كتاب بدء الوحي (091)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يسْأَل يقول: هذا يقول: بالنسبة لاستقسام سُرَاقة بن مالك بالأزلام، فالقصّة في صحيح البخاري في حديث هجرة النبي –عليه الصلاة والسلام- مع أبي بكرٍ، من مكَّة إلى المدينة، والسؤال هنا: هل إيراد البخاري –رحمه الله- لهذه القصة بدون التعقيب عليها يوجه –مثل ما قلنا- في قصة هرقل: أنَّه كان حزَّاءً ينظر في النجوم؟
يقول: قال ابن شِّهاب، وأخبرني عبد الرحمن بن مالك الجُعْشُمي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جُعْشُم، أن أباه أخبره، أنه سمع سراقة بن جُعْشُم يقول: جاءنا رسلُ كفَّار قريش، يجعلون في رسول الله –صلى الله عليه وسلَّم- وأبي بكر ديةَ كل واحد منهما، لمن قَتَلَه أو أَسَرَه. فبينما أنا جالسٌ في مجلسٍ من مجالس قومي بني مدلج، إذْ أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيتُ آنفًا أَسْوِدَة بالساحل، أراهما محمدًا وأصحابه. قال سراقة: فعرفتُ أنهم هم، فقلتُ له: إنهم ليسوا بهم؛ ولكنك رأيتَ فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا". لأنَّه أعطى العهد أن لا يخبر عن النبي –عليه الصلاة والسلام- بعدما ساخت قوائم فرسِهِ أكثر من مرَّة.
"قال سراقة: فعرفتُ أنهم هم، فقلتُ له: إنهم ليسوا بهم؛ ولكنك رأيتَ فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا –أي: بمرأى منا- ثُم لبِثْتُ في المجلس ساعة، ثم قمتُ فدخلتُ، فأمرتُ جَاريتي أن تخرج بفرسي، وهي من وراء أكمةٍ فتحبسها عليّ. وأخذتُ رمحي فخرجتُ به من ظهر البيت، يقول: فخَطَطْتُ بزجّه الأرضَ. وأخذتُ برمحي فخرجتُ به من ظهر البيت، فخَطَطْتُ بزجّه الأرضَ –زجَّ الرُّمح-، وخفضت عاليه حتى أتيتُ فرسي فركبتُها، فرفعتُها تُقَرِّب بي حتى دنوتُ منهم، فعَثَرَتْ بي فرسي، فخررتُ عنها، فقمتُ فأهويتُ يدي على كنانتي فاستقسمتُ بها: أضرُّهم أم لا؟ فخرج الذي أَكْرَهُ، فركبتُ فرسي وعصيتُ الأزلامَ، تُقَرِّب بي، حتى إذا سمعتُ قراءةَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو لا يلتفت، وأبو بكر يُكْثِر الالتفاتَ".
يعني جاء في مناقب أبي بكر أنه كان لا يلتفتُ في صلاتِه. "وأبو بكرٍ يكثرُ الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررتُ عنها، ثم زجرتُها".
المَقْصُوُد أنَّه يقول هنا: "فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمتُ بِها"، وفعل ذلك حالَ كفْرِه قبلَ أن يُسلِم.
طالب:.....
نعم قبل، فيما ظهر فيما بعد أنَّه قبل أن يعطي العهد، المقصود أنَّ المطلوب من الخَبَر "فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمتُ بِها أضرُّهم أم لا"، يعني هل البخاري علَّق على هذا؟ ما علَّق، وهل يلزمه أن يعلق؟ كما تقدَّم: أنه في السَّبِق بحيثُ لا يخفَى على السَّامِع، وهذا فعْل غير مُسْلِم.
هل هي شبيهة بمسألتنا أم لا؟
طالب:....
نعم.
"إنها مجرَّد حكاية باطِل، إنَّها حكايَةُ باطِل لا تتضمَّنُ إقرارهُ، وليسَ فيها التَّعْليق على بُطْلانِهِ، وإنَّمَا تُرِكَ التَّعْليقُ عليهِ لظهورِهِ". لظهوره، أحيانًا يَكُونُ الأمرُ ظاهرًا، ما يحتاج إلى تعليق، فلظهوره لا يُعلَّق عليه.
طالب:....
نعم.
طالب:....
نعم.
طالِب:....
حتَّى لو كانَ مُبَاحًا في وقتِهِ ثمَّ حُرِّمَ بعدَ ذلك، لا بدَّ من التَّنْبيه عليه.
طالِب:...
نعم.
طالِب:...
ماذا؟
طالِب:...
مجرَّد حكاية، مجرَّد حِكَاية، ولأمرٍ ظاهرِ البُطْلان، وما ظهر بطلانُه لا يلزمُ بيانه إلَّا على مَن يُخشى عليه أنْ لا يعرِف وجهَ بُطلانِهِ، فحينئذً يُبيَّن، لا سيَّما في العصور المتأخِّرَة التي بعُدَ فيها العهد.
طالِب:....
نعم، منصوص عليه بالقرآن، حتَّى التَّنْجِيم والسِّحر، النصوص متضافرة عليهِ وقطْعيَّة.
طالِب:....
نعم، معروف أنَّ العوام ما يستدلون إذا عرفوا نسبته إلى شخص غير مسلم، ما يمكن أن يستدلوا، لكنِ الإشكال الذي يَرِد في كلامِ ابن حجر حوْلَ: "وقدْ كان". وهذا الذي نبدأ به الدرس الآن.
الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين.
يقول الحافِظُ ابن حجر، من أوَّله نقرأ: "مُلْك: بضمِّ الميم وإسكان اللام، وللكشميهني: ملِك: بفتح الميم وكسر اللام، قد ظهر، قد ظهر، أي: غَلَب، يعني –يقول ابن حجر- يعني: دلَّه نظره في حُكْمِ النُّجوم على أنَّ ملِكَ الختان قد غلب، قال ابن حجر: وهو كما قال". هذا تصديق أم تكذيب؟ تصديق، "دلَّه نظره في حُكْمِ النُّجوم على أنَّ مُلكَ أو ملِكَ الختان قد غلب، وهو كما قال".
الإشكال في قوله: "وهو كما قال؛ لأنَّه في تلكَ الأيَّامِ كان ابتداءُ ظهورِ النبي –صلى الله عليه وسلَّم-، إذْ صالح كفَّار مكة بالحديبية، وأنزل الله –تعالى- عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح:1] إذْ فتحُ مكة كان سببُهُ نقْضَ قريشٍ العهد الذي كان بينهم بالحُديبية، ومقدِّمةُ الظهور ظهور، مقدمة الظُّهورِ ظُهُور"؛ لأنَّ سورةَ الفتْح إنَّما نزلتْ على إثْرِ الصُّلْح، ما نزلت بعد فتحِ مكَّة، إنَّما نزَلَت بعدَ الصُّلْح، "وهو الفتحُ الحقيقي، وما ترتَّبَ عليهِ من آثار، فتح مكَّة أثرٌ من آثارِه"، فتح مكة أثر من هذه الآثار، فيكون أيهما أعظَم الصُّلْح أم الفتح؟ قد يقول قائل: إنَّ الصُّلْح سبَبْ، والفتح غايَة، لكنَّ هذهِ الغايَة لم تكن لتتحقق لولا ذلك السَّبَب، قال: "ومقدِّمةُ الظهورِ ظهور، وقوله: "وهو كما قال" فيه إشكال، فهل يدخُل في حديث «من أتى كاهنا»؛ لأنَّ الحزَّاء هو الكاهن «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّد» وفي روايةٍ: «فقد برئ مما أنزل على محمد»، رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة.
طيب: لو افترضْنَا أنَّ هرقْلَ ليسَ بكاهِن، وإنَّما كان حزَّاءً ينظُرُ في النُّجومِ، حزَّاء ينظُر في النُّجوم، جاء في حديثٍ رواه أبو داود من إسناد صحيح من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السِّحر»، وعلى أيِّ حال سواءٌ كان ينظرُ في النُّجوم فحكمه حكم السَّاحِر، وعلى تفسير الحزَّاء بأنَّه هو الكاهِن ظاهر، لكِن إذا قلنا: إنَّه كان حزَّاءً يعني: ينظر في النُّجوم، أيضًا: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السِّحر»، وأيًّا كان فلا يجوز تصديقه على الحالين.
"روى مسلم أيضًا في صحيحه، عن بعض أزواج النبي –صلى الله عليه وسلَّم- قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا وليلة»، هذا في مسلم، والفرق بين الحديثين «كفر بما أنزل على محمد»، و «لم تقبل له صلاة أربعين»: أنَّ التّصديق مع الإتيان عقوبته أعظم، ويستحق أنْ يُقال فيه: «كفر بما أنزل على محمد»، لكن الذي يذهب إلى السَّاحِر ليحلَّ عنْهُ السِّحْر ويرشِدهُ إلى عملٍ يعملُه ويعمل هذا العمل، هذا تصديق أم ليس تصديقًا؟ تصديق، تصديق بالقول والفِعْل، أو بالفعل وهو أقوى من القول، فيدخُل في الخبّر؟ طيِّب: الجمع بينهما ظاهر، فمن صدَّقَهُ «كفر بما أنزل على محمد»، أو «فقد برئ مما أنزل على محمد» -صلى الله عليه وسلم- كما في بعض الرّوايات، وأمَّا مجرَّد الإتيان من غير تصديق، فعقوبته أخف، حيث لم تقبل له صلاة أربعين يومًا. قول ابن حجر.
طالب:...
هذا مجرَّد الاستماع، مجرَّد الاستماع من غيرِ إتيان ولا تصديق، هذا لا شكَّ أنَّهُ من قبيل رؤية المُنْكَر الذي لا يمكن إنكاره، من رآه وأنكر فهذا لا شكَّ أنَّهُ تبرأ ذمَّته، لكن من رآه فلم ينكر، فهل يجوز الإقدام على المنكَر من غيرِ إنكار؟ لا يجوز بالاتفاق، حتَّى بعض الواجبات تسقط إذا كان ثمَّ منكر، فكيف إذا لم يكن ثَمَّ، يكون الأمر لا واجبًا ولا مستحبًا، وأحيانًا ليس بمباح النَّظر إلى مثل هذه الأمور، فضلًا عن كونها تشتمل على منكرات.
قول ابن حجر: "وهو كما قال"، لا شكَّ أنَّهُ تصديقٌ، تصديقٌ، إقْرار.
أوَّلًا: ابن حجر لم يأتِ هذا الكاهِن، ما أتاه، وإنمَّا أراد أنَّ قولَه طابقَ الواقِع، طابَقَ الواقِع في وقتٍ كان التَّنجِيمُ يختلفُ حُكْمُه عن حُكْمِهِ في شريعتنا، في وقتٍ كان التَّنجِيمُ يختلفُ حكمه عن حكمه في شريعتنا، فهل نقول: إنَّ هرقل باشَرَ ما كان مباحًا له.
طالِب:...
الآن: لو حَكِيت أو مدحت شخصًا، مدحْت شخصًا كانَ، وكان من صفاتِه أنَّهُ كان يشرب الخمر قبل تحريمها، هل يُمكن أن يُستدرك عليك أنك مدحت خمَّارًا؟ لا، لا يمكن أن يُسْتدرك عليك؛ لأنَّهُ يَشْرَبُه في وقتٍ كانَ مباحًا؛ وهذا ينظرُ في النُّجومِ في وقتٍ كان مباحًا، يَرِد على هذا: أنَّ المَسْألة عقديَّة، المسْألة عقَدِيَّة، ومسائلُ الاعتقاد لا يتناولها النَّسخ فيما قرَّرَهُ أهلُ العلم، الشِّركُ شِرْك من لَدُن آدم إلى قيامِ السَّاعَة.
طالب:...
وسائلُ الشِّرْكِ، كونُه يعتقد في النُّجوم التَّأْثير، هذه وسيلة أم غاية؟
طالب:....
في وقتهم أم في كلِّ وقْت؟ يعني حتَّى في وقتنا فيه علامَة على حصول تأثير؟
طالِب:....
هو ما فيه شك أنَّه قبل بعثته –عليه الصَّلاة والسَّلام- يختلف الواقع عمَّا كان بعد بعثتِه؛ فقد كانتِ الشَّياطين تسترقُ السَّمْعَ، ويتراكبون حتَّى يصلُوا إلى مكانٍ يسمعونَ فيهِ، فلما بُعِث– عليه الصلاة والسَّلام- مُنعوا من ذلك، ورُجِموا بالشُّهُب، فلا شكَّ أنَّ مثلَ هذه الأمور قبْلَ بعثته أكثر إتاحة من الوضْعِ بعدَ بِعثته –عليه الصَّلاة والسَّلام-، هل نقول: إنَّه مما كان قبل بعثته –عليه الصلاة والسَّلام- أنْ يُمكن أنْ يطَّلِع هرقل بمجرَّد اشتباك بَعْض الأنواءِ ببعضها، أو أنَّهُ لا بدَّ من شياطين يخبرونه عن مثلِ هذا مما استرقوهُ مِنْ كلام من الملائكة قبل أن تُسلَّط عليهم الشُّهُب.
طالِب:.....
المَوْضُوعُ في غاية الدِّقَّة وفي غايةِ الأهميَّة، ما أرى أحَدًا تعقَّب ابن حجر بقولِهِ، يعني في قوله: "وهو كما قال"، من الشُّرَّاح كلّهم حتى العيني الذي تتبع ابن حجر، ما تعقَّبَه بشيء.
طالِب:......
هو مثل ما ذكرنا سابقًا أنَّ الإخبارَ بنبوَّتِه جاءَ على كلِّ لسان محقّ ومُبْطِل، لكن هذا يخبِرُ عن شَيْء توصَّلَ إليه بطريقةٍ غيرِ شرْعِيَّة، توصَّلَ إليه بطريقةٍ غيرِ شرْعِيَّة، لا سيَّما في شَرْعِنا، وابن حجر، قال: "وهو كما قال"، يعني: لو ذهبَ شخصٌ إلى كاهِن فأخبَرَهُ بما حصَلَ لَهُ بالتَّفْصِيل الدَّقيق، وأحْضَرَ لهُ بعضَ الأمورِ المحْسُوسَة التي باشَرَها وزاولَها وبُوشرت معه قبل أن يأتي إلى هذا الكاهن، وطابقَ الواقِع مائة بالمائة، فهل يجوز أن يقال: صدق، وهو كما قال؟ أما ذكرنا قصَّة في الدَّرس الماضي، عن شخصٍ ذهب إلى كاهن، وقال قبل أن يتكلَّم، قال له: إنك تزوجت امرأة في البلد الفلاني، واسمها فلانة، ودخلت عليكم امرأة ومعها طِيْب، فطَيَّبَتْكُم فصُرِفت عن المرأة، وهذه هي القارورة فيها بقيَّةُ الطيب؟ قال: صدقت. هو طابق الواقِع، كلامه مائة بالمائة طابق الواقِع، لكِنْ معَ مطابقته الواقِع هوَ كاذب، يعني مطابقة الواقِع هي حقيقةُ الصِّدْق لغةً.
طالِب:...
هو صادق من حيث التَّعريف اللغوي، لكن من حيثُ الحقيقة الشَّرْعيَّة لا يُمْكن أنْ نقول: صادِق، ونحن لا يجوز أنْ نُصدِّقه كما ضربنا مثالًا فيمن أحضر ثلاثة شهود، في القذف، ولو تيقَّن وتحقّق كل واحدٍ منهم الزِّنَا الصَّرِيح، فـ {أُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النُّور:13]، طيب كيف نقول: كاذِب وقد طابق الواقِع؟ هذه حقيقة شرْعيَّة من حقائق الشَّرْع في حدِّ الكَذِب، فالسَّاحر مهما أخبَر فهو كاذب، طيب قول الرسول –عليه الصلاة والسلام-: «صدقك وهو كذوب»، «صدقك وهو كذوب»، من أينَ أتى هذا الشَّيْطان بهذِه الفائدة لأبي هريرة؟ بحيث صدق فيها، الأصل فيه الكذب، كذوب: صيغة مبالغة. الرسول –عليه الصلاة والسلام- قال: «صدقك»، هذه غير.
طالِب:...
كيف؟
طالب:...
نعم؟
طالِب:...
نعم، لكِن: هل جاء ما يدل في شرعنا وعَرَفَهُ بعضُ النَّاس، وسمعه بعض النَّاس أنَّ آية الكرسي تحفَظ، بحيث يقال: إن ممَّن سمعه هذا الشَّيْطان؟
طالِب:....
نعم.
طالِب:...
يعني من خلال التَّجْرِبَة يحكي واقع أنَّ الشَّياطِين لا يستطيعون من قرأ آية الكرسي، لا يقدرون عليه، فهو يحكي واقِعًا.
طالِب:....
فهذا لا يتعلَّق بالسِّحْر ولا بالكهانة ولا بادعاء غيبٍ، إنَّما هو من بابِ التَّجْربة، يعني: كما لو جئت إلى محلٍّ فيه أقفال، أقفال متعددة، فقال لك صاحب الأقفال: هذا القُفل لا يستطيعه السُّرَّاق، وبقيَّة الأقفال عندهم معالجات تفتحها، فهو يتحدَّث عن واقع، ما جاءه أحد اشترى مثل هذا القفل وقال: كُسِر الباب، أو كُسِر القفل، أو استطاعه واحد، فهذه حكاية واقِع، تختلف عما نحن فيه، وقلنا: إن الكذب والصِّدق –وإن كان أصلُهُ في الصِّدق- مطابقة الواقع، والكذب: مخالفة الواقع- يبقى أن للشرع حقائقه التي لا تتغير، فنقول للساحر -ولو طابق كلامه الواقع-: كذبتَ، ونقول للقاذف –ولو رأى بأمِّ عينيه-: كذبتَ، ما لم يتمّ النِّصَاب، صح أم لا؟
هذه حقائق شرعيَّة.
طيٍّب: نعود إلى ما قاله ابن حجر: "وهو كما قال"، وعندي أنًّ المسألة ما تخلو من إشكال، وإن كان ابن حجر يحكي واقعًا؛ لأنَّ الذي يصدِّق الكاهِن يحكي واقعًا، إذا الكاهن إذا أتاه مَنْ ذهب إليه، وذكر له ما حصَل بالتَّفْصيل فيما يطابق الواقع، هو يحكي واقِعًا، لكن الكلام في حُكْمِ العمَل قبْلَ الإسلام وبعدَهُ، هل هو يحكي مُباحًا أم يحكي حرامًا؟
طالب:....
لكن هو بالنسبة لشريعته، هو ما أسلم.
طالِب:....
نعم.
طالِب:...
لكن، لو أن نصرانيًّا شرِبَ الخمْر، ما الحُكْم؟ بطلت شريعته، وهو في شريعتهم مباح.
طالب:...
نعم.
طالب:....
مسألة الإظهار مسألة جانبية، ما تتعلق بأصل المسألة.
طالب:..
نعم.
طالب:....
نعم، محتاجًا إليه.
طالِب:....
طيَّب، هل هذا الذي أتى الكاهن في قصَّتنا السَّابقة وصدَّقه، هذا يحرم عليه، وينطبق عليه الحديث، صح؟ أنتَ سمعت القصَّة بحذافيرها بملابساتها يجوز لك أن تصدق وإذا ما جئته؟
أنت ما أتيت، لكن سمعت هذا الشخص يتحدث وقال: والله شرح الصورة كما هي.
طالِب:....
هو في النفس، لا يزال في النفس منها شيء، لا يزال في النفس منها شيء؛ لأن مسْألة مطابقة الواقع، والحقيقة اللغوية تختلف عما نحن فيه من الحقائق الشرعية.
طالِب:....
أنا ودِّي لو ما قاله، لذلك قلتُ -من ضمن ما قلتُ-: وأما قول ابن حجر: "وهو كما قال" وإن كان تصديقه، فابن حجر لم يأت هذا الكاهن، وإنما أراد أن قوله طابق الواقع في وقت كان التنجيم يختلف حكمه عن حكمه في شريعتنا، ولم يسْأَل هرقل عن شيء يخصُّه، ويتعلَّقُ به، وأنَّه مجرد إخبار عن الواقع، وإنْ كنتُ أتمنى أنَّ ابن حجر لم يَقُلْ ما قاله؛ لأنَّهُ لنْ يسلم من انتقاد".
نعم.
طالِب:.....
لا، لا، هو ما بالتَّفصيل، يعني ما قال: إنَّهُ نظر في النُّجوم وقال: ودلَّهُ نظره في النجوم على أنه ظهر ملْك الختان، يصدِّق النَّتيجة، هو ما يصدق الوسيلَة.
طالِب:....
يعني لو كانت وسيلة هرقْل شرعيَّة، بمعنى: أنَّه وَجَدَ في كتبِهِم المُنزَّلَة أنَّه إذا ظهر هذا النَّجم، او اقترنَ هذا بذاك يَظهَر حينئذٍ ملْك الخِتان، أو ملِكُ الختان، مُلْك هذه الأمة، يعني: لو كانَتْ الوسيلَة ما هي بكِهَانَة، ولا مجرَّد نظر في النُّجوم، وأنَّ النُّجوم دلته على هذه الغاية، يعني: وجد في كتبهم أنَّهُ إذا ظهر هذا النَّجْم أو اقترن هذا النَّجْم بذاك فإنَّهُ قَدْ ظهر مُلك هذا الختان، أو وُجِد، ونتأمل في الجملة التي معنا. قال ابن النَّاظور: "وكان هرقل حَزَّاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرتُ في النُّجُوم، ملِكَ الختان قدْ ظهر". هو بمجرد نظرِه في النُّجوم استدلَّ بهذه العلامة على أنَّ نجمًا ظهر أو اقترن بنجمٍ آخر، فاستدلَّ بذلِك على ظهورِ ملِكَ الخِتان.
هناك أمور مطَّرِدَة، أمور مطَّرِدَة، تتعلَّقُ بالنُّجوم، أمور مطَّرَدَة تتعلَّقُ بالنُّجوم، مثل: ظهور بعض النُّجوم وأثر هذا الظُّهُور في الزُّرُوع، أجرى الله العادة على هذا، ولا يجوزُ بيْع الثَّمَر قبل بدوءِ صلاحِهِ، ويأمن العاهة، ومتى يأمن العاهة؟ إذا طلع النجم الذي هو: الثُّريَّا، وهناكَ أيضًا مسْألة المدِّ للبحر في منتصفِ الشَّهَر، يزعمونَ من خلالِ التَّتبُّع والاستقرَاء أنَّهُ في ليلةِ الإبدار يكثُرُ المدُّ، فيكونُ المدُّ لهُ ارتباطٌ بالقمَر، هل نقول: إنَّ القمرَ أثَّر في البَحْرِ حتَّى زادَ مدُّهُ، أو نقول: إنَّ الله –جل وعلا- أجرى العادَة، أجرى العادة أنه في وقتِ الإبدار يكون هذا، وحينئذٍ نرجع إلى ما تكلمنا فيه كثيرًا، وهو أنَّنا ممكن أنْ نَقول: إنَّهُ يكثُر المدُّ عندَ الإبدارِ لا بِهِ، ثمَّ نراجِع مسْألَة السَّببية عندَ الأشعريَّة هل هي مؤثرة أو غير مؤثِّرة، هم يلغونها تمامًا، ويجعلون جميعَ الأسباب مثل هذا، القمَر لا أثرَ لهُ في البَحْرِ، لكنَّ الله –جل وعلا- جعَلَ، ربطَ هذا بهذا فيكون عندَهُ لا بِهِ.
طَالِب:....
طيب، إخبار عن الواقع، الآن واقِع في قصَّة ذلك: صدقت، يخبر عن واقع.
زواج وحصل لنفسِهِ، ومعلومات مرتَّبَة بعدَ وقوعِهَا.
طالِب:....
يعني: هل نقول: إنَّ اعتقاد الإنْسَان أنَّ هذا صدقٌ لغوِي، لا صدق شرعي وإن كان في حقيقة الأمر أنَّه كاذب، يعني الإنسان قد يتصوَّر شيئًا هو فيه يضحك على نفسِهِ وهو لا يشْعُر، نحن نقول: من مطابقته الواقِع ينطبق عليه التَّعريف اللغوِي، وباعتِبَار أنَّهُ اعتمد مقدِّمات غير شرْعيَّة فلَنْ تعطيه نتائج شرعية، فهو كاذب من هذه الحيثيَّة، فكيف يجتمِع في نفْسٍ واحدة تصديقٌ من جهة وتكذيبٌ من جهة؟
طالِب:.....
نفسه، نفسه.
طالب:.....
لا، «صدقك وهو كذوب» ما استعمل وسائِل شركيَّة.
طالِب:....
نعم.
طالِب:....
نعم.
طالِب:....
«من صدق كاهنا فقد كفر»
طالب:....
نعم، هذا الكلام.
طالِب:...
نعم، قال: صدقت.
طالب:....
وأتى واستدل بالحديث، ذهب للكاهن وشرح له الصورة بتفاصيلها فقال: صدقت، وقد قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر».
طالب:....
نعم، كأنك حاضر القصَّة، الإنسان قد يُذْهَل، قد يُذْهَل في وقتٍ من الأوقات ويخرج عن حدِّ التَّعقُّل والشُّعور فيقول كلام كفر في الحقيقة، لكن لا يُحكم عليه به، كمال قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، الإنسان يخطئ من الذُّهول.
المقصود: أنَّ كلامَ ابن حجر لا يسلم من انتقاد، لا يسلم من انتقاد، وإنْ كانَ أحد عنده جواب يخرجنا منه، فجزاه الله خيرًا.
طالِب:....
لكن المسْألة الثَّانية وإن كان لا يسلم من انتقاد، هل يمكن أن نقول: إن ابن حجر صدَّقَهُ فقد كفر ابن حجر؟ ما يمكن، نعم.
طالِب:....
هم مخاطَبُون، يعني قَبْل البعثَة لا، هم مُخاطبون بمن يتديَّنون بدينِه، فالنصارى ليسوا مخاطبين بشريعة إبراهيم –مثلًا- أو العكس.
طالِب:....
شريعةُ محمَّدٍ بعد بعثته ألغتْ كلَّ شريعة.
طالب:....
يعني هوَ بالنِّسْبَةِ له، هو مخاطَب، لكِنْ لا يعني أنَّهُ يُلزَم بالتقيُّدِ بها حال كفرِه قبل أنْ يؤْمِن، ومعنى كونُ الكفَّار مخاطبين بفروع الشَّرِيعة أنَّهم لا يؤمرون بها حال كفرِهم؛ لتخلِّف شرط القبول الذي هو: الإيمان، ولا يؤمرون بقضائِها إذا أسلموا، لكِنْ فائدةُ الخلاف أنَّهُم يُزادُ في عذابهم عليها.
طالب:....
كيف يكون مباحًا؟
طالِب:....
هو لا شكَّ أنَّ التَّنْجيم يختلف وضعه من شريعة إلى شريعة، يعني شرع من قبلنا غير شرعنا، لا سيَّمَا وأنَّ التَّضييق على الشَّيَاطيْن ما حصَل إلَّا في شَرْعِنَا، وكانوا يتراكبون ويسترقون السَّمْع، وبكثْرَة، والأمرُ يختلفُ من شريعةٍ إلى شريعة، لكن المقصود أنَّهُ في شرعنا، لكن يعكِّر على هذا ما يتَّفقُ عليه أهلُ العلمِ أنَّ أصول الدِّيْن لا يدخُلُها النَّسخ، العقائد ما يدخلها النَّسْخ، وهذا من باب العقائد. وعرَفْنا أنَّهُ دخل النَّسخ في بعض الفروع العقدية، بعض الفروع العقدية دخلها، لكنْ أصول الدِّين وقواعده الكبرى لا يدخلها نسخ؛ «نحنُ -معاشرَ الأنبياء- أولاد علَّات ديننا واحد».
طالِب:....
نعم.
طالِب:....
ما نقول شيئًا، نتركها فقط، ما نقول: هو كما قال، ولا غيره.
طالِب:....
أصلًا: "وهو كما قال"، ما لها داعٍ يقولها، يتركها فقط، تحذف وخلاص.
طالِب....
هو الذي يحلُّ الإشكال كله أنْ يكون في كتبِهِم المنزَّلَة ما يدلُّ على أن هذا النَّظَر وسيلةً، ونهايةً، وغايةً.
طالِب:....
وحتَّى لو عِندنا في ديننا مثلًا، مثل ما عندنا في ديننا أنَّه إذا حصل كسوف نصلِّي، «فإذا رأيتموه فادعوا الله وصلوا»، فإذا ظهر هذه الظاهرة الآية التي يُخوِّف الله بها عبادَه، إذا رأيناها نصلِّي، فنحن مأمورون، ولو جاءنا توجيه بأنَّه إذا ظهر مثلًا أيُّ ظاهرةٍ غير معروفَة عندَنا من الظَّواهر التي لا تأتي إلَّا كل قرن، أو كل ثلاثين سنة أو كذا، أنْ نفعل شيئًا أو أنَّه سيحدُث كذا عِنْدَهَا ما علينا ضير أننا نقول: حدث، وطابق الواقِع.
"فمن يختتن من هذه الأمَّة، فمن يختَتِن من هذه الأمَّة؟"، يقول ابن حجر: "أي من أهلِ هذا العصر، أي: من أهلِ هذا العصر، وإطلاقُ الأمَّةِ على أهلِ العصرِ كلِّهِم فيهِ تجوُّز، فيهِ تجوُّز". يرِد عليهِ {أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص:23]، هم كل أهلِ العصْرِ؟ نعم. جزء.
طالِب:....
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النَّحْل:120]، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}، "فإطلاق الأمَّة على جميعِ أهلِ العَصْرِ" يقول ابن حجر: "فيه تجوُّز، وهذا بخلافِ قولِه بعدَ هذا: مَلِكُ هذه الأمة، أو: مُلْك هذه الأمَّة قد ظهر، فإنَّ مرادَهُ بهِ العرب خاصَّةً، فإنَّ مرادَه بهِ العرب خاصَّةً". يعني: تستطيع أنْ تقول: الأُمَّة، أو تقول: أمَم الأرضِ، إذا أردتَّ الجميعَ، تقول: أمَّة الأرض، أو أُمَم الأرض؟
تقول: الأمَّة العربيَّة، الأمَّة الإسلاميَّة، ما تعمِّم. لكن إذا أردتَّ التَّعميم فتقول: أُمَم، أمَّتُكم، {هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [المؤمنون:52].
ولا يقصد بذلك جميع من على وجهِ الأرض؛ لأنَّ جميع من على وجهِ الأرض وأهل العصر كلُّهم أمم لا أمَّة، قال: "فإنَّ مراده به العرب خاصَّة، والحصْرُ في قولِهِ: إلَّا اليهود، أو في قولهم له: إلَّا اليهود هو بمقتضَى عِلْمِهِم".
العرب يخْتَتِنون، واليهود يختَتِنون، فقولهم: "فمن يَخْتَتِن من هذه الأمة، قالوا: ليس يختتن إلَّا اليهود، ليس يخْتَتِن إلَّا اليهود". هذا الحصر على حسبِ علمهم، وعلى حدِّ علمهم؛ لأنَّهم لا علاقةَ لهم بالعربِ، فيعرفونَ واقعهم، لكن لهم علاقَة باليهودِ فيعرفون أنَّهُم يختَتِنون، "والحصرُ في قولِهم: إلَّا اليهود هو بمقتضى علمهم؛ لأنَّ اليهودَ كانوا بإيلياء وهي بيتُ المقْدِسِ". وهرقل أين؟ بإيلياء.
"وكانوا بإيلياء وهي بيت المقدس كثيرين تحتَ الذلَّة مع الرُّوم، تحت الذلة مع الروم"؛ لأنَّ الله –جل وعلا- ضربَ عليهم الذلَّة والمسكنة، ضرب عليهم الذلَّة والمَسْكنة.
لكن إذا نظرنا إلى واقعهم الآن ارتفعت الذلَّة عنهم والصَّغار أم ما ارتفعت؟
طالِب:.....
باقيَة، الذلَّة باقية، وقوَّةُ شوْكَتِهم إنَّما هو بسبب الحبلِ الممدود بينَهم وبين النَّاسِ، وإلَّا فالحبْل مع الله –جل وعلا- قد انقَطَع، يبقى أنَّ هذه الأمَّة التِي ضُربت عليها الذِّلَّة والمسْكنة، كيفَ أذلَّت خيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت للناس، كيف أذلَّت خيرَ أمَّةٍ أُخْرِجَت للنَّاس؟ لأنَّ هذه الأمَّة أيضًا بسبَبٍ بُعْدِهَا عن دينِ الله ضُرِبَ عليها الذِّلَّة والهوان، وترَكوا مصدَرَ عِزِّهم وذِروة سنام الإسلام، بحيث لا تعود هذه العزة إليهم إلا بمراجعتِه، وكوْنُه يُسلَّط عليهم أراذل الخلق هذه زيادَة في النِّكَاية، زيادة في النِّكَايَة؛ لأنَّهُ لمَّا يُقال: والله خرج فلان وأكلَهُ أَسَد، يُقال: الأسدُ حريٌّ بذلك، يعني ما يُلَام، لكنْ لمَّا يقال: خرجَ فلان فأكله ثعْلَب.
طالِب:...
يعني زيادة في مهانَتِه وحقارَتِه، يعني فرق بين أنْ يأكله أسد، يأكل الناس الأسد عادي، لكن، وهناك نوادر من الرجال ما يستطيعهم بل يقتلونه، لكن يبقى أنَّ من أكله الثَّعْلَب أوْ أكلَهُ هرٌّ مثلًا، لا شكَّ أنَّ هذا زيادةٌ في نكايَتِه وذلَّتِه وحقارَتِه، فالأُمَّة لنْ تعودَ إلى عِزِّهَا إلَّا إذا راجَعت دينها الذي هو مصدر عزها، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ} [الحج:40]، إذا نصروا هذا الدِّيْن نصرَهم الله.
طالِب:.....
نعم، ماذا فيه؟
طالِب:.....هذا عقَّبتَ عليه.. الطريقة ما تُعرَف.
ما يمكن الوصول إليها، مستحيلة.
طالِب:....أن يقع في نفسِهِ
لا، يعني كون نبي من الأنبياء خُط، من وافق خطُّه خطَّه فذاك، هذا لا شكَّ أنَّه إذا وافق، لكن كيف يوافق؟
السبيل مقطُوع، السبيل مقطوع، فلا يُمكِن أنْ يحاوِل أحدٌ ليخط، علَّه أن يوافق؛ لأنَّ السَّبيلَ منقطعٌ، لا يُمْكِن أن يُوَافق.
طالِب:.....
حتَّى لو وافق قدرَه الكوْنِي وطابَقَ الواقع، هو محلَّ الكلَامِ؛ لأننا لو قُلْنَا بِمَا قالَ ابن حجر، وأطلقنا أن كل كاهن يطابق قوله الواقع صدَّقْنَاه، لا؛ لأنَّنَا ممنوعون منَ التَّصديقِ ولو طابَقَ قولُه الواقِع.
طالِب:....
بعض النَّاس أحيانًا يكتُب من غير، يعني: بمجرَّد أنَّه طابق الواقِع وخلاص، وهذا حدُّ الصِّدْق، فهو يحْكِي ما حصَل، من غيرِ اعْتِقَاد ولا إتْيان ولا كذا، مع أنَّه لو تركها كانَ أفْضَل، يعني لنْ تَسْلَم من انتِقَاد.
"والحصرُ في قولهم: إلَّا اليهود، هو بمقتضى علمهم؛ لأنَّ اليهودَ كانوا بإيلياء –وهو بيت المقدس- كثيرين تحتَ الذلَّة مع الروم، بخلاف العرب، فإنهم –وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان- لكنَّهم كانوا ملوكًا برأسِهِم، كانوا ملوكا برأسهم". يعني وإنْ كانوا قريبين منهم في أطرافِ الشَّامِ وهم تحتَ ولايتهم، لكن عندَهُم نوعُ استقلال، وهناكَ وحْشَة وعدمُ خلطَة بينهم وبينَ النَّصارى فلا يسْتطيعون الوقوف على ما عنْدَهم من الأمور الخفيَّة؛ لأنَّ الخِتَان خَفِي، الخِتَان خفي، لكن لو قال: مَنْ مِنَ الأمم مَنْ يُعفي لحيته، هل يقول: إن اليهود فقط؟ يحكمون بأن جميع أمم الأرض تُعْفِي اللحى.
وإن كان اليهود تحت ولايتهم، يرون النَّاس، لكن في الأمور الخفيَّة لا يستطيعون أن يحكموا إلَّا بمخالطةٍ دقيقة.
"فمن يختتن من هذه الأُمَّة" في رواية يُونُس: "من هذه الأُمَم"، "من هذه الأُمَم"، وبهذا ينتفِي الإشكال الذي حَمَل ابنُ حجر بسببه الكلام على التَجوُّز.
"قالوا: ليس يختتن إلَّا اليهود". يعني قالوا مجيبين لاستفهامه إيَّاهم: "ليس يختتن إلا اليهود"، أجابوا بمقتضى علمهم؛ لأن اليهود كانوا بإيلياء". كما تقدَّم في كلامِ ابن حجر.
يقول: "فلا يُهمنَّك شأنُهم"، "فلا يهمنَّك شأنهم"، يقولُ ابنُ الملقن: "قوله: فلا يهمنك شأنهم، هو بضم الياء، هو بضم الياء يُقالُ: أهمَّني الأمر: أقلقني وأحزنني، يُقالُ: أهمَّني الأمر: أقلقني وأحزنني، والهمُّ: الحزُن، والحَزَن أيضًا، وهمَّني: أذابَنِي، همَّنِي: أذَابَني، إذا بالغَ في ذلك؛ لأنَّ الإنسانَ مع شدَّةِ الهم، وكثرة الهموم يصابُ بنُحول الجِسْم، بنحولِ الجِسْمِ، فيصل –مع المبالغة- إلى حدِّ الذوبان، كأنَّه صار لا شيء، هذه أيش؟ مبالغة، يقول الشاعر:
ولو أنَّ ما بِي من جوًى وصبابةٍ |
| على جملٍ لم يدخل النار كافرُ |
لأنَّ هذا الجمل أو جمالُ الدُّنيا إذا أصابها من الهمِّ مثله نحلُت بحيثُ صارتْ أصغَر من الذرَّة فتدخُل في سمِّ الخياط، تلِج في سمِّ الخياط، فعلى هذا يدخلون الجنَّة، إذا ولج الجمل في سمِّ الخياطة؛ لأنَّها الغاية حتى يلج الجمل سم الخياط، إذا صار بقدر الذرة وولج في سم الخياط هذا الجمل، دخل الكفار الجنَّة وحينئذٍ: لا يدخل النار كافر، كلهم بيدخلون.
هذه مبالغة، وأيضا ما يُنسب لفاطمة –رضي الله عنها- تقول:
صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو مثلُها |
| صُبَّتْ على الأيَّامِ عُدْنَ لياليا |
هذه أيضًا مبالَغَة.
وقال: "وهمّني: أذابني، إذا بالغ في ذلك. وهمَّني المرض: أذابني، ومنه: المَهموم". قال الأصمعي: "وهمَمْتُ بالشيء، وهممت بالشيء أهمُّ بهِ: إذا أردَّته، وهممت بالشيء أهم به: إذا أدرته وعزمت عليهِ، وهممتُ بالأمرِ أيضًا: قصدتُّهُ، يقول: يهمُّني، والظاهر أنها: بهمَّتي، قصدته بهمَّتي". صواب الكلمة إن شاء الله بدل يهمُّني، "وهمَّ يهم بالكسر هميمًا: دبَّ، ومراده أنَّهم أحقر". يعني اليهود أحْقَر من أنْ تهتمَّ لهُم أو تُبالِي بِهِم، والأمرُ والشَّأْنُ، "لا يهمنك شأنهم"، أي: أمرهم، يعني: لا تحسب لهم حسابًا، والهم كما مرَّ بنا مرارًا: مرتبة من مراتِب القصد الخمس كما ذكرنا مرارًا في قول الشَّاعِر:
مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا |
| فخاطرٌ فحديثُ السّمع فاستمعا |
يليه همٌّ فعزمٌ كلَّها رفعت |
| إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا |
"وابعث في مدائن مُلْكِكَ"، مدائن ملكك، قال ابن حجر: "مدائن: جمع مدينة، مدائن: جمع مدينة". لكن هل يقال: مدائن أم مدايِن،؟
لماذا، ومعايش، بالياء أم بالهمز؟
طالب:.....
معايِش.
طالب:....
نعم.
طالب:...
مدائن، لكن معايِش؟
طالب:.....
كيف، كيف؟
طالب:....
الفرق بين مدايِن أو مدائن ومعايش، الآن تعرفون أنَّ صاحب "المثل السائر" ابن الأثير، أجلب عليه النَّاس في قوله: معائش، وردوا عليه، "الفلك الدائر" "نصرة الثائر" ردود كثيرة يعني؛ لأن أصل الهمزة هي معيشة، لكن مدائن، يصير أصلها جمع مدينة، واحدها مدينة، فكيف قالوا هذه بالهمز وهذه بالياء؟ يقول ابن حجر: "مدائن جمع مدينة، قال أبو عليٍّ الفارسي: من جعل فَعِيلَة فعليه، من قولك: مدَن بالمكان، أي: أقام به، هَمَزَهُ كقبائل جمع قبيلة، ومن جعلة مفعَلَة من قولك: دَيَنَ أي: مَلَكَ، لم يهمز كمعايِش، انتهى".
قال: "وما ذكره في مَعَايِش هو المشهور، وقد روى خارجةُ عن نافعٍ القارئ الهمز في معايِش".
مَنْ خارجة؟ "وقد روى خارجةُ عن نافعٍ القارئ الهمز في معايش".
طالب:.....
هو من الفقهاء والقرَّاء، نافع معروف، لكن خارِجَة من الرُّواةِ عَنْ نَافِع، هل يوجد أحد عنده برنامج يطلِّع لنا خارِجة، قراءات، أبو عُمَر ما حضَرَ اليوم؟ أين هو؟
طالب:....
ماذا؟
طالِب:....
هلا يا أبو عمر، تعال، تعيَّن عليك الجواب، هذا استنفار هذا، تعال.
"وقد روى خارجةُ عن نافعٍ القارئ الهمز في معايش"، قال: معائش مثل مدائن، خارِجة يروي عن نافِع صح؟
طالِب:.....
ما هو من القراء السَّبعة، لكن من الرُّواة.
طالب:...
لا، لا، ما هو بخارجة بن زيد، هذا متأخِّر يروي عن نافِع.
طالب:...
وغير الاثنين المَشْهورين، "فلذلك تكون هذه القراءة غير مُعْتَمَدة عن نافِع".
طالب:....
ماذا؟
طالِب:.....
وأنت واحد منهم، أم لا؟
طالِب: أشهرهم مثلًا أبو عبد الله....
وأنت؟
طالِب:....
نعم.
طالب:....
أنت أشهر من عبد العزيز القصير، عبد العزيز القصير عشر سنين، ما أدري ما الذي جاء به على لسانِك.
طالب:....
نعم.
طالِب:.....
اقرأ أمم، لكن وما المعنى؟ وما معنى أنَّه ما يُحفظ إلا هذين الاثنين؟
طالب:...
أضبط من غيرهم، لماذا ما يُذكر عنه مائة طالب؟
طالِب:...
لكن، هل روايات هؤلاءِ المغمورين، أنت ما عرفت خارجة وما اسمه، أنت من القرَّاء، أنت ما عرفت، تحسبه خارجة بن زيد التابعي الجليل، ما هو، يا أخي ذذا بعده يمكن بمائة سنة أو وأكثر، وأنت من أهل القراءة ما عرفته، فكيف نعرفه نحن؟
طالب:....
نعم، ما يخالف، ما عندي إشكال في ورش ومَن يروي عنه، لكن مادام قلنا: ورش، وقالوا عن نافع، لماذا ما قالوا خارجة؟
طالب:....
طيب خارجة، وماذا تصنِّفه؟
طالِب:....
"ولا يلزم من عدم موافقته قانون ورش، ضعف الرواية"، لكن أنت تستطيع أن تقرأ بها؛ لأنها جاءت عن خارجة عن نافع؟
طالِب:...
معايش، هذه مردودة لغةً.
طالِب:....
لكن كيف أقرأ خارجة هذا بهذه الصيغة المرفوضة لغةً؟
طالِب:....
تقول: ما يلزم ضعفها.
طالِب:...
لكن ضعفها لغةً.
طالب:.....
أجلبوا على صاحب "المثل السائر" كل اللغويين ردوا عليه؛ لأنَّ الأصل الهمزة هذه ياء، لا بد أن تعود إليها.
طالِب:.....
نعم.
طالِب:....
ما وافقت وجه النحوي، لا بد أن، يشترط أن توافق، ما هي توافَق، توافِق.
طالب:....
مسعر.
طالِب:...
يقول القزَّاز في مدائن: "مَن همزها توهَّمها من فَعِيلَة؛ لشبهها بها في اللفظ، مَن همزها توهَّمها من فَعِيلَة". يعني: مدينة "لشبهها بها في اللفظ".
الآن القزَّاز لمَّا ذُكرت رواية خارِجَة عن نافع في آخر الأمر، هل هو يتكلَّم، نقله ابن حجر بعده مباشرة، هو يتكلم عن مدينة أم معيشة، القزَّاز؟ أولًا: القزَّاز معروف أم ما هو معروف؟ صاحب "الجامع في اللغة"، مرَّ بنا مرارًا، وقال القزاز: "مَن همزها توهَّمها"؛ لأنَّ التَّوَهُم ما يمكن أن يتجه هذا إلى مدائِن؛ لأنَّ الهمز ما هو بتوهُّم في مدائِن، لكن الهمز في: معايش، توهُّم، فلعلَّ القزَّاز يتكلَّم عن: معايش.
ونقف على هذا، ثم بعد ذلك نكمل.
طالب:...
نعم.
طالِب:....
نعم.
طالِب:....
معروف هذا عند المالكيَّة القول؛ لأنَّها تتصوَّر منهم..
طالِب:....
أين؟
طالِب:...
لا، هذا القولُ يَجتمع فيه قولان؛ لأنَّها نواهٍ، النُّجوم من النَّواهي، التَّنجيم، فيتَّفق فيه القولان، يجتمع فيه القولان، لو كان أمرًا قلنا: إن فيه قولًا: يقول إنَّهم لا يخاطبون بالأوامر لتخلِّف شرط القبول.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.