كتاب الإيمان (18)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماذا عندك؟

طالب: .......

ما ميزيتها؟

طالب: .......

علامَ اعتمدوا؟

طالب: .......

فقط؟

طالب: هي الأصل.

طالب: .......

طبعة جديدة من صحيح البخاري عن دار الرسالة أول مرة أشوفها، كأنها اثنان وثلاثون، انظروا ماذا اعتمدوا عليه من الروايات والنسخ، تحدثوا أولاً عن نسخة البقاعي إسماعيل بن علي، وهي صُورت أخيرًا تصويرًا جيدًا وجاءنا منه نسخة، هذه النسخة يقول عنها ابن حجر: (إنها معدومة النظير)، يعني نسخة البقاعي، (وبيعت بأزيد من عشرين مثقالاً)، يقول: وصل منها نسخة أفضل من الأصل، على ورق فاخر وألوان وشغل أفضل من الأصل بلا شك، في مجلد واحد كبير.

طالب: .......

لا لا.

الطبعة السلطانية أيضًا هذه طبعة متقنة ومحررة ومتعوب عليها، اليونيني تعب على نسخته، وأثبت فروق الروايات، وصورت وانتشرت، وهي بأيدي الإخوان الآن مثل هذه الكبيرة، تصوير المنهاج جيد هذا.

(النسخة اليونانية هي أعظم أصل يوثق به في نسخ صحيح البخاري، ولا تكاد توجد نسخة انتُسخت بعد عصر اليونيني إلا وهذه النسخة أصل لها، والتعويل عليها بضبط ألفاظ الصحيح، وبيان رواياته المتعددة في بعض حروفه، وسميت تلك النسخ بالفروع، كأن أصحابها رأوا أن نسخة اليونيني تلك أصلاً وحجة يرجعون إليها وأن نسخهم كالفروع عنها)، ثم ترجم لليونيني، تحدثنا عنها مرارًا في مناسبات وفي دروس النسخة هذه السلطانية، ولا شك أن اليونيني بذل جهدًا كبيرًا جدًّا وقرأ الكتاب بعد ما فرغ منه على الإمام ابن مالك صاحب الألفية النحوي المشهور، وعدَّل له أو وجَّه له بعض الألفاظ التي في ظاهرها مخالفة للغة، وأثبت ذلك في كتاب أسماه: شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، وهو مطبوع أكثر من مرة.

 اليونيني يستفيد من ابن مالك الرواية، وذاك يستفيد منه التوجيه والدراية. والطبعة الأولى التي هي السلطانية عُثر فيها على ما يقرب من مائة لفظ خطأ في الطباعة، ثم استدركوه في الطبعة الثانية التي تليها سنة ألف وثلاثمائة وثلاث عشرة، يعني بعد سنتين، السلطانية ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، ثم طُبع ثانية ثلاث عشرة وأربع عشرة استدركوا فيها الأخطاء التي وُجدت في الطبعة الأولى وصحّحت في التصوير، يعني التصوير سالم من الأخطاء، تصوير دار المنهاج سالم من الأخطاء.

القسطلاني أيضًا له عناية فائقة في ألفاظ الصحيح وروايات الصحيح، ويذكر الفروق مهما دقت سواء ترتب عليها فائدة أو لم يترتب عليها فائدة، بخلاف ابن حجر الذي لا يذكر إلا ما يترتب عليه فائدة، ما يذكر شيئًا إلا القليل الذي يترتب عليه فائدة، وأما ما لا فائدة فيه لا يذكره، ومع ذلكم فات اليونيني بعض الأشياء؛ لأنه ما يمكن أن يحيط بجميع الروايات.

ووقفت على ألفاظ في شرح ابن رجب نبه عليها أنها لبعض رواة الصحيح، وهي لا توجد عند اليونيني ولا عند القسطلاني، يعني عمل البشر لا بد أن يعتريه ما يعتريه من نقص، لكن في شهادة لله -جَلَّ وعَلا- أن اليونيني تعب على الكتاب وضبطه وأتقنه، ما ترك لمتعقب إلا ما لا يخلو منه بشر.

القسطلاني أكثر الشراح اهتمامًا بالروايات، ولذلك يعتمد على شرحه، ويقولون: إن الطبعة العامرة لصحيح البخاري مأخوذة بحروفها من القسطلاني، مأخوذة بحروفها منه، فإن كان أخذها دقيقًا فيعول عليها، ويعتمد عليها، يعني تُضم إلى السلطانية.

يقول: عملنا في إخراج هذه الطبعة...

الكلام هذا ترى ما هو بيضيع اللي نقوله ها الحين لأن العمل على البخاري لا ينتهي، ويحتاجه كل طالب علم، وكلما ما طلع نسخة قلنا يا ليتها أفضل.

هذا عنوان نسخة البقاعي المخطوطة، وهذه صفحاتها.

يقول: قمنا بضبط الصحيح على نسخة البقاعي والطبعة السلطانية، مع أنهم ضابطون، من صوروا الكتاب واعتنوا به ضابطون.

 البقاعي بضم الباء البُقاعي.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

هذه، هذه هي.

طالب: .......

هم صوروها ووضعوا مقدمة وفهارس وضبطوا البقاعي بالضم، ومنهم بل أكثرهم يضبطه البِقاعي بكسر الباء، وإذا نظرنا إلى اللفظة فالبِقاع جمع بُقعة بضم الباء، فمن ضم نظر إلى المفرد، ومن كسر نظر إلى الجمع، مع أن النسبة حقيقتها إلى الجمع، والأصل عند أهل العلم أن الجمع لا يُنسب إليه، النسبة إلى الجمع شذوذ يقولون، لا بد أن يُرد اللفظ إلى مفرده، فيقال: البُقعي، لكن مشوا عليه، وعرف بذلك، واشتهر بينهم، فإذا كانت شهرة الجمع أكثر من المفرد فلا مانع من النسبة إليه كما يقال: الأنصاري، جمع نسبة إلى الأنصار.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا، هو بعضهم يضبطه بالضم بناءً على أن الأصل بُقعة، لكن ما نُسب إلى البقعة، نُسب إلى البِقاع، والتغيير في الحروف له أصل ولو على التصرف، لا سيما إذا كان له داعٍ، فمثلاً: سَلَمِي نَمَرِي، منسوب إلى: سَلِمَة والنَّمِر بن تولب، أو أبو عمر بن عبد البر النَّمَري منسوب إلى النَّمِر بكسر الميم، تنسب إلى مَلِك: مَلَكي، ما تقول: مَلَكي، لا.

طالب: .......

في الشام نعم.

يقول: قمنا بمقابلة الصحيح على نسخة البقاعي والطبعة السلطانية، ليخلط بعض الطلاب بين الطبعة السلطانية التي أمر بها السلطان عبد الحميد التي أشرنا إليه صُورت واشتهرت مع الإخوان، وكانوا يحضرونها والآن كأنهم تثاقلوها وتركوها؛ لأنها ثقيلة وطويلة، وهي موجودة وما عادت تخفى على أحد، أشدنا بها مرارًا، وسحبت من الأسواق، وطبعت ثانية، واشتهرت يعني بين الناس.

توجد مواقف حصلت مع الذي صوروه، بمكتبتهم ذهبت لهم هناك بجدة،÷ ما عرفوني، بل عاملوني معاملة رديئة قليلًا، والذين معي قالوا لي: لا يعرفونك أنت الذي طيرت كتابهم!! ما أحببت أنهم يعرفوني؛ لأنهم... الله المستعان.

يقول: قمنا بمقابلة الصحيح على نسخة البقاعي والطبعة السلطانية، يقول: الطبعة العامرة بعض الناس يسمونها سلطانية باعتبار أنها طُبعت بتركيا، والسلطان هناك، فصار فيه اقتران بين الأمرين، فيسمي العامرة هي السلطانية، وهذا الكلام ما هو بصحيح، السلطانية هذه. الأمر الثاني فيه طبعة هي تصوير عن دار الجيل، دار الجيل صور البخاري من الطبعة الحلبية.

طالب: .......

لا، هي مأخوذة من السلطانية، الحلبية مأخوذة من السلطانية، مأخوذة منها. لكن الإشكال ليس هنا، الإشكال في كونه شُهر بين الناس أن هذه طبعة الشيخ أحمد شاكر، هي مصورة عن الحلبي، الحلبي أيام طبع الحلبي والشيخ أحمد شاكر ما زال شابًّا وصغيرًا جدًّا، وأحمد شاكر للشيخ ليست له عناية للبخاري، يعني ظاهرة للناس منشورة بين الناس، وإلا ما فيه أحد ما له عناية بالبخاري، الشيخ أحمد شاكر اعتنى بالترمذي اعتنى بالمسند، لكن ما له عناية متداولة بين الناس في البخاري، يسمون هذه الطبعة طبعة الشيخ أحمد شاكر، وما وجه اللبس؟ أن دار الجيل صوروا البخاري من طبعة الحلبي، والشيخ أحمد شاكر له مقال في مجلة عن البخاري ونسخ البخاري، صوروا ها المقال مع النسخة اللي صوروها وصار في مقدمة وبقلم الشيخ شاكر المقدمة، قالوا: إن الشيخ أحمد هو الذي طبع الكتاب، وهذا الكلام ليس بصحيح، وقد سمعت هذا الكلام من شخص له عناية فائقة بالكتب ومعرفة دقيقة بهم، قلت: الشيخ أين أحمد شاكر؟ كان فيه حرف لأحمد شاكر، واللهِ ولا حرف لأحمد شاكر بطبعة الحلبي.

ما تمشي هذه الأمور على طلاب العلم، يجيئك شخص ويقول: طبعة أحمد شاكر! أحمد شاكر دقيق ومتقن، لا، الحلبية ما نقدح فيها، هي طيبة، والصواب ما فيها شك دقيقة مأخوذة بحروفها من السلطانية، لكن يبقى أنه ما يمكن أن ننسبها للشيخ أحمد شاكر.

ثانيًا: قمنا بضبط النص وتفصيله وترقيمه بشكل يرفع إشكاله، ويقرب فهمه، ويسهل قراءته، واستعنا في كل ذلك بشروح الصحيح ولا سيما الشرحين الجليلين شرح الحافظ ابن حجر العسقلاني وشرح العلامة بدر الدين العيني، بالإضافة إلى شرح القسطلاني ومشارق الأنوار للقاضي عياض وغيرهم عند الحاجة.

عرفنا أن من ناحية الفائدة العلمين الشرحين لابن حجر والعيني لا مزيد عليهما، وخلاصة الشرحين عصارة الشرحين في القسطلاني، يفوقهم القسطلاني في ضبط ألفاظ الصحيح.

مشارق الأنوار للقاضي عياض هذا في غريب الصحيحين والموطأ، وهو من أفضل كتب الغريب، وله مختصر اسمه مطالع الأنوار، المشارق طُبع قديمًا في المغرب وفي مصر، المطالع ما طُبع إلى الآن، المشارق طُبع والمطالع ما طُبع، مع أن شهرة المختصر أكثر من الأصل: حكى صاحب المطالع، دائمًا يقولونه، ويندر أن يقولوا: المشارق؛ لأن المشارق في الغرب في الأندلس عند المغاربة شهرته، والمطالع عند المشارقة، وغطى عليها، غطى على الأصل، محقق جاهز، لكن ما بعد طُبع، كتاب نفيس فيه زوائد لابن قرقول المؤلف، يستفيد منها طالب العلم، الإشكال في المشارق أن ترتيبه ترتيب الحروف فيه على طريقة المغاربة، تبحث عن حرف ما تلقاه؛ لأن طريقتهم في ترتيب الحروف تختلف عن طريقة المشارق.

انبرى له واحد من المشايخ ورتبه على طريقة المشارقة، وأنا قلت له: إذا تركت الكتاب على أصله تبقيه كما هو وتضع له فهرس على طريقة المشارقة، لا تتصرف في الكتاب، مع أنه صنع ما صنع ويشكر على ذلك، يعني هدفه تيسير الوصول إلى المراد بالنسبة لطلاب العلم.

ثالثًا: اخترنا من الروايات التي ذُكرت في الأصلين المذكورين أصحها وأصوبها وأوفقها عربية وأحسنها سياقًا، ويقول: أصحها وأصوبها وأوفقها عربية وأحسنها سياقًا، وذلك بعد مراجعة حيثية لشروح الصحيح المتعددة والاستئناس بها والترجيح بينها، بغيتنا في ذلك أن يخرج الصحيح في أبهى صورة وأضبط نص بقدر وسعنا وطاقتنا البشرية، ولم نألوا جهدًا في سبيل ذلك.

رابعًا: شرحنا الغريب وما انغلق من الألفاظ معتمدين في ذلك على كتب اللغة المختلفة وكتب غريب الحديث المتعددة، بالإضافة إلى شروح الصحيح، وذلك بشكل موجز يوضح المعنى دون إطالة واستطراد مع بعض التعليقات المهمة، واعتنينا عناية خاصة بضبط القراءات القرآنية وتخريجها وفق الرسم الذي جاء في الأصلين وبيان من قرأ بها إذا لم تكن موافقة لقراءة حفص عن عاصم، مع الإشارة إلى الشاذ منها إذا كانت القراءة من خارج العشرة، وميَّزنا بين القراءة القرآنية من القراءة التفسيرية.

خرَّجنا الأحاديث المسندة في الصحيح من مسند الإمام أحمد وصحيح الإمام مسلم، وقصدنا بذلك ربط أحاديث الصحيح بهذين الكتابين، أما صحيح مسلم فلأنه صنو لصحيح البخاري في الصحة والاشتهار والاحتياج به عند جمهور علماء هذه الأمة، وأما مسند الإمام أحمد فلمن أراد الاستزادة في التخريج والبحث عن طرق الحديث وأطرافه.

هذه نكتة وفائدة يهتم بها طالب العلم، ومن أراد حقيقة هذا الكلام وأن من يقرأ صحيح البخاري بحاجة ماسة إلى الاطلاع على روايات الحديث في المسند، من أراد أن يستدل على ذلك فليقرأ في الكواكب الدراري في ترتيب المسند على صحيح البخاري، قابلنا منه بعض الأبواب وجدنا روايات فيها ألفاظ وفيها قصص تتعلق بالحديث تكشف لك الواقع، يعني البخاري يذكر الحديث مثلاً من سبع روايات، البخاري يذكره من عشرين رواية من عشرين وجهًا، الكواكب الدراري الآن يُحقق، وقد أُنجز منه قدر كبير جدًّا، لكن مع الأسف أنه مخروم فيه خروم، حتى ترتيب المسند ما هو بكامل، يوجد أوله من أثنائه وكذا يوجد منه حدود خمسة مجلدات، لكن يبقى مثلها، والكتاب في مائة وعشرين مجلدًا كبارًا، ولا وُجد منه إلا ثلاث وخمسون، هذه الثلاث والخمسون الآن تنتهي من الطبع من التحقيق والصف تنتهي.

فأقول: الاطلاع على روايات الإمام أحمد مقارنة بصحيح البخاري، يعني إذا يُسر الكتاب، ووجد ترتيب المسند على البخاري لابن عروة فائدة عظيمة جدًّا، يعني لو تقابل الحديث الأول حديث الأعمال بالنيات في صحيح البخاري ورواياته في المسند تكشف لك أمور، وغيره من الأحاديث على هذه الطريقة. طلبنا من المحسن المتبرع لإخراج ابن عروة أن ينجز لنا المسند مرتبًا على صحيح البخاري كنشرة أولى يسعف بها طلاب العلم؛ لأن الكتاب مؤلف على مراحل: المسند مرتب، ثم المسند مرتب مشروح شرحه ابن عروة، ثم بعد ذلك المسائل العلمية والكتب التي تندرج تحتها، يأتي إلى مسألة علمية فيها مؤلف لشيخ الإسلام ويضع المؤلف من أوله إلى آخره، أو لابن القيم أو لابن رجب أو لغيرهم من أئمة التحقيق، شرح ابن رجب على البخاري موجود في ابن عروة كاملاً، يعني المطبوع هذا منه، وكتب شيخ الإسلام وابن القيم مأخوذة منه. قد يقول قائل: لماذا يرهق نفسه ويكتب الكتب هذه ويضمها إلى كتاب واحد ليخرج بمائة وعشرين مجلدًا، لو جرد هذه الكتب ما بلغ ولا نصفه؟ لماذا؟

 لأنه وُجد في وقت تُتلف فيه كتب شيخ الإسلام وابن القيم وتحرق، ويعاقب من توجد عنده، فأدخلها في كتاب ولا درى به الناس -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-.

يقول: شرحنا الغريب وما انغلق من ألفاظ معتمدين في ذلك على كتب اللغة المختلفة وكتب غريب الحديث المتعددة بالإضافة إلى شروح الصحيح وذلك بشكل موجز يوضح المعنى دون إطالة واستطراد مع بعض التعليقات المهمة، واعتنينا عناية. انتهينا من هذا، انتهينا.

يقول: وأما مسند الإمام أحمد فلمن أراد الاستزادة في التخريج والبحث عن طرق الحديث وأطرافه. إضافة إلى ما ذكرنا الفوائد المتنية والإسنادية، فوائد لا تخطر على بال في الأسانيد، تكشف أمورًا، أسانيد تكلم فيها بعض الناس ممن لا علم له ولا خبرة له من أسانيد البخاري أو مسلم، تجد الحل عند أحمد أو عند غيره من أهل العلم، لكن الإمام أحمد أكثر إحاطة. قد يقول قائل: وماذا عن ترتيب المسند للساعاتي أو للقرعاوي أو شيء؟ هذا يختلف تمامًا عن ترتيب ابن عروة، ابن عروة مشى على أبواب الصحيح وفصوله، وجمع الأحاديث التي تتعلق بهذا الفصل وهذا الباب، إبداع يعني، إبداع.

طالب: .......

لا، الإشكال أنهم قالوا، اعتذروا بأن المتن فيه خروم كثيرة جدًّا، ولا يستقيم أن يُنشر بهذه الطريقة.

قال: أما المعلقات الموجودة في الصحيح فقد قمنا ببيان ما وصله منها الإمام البخاري في الصحيح وإحالته إلى الموضع الذي وصله فيه، وما كان خارج الصحيح فلم يكن من وكدنا. ماذا يعني وكدنا؟ ما قمنا ما وصل منها الإمام في الصحيح. تعرفون أن المعلقات ألف وثلاثمائة وأربعون حديثًا في البخاري، كلها موصولة في الصحيح نفسه ما عدا مائة وستين حديثًا غير موصولة، هذه التي تحتاج إلى تعب وتخريج، ورحمة الله على ابن حجر ما ترك لأحد عذرًا، تغليق التعليق في خمسة مجلدات -رَحِمَهُ اللهُ-.

وبحسب القارئ أن يلتمسه وهو ميسور في كتاب الحافظ ابن حجر تغليق التعليق، وحسن ذلك يكمن في ذلك. لو علقوا الإسناد من تغليق التعليق لانتهى الإشكال.

عرفنا بالمواضع والأماكن المذكورة في الصحيح عند أول موضع لها من الصحيح، وذلك بالرجوع إلى الكتب المتعددة المختصة بذلك قديمًا وحديثًا، وبخاصة معجم معالم الحجاز للدكتور عاتق بن غيث البلادي، ثم بالرجوع إلى الخرائط الجغرافية الحديثة والإلكترونية زيادة في التوثيق، وتحديد الموقع الجغرافي لذلك المكان تحقيقًا دقيقًا قدر المستطاع. فيه شرح للأماكن الواردة في صحيح البخاري خاصة في مجلد كبير طبعته الدارة، أظنه للشيخ سعد بن جنيدل في مجلد كبير، يعني هو أولى من كتاب معجم معالم الحجاز؛ لأنه أوسع من الحجاز، كل الأماكن التي وردت في صحيح البخاري موجودة في كتاب الشيخ ابن جنيدل -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-.

9- قمنا بربط أطراف الأحاديث المكررة للصحابي الواحد بعضها ببعض، وذلك بأن نذكر الموضع الأول أطراف الحديث الآتي في الصحيح، وعند كل طرف من الأطراف اللاحقة نحيل إلى الموضع الأول. أما بالنسبة للأطراف فأول من بدأها وقام بها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، والإحالة إلى الموضع الأول في الأطراف كلها، مصطفى ديب البغا له طبعة لصحيح البخاري فعل هذا؛ لأن صنيع محمد فؤاد عبد الباقي إذا وصلت للموضع الثاني ما تدري أين أطرافه خلاص، في الموضع الأول تعرف أطرافه، لكن تقرأ في الموضع الثاني أو الثالث أو العاشر ما فيه أطراف؛ لأنها تقدمت في الأول.

وقد خرجنا عن هذا المنهج في مواضع قليلة إلى طرق أخرى في الربط، رأيناها أدق في العمل وأسهل على القارئ وأقرب إلى الوصول إلى المقصود مثل أن يروي البخاري الحديث المطول مقطعًا بأطراف مختلفة، عندها ربطنا كل الأطراف المتشابهة بعضها ببعض، ثم أحلنا إلى الموضع الأول؛ وذلك إزالة للإشكال الذي ربما يقع فيه القارئ جراء ربط الأحاديث غير المتشابهة بعضها ببعض.

هو الإشكال الذي وقع فيه محمد عبد الباقي، وهو نادر، قليل جدًّا في أن جعل بعض الأحاديث المتعددة حديثًا واحدًا لها قصص وأحوال متعددة، يعني لا يجمعها رابط، وإن كان الراوي واحدًا والمعنى متقاربًا، نظر إلى المعنى، وإلى الراوي، هذا هو الغالب والكثير، يمشي على قصة واحدة مروية بألفاظ متعددة عن صاحبي واحد واحدة، لكن قد تكون أكثر من قصة فيلتبس عليه الأمر.

اعتمدنا في ترقيم الأحاديث على ترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي -رَحِمَهُ اللهُ-، وسيجد القارئ الكريم أن بعض تراجم الكتب والأبواب وُضعت بين حاصرتين، وهذه زيادات على ما في متنين: متن النسختين اليونينية ونسخة البقاعي، وقد أشير إلى بعضها في حواشي النسختين، وبعضها أشار إليه بعض شراح الصحيح.

 شفعنا ذلك بعمل مقدمة جعلناها مدخل للصحيح واشتملت على ترجمة موجزة للإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- والتعريف بكتابه الجامع الصحيح وذكرنا فيه عدة محاور على سبيل الإيجاز والاختصار.

وبعد، فهذا جهد مقل، جزاهم الله خيرًا.

 انظر وضعوا كتاب بدء الوحي بين حاصرتين، وهذا خطأ، والحافظ ابن حجر في بداية كتاب الإيمان قال: (ولم يفتتح البخاري بدء الوحي بكتاب؛ لأنه جعله كالمقدمة للكتاب) ومرَّ بنا هذا.

طالب: نعم.

إي، على كل حال الأعمال تنفع، لكن الإشكال في ماذا؟ في المؤونة عند كثير من طلاب العلم ثقيلة، والمكان وهذا أثقل، يعني كل كتاب تجد منه عشر طبعات فماذا تفعل؟ الناس ما لحقوا على طبعة واحدة لا بالنسبة للقيمة عند بعض طلاب العلم لا سيما المغتربين الذين قد يكون العائق عن اقتناء الكتب كونهم ليسوا في بلادهم، الإنسان في بلده يتوسّع ويمدِّد على ما يقال أحبال طوال، لكن مغترب في يوم من الأيام يترك هذا البلد، وأيضًا المادة تثقل على كثير من طلاب العلم، والمكان أمره أعظم وأشد، يعني واحد من طلاب العلم ظانن أنه ما عنده كتب أصلاً إلا كتب يسيرة يحتاجها يقول: عندي أربع غرف، عنده أربع غرف، إنسان عادي ما يعرف بكتب، فكيف بالمشاهير والمعروفين؟

طالب: أحسن الله إليك.

نعم.

طالب: كيف.......

ما هي؟

طالب: .......

هو وضعه بين حاصريتن.

طالب: .......

أبدًا ما هو موجود، لا غير موجود، محمد عبد الباقي وضعه، والذين وضعوا الأبواب ليسوا من... بل من المستشرقين، الذين وضعوا الأبواب وجعلوها سبعًا وتسعين بابًا المشتشرقون، ولذلك خلل كبير في أن يُدخَل نصف أحكام الصلاة في كتاب الأذان، وعلى ترقيم عبد الباقي.

طالب: .......

هات هات.

طالب: .......  

قلدهم، وأخذ منهم بحروفهم، نصف كتاب الأذان: هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟ في كتاب الأذان، نصف كتاب الصلاة جعلوه في كتاب الأذان. هذا حرج كبير عند من يريد أن يعلم الناس، مثل باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة كتاب الأذان. إلى كتاب الجمعة كتاب الأذان. كتاب الصلاة أقل من كتاب الأذان!

كتاب الأذان من الحديث ستمائة وثلاثة إلى ثمانمائة وست وسبعين، كتاب الأذان، لو ترى أحاديث الأذان في صحيح البخاري ما يمكن أن تصل إلى عشرة أو قل عشرين فضلاً عن المائتين والسبعين أو خمسة وسبعين. هذا خلل، إذا بغينا أن نقلدهم مشينا على هذا وانتهى الإشكال. كون المستشرقين وضعوا كتاب بدء الوحي ونمشي وراءهم هذا ما هو بصحيح.

على كل حال التحقيق ما يكفي فيه المهارة الفنية، لا بد من الخبرة العلمية، نظير ذلك الموظفون في المكتبات تجدهم متخرِّجين من قسم المكتبات، ويعرفون أن يرتبوا ويفهرسوا ويرقموا، لكن يخفى عليهم أمور كثيرة تتعلق بالكتب بالنسبة لمحتواها له أثر في ترتيبها، أما أن نقلد ديو فمشكلة هذه. وتجد بعض هؤلاء الخريجين من أقسام المكتبات أجهل الناس بالكتب وأقيام الكتب ومنازل الكتب ومراتب الكتب ومؤلفي الكتب، يضع لطائف المعارف لابن رجب بجانب لطائف المعارف للثعالبي، وبعد، هذا أدب محض، وهذا وعظ، وتجدهم يخلطوا خلطًا عجيبًا وعدم معرفة في الكتب ينازعك في قيمة الكتاب، تريد كتابًا يحافظ عليه وباذله لآحاد الطلاب يعبثون به، وكتاب مصور لا يسوى عشرًا ولا معشار قيمة ذاك، كاتبين عليه: نسخة لا تعار! هذه مشكلة هذه. فأقول: الخبرة الفنية لا تغني عن الخبرة العلمية.

طالب: .......

على كل حال يمكن أن يستفاد منه لا سيما أن حجمه مناسب، وتختبر، ما فيه شيء يرتفع عن الاختبار.

أما أنا فأول مرة أرى هذه الطبعة.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ما هو؟

طالب: .......

أين هي؟

طالب: .......

نعم، مطبوعة، ما يخالف.

* * *

انتهينا من ابن حجر والعيني بالنسبة لشرح الحديث، نشوف الكرماني ماذا عنده.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "باب إطعام الطعام من الإسلام".

 يقول الكرماني: ("باب إطعام الطعام من الإسلام". قوله: "إطعام" مبتدأ. و"من الإسلام" خبره. والمراد: من شعب الإسلام. وفي بعض النسخ بدل "من الإسلام": من الإيمان، وهذا عاضد لمذهبه)، يعني مذهب الإمام البخاري (من اتحاد الإيمان والإسلام من حيث المعنى).

 الإسلام والإيمان عند الإمام البخاري واحد.

(قوله: "عمرو بن خالد بن فَرُّوخ" بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة والخاء المعجمة، أبو الحسن الحراني، سكن مصر. قال أحمد بن عبد الله: هو ثبتٌ مصري، مات بها سنة تسع وعشرين ومائتين.

قوله: "الليث" هو ابن سعد الفَهْمي المصري، وجميل حالاته كثيرة وشهيرة، وتكفي في جلالته شهادة الإمامين الجليلين الشافعي وابن بُكير أن الليث أفقه من مالك، فهذان صاحبا مالك، وهما بالمنزلة المعروفة من إجلال مالك، وكيف، وجلالة مالك وغزارة فقهه لا تخفى. وقال أحمد: ما أصح حديثه! وقد تقدم).

 يعني كون الشافعي وابن بُكير يقولان: أفقه من مالك، يعني من باب رفع شأن المتحدث عنه، بغض النظر عن من قُورن به، وإذا قيل: فلان أفقه من فلان، يعني أنه يُضرب به المثل في الفقه، ولا يُقصد به حقيقة التفضيل. أبو زرعة لما جاء ابن ماجه في مصنفه، سنن ابن ماجه منزلته بين الكتب الستة آخر شيء، جاء ابن ماجه لأبي زرعة في مصنفه اطلع عليه أبو زرعة قال: لو علم محمد بن إسماعيل لأحرق كتابه. لماذا؟

من أجل التشجيع، التشجيع معروف عند أهل العلم. وشخص شرح المحرر في الفقه للمجد ابن تيمية، من طلاب العلم، معاصر، يعني الكلام هذا من أربعين سنة، وجاء به لواحد من المشايخ الفقهاء المعروفين في البلد وقال: أريد أن تسمي هذا الكتاب. قال له: يا ابن الحلال أعفني، اطلع عليه يمينًا يسارًا، قلبه، ورأى بعض الأشياء، قال: ينبغي أن يُسمى القول المكرر في شرح المحرر، يعني ما أتيت بشيء!

طالب: .......

لا، هذا ما هو بتشجيع ذاك، يعني لو وجهه وقال: أعرضه مرة ثانية أو أعرضه على غيري، وأعطاه ملاحظاته برفق، وقال: هذه مما يزين الكتاب ويكمله وإلا فالكتاب ما شاء الله نافع وجيد، كان إلى الآن يؤلف، ما كتب ولا حرفًا بعده! فالعلماء عندهم مثل هذا الأسلوب.

(قوله: "يزيد")، يعني يزيد عن أبي الخير (قوله: "يزيد" أي أبو رجاء، يزيد بن أبي حبيب سويد المصري التابعي الجليل. قال ابن يونس: كان يزيد مفتي أهل مصر، وكان حليمًا عاقلاً، وهو أول من أظهر العلم بمصر والكلام في الحلال والحرام. وقال الليث: يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالِمنا. توفي سنة ثمانٍ وعشرين ومائة. قوله: "أبي الخير" بالخاء المعجمة هو مَرْثَد بالميم المفتوحة والراء والثاء المثلثة، أبو عبد الله اليَزَني بالياء المثناة والزاي المفتوحتين وبالنون، منسوب إلى يَزَن بطن من حِمير المصري التابعي، كان مفتي أهل مصر، توفي سنة تسعين.

قوله: "عبد الله بن عمرو" هو ابن العاص وقد تقدم، وعَمرو يُكتب بالواو في الرفع والجر تمييزًا بينه وبين عُمَر ولم يُعكس لخِفة عَمرو بثلاثة أشياء).

 (ولم يُعكس) ما وضعوا الواو مع عُمَر، وضعوها مع عَمرو، لماذا؟ كلام ما تجده في كتاب آخر.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

ما يخالف، لكن الواو ماذا جاء بها هنا ولم يجئ بها هناك؟

طالب: .......

وضعها بعُمَر ميز بعُمَر أم وضعها هنا، لماذا؟

طالب: .......

الواو في آخره، عَمرو ما فيها واو الأصل يعني الأصل ما فيها واو، وُضعت الواو للتفريق بينها وبين عُمر، لماذا ما وُضعت الواو في عُمر بدل عَمرو.

طالب: .......

قال: (ولم يُعكس؛ لخفة عَمرو بثلاثة أشياء: فتح أوله، وسكون ثانيه، وصرفه، وأما في النصب فالتمييز بالألف.

وفي هذا الإسناد لطيفة، وهو أن رواته كلهم مصريون، وهذا من الغرائب؛ لأنه في غاية القلة، ويزداد قلة باعتبار جلالتهم؛ لأنهم كلهم كانوا كلهم أئمة جِلة.

قوله: "خير"، فإن قلتَ: هل فرق بين أفضل وبين خير؟ قلتُ: لا شك أنهما من باب التفضيل، لكن الفضل بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلة، والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر، والأول من الكمية، والثاني من الكيفية. فإن قلتَ: لِم عَنْوَنَ الباب الأول)، هذه طريقته، الكرماني يورد إشكالات ويجيب عليها.

 (فإن قلتَ: لِم عَنْوَنَ الباب الأول بقوله: "أي الإسلام أفضل؟"، وهذا الباب بقوله: "إطعام الطعام من الإسلام"، ولم يقل هاهنا: "باب أي الإسلام أفضل" أو "خير"، أو ثمة: باب السلامة منه)، يعني في الباب الأول (باب السلامة منه من الإسلام؟ قلتُ: لأن الجواب هاهنا وهو «تطعم الطعام» صريح في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الإطعام من الإسلام، بخلاف ما تقدم؛ إذ ليس صريحًا في أن سلامة المسلمين منه من الإسلام، ولأنه لو قال ثمة: باب السلامة منه من الإسلام، لم تُعلم الأفضلية، فعبَّر بترجمتي البابين إعلامًا بالمسألتين. قوله: «تطعم الطعام»، فإن قلت: كيف صح جوابًا ولا يستقيم أن يقال: الخير تطعم، بل يجب أن يقال: أن تطعم خيرًا، والخيرُ أن تطعم)، الخير أن تطعم وتطعم خيرًا.

يعني لماذا؟ هو الأصل أن يكون الجواب بمصدر: إطعام الطعام، وهنا قال: «تطعم»، الأصل أن يأتي بـ[أن] التي تُسبك مع ما بعدها بمصدر، يعني: أن «تطعم الطعام»، فكأنك قلت: إطعام الطعام. (قلتُ: هو مثل: تسمع بالمُعَيْدي خير من أن تراه، فهو في تقدير المصدر، وهو صحيح.

قوله: «وتقرأ السلام» أي تسلِّم على من عرفت ومن لم تعرف، أي لا تخص به أحدًا، كما يفعل بعض الناس تكبرًا أو تهاونًا)، بعض الناس ما يصنع شيئًا إلا مكافئة، وذكرنا في الدرس الماضي أنه قيل لفلان: لماذا ما خرجت صليت على الجنازة؟ قال: واللهِ ما صلى على أبي، كيف أصلي على أبيه؟ طيب ما طلعت المقبرة؟ واللهِ ما شيع أبي... وهكذا، ومثله لو عطس ما شمته؛ لأنه واللهِ ما شمتني، احتمال ما سمع، مر عليه ما يُسلم عليه قال: هذا ما يسلم علينا ولا يرد علينا السلام، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «خيرهما الذي يبدأ بالسلام».

(ولا يكون مصانعةً ولا مَلَقًا، بل مراعاةً لأخوَّة الإسلام، وتعظيمًا لشعار الشريعة، وإذا كان خالصًا لله تعالى لا يختص بأحد دون أحد، ولا ينبغي أن تكون المعاداة ونحوها مانعة من السلام. فإن قلتَ: فهل يسلم على الكافر؟).

طالب: .......

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (فإن قلتَ: فهل يسلم على الكافر؟ قلتُ: خُص بالإجماع)، مع أنه جاء فيه النص الصحيح: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام»، وإذا مُنع الكتابي فالمشرك من باب أولى.

(قلتُ: خُص بالإجماع. فإن قلتَ: جاء في الجواب هاهنا أن الخير أن تُطعم الطعام، وفي الحديث الذي قبله أنه من سلم المسلمون، فما وجه التوفيق بينهما؟

قلتُ: كان الجوابان في وقتين، فأجاب في كل وقت بما هو الأفضل في حق السائل أو أهل المجلس، فقد يكون ظهر من أحدهما قلة المراعاة ليده ولسانه وإيذاء المسلمين، ومن الثاني إمساك الطعام وتكبُّر، فأجابهما على حسب حالهما، أو علم -صلى الله عليه وسلم- أن السائل الأول سأل عن أفضل التروك، والثاني عن خير الأفعال، أو أن الأول سأل عما يدفع المضار، والثاني عما يجلب المنافع، أو أنهما بالحقيقة متلازمان؛ إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد، والسلام لسلامة اللسان.

 وفيه الحث على الجود والسخاء وعلى مكارم الأخلاق وخفض الجَناح للمسلمين والتواضع، والحث على تأليف قلوبهم واجتماع كلمتهم وتوادهم، واستجلاب ما يُحصل ذلك، فالحديث مشتمل على نوعي المكارم؛ لأنها إما مالية فالإطعامُ إشارةٌ إليها، وإما بدنية فالسلامُ إشارةٌ إليها.

قال القاضي البيضاوي: والألفة إحدى فرائض الإسلام وأركان الشريعة ونظام شَمْل الدين)، البيضاوي له شرح على المشكاة، وهو شرح مختصر ونفيس، يقتبس منه الشراح، وهو الآن جاهز محقق، ويمكن أن يخرج في مجلدين أو ثلاثة.

(قال القاضي البيضاوي: والألفة إحدى فرائض الإسلام وأركان الشريعة ونظام شَمْل الدين. قال الخطابي: دل صَرْف الجواب عن جملة خصال الإسلام وأعماله إلى ما يجب من حقوق الآدميين، على أن المسألة إنما عرضت من السائل عن حقوقهم الواجبة عليهم، فجعل خير أفعالها في المثوبة إطعام الطعام الذي به قوام الأبدان، ثم ما يكون به قضاء حقوقهم من الأقوال، فجعل خيرها إفشاء السلام).

 أنتم تسمعون كلام الكرماني مختصر، وفيه يعني تنبيهات، وفيه لطائف، هو لا يغني عن فتح الباري، لكن العناية به لائقة بطالب العلم.

طالب: .......

هذا ذكره الكرماني.

طالب: .......

ذكر هذا.

طالب: .......

ذكر هذا، أكثر من وجه يعني.

الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-، وتأخيره عن هذه الشروح لا استخفاف بشأنه وتقليلاً من أمره؛ لا، أنا عندي أنه لو كمل كان أعظم الشروح على الإطلاق؛ لأن فيه نفَس السلف الصالح، يشرح بنفَس السلف. لكن تأخيره، الشروح متشابهة الأولى، ينقل بعضها من بعض، ويذكر بعضها ببعض. وهي كلها في جهة، وشرح الحافظ ابن رجب في جهة، وتسمعون كلامه الآن.

هذا الذي يجعلنا في إما أن نبدأ به، والبداءة به تحتاج إلى شيء من الدعم؛ لأنه ما يذكر مناسبات، ولا يذكر أشياء، ودقائق يذكرها الشراح، نحن نختم به؛ ليكون المسك.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (فصل: خرَّج البخاري ومسلم من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو: «أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»، وخرجه مسلم أيضًا.

جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث خير الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام. وفي المسند: عن عمرو بن عبسة «أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما الإسلام؟ قال: لِينُ الكلام وإطعام الطعام»، ومراده: الإسلام التام الكامل. وهذه الدرجة في الإسلام فضل وليست واجبة وإنما هي إحسان. وأما سلامة المسلمين من اللسان واليد فواجبة إذا كانت من غير حق، فإن كانت السلامة من حق كان أيضًا فضلاً)، (وأما سلامة المسلمين من اللسان واليد فواجبة إذا كانت من غير حق)، يعني تعتدي على مسلم هذا الكف واجب وتركه واجب، هذا من غير حق. أما إذا كانت من حق، لك عليه دين، يَسلم من لسانك؟ «لَيٌّ الواجد ظُلْم يُبيح عِرضه وعقوبته»، لكن تبقى أنها فضل، وإن كانت بحق.

(فإن كانت السلامة من حق كانت أيضًا فضلاً، وقد جمع الله تعالى بين الأفضال بالنِّداء)، ماذا؟ (وقد جمع الله تعالى بين الأفضال بالنَّداء)، واللهِ ما أدري نَداء أو نِداء!! (وترْك الأذى في وصف المتقين في قوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]).

طالب: .......

واللهِ أظنها (النَّداء)، نعم.

طالب: .......

الكرم، أظنها (النَّداء). تعرفون أن الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ- ابتكر هذا الشرح من غير تقليد لأحد، وإنما من محفوظه من كلام السلف، وهو -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- يخاطب القلوب، بينما هذه تخاطب العقول. يعني إذا ميزنا بين هذا وهذا، وإلا فالأصل أن العقل محله القلب، لكن مثل ما ذكرنا: هذه الكتب قد تستفيد منها علمًا كثيرًا تحشو عقلك منها. يعني مثل ما تنظر إلى الفرق بين الفقهاء والمحدثين، يمكن أن تقرأ كتاب فقه تحفظ الزاد من أوله إلى آخره، يمكن أن تبكي؟ تقرأ زاد المستقنع تبكي؟

طالب: لا.

لكن تستفيد، تعبد الله على بصيرة، هذه فائدة. لكن هناك كتب وعلماء يخاطبون القلوب يؤثرون فيها، يعني هذا العلم الذي تلقيته من هذه الكتب كيف تعمل به إلا بمؤثر بسياط تسوقك إلى العمل.

(فهذا إحسان وفضل وهو بذل النداء واحتمال الأذى. وجمع في الحديث بين إطعام الطعام وإفشاء السلام؛ لأنه به يجتمع الإحسان بالقول والفعل وهو أكمل الإحسان، وإنما كان هذا خيرَ الإسلام بعد الإتيان بفرائض الإسلام وواجباته، فمن أتى بفرائض الإسلام، ثم ارتقى إلى درجة الإحسان إلى الناس كان خيرًا ممن لم يرتق إلى هذه الدرجة وأفضل أيضًا، وليس المراد أن من اقتصر على هذه الدرجة فهو خير من غيره مطلقًا، ولا أن إطعام الطعام ولِين الكلام خير من أركان الإسلام ومبانيه الخمس). أحد يقول هذا؟ تُطعم الطعام هو أفضل من الصلاة؟ ما قال أحد هذا.

(فإن إطعام الطعام والسلام لا يكونان من الإسلام إلا بالنسبة إلى من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)، يعني شخص اغتسل، لكنه ما توضأ، شخص أتى بالنوافل وفرَّط في الفرائض ما ينتفع، ما ينتفع إلا إذا كان تفريطه لا يؤدي إلى البطلان، إذا كان نقصًا «انظروا هل لعبدي من تطوع؟»، وشخص اغتسل انغمس في الماء لا على نية رفع الحدث، وإلا فالوضوء يدخل إلا إذا حصل ناقض من نواقضه، ثم قال: أنا طُلب مني وضوء وغسل بعض الأعضاء وأنا غسلت الجميع.

(فإن إطعام الطعام والسلام لا يكونان من الإسلام إلا بالنسبة إلى من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وقد زعم الحَكِيميُّ)، لعله الحَليمي صاحب المنهاج في شعب الإيمان (وغيرُه أنه قال: خير الأشياء كذا، والمراد تفضيله من وجه دون وجه، وفي وقت دون وقت أو لشخص دون شخص، ولا يراد تفضيله على الأشياء كلها، أو يكون المراد: إنه من خير الأشياء لا خيرها فضلاً)، طيب الأشخاص الذين جاء تفضيلهم بالنصوص هل يعني أنهم أفضل من غيرهم من كل وجه؟ يعني أبو بكر لما فُضل على عُمر من جميع الوجوه؟ أو عُمر لما فُضل على عثمان، جاء في فضائل عثمان ما لم يأت بفضائل عُمر مع أن عُمر أفضل منه؟ وقل مثل ذلك في البقية، جاء في الرسل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، يعني كون إبراهيم- عليهِ السَّلامُ- «أول من يُكسى يوم القيامة» هو أفضل من محمد؟ أو كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- «أول من تنشق عنه الأرض فإذا موسى آخذ بقائمة العرش ما أدري أبُعث قبلي أو جُوزي بصعقة الطور» يعني هل هو أفضل من محمد؟ لا يعني أن يوجد فضيلة واحدة لشخص أنه أفضل مطلقًا، وقل مثل هذا في الأعمال.

قال: (وهذا فيه نظر مخالف للظاهر، ولو كان هذا حقًّا لما احتيج إلى تأويل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: يا خير البرية، فقال: «ذاك إبراهيم»). يا خير البرية، قال: «ذاك إبراهيم» خير الخَلق. هل نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- خالف ما جاء في القرآن، ما جاء في السنة، ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: «أنا سيد ولد آدم»؟ ما معنى قوله؟

هذا مقام تواضع بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، وهو القائل: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»، و«يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد»، و«لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي»، و«لا تفضلوني على يونس بن متى»، ونهى عن التفضيل بين الأنبياء الذي يؤدي إلى الازدراء والاستخفاف ببعضهم أو التطاول على بعضهم، وإلا فالتفضيل وارد بنص القرآن: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]. (وقد تأوَّله الأئمة، فقال الإمام أحمد: على وجه التواضع. ولكن هذا يقرب من قول من تأول أفضل بمعنى فاضل، وقال: إن أفعل لا تقتضي المشاركة. وهذا غير مطّرد عند البصريين)، (إن أفعل لا تقتضي المشاركة)، إذا قيل: إن آدم خير من إبليس، هي مشاركة في الخيرة أم ما فيه؟

طالب: .......

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24]، هل أهل النار عندهم خير؟

طالب: .......

لا.

طالب: .......

نعم. كثير كثير. قال: (ولكن هذا يقرب من قول من تأول أفضل بمعنى فاضل، وقال: إن أفعل لا تقتضي المشاركة)، الأصل فيها المشاركة، لكن قد ترد لغير ذلك. (وهذا غير مطرد عند البصريين، ويُتأول ما ورد منه، وحُكي عن الكوفيين أنه مطرد لا يحتاج إلى تأويل.

أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، فيأتون بضعيفين فيقال: فلان أوثق من فلان، كلاهما ليس بثقة، معناه أنه أقوى وإن لم يصل إلى درجة، وفلان أضعف من فلان وكلاهما ثقات، فهم لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها.

(وقوله: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» هذا أفضل أنواع إفشاء السلام)، لكن ماذا عما لو جاء إنسان وكل من مر به: سلام عليكم، سلام عليكم، سلام عليكم! يعني الناس يزدرونه، وجاء يعني الاهتمام بالذكر والعناية بشأنه مهما قيل عنك ولو قيل: مجنون، لا تلتف إلى أحد. واحد جلس على باب المسجد ينتظر شخصًا، هو مصلٍّ بمسجد ثانٍ أو جامع، المقصود ينتظر شخصًا، طلع له الناس كل من طلع: السلام عليكم، السلام عليكم، انزعج، فقال: أنا ما جلست في هذا المكان من أجل سلامكم!!! الناس يملون مع أنهم يدعون له بالسلامة، الناس يملون من الكثرة، هذه طبيعة البشر. عمومًا هذا ليس بمبرر، لكن على الإنسان أن يطوِّع نفسه لما جاء عن الله وعن رسوله: ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل: هاتوا أن يملوا ويمنعوا.

(وفي المسند عن ابن مسعود مرفوعًا: «إن من أشراط الساعة السلام بالمعرفة»، ويخرج من عموم ذلك من لا يجوز بداءته بالسلام كأهل الكتاب عند جمهور العلماء)، الكرماني يقول: (خرجوا بالإجماع)، وهنا يقول: (كأهل الكتاب عند جمهور العلماء)، لعل من لم يبلغه الخبر والنهي قال به.

والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* * *

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قول الشافعي في.......

لا، من شُهد له بالاستفاضة واشتهر أمره بأنه أعلم من غيره بالاستفاضة.......، استفاضة. الإنسان إذا خالف ما استفاض فلا بد أن يوجه له.

طالب: .......

العلم الذي ما يطلع.......

طالب: .......

على كل حال ربيعة جالس في المسجد متوسد رداءه وما عنده أحد، ومالك مزدحم عليه الناس، وهو من طلابه، لما قيل له قال: درهم سلطان خير من قنطار علم، هذا ما هو على.......! ولي الأمر، مع أن العلم هو الذي يظهر نفسه، ما فيه دعوة، ما فيه يعني تنصب أكبر واحد أو أصغر واحد ما فيه، تضعه على....... والناس يقبلون إليه.......، والله المستعان.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

.......

طالب: .......

زين جزاك الله خيرًا.

طالب: .......

....... يوضح المراد.

طالب: ....... صباح الخير ...

واللهِ المسألة مسألة الوارد فيه النص ما يجوز، وما عداه يُنظر فيه إلى مصلحة الدعوة والأمور المترتبة على ذلك، يكون إنسانًا راغبًا أو راهبًا، الظروف يعني.

"