كتاب الوضوء (42)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في القواعد النورانية: فصلٌ: وأصلٌ في كيفية إزالة النجاسات، وأصلٌ آخر في إزالتها، فمذهب أبي حنيفة: تزال بكل مزيل من المائعات والجامدات، والشافعي لا يرى إزالتها إلا بالماء حتى ما يصيب أسفل الخف والحذاء والذيل، لا يجزئ فيه إلا الغسل بالماء، وحتى نجاسة الأرض، ومذهب أحمد فيه متوسطٌ، فكل ما جاءت به السُّنَّة قال به، يجوز في الصحيح عنه مسحها بالتراب ونحوه من النعل ونحوه، كما جاءت به السُّنَّة، كما يجوز مسحها من السبيلين، فإن السبيلين بالنسبة إلى سائر الأعضاء كأسفل الخف بالنسبة إلى سائر الثياب في تكرر النجاسة على كل منها، واختلف أصحابه في أسفل الذيل هل هو كأسفل الخف كما جاءت به السُّنَّة واستوائها للأثر في ذلك؟ والقياس إزالتها عن الأرض بالشمس والريح يجب التوسط فيه، فإن التشديد في النجاسات جنسًا وقدرًا هو دين اليهود، والتساهل هو دين النصارى، ودين الإسلام هو الوسط، فكل قول يكون فيه شيء من هذا الباب يكون أقرب إلى دين الإسلام.

 قال -رحمه الله-: فصلٌ في حكم الماء والمائعات إذا أصيب بنجاسة، وأصلٌ آخر وهو اختلاط الحلال بالحرام كاختلاط المائع الطاهر بالنجس، فقول الكوفيين فيه من الشدة ما لا خفاء به، وسر قولهم إلحاق الماء بسائر المائعات، وأن النجاسة إذا وقعت في مائع لم يمكن استعماله إلا باستعمال الخبيث فيحرم الجميع، مع أن تنجيس المائع غير الماء الآثار فيه قليلة، وبإزائهم مالك وغيره من أهل المدينة، فإنهم في المشهور لا ينجسون الماء إلا بالتغير، ولا يمنعون من المستعمل ولا غيره مبالغة في طهورية الماء، مع فرقهم بينه وبين غيره من المائعات، ولأحمد قول كمذهبهم، لكن المشهور عنه التوسط بالفرق بين قليله وكثيره كقول الشافعي، واختلف قوله في المائعات غير الماء، هل يلحق بالماء، أو لا يلحق به كقول مالك والشافعي، أو يفرّق بين الماء وغير الماء كخل العنب؟ على ثلاث روايات، وفي هذه الأقوال من التوسط أثرًا ونظرًا ما لا خفاء به، مع أن قول أحمد الموافق لقول مالك راجح في الدليل، قال -رحمه الله-: فصلٌ في حكم طهارة".

هو اختيار الشيخ -رحمه الله-، قول مالك، وأن الماء ينقسم قسمين فقط طاهر ونجس، وليس عنده قسم متوسط، الطاهر في مقابل الطهور الذي هو قول الحنابلة والشافعية، شيخ الإسلام يوافق المالكية في هذا، ولا شك أن تقسيم الماء إلى ثلاثة أقسام والتنجيس بغير التغير ترتب عليه المشقة الشديدة في فروع الحنابلة وفروع الشافعية، ومن طالع الكتب في الفروع عند الشافعية والحنابلة رأى العنت، ورأى أحكامًا لا تناسب يسر الشريعة. وقلنا في درس مضى: إن الغزالي تمنى أن لو كان مذهب الشافعي كمذهب مالك، انظر لما أمامك، إن كان متغيرًا فاجتنبه، وإذا لم يتغير فهو ماء، لكن يرد عليه أن الماء القليل ولو كان شيئًا يسيرًا في كوب مثلاً، وقعت فيه نقطةٌ من البول لم تغيِّره، لا لونًا ولا طعمًا ولا رائحة، فماذا يقولون عنه؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

من ناحية الاستقذار غير القول بالنجاسة، هل هو نجس أم طاهر، على مقتضى كلامهم أنه طاهر؛ لأنه لم يتغير ولا وصف من أوصافه، فمثل هذا القول به صعب وإلا فاطراد مذهبهم في هذه المسألة هو المناسب ليسر الشريعة، وقلنا: إن الغزالي تمنى أن لو كان مذهب الإمام الشافعي كمذهب الإمام مالك لكان أيسر وأسمح وأسهل.

 طيب أنت يا غزالي وأنت فقيه من كبار الفقهاء عند الشافعية، لماذا لم تخرج عن مذهب الإمام الشافعي في هذه المسألة، كما اختار كثير من أئمة الشافعية القول الراجح بدليله، وتركوا مذهبهم، عندك ابن المنذر وابن خزيمة والنووي ومجموعة من الشافعية يرجحون ما يرجحه الدليل، الغزالي تمنى وهو جمد على مذهب، من قرأ في المجموع في أقسام المياه، وكيف يحكم عليها بالطهارة والنجاسة رأى فروعًا شاقة، ومن له نظر دقيق في العلم والفقه والتزم هذه الأقوال صعب عليه أن يطبقها إلا فيما ندر، فكيف بالعامي الذي لا يدرك مثل هذه الأمور؟

 فعلى كل حال شيخ الإسلام يرجح مذهب مالك، ويقول به، وأنه قسمان، لا ثالث لهما، نعم. اقرأ.

"فصلٌ في حكم طهارة أجزاء الميتة وأصل آخر وهو أن للناس في أجزاء الميتة التي لا رطوبة فيها كالشعر والظفر والريش مذاهب، هل هو..".

ومن يقول: إن للشعر والظفر حكم المنفصل يقول بطهارتهما، وهذا ظاهر؛ لأن الشعر والظفر لا تحلُّه الحياة، ولذا لو قُطِع في حال الحياة لما حسّ به الحيوان، وهو في حكم المنفصل، السِّن واللبن والأنفحة شيخ الإسلام يقول بطهارتها، والحنفية يتوسعون أكثر من ذلك، وهل السِّن والعظم واللبن غير؟ اللبن سائل ورطب وفي وعاء رطب، وفي جوف الميتة، فالقول بطهارته فيه صعوبة، وأما السِّن الذي يلحَق بالشعر والظفر باعتبار الخلاف في حلول الحياة فيه وعدم حلولها من يقول بذلك وهو مذهب الجمهور يقولون: إنه نجس، وإن السِّن والعظم تحلُّه الحياة، وتفارقه، سبحان من يحيى العظام وهي رميم، يدل على أنها تحله الحياة، فهي من قبيل النجس؛ لأنها فارقتها الحياة بموته.

 وعلى كل حال أدلتهم كثيرة ومتقابلة بالفعل، لكن التوسع الذي يراه الحنفية لا شك أنه غير مرضي.

"وهو أصل ظاهر وهو أن للناس في أجزاء الميتة التي لا رطوبة فيها كالشعر والظفر والريش مذاهب، هل هو طاهر أو نجس؟ على ثلاثة أقوال، أحدها: نجاستها مطلقًا كقول الشافعي ورواية عن أحمد، بناءً على أنها جزء من الميتة، والثاني: طهارتها مطلقًا كقول أبي حنيفة، وقولٌ في مذهب أحمد بناءً على أن الموجب للنجاسة هو الرطوبات، وهي إنما تكون فيما يجري فيه الدم، ولهذا حكم بطهارة ما لا نفس له سائلة، فما لا رطوبة فيه من الأجزاء بمنزلة ما لا نفس له سائلة، والثالث: نجاسة ما كان فيه حِسٌّ كالعظم، إلحاقًا له باللحم اليابس، وعدم نجاسة ما لم يكن فيه إلا النماء كالشعر إلحاقًا له بالنبات".

يعني نماء الشعر والريش مثل نماء النبات، يكبر شيئًا فشيئًا، وهذه حياة بالنسبة له، لذلك يقولون: هذا الشجر حي، وذاك الشعر ميت، ومع ذلك ليست حياته كحياة الحيوان التي تعلق بها الأحكام، وقل مثل هذا في الشعر والظفر.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تُفسِد عليه صلاته، وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي وضعه ومضى في صلاته، وقال ابن المسيب والشعبي: إذا صلى وفي ثوبه دم أو جنابة أو لغير القبلة أو تيمم: صلى ثم أدرك الماء في وقته لا يعيد.

حدثنا عبدان قال: أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد، قال ح وحدثني أحمد بن عثمان قال: حدثنا شريح بن مسلمة قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال: حدثني عمرو بن ميمون أن عبد الله بن مسعود حدثه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى سجد النبي- صلى الله عليه وسلم- وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغيِّرُ شيئًا لو كان لي منعة.

 قال: فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: «اللهم عليك بقريش» ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمَّى: «اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي مُعَيط» وعدَّ السابع، فلم يحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرعى في القليب قليب بدر".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: بابٌ إذا ألقي على ظهر المصلي قذرٌ أو جيفةٌ لم تفسد صلاته. والدلالة من الحديث ظاهرة، أنهم ألقوا على ظهره السلى، وهو الغلاف الذي يخرج به الجنين من بطن أمه، وهو في الحيوان يقال له: سلى، وفي الآدمي يقال له: مشيمة، وهو خارجٌ من بطن ميتة؛ لأن ذبيحة المشرك نجسة، في حكم الميتة، وهو رطب، وألقي على ظهر المصلي -عليه الصلاة والسلام-، شيءٌ نجسٌ رطب، قال: لم تفسد صلاته، إذا ألقي على ظهر المصلي قذر، والقذر أعم من أن يكون نجسًا أو مستخبثًا، ولو لم يكن نجسًا، أو جيفة، الجيفة نجسة، الميتة نجسة، في قول عامة أهل العلم، ولم يخالف فيها إلا نفرٌ يسير، ولم يلتفت إلى قولهم، فحكى بعضهم الإجماع على نجاستها، لم تفسد صلاته، الدلالة من الحديث فيها ظهور، لكن هل علم المصلي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- بحقيقة ما أُلقي عليه؟ هو علم أنه أُلقي عليه شيء، لكن هل علم أنه أُلقي عليه شيء نجس، والأصل الطهارة؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ما يدري، ساجد، ما يلزم أن تكون حقة بني فلان جزور بني فلان متى يذبح؟ ممكن؟

طالب:...

  الآن مذبوح، ما يلزم أن تكون رائحته ظاهرة، على قول من يقول: إن النجاسة لا تجب إزالتها في الصلاة هذا ماشٍ ما فيه شيء، وهو قول معروف لبعض أهل العلم، ولكن الجماهير على أن النجاسة لا بد من اتقائها {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [سورة المدثر: 4].

طالب:...

لم تفسد لم تفسُد عليه صلاته، لكن إذا أُلقي عليه نجس، وعلم به، لكنه استمر عليه الآن سلم.

طالب:...

يلزم الإزالة لو علم بها، وقلنا: احتمال أنه لا يدري ما الذي ألقي عليه، فالاستدلال لا يتم.

طالب:...

مراعاةً لما كان على ظهره من أجل أن يأتي من يزيله، ولو قام وسقط منه خشي أن يلوِّث.

طالب:...

 لا، هو يعرف أن على ظهره شيئًا، ويعرف -عليه الصلاة والسلام- أنه ألقي على ظهره شيء، لكن هل يعلم بنجاسته أو شك فيها؟ والأصل أنه طاهر، على هذا لا تؤثر على صلاته -عليه الصلاة والسلام-.

 وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي وضعه ومضى في صلاته، الدم مختلَفٌ في طهارته ونجاسته، والأدلة على تنجيسه، باستثناء المسفوح، المسفوح مجمع على تنجيسه، وما عدا ذلك مختلف فيه، وعمر صلى -رضي الله عنه وأرضاه- وجرحه يثعُب، والصحابي الذي في الغزوة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- رُمي بسهمٍ وجرحه يثعُب وصلى، أكمل صلاته.

 "وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي وضعه ومضى في صلاته" يعني إذا وقعت النجاسة على المصلي فأزالها سريعًا، فحينئذٍ لا تؤثر، كما أنه لو انكشف من عورته شيء وغطاه سريعًا لا يؤثر في صلاته، وإن كان ستر العورة شرطًا.

 "وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي وضعه ومضى في صلاته، وقال ابن المسيب والشعبي: إذا صلى وفي ثوبه دم أو جنابة أو لغير القبلة أو تيمم فصلى ثم أدرك الماء في وقته لا يعيد" قال ابن المسيب سيد من سادات التابعين، ومن الفقهاء المشهورين، ورأى الإمام أحمد أنه أفضل التابعين، وهو محمول على أنه من جهة العلم، وإلا فالشهادة لأويس في صحيح مسلم.

 "وقال ابن المسيب والشعبي عامر بن شراحيل: إذا صلى وفي ثوبه دم" مثل كلام ابن عمر، "أو جنابة" يعني أثر الجنابة، وهو المني، وهو طاهر عند جمع من أهل العلم، والأدلة من حديث عائشة وغيرها تدل على الطهارة، "أو جنابة أو لغير القبلة" اجتهد ثم تبيَّن له أن اجتهاده خطأ ما أصاب القبلة، اجتهد وهو من أهل الاجتهاد، وفي مكان يصلح للاجتهاد، إذا لم يوجد علامات في برّ، واجتهد، ويعرف علامات القبلة، واجتهد، ثم تبين له أنه صلى إلى غير القبلة، وقد حدث ذلك للصحابة، وبه نزل قوله -جل وعلا-: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ} [سورة البقرة: 115] أو لغير القبلة، أو تيمم فصلى يعني بالتيمم، وانتهى من صلاته، ثم أدرك الماء في وقته لا يعيد؛ لأنه صلى صلاة كاملة بطهارةٍ مجزية وكافية؛ لأنها كاملة بالنسبة له عند عدم الماء، لكن لو صلى بتيمم مع وجود الماء ما صحت صلاته، فهذا عدم الماء، فصلى على حسب حاله، واتقى الله ما استطاع فصلاته صحيحة لا تعاد.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: " قوله: (باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر) بفتح الذال المعجمة أي شيء نجس (أو جيفة) أي ميتة لها رائحة".

القذر أعم من أن يكون نجسًا أو مستقذرًا.

"قوله: (لم تفسد)".

أو جيفة أي ميتة لها رائحة يعني هل من مقتضى اللفظ الجيفة أنها بإزاء الميتة فقط؟ فقد يكون لها رائحة، وقد لا يكون، أو من مقتضى اللفظ أنها الميتة التي لها رائحة يقال لها: جيفة؟ كأن الشارح يميل إلى أنها الميتة التي لها رائحة.

طالب:...

انظر، جزء منه.

طالب:...

لا، هو قذر في الأصل، لكن إن.. انظروا معنى الجيفة في كتب اللغة إن كان من مقتضى الحد أنها ما كان له رائحة، معكم الأجهزة هذه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

موجود، لكن الأجهزة أسرع.

طالب:...

يطلق عليها جيفة وقبل ذلك يقال لها: ميتة، إذًا.

طالب:...

استدلال الإمام البخاري على النجاسة، وأنها لا تؤثر.  

"قوله: (لم تفسد) محله ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى".

لم يعلم بذلك الرسول -عليه الصلاة والسلام- علم أنه أُلقي عليه شيء؛ لأن ما ألقي عليه له وزن، ثِقل، لكن لا يعلم هل هو نجس أو غير نجس، وتبقى النجاسة مشكوكًا فيها والأصل الطهارة.

"ويحتمل الصحة مطلقًا على قول من ذهب إلى أن اجتناب النجاسة في الصلاة ليس بفرض، وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ".

يعني لا يجوز أن يبتدئ بنجاسة، وأما الاستمرار فلا يؤثر، وفرقٌ بين ابتداء الشيء واستصحابه واستمراره، وله نظائر، مثل: الطيب للمحرم استمراره إذا تطيب قبل الإحرام واستمر معه الطيب بعد إحرامه لا يؤثر.

"وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ، وإليه ميل المصنف، وعليه يتخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سالت منه الدماء برمي من رماه، وقد تقدَّم الحديث عن جابر بذلك في باب: من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين".

قال: ويذكر عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة ذات الرقاع، فرُمي رجلٌ بسهم فنزفه، نزف الدم، فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته، لكن يُذكر عن جابر، ويُذكر عن جابر تعليق بصيغة التمريض، لكن لا يلزم منها الضعف مطلقًا، لا يلزم منها الضعف مطلقًا.

يقول: ويذكر عن جابر، وصله ابن إسحاق في المغازي، وقال: حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه مطولاً، وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق، وشيخه صدقة ثقة، وعقيل بفتح العين لا أعرف راويًا عنه غير صدقة، ولهذا لم يجزم المصنف، لم يجزم المصنف؛ لأن عقيلاً هذا في حدّ المجهول، مجهول العين، لم يروِ عنه إلا واحد، ولهذا لم يجزم به المصنف، أو لكونه اختصره أو للخلاف في ابن إسحاق إمام أهل المغازي، لكنه في الحديث فيه مغمز، ويحسَّن حديثه إذا صرّح بالتحديث، وهنا قال: حدثني صدقة بن جابر.

"قوله: (وكان ابن عمر) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة من طريق بُرْد بن سنان عن نافع أنه: "كان إذا كان في الصلاة فرأى في ثوبه دمًا فاستطاع أن يضعه وضعه".

يعني إذا كان فيه شيء يمكن الانفصال عنه فصله ورماه، كما خلع النبي -عليه الصلاة والسلام- النعلين، لكن إذا كان لا يمكن خلعه؟

"وإن لم يستطع خرج فغسله، ثم جاء فيبني على ما كان صلى. وإسناده صحيح، وهو يقتضي أنه كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور، وقال الشافعي وأحمد: يعيد الصلاة، وقيَّدها مالك بالوقت، فإن خرج فلا قضاء، وفيه بحث يطول".

والوقت له شأن عند الإمام مالك يقدمه على الطهارة، أولى عنده من الطهارة، وإن كان كلاهما شرطًا والجمهور على تقديم الطهارة على الوقت، ولذا ابتدأ الموطأ بباب وقوت الصلاة، والجمهور يبدؤون مصنفاتهم بالطهارة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هذا رأي ابن عمر، في البناء حديث، لكنه فيه ضعف تعرفه؟

طالب:...

نعم، ضعيف، تحفظ لفظه؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم.

"واستُدِلَّ للأولين بحديث أبي سعيد أنه -صلى الله عليه وسلم- خلع نعليه في الصلاة، ثم قال: «إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا»، أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن خزيمة. وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه الحاكم ولم يذكر في الحديث إعادة، وهو اختيار جماعة من الشافعية. وأما مسألة البناء على ما مضى فتأتي في كتاب الصلاة، إن شاء الله.

وقوله: (وقال ابن المسيب والشعبي) كذا للأكثر، وهو الصواب، وللمستملي والسرخسي: "وكان" فإن كانت محفوظة فإفراد قوله: "إذا صلى" على إرادة كل منهما، والمراد بمسألة الدم ما إذا كان بغير عِلم المصلي، وكذا الجنابة عند من يقول بنجاسة المني، وبمسألة القبلة ما إذا كان عن اجتهاد ثم تبيَّن الخطأ، وبمسألة التيمم ما إذا كان غير واجد للماء، وكل ذلك ظاهر من سياق الآثار الأربعة المذكورة عن التابعين المذكورين".

المذكورَيْن. التابعيين المذكورَين، ابن المسيب والشعبي، ياءين، هما اثنان ابن المسيب والشعبي.

"عن التابعيين المذكورين" هو زاد يا شيخ جماعة...

ماذا؟

طالب:...

لا لا، في الأصل، قال ابن المسيب والشعبي، الآثار الأربعة صلى وفي ثوبه دم أو جنابة أو لغير القبلة أو تيمم فصلى أربعة.

"وقد وصلها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة مفرقة أوضحتها في تعليق التعليق، وقد تقدمت الإشارة إلى مسألة الدم".

تغليق، بعض النسخ بالعين.

"وأما مسألة التيمم فعدم وجوب الإعادة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف، وذهب جمع من التابعين -منهم عطاء وابن سيرين ومكحول- إلى وجوب الإعادة مطلقًا، وأما مسألة بيان الخطأ في القبلة فقال الثلاثة والشافعي في القديم: لا يعيد، وهو قول الأكثر أيضًا، وقال في الجديد: تجب الإعادة، واستُدِلَّ للأولين بحديث أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وقال: حسنٌ، لكن ضعفه غيره. وقال العقيلي: لا يُروى من وجه يثبت، وقال ابن العربي: مستند الجديد أن خطأ المجتهد يبطل إذا وُجِدَ النصّ بخلافه، قال: وهذا لا يتم في هذه المسألة إلا بمكة".

يعني لا بد من الاجتهاد في غير مكة، وأما في مكة فيمكن الوصول إلى عين الكعبة بيقين، فلا اجتهاد مع هذا، وأما خارج مكة فكلها اجتهاد، لا يمكن الوصول إلى عين الكعبة.

"وأما في غيرها فلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد".

لكن إذا تبين الخطأ ما صار اجتهادًا، صلى إلى ما يقابل القبلة، جعل القبلة في ظهره، في دبره، تبين له ذلك فيما بعد، وهو ليس من أهل الاجتهاد، أو في مكانٍ لا يسوغ فيه الاجتهاد كالبلدان، البلدان يمكن الوصول إلى جهة القبلة بسؤال أهل الخبرة، وإذا وجد محاريب إسلامية عمل بها، وإذا وجد علامات يستدل بها من آثار المسلمين يعمل بها، فالبلدان ليست محل اجتهاد.

طالب:...

ماذا؟ مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- قالوا: إن قبلته قطعية؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي أثبتها، وهو لا يُقَرّ على خطأ.

"وأُجيب بأن هذه المسألة مُصوَّرة فيما إذا تيقن الخطأ، فهو انتقال من يقين الخطأ إلى الظن القوي فليس فيه نقض اجتهاد باجتهاد. والله أعلم".

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبدان" عبد الله بن عثمان المروزي، قال: "أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن عبد الله" وهو ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أصلها بينما، وتحذف الميم، وقد تحذف الميم والألف، ويقال: بين رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

 حاء هذه الحاء عند أهل العلم في متون السُّنَّة تعني التحويل أو تحويل من إسناد إلى آخر، وهي في صحيح مسلم وسنن أبي داود ومسند الإمام أحمد كثيرة جدًّا، وهي قليلة في صحيح البخاري وغيره من الكتب قليلة، عند البخاري واستعمالها عند البخاري يختلف عن استعمالها عند غيره؛ لأنهم يجعلونها في أثناء الإسناد عند ملتقى الأسانيد، فيختصرون في الأسانيد، لكن عند البخاري لما ذكر الإسناد كاملًا ثم قال: ح، واستأنف سندًا كاملاً فما لها قيمة، ولذا يقول بعضهم: إنها ليست حاء وإنما هي الحديث، وينظر متن الحديث فيما بعد، أو خاء فيكون المعنى أنه رجع الكلام إلى المصنف الذي هو البخاري، ورمزه خاء.

 قال: "وحدثني أحمد بن عثمان قال: حدثنا شريح بن مسلمة قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق" السبيعي، قال: "حدثني عمرو بن ميمون أن عبد الله بن مسعود حدَّثه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصلي عند البيت" عند الكعبة، "وأبو جهل وأصحاب له جلوس" يعني حول الكعبة قريبًا منه -عليه الصلاة والسلام-، "إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان" قلنا: السلى تقدَّم ذكره، ومعناه، وهو اللفافة التي يخرج بها الجنين من بطن أمه، وهم يقولون: السلى للحيوان، والمشيمة لبني آدم، "بسلى جزور" جزور البعير؛ لأنها تجزر، فتقطع الأوصال.

 "بسلى جزور بني فلان، فيضعه على ظهره محمد إذا سجد" اللهم صل وسلم عليه، "فانبعث أشقى القوم فجاء به" انبعث انطلق إلى هذا الجزور أشقى القوم، يعني في هذه المسألة، في هذه القضية، وإلا فمعلومٌ أن أبا جهل أشد كفرًا منه وعنادًا وأذىً للنبي -عليه الصلاة والسلام-. "فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر" نظر يعني انتظر، "حتى سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر" يقول ابن مسعود: أنا أنظر، لكن لا حيلة له، "لا أغني شيئًا، وأنا أنظر لا أغني شيئًا لو كان لي منعة" وليست له قبيلة في مكة؛ لأنه من هذيل، وليست قبيلته بمكة، إنما هو حليف، وحلفاؤه كفار، ما يمنعون عنه، وهو مسلم، "لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون" يسخرون مما حصل له -عليه الصلاة والسلام-، "فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعض" كل واحد يشير إلى الثاني هذا كأنه يريدون أن يتنصلوا مما حصل ولا يمكنهم ذلك؛ لأن المسألة محصورة في جمع، في سبعة، لكن هذا من تمام شقائهم وسخريتهم به -عليه الصلاة والسلام-، إن ربك لبالمرصاد.

 "فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد لا يرفع رأسه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد لا يرفع رأسه" وهذا السجود وإطالته كعادته -عليه الصلاة والسلام- أنه يطيل صلاته فذُكر أنه قام حتى تفطرت قدماه، وقد وضع على ظهره شيء لا يدري ما هو، هل هو ضار، أو نافع؟ أو لا ضرر ولا نفع، لا يدري ما هو، والواحد منا يخفف الصلاة إن لم يقطعها لأدنى سبب، لأدنى سبب، وبعض الناس يكون في جسده حساسية زائدة، وقد تدلى خيط رفيع من ثوب شخص على ظهر قدمه فلما لم يستطع قطع صلاته، الناس يتفاوتون، الناس يتفاوتون، لكن الصلاة شأنها عظيم، ويذكر عن مصعب بن الزبير أنه قطعت رجله وهو يصلي فكانت الصلاة بالنسبة له بمثابة البنج.

 "حتى جاءته فاطمة" بنته -عليه الصلاة والسلام-، "فطرحت عن ظهره" عندها شجاعة -رضي الله عنها- وهي طفل في ذلك الوقت، طفل، وهؤلاء صناديد قريش، وسبّتهم في بعض الروايات، ولا خافت منهم، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، "فرفع رأسه" يعني من السجود، "ثم قال: «اللهم عليك بقريش» ثلاث مرات" ومنهم من يقول: إنه دعا في صلاته، ومنهم من يقول: إن ثم تعطي التراخي، وأنه لما سلّم دعا عليهم، اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، وفي بعض الروايات كررت الدعوة ثلاث مرات باللفظ، لا بالإجمال.

 "فشق عليهم إذ دعا عليهم، فشق عليهم إذ دعا عليهم" ما دام هؤلاء كفارًا لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر فكيف يخافون من الدعاء؟ وهم يرون أن الدعوة في هذا البلد مستجابة، وفي الحديث هذا، لكن الآن الكفار في عصرنا هذا وهم أهل عناد وكبر، ولا يؤمنون بيوم الحساب مثلاً، كيف يخافون من دعاء المسلمين عليهم؟ ولذلك من يدعو على الكفار قد ينال أذًى بسبب ضغوط بعض الكفار وإلا فالأصل ما دام كافرًا، ولا يصدق بوجود الله، ولا باليوم الآخر، خلِّه يدعو أو ما يدعو، ما بينهما فرق، مما يدل على أن الكافر وإن كان كافرًا غير مؤمن بالله إلا أنه يخشى من دعوة من عُرف صدقه، من عُرف صدقه ولا سيما في هذا المكان.

 اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم، "قال: وكانوا يَرون" أو "يُرَون" أي كانوا يظنون أن يتيقنون، يُرون يعني يظنون، يَرون يعني يجزمون، "أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة" يعني مكة، "ثم سمَّى"..

طالب:...

هم لا يعرفون أنهم على خطأ، ما يعرفون أن عدم إسلامهم خطأ، يظنون أنهم على حق، فلا يعرفون أنهم ارتكبوا شيئًا يعاقبون عليه، ولو عرفوا ذلك لأسلموا..

طالب:...

ماذا يعرف؟

طالب:...

هم كلهم يعرفون صدقه، لكن دعوته هل هي مؤثرة بالنسبة لهم؟ وهم لا يؤمنون بيوم حساب، ولا بعث ولا، ثم سمّى يعني بعد أن عمم خصّ، أو أن الأول من العام الذي أريد به الخصوص، اللهم عليك بقريش هل هو عام باقٍ على عمومه ثم خصّ؟ أو أنه عام أريد به الخصوص من الأصل؟ وعلى هذا حكم الدعاء على الكفار بعامة هل يخص بالمؤذي أو يعم الجميع، كما قال ابن أبي مليكة في الموطأ: أدركنا الناس وهم يلعنون اليهود والنصارى بعامة، ويدعون عليهم في الصلاة.

طالب:...

الفرس؟ ما الذي يمنع؟

طالب:...

تخصيص مفهوم، ولا شك أنه للوصف المؤثر الذي هو الكفر والأذى، أما غير الكفار فما يتناولهم.

 ثم سمّى: «اللهم عليك بأبي جهل»" الحكم بن هشام، "«وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي مُعَيط» وعدَّ السابع، فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده، فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرعى في القليب؛ قليب بدر" بعض الشراح يُأوِّل هذا القسم ويقول: روحي في تصرفه، روحي في تصرفه، والأصل إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، واللازم من ذلك أن أرواح الناس والمخلوقين كلهم بيده -جل وعلا-، لكن الأصل في ذلك إثبات صفة اليد لله -جل وعلا-، ويقول بعضهم -يعني ما لها علاقة بالحديث، لكن لها علاقة باليد التي هي الصفة-: يجوز ترجمة جيع الأسماء والصفات إلا اليد، لماذا؟

طالب:...

طيب غير اليد.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

 لا لا، ماذا؟

طالب:...

هم يقولون، تقول: يد الله.

طالب:...

بل يداه، لكن والتثنية يعني ما فيه ألفاظ مثناة يجوز ترجمتها؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

مهما كان أنا أقول: جميع الأسماء والصفات تُترجم، تجوز ترجمتها إلا اليد، وسبق أن ذكرت، ما السبب.

طالب:...

لأن معنى اليد في الأعجمية الدُست فإذا أضفتها إلى الله -جل وعلا- ماذا تصير؟ مثل خداي الله، فهل تقول: دُست خداي؟ تكلم! يجوز؟ تعالى الله، فلأجل قبح اللفظ والإضافة منعوا من ترجمة اليد.

طالب:...

 ماذا؟ في الفارسية، هذا بالفارسية، المقصود بالأعجمية الفارسية هي عندهم، إذا كانت كانت الترجمة لمن لا يحسن العربية ترجمة الأسماء لمن لا يحسن العربية إذا  ما المانع؟

طالب:...

إذا لم يكن مطابقًا ما صارت ترجمة، إذا لم يكن يطابقه ما صارت ترجمة، على كل حال إذا لم تكن الترجمة مطابقة ودالة على المترجَم انتهى.

 "فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صرعى في القليب؛ قليب بدر" يعني قتلوا هناك وسحبوا وألقوا في القليب، قليب بدر، بدل.  

"قوله: (حدثنا عبدان) أعاده المصنف في أواخر الجزية عنه فقال: حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان".

العَتَكِي المروزي.

"وعرفنا من سياقه هناك أن اللفظ هنا لرواية أحمد بن عثمان".

أحمد بن عثمان، يعني في الطريق عندك شُف في الطريق الثاني، والقاعدة التي ظهرت بالاستقراء ابن حجر ذكرها فيما تقدم يقول: ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا روى الحديث عن شيخين فاللفظ للآخر منهما، فاللفظ للآخر منهما، وهذا جارٍ على القاعدة.

"وعرفنا من سياقه هناك أن اللفظ هنا لرواية أحمد بن عثمان، وإنما قرنها برواية عبدان؛ تقوية لها; لأن في إبراهيم بن يوسف مقالاً، وأحمد المذكور هو ابن عثمان بن حكيم الأودي الكوفي، وهو من صغار شيوخ البخاري، وله في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه النسائي عنه عن خالد بن مخلد عن علي بن صالح عن أبي إسحاق، ورجال إسناده جميعًا كوفيون، وأبو إسحاق هو السبيعي، ويوسف الراوي عنه هو ابن ابنه إسحاق بن أبي إسحاق، وأفادت روايته التصريح بالتحديث لأبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، ولعمرو عن عبد الله، وعينت أيضًا عبد الله بأنه ابن مسعود، وعمرو بن ميمون هو الأودي تابعي كبير مخضرم، أسلم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، ثم نزل الكوفة، وهو غير عمرو بن ميمون الجزري الذي تقدم قريبًا.

وهذا الحديث لا يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بإسناد أبي إسحاق هذا، وقد رواه الشيخان من طريق الثوري، والبخاري أيضًا من طريق إسرائيل وزهير، ومسلم من رواية زكريا بن أبي زائدة، وكلهم عن أبي إسحاق. وسنذكر ما في اختلاف رواياتهم من الفوائد مبينًا إن شاء الله تعالى.

 قوله: (بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد) بقيَّتَه".

بقِيتُهُ.

"بقِيّتُهُ من رواية عبدان المذكور: "وحوله ناس من قريش من المشركين"، ثم ساق الحديث مختصرًا.

 قوله: (أن عبد الله) في رواية الكُشْمِيهَني عن عبد الله. قوله: (وأبو جهل وأصحاب له) هم السبعة المدعو عليهم بعد بيَّنه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق. قوله: (إذ قال بعضهم) هو أبو جهل، سمّاه مسلم من رواية زكريا المذكورة، وزاد فيه: "وقد نحرت جزور بالأمس"، والجَزور من الإبل ما يُجزر أي يُقطع، وهو بفتح الجيم، والسلى مقصور بفتح المهملة هي الجلدة التي يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم، وأما من الآدميات فالمشيمة، وحكى صاحب المحكم أنه يقال فيهن أيضًا سلى".

لبنات آدم ما يخرج مع المولود من بنات آدم يقال له: سلى أيضًا كالبهائم.

طالب:...

 نعم، يعني ذبح بالأمس.

طالب:...

والجو في مكة حار يعني كفيل بأنه يتغير.

"قوله: (فيضعه) زاد في رواية إسرائيل: "فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ثم يمهله حتى يسجد". قوله: (فانبعث أشقى القوم)، للكُشْمِيهَني والسرخسي: "أشقى قوم" بالتنكير، ففيه مبالغة، لكن المقام يقتضي الأول; لأن الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط كما سنقرره بعد".

إذا قال: أشقى قوم فيكون أشقى من الذي ذبح ناقة صالح، {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا} [سورة الشمس: 12] فإذا كان هذا أشقى قوم صار أشقى الناس كلهم فيدخل فيه أولئك، لكن إذا قيل: إنه أشقى القوم: المحصورين الذين تآمروا على هذه الجريمة...

"وهو عقبة بن أبي مُعيط بمهملتين مصغر سماه شعبة، وفي سياقه عند المصنف اختصار يوهم أنه فعل ذلك ابتداءً. وقد ساقه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة نحو رواية يوسف هذه، وقال فيه: فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره".

اللهم صل على محمد.

"قوله: (لا أغني) كذا للأكثر، وللكُشْمِيهَني والمستملي: "لا أغير" ومعناهما صحيح أي لا أغني في كف شرهم أو لا أغير شيئًا من فعلهم".

لأنه لا يستطيع.

"قوله: (لو كانت لي منعة) قال النووي: المنعة بفتح النون القوة، قال: وحُكى الإسكان وهو ضعيف".

نعم.

"وجزم القرطبي بسكون النون قال: ويجوز الفتح على أنه جمعٌ مانعٌ ككاتب".

جمعُ مانع، على أنه جمعُ مانع ككاتب وكتبة فاسق وفسقة.

"قال: ويجوز الفتح على أنه جمعُ مانعٍ ككاتب وكتبة".

طالب:...

لا لا لا، جمع لفظ مانع، منعة جمع للفظ مانع ككاتب وكتبة وفاسق وفسقة، وألفاظ كثيرة مثلها.

"وقد رجَّح القزاز والهروي الإسكان في المفرد، وعكس ذلك صاحب إصلاح المنطق، وهو متعمد النووي".

معتمد.

"وهو معتمد النووي".

طيب عندنا أعلام القزاز صاحب الجامع والهروي.

طالب:...

 ماذا؟ لا تخلط، صاحب كتاب الغريبين مطبوع ومتداول، وعكس ذلك صاحب إصلاح المنطق، هو ابن السكيت.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، له تهذيب الأسماء واللغات.

"قال: وإنما قال ذلك; لأنه لم يكن له بمكة عشيرة; لكونه هذليًا حليفًا، وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارًا، وفي الكلام حذف تقديره: لطرحته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصرح به مسلم في رواية زكريا، وللبزار "فأنا أرهب -أي أخاف- منهم".

 قوله: (ويحيل بعضهم) كذا هنا بالمهملة من الإحالة، والمراد أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكمًا، ويحتمل أن يكون من حال يَحيل بالفتح إذا وثب على ظهر دابته، أي يثب بعضهم على بعض من المرح والبطر، ولمسلم من رواية زكريا: "ويميل" بالميم أي من كثرة الضحك، وكذا للمصنف من رواية إسرائيل.

قوله: (فاطمة) هي بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زاد إسرائيل: "وهي جويرية فأقبلت تسعى، وثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا"، قوله: (فطرحته) كذا للأكثر، وللكشميهني بحذف المفعول زاد إسرائيل: "وأقبلت عليهم تشتمهم"، زاد البزار: "فلم يردوا عليها شيئًا".

قوله: (فرفع رأسه) زاد البزار من رواية زيد بن أبي أُنيسة عن أبي إسحاق: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد، اللهم» قال البزار: تفرد بقوله «أما بعد» زيد. قوله: (ثم قال) يشعر بمهلة بين الرفع والدعاء، وهو كذلك".

ثم للعطف مع التراخي، للعطف المرتب مع التراخي، وكأنه انتظر قليلاً ثم قال.

"وهو كذلك، ففي رواية الأجلح عند البزار: "فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده، فلما قضى صلاته قال: «اللهم»"، ولمسلم والنسائي نحوه، والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة، لكن وقع وهو مستقبل الكعبة كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين.

قوله: (عليك بقريش) أي بإهلاك قريش، والمراد الكفار منهم، أو من سمى منهم".

يعني ثم قال: دلَّ على أن الدعاء خارج الصلاة؛ لأن ثم تقتضي التراخي، ونظيره ما جاء في صلاة الاستخارة: «إذا هم أحدكم بالأمر فليصل ركعتين ثم ليقل» يعني بعد السلام، نظير ما عندنا.

"قوله: (عليك بقريش) أي بإهلاك قريش، والمراد الكفار منهم، أو من سمى منهم، فهو عام أريد به الخصوص. قوله: (ثلاث مرات) كرره إسرائيل في روايته لفظًا لا عددًا، وزاد مسلم في رواية زكريا "وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا"،  قوله: (فشق عليهم) ولمسلم من رواية زكريا "فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته"، قوله: (وكانوا يرون) بفتح أوله في روايتنا من الرأي أي يعتقدون، وفي غيرها بالضم أي يظنون، والمراد بالبلد مكة. ووقع في مستخرج أبي نعيم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري "في الثالثة" بدل قوله: في ذلك البلد، ويناسبه قوله "ثلاث مرات"، ويمكن أن يكون ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-.

 قوله: (ثم سمى) أي فصّل من أجمل. قوله: «بأبي جهل» في رواية إسرائيل: «بعمرو بن هشام» وهو اسم أبي جهل، فلعله سماه وكناه معًا".

فبعض الرواة نقل الكنية، وبعضهم نقل الاسم.

"قوله: (والوليد بن عتبة) هو ولد المذكور بعد أبي جهل، ولم تختلف الروايات في أنه بعين مهملة بعدها مثناة ساكنة ثم موحدة".

عتبة وليس عقبة.

"لكن عند مسلم من رواية زكريا بالقاف بدل المثناة، وهو وهمٌ قديم نبّه عليه ابن سفيان الراوي عن مسلم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق شيخ مسلم على الصواب".

وهذه من فوائد المستخرجات، أنه قد يوجد وهم يسير في الأصل ويصحَّح في المستخرج.

"قوله: (وأمية بن خلف) في رواية شعبة "أو أبي بن خلف" شكَّ شعبة، وقد ذكر المصنف الاختلاف فيه عقيب رواية الثوري في الجهاد، وقال: الصحيح أمية، لكن وقع عنده هناك "أبي بن خلف" وهو وهم منه أو من شيخه أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة إذ حدثه؛ فقد رواه شيخه أبو بكر في مسنده فقال: "أُمية"، وكذا رواه مسلم عن أبي بكر والإسماعيلي وأبو نُعَيم من طريق أبي بكر كذلك، وهو الصواب، وأطبق أصحاب المغازي على أن المقتول ببدر أُمية، وعلى أن أخاه أُبَيًّا قتل بأحد، وسيأتي في المغازي قتل أمية ببدر، إن شاء الله تعالى.

قوله: (وعد السابع فلم نحفظه) وقع في روايتنا بالنون، وهي للجمع، وفي غيرها بالياء التحتانية، قال الكرماني: فاعل عد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو ابن مسعود وفاعل "فلم نحفظه" ابن مسعود أو عمرو بن ميمون قلت: ولا أدري من أين تهيأ له الجزم بذلك، مع أن في رواية الثوري عند مسلم ما يدل على أن فاعل "فلم نحفظه" أبو إسحاق، ولفظه "قال أبو إسحاق: ونسيت السابع"، وعلى هذا ففاعل عدَّ عمرو بن ميمون، على أن أبا إسحاق قد تذكره مرة أخرى فسمّاه عُمارة بن الوليد، كذا أخرجه المصنف في الصلاة من رواية إسرائيل عن ابن إسحاق، وسماع إسرائيل من أبي إسحاق في غاية الإتقان؛ للزومه إياه; لأنه جَدُّه، وكان خصيصًا به، قال عبد الرحمن بن مهدي: ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا اتكالاً على إسرائيل; لأنه كان يأتي به أتمّ.

 وعن إسرائيل قال: كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ سورة الحمد، واستشكل بعضهم عد عمارة بن الوليد في المذكورَين".

في المذكورِين.

"في المذكورِين؛ لأنه لم يقتل ببدر، بل ذكر أصحاب المغازي أنه مات بأرض الحبشة، وله قصة من النجاشي إذ تعرض لامرأته، فأمر النجاشي ساحرًا فنفخ في إحليل عمارة من سحره عقوبة له، فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر، وقصته مشهورة. والجواب أن كلام ابن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب محمولٌ على الأكثر، ويدل على أن عقبة بن أبي معيط لم يطرح في القليب، وإنما قُتل صبرًا بعد أن رحلوا عن بدر مرحلة، وأمية بن خلف لم يطرح في القليب كما هو، بل مقطعًا كما سيأتي، وسيأتي في المغازي كيفية مقتل المذكورين ببدر، وزيادة بيان في أحوالهم إن شاء الله تعالى.

 قوله: (قال) أي ابن مسعود والمراد باليد هنا القدرة، وفي رواية مسلم: "والذي بعث محمدًا بالحق" وللنسائي "والذي أنزل عليه الكتاب"، وكأن عبد الله قال كل ذلك تأكيدًا".

هذا تأويل اليد بالقدرة، والأصل إثبات اليد كما أثبتها الله لنفسه وأثبتها رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته.

"قوله: (صرعى في القليب) في رواية إسرائيل: "لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر"، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وأُتبِعَ أصحاب القليب لعنة»".

وأُتبع أم وأتبِع، دعاء؟

طالب: وأُتبع أصحاب القليب لعنة.

أُتبِعَ خبر وليست، وأُتبع على ما قلت يصير خبرًا، وهو من تمام الدعاء، ويجوز أن يأتي الدعاء بلفظ الخبر، يجوز أن يأتي الدعاء بلفظ الخبر، مثل: لعنه الله، رضي الله عن فلان، غفر الله لفلان، الأمر سهل.

"وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي، فيكون فيه عَلمٌ عظيم من أعلام النبوة، ويحتمل أن يكون قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ألقوا في القليب، وزاد شعبة في روايته: "إلا أمية فإنه تقطعت أوصاله"، زاد "لأنه كان بادنًا"، قال العلماء: وإنما أمر بإلقائهم فيه؛ لئلا يتأذى الناس بريحهم وإلا فالحربي لا يجب دفنه، والظاهر أن البئر لم يكن فيها ماء معين".

الحربي لا يجب دفنه، لكن حكم دفنه، يعني لو دُفن؛ لئلا يؤذي الناس بنتنه تبعًا للمصلحة كما جاء في حديث: «اذهب لقد مات أبوك الضال الشيخ الضال، اذهب فَوَارِه» مع أنه ليس بحربي نعم.

"قوله: (قليب بدر) بالجر على البدلية، والقليب بفتح القاف وآخره موحدة هو البئر التي لم تطو، وقيل: العادية القديمة التي لا يعرف صاحبها.

فائدة: روى هذا الحديث ابن إسحاق في المغازي، قال: حدثني الأجلح عن أبي إسحاق فذكر هذا الحديث، وزاد في آخره قصة أبي البختري مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سؤاله إياه عن القصة، وضرب أبي البَختري أبا جهل وشَجِّهِ إياه، والقصة مشهورة في السيرة، وأخرجها البزار من طريق ابن إسحاق".

من طريق؟

طالب: من طريق ابن إسحاق.

أبي إسحاق؟

طالب: لا، ابن إسحاق قال: تحرفت إلى أبي إسحاق.

من طريق أبي إسحاق هو يقول: أخرجها البزار من طريق ابن إسحاق؛ لأن ابن إسحاق روى القصة.

"وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق.

 وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيمًا. وفيه معرفة الكفار بصدقه -صلى الله عليه وسلم-; لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له، وفيه حلمه -صلى الله عليه وسلم- عمن آذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال: لم أره دعا عليهم إلا يومئذ. وإنما استحقوا الدعاء حينئذ; لَمّا أقدموا عليه من الاستخفاف به".

لِما.

"لِما أقدموا عليه من الاستخفاف به -صلى الله عليه وسلم- حال عبادة ربه. وفيه استحباب الدعاء ثلاثًا، وقد تقدم في العلم استحباب السلام ثلاثًا، وغير ذلك. وفيه جواز الدعاء على الظالم، لكن قال بعضهم: محله ما إذا كان كافرًا، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكفار".

على الكافر.

"ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيًدا؛ لاحتمال أن يكون اطلع -صلى الله عليه وسلم- على أن المذكورين لا يؤمنون، والأولى أن يُدعى لكل حي بالهداية. وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء".

هذا أولى وأكمل أن يدعى بالهداية، لكن في فعله -عليه الصلاة والسلام- دلالة على الجواز، والله -جل وعلا- كما قال: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ} [سورة النساء: 148]، واتقي دعوة المظلوم.

طالب:...

ماذا؟ نعم معروف، في قنوته -عليه الصلاة والسلام- على رعل وذكوان وغيرها.

"وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها؛ لشرفها في قومها ونفسها; لكونها صرخت بشتمهم وهم رؤوس قريش، فلم يردوا عليها. وفيه أن المباشرة آكد من السبب".

لأن الذي باشر وُصِف بأنه أشقى القوم، وصنيعه أشد من صنيعهم، مع أن صنيع أبي جهل شديد؛ لأنه هو الذي ابتدأ، وهو الذي اقترح.

"وفيه أن المباشرة آكد من السبب والإعانة؛ لقوله في عقبة: "أشقى القوم" مع أنه كان فيهم أبو جهل، وهو أشد منه كفرًا وأذى للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة; لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا، وانفرد عقبة بالمباشرة، فكان أشقاهم؛ ولهذا قتلوا في الحرب، وقُتِل هو صبرًا. واستدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداءً لا تبطل صلاته ولو تمادى، وعلى هذا ينزل كلام المصنف فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقًا، واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل لحمه، وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض، وهو ضعيف، وحمله على ما سبق أولى. وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد، بل كان مع الدم، كما في رواية إسرائيل، والدم نجس اتفاقًا.

وأجيب بأن الفرث والدم كانا داخل السلى وجلدة السلى الظاهرة طاهرة، فكان كحَمْل القارورة المرصَّصة. وتُعُقِّبَ بأنها ذبيحة وثني، فجميع أجزائها نجسة; لأنها ميتة، وأجيب بأن ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم، وتُعُقِّبَ بأنه يحتاج إلى تاريخ، ولا يكفي فيه الاحتمال. وقال النووي: الجواب المرضي أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يعلم ما وضع على ظهره، فاستمر في سجوده استصحابًا لأصل الطهارة. وتُعُقِّبَ بأنه يشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة. وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة، فإن ثبت أنها فريضة فالوقت موسع فلعله أعاد.

 وتُعُقِّبَ بأنه لو أعاد لنقل ولم ينقل، وبأن الله تعالى لا يقره على التمادي في صلاة فاسدة. وقد تقدم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة; لأن جبريل أخبره أن فيهما قذرًا، ويدل على أنه ما علم" يقول: لفظ ما سقطت من عين وسين، "ويدل على أنه ما علم بما ألقي على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه، وعقَّب هو صلاته بالدعاء عليهم. والله أعلم".

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

"