شرح الموطأ - كتاب القدر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

كتاب القدر:

باب النهي عن القول بالقدر:

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى، قال له موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء، واصطفاه على الناس برسالته؟ قال: نعم، قال: أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟!)).

وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [(172) سورة الأعراف] فقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، حتى استخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)) فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله ربه الجنة))

به.

أحسن الله إليك.

((فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)).

وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كل شيء بقدر.

قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر حتى العجزَ والكيس...))

العجزِِ.

أحسن الله إليك.

العجزِ.

أحسن الله إليك.

((حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز)).

وحدثني مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- يقول في خطبته: "إن الله هو الهادي والفاتن".

وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- فقال: ما رأيك في هؤلاء القدرية؟ فقلت: رأيي أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف، فقال عمر بن عبد العزيز: "وذلك رأيي".

قال مالك: وذلك رأيي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب القدر:

هذا الكتاب المضاف إلى القدر لا شك أنه من أهم الأبواب؛ لأهمية ما يذكر فيه، وأهمية ما يذكر فيه باعتبار أنه من أغمض الأبواب وأخفاها، بل هو سر الله في خلقه، وهو مزلة الأقدام، ومضلة الأفهام، زلت الأقدام من قبل طوائف من المسلمين، وأقدموا على نفي القدر، نفوه بالكلية، وقالوا: إن الله -جل وعلا- لا يعلم الأشياء قبل وجودها، وأن لا قدر، وأن الأمر أنف، يعني مستأنف، ويقابلهم طائفة غلوا في إثبات القدر، فجعلوا العبد مسلوب الحرية والإرادة، والأولون جعلوه حراً مختاراً، اختياراً كاملاً مستقلاً، يستقل بفعل نفسه، يقابلهم الجبرية الذين قالوا: لا يتصرف في شيء من نفسه، وهو مجبور على جميع أفعاله وحركاته، إنما هي كحركات ورق الشجر في مهب الريح.

القدرية الغلاة في النفي هم مجوس هذه الأمة، ووجودهم قديم، من أقدم أهل الأهواء والبدع، وجدوا في عصر الصحابة، وجاء إلى ابن عمر كما في صحيح مسلم من يقول له: إن بناحيتنا قوم وصفهم بالحرص على العلم، وأنهم يتقفرونه -يطلبونه في البراري والقفار- حرصاً عليه، وأنهم يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، فقال ابن عمر: أخبرهم أنني منهم براء، وهم مني بُرَاء حتى يؤمنوا بالقدر؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ثم جاء أورد الحديث الذي فيه سؤال جبريل عن الإيمان، وذكر فيه أركان الإيمان ((وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره)) القدرية النفاة كان أوائلهم ينكرون العلم، وهذا كفر محض -نسأل الله السلامة والعافية- والذي ينكر العلم بعد ذلك قليل، إنما ينكرون المراتب الأخرى، مراتب القدر الأربع هي:

العلم، هاه؟ الكتابة، المشيئة، الخلق، والتقدير، هذه مراتب القدر الأربع، القدرية الذين يبالغون ويغلون في النفي -نفي القدر- منهم المعتزلة، وفئات من الشيعة الإمامية وبعض الزيدية، وكثير من الطوائف زلوا زلة أقدامهم في نفي القدر، وجعلوا العبد يخلق فعله، فراراً من وصف الرب -جل وعلا- بالظلم؛ لأنه لو أجبرهم..؛ لأنهم ما فهموا إلا أن المسألة لا تخلو من حالين: الحال الأولى: المبالغة والغلو في النفي، كما توصلوا إليه، أو الغلو والمبالغة بالإثبات، ولم يوفقوا كما وفق أهل السنة والجماعة وأئمة الإسلام وسلف هذه الأمة، فتوسطوا بين الطائفتين، قالوا: إذا أثبتنا القدر معناه أن الله -جل وعلا- ظالم للعباد حينما يكتب عليهم ويقدر عليهم الكفر والشرك والمعاصي والجرائم، ثم يعذبهم عليها، والجبرية الذين هم في مقابلهم يقولون: المالك له أن يتصرف في ملكه كيفما شاء، يقدر عليه الكفر ويعذبه على ذلك.

ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له:

 

إياك إياك أن تبتل بالماءِ

هذا رأي الجبرية، ووفق الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا القدر على ما جاء في النصوص، وأثبتوا التكليف، وأثبتوا أن للعبد حرية وإرادة يختار، له أن يختار أحد الطريقين، أحد النجدين، لكنها حرية مقيدة، وإرادة مقيدة بإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، لا يستقل بفعل نفسه فيكون القول كقول القدرية النفاة، مجوس هذه الأمة، الذين أثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً، ولا يقولون كما يقول الجبرية الذين خالفوا المعقول والمنقول، فيرون أن حركة الإنسان كحركة ورق الشجر، كيف؟ في أحد يمنع الإنسان أن يقوم إلى الصلاة؟ أليس حراً مختاراً أن يقوم ويذهب إلى المسجد؟ قالوا: لا، هو مجبور على القيام، لا يستطيع أن يجلس، والذي لا يصلي هو مجبور على القعود، تعالى الله -جل وعلا- أن يكون في أفعاله مثل هذا، ثم يعذب من جبره على القعود بحيث لم يترك له أدنى حرية يفعل بها ما طلب منه، يعني هل الإنسان عاجز عن أن يأخذ حجراً فيرميه إلى أي هدف؟ هل يقول بهذا عاقل؟ هل الإنسان عاجز بأن يقف على قدميه ويسير إلى المسجد ليؤدي الصلاة المفروضة؟ هذا لا ينكره إلا ممسوخ العقل {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] وما رميت نفي للرمي، إذ رميت نفي الرمي، فيه رد على القدرية النفاة، نفاة القدر، إذ رميت فيه رد على الجبرية {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] يعني وما أصبت، الإصابة من الله، إذ حذفت الحجر أو التراب ولكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب، يعني الإنسان له أن يأخذ الحجر ويرمي به الطير، وهذا هو المثبت، لكن الإصابة هي التي إلى الله -جل وعلا-، ولذا تجدون كم من شخص يرمي ولا يصيب، وبعض الناس يصيب، فالذي يسر له هذه الإصابة هو الله -جل وعلا-، فهذا الباب أعني باب القدر مزلة قدم، واحتار فيه كثير ممن وصف بأنه من الأذكياء، لكنه استرسل وراء الأوهام، وقادته ما يدعيه من الأفهام غير معتمد على نص الكتاب، وكلام سيد الأنام، الذي لا يجعل قياده بيد النص هذا يضل بلا شك، يسترسل في وراء الذهن، ثم يبدأ بمقدمات توصله إلى نتائج باطلة، لكن من جعل خطامه وزمامه بالكتاب والسنة قاداه إلى الصراط المستقيم، الصراط الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة].

وأهل السنة وسط في جميع أبواب الدين بين أهل الغلو، أهل الإفراط، وأهل التفريط، وأهل السنة في هذا الباب وسط بين القدرية النفاة وبين الجبرية، يعني لو قرأنا في تفسير الزمخشري وجدناه على رأي القدرية النفاة، معتزلي هو، والرازي على العكس جبري، فهذا شأن أهل الأهواء، ينظرون إلى بعض النصوص ويتركون بعضاً، أو يضربون بعض النصوص ببعض، ويسعون إلى إبطالها، وأما أهل السنة فينظرون إلى النصوص بالعينين كلتيهما، قد يجد نافي القدر بعض النصوص، ويجد الغالي في إثباته بعض النصوص، فإذا ضرب بعضها ببعض فإما أن يكون هذا أو ذاك، أو ينسلخ من الدين بالكلية، -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه يحتار، كما قال:

كم عالم عالم أعيت مذاهبه
هذا الذي جعل الأفهام حائرة

 

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
وصير العالم النحرير زنديقاً

لماذا صار زنديق؟ لأنه ما اعتمد على الكتاب والسنة، وأهل العلم ينهون طلاب العلم من الاسترسال في مثل هذا الباب؛ لأنه في كثير من مباحثه لا بد أن ترضى وتسلم، وقدم الإسلام لا تثبت إلى على قنطرة التسليم، هناك كتاب عظيم في هذا الباب لابن القيم اسمه: (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) لا يصلح لطبقات المتعلمين الأولى والثانية، المبتدئين والمتوسطين، إنما يقرأه المنتهي، وعقد ابن القيم -رحمه الله- مناظرات في هذا الباب، وأفاد وأجاد -رحمة الله عليه- كعادته.

المقصود أن على المسلم أن ينظر إلى النصوص كلها وأن يتوسط في هذا الباب، كما هو منهج ومذهب سلف هذه الأمة وأئمتها.

باب النهي عن القول بالقدر:

النهي عن القول بالقدر مبالغة في النفي أو في الإثبات، أو الاحتجاج به على ارتكاب ما حرم الله ونهى عنه، كما هو عادة المشركين، المشركون يقولون: لو شاء الله ما أشركنا، وهذه حجة ما زالت قائمة وباقية إلى يومنا هذا، إذا ليم الإنسان على فعل ما لا ينبغي فعله قال: هذا أمر قدره الله علي، والاحتجاج بالقدر لا يجوز على المعايب؛ لأن المعايب ترتكبها أنت وأنت مختار، نعم لن تخرج عما قدر الله لك، لكنك أنت المختار لارتكاب هذه المعايب، يعني هل يستطيع أن يقول الإنسان الذي لا يصلي: أنا مكتوب علي أني لا أصلي؟ وما يدريك أنه مكتوب عليك أنك ما تصلي؟ هل اطلعت على الغيب؟ هل يستطيع أن يقول: أنا لا أستطيع الذهاب إلى المسجد؛ لأن الله كتب علي ألا أصلي؟ نقول: تستطيع، لو تضرب بسوط ذهبت إلى المسجد، والذي يستدل بالقدر على فعل المعائب لا يستطيع أو لا يمكن أن يستدل بالقدر على معايب الآخرين تجاهه، ما يمكن، يعني لو ضربه إنسان واحتج هذا الإنسان الضارب بأن هذا أمر مقدر، أمر مقدر عليك، يرضى؟ ما يمكن أن يرضى، لكنه يبرر لنفسه ارتكاب المحرمات بهذه الحجة ولا يرضاها من غيره له، إذا كنت لا ترضى أن تضرب ويحتج بالقدر على أنك ضربت فكيف ترضى أن تتعامل مع ربك بهذه الحجة؟! والله المستعان.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحاج آدم وموسى))" آدم أبو البشر، وموسى بن عمران نبي بني إسرائيل، من أولي العزم من الرسل، ومن أفضلهم ((تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى)) والأصل في الرواية أن تكون هذه بعد المحاجة، هذه النتيجة، أو يكون هذا إجمال تفصيله في قوله: ((قال له موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟)) أنت آدم الذي أغويت الناس بأكلك من الشجرة طلباً للخلد فيها، بعد تسويل الشيطان، وتزيين الشيطان له، وتهوين الشيطان له بهذه المعصية طلباً للخلد أو للخلود فعوقب بالحرمان.

((أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟)) وفي الحديث الصحيح: ((أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، ثم تخرج الناس من الجنة تأكل من الشجرة)) لا شك أن هذا الذنب من آدم -عليه السلام- قبل أن يتوب الله عليه ويجتبيه ويهديه، ويوفقه للتوبة، أنه معصية وذنب، استحق عليه هذه العقوبة، ولو كان قبل التوبة، وقبل الاجتباء، وقبل الاصطفاء، لما جاز لآدم أن يحتج بما احتج به.

((قال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء؟)) قال أجاب آدم: ((أنت موسى الذي أعطاه علم كل شيء)) وفي الحديث الصحيح: ((أن الخضر قال له: ما علمي وما علمك إلى كما نقص هذا العصفور من البحر)) كيف يقول هنا: أعطاه علم كل شيء؟ يعني أعطاه التوراة الذي فيها التبيان لكل شيء.

طالب: وكتبنا له.

نعم؟

طالب: كتبنا له.

((الذي أعطاه علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته؟ قال: نعم)) اسمعوا إلى حجة آدم، قال: ((أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟!)) يعني الاحتجاج بالقدر على المعائب لا يجوز، وهو طريقة المشركين، طريقة كل من يبرر لنفسه ارتكاب المحظورات، يقول: هذا أمر مكتوب علي، لكن إن قال ذلك قبل التوبة رد عليه، وإن قال ذلك بعد التوبة بشروطها، وندمه على ما بدر منه بحيث تكون هذه المعصية مصيبة بالنسبة له وليست معيبة، آدم لما أكل من الشجرة، وأخرج من الجنة، وتاب من ذنبه، ووفقه الله للتوبة، واجتباه بعد ذلك، صارت مصيبة وإلا معيبة؟ مصيبة؛ لأن الأثر بقي، والذنب محته التوبة، التوبة تهدم الذنب، تهدم ما كان قبلها، وتجب ما كان قبلها، فالذنب انتهى أثره، بقيت المصيبة، وهو الأثر المترتب على هذا الذنب، له أن يحتج بالقدر، يعني شخص يمشي في طريقه فصدمته سيارة، بعد أن بذل جميع الأسباب أسباب السلامة، يعني ما عرض نفسه لئن يصدم، يعني بعض الناس يمشي من غير اكتراث، لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، ثم يحصل ما يحصل، يعاب عليه، ولا يحتج بالقدر حينئذ؛ لأنها معيبة هذه، بسبب نفسه، ويأثم بسبب ذلك، فيصير ذنباً، أما إذا فعل الاحتياطات اللازمة، وتحرى واحتاط لنفسه، ثم أتاه ما لم يكن بحسبانه، اصطدم، صدم، رعاك يا فلان ما تشوف؟ قال: هذا أمر كتبه الله علي وقدره، أشوف والتفت يمين وشمال، لكن طلع هذا ما أدري من وين طلع؟ هذا يحتج بالقدر؛ لأنه مصيبة، وليست معيبة بعد أن بذل جميع الأسباب، سواءً كان يمشي على قدميه أو في سيارة، أحياناً يكون الإنسان في طريقه، ويمشي السرعة المحددة بل أقل أحياناً، مما لا يؤثر على الآخرين، وفي طريقه وأسباب وسائل السلامة كلها قد بذلت، ثم بعد ذلك يأتيه شخص يقطع الإشارة، ويمشي على ما يقولون طبلون السيارة، ويقابله في خطه المعاكس لخط السيارة الأخرى، مثل هذا يحتج بالقدر، لكن الثاني ما يحتج بالقدر، لا يحتج بالقدر، هذا الذي قطع الإشارة وقابل الناس، هذا ليس له أن يحتج بالقدر؛ لأن هذه معيبة وليست مصيبة، بينما المصاب الذي بذل جميع الاحتياطات، هذا له أن يحتج، والله هذا أمر مكتوب، ما لنا مفر من المكتوب، وبعض العامة وهذا سمع يخاف خوفاً شديداً أكثر من المطلوب شرعاً، ويحتاط أكثر مما ينبغي بذله من أسباب الاحتياط، ثم إذا قيل له: ترفق يا أخي، ما جاءك إلا المكتوب، قال: أنا ما أخاف إلا من المكتوب، اللي ما هو مكتوب ما هو بجاي، هذا الكلام بحد ذاته صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ هو ما جاي إلا المكتوب، صحيح، واللي ما هو بمكتوب ما هو بحاصل، لكن أيضاً يلام على مقدماته قبل، نعم؟

طالب:......

أصل المقدمات فيها الإساءة، الاحتياط والاحتراز الشديد، وكونه لا ينام، يعني يأوي إلى الفراش بعد صلاة العشاء، ويؤذن الفجر وهو يتقلب في فراشه؛ لأن بعض الأولاد ما بعد جاء، خائف عليهم، طيب خائف عليهم، ابذل من الأسباب الممكنة اللي يمكن أن تعدل طريقتهم فيها، أما أن تجلس في فراشك، وتقول: أنا خائف عليهم، وخائف من المكتوب، أبذل أسباب نافعة، إذا كنت خائف عليهم بالفعل، أما الأسباب التي هي مجرد أماني، أو حسرات فقط هذه ما تجدي، فلا شك أن مثل هذا يلام.

كلامه في الجملة يعني النتيجة صحيحة، لكن المقدمات والوسائل باطلة، مثل واحد يقول: ويش اللي ملأ المقابر إلا القدر؟ نعم؟ هذا الكلام في غايته ونهايته كل هذه الأمور كلها بآجال، وبأقدار من الله -جل وعلا-، لكن وسائل هذه النتائج هي التي يلام عليها الإنسان، يلام الإنسان على فعله لا على فعل الله -جل وعلا-، وحينما يناقش عن ما يبذله من أسباب واحتياطات أكثر من المطلوب شرعاً، أو وسائل واحتياطات غير شرعية، نعم، يلام على فعله هو، لا على فعل الله -جل وعلا-.

((أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟!)) الكافر إذا قال: أتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟ يعني هل لأبي لهب أو لأبي طالب أن يحتج بمثل هذا الكلام، أو من في حكمهما؟ لا، أولاً: ما الذي يدريك أنه كتب عليك أن تموت كافراً؟ الأمر الثاني: ما الذي منعك وقد ركب فيك الحرية والاختيار؟ يعني أبو طالب لا يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله حينما طلبت منه؟ يستطيع وإلا ما يستطيع؟ يستطيع؛ لأنه يتكلم بما شاء مختار حر، لكن لا يمكن أن يكون إلا ما أراده الله -جل وعلا- وقدره، يعني مع هذه الحرية، وهذا الاختيار، ولا شك أن هذا الباب من مضايق الأنظار، لكن الإنسان إذا تأمله بعين التحري والاتباع لا شك أنه يلوح له مثل الشمس.

بعض أهل العلم يقول: إن آدم حج موسى لسوء أدبه مع أبيه؛ لأن الأصل أن الابن يتأدب مع أبيه، يعني قال له: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ لكن هذا الكلام صحيح وإلا غير صحيح؟ غير صحيح، نعم على الابن أن يتأدب مع أبيه، وجاءت النصوص الكثيرة بهذا، لكن محور المسألة ومدارها على أن الاحتجاج بالقدر إنما هو على المعائب لا على المصائب، فلو أن آدم -عليه السلام- قال: أتلومني على أمر قدره علي قبل أن أخلق قاله قبل التوبة؟ قلنا: نعم، هذا احتجاج بالقدر ولا يجوز، قاله بعد التوبة وبعد الاجتباء وبعد الاصطفاء، وبقيت الآثار التي هي بالنسبة إليه وأولاده مصيبة، نعم يحتج بالقدر، أظن هذا في غاية الظهور.

"وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [(172) سورة الأعراف] فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، حتى استخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون))".

في هذا جبر وإلا اختيار؟ هذا موافق للقدر السابق، والكلام فيه مثل الكلام في القدر، مكتوب على زيد من الناس أنه يموت كافر، مكتوب على فلان أنه يموت مسلم، لكنه غير مجبور على هذا، وبين له، وأوجب عليه التكاليف، ومنع من المحرمات، واختار الطريق المعوج الذي يوصل إلى النار -نسأل الله السلامة والعافية-، ولم يختر الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة.

"فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟" يعني ما دامت النتائج معروفة، يعني لو دخل الأستاذ القاعة، وقال: القاعة مقسومة إلى قسمين، قسم يمين وقسم شمال وبينهما ممر، قال: هؤلاء ناجحين، كلهم ناجحون، وهؤلاء كلهم راسبون، وترى عندكم بكرة اختار، ويش لون اختبار؟ خلاص تعرف أن هؤلاء ناجحين، وهؤلاء راسبين ليش الاختبار؟ هذا بالنسبة للبشر اللي عقولهم ما تحتمل، نعم، هذا يمكن أن يجاب ففيما العمل؟ لماذا نذاكر؟ إحنا راسبين، وهؤلاء ناجحين، خلاص ما نحتاج مذاكرة، أعطنا النتائج وانتهينا.

ففيما العمل؟ ما دامت النتائج معروفة عند الله -جل وعلا- نعم، ففيم العمل؟ قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة)) يعني هل هذا مجرد من شيء يبذله هذا الشخص؟ أو مصحوب بما يبذله هذا الشخص من مما يؤديه إلى مثل هذا التوفيق؟ يعني هل المخلوق منه شيء وإلا ما منه شيء؟ لا بد أن يكون منه شيء يكون سبباً لهذا التوفيق.

((وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار))

يعني حينما يزني الزاني، أو يسرق السارق هل هو مرتاح راحة تامة يدل أن ذمته بريئة من هذا العمل؟ وأنه ليس له أي دور ولا دخل في هذه الجريمة، أو يحس من نفسه بالخطيئة؟ وأنه جاءها مختار، وميله القلبي إلى هذه الجريمة مما يكون سبباً في عذابه؟ كل إنسان يجد هذا من نفسه، الذي ذهب إلى المسجد، وتقدم إلى المسجد، وصلى ما كتب له، وقرب من الإمام، واستمع لقراءته، هذا لا شك أنه يجد في هذا ما يجد من اللذة والنعيم، وهو الفاعل لهذا الأمر، والله -جل وعلا- هو الموفق، له أن يفعل هذا، ولو شاء ربك ما فعلوه، لكن مع ذلك العبد وإن كانت هذه النتائج معلومة ومحسومة إلا أن له دوراً كبيراً في هذه النتائج، إذا بذل أسباب دخول الجنة دخلها بإذن الله، وإذا بذل أسباب دخول النار دخلها، وتبقى أن المسألة يعني كثير من الناس لا يستطيع استيعابها؛ لأنها من المضايق، فمثل هذا يقول: رضينا وسلمنا وآمنا، لا يسترسل وراء الذهن؛ لأنه قد يصل به الأمر إلى ما وصل بأولئك، لكن من تأملها، وبعد أن عرف النصوص الواردة في هذا الباب لا شك أنه تلوح له هذه القضايا مثل الشمس.

القرطبي ذكر في مسألة الفطرة، وأشار إلى هذا الباب من الموطأ، نقلاً عن ابن عبد البر يقول في المسألة الثانية: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [(30) سورة الروم] "الثانية: في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة)) في رواية: ((على هذه الملة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟)) ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم] وفي رواية: ((حتى تكونوا أنتم تجدعونها)) قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيراً؟ قال: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) هذا لفظ مسلم.

الثالثة: اختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال متعددة، منها الإسلام، قاله أبو هريرة وابن شهاب وغيرهما، قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل، واحتجوا بالآية؛ لأنه ما قال في الحديث أو يسلمانه، فدل على أن الإسلام هو الأصل، ثم أهله من شياطين الإنس والجن يجتالونه عن هذا الأصل، واحتجوا بالآية، وحديث أبي هريرة، وعضدوا ذلك بحديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للناس يوماً: ((ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه؟ أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين، وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالاً وحراماً)) المزارع يزرع الأرض بالأسباب الشرعية والثمار تطلع لا شبهة فيها ولا شية فيها، ثم بعد ذلك إذا حمل هذه الثمرة باع الصاع بصاعين، الأصل حلال، لكن تصرفه هذا جعل فيه الحرام، ومن الذي أرغمه على مثل هذا التصرف؟ ((وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالاً وحراماً))... الحديث.

وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس من الفطرة)) وعلى هذا التأويل فيكون معنى الحديث: أن الطفل خلق سليماً من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا في الجنة، أولاد مسلمين كانوا أو أولاد كفار، يعني على الميثاق.

وقال آخرون: الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها، أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ، قال: والفطرة في كلام العرب البداءة، والفاطر: المبتدئ، واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال: لم أكن أدري ما فاطر السموات والأرض؟ حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، قال المروزي: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه، قال أبو عمر في كتاب التمهيد له: ما رسمه مالك في موطئه، وذكر في باب القدر فيه من الآثار يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، يعني ابتداء الخلق، يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، والله أعلم.

يعني الحديث: ((فمسح ظهره، ثم قال: خلقت هؤلاء للجنة ثم مسح ظهره، فقال: خلقت هؤلاء للنار)) يقول: يدل على هذا، يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، والله أعلم.

ومما احتجوا به ما روي عن كعب القرظي في قول الله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ} [(30) سورة الأعراف] قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال الهدى، ومن ابتدأ خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمل بأعمال الضلالة، ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم رده الله تعالى إلى ما ابتدأ عليه خلقه، قال: وكان من الكافرين، ثم قال: وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه! قال: ((أو غير ذلك يا عائشة! إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) خرجه ابن ماجه في السنن.

أقول: في كلام طويل...، إلى أن قال: قال شيخنا أبو العباس –يعني القرطبي-: من قال هي سابقة السعادة والشقاوة فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم] وأما في الحديث فلا؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير، وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر: الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة...

أطال القرطبي -رحمه الله- في كلام كثير، وتفصيل في هذه المسألة، واستيعاب للأقوال، بما لا تجده في غيره، وأخشى أن يأخذ جميع الوقت، وإلا قراءته طيبة، ولو رجع إليه الإخوان وتأملوا ما فيه أفادوا، لا سيما وهو قد أحال إلى ما في هذا الكتاب، يعني فيه ارتباط بين ما ذكره، وبين ما عندنا، نعم؟

طالب: في وقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [(172) سورة الأعراف] من الذي يتذكر هذا الميثاق؟

بعضهم قال: مما يحتج به على أن هذا مجرد الخلقة نعم أنه ما في أحد يذكر هذا الميثاق، نعم، كلام طويل، لو رجعت إلى التفسير وجت الكلام مفصل.

يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم)) أو ((ما مسكتم)) أو ((ما مسَّكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه)) -عليه الصلاة والسلام-، فالاعتصام بالكتاب والسنة كفيل وضامن للمسلم ألا يزل ولا يزيغ ولا يحيد، ولا تؤثر فيه الفتن بإذن الله تعالى.

طالب:......

نعم؟

طالب:......

مسكتم تمسكتم.

طالب:......

إيه بالتخفيف، ضبطها بالتخفيف، لكن الأصل فيها مسَّكتم {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ} [(170) سورة الأعراف] نعم؟

طالب:......

التمهيد اللي معك؟ فيه الكلام الذي ذكره؟

طالب:......

عن نفس الحديث؟ لأنه أحال على..، قالها أبو عمر بن عبد البر، هذا اختيار مالك، أو كلام مالك قريب من هذا، لعله في الاستذكار مثلاً، في غير التمهيد.

طالب: كلام الإمام مالك في الموطأ يشير إلى هذا الكلام الثاني؟

يقول: نحو هذا الكلام، يقول: نحو، لو قارنت يعني لو قرأت جميع ما في التفسير في الجزء الرابع عشر صفحة أربعة وعشرين، ثلاثة وعشرين، خمسة وعشرين، ستة وعشرين، يعني في أوائله، قرأت ما في التفسير، وقارنت بين هذا الباب في الموطأ، وكتبت خلاصة وربطت بينهم يكون طيب جزاك الله خير، ونظرت إلى كلام ابن عبد البر إما في التمهيد أو الاستذكار.

طالب:......

لا، لا، نعم؟

طالب:......

لا لا، شوف في أول الجزء الرابع عشر، مر علينا قريباً، ما أبطينا يعني، قبل شهر، قبل شهر ترى، صفحة أربعة وعشرين وخمسة وعشرين {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [(30) سورة الروم] سورة الروم.

طالب: على وجه المناظرة والإقناع إذا أردنا أن نفهم الشخص المقابل ألا يتوهم أن كل ما في الأمر أن الله -سبحانه وتعالى- علم أعمال العباد...

التي لهم فيها الحرية والاختيار.

طالب: دون ذكر بقية المراتب، دون ذكر أو الإشارة إليها الكتابة والمشيئة والخلق؛ لأنه لو قلنا هذا لربما توهم أنه مجبور على هذا، وكل ما في الأمر أن الله -سبحانه وتعالى- علم....

إذا كان الله -جل وعلا- يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن، يعني لو كان كيف يكون؟ {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [(28) سورة الأنعام] الله -جل وعلا- يعرف أن هؤلاء إذا دخلوا النار، وعذبوا بسبب كفرهم وشركهم، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى شركهم، الله -جل وعلا- يعلم هذا، وأنهم يشركون بطوعهم واختيارهم، لا إجبار، يعني كل إنسان يعرف من نفسه أنه بيده أن يمسك هذا ويرميه على فلان ويفقأ عينه، في أحد يقول: والله أنا حاولت وعجزت؟ يعني سمعتم واحد أخذ حجر وقال: عجزت أرميه؟ ما في أحد، يقول: والله با أقوم للصلاة، وكلما قمت سقطت من غير علة إلا أنني مجبور على ترك الصلاة؟ هذا الكلام ما هو بصحيح، يعني هذا يدركه حتى الأطفال، حتى الأطفال يعرفون مثل هذه الأمور، هذه فطرة.

قال -رحمه الله-: "وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد..."

طالب:......

وين؟

طالب:......

إيه الإمام مالك يريد أن يلفت نظر المسلم والقارئ لهذا الكتاب على وجه الخصوص أن يجعل الكتاب والسنة هما القائد، فإذا حاد عنهما يميناًَ أو شمالاً لا بد أن يضل، ولا يمكن أن يصل إلى الصراط المستقيم من غير طريق الكتاب والسنة.

قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كل شيء بقدر" والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر].

"قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر))" يعني موافق لما في القرآن، والتمثيل له ببعض الأفراد ((حتى العجز والكيس)) أو ((الكيس والعجز)) شك هل قدم العجز أو قدم الكيس؟ الكيس الحزم، الحزم هو الكيس، والعجز والتفريط ضده، يعني كون الإنسان إذا أمر فاستجاب بسرعة هذا كيس، إذا أمر ثم تراخى وتردد، أو رأى إلى عمل هو بحاجة إليه مما ينفعه في دينه أو دنياه بادر إلى فعله هذا كيس، وإذا تراخى حتى يفوت هذا عجز، وكل هذا بقدر الله -جل وعلا-.

قال: "وحدثني مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته: "إن الله هو الهادي والفاتن" نعم الله -جل وعلا- هو الذي علم هذه الأمور وكتبها وقدرها على خلقه، فهو الهادي لمن يشاء، وهو المضل لمن يشاء، لكن من حيث الأسلوب يعني حقيقة الأمر هذا هو الواقع، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فالله -جل وعلا- هو الهادي وهو المضل، وهو الفاتن عن الصراط المستقيم، لكن لما علم الله -جل وعلا- من هؤلاء الهداة يعملون بعمل أهل الهداية، والغواة يعملون بعمل أهل الغواية.

قال: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز فقال: ما رأيك في هؤلاء القدرية؟" القدرية: الغلاة في نفي القدر ما رأيك فيهم؟ لا شك أنهم إذا نفوا العلم كفروا بلا شك بإجماع، فهم كفار إذا نفوا العلم "فقلت: رأيي أن تستتيبهم" يعني تقام عليهم الحجة ويستتابوا، تطلب منهم التوبة، وأن يرجعوا عن هذا القول "فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف" فإما أن يتوبوا، ويرجعوا عن هذا الضلال وإلا يقتلون؛ لأنهم مرتدون "فقال عمر بن عبد العزيز: "وذلك رأيي" يعني عمر بن عبد العزيز وافق أبي سهيل بن مالك عم الإمام مالك بن أنس "قال مالك: وذلك رأيي" وافق عمه، ووافق الخليفة الراشد الزاهد عمر بن عبد العزيز، نعم؟

طالب:......

ما هو باسم لأنه ليس مرفوع، اللهم إلا أن يقال: إن هذا مما لا يقال بالرأي، ما يمكن أن يقوله عبد الله بن الزبير برأيه، فله حكم الرفع، يعني مثلما قالت أم سلمة: فعزم الله لي فقلته، الذين احتجوا بإثبات صفة العزم اعتمدوا على كلام أم سلمة قالوا: هو موقوف، وأجيب عن ذلك بأنه لا يمكن أن يقال من قبل الرأي، نعم.

أحسن الله إليك.

باب جامع ما جاء في أهل القدر:

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)).

وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنهما- وهو على المنبر: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".

ثم قال معاوية -رضي الله تعالى عنه-: "سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأعواد".

وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كان يقول: الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي، الذي لا يعجل شيء أناه وقدره، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال: إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب جامع ما جاء في أهل القدر:

ما جاء في أهل القدر، ثم ذكر حديث أبي هريرة في نهي المرأة أن تسأل طلاق ضرتها، فالمرأة التي تسأل طلاق ضرتها من أهل القدر، لماذا؟ لأنها توهمت أن هذه الضرة تأخذ شيئاً مما كتب الله لها.

قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها))" هذه المرأة التي لها ضرة، امرأتان تحت رجل واحد، أو ثلاث قالت واحدة منهما: طلق فلانة، طيب لماذا؟ قالت: هي الآن آخذة نصف نصيبي، فقد يخيل لها أنها قد أخذت نصف ما كتب الله لها، كانت عنده امرأة واحدة إذا جاء بالراتب كاملاً سلمه لها، أو نفقة البيت كاملة ثم جاءت أخرى والراتب لا يستوعب بيتين، فأخذ منه شيء للبيت الثاني، فيخيل إليها أنها أخذت شيئاً مما كتب لها، هي لن تأخذ شيئاً مما كتب لها، أبداً، لن تأخذ شيئاً مما كتب لها، إنما تأخذ ما كتب لها كاملاً، ولن تموت حتى تستكمل رزقها، يعني ما أخذته الثانية ليس على حساب الأولى، يعني ليس على حساب ما قدر وكتب للأولى، قد يكون في ظاهر الأمر الإنسان يتصور أن الراتب مثلاً ثلاثة آلاف، وكاف للبيت يعني مع الاقتصاد والتدبير، فتزوج امرأة ثانية فاحتاجت إلى ألف هذه الجديدة من هذه الثلاثة فقصر في نفقة البيت الأول، وما يدريكِ أنه لو لم يتزوج لابتلي أو ابتليتِ بمرض يأخذ هذا المبلغ أو أكثر منه؟ فلن تكون هذه على حسابك، ولذا قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)) يعني المرأة حينما تقبل أو تُخطب من قبل معدد عنده امرأة أو امرأتين أو ثلاث تقول: لن أوافق على ربع زوج، تحتاج إلى زوج كامل، والواقع قد يكون ربع هذا أفضل من زوج كامل قد ضيق عليه في معيشته، أو ضيق عليه في خلقه، أو أقل في مزايا أخرى، وهذا واضح، ليس هذا يعني مصادمة لرغبات الناس، أو لما جبلوا عليه من الغيرة، لا، لكن هذا تقرير شرعي ((إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)) من غير نظر إلى اعتبارات أخرى، لكن إذا قالت المرأة: أنها لا تريد ضرة، عندها غيرة قد توقعها في المحرمات، بسبب غيرتها الأمر إليها، يعني لا أحد يكرهها، ولا أحد يلزمها، إذا اعترفت بشرع الله، وأن هذا شرع، وأنه لا يمكن أن يعترض عليه، لكن ظروفها النفسية، أو ظروفها..، المسألة مسألة عرض وطلب، فعلى كل حال هذا أمر شرعي فلا يجوز للمرأة أن تطلب طلاق ضرتها، وإذا تصورت أن هذه الضرة قد تأخذ شيئاً مما كتبه الله لها، فهو تصور باطل، وصارت من أهل القدر، فلن يستطيع أحد أن يأخذ شيئاً مما كتب لغيره أبداً.

ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه- وهو على المنبر -يعني منبر المدينة-: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع" في الحديث: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) بعض الروايات: ((ولا راد لما قضيت)) "ولا ينفع ذا الجد" الحظ والنصيب، هذا لا ينفعه من الله -جل وعلا- لا حظه ولا نصيبه، "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" يعني يفهمه ما جاء عن الله وعن رسوله في جميع أبواب الدين.

ثم قال معاوية: "سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأعواد" يعني على هذا المنبر، في منبر المدينة.

قال: "وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه يقال: الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي" خلق كل شيء كما ينبغي يعني أحسن خلقه "على ما أراده الله -جل وعلا-" فخلق الله كله على ما أراد، وكله حسن، لكن الحسن نسبي، الحسن لبني آدم شيء، والحسن للطيور شيء، والحسن لكل فصيلة شيء، فخلق الله كله حسن، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [(7) سورة السجدة] فكل نوع أو كل جنس أو كل فصيلة من نوع حسنها مناسب لها "الذي لا يعجل شيء أناه وقدره" يعني قدر تأخره، لا يمكن أن يعجل، يعني أنت قدر لك أن تولد في اليوم الفلاني لا يمكن أن تولد قبله بلحظة، في الساعة الفلانية، قدر لك أن تموت في اللحظة الفلانية لا يمكن أن تموت قبلها، "الذي لا يعجل شيء أناه" يعني أخره، وقدره متأخراً لا يمكن أن يعجل عن وقته، ولذا فالدعاء بمثل..، دعاء الإنسان أنه..، أو تمنيه أنه لم يوجد في هذا الوقت، إما قبله أو بعده هذا لا قيمة له، نعم يحب الخير لنفسه، ويحب أن لو وجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- لينصره، لكنه لا يعترض على ما قدر الله له، وما يدريك أنك قد توجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وتكون من المنافقين؟ ما تدري أنت، على الإنسان أن يرضى بما كتب له، وأن يجزم أنه لا يستطيع أن يتقدم ولا يتأخر لا في الولادة ولا في الوفاة، ولا في المجيء ولا في الذهاب، ولو كان محل لو وجد صاحب محل تجاري تأخر في يوم من الأيام أخذه النوم، وما خرج إلى المحل إلا في التاسعة صباحاً، والعادة أنه يخرج في السابعة، فقيل له: فاتك، جيء بالبضاعة الفلانية وبيعت، وتقاسمها الناس، وتقاسموا أرباحها، يعني هل يستطيع أن يغير من الواقع شيء؟ أراد الله -جل وعلا- تأخرك، فلا يمكن أن تستقدم ولا تتأخر عن هذا الوقت.

"الذي لا يعجل شيء أناه، وقدره، حسبي الله وكفى" يعني كفاني في جميع أموري، والحاسب هو الكافي، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه خير ما يقال في الشدائد، قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد -عليه الصلاة والسلام- حينما قيل له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.

"سمع الله لمن دعا" يعني أجاب دعاء من دعاه، فيه إثبات السمع لله -جل وعلا-؛ لأن الإجابة من لازم السمع، الذي لا يسمع لا يمكن أن يجيب، وهذا أمر لا يختلف فيه أحد، خلافاً لمن منفى صفة السمع عن الله -جل وعلا- ادعاءاً وزعماً أنها مشابهة للمخلوق، لكن ما ثبت عن الله وعن رسوله فيما يتعلق بالله من أسماء وصفات لا بد من إثباتها كما جاءت، وهذا مذهب أئمة الإسلام قاطبة.

"سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى" يعني ليست هناك غاية تطلب وراء الله -جل وعلا-، قد تطلب من دونه من الأسباب، لكن الغاية هو الله -جل وعلا-، والأسباب لا قيمة لها إذا لم يقدر لك ما أنت بصدد طلبه، أسباب نعم نافعة لكنها لا تستقل بالنفع، فالغاية والمرمى هو الله -جل وعلا-.

قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال: إنه بلغه أنه كان يقال" هذا منقطع "إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه" وجاء فيه الحديث المرفوع عن جابر: ((لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها)) "فأجملوا في الطلب" يعني طلب الرزق، وطلب ما يرضي الرب -جل وعلا-، وما تكتسب به الحسنات، أجملوا، سددوا وقاربوا، وأجملوا في طلب ما ينفعكم من رزق الدنيا، وما يوصلكم إلى جنات النعيم في الآخرة، من غير إفراط ولا تفريط في الأمرين، على أن الهدف الأصلي، المطلوب الأسمى والأسنى هو ما يرضي الله -جل وعلا-؛ لأنه إنما خلق لتحقيق العبودية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] هذا هو الهدف، وأما تحصيل أمر الدنيا فإنما هو من أجل تحقيق هذا الهدف، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"