شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 15

 

المقدم:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله مُحمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أيها الإخوة المستمعون الكِرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، هذا البرنامج الذي يأتيكم في هذا الشهر الفضيل، حيث يتم الشيخ فيه كتاب الاعتكاف، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا إنه جواد كريم، يُسعدني أن أُرحب في مطلع هذا اللقاء بمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخُضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العُلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ وأهلًا وسهلًا.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: وفيكم حفظكم الله.

المقدم: لا يزال الكلام مستمعينا الكرام في حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: وإن كان رسول- صلى الله عليه وسلم- ليُدخِل عليَّ رأسَه وهو في المسجد فأرجِّله، وكان لا يدخُل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فشرح متن الحديث قد انتهى، وبقي الآن سياقه بسنده وما يتعلق بإسناده من كلام لأهل العلم كما جرت العادة بذلك في ذكر الأطراف، لكن أطراف الحديث في الموضع الأول الذي في كتاب الحيض في باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.

هذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري هنا في كتاب الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة.

قال- رحمه الله-: حدثنا كتيب قال: حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة- رضي الله تعالى عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: وإن كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا. ومناسبة الحديث للترجمة سبق بيانها.

يقول ابن حجر: قوله عن عروة أي ابن الزبير وعمرة كذا في رواية الليث جمع بينهما، كان عروة وعمرة قال ابن حجر: كذا في راوية الليث جمع بينهما، يعني عروة وعمرة، ورواه يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة وحده، ورواه مالك عنه عن عروة عن عمرة.

قال أبو داود وغيره: لم يتابع عليه، وذكر البخاري أن عبيد الله بن عمر تابع مالكًا، الآن مثل هذا الاختلاف رواية الباب بالجمع بين عروة وعمرة، عن عروة وعمرة.

قال ابن حجر: ورواه يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة وحده، هل يؤثر هذا في الحديث؟ الاختصار على أحد الثقتين، إذا رُوي الحديث عن ثقتين، فاقتصر على أحدهما في موضع أو من طريق، وجمع بينهما من طريق فهذا لا يؤثر؛ لأن الحجة تقوم بأحدهما، فإذا قرن به غيره من الثقات زاده قوة.

لكن إذا كان الحديث مرويًّا عن ثقة وضعيف، إذا قرن بينهما فالمعول على الثقة، وإذا حذف الضعيف واقتصر على الثقة، كما فعل الإمام البخاري حينما روى حديثًا من طريق مالك وابن لهيعة، واقتصر على مالك يلام أم ما يلام؟ ما يلام؛ لأن مالكًا تقوم به الحجة، ولا داعي لذكره، مسلم طريقته في مثل هذه الصورة، يقول عن فلان يعني الثقة وآخر، البخاري يحذف الضعيف.

المقدم: وآخر يبهمه.

يبهمه؛ لأنه ليس على شرطه، ولا داعي لذكره.

المقدم: وليس بحاجة إليه.

وليس بحاجة إليه، المقصود أن مثل هذا درج عليه الأئمة، إما أن يحذف الضعيف أو يبهمونه، المقصود أن مثل الحجة قد قامت بالثقة، فإن حُذف فلا بأس، وإن ذُكر أيضًا فلا بأس، وإن كُني عنه وأُبهم فلا بأس؛ لأن الحجة قامت بغيره، قد يلتبس هذا الصنيع عند من لا خبرة له بتدليس التسوية، حينما يروي الحديث عن ثقتين بينهما ضعيف، فيحذف الضعيف ويُبقي الثقتين اللذين لقي أحدُهما الآخرَ وأخذ عنه، فإذا حذف هذا الضعيف الذي بين الثقتين، وعليه معول ومعتمد؛ لأنه بدونه يكون هناك تدليس، فيه سقط.

فإذا أسقط الضعيف، صار الحديث مدلسًا تدليس تسوية، وهو شر أنواع التدليس لماذا؟ لأنه صار في الإسناد انقطاع، أما إذا رُوي الحديث عن ثقة وضعيف، ثم حُذف الضعيف ما فيه إسقاط أصلاً، كما قلنا في رواية الإمام البخاري عن مالك وابن لهيعة، واختصاره على مالك، ورواه مالك عن عروة عن عمرة؛ لأن عمرة الآن صار عليها معتمد، فلا يجوز حذفها حينئذ؛ لأنه لو حُذفت في إسناد مالك حصل خلل في الإسناد، انقطاع.

قال أبو داود: وغيره لم يتابع عليه، وذكر البخاري أن عبيد الله بن عمر تابع مالكًا، وذكر الدارقطني أن أبا أويس رواه كذلك عن الزهري، واتفقوا على أن الصواب قول الليث، يعني المذكور في حديث الباب، وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة، يعني الذين اقتصروا على عروة، اختصروا منه ذكر عمرة، وأن ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد.

حينما يقول مالك: عن عروة عن عمرة عن عائشة، والحديث رواه عروة عن عائشة بدون واسطة، فذِكْر عمرة من المزيد في متصل الأسانيد، وهو فن معروف يُبحث في علوم الحديث، وقد رواه بعضهم عن مالك، فوافق الليث، أخرجه النسائي أيضًا، وله أصل من حديث عروة عن عائشة كما سيأتي من طريق هشام عن أبيه، وهو عند النسائي من طريق تميم بن سلمة عن عروة.

وفي شرح ابن بطال: أكثر الرواة عن مالك عن عروة عن عمرة، فخطّؤوه في ذكر عمرة، مالك– رحمه الله- إمام وهو نجم السنن كما يقال، وأصح الأسانيد عند الإمام البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر، لكنه ليس بالمعصوم، حُفظ عليه أخطاء، لكن يبقي أنه في الدرجة العليا من الحفظ والضبط والإتقان.

يقول ابن بطال: أكثر الرواة عن مالك عن عروة عن عمرة، فخطؤوه في ذكر عمرة، قال المؤلف ابن بطال: ولهذه العلة- والله أعلم- لم يُدخل البخاري حديث مالك، وإن كان فيه زيادة تفسير، يعني إلا لحاجة الإنسان، ولهذه العلة- والله أعلم- لم يدخل البخاري حديث مالك، وإن كان فيه زيادة تفسير يعني إلا لحاجة الإنسان الذي في الحديث عندنا..

المقدم: إلا لحاجة دون ذكر الإنسان.

والحاجة أعم من أن تكون حاجة الإنسان؛ لأن حاجة الإنسان يُكنّى بها عن البول كما فُسِّر من قبل الزهري سابقًا، ولهذه العلة- والله أعلم- لم يدخل البخاري حديث مالك، وإن كان فيه زيادة تفسير، يعني إلا لحاجة الإنسان، لكنه ترجم للحديث بتلك الزيادة؛ إذ كان ذلك عنده معنى الحديث، طيب هل يفهم من كلام ابن بطال أن البخاري ما خرّج رواية مالك ألبتة؟

المقدم: هذا الذي يفهم منه، لكنه أخذ الترجمة كما ذكرتم استفاد من هذه الزيادة في الترجمة.

هو استفاد، لكن يبقى أن الإمام البخاري– رحمه الله- تعالى في كتاب الحيض، في الباب الذي أشرنا إليه سابقًا باب غسل الحائض لرأس زوجها وترجيله، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أرجل رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا حائض نعم.

في كتاب الحيض، فأخرج رواية مالك، وليس فيها الزيادة حاجة الإنسان، التي تحاشاها الإمام البخاري، وليس فيه عروة عن عمرة، إنما فيه عن عروة عن أبيه عن عائشة، مع أن: كنت أرجل رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا حائض، أعم مما في حديث الباب؛ لأنها كانت ترجله وهي حائض وهو معتكف، وقولها: كنت أرجل رأس رسول الله وأنا حائض، أعم من أن يكون معتكفًا أو غير معتكف.

فكلام ابن بطال يتجه في كون البخاري لم يخرج رواية مالك التي فيها إدخال عَمرة بين عروة وعائشة، والتي فيها التنصيص على حاجة الإنسان، أما كونه خرَّج حديث مالك في الباب، يعني في باب ترجيل الحائض رأس زوجها، فقد خرَّجه في كتاب الحيض، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: كنت أرجل رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا حائض.

فخرّج رواية مالك التي ليس فيها مخالفة، الماشية على الجادة مع رواية الجمهور، التي لا تتضمن مخالفة.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ونفع بما قلتم، أيها الإخوة بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة، نتقدم بختامها بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، على ما تفضل به، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.