التعليق على الموافقات (1426) - 11

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:

قال المؤلف –رحمه الله-: "المسألة الرابعة: المقاصد الضرورية في الشريعة أصلٌ للحاجية والتحسينية، فلو فُرض اختلال الضروري بإطلاق لاختلَّا باختلاله بإطلاق، ولا يلزم من اختلالهما اختلال الضروري بإطلاق، نعم، قد يلزم من اختلال التحسيني بإطلاقٍ اختلال الحاجي بوجهٍ ما، وقد يلزم من اختلال الحاجي بإطلاق اختلال الضروري بوجهٍ ما، فلذلك إذا حوفظ على الضروري، فينبغي المحافظة على الحاجي، وإذا حوفظ على الحاجي، فينبغي أن يُحافظ على التحسيني إذا ثبت أن التحسيني يخدم الحاجي، وأن الحاجي يخدم الضروري، فإن الضروري هو المطلوب".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

خلاصة ما قاله المؤلف –رحمه الله- تعالى- أن الضرورات هي الأصول، وهي التي لا تبقى معها حياة، وأما الحاجيات فتبقى معها الحياة لكن مع وجود شيءٍ من المشقة، كما قرره سابقًا، والتحسينيات أمورٌ كمالية، أمور كمالية، فالتحسيني كالسياج للحاجي، والحاجي كالسياج للضروري، فأنت إذا حفظت الضروريات فقط ولم تحفظ الحاجيات قد يختل تحصيل الضروري لا بإطلاق، وإنما بوجهٍ ما، يعني بالإمكان أن يعيش الإنسان على الماء والتمر هذه ضرورة، إذا زدنا على ذلك طعامًا آخر كالبُر مثلاً فهذا حاجي، إذا زدنا على ذلك فاكهة مثلاً فهذا تحسيني، ولا شك أن الفاكهة نافعة للجسم، البُر نافع للجسم، لكن ما لا تبقى بدونه الحياة فهذا هو الضروري.

فمثلاً عندك الصلاة من ضرورات الدين أركانها أبعاضها لا تقوم إلا بها، شروطها صحتها وأداؤها الشرعي متوقف عليها، الواجبات كالحاجيات، السُّنن كماليات وتحسينيات، الذي يُفرِّط في السُّنن، سُنن الصلاة باستمرار مفرِّط فيها فهذا لابد أن يقع الخلل في الواجبات، فإذا وقع الخلل في الواجبات تطرق الخلل ولو بوجهٍ ما في الأركان، وهذا مطرد في جميع أمور الدين، تختل الواجبات باختلال الضروريات، شخص أسقط ركنًا من أركان الصلاة، إذا ترك الركوع هل ينفعه التسبيح؟ ما ينفعه التسبيح؛ لأنه أخل بالضروري، ويختل تبعًا له الحاجي، إذا أخل بالتسبيح مثلاً، أخل بالتسبيحة الأولى، هذا إذا تصورنا انفصال الأولى عن الثانية قدر الواجب وغيره.

 المقصود أنه إذا اختل الواجب اختل التحسيني بلا إشكال، يعني ما الذي ينفع شخصًا لا يُسبِّح في صلاته، ولا يفعل شيئًا من الواجبات، ومع ذلك يجلس جلسة الاستراحة، يرفع يديه عند القيام، عند الوقوف، وعند الركوع والرفع منه، يأتي بالسُّنن، ويترك الواجبات؟ لا شك أن هذا مؤثر أثرًا كبيرًا في هذا، ماذا ينفع من لا يُصلي الفريضة ويُكثر من النوافل، ينفعه هذا؟ هذا لا ينفعه، هذا لا يُصلي الفريضة، وما لم تؤدَّ الفريضة ما تُقبل نافلة، وهكذا، هذه الأمور مُرتَّب بعضها على بعض، إذا لم يأتِ بالضروري لا ينفعه الحاجي ولا التحسيني بوجهٍ من الوجوه، يبطل بإطلاق، لكن العكس لا يبطل، لكن يتأثر.

الآن عندنا محرمات سواءً كانت في العبادات أو في المعاملات محرمات، وعندنا مكروهات ومُشبَّهات، وعندنا مُباحات. الذي يسترسل في التحسينيات والكماليات من المباحات لابد أن يقع في يومٍ من الأيام في الشبهات وفي المكروهات، شاء أم أبى؛ لأن هذا تعودت عليه النفس، يعني كثرة المباح، فيطلبه من وجهه فقد لا يجد، وقد عوَّد نفسه عليه، لابد أن يطلبه من طرقٍ أخرى، فيقع في المكروه أو في المشبَّهات، ثم بعد ذلك إذا استرسل في المكروهات والشبهات كاد أن يقع في الحرام، لابد أن يقع من خلال التجربة، لابد أن يقع؛ لأن هذه سياج بعضها لبعض، يتركون الحلال؛ صيانةً للحرام؛ لئلا يقعوا فيه، وحديث النعمان واضح في هذا «من يرتع حول الحمى لكاد أن يقع فيه».

"فهذه مطالب خمسةٌ لا بد من بيانها:

أحدها: أن الضروري أصلٌ لما سواه من الحاجي والتكميلي.

والثاني: أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيين بإطلاق".

يعني بالنسبة لِما يتعلق بالبدن من أجزائه ما لا تقوم الحياة إلا به كالقلب مثلاً، أو استئصال كبد مثلاً أو أمور من هذه الأمور العظيمة المؤثرة في البدن، هل يُمكن أن يأتي شخص إلى مستشفى تجميل ليُزيل حبة مثلاً أو ثألولًا أو شيئًا من هذا، وقلبه على شفا، هو يُعالج القلب قبل، فإن سلم عالج ما دونه، وقل مثل هذا فيما هو بينهما، لابد أن يُعالج الأعظم، ثم بعد ذلك يأتي إلى ما دونه، ثم يبدأ بالأسهل الذي لا يؤثر على البدن، فالعمليات التجميلية تأتي بعد الأمراض التي تؤثر في الصحة ولا تتوقف الحياة عليها، يعني يعيش الإنسان مع شيءٍ من المشقة، وهذه كالحاجيات، ثم بعد ذلك لابد أن يهتم بما هو أعظم من ذلك، وهو ما لا تقوم الحياة إلا به.

"والثالث: أنه لا يلزم من اختلال الباقيين".

ما عندك بإطلاق؟

طالب: "والثالث: أنه لا يلزم من اختلال الباقيين اختلال الضروري".

يعني "اختلال الباقيين بإطلاق اختلال الضروري بإطلاق" هذا موجود في بعض النسخ.

طالب: إضافة بإطلاق؟

نعم.

"والرابع: أنه قد يلزم من اختلال التحسيني بإطلاقٍ أو الحاجي بإطلاق اختلال الضروري بوجهٍ ما".

هو تأثير كل قسم فيما فوقه ظاهر، أما التأثير فيما دونه فيُعدمه بالكلية، لكن التأثير فيما فوقه اختلال التحسيني بإطلاق مؤثر في الحاجي لابد، اختلال الحاجي بإطلاق مؤثر في اختلال الضروري بوجهٍ ما، هو يؤثر فيه، لكن لا يؤثر فيه عدم أو اختلال بحيث يكون وجوده قريبًا من عدمه، لكن بوجهٍ ما.

"والخامس: أنه ينبغي المحافظة على الحاجي وعلى التحسين للضروري.

بيان الأول: أن مصالح الدين مبنيةٌ على المحافظة على الأمور الخمسة المذكورة فيما تقدَّم، فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنيًّا عليها".

عندنا مراتب الدين الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان، ما الذي بينها من النِّسب؟ الإحسان مرتبة عليا، ثم يليها الإيمان، ثم يليها الإسلام، ما الضروري من هذه الأمور الإسلام، والحاجي يعني إذا تنزلنا على التقسيم الإيمان؛ لأنه يبقى أصل الإسلام وإن فُقِد مُطلق الإيمان، ثم يبقى مُطلق الإيمان مع فقد مرتبة الإحسان، فلا شك أن الإحسان بمنزلة الكمال، الذي لا يذهب الدين بالكلية بسببه، الإيمان قد يذهب كماله ويبقى أصله الذي يُعبَّر عنه بالإسلام، فالإحسان سياج للإيمان، يعني إذا وصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان صار سياجًا منيعًا لحفظ الإيمان، يعني منزلة المراقبة في غاية الأهمية بالنسبة للمسلم «تعبد الله كأنك تراه».

الإيمان المحافظة عليه بجميع شُعبه سياج للإسلام، فلا يخرج الإنسان من الإسلام بالكلية وهو محافظ على جميع شُعب الإيمان، لكن فرَّط في شُعب الإيمان، ولم يرفع بها رأسًا، وما بقي معه إلا أصل الإسلام فهذا خروجه من الإسلام سهل، وقد لا يُوفَّق للثبات.

"فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنيًّا عليها حتى إذا انخرمت".

يَرد على هذا سؤال مثلاً: أيها أفضل الضروري أو الحاجي أو الكمالي؟ أيها أفضل؟

طالب:........

يعني الكمالي الذي لا يُتصور وجوده بدون ما فوقه؛ لأنه إذا وُجِد مع فقد ما فوقه فليس من الكمال، فإذا قلنا: الكمال يعني مع وجود ما فوقه من حاجي وضروري قلنا: هذا أفضل؛ ولذا جاء الحديث –واستُشكِل- «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» الوضوء ما يختلف أحد في وجوبه لصلاة الجمعة، والغسل سُنَّة عند عامة أهل العلم، «والغسل أفضل»، لكن الغسل هل يُتصور غسل مجرد عن وضوء؟ ما يُتصور؛ ولذا نقول: في مثل هذا لابد من النظر إليها بشيء من الدقة؛ لأنه يرد عليه إشكالات.

 هذا يقول لك: كيف تقول: الراتبة أفضل من الفريضة؟ ما من أحد يقول: الراتبة أفضل من الفريضة؛ لأنها لا راتبة بدون فريضة، المسألة مفترضة فيمن يأتي بالفريضة ثم يُتبعها بالنافلة، لكن هل يرد على هذا مثل قوله –عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: «وما تقرب أحدٌ إلي بأحب إلي مما افترضته عليه» يَرد مثل هذا؟

طالب:........

لماذا؟

طالب:........

لأنه لا يُتصور كمالي ولا حاجي دون الضروري؛ ولذا الذي قرره المؤلف هنا "الضروري أصل لما سواه"، ثم بعد ذلك "اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيين" يعني على القول بأن صلاة العيد واجبة، شخص صلى العيد وما صلى الفجر، ثم بعد صلاة العيد صلى الضحى، ينتفع بصلاة العيد وما صلى الفجر؟! ينتفع بصلاة الضحى وما صلى الفجر؟! ما ينتفع.

 طالب:........

ينتفع بصلاة الضحى وما صلى الفجر؟!

طالب:........

لا..لا، على القول بأن الذي يترك الصلاة لا حظ له في الإسلام، هذا واضح، وأما على القول بأنه لا يكفر، ارتكب أمرًا عظيمًا، هو يحافظ على سُنن ويترك الفرائض فهذا مُستهتر.

"حتى إذا انخرمت لم يبق للدنيا وجود- أعني: ما هو خاصٌّ بالمكلفين والتكليف- وكذلك الأمور الأخروية لا قيام لها إلا بذلك.

فلو علم الدين".

عُدِم.

"فلو عُدِم الدين عُدم ترتب الجزاء المرتجى".

ما فيه جزاء، الجزاء على ماذا؟ لاسيما الثواب المُرتب على شعائر الدين، أما العقاب فلابد منه، يعني الجزاء المرتجى من ثواب، أما بالنسبة للعقاب فلابد منه إذا عُدِم الدين.

"ولو عُدم المكلف لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدين".

يعني كيف يُتصور دين بغير متدين؟ ما يُتصور، فالضرورة الأولى التي هي الدين لو عُدم الدين عُدِم ترتب الجزاء عليه المرتجى، عُدم المكلف الذي هو الحياة، الضرورة الثانية من الضرورات الخمس عُدم من يتدين؛ لأن المكلف هو فردٌ من أفراد من يتدين، فإذا عُدم جنسه عُدم من يتدين، فلا دين ولا متدين في هذه الصورة ولا عُدِم.

" ولو عدم النسل لم يكن في العادة بقاء".

نعم "لو عدم العقل لارتفع التدين" والتكليف منوط بالعقل الضرورة الثالثة، والرابعة: "لو عدم النسل لم يكن في العادة بقاء" بقاء للنوع، الجنس الإنساني، وإذا لم يبقَ عُدم المكلف، ترتب عليه عدم المكلف.

 "ولو عُدم المال لم يبق عيش، وأعني بالمال ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه".

"لو عُدم المال" المال بعض الناس يتصوره النقود من الذهب والفضة وما يقوم مقامهم، لكن المقصود به المال الذي تتم به الحياة ما يُتموَّل سواءٌ كان نقدًا أو عرضًا من العروض.

 ويستوي في ذلك الطعام والشراب واللباس على اختلافها، وما يؤدي إليها من جميع المتمولات، فلو ارتفع ذلك لم يكن بقاء، وهذا كله معلومٌ لا يرتاب فيه من عرف ترتيب أحوال الدنيا، وأنها زادٌ للآخرة".

قد يقول قائل: الطعام والشراب تتعلق بهما الضرورة، لكن اللباس تتعلق به ضرورة أو يمكن الحياة بدونه؟ هو ضرورةٌ شرعية، يعني إن تُصوِّر في البشر أن يعيشوا عيشة البهائم بدون لباس وتقوم حياتهم بدونه، لكن هو ضرورةٌ شرعية، مع أنه ضرورةٌ حسية في حال شدة الحر أو البرد { ﭹ ﭺ} [النحل:81] ولولا وجود هذه السرابيل مع أن فائدتها في ستر السوءة أعظم من فائدتها في الوقاية، لكن الناس ما يحسون إلا بهذا؛ ولذا كان وجودها قبل معصية آدم –عليه السلام- وأعظم هدف لإبليس في تسويله لآدم الأكل من الشجرة أن ينزع عنهما لباسهما، وهذه وظيفة أتباعه وخلفائه من بعده نزع اللباس؛ لتبدو السوءة، والله المستعان.

"وإذا ثبت هذا، فالأمور الحاجية إنما هي حائمةٌ حول هذا الحمى، إذ هي تتردد على الضروريات، تُكملها بحيث ترتفع في القيام بها واكتسابها المشقات، وتميل بهم فيها إلى التوسط والاعتدال في الأمور، حتى تكون جاريةً على وجهٍ لا يميل إلى إفراطٍ ولا تفريط.

وذلك مثل ما تقدم في اشتراط عدم الغرر والجهالة في البيوع، وكما نقول في رفع الحرج عن المكلف بسبب المرض حتى يجوز له الصلاة قاعدًا ومضطجعًا، ويجوز له ترك الصيام في وقته إلى زمان صحته، وكذلك ترك المسافر الصوم وشطر الصلاة، وسائر ما تقدم في التمثيل وغير ذلك، فإذا فُهم هذا؛ لم يَرتَبِ العاقل في أن هذه الأمور الحاجية فروعٌ دائرةٌ حول الأمور الضرورية، وهكذا الحكم في التحسينية؛ لأنها تُكمل ما هو حاجي أو ضروري، فإذا كملت ما هو ضروري، فظاهر، وإذا كملت ما هو حاجي، فالحاجي مكملٌ للضروري، والمكمل للمُكمَّل مكمل، فالتحسينية إذًا كالفرع للأصل الضروري ومبنيٌّ عليه".

لأنها فرعٌ عن فرعه التحسينية كالفرع للأصل؛ لأنها فرعٌ لفرعه، وهو الحاجي.

"بيان الثاني".

"الثاني" الذي ذكره المؤلف سابقًا "إن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيين".

"يظهر مما تقدم؛ لأنه إذا ثبت أن الضروري هو الأصل المقصود، وأن ما سواه مبني عليه كوصفٍ من أوصافه أو كفرعٍ من فروعه، لزم من اختلاله اختلال الباقيين؛ لأن الأصل إذا اختل اختل الفرع من بابٍ أولى.

فلو فرضنا ارتفاع أصل البيع من الشريعة، لم يمكن اعتبار الجهالة والغرر".

لماذا اشتُرطت الجهالة والغرر؟ لتصحيح البيع، فإذا لم يُوجد البيع فما الفائدة من اشتراط ما يُشترط لشيءٍ غير موجود؟ لا داعي له.

"وكذلك لو ارتفع أصل القصاص".

لكن الارتفاع المراد به الارتفاع الكلي، أما ارتفاع وقتي فهذا لا يؤثر، مثال ذلك أحكام الرق مثلاً هي مرتفعة الآن، والرق مُلغى، فهل معنى هذا أننا نرفع بالكلية دراسة أحكام الرق؟ لا، وإلا لو قلنا بهذا لمنعنا الرجال من دراسة أحكام الحيض، ومنعنا النساء من دراسة أحكام الجهاد، كلٌّ يدرس ما يخصه؛ لأن هذا ما يعنيه.

طالب:........

نعم.

طالب:........

المثال واضح الذي ذكره الشيخ، يقول: البيع في يوم الجمعة بعد النداء الثاني لا يجوز؛ لأنه ثبت النهي عنه، ولا يصح عند بعض العلماء وإن صححه بعضهم مع التحريم، لكن هل معنى أنه بيعٌ لا يصح، أننا نُلغي بحوث الجهالة والغرر؛ لأنه نُهي عن البيع نهيًا مؤقتًا؟ لا، لا يلزم منه ذلك.

"وكذلك لو ارتفع أصل القصاص لم يمكن اعتبار المماثلة فيه".

لأن المماثلة إنما تُطلب لإقامة القصاص، والقصاص مكتفٍ.

"فإن ذلك من أوصاف القصاص".

لكن لو في البلدان التي لا تحكم بشرع الله، هل نقول لطلاب العلم في تلك البلدان: لا تدرسوا أحكام القصاص أو أحكام الحدود؟ لابد وأن تُدرس، ولابد أن يقوم بأمر الله من يقومون به.

"ومُحالٌ أن يثبت الوصف مع انتفاء الموصوف، وكما إذا سقط عن المغمى عليه أو الحائض أصل الصلاة، لم يمكن أن يبقى عليهما حكم القراءة فيها".

إذا سقطت الصلاة عن المُغمى عليه، والمُغمى عليه إما أن يكون الإغماء مدته ثلاثة أيام فما دون، أو ثلاثة أيام فما فوق، فإن كان فوق ثلاثة أيام فهذا تسقط عنه الصلاة، وحكمه حينئذٍ حكم المجنون ارتفع العقل عنه الذي هو مناط التكليف، ثلاثة أيام فما دون هذا محل خلاف بين أهل العلم، والأكثر على أنه في حكم النائم لا تسقط عنه الصلاة.

يقول: إذا سقطت الصلاة "لم يمكن أن يبقى عليهما حكم القراءة فيها" فإذا عجز المكلف عن شيء، فهل يلزمه أن يأتي بتوابعه ولواحقه أو لا يلزمه؟ إن كان هذا التابع أو اللاحق تأديته على وجه الاستقلال مطلوب شرعًا يُؤتى به، إذا لم تكن تأديته مطلوبةٌ شرعًا على وجه الاستقلال فإن مثل هذا لا يُطلب، إذا عجز عن القيام وذكر القيام القراءة، نقول ما يقرأ؛ لأنه عاجز عن القيام الذي ذكره القراءة؟ عجز عن الركوع، نقول: لا يسبِّح؛ لأنه عجز عن الركوع؟ لا، لكن لو كان الرأس أصلع ما فيه شعر، أصلع بدون شعر، هل نقول بإمرار الموسى على رأس الأصلع في النسك؟ أو شخص لا يستطيع أن يقرأ، هل نقول: حرِّك شفتيك كما يُحركها من يعرف القراءة؟ هذا ليس بمطلوب على جهة الاستقلال، فإذا سقط المتبوع سقط التابع تبعًا له.

"لم يمكن أن يبقى عليهما حكم القراءة فيها أو التكبير، أو الجماعة، أو الطهارة الحديثة أو الخبيثة، ولو فُرض أن ثَم حكمًا هو ثابتٌ لأمرٍ فارتفع ذلك الأمر، ثُم بقي الحكم مقصودًا لذلك الأمر، كان هذا فرض محال، ومن هنا يعرف مثلاً أن الصلاة إذا ارتفعت ارتفع ما هو تابعٌ لها ومكمل، من القراءة والتكبير والدعاء وغير ذلك؛ لأنها من أوصاف الصلاة بالفرض، فلا يصح أن يُقال: إن أصل الصلاة هو المرتفع، وأوصافها بخلاف ذلك".

نعم، نظير ذلك شخص ما عنده سيارة، ولا ينوي أن يملك سيارة، فوجد أشياء من التكميلات للسيارات زينات أو استبن أو شيء من هذا، واشتراها هو ما عنده سيارة ولا ينوي ملك سيارة، يُتصور هذا من عاقل؟ ما يُتصور من عاقل، لماذا تشتري هذا؟ نعم إن كان قصده أن يُحسن بها إلى من يحتاج إلى شيء من ذلك يمكن يُسعف بها أحدًا الاستبن أو شيئًا من هذا ما يخالف، هذا قصد صحيح، لكن يشتري لنفسه ليملكها بنفسه ويحوزها إلى رحلِه ويحفظها في بيته، وهو ما عنده سيارة، ولا ينوي ملك سيارة، يعني مثل ما يشتري العامي الذي لا يقرأ ولا يكتب يشتري أوراقًا ومحابر، ويشتري أقلامًا من أجل ماذا؟ هذا لا يستفيد منها، وليس هذا من فعل العقلاء، نعم إن كان هذه النوعيات التي وجدها رخيصة، وقال: قد أُحسن بها على أحد أو يكبر أحد من الأولاد يستفيد منها هذا شيء، لكن إذا ما كان هناك أدنى مُبرر لشرائها، ولا يوجد الأصل الذي تُستعمل فيه هذه الآلات لا شك أن هذه ضربٌ من الجنون.

"وكذلك نقول: إذا كان أصل الصلاة منهيًّا عنه قصدًا، أو الصيام كذلك، كالنهي عن الصلاة في طرفي النهار".

وانتصافه.

طالب: موجود هنا؟

لا ما فيه.

طرفي النهار وانتصافه، يعني الثلاث ساعات التي كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الصلاة فيها في الأوقات المضيقة، وكذلك في الأوقات الموسعة إذا لم يكن ثَم سبب، والنهي عن الصيام في يوم العيد، يعني هل يُمكن أن يُوجد شخص صائم يوم العيد ويلهو ويُشاجر، ويُقال له: احفظ صيامك؟ هو ليس بصيام أصلاً؛ لأن النهي عاد إلى ذات المنهي عنه، فالصيام عبث لوجوده مثل عدمه، أو امرأة حائض صائمة، يُقال لها احفظي صيامك اجلسي ببيتك ولا تخرجي إلى الأسواق؟ هذا ضربٌ من العبث.

"فكل ما تتصف به من مكملاتها مندرجٌ تحت أصل النهي، من حيث نُهي عن أصل الصلاة التي لها هيئةٌ اجتماعيةٌ في الوقوع؛ لأن النهي عن العبادة المخصوصة من حيث هي كذلك، ولا تكون منهيًّا عنها إلا بمجموع أفعالها وأقوالها، فاندرجت المكملات تحت النهي باندراج الكل".

ونظير هذا لو تعبد بعبادةٍ غير مشروعة أو عبادة أصلها مشروع حرَّفها عن وجهها الشرعي، صلى صلاة بدون ركوع أو بدون سجود وعبث أثناء قيامه، هل يُقال له: اسكن في صلاتك { ﭖ ﭗ ﭘ } [البقرة:238]؟ أو صام من منتصف النهار مثلاً، هل يُقال له: احفظ صيامك عن اللغو والرفث؟ لا يُمكن أن يُقال هذا؛ لأن صيامه لا على الوجه الشرعي يضره ولا ينفعه، ابتداع في الدين –نسأل الله السلامة والعافية- ابتداعٌ في الدين.

ومدرس في مدرسة القضاء الشرعي في جهةٍ من الجهات ترك التدريس وطرحه، اعتزل الدنيا وصار صوامًا قوامًا على حد زعمه، لكن متى يصوم؟ يصوم بدأً من الساعة التاسعة القصة ثابتة، ومعروف الشخص يصوم من الساعة التاسعة، والسبب؟ يقول: هو يسكن في شقة تحتهم شقة لعائلة يهودية أو نصرانية، ويخشى أن ينتبه قبل صلاة الفجر لإعداد السحور يُزعجهم، هذه عبادة؟!

قالوا: الفارابي جاور في البيت الحرام ولزم الصيام والقيام، ويُفطر مع أذان المغرب على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، ضلال –نسأل الله السلامة والعافية-، فمثل هذا يحفظ صيامه أو يُفسد صيامه ما يفرق؛ لأنه ليس بصيامٍ شرعي.

أما بالنسبة لفطره على الخمر فهذا عليه ذنبه، والصيام إذا كان محفوظًا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فله أجره ما يُحكم ببطلانه.

الإشكال فيمن يصوم من الساعة التاسعة، فهذا ليس بصيام شرعي، وصيامه مردودٌ عليه قطعًا.

"ولا يقال: إن لهذه الأشياء حقائق في أنفسها لا تكون منهيًا عنها بذلك الاعتبار، فلا يلزم أن تكون منهيًا عنها مطلقًا، وإذا لم تكن منهيًا عنها على الإطلاق، لم يلزم ارتفاعها بارتفاع ما هي تابعةٌ له، فلا يلزم من اختلال الأصل اختلال الفرع كما أصلت".

نعم إذا كان الحاجي يُمكن الإتيان به على جهة الاستقلال، فمثلاً شخص صلى، القراءة مطلوبة للصلاة، لكن هو صلى الفريضة، وبدلاً من أن يُصلي راتبة جلس يقرأ القرآن، هل نقول له: إن القرآن من متطلبات الصلاة وأنت ما صليت لا تقرأ؟ لا، هذا أتى به عبادة على جهة الاستقلال فهي صحيحة، لكن لو وقف على هيئة المصلي وقرأ في قيامه سورة البقرة وما ركع، ثم سجد سجدتين، نقول: لا، هذه القراءة تابعة للصلاة لا قيمة لها؛ لأن الضروري باطل يتبعه الحاجي.

"وأيضًا، فإن الوسائل لها مع مقاصدها هذه النسبة، كالطهارة مع الصلاة، وقد تثبت الوسائل شرعًا مع انتفاء المقاصد، كجر الموسى في الحج على رأس من لا شعر له، فالأشياء إذا كان لها حقائق في أنفسها، فلا يلزم من كونها وضِعت مُكملة أن ترتفع بارتفاع المكمِل.

المُكمَّل.

طالب: ضابطها بالشكل.

المكمِل لا يرتفع ارتفاع المُكمَّل.

"لأنَّا نقول: إن القراءة والتكبير وغيرهما لها اعتباران".

يعني هو صلى صلاة مبتدعة، صلى صلاة ما جاء بها الشرع، هل نقول: يُحسب لهذا المصلي التكبير؟ التكبير ذكر، والتسبيح ذكر، القراءة ذكر، يُحسب أم ما يُحسب؟ ما يُحسب إلا لو جاء به على سبيل الاستقلال، أما يأتي به تابعًا، فإذا سقط المتبوع سقط التابع.

هذه المسألة فيها قاعدة من قواعد الحافظ ابن رجب، ولها أمثلة ونظائر يُمكن مراجعتها.

"اعتبارٌ من حيث هي من أجزاء الصلاة.

واعتبارٌ من حيث أنفسها.

فأما اعتبارها من الوجه الثاني، فليس الكلام فيه".

"ليس الكلام فيه" شخص جالس يقرأ القرآن، نقول له: كيف تقرأ وأنت ما تسننت؟ هذا لا اعتبار له؛ لأن الجهة منفكة، وليست القراءة بتابعةٍ للصلاة حينئذٍ.

 "وإنما الكلام في اعتبارها من حيث هي أجزاءٌ مكملةٌ للصلاة، وبذلك الوجه صارت بالوضع كالصفة مع الموصوف، ومن المُحال بقاء الصفة مع انتفاء الموصوف، إذ الوصف معنىً لا يقوم بنفسه عقلاً، فكذلك ما كان في الاعتبار مثله، فإذا كان كذلك، لم يصح القول ببقاء المُكمِّل مع انتفاء المُكمَّل، وهو المطلوب، وكذلك الصوم وأشباهه.

وأما مسألة الوسائل، فأمرٌ آخر".

أما قوله سابقًا: "فالأشياء إذا كان لها حقائق في أنفسها فلا يلزم من كونها وضِعت مُكملة أن ترتفع بارتفاع المكمِل" الحقائق قد تُوجد الحقيقة العرفية، قد تُوجد الصلاة الحسية، لكن العبرة بالصلاة الشرعية في حديث المسيء «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلي» الصلاة الحسية موجودة ركع وسجد وقرأ، هذه صلاة، لكن العبرة بالحقيقة الشرعية؛ ولذلك نفى عنه الصلاة، يعني لو قال: أنا والله صليت، صليت ركعتين، فإذا انتفت الصلاة فالمراد بها الصلاة الشرعية ولو وجدت صورتها، لو صلى بغير وضوء صلاة تامة الشروط -ما عدا الوضوء- والأركان، والواجبات، والسُّنن بطمأنينة، وأطال ركوعها وسجودها بخشوع وإخبات، هل نقول: صليت أم ما صليت؟ «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلي».

"وأما مسألة الوسائل، فأمرٌ آخر، ولكن إذا".

إذا أم إن؟

طالب: "ولكن إن".

"ولكن إن فرضنا كون الوسيلة كالوصف للمقصود بكونه موضوعًا لأجله، فلا يمكن والحال هذه أن تبقى الوسيلة مع انتفاء المقصد، إلا أن يدل دليلٌ على الحكم ببقائها".

يعني كالوضوء مثلاً، يعني لو لم يُشرع الوضوء إلا للصلاة، فقام واحد يتوضأ، يقول لك: تتوضأ لماذا؟ وهو ما شرع إلا لمَّا تجيء الصلاة، لكن الوسيلة هذه مشروعة لهذه العبادة ولغيرها، ولغير عبادة يبقى الإنسان على طهارة، ينام على طهارة يجلس على طهارة أفضل، فيُطلب الوضوء من هذه الحيثية.

طالب:........

يعني شخص أذَّن وهو مصلٍ؟

طالب:........

الأذان نداء للصلاة، نعم ما يصلح.

طالب:........

فرض وهو مصلي ما يُمكن، في جهةٍ من الجهات حينما جاء من المسئولين تأخير صلاة العشاء في رمضان ساعتين بعد غروب الشمس، وُجِد في جهةٍ من الجهات من إذا دخل الوقت صلى الفريضة، وصلى تسليمتين من التراويح، ثم أذَّن، يجوز ولا ما يجوز؟ ما يجوز وهذ ابتداع؛ لأن الأذان للفريضة ما هو لبقية التراويح.

"فتكون إذ ذاك مقصودة لنفسها، وإن انجر مع ذلك أن تكون وسيلةً إلى مقصودٍ آخر، فلا امتناع في هذا، وعلى ذلك يُحمل إمرار الموسى على شعر من لا شعر له.

وبهذه القاعدة يصح القول بإمرار الموسى على من ولد مختونًا بناءً على أن ثَم ما يدل على كون الإمرار مقصودًا لنفسه، وإلا، لم يصح فالقاعدة صحيحة".

والصواب أنه لم يصح ما يلزم أن يُمر الموسى على من ولد مختونًا أو على من لا شعر في رأسه؛ لأن هذا ضربٌ من العبث.

"وما اعترض به لا نقض فيه عليها، والله أعلم بغيبه وأحكم.

هذا يكفي.

هذا يسأل عن الفرق بين الحواشي والشروح للكتب؟

الشروح أطول من الحواشي، وتأتي على جميع جُمل الكتاب غالبًا، ومنها الشروح التحليلية التي تُحلل الألفاظ، ومنها الشروح الموضوعية التي تتكلم على موضوعات الكتاب، وأما الحواشي فهي في الغالب تبدأ بـ قوله، تُبدأ بالقولات على ما يقولون، ولا يأتي مؤلفها على جميع ما في الكتاب، وإنما ينتقي بعض الجمل التي يظن أنها مشكلة أو بعض الكلمات التي يظن أنها غامضة فيُبينها.
والفرق بينهما تحريره قد يصعب إلا أن الغالب أن الشروح تُمزج فيها المتون، وأما بالنسبة للحواشي فهي تعليق على الشرح أو على المتن.
هناك النُّكت هي شبيهة بالحواشي إلا أنها تتميز بالاستطراد والتطويل في دراسة بعض المسائل مسائل الكتب التي يُظن أنها مشكلة، هناك شروح ممزوجة مزجًا تامًّا مع متونها بحيث لا يتميز المتن من الشرح، هذا موجود في المؤلفات، ومنها ما يتميز فيكون الماتن كلامه متميزًا عن الشارح، وأحيانًا تُبدأ بـ (ص) إشارةً إلى المصنِّف، ثم (ش) إشارةً إلى الشارح، وأحيانًا يُغفل هذا.
على كل حال الواقع هو الذي يُبين حقيقة هذه الأمور، وإن كان تحريرهم للفروق بينها ليس بدقيق؛ لأن من الحواشي ما يأتي على جميع ما في الكتاب، ويُسميه مؤلفه حاشية، وهو بالشرح أشبه، ومنها تعليقات يسيرة ويُسميها المؤلف شرحًا.
ومن تلاعب بعض المحققين وهم في الحقيقة ليسوا من أهل التحقيق ولا التوثيق نَشر كتاب ولا فيه أي تعليق إلا ترقيم الآيات، ويكتب عليه: تحقيق وتعليق فلان، ما فيه شيء بدون مبالغة غير ترقيم الآيات، ما فيه، والآيات يسيرة في الكتاب بعد، يعني يمكن عشر صفحات ما علق على شيء، تحقيق وتعليق فلان، وليته اقتصر على هذا، جاء إلى صفحة الخطأ والصواب، فكتب خطأ تعليق، وكتب صواب شرح، ما أدري كأن هذا أمر يرجع إلى عقلية المدعي، صحيح؛ لأنه كلام ما يمشي على الناس مثل هذا، هل يظن أن الكتاب يروج بهذه الطريقة، يمكن أن يروج على آحاد المتعلمين مثل هذا العمل؟ ما يمكن أن يروج على أحد، لكن يمكن أن يروج، لو نقل من كتب وكثَّر الحواشي وعلَّق بشيءٍ في موضعه، وشيءٍ في غير موضعه؛ لأن الطالب وهو يشتري من المكتبة ينظر إلى الكتاب، فإذا فتحه فيه تعليقات كثيرة، قال: نعم، هذا تعليق وتحقيق وشرح بعد، ما يمكن أن يمشي على الناس، أما أن تفتش عشر صفحات، عشرين صفحة ما فيها ولا كلمة تعليق، ويقول: خطأ تعليق الصواب شرح، هذا خلل في تصوره هو، ولا يمشي على الناس مثل هذا، قد يمشي كثرة التعاليق ونقل من كتب بحذافيرها، وشيء في موضعه، وشيء في غير موضعه، شيء مفيد، شيء غير مفيد يمشي على الناس؛ لأن الناس ما يفحصون الكتب في المكتبات، لكن ينكشف فيما بعد، والله المستعان.