شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (226)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

والذي نستضيف فيه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين. 

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: عن جرير بن عبد الله –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له في حجة الوداع « استنصت الناس فقال: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فراوي الحديث جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة، أبو عبد الله البجلي، الأمير النبيل الجميل، أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله، من أعيان الصحابة، بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، ووفى ببيعته، وقصصه مشهورة في النصح لكل مسلم، ومما يتناقله أهل العلم في هذا الموضع قصة شراء الفرس حينما رأى فرسًا يُعرض للبيع فقال لصاحبه: بكم تبيعه؟ فقال: بثلاثمائة، فقال: اشتريت، ثم قال: إن فرسك يستحق أكثر، فقال: أربعمائة، فقال: اشتريت، لكن فرسك يستحق أكثر، فما زال كذلك حتى بلغ الثمانمائة، هذا هو النصح، والله المستعان.

قال الذهبي: كان بديع الحسن، كامل الجمال، قدم المدينة في رمضان سنة عشر، وتوفي سنة إحدى وخمسين وقيل: أربعة وخمسين، وتقدم ذكره في باب الدين النصيحة. والبجلي بفتح الباب نسبة إلى بجيلة كما هو قول عامة أهل العلم بما في ذلك العيني في مواضع من الجزء الأول مائتين وتسع وعشرين، ومائتين واثنين وستين، وثلاثمائة وثلاث وعشرين، وضبطه العيني في الجزء الأول صفحة مائة وواحد وثلاثين بضم الباء.

المقدم: بُجلي

نعم، لكن في ثلاثة مواضع من العيني بفتح الباء، وهو الموافق لكلام عامة أهل العلم. الحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بباب الإنصات للعلماء، قال العيني: أي هذا باب في بيان الإنصات لأجل العلماء، واللام فيه للتعليل، والإنصات بكسر الهمزة: السكوت والاستماع للحديث، يقال: نصت نصتًا، وأنصت إنصاتًا إذا سكت واستمع للحديث، يقال: أنصتوه وأنصتوا له وانتصت: سكت.

 ووجه المناسبة بين البابين، هذا الباب باب الإنصات للعلماء والباب الذي قبله باب حفظ العلم، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إن العلم إنما يُحفظ من العلماء، ولابد فيه من الإنصات لكلام العالم؛ حتى لا يشذ عنه شيءٌ، فبهذه الحيثية تناسبا في الاقتران، يعني في المجاورة، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: « استنصت الناس» قال له: قال ابن حجر ادعى بعضهم أن لفظ له زيادة؛ لأن جريرًا إنما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين، فقد جزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يومًا، يعني قال له تقتضي أنه....

المقدم: موجود.

مباشرة.

المقدم: نعم في حجة الوداع.

نعم، قال له تقتضي المباشرة من دون واسطة، يعني لو قال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال، يحتمل أن تكون هناك واسطة؛ لأن نقل القول لا يتعين فيه المباشرة، لكن إذا قال: قال له..

المقدم: هو المأمور وهو موجود.

نعم، هو المأمور بإنصات الناس، ولذلك يفرقون بين قول المحدث: قال، وقال لي، لا شك أن قال لي أقوى، قال ابن حجر: ادعى بعضهم أن لفظ له زيادة؛ لأن جريرًا إنما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين، فقد جزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يومًا، وما جزم به يعارضه قول البغوي وابن حبان أنه أسلم في رمضان سنة عشر، وكذلك في كلام الذهبي الذي تقدم في ترجمته، قدم المدينة في رمضان سنة عشر، ووقع في رواية المصنف لهذا الحديث في باب حجة الوداع بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجرير، -الآن هذا نص ما يحتمل-، وهذا لا يحتمل التأويل، فيقوى ما قاله البغوي، والله أعلم، هذا قاله ابن حجر، ونحوه في العيني.

في حجة الوداع المشهور، في الحاء والواو الفتح (حَجة-الوَداع) قاله الكرماني، وفي شرح النووي على مسلم: المعروف في الرواية حَجة الوداع بفتح الحاء، وقال الهروي وغيره من أهل اللغة: المسموع من العرب في واحدة الحجج حِجة بكسر الحاء، قالوا: والقياس فتحها؛ لكونها اسمًا للمرة، وليست عبارة عن الهيئة، ومعروف أن اسم المرة فَعلة، واسم الهيئة فِعلة جِلسة، وليست عبارة عن الهيئة حتى تكسر قالوا: فيجوز الكسر بالسماع والفتح بالقياس، يكون كسرها سماعيًّا، يعني لا يقاس عليه، لا تغير صيغة اسم المرة من أجل هذا اللفظ المسموع.

 في حجة الوداع هو متعلق بقال، وكانت حجة الوداع سنة عشرٍ من الهجرة النبوية، وسميت بذلك؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ودع الناس فيها، قال: « استنصت الناس» بصيغة الأمر، والاستنصات استفعال من الإنصات، ومثله قليل؛ إذ الغالب أن الاستفعال يُبنى من الثلاثي، ومعناه طلب السكوت؛ لأن السين والتاء للطلب يعني استشفاء طلب الشفاء.

المقدم: لكن لماذا نادر هو الأكثر يا شيخ؟

لماذا؟

المقدم: أنه يُبنى من الثلاثي استفعال ليس العكس.

لا, هذا كلام الكرماني يقول: ومثله قليل؛ إذ الغالب أن الاستفعال يُبنى من الثلاثي، ومعناه طلب السكوت، وهو متعدٍ، والإنصات جاء لازمًا ومتعديًا، يعني استعمل أنصتوه وأنصتوا له، لا أنه جاء بمعنى الإسكات

المقدم: يعني أرى قصد في الأمر لي مهيأ أصلًا الخماسي لا يمكن أن يأتي إلا على هذه الصيغة إطلاقا، فيه خماسي يأتي على غير هذه الصيغة؟

أنت تريد أن استنصات من استشفاء واسترقاء.

المقدم: واستخدام.. وكل ما كان هذه الصورة ما يأتي إلا على هذه الصيغة.

يقول: إذ الغالب أن الاستفعال يُبنى من الثلاثي، إذًا تصور الثلاثي وأضف عليه السين والتاء، فعندك الفعل نصت يأتي منه استنصات، لكن أنصت الرباعي.

المقدم: استنصات.

نعم متى يأتي مثل هذا؟ متى يأتي من الرباعي؟ هات لي رباعيًّا فيه استفعال؟

المقدم: هو أجبر إجبارًا وأكرم إكرامًا

لكن ما تقول: استكرام واستجبار ما تجيء، والإنصات جاء لازمًا ومتعديًا، يعني استعمل أنصتوه وأنصتوا له، لا أنه جاء بمعنى الإسكات، قال ابن حجر: وقد وقع التفريق بين الإنصات والاستماع في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا}[الأعراف:204]، كونه يُعطف على الاستماع يدل على أنه..

المقدم: خيره.

غيره ومعناهما مختلف، فالإنصات هو السكوت، وهو يحصل-يعني السكوت-، ممن يستمع وممن لا يستمع، كأن يكون مفكرًا في أمر آخر، وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه، ظاهر؟ وقد يكون مع النطق بكلام آخر، وكذلك الاستماع.

المقدم: بينما الإنصات لا يحصل إلا بسكوت تام.

نعم، لكن قد يكون من غير استماع، إنصات يسكت، ولكن يفكر بأمور أخرى لا يستمع، يعني لا يقصد السمع وإن سمع يعني فرق بين السماع والاستماع، فقد ينصت من غير استماع، وقد ينصت وهو لا يسمع، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر جدًّا.

كذلك الاستماع -وهذا هو المهم عندنا- كذلك الاستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه، هل يتصور أن إنسانًا يتحدث ومع ذلك يفهم ما يقال أثناء حديثه، يعني عند مقاطعة الكلام، مقاطعة المتكلم بكلامه..

المقدم: هذا ليس منصتًا.

  هذا ليس منصتًا، لكن يستمع.

المقدم: قد يكون يستمع، ولذلك الأمر في الخطبة بالإنصات وليس بالاستماع.

نعم.

المقدم: لأن الإنصات هو الفرض قد لا يستمع الإنسان، قد يكون ساكتًا، لكن لا يعي ما يقول.

نعم، قد يشرد، قد يغفل، قد يكون منصتًا وهو لا يسمع بعد احتمال بعيد أو أصم أو.. المقصود أنه منصت، وهذا هو المطلوب في الخطبة، لكن الآن في قولهم: وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه، نعم قد يوجد من بعض الناس أنه يستوعب الكلام، وهو منشغل في الظاهر عما يقال، وإن كان عموم الناس أنه لا يدرك إدراكًا تامًّا إلا بالإنصات والاستماع، ويُذكر عن الإمام الدارقطني- رحمه الله- أنه كان يستمع إلى الحديث وهو يكتب في موضوع آخر، ليس بنفس الموضوع الذي يلقيه الشيخ ويستمع الأحاديث ويحفظ و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد:21]، يذكر أهل الحديث قصصًا غريبة عن الدارقطني وغيره، علم الدين السخاوي يقرأ عليه أكثر من عشرة القرآن، ويرد على كل واحد وهو يستمع لهم في آن واحد يقرؤون فيرد على هذا، ويرد على هذا... وبعض الناس من أدنى حركة لو تغير وضعه لو عطس ارتج عليه.

المقدم: لو تتغير جلسته التي يجلسها.

نعم، لو حُرك الباب خلاص انتهى جميع ما عنده، انتهى وما يدري هل هو في الصفحة اليمنى أو اليسرى، فالناس يتفاوتون، يقول الحافظ: وقد قال سفيان الثوري وغيره: أول العلم الاستماع ثم الإنصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر، هذه مراتب أولها الاستماع ثم الإنصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر، وأيهما أولى أن يكون الأول الاستماع أو الإنصات؟

المقدم: ما يكون إلا الاستماع؛ لأن الله -عز وجل- قدمه.

 فَاسْتَمِعُوا لَهُ. 

المقدم: وَأَنصِتُوا.

لكن الواو هذه الجواب عنها سهل تقتضي الترتيب، ولذلك الأصمعي قدم الإنصات على الاستماع؛ لأن الإنصات فيه تهيئة للنفس التي تستمع، فيه تهيئة، وعلى كل حال هذا كلام سفيان -رحمه الله-، والحافظ ابن حجر نسبه إلى الثوري، والقرطبي نسبه إلى ابن عيينة، قال سفيان بن عيينة، ولعله جاء في مصدر الكتابين مهملًا قال سفيان، فاستروح الحافظ ابن حجر إلى أنه الثوري، والقرطبي استروح إلى أنه ابن عيينة.

قال: أول العلم الاستماع ثم الإنصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر، هذه أمور لابد منها، يستمع وينصت للشيخ وللقارئ، ثم بعد ذلك يحفظ ما سمعه وما استمعه، ثم يعمل به، وأعظم وسائل تثبيت العلم العمل به ثم النشر، النشر بالتعليم والتأليف، وعن الأصمعي تقديم الإنصات على الاستماع، وقد ذكر علي بن المديني أنه قال لابن عيينة: أخبرني معتمر بن سليمان عن كهمس عن مطرف قال: الإنصات من العينين، فقال له ابن عيينة: وما ندري كيف ذلك؟! قال: إذا حدثت رجلًا فلم ينظر إليك لم يكن منصتًا، انتهى.

قال ابن حجر: وهذا محمول على الغالب؛ لأنه قد يبدو أن السامع أو المستمع تشاغل عنك وينظر إلى غيرك وأنت ترى أنه ينظر إلى غيرك، وهو في الحقيقة منصت.

المقدم: أو الأعمى يا شيخ.

أو الأعمى، لكن الأعمى عذره.. لابد من هذا أمر قهري، لكن أحيانًا يكون الإنسان يسمع كلام شخص ويتلذذ به ويحتاج إليه، لكن لا يبين له أنه بحاجته، وقد يستعمله بعض الدهاة من القضاة، الخصم يتكلم بكلام طويل ويشرح قصصه، وقد ينعس القاضي فيما يبدو لهم؛ من أجل أن يقول له: ما سمعت..أعد، عله أن يقع خلل في كلامه أو تناقض، فيستدل به على أنه غير محق، قد يستعمله بعض الدهاة، وحصل هذا، ينعس فإذا انتهى.. أعد أعد ما انتبهت، فإذا أعاد وجد خللًا في كلامه عرف كيف تكون القضية.

 « لا ترجعوا» أي لا تصيروا، قال ابن مالك في شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح -هذا جزء لطيف في مشكلات الجامع الصحيح من جهة العربية، كتاب نفيس صغير، مر بنا مرارًا، ذكرناه في مناسبات أن الحافظ اليونيني قرأ البخاري على ابن مالك، فابن مالك يرويه عن اليونيني بهذه القراءة، واليونيني يستفيد من تصحيح ابن مالك فيما يُشكل من حيث العربية، يقول: ابن مالك في شواهد التوضيح: ما خفي على أكثر النحويين استعمال رجع كصار معنىً وعملًا، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- « لا ترجعوا بعدي كفارًا» أي لا تصيروا، ومنه قول الشاعر:

قد يرجع المرء بعد المقت ذا مِقةٍ   ...   بالحلم فادرأ به بقضاء ذي إحن

قد يرجع المرء بعد المقت أي بعد أشد البغض، ذا مِقةٍ يعني ذا محبة، وكثيرًا ما حصل من المناسبات التي ليست محبوبة، تحصل قضية ومشكلة، ثم بعد ذلك تصير صحبة وصداقة ومحبة.

المقدم: قد يرجع المرء.

بعد المقت ذا مِقةٍ يعني محبة ومودة، ويجوز في يضرب الرفع والجزم، وهذا كلام ابن مالك، يقول العيني في شرحه: فعلى هذا كفارًا يكون منصوبًا؛ لأنه خبر لا ترجعوا، ابن مالك قال: لا ترجعوا معناها لا تصيروا معنًا وعملًا، فتعمل عمل صار، كفارًا – هذا كلام العيني- يكون منصوبًا؛ لأنه خبر لا ترجعوا، أي لا تصيروا كفارًا، فتكون من الأفعال الناقصة التي تقتضي الاسم المرفوع والخبر المنصوب.

 « بعدي» قال الطبري أي بعد فراق موقفي هذا، وقال غيره: خلافي أي لا تخلفوني في أنفسكم بعد الذي أمرتكم به، ويحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- علم أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد وفاته، وقال في شرح المصابيح فيما نقله العيني، يقول المظهري في شرح المصابيح فيما نقله العيني وقبله الكرماني: يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل، وقال محيي السنة البغوي: أي لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمين، وقال النووي في شرح مسلم: قيل في معناه سبعة أقوال..

المقدم: لا ترجعوا بعدي كفارًا.

كفارًا نعم؛ لأن هل ضرب الرقاب وقتل المسلم...

المقدم: يعني الكفر.

يعني الكفر المخرج عن الملة أو لا؟ قيل في معناه سبعة أقوال:

أحدها: أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق، ولا شك أن من استحل القتل كفر إجماعًا؛ لأن القتل مجمع على تحريمه.

والثاني: أن المراد كفر النعمة وحق الإسلام.

والثالث: أنه يقرب من الكفر.

والرابع: أنه فعلٌ كفعل الكفار؛ لأنه ليس من شأن المسلم أن يقتل أخاه، وأن هذا من شأن الكافر.

والخامس: أن المراد حقيقة الكفر، ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين، يعني لا تكفروا بالقتل؟ أو لا تكفروا ترتدوا ثم يقتل بعضكم بعضًا؟

المقدم: المراد المفضي.

المفضي إليه، وسيأتي في كلام غيره.

والسادس: حكاه الخطابي وغيره أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، يعني المستترون بالسلاح؛ لأن الكفر في اللغة الستر، يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه، قال الأزهري في كتابه تهذيب اللغة: يقال للابس السلاح كافر.

المقدم: بعيد يا شيخ هذا المعنى.

ويقال أيضًا للمزارع: كافر (يعجب الكفار) يعني الزراع.

المقدم: لكن هذا القول ليس فيه صفة يذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- الكفار الذين هم المتسترون ما هي صفة مدح ولا صفة ذم هنا..

ما يؤدي غرض الحديث الذي سيق من أجله.

السابع: قاله الخطابي معناه: لا يكفر بعضكم بعضًا، فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا.

قال النووي: وأظهر الأقوال الرابع، أنه فعل كفعل الكفار، وهو اختيار القاضي عياض -رحمه الله-. وقال ابن حجر في فتح الباري: جملة ما فيه من الأقوال ثمانية فذكر الأقوال، ذكر الأول قول الخوارج أنه على ظاهره...

المقدم: الخوارج يقولون بـ..

بكفره، يعني من يقتل مؤمنًا كافر، عندهم ثم ذكر السبعة، ثم زاد تاسعًا، وهو أن المراد ستر الحق، والكفر لغة الستر؛ لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله كأنه غطى حقه الثابت له عليه، وزاد عاشرًا وهو أن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر؛ لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك إلى أشد منها، فيُخشى ألا يختم له بخاتمة الإسلام.

 قلت: ومما يدل على ذلك قوله تعالى في حق اليهود: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة:61] بسبب ماذا؟ ضرب الذلة والمسكنة وباؤوا بالغضب؛ لأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق، كونهم يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير حق؛ بسبب { بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61]؛ لأن الإنسان قد يتساهل في الصغيرة، ثم هذه الصغيرة تجره إلى كبيرة، ثم يتساهل بالكبائر، ثم تجره هذه الكبائر إلى أن يخرج من الإسلام وهو لا يدري، {ذَلِك بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.

المقدم: كأني ألمس أنكم تميلون للقول الرابع...

هذا كلام النووي، لكن لعل الراجح أنه من نصوص الوعيد، ومن باب تعظيم شأن القتل، ولا شك أنه جريمة و«لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا»، فالقتل شأنه عظيم، وجاء في آية النساء أمرٌ عظيم {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[النساء:93]، نسأل الله العافية.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.

 

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، يتجدد اللقاء بكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.