجب: وقد روي أن هذه الصلاة كانت صلاة الفجر، ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: بين الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة، وقيل: إن تلك الصلاة كانت الظهر، خرجه النسائي في الكبرى، قال ابن رجب: وقد قيل في الجمع بين هذه الأحاديث: إن التحويل كان في صلاة العصر، ولم يبلغ أهل قباء إلا في صلاة الصبح.

يقول ابن رجب: وفيه نظر. لبعد ما بين العصر إلى الصبح، وقباء قريب من مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن النصوص صحيحة.

المقدم: التي قالت بالظهر والفجر.

لا، النصوص صحيحة عندنا، "وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر" والنص الذي فيه صلاة الصبح صحيح أيضًا في الصحيحين بالنسبة لأهل قباء؛ لماذا لا يتأخر علمهم بذلك إلى الصبح؟ لأن النصوص جاءت بهذا، لاسيما وأنهم لا إثم عليهم في عدم استقبالهم الكعبة، ولا خطر على صلاتهم من بطلان وغيره؛ لأن الناسخ إنما يُعمَل به من بلوغه على ما سيأتي.

وفي فتح الباري لابن حجر: وعند ابن سعد حُوِّلَت القبلة في صلاة الظهر أو العصر على التردد، وساق ذلك من حديث عمارة بن أوس، قال: صلينا إحدى صلاتي العشاءين، أو العشي؟ إحدى صلاتي العشاءين، يقول: وعند ابن سعد حُوِّلَت القبلة في صلاة الظهر أو العصر على التردد، وساق ذلك من حديث عمارة بن أوس قال: صلينا إحدى صلاتي العشاءين، هل تكون العشاءين أو العشي؟

المقدم: يعني العشاءين يريد بها المغرب والعشاء؟

نعم، بلا شك.

المقدم: وإذا قال: العشي يريد بها الظهر والعصر؟

الظهر والعصر.

المقدم: كأن الأولى العشي.

هكذا في الفتح، في حديث ذي اليدين، إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر.

المقدم: قد يكون يريد إحدى صلاة العشيين فنُقلَت هكذا.

لا، إحدى صلاتي العشي.

والتحقيق أن أول صلاة صلاها في بني سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر، وأما الصبح فهو من حديث ابن عمر بأهل قباء، وهل كان ذلك في جمادى الآخرة أو رجب أو شعبان؟ أقوال.

"وصلى معه قوم" معروف الصحابة يصلون معه -عليه الصلاة والسلام-، "فخرج رجل ممن صلى معه" هو عبَّاد بن بشر بن قيظي، أو عبَّاد بن نَهِيْك، يعني جاءت الروايات بهذا وذاك، "فمر على أهل مسجد" قال ابن حجر: أهل المسجد الذين مر بهم هم من بني سَلِمة، وقيل: هو عبَّاد بن بشر الذي أخبر أهل قباء في صلاة الصبح، كما سيأتي في الصلاة من حديث ابن عمر.

قال العيني: هؤلاء ليسوا أهل قباء، بل أهل مسجد بالمدينة، وهو مسجد بني سلمة، ويُعرَف بمسجد القبلتين، ومر عليهم المار في صلاة العصر، وأما أهل قباء فأتاهم الآتي في صلاة الصبح، قال الكرماني: لفظ الكتاب يحتمل أن يكون المراد بالمسجد هو مسجد قباء، ومن لفظ: "هم راكعون" أن يكونوا في صلاة الصبح، اللهم إلا أن يقال: الفاء التعقيبية لا تساعده، ما معنى هذا الكلام؟ لفظ الكتاب يعني لفظ الرواية التي خرَّجها البخاري هنا، فخرَج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد، جائز أن يكون أهل مسجد قباء، لفظ الكتاب يحتمل، ويؤيده حديث ابن عمر، وهو صحيح، يقول: لفظ الكتاب يحتمل أن يكون المراد بالمسجد هو مسجد قباء، ومن لفظ: "هم راكعون" أن يكونوا في صلاة الصبح، هذا احتمال، ما فيه ما يمنع، اللهم إلا أن يقال: الفاء التعقيبية "فخرج رجل فمر" لا تساعده.

المقدم: يعني بين الصبح والعصر مسافة.

وقت طويل نعم، نعم لو قيل في صلاة العصر: صلى مع النبي العصر وخرج ووجد...

المقدم: ثم...

لا، فمر بهم، فخرج فمر، يدركهم في نفس الوقت، يعني تساعد الفاء التعقيبية في هذا، لكنها لا تساعد على صلاة الصبح؛ لأن فيه تراخي.

"وهم راكعون" حقيقة، يعني في حال الركوع، أو هو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، أي: يصلون.

المقدم: لكن حل هذا الإشكال -أحسن الله إليك- ألا يتوجه إلى القول بأنها مسجد القبلتين وليست مسجد قباء؟ ما دام الفاء فعلاً توجيه سليم أن الفاء لا تدل على بعد الوقت.

لا شك أن النصوص كلها صحيحة، ولا يمنع أن يكون رجل ممن صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على بني سلمة وهم في مسجد القبلتين، وآخر عبَّاد بن بِشْر في حديث ابن عمر مَرَّ على أولئك في صلاة الصبح، ما الذي يمنع؟

"فقال: أشهد بالله" أي: أحلف، قال الجوهري: يقال: أشهد بكذا أي أحلف به "لقد صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قِبَل مكة" أي قبل البيت الذي في مكة، ولهذا قال: "فداروا كما هم قِبَل البيت" يعني قِبَل البيت الذي في مكة، ولهذا قال: "فداروا كما هم قِبَل البيت" وما موصولة، والكاف للمبادرة، أي سمعوا كلامه، وبادروا بالامتثال، فداروا إلى جهة البيت الحرام فلم يقطعوا صلاتهم، بل أتموها إلى جهة الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى جهتين بدليلين شرعيين، يقول الكرماني: ومثل هذه الكاف تسمى بكاف المقارنة، هناك ابن حجر يقول: كاف المبادرة، والكرماني يقول: كاف المقارنة، أي دورانهم مقارن بحالهم.

يقول العيني: لم يقل أحد في أقسام الكاف كاف المقارنة، يعني لم يوجد في معاني الكاف، والكاف من حروف المعاني، لم يُذكَر في معانيها المقارنة، والتحقيق أنها بمعنى على أو ملغاة، وفات العيني أن يستدرك على ابن حجر أنها أيضًا لم يُذكَر فيها المبادرة.

المقدم: مع أنه دائمًا يستدرك.

هو دائمًا يؤيد الكرماني على ابن حجر، لكن هذا فَوْت.

وقال العيني: "فداروا" الفاء فيه تسمى الفصيحة، أي سمعوا كلامه فداروا، كما في قوله تعالى: {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ} [سورة البقرة 60] أي فضرب فانفجرت، والفاء الفصيحة هي التي تدل على محذوف، هو سبب لما بعدها، يعني هذه الفاء تَرِد في الشروح كثيرًا، سواءً كان في الحديث، وفي العربية، وفي التفاسير أيضًا، لكن كثير من طلاب العلم قد يخفى عليه معنى الفصيحة، فتأتي في ثنايا كلام أهل العلم، فينبغي أن تدوَّن، ويعض عليها بالنواجذ، هي التي تدل على محذوف هو سبب لما بعدها.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم.

لعلنا نرجئ بقية الألفاظ -بإذن الله- في حلقة قادمة. مستمعيَّ الكرام نلقاكم -بإذن الله تعالى- لاستكمال ما تبقى من هذا الحديث في حلقة قادمة. حتى ذلكم الحين أستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.